منتدى شادية دلوعة الشاشة العربية
عزيزي الزائر أنت غير مسجل ويسعدنا انضمامك الى أسرتنا الجميلة المتحابة


والمترابطة وإذا رغبت فأهلاّ وسهلاّ بك ، قم بالتسجيل لنتشرف بوجودك معنا
[/center]
منتدى شادية دلوعة الشاشة العربية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةالبوابة*أحدث الصورالتسجيلدخول
سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 70094110
المواضيع الأخيرة
» البقاء لله انطوانيت توفاها الله
سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 71831510السبت 13 يناير 2024 - 6:30 من طرف أرض الجنتين

» والله زمان يا احلي منتدي
سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 71831510الخميس 17 أغسطس 2023 - 23:14 من طرف هدى

» قصة فيلم العقل في اجازة
سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 71831510الخميس 17 أغسطس 2023 - 23:11 من طرف هدى

» تلوين نور الحياة لصور شادية
سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 71831510الخميس 17 أغسطس 2023 - 23:07 من طرف هدى

» سجل حضورك بالصلاة علي النبي صلى الله عليه وسلم
سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 71831510الأربعاء 12 يوليو 2023 - 13:07 من طرف نور الحياة شاكر

» الذكرى الخامسة لوفاة الراحلة شادية
سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 71831510الأحد 16 أبريل 2023 - 20:01 من طرف هدى

» غياااب بس ولكن حاظرين في القلووب
سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 71831510الأحد 16 أبريل 2023 - 19:56 من طرف هدى

» صباح و مساء مليء بالمشاعر الجميلة‏
سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 71831510الأربعاء 16 نوفمبر 2022 - 5:43 من طرف أرض الجنتين

» سجل حالتك النفسية كل يوم
سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 71831510الثلاثاء 15 نوفمبر 2022 - 6:26 من طرف أرض الجنتين

»  ريا وسكينة جزء نادر جدا من مسرحية ريا وسكينة يعرض لاول مرة
سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 71831510الثلاثاء 12 أبريل 2022 - 23:36 من طرف Sara Salim

» رابط باغانى الفنان فهد بلان
سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 71831510الخميس 13 يناير 2022 - 21:08 من طرف سميرمحمود

» روابط اروع ماغنت مياده الحناوى الصوتيه والمصوره
سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 71831510الأربعاء 30 يونيو 2021 - 4:36 من طرف سميرمحمود

» اروع ما غنت شاديه
سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 71831510الأحد 28 فبراير 2021 - 23:11 من طرف سميرمحمود

» كواليس ريا وسكينة يرويها مدبولى
سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 71831510الإثنين 25 يناير 2021 - 20:50 من طرف هدى

» اليوم ليلة عيد الميلاد المجيد عيد مجيد
سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 71831510الأحد 27 ديسمبر 2020 - 19:56 من طرف انطوانيت

» كل سنة وانت بخير يا انطوانيت
سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 71831510الأحد 27 ديسمبر 2020 - 19:52 من طرف انطوانيت

» عيد منتدانا الثالث عشر
سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 71831510الإثنين 7 ديسمبر 2020 - 22:40 من طرف هدى

» ميلاد قيثارة الغناء العربي ( ١١)
سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 71831510الإثنين 7 ديسمبر 2020 - 19:43 من طرف هدى

» رابط بأغانى الكروانه فايزه احمد المصوره
سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 71831510الخميس 12 نوفمبر 2020 - 20:00 من طرف سميرمحمود

» رابط بأغانى الكروانه فايزه احمد الصوتيه
سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 71831510الخميس 12 نوفمبر 2020 - 19:58 من طرف سميرمحمود

»  تصميمات وهمسة قلم نور الحياة شاكر
سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 71831510الجمعة 6 نوفمبر 2020 - 23:40 من طرف نور الحياة شاكر

» مولد نبوى شريف عليكم جميعا
سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 71831510الأربعاء 4 نوفمبر 2020 - 22:19 من طرف نور الحياة شاكر

» من أغاني الزمن الجميل...أعزفها لعيون محبي الدلوعة شادية
سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 71831510الأربعاء 4 نوفمبر 2020 - 22:16 من طرف نور الحياة شاكر

» ان راح منك ياعين
سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 71831510الأحد 25 أكتوبر 2020 - 20:47 من طرف امجدالنجار

» اشتقت لكم
سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 71831510الخميس 22 أكتوبر 2020 - 23:32 من طرف امجدالنجار

» جمال شادية
سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 71831510الأربعاء 21 أكتوبر 2020 - 20:17 من طرف نور الحياة شاكر

» عيد ميلاد اجمل هدهوووووووود الدعوة عامة
سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 71831510الإثنين 12 أكتوبر 2020 - 4:15 من طرف هدى

» اروع ما غنت فايده كامل
سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 71831510السبت 19 سبتمبر 2020 - 19:26 من طرف سميرمحمود

» اروع ما غنت سوزان عطيه
سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 71831510السبت 19 سبتمبر 2020 - 19:25 من طرف سميرمحمود

» فايزه احمد ,, قاعد معاى ,, حفله نادره مصوره
سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 71831510السبت 29 أغسطس 2020 - 19:38 من طرف سميرمحمود

المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 21 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 21 زائر :: 1 روبوت الفهرسة في محركات البحث

لا أحد

أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 1057 بتاريخ الأربعاء 24 يوليو 2019 - 18:46
احصائية المنتدى
إذاعة المنتدى
هنــــا
مغارة كنوز صور القيثارة
هنــــا
اشهر مائة فى الغناء العربى
هنــــا
من لا يحب شادية صاحبة المعاني النبيلة
هنــــا
ديوان نجمة القمتين شادية
هنــــا
شادية نغم في القلب
هنــــا
صور من تاريخ شادية
هنــــا
مركز لتحميل الصور
سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 Eiaia_10

شاطر | 
 

 سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق اذهب الى الأسفل 
انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2, 3, 4, 5, 6, 7, 8  الصفحة التالية
كاتب الموضوعرسالة
انطوانيت
عاشقة شادية رقم واحد
عاشقة شادية رقم واحد
انطوانيت

الدولة : سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 Male_l10
انثى
عدد الرسائل : 61427
تاريخ التسجيل : 11/11/2009
المزاج : سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 3010
احترام القوانين : سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 111010
بطاقة عضوية : سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 Ouoa10

سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة   سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 71831510الجمعة 14 مايو 2010 - 14:40

يا لطيف شو كانت حياتو عذاب وهو يلي ضحك الملايين.
شكرا لك يا كنزنا.
الموضوع الأصلى : سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة  المصدر : قيثارة الغناء العربى
توقيع العضو: انطوانيت
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://www.shadialovely.com/
نور الحياة شاكر
المشرف العام
المشرف العام
نور الحياة شاكر

الدولة : سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 Female73
انثى
عدد الرسائل : 51922
تاريخ التسجيل : 08/12/2007
المزاج : سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 710
بطاقة عضوية : سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 Ou_oa10

سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة   سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 71831510الجمعة 14 مايو 2010 - 21:53

انطوانيت كتب:
يا لطيف شو كانت حياتو عذاب وهو يلي ضحك الملايين.
شكرا لك يا كنزنا.

شكرا لمرورك الجميل ياغالية
الموضوع الأصلى : سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة  المصدر : قيثارة الغناء العربى
توقيع العضو: نور الحياة شاكر
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
نور الحياة شاكر
المشرف العام
المشرف العام
نور الحياة شاكر

الدولة : سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 Female73
انثى
عدد الرسائل : 51922
تاريخ التسجيل : 08/12/2007
المزاج : سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 710
بطاقة عضوية : سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 Ou_oa10

سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة   سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 71831510الثلاثاء 1 يونيو 2010 - 0:24

38 عاما على رحيل نجم الكوميديا

اسماعيل يس

الفن أونلاين -
خاص


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]




يمر
اليوم
38 عاماً علي رحيل احد أساطير الكوميديا في القرن العشرين وهو الفنان
الراحل
إسماعيل يس وهو فنان ظاهرة بكل المقاييس وكان صاحب أسلوب مميز جداً في
الأداء جعله
معشوق الملايين صغارا وكبارا . ومازالت أفلامه موضع إعجاب الملايين حتى
الآن
.

البداية

ولد إسماعيل يس في مدينة
السويس،
وتوفيت والدته وهو لايزال في سنواته الأولى، ودخل أبوه، الذي كان يعمل
صائغاً في
شارع عباس في مدينة السويس، السجن بسبب إفلاسه وتراكم الديون عليه، لذا وجد
إسماعيل
يس نفسه فجأة في الشارع وهو مازال في السنة الرابعة الابتدائية، ولم يجد من
يعوله
أو يحنو عليه، ما اضطره لترك المدرسة والعمل في بعض المهن الصغيرة كي
يستطيع
الإنفاق على نفسه، ومنها عمله لمدة طويلة كمناد للسيارات في أحد مواقف
السيارات
العمومية في السويس، وعندما بلغ الثامنة عشرة أو ما يزيد ترك السويس إلى
القاهرة
جرياً وراء حلمه الكبير، وكان ذلك في بداية الثلاثينيات.

وكان حلمه أن يصبح مطربا، وفي سن الثامنة عشرة سافر إلى القاهرة
وحاول
الالتحاق بفرق فنية عدة كانت مزدهرة في القاهرة آنذاك، ومنها فرقة بديعة
مصابني،
إلا أن جميع هذه الفرق رفضت عمل إسماعيل يس كمطرب واختاروا له أن يكون
مونولوجست ،
وكان رأيهم جارحاً له، فملامح وجهه لا تناسب ملامح وجه مطرب عاطفي، ربما
تناسب هذه
الملامح مهنة المونولوجست.

وعلى رغم هذا أصر اسماعيل يس على هدفه، بيد أنه لم يحقق شيئاً
في الطرب،
وذاع صيته كمونولوجست إلى أن اختاره فؤاد الجزايرلي لدور صغير في فيلم "خلف

الحبايب" الذي يعد أول ظهور له في السينما، كان ذلك بعد 9 سنوات من عمله في
الفرق
الغنائية والاستعراضية المختلفة.

وظل أحد رواد هذا الفن علي امتداد عشر سنوات من عام 1935- 1945
ثم عمل
بالسينما وأصبح أحد أبرز نجومها وهو ثاني إثنين في تاريخ السينما أنتجت
لهما أفلام
بأسمائهما بعد ليلي مراد، ومن هذه الأفلام "إسماعيل ياسين في متحف الشمع -
إسماعيل
ياسين يقابل ريا وسكينة - إسماعيل ياسين في الجيش - إسماعيل ياسين في
البوليس –
إسماعيل ياسين في الطيران – إسماعيل ياسين في البحرية – إسماعيل ياسين في
مستشفي
المجانين..إلخ".

استمرارية إسماعيل ياسين

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

اسماعيل يس

لازالت أفلامه العديدة
القديمة "أبيض وأسود" هي المادة المفضلة لدي قطاع عريض من
الجمهور في مصر والعالم العربي لأنه استطاع أن يرسم البسمة علي شفاه
الجماهير بفضل
ملكاته ومواهبه المنفردة.

وساهم إسماعيل ياسين في صياغة تاريخ المسرح الكوميدي المصري
وكون فرقة
تحمل اسمه وظلت هذه الفرقة تعمل علي مدي 12 عاما من عام 1954 حتى عام 1966
قدم
خلالها مايزيد علي خمسين مسرحية بشكل شبه يومي.

مثل إسماعيل يس مع الكثير من الممثلين والمطربين فقد قضى مدة
طويلة في
دور الرجل الثانى أو مساند البطل حتى واتته الفرصه فأصبح بطلاً وقام ببطولة
الكثير
من الأفلام إلتي تبدأ بإسمه وقد شاركه في أكثر هذه الأفلام أصدقاء عمره
"رياض
القصبجى، زينات صدقى، حسن فايق، عبد الفتاح القصرى".

كما إننا لايمكن أن ننسى مشاهده الكثيرة والممتعة مع رياض
القصبجى وخاصة
في فيلم أسماعيل ياسين في البحرية. وقد استعان إسماعيل ياسين بعدد كبير من
المخرجين
المرموقين في إخراج مسرحياته منهم: السيد بدير، محمد توفيق، عبد المنعم
مدبولي، نور
الدمرداش. كما عمل في مسرح إسماعيل ياسين نخبة كبيرة من كبار نجومنا أمثال:
عبد
الوارث عسر، شكري سرحان، سناء جميل، تحية كاريوكا وغيرهم ويستحق إسماعيل
ياسين
تكريم الملايين من الجماهير التي أسعدها وأدخل البهجة في نفوس عشاقه.

افلامه ناجحة و حققت أعلى الإيرادات في تاريخ السينما العربية
حتى اليوم
وذلك نسبه العدد سكان في وقته وعدد دور العرض و قيمه التذكرة السينمائية
أيامها
كانت رخيصة وأيضا وقت حروب الكثيرة التي كانت تعاني منها مصر في فترة
زمانيه من 48
إلى 73 و لازالت أفلامه العديدة القديمة "أبيض وأسود" هي المادة المفضلة
لدي قطاع
عريض من الجمهور في مصر والعالم العربي لأنه استطاع أن يرسم البسمة علي
شفاه
الجماهير بفضل ملكاته ومواهبه المنفردة.

وساهم إسماعيل ياسين في صياغة تاريخ المسرح الكوميدي المصري
وكون فرقة
تحمل اسمه وظلت هذه الفرقة تعمل علي مدى 12 عاما من عام 1954 حتى عام 1966
قدم
خلالها ما يزيد علي خمسين مسرحية بشكل شبه يومي.

السينما

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

اسماعيل يس

وفى عام 1939 كان بداية
دخوله السينما، عندما اختاره فؤاد الجزايرلى ليشترك في
فيلم "خلف الحبايب". وقدم العديد من الأفلام لعب فيها الدور الثاني من
أشهرها في
تلك الفترة "علي بابا والأربعين حرامي" و"نور الدين والبحارة الثلاثة"
و"القلب له
واحد".

البطولة مطلقة
في عام 1945 جذبت موهبة إسماعيل ياسين انتباه أنور وجدي فاستعان
به في
معظم أفلامه، ثم أنتج له عام 1949 أول بطولة مطلقة في فيلم "الناصح" أمام
الوجه
الجديد ماجدة.

استطاع ياسين أن يكون نجماً لشباك التذاكر تتهافت عليه
الجماهير، وكانت
أعوام 52 و 53 و54 عصره الذهبي، حيث مثل 16 فيلما في العام الواحد وهذا لم
يستطع أن
يحققه أي فنان آخر.

وعلى الرغم من أن إسماعيل ياسين كان لا يتمتع بالوسامة والجمال،
وهي
الصفات المعتادة في نجوم الشباك في ذلك الوقت، إلا أنه استطاع أن يجذب إليه

الجماهير عندما كان يسخر من شكله وكبر فمـه في معظم أعماله.

فاستطاع أن يقفز للصفوف الأولى وأن يحجز مكاناً بارزاً مما سعى
المنتجين
للتعاقد معه على أفلام جديدة وأصبح البطل الوحيد الذي تقترن الأفلام باسمه
حتى وصل
للقمة.

وفي عام 1954 ساهم في صياغة تاريخ المسرح الكوميدي المصري وكون
فرقة
تحمل اسمه، وظلت هذه الفرقة تعمل على مدي 12 عاما حتى 1966 قدم خلالها ما
يزيد علي
50 مسرحية بشكل شبه يومي من تأليف توأمه وشريك مشواره الفني أبو السعود
الإبياري.


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]




سلسلة أفلام باسمه

بداية من عام 1955 كون مع المخرج فطين عبد الوهاب ثنائيا من أهم

الثنائيات في تاريخ السينما المصرية وتاريخ إسماعيل ياسين أيضا فقد عملا
معا في
أفلام عديدة.

و يذكر أن 30% من الأفلام التي قدمها نجم الكوميديا كان وراءها
المخرج
فطين عبد الوهاب، وكانت تحمل أغلبها اسم إسماعيل ياسين، حيث انتجت له
الأفلام باسمه
بعد ليلى مراد، ومن هذه الأفلام إسماعيل ياسين في متحف الشمع – إسماعيل
ياسين يقابل
ريا وسكينة – إسماعيل ياسين في الجيش – إسماعيل ياسين في البوليس – إسماعيل
ياسين
في الطيران – إسماعيل ياسين في البحرية – إسماعيل ياسين في مستشفي المجانين
ولازمه
في هذه الأفلام الممثل رياض القصبجي الشهير بالشاويش عطية، حيث كانت
مشاهدهما – ولا
تزال إلى الآن – محطة هامة في تاريخ الكوميديا والتي يستمتع بها الجمهور
حتى الآن
بسبب المفارقات العجيبة والمواقف الطبيعية.

ثنائيات

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

اسماعيل يس و شادية

التقت شاديه بإسماعيل ياسين
في حوالي 23 فيلما ما بين عامي 1949 و1954 بمعدل لا
يقل عن 3 أفلام في العام الواحد. وكان أول لقاء بينهما في فيلم "كلام
الناس" ثم
التقيا مره أخرى في فيلم "صاحبه الملاليم" وكان لنجاحهما معا اكبر الأثر
مما جعل
المنتجين و المخرجين يجمعون بينهما. فكان لإسماعيل ياسين دورا بارزا في
أفلام شاديه
حتى و لو لم يكن هو البطل الرئيسي للفيلم.

ومن الأفلام التي جمعتهم في الهوا سوا وحماتي قنبلة ذرية
و"مغامرات
إسماعيل يس" "الظلم حرام" و"الحقونى بالمأذون" ويعتبر فيلم "الستات ما
يعرفوش
يكدبوا" آخر فيلم جمع بينهما عام 1954 بالاشتراك مع شكري سرحان وزينات
صدقي.

مثل إسماعيل يس مع الكثير من الممثلين والمطربين فقد قضى مدة
طويلة في
دور الرجل الثاني أو مساند البطل حتى واتته الفرصه فأصبح بطلاً وقام ببطولة
الكثير
من الأفلام التي تبدأ بإسمه وقد شاركه في أكثر هذه الأفلام أصدقاء عمره
"رياض
القصبجي، زينات صدقي، حسن فايق، عبدالفتاح القصري،عبدالسلام
النابلسي".

أهم المشاهد

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]




ولإسماعيل

يس مشاهد لا تنسى سواء في أفلام قام ببطولتها أو قدم الدور الثاني منها
فيلم
"الآنسة ماما" لحلمي رفلة 1950 قدم مع محمد فوزي وصباح نموذجا بديعا لفن
"البيرلسك"
أو المحاكاة الكاريكاتورية الساخرة لمشاهد شهيرة، وكان هذا في الاسكتش
عنوانه
"أبطال الغرام" ويتضمن ثلاثة مواقف كلاسيكية، "قيس وليلى"، "انطونيو
وكليوباترا"،
"روميو وجولييت".

وفي "دهب" الذي أخرجه أنور وجدي عام 1953، قدم إسماعيل ياسين
مشهدا
صامتا من فن "البانتوميم"، عندما يندمج في أكل "المكرونة" الوهمية، وشرب
الشوربة
التي لا وجود لها. وفي الفيلم نفسه قدم مع الطفلة فيروز عدة استعراضات
غنائية تضاف
إلى الثروة الهائلة التي خلفها، في هذا المجال.

فيلم "الآنسة حنفي" لفطين عبد الوهاب 1954 الذي يكتسب قيمة
فريدة سواء
بكشفه عن سلبيات الرجل "الشرقي" المصر على حقه في الهيمنة على المرأة ـ
إسماعيل
ياسين قبل أن يتحول إلى الآنسة حنفي ـ أو بكشفه عن إصرار المرأة على انتزاع
حقوقها
ـ إسماعيل بعد تحوله إلى آنسة ـ وبلمسات إسماعيل ياسين الساحرة وبأدائه
الكاريكاتوري خصوصا في مشاهد الحمل والولادة، ما زال الفيلم قادرا على
إثارة الضحك
حتى الآن.

المسرح
وقد استعان إسماعيل ياسين بعدد كبير من المخرجين المرموقين في
إخراج
مسرحياته منهم: السيد بدير، محمد توفيق، عبدالمنعم مدبولي، نور الدمرداش.
كما عمل
في مسرح إسماعيل ياسين نخبة كبيرة من كبار النجوم أمثال: عبدالوارث عسر،
شكري
سرحان، سناء جميل، تحية كاريوكا وغيرهم.


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

اسماعيل يس مع إبنه

حياته
الشخصية


تـزوج إسماعيل ياسين 3 مرات، ولم ينجب غير ولد واحد هو المخرج
الراحل
ياسين إسماعيل ياسين من زوجته الأخيرة السيدة فوزية.


النهاية
رغم النجاح الكبير الذي حققه إسماعيل ياسين، خصوصاً فترة
الخمسينيات،
لكن مسيرته الفنية تعثرت في العقد الأخير من حياته، وذلك على الأرجح بسبب
تدخل
الدولة في الإنتاج الفني في فترة الستينيات، واضطر بعد الكساد الذي تعرض له
الفن في
مصر بعد حرب 1967 إلى الهجرة إلى لبنان.


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]




فقد
شهد
عام 1961 انحصار الأضواء عن إسماعيل يس تدريجيا؛ فبعد أن كان يقدم أكثر من
عشرة
أفلام في العام الواحد قدم فلمين فقط هما "زوج بالإيجار" و"الترجمان" وفي
العام
الذي يليه قدم "ملك البترول" و"الفرسان الثلاثة" و"انسى الدنيا" ثم في
الفترة من
1963 إلى 1965 لم يقدم سوي فلمين هما "المجانين في نعيم" و "العقل
والمال".

تراكمت عليه الضرائب وطاردته الديون فاضطر إلى حل فرقته
المسرحية عام
1966 ثم هاجر إلى لبنان وعمل في بعض الأفلام القصيرة منها "فرسان الغرام،
وكرم
الهوى، ولقاء الغرباء، وعصابة النساء" ثم عاد إلى مصر وعمل في أدوار صغيرة
لا
تتناسب مع تاريخه الحافل.

وقد وافته المنيه في 24 من ايار "مايو" عام 1972 إثر أزمة قلبية
قبل أن
يستكمل تمثيل دوره الأخير في فيلم بطولة نور الشريف
الموضوع الأصلى : سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة  المصدر : قيثارة الغناء العربى
توقيع العضو: نور الحياة شاكر
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
himom
عضو ذهبي
عضو ذهبي
himom

الدولة : سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 Male_e10
العمر : 37
ذكر
القط
عدد الرسائل : 1780
تاريخ التسجيل : 17/09/2009
احترام القوانين : سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 111010

سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة   سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 71831510الثلاثاء 1 يونيو 2010 - 1:29

رحمه الله ذلك الفنان الكبير المعاصر الذى عانى الكثير والكثير .. وانا شخصيا كنت فاكر ميعاد وفاته وشكرا ليكى نور للتذكير بذكرى فنان عظيم بحجم اسماعيل يس
الموضوع الأصلى : سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة  المصدر : قيثارة الغناء العربى
توقيع العضو: himom
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.shadialovely.com/ *:
انطوانيت
عاشقة شادية رقم واحد
عاشقة شادية رقم واحد
انطوانيت

الدولة : سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 Male_l10
انثى
عدد الرسائل : 61427
تاريخ التسجيل : 11/11/2009
المزاج : سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 3010
احترام القوانين : سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 111010
بطاقة عضوية : سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 Ouoa10

سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة   سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 71831510الثلاثاء 1 يونيو 2010 - 20:19

نور الغالية شكرا لتكملة سيرة حياة الفنان الذي اضحك الملايين وكانت حياته مليئة بالدموع.
شكار يا غالية.
الموضوع الأصلى : سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة  المصدر : قيثارة الغناء العربى
توقيع العضو: انطوانيت
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://www.shadialovely.com/
نور الحياة شاكر
المشرف العام
المشرف العام
نور الحياة شاكر

الدولة : سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 Female73
انثى
عدد الرسائل : 51922
تاريخ التسجيل : 08/12/2007
المزاج : سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 710
بطاقة عضوية : سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 Ou_oa10

سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة   سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 71831510الأربعاء 2 يونيو 2010 - 0:13

himom كتب:
رحمه الله ذلك الفنان الكبير المعاصر الذى عانى الكثير والكثير .. وانا شخصيا كنت فاكر ميعاد وفاته وشكرا ليكى نور للتذكير بذكرى فنان عظيم بحجم اسماعيل يس

شكرا لمرورك الجميل واكيد فنان في حجم اسماعيل ياسين لا ينسي ابدا
الموضوع الأصلى : سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة  المصدر : قيثارة الغناء العربى
توقيع العضو: نور الحياة شاكر
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
نور الحياة شاكر
المشرف العام
المشرف العام
نور الحياة شاكر

الدولة : سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 Female73
انثى
عدد الرسائل : 51922
تاريخ التسجيل : 08/12/2007
المزاج : سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 710
بطاقة عضوية : سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 Ou_oa10

سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة   سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 71831510الأربعاء 2 يونيو 2010 - 0:16

انطوانيت كتب:
نور الغالية شكرا لتكملة سيرة حياة الفنان الذي اضحك الملايين وكانت حياته مليئة بالدموع.
شكار يا غالية.

شكرا لمرورك الجميل ياغالية
الموضوع الأصلى : سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة  المصدر : قيثارة الغناء العربى
توقيع العضو: نور الحياة شاكر
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
هدى
مؤسس المنتدى
مؤسس المنتدى
هدى

الدولة : سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 Male_l10
انثى
عدد الرسائل : 37170
تاريخ التسجيل : 06/12/2007
المزاج : سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 Qatary30
احترام القوانين : سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 111010
بطاقة عضوية : سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 210

سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة   سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 71831510الثلاثاء 29 يونيو 2010 - 6:19

38 عاما على رحيل نجم الكوميديا اسماعيل يس

الفن أونلاين

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]




يمر اليوم 38 عاماً علي رحيل احد أساطير الكوميديا في القرن العشرين وهو الفنان الراحل إسماعيل يس وهو فنان ظاهرة بكل المقاييس وكان صاحب أسلوب مميز جداً في الأداء جعله معشوق الملايين صغارا وكبارا . ومازالت أفلامه موضع إعجاب الملايين حتى الآن .

البداية

ولد إسماعيل يس في مدينة السويس، وتوفيت والدته وهو لايزال في سنواته الأولى، ودخل أبوه، الذي كان يعمل صائغاً في شارع عباس في مدينة السويس، السجن بسبب إفلاسه وتراكم الديون عليه، لذا وجد إسماعيل يس نفسه فجأة في الشارع وهو مازال في السنة الرابعة الابتدائية، ولم يجد من يعوله أو يحنو عليه، ما اضطره لترك المدرسة والعمل في بعض المهن الصغيرة كي يستطيع الإنفاق على نفسه، ومنها عمله لمدة طويلة كمناد للسيارات في أحد مواقف السيارات العمومية في السويس، وعندما بلغ الثامنة عشرة أو ما يزيد ترك السويس إلى القاهرة جرياً وراء حلمه الكبير، وكان ذلك في بداية الثلاثينيات.

وكان حلمه أن يصبح مطربا، وفي سن الثامنة عشرة سافر إلى القاهرة وحاول الالتحاق بفرق فنية عدة كانت مزدهرة في القاهرة آنذاك، ومنها فرقة بديعة مصابني، إلا أن جميع هذه الفرق رفضت عمل إسماعيل يس كمطرب واختاروا له أن يكون مونولوجست ، وكان رأيهم جارحاً له، فملامح وجهه لا تناسب ملامح وجه مطرب عاطفي، ربما تناسب هذه الملامح مهنة المونولوجست.

وعلى رغم هذا أصر اسماعيل يس على هدفه، بيد أنه لم يحقق شيئاً في الطرب، وذاع صيته كمونولوجست إلى أن اختاره فؤاد الجزايرلي لدور صغير في فيلم "خلف الحبايب" الذي يعد أول ظهور له في السينما، كان ذلك بعد 9 سنوات من عمله في الفرق الغنائية والاستعراضية المختلفة.

وظل أحد رواد هذا الفن علي امتداد عشر سنوات من عام 1935- 1945 ثم عمل بالسينما وأصبح أحد أبرز نجومها وهو ثاني إثنين في تاريخ السينما أنتجت لهما أفلام بأسمائهما بعد ليلي مراد، ومن هذه الأفلام "إسماعيل ياسين في متحف الشمع - إسماعيل ياسين يقابل ريا وسكينة - إسماعيل ياسين في الجيش - إسماعيل ياسين في البوليس – إسماعيل ياسين في الطيران – إسماعيل ياسين في البحرية – إسماعيل ياسين في مستشفي المجانين..إلخ".

استمرارية إسماعيل ياسين

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]



اسماعيل يس
لازالت أفلامه العديدة القديمة "أبيض وأسود" هي المادة المفضلة لدي قطاع عريض من الجمهور في مصر والعالم العربي لأنه استطاع أن يرسم البسمة علي شفاه الجماهير بفضل ملكاته ومواهبه المنفردة.

وساهم إسماعيل ياسين في صياغة تاريخ المسرح الكوميدي المصري وكون فرقة تحمل اسمه وظلت هذه الفرقة تعمل علي مدي 12 عاما من عام 1954 حتى عام 1966 قدم خلالها مايزيد علي خمسين مسرحية بشكل شبه يومي.

مثل إسماعيل يس مع الكثير من الممثلين والمطربين فقد قضى مدة طويلة في دور الرجل الثانى أو مساند البطل حتى واتته الفرصه فأصبح بطلاً وقام ببطولة الكثير من الأفلام إلتي تبدأ بإسمه وقد شاركه في أكثر هذه الأفلام أصدقاء عمره "رياض القصبجى، زينات صدقى، حسن فايق، عبد الفتاح القصرى".

كما إننا لايمكن أن ننسى مشاهده الكثيرة والممتعة مع رياض القصبجى وخاصة في فيلم أسماعيل ياسين في البحرية. وقد استعان إسماعيل ياسين بعدد كبير من المخرجين المرموقين في إخراج مسرحياته منهم: السيد بدير، محمد توفيق، عبد المنعم مدبولي، نور الدمرداش. كما عمل في مسرح إسماعيل ياسين نخبة كبيرة من كبار نجومنا أمثال: عبد الوارث عسر، شكري سرحان، سناء جميل، تحية كاريوكا وغيرهم ويستحق إسماعيل ياسين تكريم الملايين من الجماهير التي أسعدها وأدخل البهجة في نفوس عشاقه.

افلامه ناجحة و حققت أعلى الإيرادات في تاريخ السينما العربية حتى اليوم وذلك نسبه العدد سكان في وقته وعدد دور العرض و قيمه التذكرة السينمائية أيامها كانت رخيصة وأيضا وقت حروب الكثيرة التي كانت تعاني منها مصر في فترة زمانيه من 48 إلى 73 و لازالت أفلامه العديدة القديمة "أبيض وأسود" هي المادة المفضلة لدي قطاع عريض من الجمهور في مصر والعالم العربي لأنه استطاع أن يرسم البسمة علي شفاه الجماهير بفضل ملكاته ومواهبه المنفردة.

وساهم إسماعيل ياسين في صياغة تاريخ المسرح الكوميدي المصري وكون فرقة تحمل اسمه وظلت هذه الفرقة تعمل علي مدى 12 عاما من عام 1954 حتى عام 1966 قدم خلالها ما يزيد علي خمسين مسرحية بشكل شبه يومي.

السينما

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]



اسماعيل يس
وفى عام 1939 كان بداية دخوله السينما، عندما اختاره فؤاد الجزايرلى ليشترك في فيلم "خلف الحبايب". وقدم العديد من الأفلام لعب فيها الدور الثاني من أشهرها في تلك الفترة "علي بابا والأربعين حرامي" و"نور الدين والبحارة الثلاثة" و"القلب له واحد".

البطولة مطلقة

في عام 1945 جذبت موهبة إسماعيل ياسين انتباه أنور وجدي فاستعان به في معظم أفلامه، ثم أنتج له عام 1949 أول بطولة مطلقة في فيلم "الناصح" أمام الوجه الجديد ماجدة.

استطاع ياسين أن يكون نجماً لشباك التذاكر تتهافت عليه الجماهير، وكانت أعوام 52 و 53 و54 عصره الذهبي، حيث مثل 16 فيلما في العام الواحد وهذا لم يستطع أن يحققه أي فنان آخر.

وعلى الرغم من أن إسماعيل ياسين كان لا يتمتع بالوسامة والجمال، وهي الصفات المعتادة في نجوم الشباك في ذلك الوقت، إلا أنه استطاع أن يجذب إليه الجماهير عندما كان يسخر من شكله وكبر فمـه في معظم أعماله.

فاستطاع أن يقفز للصفوف الأولى وأن يحجز مكاناً بارزاً مما سعى المنتجين للتعاقد معه على أفلام جديدة وأصبح البطل الوحيد الذي تقترن الأفلام باسمه حتى وصل للقمة.

وفي عام 1954 ساهم في صياغة تاريخ المسرح الكوميدي المصري وكون فرقة تحمل اسمه، وظلت هذه الفرقة تعمل على مدي 12 عاما حتى 1966 قدم خلالها ما يزيد علي 50 مسرحية بشكل شبه يومي من تأليف توأمه وشريك مشواره الفني أبو السعود الإبياري.


سلسلة أفلام باسمه
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]


بداية من عام 1955 كون مع المخرج فطين عبد الوهاب ثنائيا من أهم الثنائيات في تاريخ السينما المصرية وتاريخ إسماعيل ياسين أيضا فقد عملا معا في أفلام عديدة.

و يذكر أن 30% من الأفلام التي قدمها نجم الكوميديا كان وراءها المخرج فطين عبد الوهاب، وكانت تحمل أغلبها اسم إسماعيل ياسين، حيث انتجت له الأفلام باسمه بعد ليلى مراد، ومن هذه الأفلام إسماعيل ياسين في متحف الشمع – إسماعيل ياسين يقابل ريا وسكينة – إسماعيل ياسين في الجيش – إسماعيل ياسين في البوليس – إسماعيل ياسين في الطيران – إسماعيل ياسين في البحرية – إسماعيل ياسين في مستشفي المجانين ولازمه في هذه الأفلام الممثل رياض القصبجي الشهير بالشاويش عطية، حيث كانت مشاهدهما – ولا تزال إلى الآن – محطة هامة في تاريخ الكوميديا والتي يستمتع بها الجمهور حتى الآن بسبب المفارقات العجيبة والمواقف الطبيعية.

ثنائيات

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]




اسماعيل يس و شادية


التقت شاديه بإسماعيل ياسين في حوالي 23 فيلما ما بين عامي 1949 و1954 بمعدل لا يقل عن 3 أفلام في العام الواحد. وكان أول لقاء بينهما في فيلم "كلام الناس" ثم التقيا مره أخرى في فيلم "صاحبه الملاليم" وكان لنجاحهما معا اكبر الأثر مما جعل المنتجين و المخرجين يجمعون بينهما. فكان لإسماعيل ياسين دورا بارزا في أفلام شاديه حتى و لو لم يكن هو البطل الرئيسي للفيلم.

ومن الأفلام التي جمعتهم في الهوا سوا وحماتي قنبلة ذرية و"مغامرات إسماعيل يس" "الظلم حرام" و"الحقونى بالمأذون" ويعتبر فيلم "الستات ما يعرفوش يكدبوا" آخر فيلم جمع بينهما عام 1954 بالاشتراك مع شكري سرحان وزينات صدقي.

مثل إسماعيل يس مع الكثير من الممثلين والمطربين فقد قضى مدة طويلة في دور الرجل الثاني أو مساند البطل حتى واتته الفرصه فأصبح بطلاً وقام ببطولة الكثير من الأفلام التي تبدأ بإسمه وقد شاركه في أكثر هذه الأفلام أصدقاء عمره "رياض القصبجي، زينات صدقي، حسن فايق، عبدالفتاح القصري،عبدالسلام النابلسي".

أهم المشاهد

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]




ولإسماعيل يس مشاهد لا تنسى سواء في أفلام قام ببطولتها أو قدم الدور الثاني منها فيلم "الآنسة ماما" لحلمي رفلة 1950 قدم مع محمد فوزي وصباح نموذجا بديعا لفن "البيرلسك" أو المحاكاة الكاريكاتورية الساخرة لمشاهد شهيرة، وكان هذا في الاسكتش عنوانه "أبطال الغرام" ويتضمن ثلاثة مواقف كلاسيكية، "قيس وليلى"، "انطونيو وكليوباترا"، "روميو وجولييت".

وفي "دهب" الذي أخرجه أنور وجدي عام 1953، قدم إسماعيل ياسين مشهدا صامتا من فن "البانتوميم"، عندما يندمج في أكل "المكرونة" الوهمية، وشرب الشوربة التي لا وجود لها. وفي الفيلم نفسه قدم مع الطفلة فيروز عدة استعراضات غنائية تضاف إلى الثروة الهائلة التي خلفها، في هذا المجال.

فيلم "الآنسة حنفي" لفطين عبد الوهاب 1954 الذي يكتسب قيمة فريدة سواء بكشفه عن سلبيات الرجل "الشرقي" المصر على حقه في الهيمنة على المرأة ـ إسماعيل ياسين قبل أن يتحول إلى الآنسة حنفي ـ أو بكشفه عن إصرار المرأة على انتزاع حقوقها ـ إسماعيل بعد تحوله إلى آنسة ـ وبلمسات إسماعيل ياسين الساحرة وبأدائه الكاريكاتوري خصوصا في مشاهد الحمل والولادة، ما زال الفيلم قادرا على إثارة الضحك حتى الآن.

المسرح

وقد استعان إسماعيل ياسين بعدد كبير من المخرجين المرموقين في إخراج مسرحياته منهم: السيد بدير، محمد توفيق، عبدالمنعم مدبولي، نور الدمرداش. كما عمل في مسرح إسماعيل ياسين نخبة كبيرة من كبار النجوم أمثال: عبدالوارث عسر، شكري سرحان، سناء جميل، تحية كاريوكا وغيرهم.


اسماعيل يس مع إبنه
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]


حياته الشخصية




تـزوج إسماعيل ياسين 3 مرات، ولم ينجب غير ولد واحد هو المخرج الراحل ياسين إسماعيل ياسين من زوجته الأخيرة السيدة فوزية.




النهاية

رغم النجاح الكبير الذي حققه إسماعيل ياسين، خصوصاً فترة الخمسينيات، لكن مسيرته الفنية تعثرت في العقد الأخير من حياته، وذلك على الأرجح بسبب تدخل الدولة في الإنتاج الفني في فترة الستينيات، واضطر بعد الكساد الذي تعرض له الفن في مصر بعد حرب 1967 إلى الهجرة إلى لبنان.




فقد شهد عام 1961 انحصار الأضواء عن إسماعيل يس تدريجيا؛ فبعد أن كان يقدم أكثر من عشرة أفلام في العام الواحد قدم فلمين فقط هما "زوج بالإيجار" و"الترجمان" وفي العام الذي يليه قدم "ملك البترول" و"الفرسان الثلاثة" و"انسى الدنيا" ثم في الفترة من 1963 إلى 1965 لم يقدم سوي فلمين هما "المجانين في نعيم" و "العقل والمال".
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]


تراكمت عليه الضرائب وطاردته الديون فاضطر إلى حل فرقته المسرحية عام 1966 ثم هاجر إلى لبنان وعمل في بعض الأفلام القصيرة منها "فرسان الغرام، وكرم الهوى، ولقاء الغرباء، وعصابة النساء" ثم عاد إلى مصر وعمل في أدوار صغيرة لا تتناسب مع تاريخه الحافل.

وقد وافته المنيه في 24 من ايار "مايو" عام 1972 إثر أزمة قلبية قبل أن يستكمل تمثيل دوره الأخير في فيلم بطولة نور الشريف
الموضوع الأصلى : سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة  المصدر : قيثارة الغناء العربى
توقيع العضو: هدى
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://www.shadialovely.com
sirine
عاشقة شادية
عاشقة شادية
sirine

الدولة : سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 Male_l10
انثى
عدد الرسائل : 42620
تاريخ التسجيل : 01/12/2008
المزاج : سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 Qatary21
احترام القوانين : سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 111010
بطاقة عضوية : سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 Aao10

سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة   سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 71831510الثلاثاء 29 يونيو 2010 - 11:38

رحمه الله كان فنان خفيف الظل بالرغم من حياته المليئة بالماسي
شكرا يا غالية
الموضوع الأصلى : سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة  المصدر : قيثارة الغناء العربى
توقيع العضو: sirine
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://www.shadialovely.com/
انطوانيت
عاشقة شادية رقم واحد
عاشقة شادية رقم واحد
انطوانيت

الدولة : سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 Male_l10
انثى
عدد الرسائل : 61427
تاريخ التسجيل : 11/11/2009
المزاج : سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 3010
احترام القوانين : سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 111010
بطاقة عضوية : سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 Ouoa10

سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة   سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 71831510الثلاثاء 29 يونيو 2010 - 15:50

كان فنان حياته قمة في الاحزان والمآسي.
شكرا لك نور الغالية.
الموضوع الأصلى : سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة  المصدر : قيثارة الغناء العربى
توقيع العضو: انطوانيت
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://www.shadialovely.com/
himom
عضو ذهبي
عضو ذهبي
himom

الدولة : سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 Male_e10
العمر : 37
ذكر
القط
عدد الرسائل : 1780
تاريخ التسجيل : 17/09/2009
احترام القوانين : سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 111010

سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة   سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 71831510الأربعاء 30 يونيو 2010 - 2:05

وهو الفنان الراحل إسماعيل يس وهو فنان ظاهرة بكل المقاييس وكان صاحب أسلوب مميز جداً في الأداء جعله معشوق الملايين صغارا وكبارا . ومازالت أفلامه موضع إعجاب الملايين حتى الآن

واكثر من ذلك يستحق

شكراااااااااااااا كتير ع الموضوع الجميل لانه .. عن اسماعيل يس

وكمليه يا نور وهاتى المزيد
الموضوع الأصلى : سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة  المصدر : قيثارة الغناء العربى
توقيع العضو: himom
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.shadialovely.com/ *:
نور الحياة شاكر
المشرف العام
المشرف العام
نور الحياة شاكر

الدولة : سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 Female73
انثى
عدد الرسائل : 51922
تاريخ التسجيل : 08/12/2007
المزاج : سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 710
بطاقة عضوية : سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 Ou_oa10

سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة   سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 71831510الأربعاء 30 يونيو 2010 - 16:41

شكرا هدي عن الاضافة الجميلة لهذا الفنان المتربع علي فن الكوميديا الراقي وشكرا لسرين وانطونيت ومحمد علي المرورالجميل
الموضوع الأصلى : سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة  المصدر : قيثارة الغناء العربى
توقيع العضو: نور الحياة شاكر
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
himom
عضو ذهبي
عضو ذهبي
himom

الدولة : سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 Male_e10
العمر : 37
ذكر
القط
عدد الرسائل : 1780
تاريخ التسجيل : 17/09/2009
احترام القوانين : سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 111010

سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة   سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 71831510الخميس 21 أكتوبر 2010 - 1:51

يعنى لازم نعمل مظاهرة ونصرخ يانور علشان تكملى الموضوع الجميل ده

فى انتظار جديدك ياغالية فهذا الموضوع من اجمل مواضيع هذا القسم
الموضوع الأصلى : سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة  المصدر : قيثارة الغناء العربى
توقيع العضو: himom
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.shadialovely.com/ *:
انطوانيت
عاشقة شادية رقم واحد
عاشقة شادية رقم واحد
انطوانيت

الدولة : سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 Male_l10
انثى
عدد الرسائل : 61427
تاريخ التسجيل : 11/11/2009
المزاج : سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 3010
احترام القوانين : سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 111010
بطاقة عضوية : سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 Ouoa10

سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة   سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 71831510الخميس 21 أكتوبر 2010 - 15:34

himom كتب:
يعنى لازم نعمل مظاهرة ونصرخ يانور علشان تكملى الموضوع الجميل ده

فى انتظار جديدك ياغالية فهذا الموضوع من اجمل مواضيع هذا القسم

صحيح انو هيدى الموضوع مهم كتير ولازم يتكمل بس الصريييييييخ عليك انت وين وفوازيرك وين يا himom مش مور الغالية.
على كلن نور ناطرين البقية بس ما بدي صرخ شكرا لك.
الموضوع الأصلى : سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة  المصدر : قيثارة الغناء العربى
توقيع العضو: انطوانيت
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://www.shadialovely.com/
himom
عضو ذهبي
عضو ذهبي
himom

الدولة : سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 Male_e10
العمر : 37
ذكر
القط
عدد الرسائل : 1780
تاريخ التسجيل : 17/09/2009
احترام القوانين : سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 111010

سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة   سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 71831510الخميس 21 أكتوبر 2010 - 15:42

ههههههههههههههههه انتى معايا ولا معاها

لا خليكى هنا معايا على نور عشان متتأخرش علينا


وهناك فى الفوازير خليكى ضدى ههههههههههههه عشان اعرف اوريكى على ارضى
الموضوع الأصلى : سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة  المصدر : قيثارة الغناء العربى
توقيع العضو: himom
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.shadialovely.com/ *:
انطوانيت
عاشقة شادية رقم واحد
عاشقة شادية رقم واحد
انطوانيت

الدولة : سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 Male_l10
انثى
عدد الرسائل : 61427
تاريخ التسجيل : 11/11/2009
المزاج : سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 3010
احترام القوانين : سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 111010
بطاقة عضوية : سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 Ouoa10

سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة   سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 71831510الخميس 21 أكتوبر 2010 - 15:56

himom كتب:
ههههههههههههههههه انتى معايا ولا معاها

لا خليكى هنا معايا على نور عشان متتأخرش علينا


وهناك فى الفوازير خليكى ضدى ههههههههههههه عشان اعرف اوريكى على ارضى

انا دايما مع نور بالحلو والمر او على ارضك او ارضها انا دايما معهاااااااااااااااا
ههههههههههههههههه
الموضوع الأصلى : سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة  المصدر : قيثارة الغناء العربى
توقيع العضو: انطوانيت
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://www.shadialovely.com/
نور الحياة شاكر
المشرف العام
المشرف العام
نور الحياة شاكر

الدولة : سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 Female73
انثى
عدد الرسائل : 51922
تاريخ التسجيل : 08/12/2007
المزاج : سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 710
بطاقة عضوية : سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 Ou_oa10

سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة   سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 71831510الخميس 21 أكتوبر 2010 - 17:47

انطوانيت كتب:
himom كتب:
ههههههههههههههههه انتى معايا ولا معاها

لا خليكى هنا معايا على نور عشان متتأخرش علينا


وهناك فى الفوازير خليكى ضدى ههههههههههههه عشان اعرف اوريكى على ارضى

انا دايما مع نور بالحلو والمر او على ارضك او ارضها انا دايما معهاااااااااااااااا
ههههههههههههههههه

شكرا غالية انطونيت انت فعلا صديقة وانا بعتز بصداقتك ام بنسبة هيمون الغالي بقولك وييييييييييييييييييييييييييييييين تصميماتك الرائعة
الموضوع الأصلى : سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة  المصدر : قيثارة الغناء العربى
توقيع العضو: نور الحياة شاكر
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
انطوانيت
عاشقة شادية رقم واحد
عاشقة شادية رقم واحد
انطوانيت

الدولة : سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 Male_l10
انثى
عدد الرسائل : 61427
تاريخ التسجيل : 11/11/2009
المزاج : سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 3010
احترام القوانين : سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 111010
بطاقة عضوية : سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 Ouoa10

سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة   سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 71831510الخميس 21 أكتوبر 2010 - 17:50

نور الحياة شاكر كتب:
انطوانيت كتب:
himom كتب:
ههههههههههههههههه انتى معايا ولا معاها

لا خليكى هنا معايا على نور عشان متتأخرش علينا


وهناك فى الفوازير خليكى ضدى ههههههههههههه عشان اعرف اوريكى على ارضى

انا دايما مع نور بالحلو والمر او على ارضك او ارضها انا دايما معهاااااااااااااااا
ههههههههههههههههه

شكرا غالية انطونيت انت فعلا صديقة وانا بعتز بصداقتك ام بنسبة هيمون الغالي بقولك وييييييييييييييييييييييييييييييين تصميماتك الرائعة

لا شكر على واجب يا غالية هههههه
الموضوع الأصلى : سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة  المصدر : قيثارة الغناء العربى
توقيع العضو: انطوانيت
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://www.shadialovely.com/
ورد الغرام
عضو برونزى
عضو برونزى
avatar

الدولة : سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 Male_q10
العمر : 45
ذكر
الماعز
عدد الرسائل : 727
تاريخ التسجيل : 23/12/2007
المزاج : سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 Qatary24
احترام القوانين : سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 111010

سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة   سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 71831510الخميس 21 أكتوبر 2010 - 18:23

الف شكر لك وتسلم ايدك
الموضوع الأصلى : سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة  المصدر : قيثارة الغناء العربى
توقيع العضو: ورد الغرام
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.shadialovely.com
نور الحياة شاكر
المشرف العام
المشرف العام
نور الحياة شاكر

الدولة : سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 Female73
انثى
عدد الرسائل : 51922
تاريخ التسجيل : 08/12/2007
المزاج : سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 710
بطاقة عضوية : سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 Ou_oa10

سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة   سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 71831510الثلاثاء 23 نوفمبر 2010 - 21:06

إسماعيل يس... حكاية رجل حزين
خلف الحبايب


بقلم ...ماهر زهدي


قبل رحيله بثلاثة أيام قال الفنان الراحل إسماعيل يس: {أنا لست خائفاً من الموت، فقد أعددت له ألف نكتة... سوف أموت كما عشت... من الضحك}!!
بين الحياة والموت قصة طويلة تروي كفاح فنان عاش طفولة بائسة ومعذّبة وشقية. حياته كتاب مفتوح، لسبب بسيط ووحيد، أنه روى أدقّ تفاصيلها بنفسه... الأهم أنه رواها بصدق وبلا خجل، وإن ما زالت هناك مراحل كثيرة من حياته غير معروفة، ليس لأنه لم يتطرق إلى تفاصيل بعينها في حياته، فلم يكن هذا الأمر يمثل أدنى مشكلة له، بل لأنها تعدّ جزءاً من الظلم الكبير الذي تعرّض له هذا الفنان- الأسطورة، سواء في حياته، منذ لحظة ولادته، مروراً بكل مراحل صعوده ثم هبوطه، انتهاء برحيله عن الدنيا.
لم ينل هذا الفنان - الأسطورة ما استحقه من تكريم ومكانة لائقين به، بعد ما مرّ به من رحلة شقاء حتى وصل إلى القمة، ليبدأ المنحنى في الرجوع مرة أخرى وينتهي من حيث بدأ، بالتالي ظلّ التعتيم على مراحل طواها النسيان بمرور السنين.
ربما كان هذا هو السبب الرئيس والأهم لتناولنا في «الجريدة» رحلة هذا الفنان - الأسطورة في حلقات يومية، في محاولة لدرء ظلم كبير وقع عليه وإعطائه ولو النذر القليل من كثير جداً يستحقه.
قدّم هذا الفنان - الأسطورة للسينما المصرية الكثير من الأعمال، ففي يوم وفاته كان رصيد إسماعيل ياسين من الأفلام حوالى 800 فيلم، ما عدا المسرحيات. نعم الرقم صحيح وليس خطأ مطبعياً، وهو ما قدّر بما يقرب من ربع رصيد السينما المصرية عند رحيله، ما بين أدوار ثانوية وأدوار ثانية وبطولات مطلقة، فضلا عن أنه الفنان الوحيد في تاريخ السينما المصرية لغاية اليوم الذي قدمت له سلسلة أفلام ـ تزيد على 20 فيلماً ـ تحمل اسمه.
لذا كان من أهم الصعوبات التي واجهتنا، بعيداً عن البحث والتدقيق في المراحل المعتمة في حياة هذا الفنان- الأسطورة، اختيار عنوان لهذه الحلقات بعد الانتهاء من كتابتها. غير أن المثير في الأمر أننا اكتشفنا أن أفلاماً كثيرة لهذا الفنان تصلح عنواناً رائعاً لحلقاته أو الحديث عنه، من بينها: «خلف الحبايب»، «البني آدم»، «الصيت ولا الغنى»، «السعادة المحرّمة»، «الناصح»، «المليونير»، «ماكنش ع البال»، «نهاية قصة»، «قليل البخت»، «الدنيا لما تضحك»، «بشرة خير»، «إنسان غلبان»، {المليونير الفقير» وغيرها.
فضلاً عن سلسلة أفلامه التي تحمل اسمه «إسماعيل ياسين في...» ومن بينها ما يصلح عنواناً لهذه السيرة الدرامية أيضاً مثل: «مغامرات إسماعيل ياسين» و{إسماعيل ياسين للبيع»!
الأسطورة بين التاريخ والجغرافيا
أبصر هذا الفنان النور في مدينة السويس في 15 سبتمبر 1912، التحق طفلا بأحد «الكتاتيب» ثم بمدرسة ابتدائية مدة أربع سنوات، انتهت بعدها علاقته بالدراسة، لأن الأحداث المؤلمة بدأت رحلتها معه. توفيت والدته ودخل والده السجن إثر إفلاس محل بيع الذهب الذي كان يملكه، ثم كفلته جدته لأمه، التي كانت إحدى علامات القسوة في حياته، ما اضطر الفتى إلى العمل «منادياً» أمام محل لبيع الأقمشة (يقف على الرصيف ليحث الناس على الدخول والشراء، معدداً مزايا الأقمشة المتوافرة في المتجر) فقد كان عليه أن يتحمل مسؤولية نفسه منذ صغره، في تلك المدينة الفقيرة والقليلة الموارد، ما خلا استثناءات لبعض العائلات التي اختارتها موطناً لها، من بعض المحافظات والمدن القريبة منها، لأسباب مختلفة ربما كان أهمها موقعها الجغرافي الذي حباها الله به، تقول كتب الجغرافيا إن المدن التاريخية ذات الأصول الحضارية تنشأ وتنمو دائماً على موقع طبيعي متميز، كأن تطل على البحر وتتصدر قناة ملاحية أو تتربع على واد، ما يجعلها على احتكاك مستمر بحضارات العالم القديمة والحديثة.
وهكذا كانت مدينة السويس منذ آلاف السنين، لا يخلو كتاب للجغرافيا أو التاريخ من ذكر اسمها أو الإشارة إليها.
هذا الموضع الذي شغلته مدينة السويس، إن كان قد تغير وتبدل نتيجة ظروف جغرافية وسياسية، إلا أنها بقيت مدينة تطلّ على ميناء مصر وعلى برزخ السويس رغم اختلاف اسمها على مر العصور.
شاء القدر لهذه المدينة المناضلة أن تظلّ الحارسة الأمينة بمكانتها الفريدة على حدود مصر الشرقية، فسطرت بدماء شهدائها أسمى آيات البطولة والبذل والعطاء، استعذب شعبها كل التضحيات لإعلاء شريعة الحق ولواء الشرف والكرامة، سجلت أسطورة تتوارثها الأجيال جيلا بعد جيل، أكّد شعبها أن إيمان الإنسان بالله ووطنه لا ينفصل عن إيمانه بقضيته وبحقه في الحياة الكريمة. كذلك أثبت شعبها المناضل أن إرادة الشعوب فوق كل عدوان وهي التي تنتصر دائماً، فقد حملت في عنقها اسم الشعب المصري كله وعبرت عن بطولة كل مدينة وكل شبر من أرض مصر، منذ أن وجدت هذه المدينة الباسلة على أرض مصر، التي يؤكد المؤرخ «جيم برستد « أنها تعود الى فجر التاريخ.
المدينة الباسلة
مدينة السويس لها تاريخ عريق بدأ مع العصر الفرعوني، ففى عام 2563 ق. م. كانت تسمى “سيكوت” وفي عهد الأسرتين الفرعونيتين 19 و22 كان الفراعنة يطلقون عليها “يو ـ سويتس” وقد اتخذ منها فرعون مصر قاعدة لعملياته الحربية لتأمين مناجم سيناء ولردع الغزاة .
أطلق على مدينة السويس أثناء حكم اليونان لمصر اسم “هيرو بوليس” ومعناها مدينة الأبطال، وفي عصر الملكة كليوباترا أطلق عليها اسم “كليو باتريس» وفي القرن التاسع الميلادي أطلق عليها خمارويه بن أحمد بن طولون اسم {السويس}.
تحتلّ هذه المدينة العريقة موقعاً فريداً، جعلها مطمعاً لكثير من الاستعماريين ومدخلاً لأي هجوم على مصر من جهة الشرق، كذلك تعتبر، بمكانتها في برزخ السويس، ملتقى ومعبراً بشرياً للأجناس العربية والآسيوية على مرّ العصور، إذ تقع مدينة السويس جنوب شرقي الدلتا في أقصى غرب خليج السويس وعلى المدخل الجنوبي لقناة السويس على البحر الأحمر، يحدّها شرقاً قناة السويس ثم شبه جزيرة سيناء، غرباً الصحراء الفاصلة بينها وبين القاهرة والجيزة وبني سويف، شمالا محافظة الإسماعيلية، جنوباً البحر الأحمر عند منطقة الزعفرانة.
تمتاز مدينة السويس القديمة بشوارعها الضيقة ومبانيها ذات الطابع المملوكي. بدأت نهضة السويس بشق القناة وإنشاء ميناء “بور توفيق”، ليستقبل السفن القادمة إلى الشرق الأقصى وحوض إصلاح السفن.
شريان الحياة
ظلت السويس مدينة صغيرة هادئة، حتى القرن التاسع عشر، تقوم بوظيفة الميناء الذي يربط مصر بالأراضي المقدسة والشرق عموماً، وما أن حُفرت القناة حتى دخلت المدينة عهداً جديداً في تاريخها الحافل، فاطّرد نمو العمران فيها وازداد عدد سكانها بمعدلات سريعة، وعندما أُنشئ الخط الحديدي بين القاهرة والسويس، تولّت الحكومة المصرية نقل الماء من القاهرة إلى السويس في صهاريج، لذلك يُعدّ حفر ترعة السويس العذبة «ترعة الإسماعيلية»، أحد العوامل المهمة التي أدّت إلى تطوّر المدينة ونموّ العمران فيها.
ما إن وصلت مياه النيل العذبة إلى السويس، حتى انقلبت الحياة البشرية في منطقة برزخ السويس رأساً على عقب وتحوّل الهدوء إلى حياة صاخبة، وإن لم تكن هذه الحياة من صنْع قناة السويس بقدر ما هي من صنْع مياه النيل التي وصلت إلى هناك.
كان سكان السويس قبل الفتح الإسلامي يعملون بالصيد والقرصنة، لكن لم تلبث السويس أن شهدت نشاطاً واسعاً وانتعشت انتعاشاً واضحاً، في العصر الإسلامي.
أول ما اشتهرت به السويس، في ميدان النشاط الاقتصادي، بناء السفن وكان لها أهميتها الكبرى في صناعتها، وكانت أحد مراكز ثلاثة كبرى في مصر، لبناء السفن التجارية وغير التجارية.
كذلك، ظهر لمنطقة السويس أهمية اقتصادية، خصوصاً في العصور الوسطى، تجلت في غِنى تلك المنطقة بالثروة المعدنية، مثل الذهب والزمرد، وهو ما جعل السويس مركزاً مهماً لصياغة الحلي وصناعة المشغولات الذهبية في ذلك الوقت، على وجه الخصوص في حي الأربعين، الحي الأشهر على مرّ تاريخ المدينة، الذي يمثل أكبر نسبة من عدد السكان وكان يحمل طابعاً شعبياً، بما يناسب غالبية سكانه الذين يعملون في الحرف اليدوية والمنسوجات وصياغة الذهب.
صائغ أباً عن جد
وفي حي الأربعين العتيق في مدينة السويس ورث «ياسين علي نخلة» صياغة الذهب وبيع الحلي عن والده التاجر «علي نخلة»، وكانت من المهن التي يتوارثها الأبناء عن الآباء والأجداد، ليس لما فيها من حرفية عالية وأسرار في الصياغة، لكن لما تحتاجه من أموال كثيرة، فكان لا بد من أن تكون العائلة التي تمتهن هذه المهنة ، ليست ميسورة الحال فحسب، بل ثرية وفق معايير نهايات القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، فضلا عن اختيار بعض الأسر لتتخصص في مهنة بعينها.
اختار «المعلم علي نخلة» الاتجار بالذهب وتصنيعه ـ على الرغم من أنه كان من المهن المقصورة على التجار الأقباط آنذاك، ولم تكن بالانتشار الكافي في مدينة السويس ـ وكان حريصاً على أن تنتقل هذه المهنة بأسرارها إلى نجله الوحيد من الذكور «ياسين».
- علي نخلة: اسمع يا ياسين.. أعرف أنك ما زلت طفلا ولكن لابد من أن تعرف أنك إبنى البكر والرجل الوحيد الآن. صياغة الذهب وبيعه مهنتنا، فإذا أخلصت لها ستعطيك الكثير. لا تظن أنني بدأت كما ترى الآن، فما أكثر ما عانيته حتى أجد لي مكاناً بين التجار وأصنع اسماً، لا أريد أن يضيع على يدك.
- ياسين: سأكون إن شاء الله كما تريد وأكثر.
على الرغم من ذلك لاقى ياسين الكثير من التدليل والرفاهية، ليس لأنه الابن الذكر الوحيد للأسرة إلى جانب فتاة أخرى شقيقة فحسب، بل لأن الأسرة كانت ميسورة الحال أيضاً، وهو ما جعل ياسين ينال ما يطلبه من أموال ينفقها على لهوه ولعبه.
كان ياسين حريصاً على أن ينال حظه من الشباب، وكان لا يترك مناسبة من أفراح أو حفلات يقيمها التجار الكبار إلا ويحضرها ويتباهى بشبابه وأمواله، ولم يترك مكاناً يمكن أن يكون فيه لهو ورقص إلا وطرقه.
في الوقت الذي كانت مصر تئن من وطأة الاحتلال البريطاني، كان كثر من جنود الاحتلال ينتشرون، ليس في مدينة السويس وحدها، بل في كل الشريط الساحلي لمدن القناة: السويس، الإسماعيلية، بور توفيق، بور فؤاد، بور سعيد، بالإضافة إلى جاليات أخرى يونانية وإيطالية وتركية تعيش في مدينة السويس بحكم أنها مدينة ساحلية وكانت تنحصر تجارة هؤلاء في غالبيتهم في فتح البارات والمراقص والملاهي، وهو ما كان يجد فيها ياسين ضالته!
الفتى المدلل
بعدما أصبح ياسين شاباً يافعاً، لم يجد بداً من أن يقف إلى جوار والده في تجارته، وكان هذا الأخير يلحّ عليه في أن يلتفت إلى مهنته ومهنة آبائه وأجداده، فاضطر ياسين إلى الالتزام بمشاركة والده عمله، على مضض، غير أن اللافت سرعته في التقاط أسرار المهنة وتفاصيلها، حتى أنه أصبح، خلال فترة قصيرة، واحداً من أمهر صنّاعها، وهو ما جعل والده يعتمد عليه بشكل كبير في البيع والشراء بل وفي التصنيع.
شعر ياسين بذاته ولم يكن قد أكمل عامه الحادي والعشرين حتى أصبح واحداً من أمهر صنّاع الذهب وراح يتعامل مع الناس على هذا الأساس، فما إن ينتهي يومه في المساء، حتى يعود إلى بيته يتهيأ بأفخم الملابس ليبدأ يومه الحقيقي في بارات حي الأربعين ومراقصه وبقية أحياء مدينة السويس.
لم يكن ياسين يعود إلى بيته إلا مع النسمات الأولى للصباح، في الوقت الذي كان والده يستعدّ فيه لأداء صلاة الفجر، ولأنه الولد المدلل لوالده لم يرغب هذا الأخير في أن يثير معه المشاكل، خصوصاً أنه كان يراه يتقدم بشكل جيد في مهنته. على عكس ما كانت تجري العادة، أي أن يثور الأب ويغضب لتصرفات الابن والأم تدافع، كانت أم ياسين هي التي تثور دائماً على تصرفات الابن ويؤكد لها الأب دائماً:
- علي نخلة: أتركيه فلن يبقى على هذه الحال طويلا... أعرف أنها مرحلة طيش وشباب، وهو يريد أن يأخذ حظه منها.
- الأم: إلى متى؟ فقد بلغ مبلغ الرجال وبدلا من الحالة التي يعيش عليها لماذا لا نزوجه، فهو الولد الوحيد في العائلة ونريد أن يملأ الدنيا علينا أولاداً ليعوّض عدم وجود أشقاء ذكور له.
- علي: لا تشغلي بالك كثيرا بهذا الأمر، فزواجه سيحدث اليوم أو غداً، لكن أكثر ما يهمني الآن أن يتحمل المسؤولية ويحمل تجارة والده وجده خصوصاً أن العمر يجري.
تتكرر شكاوى الأم، مرة تتحدث مع ياسين وأخرى مع والده، وفي كل مرة يأتي الجواب على لسان الأب:
- علي نخلة: ابحثي له عن عروس من عائلة محترمة، لأقيم له فرحاً تتحدث عنه السويس بأكملها.
لم يكن هذا الكلام يشغل بال ياسين أو يعبأ به، فهو يريد أن يعيش مثل أصدقائه من أولاد كبار التجار، الذين زاد عليهم مجموعة من الأصدقاء الجدد من اليونانيين والإيطاليين وغيرهم سواء من الرجال أو النساء، وتحديداً النساء!
مع ذلك ربما كان ياسين أكثر حرصاً من والده على ألا تكون هناك علاقة من أي نوع مع جنود الإحتلال البريطاني، الذين كانت تعج بهم المدينة، تحديداً عندما تجمعهم الصدفة في البارات والحانات والمراقص الليلية.
البحث عن عروس
بفعل ذكاء ياسين وحرص والده بدأت تجارته تزداد وتنمو، ما جعل والده يتوسع في تجارته ويزداد عدد الصناع والعاملين لديه، بعدما اطمأن إلى مهارة نجله، ويتغاضى عن كثير من أحواله التي لم تكن ترضيه. غير أن التوسعات الجديدة خلقت من ياسين شخصاً جديداً، فزاد إحساسه بذاته وشبابه وثرائه، وبدأ يمارس سطوته كصاحب تجارة، في الوقت الذي تراجع دور والده في التجارة لكبر السن وانحصر في أن يجلس في الدكان الذي ازدادت مساحته ليضمّ في خلفيته ورشة للتصنيع، يبيع ويشتري وربما يذهب لتحصيل الأموال من بعض التجار، في حين أصبح ياسين المشرف على التصنيع والصياغة، وقبل أن ينهي يومه يتفق مع أصدقائه على المكان الذي سيقضى فيه ليلته.
زاد إحساس الثقة بالنفس عند ياسين، لدرجة أنه لم يعد يعبأ متى يعود إلى البيت وفي أي شكل، حتى اليوم الذي عاد فيه قبيل الفجر، فبينما كان والده يستعدّ لصلاة الفجر، سمع صوت عربة «سوارس» فأطلّ برأسه من شرفة البيت، ليرى ابنه الوحيد ينزل من العربة التي فيها امرأة.
وقف الأب في انتظاره ودخل ياسين البيت كعادته، فازداد الأمر تعقيداً حين شم والده رائحة الخمر تفوح من فمه، عندئذ جن جنونه، وكانت تلك هي المرة الأولى التي يصفع فيها الأب الابن المدلل على وجهه وعلى صراخه استيقظ كل من بالبيت، الأم والشقيقة.
- علي: نساء وخمر، وصل الموضوع إلى هذا الحد!
أصبح هذا اليوم علامة فارقة في حياة الفتى المدلل، بعدما تبدلت علاقة والده به وتحول الأمر، فبعدما كان الحزم والشدة يأتيان من الأم، واللين والحنان المتدفق من الأب، خيم جو من التوتر على العلاقة بين الأب والابن، التدقيق في كل خطوة، الإنفاق بحساب، من يأتي إليه ومن يخرج معه ومتى يعود إلى البيت... لدرجة جعلت الأم تشفق على «المدلل» الذي كان.
على عكس ما جرت العادة بين الأسر في ذلك الوقت، إذ يكون البحث عن زواج الفتيات أولا ومع اقتراب شقيقة ياسين من سن الزواج، إلا أن الأب قرر أن يكون الزواج للولد أولا، قبل أن ينجرف في طريق اللاعودة.

لم يتأزم الموقف بين ياسين ووالده تماماً، غير أنه أحدث شرخاً في العلاقة بينهما، خصوصاً مع إحساس الأب أنه كان وراء وصول الابن إلى هذه الحالة، فربما نجح في أن يجعل منه صائغاً ماهراً ومشروع تاجر متميز، سرعان ما أخذ مكانه بين كبار تجار المدينة، غير أن دافعه إلى ذلك يعود إلى خوفه عليه من أن يسلك طريق الفدائيين الذين يحاولون مقاومة الاحتلال الإنكليزي في المدينة، كحال بقية مدن المحروسة، وهو الطريق الذي يمكن أن يأخذ منه ابنه الوحيد، لذا كان تدليله الزائد عن الحد. كل هذه الأسباب أدت إلى ابتعاد الابن عن الأب، فاتخذ طريقاً خاصاً به واهتمامات خاصة، زاد فيها انغماسه في حياة اللهو والنساء، توسيع صداقاته وعلاقاته، خصوصاً مع أبناء الجاليات الأجنبية الموجودة في المدينة في ذلك الوقت.
على الرغم من صغر هذه المدينة وهدوئها، إلا أنها كان تتسم بكثرة المراقص والملاهي الليلية والحانات وكان أكثر المترددين عليها من الجاليات الأجنبية وجنود الإحتلال والأهالي المتعاملين معهم، فضلا عن كبار التجار الذين كانوا يعملون في تجارة الأسماك والأقمشة والزيوت والمعادن.
عاش الأجانب لا سيما اليونانيين والأرمن والفرنسيين في السويس كأنهم من أبنائها وكانوا يملكون المتاجر والمصانع الصغيرة أو ما يطلق عليها «الورش» ومحلات البقالة والمطاعم، الأمر المدهش أن هؤلاء الأجانب كانوا يتكلمون العربية كأنهم مصريون ولم يعاملهم أبناء المدينة باعتبارهم غرباء أو أجانب، بل جزء منهم. لكن اختلف الأمر بالنسبة إلى الإنكليز، لأنهم مثلوا دائماً رمز الظلم والطغيان والإحتلال وكانت معسكراتهم وثكناتهم تنتشر على أطراف المدينة من كل الجهات وتجثم على صدر سكانها.
كانت المدينة تعيش تحت نير الاحتلال البريطاني على غرار بقية مدن مصر، ولم يكن لشعب تحت الاحتلال أحلام أبعد من حلم الاستقلال، فكان هذا الأخير الهمّ الأكبر الذي استحوذ على القادة والشباب على السواء، لذا لم يكن ذلك الزمن جميلا مرصعاً بالأحلام والآمال، من حيث التكوين الاجتماعي أو التركيبة السكانية.
على غرار بقية مدن القناة، تكونت السويس من خليط شكلته هجرات المصريين اليها في وقت تزامن مع افتتاح القناة وظهور شكل جديد للحياة في هذه المنطقة، ولم يجد أهل الجنوب، الذين نزحوا مع حفر القناة، أمامهم سوى الانخراط في أعمال وحرف تتطلبها حاجات الحياة والمعيشة في المدينة، مفضلين ذلك على العودة إلى منابع هجرتهم في صعيد مصر.
أما الهجرة الثانية فجاءت من شمال الدلتا وتكونت من الصيادين في المناطق التي تطلّ على بحيرة المنزلة، الذين وجدوا في المجرى المائي للقناة الجديدة مورداً جديداً للرزق، فنزحوا مع عائلاتهم إلى مدنها من بينها السويس، ليكوّنوا مجتمعاً يقوم على صيد الأسماك والتجارة فيها.
قلق على المستقبل
كان للمعلم علي نخلة علاقات اضطرارية مع البريطانيين، باعتباره أحد تجار تصنيع الذهب وكان هذا الأخير يُنقل بالسفن إلى بريطانيا أولاً بأول لأن سوقه لم تكن رائجة في مصر في ذلك الوقت، وكان الاعتماد بشكل أساسي على البيع للجاليات الأجنبية، ثم البيع الاضطراري بأبخس الأثمان للبريطانيين ليتم تصديره إلى بريطانيا وإعادة تصنيعه.
لهذه الأسباب كلها ولضعف التجارة وهبوطها وصعودها وفقا لأهواء المحتل، كان الأب يخشى على نجله ومستقبله، لذا حرص على أن يتعلم ياسين أصول التجارة ويكوّن شبكة علاقات واسعة مع كبار التجار، وهو ما جعله لا ينظر سوى إلى هذه الزاوية المهمة، لذلك كان إحساسه بالندم على ما جرى مع ابنه، إلا أنه جاء متأخرا، فقد بلغ ياسين مبلغ الرجال وأصبحت له جلساته الخاصة بعيداً عن الجلسات التي كان يصطحبه فيها الأب وراح يظهر في شكل كبار التجار. كان ملفتاً بين أصدقاء الأب سؤالهم الدائم له كيف يترك ولده يصل إلى هذه السن ـ العشرينيات ـ من دون زواج؟!
- إلى متى تنتظر على زواج ياسين، فمن هم في مثل عمره لديهم أولاد يجرونهم أمامهم، كيف تتركه من دون زواج؟
- هل تظن أن هذا يرضيني؟ تعبت من كثرة الحديث معه في هذا الموضوع، ليس لي دعاء في كل صلاة سوى أن أرى حفيداً لي من ياسين، فهذه أمنيتي قبل أن أموت.
- الرجال ليس لهم في هذا الموضوع، فهو من اختصاص الحريم فلتبحث أم ياسين عن عروس بين الجيران والأقارب والمعارف.
رحيل الأب
بدأت رحلة البحث عن عروس للفتى المدلل ياسين، كان ذلك من مهام النساء بحكم لقاءاتهن في البيوت وجلسات الحريم وعرض كل واحدة منهن ما لديها من مواصفات فتيات في سن الزواج. كانت تسفر هذه الجلسات في الغالب عن زواج، من ثمّ بدأت رحلة استعراض العرائس على الفتى المدلل.
- الأم: ما رأيك في نسب المعلم أمين الحداد؟
- ياسين: يا أم ياسين، اللي يجاور الحداد ينكوي بناره.
- الأم: بلاش الحداد، الحاج علي القماش لديه ابنة في سن الزواج يتحاكون بأخلاقها.
- ياسين: نعم يتحاكون بأخلاقها لأنه لن يجرؤ أحد على أن يتحدث عن خلقتها، فلي صديق على صلة قرابة بأسرتها وأكد لي مرة أن والدها الحاج علي القماش يفوقها في الجمال!
- الأم: احترت معك، سأنفض يدي من هذا الموضوع وسأدع والدك يبحث لك عن العروس المناسبة ووقتها قل له: هذه جميلة وتلك قبيحة.
يتقدم ياسين من والدته ويقبّل يدها.
ـ ياسين: أبوس يديك، فأنا أعرف بمَ يفكر ولو أنه زوجني ابنة صديقه يوسف تاجر السمك، سألقي بنفسي في المالح ـ يقصد البحر ـ فأنا لا أحب أكل السمك، كيف أتزوجه!!
لم يدم البحث عن زوجة لياسين طويلا، ففي الوقت الذي كان والداه مشغولين بذلك، كان هو أكثر انشغالا منهما في البحث عن زوجة، ليس حباً في الزواج ولكن خوفاً من أن يختارا له زوجة تكون سبباً في شقائه طيلة حياته، حتى عثر أخيرا على الفتاة المناسبة، ربما لم تكن أكثرهن جمالا أو أكثرهن ثراء لكنه تعلّق بها منذ اللحظة الأولى التي رآها تدخل عليه لتشتري أساور ذهب. على الفور قرر ياسين أن ينقذ نفسه من العروض التي تنهال عليه ودخل على أمه يوماً وهو متهلل الوجه.
ياسين: خلاص يا أم ياسين وجدت العروسة المناسبة وعرفت كل شيء عنها وعن أهلها، من بكره نروح نزورهم. كلمي أبو ياسين وحاولي تقنعيه.
الأم: أقنعه!! ليه هي مش بنت ناس؟
ياسين: بنت ناس طبعاً... بس...!
لم يكد ياسين يكمل جملته حتى سمع ووالدته طرقاً على الباب، دخل الأب محمولا بين أيدي أصدقائه بعدما سقط في الشارع أثناء عودته. وظل أياماً طريح الفراش. يبدو أنها النهاية التي لم يكن يتوقعها ياسين بهذه السرعة، فرحل الأب قبل أن يحقق أمنيته برؤية أحفاده.
رجل البيت الوحيد
بفقدان الأب شعر ياسين أنه أصبح في العراء، على عكس ما كان يظن البعض من أنه برحيل والده سيصبح أكثر تحرراً وسيهمل تجارته ويضيّع كل ما كوّنه أبوه في سنوات عمره في الملذات وشرب الخمر والنساء، بل كل ما فعله رحيل الأب هو تأجيل فكرة الزواج، ربما إلى أجل غير مسمى، لكن في المقابل زاد إحساس ياسين بالمسؤولية، أصبح فجأة مسؤولاً عن تجارة والده بمفرده، لذا حرص على ألا تضيع منه بعدما تكاتف عليه بعض أصدقاء الأب حرصاً منهم على ألا يكون سبباً في ضياع اسم والده.
- أنت الآن كبير الأسرة والرجل بعد والدك، ووالدتك وشقيقتك أمانة في عنقك، لا بد من أن تلتفت إلى تجارة والدك وتبتعد عن الطريق الذي يمكن أن يأخذك بلا عودة.
- أعرف كل ما تريدون قوله، فليس لي غيرهما الآن ويجب أن تتزوج شقيقتي في فرح تحكي عنه السويس كلها وليس حي الأربعين. إذا كان الحاج علي بذل سنوات عمره ليصنع اسمه وتجارته، فلن يكون لي همّ سوى أن يكبرا وستكشف الأيام صدق كلامي.
التفّ كبار التجار حوله واعتبروه واحداً منهم، مرت الأشهر وياسين يفي بما قطعه على نفسه. أصبح الرجل في البيت وفي التجارة التي تكبر وتنمو ويزداد فخر الأم به يوماً بعد يوم.
لكن مع أول عرض من أحد الأصدقاء القدامى، بدأت مرحلة الانهيار والتراجع.
- إيه يا عم ياسين، خلاص نسيتنا ونسيت أيامنا؟
- معقول وإحنا نستغني، بس من يوم المرحوم والواحد حاسس إن الدنيا كلها على دماغه وبعدين يا سيدي الأيام جايه. شوف أنت بس مناسبة ورتب لنا سهرة حلوة.
- المناسبة موجودة والسهرات الحلوة مفيش أكتر منها.
- وأنا جاهز من دلوقتي.
- كلام جميل، يبقى النهاردة عند المعلم أبو العز السويسي.
- بتاع السمك؟
- أيوه، جايب صييت من مصر والسهرة صباحي.
- أكيد جايب الشيخ يوسف المنيلاوي، ده مفيش زيه.
- الشيخ يوسف المنيلاوي تعيش أنت من قبل رمضان اللي فات.
- عليه رحمة الله، أمال جايب مين ؟!
-الشيخ عبد الحي حلمي والتخت بتاعه.
- يبقى السهرة صباحي.
زواج الفتى المدلل
كانت تلك الليلة شرارة العودة إلى أيام السهر واللهو، فلاحظت أم ياسين عودة ابنها إلى الحال الذي كان عليه قبل رحيل والده: السهر حتى آذان الفجر والعودة إلى المنزل مترنحاً ورائحة الخمر تفوح من فمه والنوم إلى ما بعد صلاة عصر اليوم التالي، في الوقت الذي يأتي فيه العمال في المحل وورشة صياغة الذهب منذ الصباح الباكر إلى المنزل من دون جدوى، ويعودون للوقوف أمام المحل والورشة إلى حين استيقاظ ياسين والذهاب إليهم، ولا يلبث أن يمضي ساعات قليلة في المحل ثم ينصرف مسرعاً إلى سهرات اللهو والطرب والحانات والمراقص. كل يوم مخصص لمكان يذهب إليه.
لم تجد أم ياسين حلاً سوى إعادة إحياء فكرة الزواج مرة أخرى، فقد مضى ما يزيد على العام على وفاة والده.
عاد الكلام عن العروس التي كان وقع اختيار ياسين عليها، فهي ما زالت غير متزوجة خصوصاً أنها انشغلت به، فوجد ياسين أنها فرصة ليبعد عن رأسه الصداع الدائم الذي تسببته له والدته بضرورة الزواج، وهو على يقين بأنها لن ترفض هذه العروس، على الرغم من بساطة أسرتها، فهي لم تكن في المستوى الاجتماعي نفسه لأسرة ياسين، إنما من أسرة بسيطة توفي عائلها والأم «أليفة» هي الحاكم الآمر في كل شيء وتتمتع بجرأة الرجال وصلابتهم، وليس لأشقاء الفتاة أو أعمامها أو حتى أخوالها كلمة بعد كلمتها.
كانت المعلمة أليفة ـ كما كانوا يطلقون عليها ـ من نوعية النساء اللواتي خلعن قلوبهن ووضعن مكانها قطعة من الحجر أو الحديد الذي لا يلين. ففي الوقت الذي كان فيه الرجال يخشون التجوّل في شوارع المدينة ليلا، كانت «أليفة» تذهب لتدخّن «الشيشة» في منطقة مهجورة على أطراف المدينة، بالقرب من المقابر، وفي كثير من الأحيان كان ذلك يتمّ داخل أحد أحواش المقابر!
هذه الأمور كلها جعلت لها كلمة مسموعة عند الرجال قبل النساء، فإذا قالت كلمة لا تردّها، مهما كلفها ذلك، وإذا أخذت انطباعاً عن شخص ما تعاملت معه، لا يتغير هذا الانطباع مهما اجتهد هذا الشخص في تغييره.
كانت تتاجر في الأقمشة والزيوت وتعمل كوسيط بين كبار التجار وبين الباعة بالتجزئة، لم يكن ذلك يدرّ عليها بالمال الوفير، في الوقت الذي كانت تنفق فيه الكثير على حياتها الشخصية، لذا لم تجلس معها أم ياسين سوى مرة واحدة، تم الاتفاق فيها على كل شيء ولم تستطع مجالستها مرة أخرى بعدما عرفت أنها تدخّن «الشيشة» حتى في وجود الرجال، وتولى ياسين في ما بعد الاتفاق معها على ما تبقى من تفاصيل الزواج.
على الرغم من الاتفاق على كل شيء، إلا أنه حرص على أن يزوّج شقيقته قبل أن يزفّ إلى عروسه، ما أدخل السرور إلى قلب أمه، فشعرت بالفعل أنه يمكن أن يحلّ محل الأب.
عودة إلى السهر والملذات
لم يمضِ وقت طويل على زواج شقيقة ياسين، حتى أقيمت الأفراح، وزف ياسين لعروسه في مطلع عام 1911، فأصبح مسؤولاً عن أسرة جديدة وعاش ياسين مع زوجته وأمه، كأسعد ما يكون الزواج. كان حريصاً على أن يبني أسرة جديدة وأن يحقق حلم والده في أن يكون له «عزوة» من الأولاد يملأون عليه حياته، وهو ما جعل أم ياسين تطمئن عليه بعد شهر واحد من الزواج.
- مش تتجدعني بقى علشان نفرح بذريتكم .
في خجل واضح
- بلاش الكلام ده يا نينة.
لكن سرعان ما تبددت أجواء السعادة التي كانت تخيّم على البيت، مع انتهاء الأسابيع الأولى من الزواج، إذ بدأ الحنين إلى الحياة الأولى يأخذ ياسين مرة أخرى وعاد أصدقاء السوء يتكالبون عليه.
- يبدو أن أخلاقك فسدت بعد الزواج، فأصبحت لا تغادر البيت بعد العشاء.
- اتركه ربما كانت زوجته تغلق باب البيت مبكراً!!
- لا داعي لهذا الكلام وبدلا من السخرية أنت وهو إبحثا لنا عن المكان الذي سنقضي فيه ليلتنا.
- هذا هو الكلام، لتعود أيام الأنس.
- ما رأيكما أن نسهر اليوم عند «ياسو» فقد سمعت أنه أتى براقصة من مصر، يتحاكون بجمالها.
- فلتكن الليلة عند «ياسو»!
في انتظار ولي العهد
كانت الأم تظن أن الزواج سيجعل من ياسين رجلا جديداً، بعيداً عن الفتى المدلل الذي تربى على أن تلبى كل طلباته حتى فسدت أخلاقه، وعندما بدأ يتعامل مع زوجته بعد الشهر الأول من الزواج بفظاظة، كانت تعمل على إرضائها وتطييب خاطرها حتى لا تنقل ما يحدث معها إلى أمها المعلمة «أليفة» وحتى لا يفشل زواج ابنها الوحيد وتتركه فريسة لحياة اللهو والعبث في الوقت نفسه، ومع كل محالات الود والحب التي كانت تحاول زرعهما في نفس زوجة ياسين، إلا أن ياسين عاد مرة أخرى إلى سابق عهده مع حياة الليل وصحبة السوء، النساء والخمر والسهر حتى الصباح.
لم يستطع الزواج أن يغير من حياة ياسين التي اعتاد عليها سنوات طويلة: نوم طوال النهار، سهر طوال الليل، دائم الشجار مع زوجته. ما إن تبدأ بمفاتحته في ما وصل إليه حاله وحال تجارته، بناء على نصيحة والدته لها، حتى يبدأ الشجار الذي كان ينتهي غالباً بالضرب، وفي إحدى المرات وقبل أن يهوي بيده على وجهها، سقطت مغشياً عليها، حملها إلى السرير على الفور وحاولت الأم إفاقتها، غير أن هذه الأخيرة لم تمرر حادث سقوطها مغشياً عليها مرور الكرام، فاستدعت على الفور السيدة «رزقة المولدة» لتكشف عليها، صدق حدسها، خرجت السيدة «رزقة» من الغرفة وهي تزغرد، لتؤكد أن على ياسين أن ينتظر ستة أشهر ليستقبل ولي العهد.
لم تتمالك أم ياسين نفسها من الفرحة وانهمرت دموعها، سوف تتحقق أمنية الأب ويأتي الحفيد.
نزل الخبر على سمع ياسين ليفعل فعل السحر، فلم تكن زوجته تتصور أنه سيفرح كل هذا الفرح. لم يتمالك نفسه من الفرحة وخرج إلى الشارع ليخبر كل من يقابله بأنه سيصبح أباً خلال أشهر قليلة. عاش الجميع الأشهر المتبقية في شوق ولهفة بانتظار وصول المولود المنتظر.


الموضوع الأصلى : سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة  المصدر : قيثارة الغناء العربى
توقيع العضو: نور الحياة شاكر


عدل سابقا من قبل نور الحياة شاكر في الثلاثاء 23 نوفمبر 2010 - 21:21 عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
نور الحياة شاكر
المشرف العام
المشرف العام
نور الحياة شاكر

الدولة : سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 Female73
انثى
عدد الرسائل : 51922
تاريخ التسجيل : 08/12/2007
المزاج : سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 710
بطاقة عضوية : سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 Ou_oa10

سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة   سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 71831510الثلاثاء 23 نوفمبر 2010 - 21:15

****بيت النتاش

درجت العادة أن يستقبل أهل مصر شهر رمضان بالاحتفالات والفرح والطبول تعبيراً عن سرورهم بهذا الشهر الكريم، فتضاء الشوارع والحواري والأزقة بالفوانيس، في الليل يسهر الصائمون حتى وقت السحور لصلاة الفجر، وفي النهار تضجّ الأسواق بالباعة والمشترين. ولشهر رمضان عادات وتقاليد خصوصاً في مدينة السويس يتوارثها الناس عن آبائهم وأجدادهم، فما أن تثبت رؤية الهلال إيذانا ببدء الصوم، حتى تغلق أغلب الحانات والمراقص ـ مع أن أصحابها ليسوا مصريين أو مسلمين ـ ويجتمع الناس، رجالا ونساءً وأطفالا، في المساجد والساحات العامة يستمعون إلى الأناشيد والمدائح النبوية والصوفية، ابتهاجاً بحلول هذا الشهر الفضيل، ويطوف العلماء والفقهاء على المساجد والتكايا التي كانت تفتح أبوابها طوال الشهر ـ على طريقة موائد الرحمن الحالية ـ لتفقد ما يجري فيها من تنظيف وإصلاح وتعليق قناديل وإضاءة شموع وتعطيرها بأنواع البخور والمسك والعود الهندي والكافور وتجهيز أدوات الطهي والطبخ.
كان للفانوس أهمية خاصة - منذ دخول الفاطميين مصر- واستعمالات عديدة، يحمله الكبار لينير دروبهم أثناء السير ويجوب به الأطفال الحواري والأزقة والشوارع وهم ينشدون الأغاني الرمضانية الجميلة.
رحيل الأم... وولادة النجم
ما إن حلّ شهر رمضان في العام 1330 في التقويم الهجري، الذي يقابله أغسطس وسبتمبر من العام 1912 في التقويم الميلادي، وهو الشهر الذي كان مقدراً أن تلد فيه زوجة ياسين مولودها الأول، وفق حسابات السيدة {رزقة المولدة}، حتى بدأت أسرة ياسين الاستعداد لاستقبال مولودها، وراح ياسين يشتري كل ما لذ وطاب بما في ذلك {الفانوس}، غير أن حسابات السيدة {رزقة المولدة} لم تكن دقيقة بالقدر الكافي، ومرّ الشهر سريعاً من دون أن يصل الضيف المنتظر.
أبى القدر أن يمهل والدة ياسين لتتحقق أمنيتها برؤية حفيدها الذي انتظرته طويلا، إذ وافتها المنية ورحلت وهي في شوق ولهفة لأن ترى ذرية ياسين. حزن هذا الأخير حزناً كبيراً على فراقها كما لم يحزن في السابق، حتى على والده الذي كان مصدر سعادته وتدليله. شعر باليتم ـ على كبر سنه ـ واعتصر الحزن قلبه على فراق من أحب... وانتظر بفارغ الصبر أن يأتي الحفيد الذي أحبته والدته قبل أن تراه.
مرّ شهر رمضان بأكمله وثلاثة أيام من عيد الفطر المبارك، وفي اليوم الرابع استقبل ياسين والدنيا كلها هذا المولود الذي أطلق عليه والده اسم {إسماعيل} وذلك في الخامس عشر من سبتمبر عام 1912، الموافق الرابع من شوال عام 1330، فأعلن عن مولد {إسماعيل يس}.
آمال... وآلام
فرحت الأم كما لم تفرح في السابق بقدوم مولودها {إسماعيل}، فعلى الرغم من أن زواجها لم يمرّ عليه سوى عام أو يزيد قليلا، إلا أنها شعرت بأن السماء أرادت أن تعوضها أيام الشقاء والتعاسة التي عاشتها خلال هذه الفترة... فها هو إسماعيل سيملأ عليها حياتها، بعدما فرغ البيت برحيل الحماة جدة إسماعيل، وسيكون هو سلواها في ظل غياب والده ياسين عن البيت.
على الرغم من حالة الانكسار التي أصبح عليها ياسين برحيل والدته، إلا أنه فرح بمولوده الأول، وراح يمني نفسه بأن ما إن يشتد عود إسماعيل حتى يبدأ في إعداده ليكون خليفة له، كما فعل معه والده، يعلمه تجارته ويشربه {الصنعة} التي نشأ وتربى عليها، وهي صياغة الذهب، وإن كان لأم إسماعيل رأي آخر، فهي تريد أن يكون طالب علم أو أحد علماء الأزهر الشريف في مصر، أو يلتحق بمدرسة {المهندس خانة} - كلية الهندسة - أو غيرها من المدارس العلمية، وهو ما جعلها ترفض نية الأب في أن يكون الابن امتداداً له.
قرر ياسين أن يبدأ حياة جديدة بوصول ابنه إسماعيل، أصبح أكثر حرصاً على العودة مبكراً إلى البيت، لم يعد إلى سهرات المراقص والملاهي الليلية، ابتعد عن شرب الخمور، أصبح أكثر انضباطاً كرب أسرة مسؤول عن أسرته، وزاد من إحساسه بالمسؤولية أنه فقد من كان يركن إليهما، أي والده ووالدته.
التغيير الذي حدث في حياة ياسين بوصول نجله شعرت به {أم إسماعيل}، وراحت تمني نفسها بحياة جديدة بعيداً عن المشاكل التي أرقتها في السنة الأولى من زواجها، وبتربية {إسماعيل} كما تريد، ولم تكن تدري أن هناك الكثير ـ بين المر والحلو ـ الذي يخفيه القدر لها ولهذا الطفل الذي لم يمض على وجوده في الدنيا سوى أشهر قليلة.
كانت بداية المصائب برحيل الجدة وانعكس ذلك بشكل كبير على الأب ياسين، الذي شعر بأنها رحلت وأخذت معها كل شيء جميل، رحلت وأخذت معها الخير، وحين جاء إسماعيل اعتقد المقرّبون من الأب أنه سيقلع عن ألاعيبه وما عُرف عنه من تحرر وسيتفرغ لتربية ابنه والإعتناء بعائلته، وحاول هؤلاء ثنيه عما كان يعيش فيه من لهو وعبث:
- أنت الآن كبير العائلة يا ياسين، وأصبحت أبا ولا بد من أن تلقي خلف ظهرك ما كنت تفعله في السابق وأن تلتفت إلى تجارتك وابنك لتحسن تربيته.
- أعرف ذلك، هذا بالفعل ما أنوي فعله، لكن لا أخفي عليك أنني أشعر للمرة الأولى بالوحدة في هذه الدنيا وبالمسؤولية بحق.
- جميل أن تشعر بالمسؤولية، لكن لست وحدك فكلنا أهلك واعلم أننا معك في الخير فحسب، لكن إذا عدت إلى ما كنت عليه، فلن تجد أحداً بجوارك!
بداية الكوارث
منذ بداية الحرب العالمية الأولى، أصبحت السويس ميناء مهماً على الحدود الشرقية لمصر، تضج بالجنود في معسكرات جيش الاحتلال الإنكليزي، وكانت القناة إحدى نقاط الارتكاز له في الحرب، وقد أدى هذا الوضع إلى انتشار المحلات التجارية التي تقوم على خدمتهم، خصوصاً البارات والملاهي الليلية وبيوت البغاء، كذلك على خدمة أهالي السويس الذين يتعاملون معهم، خصوصاً الفئات التي تجد في يدها في آخر اليوم فائضاً من الربح من دون تعب أو عناء!
لم يمض وقت طويل على استقامة ياسين حتى عاد إلى سابق عهده، غير أنه كان هذه المرة أسوأ، عاد من جديد إلى سهراته ومغامراته النسائية والسهر حتى الصباح. انصرف عن عمله وشغلته غرامياته عن أسرته وابنه فعاشت زوجته المرّ والشقاء من جديد، انصرف عنه الجميع، بمن فيهم أصدقاء السهرات والحظ، لسبب بسيط أنه لم يعد لديه ما يبتغونه منه بعدما بدا إفلاسه وشيكا، أهمل تجارته وقلّص عدد العاملين لديه ولم يبقِ إلا على قلة منهم.
بسبب سوء أحواله أصبح ياسين دائم الشجار مع زوجته {أم إسماعيل} لأنه لم يعد ينفق على البيت، حتى مصروف الأكل والشرب، كان يترك الأم وطفلها أياما وربما أسابيع من دون أن يسأل عنهما وكيف يأكلان ويشربان وكيف تدفع ثمن تعليم الصغير في {الكُتاب} الذي حرصت على أن يلتحق به ليتعلم قراءة القرآن الكريم.
لم يكن أمامها إلا اللجوء إلى أسرتها لتدبير بعض النقود للمأكل والمشرب. شكت الزوجة لأمها {أليفة} فهي الأقرب لها ومستودع أسرارها، لكن لم تكن الأم تملك من الأمر شيئاً سوى أن تدبّر لها نقوداً بسيطة تكفل لها الأكل والشرب بالكاد، وتفعل ذلك على مضض، من أجل ابنتها!!
لم تقبل والدة إسماعيل يس بهذا الوضع المهين بأي شكل من الأشكال، كرهت الحياة مع زوج يهمل بيته وابنه ويهجرها ليلا، وما أكثر الخلافات التي وقعت بينهما وكانت تؤدي أحياناً إلى الغضب وإساءة معاملة الزوجة، بل وتشويه صورتها أمام الجيران!
حاولت الأم أن تتماسك وتتحمل من أجل ابنها وبيتها الذي يوشك على الانهيار، وزوجها الذي يسير في طريق لا نهاية له ويجرف استقرار البيت ومستقبل الابن معه، الذي بدأ يكبر ويفهم معنى أن يتشاجر والداه يومياً، لدرجة أنه كان يستيقظ في أواخر الليل على أصوات صراخهما، عندما يأتي الوالد في ساعات متأخرة ويتمايل مخموراً.
يتم مبكر
مع انتهاء الحرب العالمية الأولى عمّت البلاد حالة جديدة من الكساد ووصل الأمر بياسين إلى حد الاستدانة من القريب والغريب وما أن تدخل جيبه أية نقود حتى يسرع إلى شراء الخمر.
مع برد الشتاء القارس، وفي ظل عدم وجود ما يحمي الأم وصغيرها من البرد ولا يملأ معدتها من طعام، بدأت الأمراض تداهمها، فأصاب المرض صدرها، مع ذلك كان همها الوحيد الحرص على حياة هذا الوليد، فلا ذنب له ليأتي إلى الدنيا ليشقى. كانت تمنع نفسها من الطعام لتطعمه وتتحمل برودة الجو لتدفّيه وتدبر بالكاد ما يكفل استمرار تعليمه الذي كانت حريصة عليه علّه يحقق حلمها يوماً ويكون كما تمنت، كل ذلك جعل صحتها تتدهور وتصبح وهي في ريعان الشباب، عجوزا طاعنة في السن!
يمضي الحال بالأسرة من سيئ إلى أسوأ حتى جاء اليوم الفصل، ليس الفصل في العلاقة بينهما بل في حياتهما معاً وحياة طفلهما، فلم يكن شجارهما في هذا اليوم مثلما سبق، كانت المرة الأولى بل الأخيرة التي يصل فيها الشجار بينهما إلى هذا الحد:
- ألم تعد ترى كيف أصبحنا أنا وابنك؟! هل تدري أننا نتسول قوت يومنا؟! هل ترى الملابس التي نرتديها؟! هل تعلم أننا لم نذق الطعام منذ عصر الأمس؟!
- وماذا أفعل البلد حالها توقف تماماً ولم يعد هناك لا بيع ولا شراء
- أي حال وأي بلد، أنت وحدك الذي توقف حالك وأوقفت حالنا معك. الناس تعمل وأحوالها إلى خير إلا أنت وحدك لأنك اخترت طريق الشر والخمر والنساء والعربدة.
- ألن ننتهي من هذه السيرة، أية نساء؟! فلم يعد لي علاقة بهن ، ألن تنتهي غيرتك العمياء تلك؟
- أنت واهم، أية غيرة وأية نساء؟! افعل ما تشاء ولكن أمّن لي ولهذا الطفل طعامنا وشرابنا وكسوتنا.
- لماذا لا تتحملين معي هذه الظروف العصيبة؟! فهي فترة وسيعود كل شيء إلى ما كان عليه بل وأفضل.
- لقد تحملت الكثير، ويمكن أن أتحمل أكثر، لكن ما ذنب هذا الطفل الذي يشعر باليتم وأهله على قيد الحياة؟!
احتدّت الزوجة واحتدّ ياسين، ولم يتحمل كلامها الذي شعر بأنه سكين يمزق أحشاءه فدفعها بيده ليبعدها عن طريقه وهمّ بالخروج من البيت، غير أنه فوجئ بها تسقط على الأرض، فعاد إليها مسرعاً.
- أم إسماعيل، مالك، ردي عليّ، أم إسماعيل!
لكنها لم تنطق سوى بكلمة واحدة
- إسماعيل...
وضع رأسه على صدرها لم يسمع نبضاً، خرج إلى الشارع وحاول أن يستغيث بالجيران، أو يفعل أي شيء. وتجمع الجيران، لكن أحدا لم يستطع أن يفعل شيئاً، ماتت الزوجة المسكينة على الفور.
عزيز قوم ذل
مع أن والد إسماعيل كان يسوم زوجته سوء العذاب في حياتها إلا أنه حزن حزناً شديداً على رحيلها، ربما لأنه أدرك أنه السبب في العذاب الذي عاشته بسبب الجري وراء ملذاته، ولم يشعر بمدى حبه لها إلا بعد فقدها وحرمانه منها للأبد. ففي ظل المشاكل والشجار اليومي الذي كان يدور بينهما باستمرار، لم تكن تترك بيتها، بل حرصت على أن يظل مفتوحاً لترعى شؤون الصغير الوحيد إسماعيل، الذي أصبح مشكلة المشاكل بالنسبة إلى أبيه، فقد خلا البيت عليهما.
لم يجد ياسين ما ينسيه همومه وتراكم الكوارث فوق رأسه سوى أن يعود مرة أخرى إلى الخمر، شعر بأنه يضيع، أصبح عاجزاً عن فعل أي شيء، وبعدما فشلت الخمر في أن تنسيه ما هو فيه، اتجه إلى تعاطي المخدرات، فأهمل الورشة، لدرجة أنه لم يبقِ على أحد من العاملين فيها، ولم يعد قادراً على أن يدفع لهم أجورهم بعدما تراكمت عليه الديون، فاضطر في النهاية إلى أن يبيع ما فيها ليدفع جزءاً من ديونه وينفق ما تبقى على شرب الخمر، وتحول المحل من بيع الذهب إلى بيع بعض مشغولات الفضة التي لم تكن تكفي حتى لقوته اليومي هو والصغير إسماعيل، وعندما زاد الموقف تأزماً اضطر إلى التضحية بتجارته وتجارة والده وأجداده، لتنتهي إلى الأبد، فباع الورشة وأغلق المحل، مع ذلك لم يبق ثمن الورشة معه أكثر من شهر، وما إن نفدت نقوده حتى تبدل شكله وحاله، وبعدما كان يرتدي أفضل الملابس وأغلاها ثمناً، أصبحت ملابسه رثة، وفي بعض الأحيان ممزقة، فيبدو لمن يراه ولا يعرفه أنه يتسول قوت يومه!!
اضطر إلى العمل عند زميل له، عطف عليه وأشفق على حاله بعدما وجد أنه تحطم تماماً، ولم يعد يجد ما يسدّ به رمقه ورمق صغيره.
على الرغم من أن إسماعيل كان في سن مبكرة من عمره، إلا أنه كان على درجة من الوعي والمعرفة ما جعله يدرك حجم الكارثة التي حلّت بأبيه فضلا عن حزنه الشديد على رحيل أمه، القلب الوحيد الذي عشقه وتألم له، حتى وهي في النفس الأخير لم يكن هناك شيء في الدنيا يهمها سواه، وكان اسمه آخر ما نطقت به.
أيام الرعب... والشقاء
كان الصغير يقضي نهاره مع الأولاد في الشارع، يلعب ويلهو معهم، وكان أكثر ما يتمناه أن يستمر اليوم نهاراً بشكل دائم، لأن ما كان يثير الرعب في نفسه أن يأتي الليل ويضطر مثل بقية أقرانه إلى أن يعود إلى البيت، غير أن هؤلاء يعودون ليرتموا في أحضان آبائهم وأمهاتهم يأكلون ويشربون وينامون وهم يشعرون بالأمان.
كانت الساعات تمضي ثقيلة مرعبة، وإسماعيل بمفرده في البيت، الذي يسيطر عليه الظلام من كل جانب، شعرت بذلك إحدى الجارات فتطوعت لتشعل له {لمبة الغاز}، وفي كثير من الأحيان يتم نسيانه، أو تأخذه إحداهن ليأكل ويظل مع أولادها حتى تنتهي رحلة الأب من العمل ثم المرور على إحدى الخمارات ليشرب كأسين أو {ربع زجاجة} ويعود إلى البيت، معه بعض اللقيمات التي يسدّ بها جوع صغيره، وربما لا يأكل هو ليوفر للصغير هذه اللقيمات ويكتفي هو بالشراب.
حياة بؤس وشقاء وجوع وفقر بل ورعب، تلك التي كان من المفترض أن يتحملها هذا الصغير في هذه السن المبكرة. كان والده كلما رأى ما عليه صغيره يزيد حزنه وغمه ويفرط في الشراب وكأنه كان يتمنى لو انتهت حياته هو وبقيت أم إسماعيل، فربما تبدل حال الصغير إلى أفضل مما هو عليه الآن عشرات المرات، لكنه القدر الذي اختارها ليتركه يتعذب بذنبها.
مرت الأيام ثقيلة وياسين يعاني الأمرّين، سواء من حالة الكساد التي يعيشها أو من الحمل الثقيل الذي تركته له زوجته برحيلها. فهو غير قادر على الاعتناء بابنه إسماعيل وتربيته، وكان يتألم عندما يراه أمامه صامتاً، غير أن نظرات الصغير تحولت إلى سكاكين تقطع أحشاءه، فكان يحنو عليه أحيانا ويصطحبه معه إلى العمل ويتركه يلهو ويلعب أمامه إلى حين الانتهاء من عمله. يبدو أن وجود إسماعيل معه جعله يخجل من أن يذهب كعادته اليومية إلى الخمارات والمراقص التي اعتاد أن ينفق فيها ما لديه من مال.
بعد فترة بدأت الأموال تجري في يد ياسين من جديد، فقرر شراء المشغولات الذهبية والفضية بالأجل، وأعاد فتح المحل مرة أخرى وعادت الحياة تبتسم من جديد، ولو قليلا، إلا أن الحال أصبح غير ذي قبل وانتبه ياسين إلى أن البيت أصبح مهجوراً، وأنه لم يعد قادراً على خدمة إسماعيل، والأهم من هذا وذاك أنه لم يعد قادراً على العيش من دون امرأة، ففكر في الزواج من أخرى ربما استطاع أن يكوّن أسرة من جديد تعيد إليه ما فقده.
وتسرع الأيام لتقدم له مفاجأة جديدة، سرعان ما نسي الأب المحب للحياة والنساء، الزوجة التي ماتت، وأن ابنه في حاجة إلى رعايته، فقرر الزواج مرة أخرى، بما أن المال أصبح متوافراً وهو يحتاج إلى امرأة.

***الستات عفاريت

لم تكد الحرب العالمية الأولى تطوي صفحاتها في العام 1918، حتى اشتعلت كل مدن مصر ومحافظاتها بالثورة في العام التالي 1919، كان المصريون يطالبون بالإفراج عن سعد زغلول ورفاقه الذين اعتقلهم الإنكليز لأنهم طالبوا باستقلال مصر، ومنعوهم من السفر إلى باريس لحضور مؤتمر الصلح والمطالبة بحق مصر في تقرير مصيرها، طبقاً للمبدأ الذي أعلنه الرئيس الأميركي ويلسون {حق كل شعب في تقرير مصيره}.
رفضت سلطات الاحتلال البريطاني السماح لهم بالسفر بحجة أنهم لا يمثلون الشعب المصري وليست لهم أية صفة رسمية، بناء على ذلك طبع الوفد آلاف التوكيلات ووزعها في كل أقاليم مصر للحصول على توقيع المصريين عليها، وقد أرسل سعد زغلول برقية إلى ويلسون يطالبه فيها بمساندة القضية المصرية.
نجحت حملة جمع التوكيلات نجاحاً كبيراً وتوالت البرقيات على الديوان السلطاني تعلن تأييد سعد زغلول وعليها آلاف التوقيعات؛ ما جعل السير وينجت ـ المندوب السامي البريطاني آنذاك ـ يخشى تبلور زعامة مصرية جديدة بعدما خلت الساحة من زعيم يلتفّ حوله المصريون بوفاة مصطفى كامل وهجرة محمد فريد، لذلك ألقى وينجت القبض على أعضاء الوفد وأرسلهم إلى بورسعيد في 8 مارس 1919، من هناك نُقلوا في إحدى السفن الحربية إلى مالطة.
في اليوم التالي قامت التظاهرات في كل محافظات مصر، بدأها طلاب الجامعة المصرية، ثم طلاب الأزهر وانتشرت في كل الأقاليم وشاركت فيها فئات الشعب من عمال وفلاحين وتجار وغيرهم، كذلك شاركت النساء في التظاهرات للمرة الأولى، وانهالت الاحتجاجات والبرقيات على الديوان السلطاني تعلن تأييد الأمة لسعد زغلول والاحتجاج على القبض عليه وتطالب بالإفراج عنه والسماح له بالسفر إلى باريس. فلم تجد انكلترا بُداً من الإفراج عنه والسماح له بالسفر إلى باريس، لإقناع برلمانات الشعوب الأوروبية بحق مصر في تقرير مصيرها.
عملت انكلترا على عزل الوفد المصري والالتفاف عليه في محاولة التفاوض مع الحكومة المصرية وبعض زعماء الصف الثاني للوصول إلى حلّ وسط خصوصاً أن سعد زغلول لم يكن يرضى عن الاستقلال التام بديلاً، فأرسلت انكلترا لجنة برئاسة اللورد ملنر لهذا الغرض، لكن الشعب المصري قاطعها وأعلن احتجاجه عليها مؤكداً أن الوفد المصري برئاسة سعد زغلول هو الممثل الشرعي والوحيد للشعب المصري، فعاد ملنر خاوي الوفاض وأوصى في تقريره بضرورة التفاوض مع سعد.
استجابت انكلترا للتوصية، لكن مفاوضات (سعد ـ ملنر) فشلت نتيجة إصرار سعد على حصول مصر على الاستقلال التام وإصرار ملنر على ضرورة الإبقاء على الوجود البريطاني في قناة السويس تحت دعوى حماية الأجانب في مصر، ما أدى إلى زيادة قوات وجنود الاحتلال في مدن القناة (السويس والإسماعيلية وبورسعيد) وأشعل الحركة الوطنية ونشط حركة الفدائيين في مدن القناة من ناحية وزاد حركة التجارة وارتفاع الأسعار من ناحية أخرى، كل هذه العوامل أدت إلى خلق حالة جديدة من النشاط وثراء بعض التجار الذين أوشكوا على الإفلاس.
كان من بين هؤلاء التجار الذين انتعشت حالتهم ياسين، فأقدم على الزواج من جديد، إلا أنه ما لبث أن عاد إلى سابق عهده في السهر والنساء والخمر وترك صغيره {إسماعيل} فريسة بين براثن زوجته الجديدة.
- خد يا إسماعيل، جبت لك جلابية جديدة أهه، زي ما جبت لنفسي.
- بس أنت جبت تلاتة لنفسك وكمان جبت طواقي وشيلان.
- أيوه ما هو علشان العروسة، أنا عايزك تسمع كلامها علشان تحبك وتاخد بالها منك، دي هتبقى زي أمك.
نظر إليه إسماعيل طويلا ثم انصرف بعدما قال:
- أنا أمي ماتت عند ربنا.
عذاب زوجة الأب
مرّ عامان على زواج الأب وبلغ إسماعيل الثامنة من عمره وبدأ يعرف معنى اليتم وفقدان الأم، القلب الحنون الذي كان يحتضنه ويحميه، وراح الصغير يبحث عن الحنان المفقود وعن القلب الذي يضمه ويعوّضه ما فقد لكن بلا جدوى.
كالعادة... لا تطيق الزوجة الجديدة، أن ترى ابن {ضرتها} السابقة، فأذاقته صنوف العذاب وتعاملت معه باعتباره خادماً في البيت وليس صاحبه وله الحق قبلها وبعدها في كل شيء، فكانت تجبره على التنظيف وقضاء حاجياتها من الشارع، لدرجة أنه لم يكن يلتقط أنفاسه أو حتى يشعر بطفولته أو يمارس حياته مثل بقية أقرانه في الشارع من لعب ولهو، ومنعته من الذهاب إلى المدرسة التي ألحقه بها والده لينال حظه من التعليم.
- تعليم إيه... هو ده وش مدارس... ده يفضل في البيت علشان يجيب اللي يحتاجه البيت... ولاِّ عايزني أنا أخرج إلى الشارع!
- أيوه بس الولد لازم يدخل المدرسة ويتعلم.
- أهو كفاية اللي أخده في الكتاب.
لم يكن إسماعيل يشكو لوالده سوء معاملة زوجته، بل كان يحدث العكس. فما إن يدخل ياسين البيت، حتى تسرد له زوجته شكاواها من إسماعيل، فهو برأيها قليل التربية ولم يجد من يربيه وعلى والده إيجاد حلّ، فإما هو أو هي في البيت.
وضعت الزوجة الجديدة الأب في مأزق، فاسماعيل ابنه الوحيد وليس له غيره، وعندما فكر أن يذهب به عند شقيقته (عمة إسماعيل)، ألمح زوج شقيقته أن بيته أولى به.
هنا طرأت فكرة على رأس ياسين، لماذا لا يعهد بإسماعيل إلى جدته؟ من غير المعقول أن تتركه هذه الأخيرة في هذا العذاب، خصوصاً أنه لم يعد قادراً على أن يرعاه، فقرر أن يذهب به إلى جدته لأمه {أليفة}، فهي الوحيدة في هذا العالم التي يمكن أن تعتني به وترعاه، أو على أقل تقدير يضمن له أن يأكل ويشرب وينام في أمان، بعدما تبدلت آمال والدته بتحصيله العلم قبل رحيلها!
الانتقال إلى عذاب الجدة
انتقل الطفل إلى جدته على أمل أن يجد الأمان الذي حرم منه مرتين: مرة بوفاة الأم، ومرة بتخلي الأب عنه حين اصطحبه إلى جدته!
- إسماعيل أهوه يا خالة أليفة... سلم على جدتك يا سمعة.
- أيوه عارفاه... أهلا.
- خالة أليفة... أنا... أنا كنت عايز...
- عايز إيه... فلوس... أنا سمعت إن الأشيا معدن معاك والفلوس رجعت تجري تاني في إيدك... ده حتى بيقولوا أنك اتجوزت.
- أيوه... الحمد لله... أنا بس كنت جايب إسماعيل يومين كده بس يتفسح عندك.
- كانوا قالولك إني صاحبة جناين... جايبه يتفسح هنا.
- لا مش القصد... بس يعني...
- متكملش... سيب الواد واتكل أنت.
وكأن الجدة {أليفة} انتظرت هذه الفرصة الذهبية التي ساقتها إليها السماء، لتستطيع {أن تفش غلها} وتنتقم من زوج ابنتها في ابنه.
كانت الجدة تعتقد أن ياسين السبب في قصف عمر ابنتها مبكراً، وأن سوء معاملته لها هي التي أودت بحياتها سريعاً، فضلا عن تنكره لذكراها بزواجه السريع من أخرى.. كلها مبررات كانت كافية لتقتصّ منه في شخص ابنه إسماعيل الذي يحمل اسمه.
على عكس ما توقع إسماعيل أو والده... كانت الجدة تتعمد أن تعامل الصغير معاملة قاسية جافة بل وسيئة، ليس لأنها قاسية بطبيعتها وتتعامل بقلب خال من العواطف والمشاعر فحسب، بل لأنها كانت تفعل ذلك بدافع الانتقام من ياسين في صورة {إسماعيل}، فكانت لا تهتم بطعامه أو شرابه أو نومه وبلغت قسوتها أنها كانت تحضر لنفسها ما لذ وطاب من أنواع الطعام، وما إن ترمقه يقف بعيداً يبلع ريقه، حتى تنهره:
- واقف عندك بتعمل إيه؟
- ولا حاجة.
- طب امشى انجر أدخل نام.
- أنا ما أكلتش من الصبح.
- فين الطبق اللي كنت بتاكل فيه الصبح.
- جوه.
- خلاص خش كل اللي فاضل فيه.
- ده فاضي... خلص مفهوش حاجة.
- طب أمال إيه ... عايز تاكلني أنا كمان... خش اتخمد نام.
وما أكثر الليالي التي نام فيها إسماعيل طاوياً بطنه على الجوع ويحلم بلقمة خبز يسدّ بها جوعه وليس قطعة من الدجاج الذي كانت تأكله جدته، غير أنه استخدم ذكاءه الفطري في سدّ جوعه وملء بطنه، ووجد فرصته التي ينتظرها كل يوم عندما يذهب لشراء طعام الإفطار لجدته، فكان يأخذ نصيبه منه وهو في طريق العودة إلى المنزل. تنبهت الجدة لفعلته وبعد ما نال {علقة ساخنة} ثمن ما ذاقه من طعام، قررت في ما بعد أن تحرمه فرصة شراء الطعام.
الرعب بين المقابر
هكذا قضى إسماعيل السنوات الأولى في حياته يتيم الأم، وحرم من حنان الأب وحياة الأسرة ودفئها، عاني من هذه الجدة القاسية التي كانت حياته معها سلسلة ممتدة من الآلام والعذاب.
لم يعرف الأب شيئاً عن تعاسة ابنه، فقد كان مشغولا بزوجته التي زادت من همه وعرف بعدها قيمة أم إسماعيل، ما جعله يدمن المخدرات إلى جانب الخمور، وكان يجهل بالطبع أن الجدة كانت تحرم إسماعيل من الطعام وتضع له كل يوم وجبة واحدة عبارة عن رغيف واحد بالسمن والسكر وتمنعه من طلب المزيد وحتى التعبير عن شعوره بالجوع إلى أن توقف تماماً عن المطالبة بالأكل، لأنها كانت في كثير من الأحيان تعرضه لما يخيفه إذا تجرأ وطلب قلة منه.
كان أشد ما يخيفه ويثير الرعب في نفسه أن يزور القبور، ليس طواعية بل مرغماً، كانت جدته تصحبه بشكل شبه يومي إلى هناك، ليس لزيارة موتاها ومنهم ابنتها أم إسماعيل، بل لأنها كانت تلتقي هناك مجموعة من النسوة على شاكلتها، يقمن بتدخين {الشيشة}، وكان مكانهن المفضل لتدخينها بين الأموات! وكان دور إسماعيل أن يحمل لها {الشيشة} ومستلزماتها، ثم يتولى خدمتها وخدمة أولئك النسوة أثناء جلسة التدخين.
ذات يوم تأخرت جدة إسماعيل عن موعد عودة النساء اللواتي كن معها، وبقيت وحدها وإسماعيل حتى حلّ الظلام، هي تدخن {الشيشة} وهو يكاد قلبه يتوقف من شدة الرعب الذي يزداد كلما زاد الظلام، فهما يجلسان في المقابر وسط الأموات وصور له عقله الطفل أن هذا هو المكان الذي يجتمع فيه {العفاريت} كل ليلة قبل أن يتم توزيعهم على المناطق، فيقف كبيرهم ليقول لهذا أنت اذهب إلى هنا ولذاك أنت اذهب إلى هناك، وهكذا، بالتالي لا بد من أن يطلع لإسماعيل أحد هؤلاء العفاريت الآن، يكفي عفريت واحد ليقضي عليه، فما بالك بمجموعة من العفاريت؟!
مرت الدقائق على إسماعيل ثقيلة مرعبة، عيناه في وسط رأسه وكلما زاد الظلام زاد اتساع عينيه ليرى جيداً ولا يغافله أحد العفاريت، حتى ابتلع ريقه أخيرا حين طلبت جدته أن يلملم الأشياء ليرحلا.
في رحلة العودة كان الظلام قد خيم على المكان بأكمله ولا يوجد مصباح واحد على امتداد الطريق، لدرجة أنك إذا بسطت يدك أمامك قد لا تراها، ما جعل الجدة تضل الطريق.
وكما يقال في المثل الشعبي المصري {اللى يخاف من العفريت يطلع له}، حدث ما كان يخشاه إسماعيل: عينان واسعتان تطلقان الشرر، لابد أنهما عينا عفريت كبير.. التصق إسماعيل بملابس جدته وهي تبعده وتطلب منه أن يبتعد عنها، وكلما اقتربت العينان زاد رعبه، فجأة وجد إسماعيل نفسه في مواجهة سيارة لجيش الإحتلال البريطاني.
ما كاد الجنود يرون الجدة وحفيدها حتى شهروا أسلحتهم واقتربوا منهما وهددوهما لأنهما دخلا منطقة محرمة على المدنيين من الأهالي.
- قفا مكانكما.
- إيه ده؟ هو فيه إيه؟
- من أين أتيتما وإلى أين أنتما ذاهبان؟!
- احنا كنا في المقابر بنزور بنتي أم الولد ده.
- ماذا تقولين... لماذا دخلتما المعسكر؟!
- معسكر إيه... إحنا كنا مروحين.
- هذا معسكر الجيش البريطاني.
- أنا معرفش.
- هل معك سلاح أو نقود؟
- أنا مش معايا أي حاجة غير الولد ده تاخدوه.
ينكمش إسماعيل من الرعب وينظر إلى جدته في استعطاف، ماذا تقول؟ هل تريد أن تبيعه؟ هل تتخلص منه حتى ولو من دون مقابل؟
كاد الجنود أن يفتكوا بها وبإسماعيل لولا أن حدثت معجزة تمثلت بوصول ضابط برتبة عالية وتساءل عن سبب ذلك الهرج وطلب أن تؤخذ العجوز والطفل للتحقيق، تم ذلك بعد أخذ الشيشة منهما، وأمام المحقق وقفت الجدة تقول:
- ارحموني، أنا ست كبيرة في السن، لو عايزين تاخدوا الولد ده خدوه وافعلوا به ما تريدون، حتى لو قتلتوه، ولكن اتركوني في حال سبيلي!!
- انصرفي أنت وهذا الولد. ولو رأيتك ثانية أنت التي ستقتلين.
خرج إسماعيل مع جدته من مكتب الضابط الإنكليزي وقد خلق منه هذا الموقف شخصا آخر. أدرك أي كره تكنّه له جدته، لكن ماذا يفعل وكيف يتصرف وإلى أين يذهب؟
علقة ساخنة
أدرك إسماعيل بعد هذا الموقف أن الحياة مع جدته أصبحت صعبة وتكاد تكون مستحيلة، خصوصاً أن هذا الموقف لم يكن الأول، كما أنه لم يكن الوحيد، فقد كانت جدته تعمد، في كثير من الأحيان، إلى وضعه في مواقف مخيفة تثير الرعب في نفسه، كأنها تريد له أن يموت، لا سيما عندما ترسله في الليل إلى أماكن بعيدة، في الوقت الذي كان التجول ممنوعاً بعد العشاء بأوامر من جيش الإحتلال.
وذات مرة أرسلته عند قريبة لها تعمل في رعي الغنم وتربية الماعز، حين دخل إسماعيل {الحوش} الذي تربى فيها الماعز، فرح برؤيتها وبدأ يداعب {الماعز} وهو يصرخ فرحاً:
- معيز معيز!
وعلى الفور تعالت أصوات سكان البيت بالاستغاثة ظناً منهم أن الولد كان يقول إنكليز إنكليز، وكانت مجرد كلمة {إنكليز} تثير الرعب في النفوس لأن هؤلاء كانوا يهجمون على البيوت في ذلك الوقت من الليل ويعتدون على حرماتها!
على أصوات النساء هب نصف سكان الحي لنجدة العائلة المسكينة، غير أنهم اكتشفوا أن الحكاية ليست حكاية إنكليز بل حكاية {معيز}، وظنوا أن الصغير إسماعيل فعل ذلك عمداً فأوسعوه ضرباً، وأخذوه إلى جدته وهم يضربونه طوال الطريق، فما كان منها إلا أن زادت في ضربه، بل حبسته ثلاثة أيام في المنزل وربطت يديه ورجليه بحيث لا يستطيع الحراك.
عانى الصغير كثيرا وكان أول ما فعله حين أطلقت جدته سراحه أن هرب من البيت ولكن الجدة عثرت عليه وأعادته وشدّت وثاقه من جديد، وراحت تتفنن في ابتكار أساليب جديدة من العذاب.
وفي ذلك الوقت كان إسماعيل يغتنم فرصة غياب جدته ساعة أو بعض الساعة ليخرج إلى الشارع ويلتقي أصدقاءه الصغار ويسلي نفسه معهم باللعب تارة وبالغناء لهم تارة أخرى، فعلى الرغم من صغر سنه، إلا أنه كان يتردّد على المقهى القريب من الميدان بجوار الشارع الذي تسكن فيه جدته، فيجلس على الرصيف المجاور للمقهى، لا لشيء إلا ليسمع صوت {الفونوغراف}، الذي كان يخرج أصواتا لم يكن إسماعيل يعرفها في ذلك الوقت، غير أنه كان يتمايل معها طرباً، وفي كثير من الأحيان كان يردد مع {الفونوغراف} هذه الأغاني، حتى حفظ الكثير منها ورددها على مسامع أصدقائه من الأولاد الذين يلعب معهم، فاشتهر بينهم بـ {الصييت} لجمال صوته وإتقانه أداء الأغاني على غرار أصحابها: عبد اللطيف البنا وزكي مراد وصالح عبد الحي، والمطرب الجديد محمد عبد الوهاب.
الموضوع الأصلى : سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة  المصدر : قيثارة الغناء العربى
توقيع العضو: نور الحياة شاكر
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
نور الحياة شاكر
المشرف العام
المشرف العام
نور الحياة شاكر

الدولة : سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 Female73
انثى
عدد الرسائل : 51922
تاريخ التسجيل : 08/12/2007
المزاج : سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 710
بطاقة عضوية : سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 Ou_oa10

سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة   سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 71831510الثلاثاء 23 نوفمبر 2010 - 21:19

إنسان غلبان

كانت المقاهي المنتشرة في حي الأربعين هي السلوى الوحيدة للطفل إسماعيل ياسين، فما أن يلاحظ {صبي المقهى} جلوسه وقتاً طويلا حتى يبادر إلى سؤاله:
* قاعد كده ليه... عايز حاجة يابني؟
** لا مش عايز.
* طب اسرح... هنا مش تكية.
** لو طلبت شاي ممكن أقعد؟
* أيوه... بس أنت هتشرب شاي!! عشنا وشفنا العيال تشرب شاي.
** والشاي بكام يا عم؟
* بتلاتة مليم... معاك ولا هتشرب على النوتة (بالأجل).
قبل أن يكمل صبي المقهى حديثه ينصرف إسماعيل على الفور، فهو لا يملك ما يأكل به، وهكذا يتنقل من مقهى إلى مقهى، وكلما لاحظ {صبي المقهى} وجوده يهم إسماعيل بالانصراف قبل أن ينهره هذا الأخير أو أحد الرواد.
كانت تجذبه {حضرة الذكر} التي يقيمها أصحاب {الطرق الصوفية} في إحدى الزوايا القريبة من بيت جدته، أو أحد الموالد الكثيرة التي كانت تقام في الحي أو في أحد الأحياء المجاورة. كذلك كانت تجذبه دقات {الصاجات} المتناغمة وأناشيد الذكر المسجوعة وهمهمات التجلّي الصاعدة من الحناجر وقراءة القرآن الكريم مرتلا وأصوات المنشدين المنغمة ذات الإيقاعات من الطبقات المختلفة.
عرف عنه أصدقاؤه ولعه وحفظه للأغاني، فكان يغني لهم في جلسات اللهو البريء وكانوا يحبون خفة دمه وسرعة بديهته، فأصبح إسماعيل {مطرب الشلة} الذي يغني لها في جلسات المرح أو المناسبات الخاصة.
حفظ إسماعيل في ذلك الوقت أغاني عبد اللطيف البنا وزكي مراد وصالح عبد الحي والشاب الجديد محمد عبد الوهاب من {الفونوغراف} المنتشر في أغلب مقاهي الحي باستثناء المقهى المواجه لبيت جدته، وهو أمر أراح ياسين بعض الشيء لأنه كان يحبذ أن يكون المقهى بعيداً.
كان أصحاب المقاهي يتبارون في تقديم كل ما هو جديد لروادهم لا سيما اسطوانات سيد درويش، فيحضر بعضهم عشاءه معه ويتخذ كل منهم ركناً ويستعدّ لوصلة استماع من العيار الثقيل، يعيش فيها لحظات جميلة من الطرب والتجلي.
- جاي النهارده قهوة المعلم فنجري؟
- أنا وظروفي، يمكن أعدي شويه بعد المغرب.
- لا النهارده مفيهاش يمكن... وكمان مفيهاش بعد المغرب... لازم تيجي من بدري.
- اشمعنى؟! هم هيجوزوا المعلم فنجري من تاني ولا إيه؟
- لا وأنت الصادق النهارده هنسمع الشيخ سيد درويش عند المعلم فنجري.. بيقول جايب أسطوانة محصلتش.
- من العصرية هكون هناك طبعاً.
فإذا كان هؤلاء مجرد {سميعة} يحتفون كل هذا الاحتفاء بسماع إحدى أسطوانات الشيخ سيد، فكيف يكون حال إسماعيل وهو يحضّر نفسه ليكون في يوم من الأيام أحد هؤلاء {الصييتة} ويجلس السميعة هكذا في انتظار أن يطل عليهم بصوته.
استعداد خاص لسيد درويش

يكون هذا اليوم بمثابة عيد عند إسماعيل، يجهز نفسه مثل الرواد تماماً، فيحتفظ بطعام غدائه ولا يأكله، مثلما اعتاد بعد صلاة العصر، بل يدخره إلى المساء، ويحضر أحد {الأجولة} التي كان يمتلئ بها بيت جدته، بعدما تفرغ من البضائع التي كان يحضرها لها التجار، ويأتي إلى أحد الأركان على {الرصيف} الملاصق للمقهى ويفترش {الجوال} ويجلس عليه وبحوزته طعامه.
ويدور {الفونوغراف} وتبدأ وصلة السماع والسميعة يهتفون:
- الله الله يا شيخ سيد..
- الله يفتح عليك يا شيخ سيد.
ويجد إسماعيل نفسه يهتف مثلهم وما إن تنتهي وصلة السماع الأولى حتى يبدأ الجميع باحتساء الشاي والزنجبيل واليانسون.
مثلهم يفعل إسماعيل، يبدأ بتناول طعامه ولكن من دون أن يطلب شراباً، وحتى لو لم يأكل فيكفيه أن يعيش مع صوت الشيخ سيد، وهو يردد خلفه ما يسمعه منه ويسرح بخياله ويحلم بأن يكون يوماً مكانه.
في تلك الفترة أي في العشرينيات من القرن الماضي بدأت تنمو لهفة الطفل إسماعيل ياسين إلى الفن، وكثيراً ما كان يتخيّل نفسه مطرباً مشهوراً يرتدي ملابس {السموكنغ}، التي كان يرتديها المطربون في الحفلات الكبرى، ويغني للناس الكبار.
ظلت هذه الصورة تملأ خيال الطفل إسماعيل ياسين كلما طلب منه أولاد الجيران أن يغني أحدث ما سمعه وحفظه، وكان يفرح عندما يطلبون منه الإعادة ثانية وثالثة ولم يكن يفسد عليه الانسجام إلا وصول جدته فجأة وهي تصرخ في وجهه.
- ولد يا إسماعيل، تعالَ هنا... انت مش عايز تبطل ال(رة اللي بتعملها دي.
- دي أغاني الشيخ عبد اللطيف البنا وصالح عبد الحي والشيخ سيد.
- أغاني... ما أنت عايز تطلع هلاس زي أبوك... قطيعة تقطعك أنت وأبوك في يوم واحد.
- أبويا ملوش دعوة... أنا اللي بحب الغنا.
- بتحب الغنا... والله ما أنت فالح في حاجة... أمشي قدامي... داهية تاخدك وتاخد أبوك.
تسحبه من يده بعنف وهي تنهره عن هذه {الهيافة} وتأمره بأن يتوجه إلى فراشه المكون من {حصيرة خشنة و{لحاف} رقيق والذي لم يتغير سواء في الصيف أو في الشتاء،
التفكير في الاحتراف مبكرا
قضى الطفل اسماعيل ياسين أيامه في الشوارع يستمع إلى الغناء في المقاهي ويلعب مع الأولاد ويغني لهم بمتعة. عندما لاحظ مدى الإعجاب والاستحسان اللذين ينالهما من الأولاد، فكر في حيلة يستغل بها هذا الإعجاب ليسد بها جوعه، لماذا لا يدفعون ثمن هذا الإعجاب؟! على أن يكون الثمن أن يقتسم معهم السندويشات التي يجلبونها من منازلهم أو يشترونها. كانت هذه الحيلة تفلح أحيانا وتفشل أحياناً أخرى.
مرّت الأيام ثقيلة، وزاد من ثقلها إحساس إسماعيل بها، كمن ينتظر حدوث حادث ما أو شيء، من دون أن يدري ماذا تخبئ له الأقدار. غير أن أكثر ما أحزنه وأشعره باليتم الحقيقي، غياب أم تدافع عن مستقبله أو أب يحرص على ابنه الوحيد، وذلك عندما قررت جدته منعه من متابعة تعليمه في المدرسة الابتدائية، ليس لتوفير المال الذي تنفقه عليه في المدرسة ولكن نكاية بوالده الذي ارتكن إلى وجوده عند جدته ونسي مجرد السؤال عن أحوال ابنه.
- لحد امتى هفضل أصرف عليك... وأنت بقيت زي البغل كده.
- أنا مش عايز أكل ولا أشرب... بس بلاش أخرج من المدرسة.
- يعني هتبقى إيه... قنصل زى أبوك... الولاد كلهم بيشتغلوا... شوفلك شغلانه أصرف بيها على نفسك... اللي أقوله تنفذه بالحرف الواحد... مفيش مدرسة يعني مفيش مدرسة.
حزن إسماعيل على خروجه من الصف الرابع في المرحلة الابتدائية، وصدم بقرار جدته الذي قضى على طموحاته.
الطرد بسبب الغناء
في الوقت الذي كان فيه إسماعيل يبحث عن مكان له في الحياة، كان سقوط الأب يزداد وحياته تنهار، فإدمانه المخدرات جعله ينسى تماماً الابن الذي بدأ يكبر، ولم يعد قادراً حتى على الإنفاق على نفسه وبيته وزوجته.
لم يجد إسماعيل بداً من أن يعتمد على نفسه ويشقّ طريقه بحثاً عن عمل حتى لا يظلّ عالة على جدته، التي أعلنت تخليها تماماً عن الإنفاق عليه.
حاول إسماعيل أن يستغلّ علاقاته التي كوّنها من خلال تردده على المقاهي، ولأنه كان خفيف الدم يحفظ النكات وله أسلوب خاص في إلقائها، أحبّه كثر، ما شجعه على أن يطلب عملا من هذا أو ذاك، فكان يجد مبتغاه أحياناً في بعض الأعمال الهامشية الصغيرة، كأن يعمل منادياً أمام أحد محلات بيع الأقمشة عن الأسعار وأنواع الأقمشة الموجودة في الداخل. غير أنه في أحد الأيام طرأت فكرة على رأسه، طالما ينادي بصوت جهوري على البضائع والأقمشة، فما المانع من اعتماد طريقة الغناء؟
- قرب تعالَ {لحم الهوانم} دي قماشة عال.
قرب تعالَ بضاعة رخيصة وعال العال.
عندما سمعه صاحب المحل ظنّ أنه يسخر من البضائع أو يتخذ من عمله لعباً ولهواً، فنهره ووبخه قبل أن يطرده، عندها انتقل للعمل عند خواجة يوناني لديه محل لبيع الساعات، لكن ما لبث هذا الأخير أن طرده بعدما دأب إسماعيل على التأخر عن موعد العمل بسبب سهره في المقاهي لسماع الأسطوانات الجديدة.
لم يعجب هذا {الحال المايل} الجدة واضطرارها للبحث عنه يومياً في المقاهي التي يسهر فيها لتعكر صفوه وتسوقه إلى المنزل من بين أصدقائه، حتى لا يتأخر في الاستيقاظ مبكرا للذهاب إلى عمله.
ولم يكن أمام إسماعيل من متنفس ينسيه عناء العمل وقسوة الحياة ومطالبها سوى جلسات الأصدقاء على المقهى أو المشي بمفرده ـ ربما لساعات ـ يغني لنفسه الأغنيات التي سمعها أخيراً.
الأفراح... تجمع الابن مع الأب
ما بين استهزاء الجدة بموهبته التي بدأت تظهر وتدهور حالة الأب المالية والصحية، عاش إسماعيل أياما صعبة، لم يهون عليه صعوبتها إلا حلمه بأن يصبح يوماً مطرباً كهذا الشاب {محمد عبد الوهاب}، الذي بدأ يشق طريقه بسرعة، فقرر أن يتخذ خطوات عملية لتحقيقه، لا سيما أن المحيطين به يؤكدون له أن صوته جميل، بل ويطربهم، فما المانع من أن يكون مطرباً بالفعل، ولكن كيف؟!
وجد إسماعيل في حفلات الطهور والسبوع والأفراح التي يحضرها مجاملة للأصدقاء والأحباب متنفساً له ليفرغ طاقته وشحنته الغنائية ويقترب من تحقيق حلمه ويجد مهرباً له من الحياة البائسة التي يعيشها.
لم يلاحظ الجمهور في صوت اسماعيل ما يطربه لكنه شجعه لأنه كان يستمتع بأدائه الفرح.
في الثالثة عشرة من عمره بدأ إسماعيل يسأل عن أبيه، وكان يهرب من بيت جدته ليبحث عنه لعله يجده ويطلب منه أن يخلصه من عذابه، لكنه كان يعود بائساً، فلا أحد يعرف مكان والده.
في إحدى الليالي سمع إسماعيل من أحد أصدقائه أن فرحا سيقام في أحد الأحياء القريبة لأحد كبار التجار، وأن هذا الأخير استقدم مطربين و{صييته} من مصر ـ القاهرة ـ وستكون السهرة {صباحي}، فوجد إسماعيل فيها فرصة ليرى المطربين و{الصييته} الذين طالما استمع إليهم، ولم يعلم أن القدر يحمل له مفاجأة أخرى، فما كاد يدخل الفرح حتى وجد نفسه وجها لوجه مع والده الذي بحث عنه طويلا.
وما كاد الاثنان يلتقيان حتى غمرتهما الدموع، احتضنا بعضهما البعض، وغسلت دموع الأب عذاب الابن، وتحول {الفرح} الذي حضر كل منهما للمشاركة فيه، إلى مأتم حقيقي، شعر إسماعيل كأن والدته ماتت اليوم، وشاهد ياسين شريط حياته الطويل وما مرّ بها من عذابات ومراحل صعود وهبوط. جلسا معا، وراح يشكو كل منهما همه للآخر. يشكو الأب تدهور أحواله الاقتصادية وضياع تجارته وتجارة أبيه وحياة الشقاء التي يعيشها مع زوجته الأخرى، ويشكو له إسماعيل أيام العذاب والشقاء، ومعاناته في بيت جدته.
قبل أن ينتهي الفرح طلب إسماعيل من والده أن يعيش معه ورحب الأب بذلك.
- معلش يا أبويا... أنا ما بقيتش قادر أتحمل أعيش في بيت جدتي، متعرفش هي بتعاملني إزاي.
- عارف يا بني... عارف... هي كده {أليفة} طول عمرها شايله قلبها وحاطة مكانه حجر... حتى أيام المرحومة... مكانتش بترضى تروح عندها علشان كانت عارفه طبعها.
- أبويا... تزعل يعني لو...
- لو إيه قول يا إسماعيل... لو إيه...
- يعنى تزعل لو جيت أعيش معاك في البيت.
- أزعل... إنت بتقول إيه يا بني... أنا أزعل انك تيجي تعيش معايا... صدقنى يا بني أنا اللي خلاني بعتك عند جدتك القلة والعجز عن تأمين قوتك اليومي...
- يعنى يمكن مراتك تزعل ولا تخليك تضربني.
- ولا تعمل حسابها... ما تتحرق بجاز... صدقني يا إسماعيل يا بني أنا مطلعتش من الدنيا دي غير بيك... أنت اللي فاضللي.
في تلك الليلة لم يعد إسماعيل إلى بيت جدته التي نامت ملء جفنيها ولم يجزع قلبها لعدم عودته ولا حتى في الليالي التي تبعتها، إلى أن عرفت من بعض المقربين أن إسماعيل عاد إلى والده، ولم يزد تعليقها عن:
- والله بركة... في ستين داهيه... اتلم المتعوس على خايب الرجا!
عاش إسماعيل ياسين أياماً جديدة في بيت والده، رأى فيها بعض ملامح السعادة التي كاد أن ينساها: يأكل... يشرب... ينام مطمئناً... يخرج ويدخل وقتما يريد، يذهب إلى المقهى الذي يجلس فيه والده... يشرب زنجبيل ويانسون، والحساب عند والده.
- خد يا إسماعيل.
- إيه ده يا ابويا؟
- فلوس.. امسك.
- نص ريال بحاله؟ أنا مش مصدق نفسي!!
- لا صدق وكمان عايزك تصرفه كله النهارده ولو صرفته النهارده هديلك زيه بكره.
- أنت بتتكلم جد يا أبويا.
- وجد الجد، الفلوس في ايدك، وجرب وأنت تشوف.
- ده كده أنا بقيت ابن معلم بجد.
- أبوك طول عمره معلم ابن معلم... بس هو الزمن... لكن معلش بكره الحال يرجع أحسن من اللي كان.

***يحيا الفنّ

مرت أيام قليلة، كان إسماعيل يجتهد فيها لإنفاق {النصف ريال} وكان يفلح أحياناً، ويخفق أحياناً أخرى، حتى اكتشف سر هذا السخاء الذي هبط فجأة على والده، وسر {الأنصاف ريالات} الكثيرة التي تنهال عليه يومياً منه، ولماذا كان يعنّفه طالباً منه أن ينفقها كلها. اكتشف بطريق الصدفة أن والده على صلة بعصابة تزيّف النقود! نعم والده يعمل بتزييف النقود، مع عصابة تملك آلة تزييف للعملات الصغيرة الفضية من فئة القرش، والقرشين، والخمسة قروش، والعشرة قروش.
لم ينكسر ياسين أمام ابنه عندما انكشف أمره... بل كانت المفاجأة الأكبر التي لم يتوقعها اسماعيل، أن يطلب منه والده وبلهجة الآمر، ترويج هذه العملات التي يتم تزييفها في الأسواق بين الباعة والمتاجر، أي أنه عرض صريح لأن يعمل إسماعيل معه ضمن أفراد {عصابة التزييف}!
لم يكن إسماعيل يملك غير الطاعة خوفاً من أن يطلب منه والده العودة إلى جدته، فوافق على مضض، وكان دوره، كما أوضح والده، أن يصرف العملات المعدنية من فئتي الخمسة والعشرة قروش.
يبدو ألا راحة في العمل حتى إذا كان {تصنيع النقود}. كان على اسماعيل أن يتنقل طوال اليوم على قدميه من حي إلى حي، ومن شارع إلى آخر، ومن حارة إلى زقاق، كي يتمكّن من تصريف ما معه من عملات، ليعود آخر اليوم وقد صرف ما صرف وبقي معه ما بقي... كانت مهمته تحويل العملة المزيفة إلى صحيحة، بالتحايل على أصحاب المحلات التجارية بإعطائهم العملات المزيفة لشراء شيء ما، ويعطيه صاحب المحل بقية المبلغ من العملة الصحيحة... وهكذا. في أحد حواراته مع والده:
- صرفت كام النهارده يا سمعه؟
- أخدت خمسة جنيه واللي فاضل معايا بعد المصاريف أربعة جنيه وخمسة وستين قرش واتناشر مليم.
- طب عال كويس قوي.
دخل عليهما رجل يعمل مع والده في التزييف، لكن هيئته تقول غير ذلك لأنه كان خفيف الدم مرحاً. تحدث بلغة غير مفهومة ليست إيطالية ولا إنكليزية ولا يونانية... قد تكون خليطاً بين هذه اللغات أو لا شيء إطلاقاً، مجرد هواء!
- كليسيرا معلم ياسين.
- أهلا... معلم فرج.
- (يشير إلى إسماعيل) بيبتو.
- أيوه ابني سمعه.
- ياسو... ياسو... أفخر ستوبولي لا فروتا.
- الواد مش هيفهم اللي بتقوله.
- أوه... إكسي أوريستا لا ذاكي كليمارا.
- هو بيقول إيه يابا.
- متخدش في بالك يا سمعه.
- موسخري لافروتا لابيستا لاميرميلاتا... كليسيرا.
أخذ الرجل بعض النقود من ياسين وانصرف...
- أول مرة أشوف خواجة لابس جلابية.
- خواجة إيه ده مصري سويسي... ومن حي الجناين.
- سويسي ويتكلم أجنبي كده.
- أجنبي إيه ده حمار... كلمتين إيطالي على كلمة جريجي على كلمة إنكليزي والباقي هوا من عنده.
- بس عاجبني قوي.
- لأنك حمار زيه!
ثم نال إسماعيل نصيبه الذي لا يتعدى {القرشين} فقد انتهت مرحلة {النصف ريال} لأنه اكتشف أنها مرحلة {جر رجل}، وعلى رغم أن القرشين كانا كافيين لأن ينفقهما إسماعيل في ذلك الوقت، فضلاً عن مأكله ومشربه ونومه في بيت والده، إضافة إلى ما ينفقه وهو يصرف النقود المزيفة، إلا أن هذا كله لم يكن أبداً طموحه، ولا حتى الهدف من العودة إلى بيت أبيه، بل كان هدفه البحث عن الحضن الدافئ والإحساس بالأمان وملء بطنه من قهر الجوع، ثم بعد ذلك التفكير في مستقبله، والسعي إلى تحقيق حلمه الذي أصبح يسيطر عليه ويملأ حياته، ولم يكن مزيداً من النقود أو الثراء، فهو يبحث عن حلم آخر لم يعد له وجود في بيت أبيه... في ظل المهمة الجديدة التي أسندها إليه.
البحث عن مخرج
في هذه الفترة كان إسماعيل على عتبة الشباب، وهنا بدأ الأصدقاء ينصحونه بعد أن سمعوا صوته بأن يصبح مطرباً، لكن أهم ما ينقصه تعلم أصول الموسيقى مثلما يفعل كبار المطربين، والمكان الوحيد الذي قد يدرس فيه الموسيقى {معهد الموسيقى العربية} في القاهرة، فما إن كان إسماعيل يلتقي بأحد المطربين الذين يزورون السويس، حتى يقول له هذا الكلام:
- يا بني علشان تبقى مطرب حقيقي لازم تتعلم أصول الموسيقى.
- إزاي؟ ما أنا بفهم في الموسيقى كويس، وأقدر أفرق بين أصوات المطربين وكمان أقلد لك أي واحد منهم.
- مش كفاية إنك تسمع كويس أو تقلد أو حتى تغني كويس. لازم تدرس أصول الموسيقى، ودلوقت أي حد عايز يغني أو يعزف لازم يدرس في معهد الموسيقى.
- حتى الشيوخ اللي لابسين عمة وجبة وقفطان.
- اللبس ملهوش دعوة، أنت عايز تتعلم موسقى ومغنى ولا عايز تبقى شيخ بعمة؟
- عايز أبقى مطرب زي المطرب الجديد اللي اسمه محمد عبد الوهاب.
- خلاص... عليك وعلى معهد الموسيقى.
ظل كل من يقابله يقول له ذلك، حتى اقتنع بأنه لا مفر من هذا الطريق، وليس الطريق الذي اختاره له والده، مرغماً، وقد يودي به إلى السجن، أو أن يكون أحد كبار المزورين أو المهربين.
وفكر اسماعيل أن أفضل طريقة لتحقيق حلمه أن يسافر إلى القاهرة حيث محمد عبد الوهاب وأم كلثوم وصالح عبد الحي والفرص الكثيرة... فمصر أم الدنيا: الشهرة، المجد، المال، وفرص العمل... سواء في شارع عماد الدين، أو شارع محمد علي. وكبر الحلم في عقل اسماعيل، وحلم بالأضواء والشهرة والنجاح.
عزم على اتخاذ قراره بالسفر إلى القاهرة التي لم يكن قد رآها سابقاً، لكن قبل أن يتخذ هذه الخطوة كانت أسئلة عدة تلح عليه ويبحث لها عن إجابات:
- يا ترى أقول لوالدي على اللي نويت أعمله؟
- وياترى والدي هيوافق؟
- وإذا وافق... إزاي هسافر وأنا مفيش في جيبي مليم واحد؟
بحث إسماعيل في داخله ولم يتوصل إلى إجابات شافية إلى درجة أنه فكر في أن يأخذ حصيلة ما يقوم بتصريفه من نقود مزيفة ويهرب بها إلى القاهرة، لكن الحصيلة قد لا تتعدى الجنيه أو الإثنين... وهذا المبلغ لن يكون كافياً بأية حال، فهو لا يعرف ماذا ينتظره في القاهرة، وكيف ستكون حياته فيها، ولا يعرف كيف سيعيش ويأكل ويشرب ويتعلم؟
فكر أن يطلب من والده مبلغاً يعينه على السفر إلى القاهرة والعيش فيها لتعلم الموسيقى، لكنه عاد بسرعة وأكد لنفسه أن والده سيرفض حتماً، فقد تقدم به السن ويريد منه أن يبقى إلى جواره، لكنه في هذه الحالة سيبقى مزيفاً للنقود، وسيضيع مستقبله.
وطرد إسماعيل من رأسه فكرة أن يستعين بوالده، وتذكر أن جدته {أليفة} كانت تحتفظ ببعض المال في خزانة ملابسها، لكن كيف الوصول إليها وقد تركها وهرب من بيتها حتى من دون أن يستأذنها، وكيف يعود إليها الآن، وماذا سيقول لها؟
- أطلب منها الصفح والغفران كي تطمئن لي، وهكذا أستطيع أن أحصل منها على بعض المال.
- لكن كيف سترضى أن تقرضني مبلغاً كبيراً، وهي التي لم تكن تعطيني {قرش تعريفة} طوال فترة إقامتي عندها، هل ستأتي الآن وتقول خذ هذا المبلغ الكبير؟
- ولم لا؟ فأنا أعرف أنها لا تحبني بسبب والدي، لكن عندما تعرف أنني سأبتعد عنها وعن أبي وأسافر إلى مصر لتعلم الموسيقى حتماً ستعطيني.
لكن الظروف وفرت على إسماعيل ما كان يفكر به، فقد تصادف حين وصل إلى بيت جدته أنها لم تكن موجودة، جلس ينتظرها طويلاً، لكنها لم تأت، وعندما هم بالانصراف طرأت على رأسه فكرة قرر تنفيذها. تردد، وقف ثم مشى، ثم عاد ثم وقف، فكر قليلاً ثم اتجه بسرعة قبل أن يتردد ثانية إلى {خزانة ملابس} جدته، أخذ آلة حادة وفتحها، ووجد فيها نقوداً كثيرة، لكن كما يقال، أخذ ما غلا ثمنه وخف وزنه، فلم يقترب من الجنيهات الذهبية أو النقود المعدنية، واكتفى بأن يأخذ ستة جنيهات، وهو يؤكد لنفسه أنها ليست اقتباس بل قرضاً سيرده فور أن يفتح الله عليه ويعمل في هوايته التي يحبها، الغناء...
وضع إسماعيل الجنيهات الستة في جيبه وغادر البيت فوراً من دون أن يراه أحد، متجهاً إلى محطة {السكك الحديدية} حيث جلس في انتظار أول قطار إلى القاهرة ليستقله.
في محطة مصر
مع النسمات الأولى من صباح اليوم التالي يصل قطار السويس إلى {محطة مصر} في قلب العاصمة المصرية القاهرة، التي كان، ولا يزال، يطلق عليها جميع أهل الريف والمدن والمحافظات الأخرى اسم {مصر} مجازاً...
ومعروف أن القاهرة لا ترحب عادة بالصور المقلدة ولا ترضى بأقل من الأصل، بل والمتميز والجديد، فهي تضج بمن يطلق عليهم {الصور الكربونية} سواء في شارع محمد علي، أو في عماد الدين، أو روض الفرج.
وجاء اسماعيل وحيداً، غريباً لا يعرف أحداً، وليست لديه بوصلة تهديه، لكن يكفي أن لديه الرغبة الصادقة ويملك الأمل والثقة في النفس، وجنيهات ستة {اقترضها} من جدته، وملابسه المتمثلة في {بدلة} قديمة، و{جلباب بلدي} للنوم، وقبل ذلك كله رأس ماله الحقيقي... صوته، إضافة إلى قدرته على تقليد الآخرين في الغناء، وأحلامه في أن يصبح مطرباً.
خرج إسماعيل من {محطة مصر} ينظر يميناً ويساراً، مبهوراً بما يراه، فهي المرة الأولى التي يخرج فيها من مدينته السويس، التي كان يظن أنها أجمل بقاع الأرض، بشوارعها المزدحمة بالمحلات ومبانيها القديمة، وبمياهها الصافية، لكنه اصطدم بواقع لم يره سابقاً، وكان أول ما وقعت عليه عيناه تمثال {نهضة مصر} الذي انتقل إلى هذا المكان حديثاً، عندما أسهم الشعب المصري في اكتتاب عام لإقامته، حيث أقيمت حفلة كبيرة في ميدان باب الحديد لوضعه في هذا المكان في 2 مايو (أيار) من عام 1928، قبل أن ينتقل إلى مكانه الحالي في مواجهة جامعة القاهرة.
انتقل إسماعيل من أمام باب محطة مصر إلى الرصيف المقابل وهو يتأمل التمثال والمكان المحيط به، ومباني وسط القاهرة، وبانتقاله إلى الرصيف المقابل شعر بالجوع عندما وقعت عيناه على عربة تبيع {الفول المدمس} يلتف حولها مجموعة من البشر يلتهمون طعامهم بشراهة، لم يتردد... واندس بينهم وراح يأكل وقلبه يتراقص من الفرح.
قبل أن يفرغ إسماعيل من طعامه كان قد سأل عن مكان معهد الموسيقى العربية، واكتشف أنه ليس بعيداً، فقط محطتين بالترام، الذي شعر إسماعيل باستمتاع غريب وهو يركبه متجهاً إلى المعهد.
ذهب إسماعيل إلى معهد الموسيقى العربية ففوجئ به مغلقاً، وسأل عن السبب:
- كل سنة وأنت طيب المعهد دلوقت في {المسامحة} (الأجازة الصيفية) ارجع وعليك خير بعد أربعة أشهر.
- أربعة أشهر؟
- أيوه المسامحة أربعة أشهر.
حسنا لا بد طبعاً من أن يعود، لكن ماذا سيفعل حتى تنتهي هذه الأشهر الأربعة، وأين يمضيها؟ وتاه إسماعيل في شوارع القاهرة فكان يمشي من مكان إلى آخر من دون هدف أو غاية، لأنه لا يعرف إلى أين يذهب أو ما هي غايته، وكان يفكر أحياناً:
- ترى هل أعود إلى والدي أو إلى جدتي، وهل تغفر لي جدتي ما فعلته حين سرقت جنيهاتها لوعدت إليها؟
واستقر رأيه على أن يبقى في القاهرة، وليفعل فيه القدر ما يشاء. لكن القاهرة قاسية القلب، لا تحسن استقبال الغرباء، فهي تستقبل الألوف مثله يومياً من النازحين من قرى ومدن الريف ليس بحثاً عن فرصة عمل فحسب، لكن أيضاً لأجل ثراء المدينة وحياة الترف.
لكنه ليس مثل هؤلاء الذين لا يهمهم ماذا سيعملون، سواء في معسكرات الإنكليز، أو لدى الأسر التي تحتاج إلى خدم.
هنا القاهرة
ذهب إسماعيل إلى إحدى {اللوكاندات} الرخيصة والقريبة من منطقة وسط القاهرة ومحطة مصر، وفي الوقت نفسه قريبة من معهد الموسيقى. أقام فيها أياماً عاطلاً عن العمل، يخرج صباحاً ويجوب شوارع القاهرة ومنطقة وسط البلد، ثم الأزبكية وشارع عماد الدين ليلاً، ويعود إلى اللوكاندة منهكاً لينام، وتتكرر الحال في اليوم التالي، يوماً تلو آخر انتهت نقوده، ولم يبق معه من الجنيهات الستة سوى قروش بسيطة، وقد صادر صاحب اللوكاندة كل ما يحمله من ثياب ومتاع:
- الفلوس خلصت وبقيت {أبيض ياورد}... تعمل إيه وتروح فين يا واد يا سمعه. ده كمان لسه المعهد قدامه فترة طويلة علشان يفتح...
وخطرت له فكرة، فهو يعرف أن ابنتي خاله تزوجتا هنا في مصر، بل إن عناوينهما معه، فقد ذكرها خاله لجدته أمامه مراراً، وهنا قرر أن يلجأ إلى إحداهما. وذهب إلى ابنة خاله الأولى، التي كان زوجها أزهرياً عصبي المزاج يكره أقاربها، وما كاد يرى اسماعيل حتى {كشّر} في وجهه، خصوصاً بعد أن قال إنه جاء إلى القاهرة كي يتعلّم الموسيقى:
- قلت لي بقى جاي مصر ليه؟
- علشان أقدم في معهد الموسيقى العربية، نفسي يا عمي أبقى مطرب مشهور.
- مطرب مشهور! عليك لعنة الله. عايز يعني تشتغل مع العوالم وبتوع {هشك بشك}.
- لا مش العوالم. بقولك زي سي محمد أفندي عبد الوهاب، أو الشيخ زكريا أحمد.. أو...
- والشيخ زكريا بقى شيخ في أي مسجد إن شاء الله. قوم فز من قدامي، باب السكة أهه قدامك شايفه.
- أيوه شايفه.
- تخرج منه وماتورنيش وشك هنا تاني... فز امشي.
البحث عن مأوى
خرج إسماعيل حزيناً، لكنه لم ييأس بعد، فما زال الأمل معقوداً على ابنة خاله الثانية. ذهب إليها فوراً، لكن القدر لعب لعبته معه:
- الست إحسان سافرت من هنا.
- وراجعة امتى؟
- لا يا بني مش راجعة. دي قاعدة مع جوزها القاضي الشرعي في المنصورة أصله اتنقل من الشتوية اللي فاتت هناك.
هكذا وجد إسماعيل نفسه بلا مأوى وبلا مليم في جيبه. هام مجدداً على وجهه في شوارع القاهرة حتى قادته قدماه إلى مسجد {السيدة زينب}، دخله فرأى الصلاة قائمة، توضأ وأدى صلاة المغرب، وبقي في المسجد حتى حانت صلاة العشاء فصلى مع المصلين، وقبل أن يخلو المسجد من المصلين كان قد اختفى في أحد أركانه، وحين أطفئت الأنوار غرق في نوم عميق إلى أذان الفجر.
عاش أسبوعاً في المسجد، يأتيه عند صلاة العشاء ويتركه بعد صلاة الفجر أما الطعام فقد كان يقتسمه مع بعض من يطلق عليهم {مجاذيب الست} الذين يعيشون حول المسجد وبجواره، يقتاتون على {الحسنات والخيرات والنذور} التي يقدمها أهل الخير، وكان أحياناً يتظاهر بأنه واحد منهم، فيعطونه حصته من الطعام.
الموضوع الأصلى : سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة  المصدر : قيثارة الغناء العربى
توقيع العضو: نور الحياة شاكر
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
نور الحياة شاكر
المشرف العام
المشرف العام
نور الحياة شاكر

الدولة : سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 Female73
انثى
عدد الرسائل : 51922
تاريخ التسجيل : 08/12/2007
المزاج : سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 710
بطاقة عضوية : سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 Ou_oa10

سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة   سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 71831510الثلاثاء 23 نوفمبر 2010 - 21:26

***متشرِّد مظلوم

ظلّ اسماعيل على هذه الحال أياماً طويلة، حتى اكتشفه أحد خدام المسجد، رجل ضخم فظ وغليظ القلب، هوى على وجه اسماعيل بصفعات عدة قبل أن يطرده.
مرّت الأيام، وازدادت حالته سوءاً! وظهرت على هيئته ملامح البؤس والفقر، إضافة الى قذارة ملابسه، وكما تبخرت نقوده تبخرت الوعود والأحلام كافة، فلم تسنح فرصة واحدة للمطرب الشاب القادم من السويس لغزو القاهرة. ازداد انبهاره بشارع عماد الدين ورواده من الفنانين، وبالأضواء التي لا تنطفئ ليلاً وتحيل الشارع إلى نهار.
ازدادت مشاكل إسماعيل، فلجأ إلى محطة {كوبري الليمون} بعد طرده من النوم في المساجد، ثم هرب منها خوفاً من عساكر الشرطة وعاد مجدداً إلى رحلة البحث عن مأوى. تجوّل في شوارع القاهرة، حتى أعياه التعب فجلس وارتاح على الرصيف ومن شدة التعب نام في مكانه.
ومع إشراقة الفجر الأولى، وحين بدأ الناس يتجولون في الشوارع، خاف أن يلاحظه أحد العساكر فيأخذه إلى السجن، فواصل رحلة المشي على غير هدى، وبلغ به التعب ليلاً حداً كبيراً فكان يمشي وهو نائم إلى أن وجد مقهى ليس فيه كثير من الناس فدخله وارتمى بجسده المتهالك في زاوية بعيدة عن العيون ونام.
مجدداً، فتح إسماعيل عينيه صباحاً على رجل غليظ القلب يضربه برجله ويقول له:
- قوم يا متشرد يا ابن المتشردة، قوم من هنا.
ثم عاد كي يضربه في بطنه الخاوية من الطعام منذ يومين، وليت الرجل اكتفى بذلك، بل تطلع الى اسماعيل وصرخ:
- هو ده الواد اللي سرق طقم الشاي إمبارح. أنا الخلقة دي متروحش من بالي أبداً... هو يعني هو.
فجاء أهالي الحي وشاركوا الرجل في ضرب اسماعيل، وهم يصرخون:
- كده تسرق طقم الشاي يا حرامي يا وش الإجرام.
انسابت دموع إسماعيل ساخنة على خديه وبكى من أثر الاتهام الكاذب وقسوته، وعلى ما ينتظره من مستقبل مظلم نهايته السجن:
- والله عمري ما شفت أي طقم شاي في حياتي، ولا حتى سرقت جدتي ولا حاجة، أنا مش حرامي يا ناس... أنا غلبان!
لكن الجميع صمّم على اقتياده إلى مركز الشرطة، وبدأت التظاهرة صغيرة وما لبثت أن كبرت وانضم إليها كثر أخذوا يشاركون في جذبه وصفعه وشتمه، ويشهدون هم أيضاً على أنه هو الذي سرق طقم الشاي، وإسماعيل يقول لهم:
- يا ناس حرام عليكم تشهدوا زور.
لكن لم تشفع له دموعه وملامح البراءة البادية على وجهه وتصرفاته وحيرة الإنسان الصادق عندما تحاصره الأكاذيب، ونبرات الصوت المشحونة بالحزن والمرارة الصادرة منه نافية الاتهام، ونظرات عينيه الحائرة المستجيرة، الباحثة عن قلب رحيم يأخذ بيده وينقذه من هول الموقف الذي يقف فيه، وفي الطريق إلى مركز الشرطة سقط إسماعيل مغشياً عليه من شدة الضرب. فتدخل القدر لينقذه حين جاء شيخ المسجد الذي كان لمح ال*** وهو يهرب ونظر إلى اسماعيل، قائلاً لمن تجمّعوا حوله:
- أتركوه يا جماعة، إنه ليس *** الشاي.
تركه الجميع، وحين أفاق من إغمائه وجد شيخ المسجد أمامه فارتمى على صدره واندفع في نوبة بكاء حادة، ارتعش فيها جسده كله ونبرات صوته، وقص على الشيخ قصته بكلمات حارة صادقة، وبعينين حزينتين نافياً الاتهام الظالم الذي تعرض له، فنصحه الشيخ بالعودة إلى السويس كي لا تسوء حالته أكثر، ولا يتعرض إلى مصاعب أخرى في بلد غريب:
- اسمع مني يا ابني، الأفضل لك أن تعود إلى والدك في السويس.
فأجاب إسماعيل:
- حاضر يا مولانا.
صمت إسماعيل وهو يجفف دموعه، ومدّ الشيخ يده في جيبه وأخرج منها جنيهاً (مبلغ ضخم في ذلك الوقت) وأعطاه له. تردد إسماعيل ثم مدّ يده على استحياء وأخذه، ومن دون تفكير اتجه فوراً إلى محطة السكة الحديدية ليقطع تذكرة إلى السويس، فأخذ الشيخ بيده وودّعه في المحطة، وهو يستقل القطار إلى السويس، بعد أن تكفّل له أيضاً بوجبة غذائية.
شعر إسماعيل بالاطمئنان والثقة في الناس مجدداً، وأن القلوب الرحيمة لا تزال موجودة وعلى استعداد كي تنقذ غريقاً، أو بريئاً قد يحيط به الاتهام.
وحين بدأ القطار يتحرّك هطلت دموعه مجدداً، لكن هذه المرة ليس لأن الدنيا لا تزال بخير، بل لإحساسه بأنه فشل في تحقيق أحلامه، فشل في أن يتعلم الموسيقى كي يصبح مطرباً ولا بد من أن يطرد من ذهنه هذا الحلم، ويعود إلى بلده مهما حدث بعدما شاهد قسوة الظروف التي مرّ بها.
العودة إلى السويس
عاد إسماعيل إلى السويس حزيناً، مكتئباً، مهزوماً، غير أن جذوة الأمل لم تنطفئ بالكامل في قلبه المتعلّق بالغناء والطرب. وصل إلى بيته، ولم يجد ما يسّره أو يزيح عنه هموم ما رآه في القاهرة، فقد وجد والده في حالة يرثى لها، كان يرتدي ملابس رثة، وقد تدهورت صحته، وقُبض على عصابة تزييف النقود، لكن لحسن الحظ كان الأب تركهم، وتبدلت حالته وتحوّل إلى {صنايعي} أجير في أحد محلات {الصاغة} بعد أن كان صاحب محل، ولم يعد بإمكانه مساعدة ابنه أو الإنفاق عليه، فهو بالكاد يسد متطلبات حياته وزوجته.
أذلّ المرض والد إسماعيل وهدّه إدمان المخدرات، وبدأت تظهر عليه آثارهما، فأصبح أكثر تفهماً لأحلام ابنه الغامضة في السفر إلى القاهرة.
محو آثار الهزيمة
أكثر ما أسعد إسماعيل أن {شلّة} الأصدقاء التي تركها ما زالت تحمل له الود والحب، واستقبلته كابن لها يعود من رحلة غياب، وليس من رحلة فشل يستحق عليها التأنيب أو السخرية منه، كما كان يخشى.
روى اسماعيل لأصدقائه تجربته المريرة القاسية في القاهرة، وأخبرهم عن أحلامه لو أنه استطاع الاستمرار، فمعركة إثبات الوجود طويلة وتحتاج جهداً كبيراً من المثابرة والصبر.
وكعادة الأصدقاء، لم ترضَ {الشلّة} بفشل أحد أعضائها، فتولّدت الرغبة في المساعدة والتصميم على إعادة المحاولة، والوقوف إلى جانب إسماعيل كي يعود ليغزو القاهرة. استقبلت السويس إسماعيل في حفلات الزفاف، مع تلك الفرق البسيطة التي تحيي الليالي بالغناء والموسيقى والرقص، لتبعث البهجة في النفوس المتعبة، وتحاول أن تكسر رتابة أيامها وإن من خلال مناسبة بسيطة تخفّف عنها أعباء الحياة، وما تعيشه من ضيق وذلّ في ظلّ وجود الاحتلال البريطاني.
اجتهد الأصدقاء في دفع إسماعيل إلى المناسبات لمساعدته، فلم يعد لديه عمل أو مهنة، حتى قادته الصدفة في أحد الأيام إلى إحياء فرح في منزل أحد أثرياء مدينة السويس يدعى الشيخ إسماعيل الفار، وهناك لقي قبول الجميع، وأصبح محط أنظارهم، وما إن انتهى من الغناء حتى تقدم منه شاب وسيم يحييه على غنائه، فأثار فضول إسماعيل هذا الثناء والإعجاب، وتعرف إلى الشاب الذي اتضح أنه من عائلة قدري باشا التي كان أفرادها يحضرون الفرح، فأبدوا إعجابهم بإسماعيل ووجدوا فيه {شيئاً} طريفاً جديداً، ثم طلبوا منه أن يزورهم في القاهرة، فقد وجدوا فيه وجهاً جديداً لم يشاهدوه في أمثاله من المطربين من أبناء القاهرة، وخفّة ظل و}نكات وقفشات} يستطيع من خلالها إدخال البهجة والسرور إلى قلوبهم. وبدوره وجد اسماعيل فيهم إصراراً على أن يحيي لهم ليالي {السمر} بنكاته وطريقة تقليده المطربين الجدد.
عودة الروح
ناوله الشاب الوسيم بطاقة تعريف، فيها الاسم والمهنة والعنوان. اندهش إسماعيل عندما لم يجد شيئاً في البطاقة، مجرد أحد الأثرياء، فماذا سيفعل عنده؟ لكن ما من مانع، فقد تكون البداية من هنا.
رأى أصدقاء إسماعيل أن هذه {الدعوة الفرصة} هي {القشة} التي ينتظرها الغريق لتحمله إلى بر الأمان في القاهرة، وأن الفرصة أصبحت مواتية له ليعيد التفكير في تحقيق طموحاته وأحلامه التي وضعها جانباً منذ عودته من القاهرة، فقرروا التكاتف في ما بينهم، وتذليل عقبة المصاريف الأولى اللازمة لبداية الرحلة. جمعوا مبلغاً من المال، ربما لا يتعدى المبلغ نفسه الذي بدأ اسماعيل به رحلته السابقة، الجنيهات الستة التي بقيت عالقة في ذهنه وربما لم ينسَها طوال حياته.
شعر والد اسماعيل بالوحدة والعجز، وعارض سفر ابنه معارضة العاجز الذي لا يقدر على المساعدة أو المنع، لكنه لم يجد بداً من أن يوافق على سفره، فربما فُتحت له أبواب مغلقة، واستطاع أن يعيد الأسرة إلى سيرتها الأولى.
سافر إسماعيل إلى القاهرة ورغبته في الانتصار عارمة، فهذه المرة ليست كما الأولى، لأنه يسافر الآن على هدى، يعرف أين يذهب، ومن المؤكد أن القاهرة ستفتح له ذراعيها مجدداً.
{مصر من تاني}
لم تستقبل القاهرة إسماعيل هذه المرة بقسوة، كما فعلت أول مرة. توجه فور وصوله إلى قصر قدري باشا، وكما توقع وربما أكثر كان الاستقبال حافلاً، واستطاع خلال ساعات قليلة أمضاها في القصر أن يكسب ثقة جميع من يعيش فيه، من نساء ورجال، تحديداً الأطفال، فقد روى لهم بظلّه الخفيف النكات والحكايات، فسُعدوا به وبدأوا يعاملونه بطريقة طيبة. بعد أيام قليلة أصبح كأحد أفراد الأسرة، فاختاره الشاب الذي استدعاه ليكون سكرتيراً خاصاً له: يأكل ويشرب وينام ويلبس على نفقته، إضافة إلى راتب يعطيه له في نهاية الشهر.
كانت مهمة اسماعيل مرافقة هذا الشاب في كل مكان يذهب إليه، والغناء له في سهراته الخاصة، ومسامرته في جلساته ورواية نكات تثير ضحكاته كلما تجهّم وجهه، أو غضب من شيء:
- اسمع يا سمعه... أنت مش مطلوب منك أي شيء غير أنك تخليني أضحك على طول.
- بس كده سيادتك تأمر... أنا مفيش حاجة ورايا غير كده.
- أيوه، أنا عندي هموم كتير، حسابات وأطيان وبورصة.
- طب والغنا، مش هغني؟
- تغني ترقص تقول نكت، إعمل أي حاجة تبسطني.
وكان هذا الرجل أعطى اسماعيل مفتاح السعادة، فقد كانت أسعد أوقاته خلال الأيام التي كان مخدومه يمضيها مساءً بين المسارح والملاهي الليلية ودور السينما، ولم يكن هذا يحدث كلما سمحت الظروف، بل يومياً، فلم يكن لدى هذا الشاب ما يشغله، وتحديداً مساء، سوى ساعات الحظ فهو ابن ذوات، ولا بد من أن يجد ما يقتل به الوقت كل ليلة، ويسعد نفسه.
وكان من عادة الأسر الثرية آنذاك إقامة سهرات تتضمن الغناء والرقص كنوع من الترفيه، إذ لم تكن ثمة وسائل ترفيهية سوى {الفونوغراف} أو العزف على {البيانو} وكانت كل أسرة تحتضن مغنياً أو راقصة كضيف دائم لإحياء هذه الليالي.
بدأ اسماعيل، من خلال تلك السهرات التي كان يحضرها برفقة ذلك الشاب في المسارح والملاهي والحفلات الخاصة، التعرّف الى نجوم فن {المونولوغ} في القاهرة آنذاك، من أمثال حسين المليجي وسيد سليم، ومصطفى صالح وحسين إبراهيم وغيرهم. وبتردّده على تلك الأماكن والسهرات بدأ يحفظ مونولوغاتهم ويردّدها في السهرات الخاصة التي يحضرها مع مخدومه.
من هنا عادت أحلام الفن تراود إسماعيل، فآهات الاستحسان والتصفيق اللذين كان يتلقاهما جعلت أفكاره تمنيه بأن يصبح مطرباً حقيقياً مثل عبد الوهاب، وليس مجرد {مسلياتي} لمخدومه ومجموعة أصدقائه، غير أنه بعد السهرات والليالي الملاح، وحفظه الكثير من المونولوغات، بدأ يجد في نفسه ميلاً شديداً إلى فن {المونولوغ الفكاهي} بل إنه اختبر نفسه في ذلك الفن من خلال جلساته مع مخدومه التي كان يقلِّد فيها الذين يقدِّمون المونولوغ في الملاهي.
عشق المونولوغ
غرق إسماعيل تماماً في حب المونولوغ وحفظ أعمال سيد سليمان، وحين كان يردّدها في السهرات الخاصة كان الجميع يشجعه ويصفق له ويطلب منه المزيد. من هنا اتخذ إسماعيل القرار الأهم في حياته وهو احتراف فن {المونولوغ}، وتخلّى لأول مرة عن حلمه بأن يصبح مطرباً كبيراً مثل محمد عبد الوهاب. وشجّعه على ذلك أحد أبناء الذوات من أصدقاء مخدومه، الذي كان بدوره يهوى التلحين والمونولوغ، فتعرّف إليه إسماعيل وتقترّب منه، وعرف أنه خليل حمدي المحامي، وكانت تلك الصدفة بمثابة {طاقة القدر} التي فُتحت له، فقد كان ذلك المحامي مغرماً بالغناء والرقص والموسيقى ومحباً لجلسات اللهو والمرح، وكان دائم التردد على المسارح والصالات.
كان على اسماعيل أن يتخذ قراراً بشأن مستقبله، وبقاؤه لدى أسرة قدري باشا ليس بالأمر السيئ، لكنه هكذا سيظلّ على حاله، بل سينتهي به الأمر كما بدأ، وليس هذا ما يتمناه، وإذا كان تخلى عن أحلامه وطموحاته الفنية، فذلك موقتاً حتى تسير الأمور وتضحك له الدنيا ويتخلى عن أيام الفقر والبؤس، لكن لن يقبل بأية حال أن يكون هذا دوره في الحياة، ومنتهى طموحه. وقبل أن يتخذ قراره راح يعاتب نفسه:
- لكن يا سمعه مش لما تتخلى عن أسرة قدري باشا تبقى {قلة أصل} منك؟
- وإيه قلة الأصل في كده؟
- الناس أكرموك وفتحوا لك بيتهم كأنك واحد منهم وبعدين تسيبهم أول ما تلاقي غيرهم؟
- وبعدين انت عارف كويس... إنهم لو زهقوا منك ممكن بسهولة يرموك ويشوفوا حد غيرك برضه علشان يسليهم ويضحكهم.
- يعني فكرك اسيبهم واشتغل عند المحامي ده؟
- مفيش غير كده... لازم تفكر بقى في مستقبلك.
- تقصد إيه؟
- أقصد اللي أنا وأنت فاهمينه.
- إيه يا أخويا اللخبطة دي... ما هو أنا أنت وأنت أنا.
- أنا عارف بقى... أنا قلتلك وخلاص... سلامو عليكو.
قرر إسماعيل الانتقال الى العمل لدى المحامي، لكن قبل ذلك استأذن أسرة قدري باشا، وجاء الرد بسيطاً وسهلاً:
- إحنا موافقين بس بشرط... أوعى تنسانا... ونحب نشوفك دايماً ولما نحتاجك متقولش لأ.
- بس كده... من عنيا الجوز.
لم يستغرق الأمر طويلاً حتى انتقل إسماعيل ياسين من العمل لدى أسرة قدري باشا إلى العمل لدى المحامي الثري.

***عفريتة هانم

كان إسماعيل قد انتقل إلى العمل عند المحامي، وسرعان ما أحبه الأخير وأعجب بسرعة بديهته وتصرفاته وحركاته، وخفة دمه، فقد قرر أن يتخذ منه رفيقاً وسكرتيراً وكاتماً لأسراره وخادماً، فهو أعزب، ويحتاج إلى من يؤنس وحدته ويرافقه في جلساته، في البيت وخارجه، أصبح إسماعيل يلازمه كظله في كل مكان يذهب إليه، وبدأ يعرف طريقه إلى السهرات في الصالات والكازينوهات.
بدأت تظهر على إسماعيل اهتمامات أخرى، فكان يستغل وجود الصحف والمجلات في مكتب المحامي، ويحرص يومياً على قراءة كل ما تصل إليه يداه من المجلات الفنية وغير الفنية التي كانت تصدر آنذاك، فأخذ يطلع على آخر أخبار الفن والفنانين في مصر، خصوصاً أخبار المونولوغ، وبدأ يسمع عن الفرق المسرحية المنتشرة، مثل فرقة رمسيس ليوسف وهبي، وعزيز عيد ونجيب الريحاني وعلي الكسار، ومن بين ما عرفه إسماعيل من خلال الصحف وشدّ انتباهه أن الزجال {أبو بثينة} هو الذي يؤلف مونولوغات سيد سليمان، ففكر في كيفية الوصول إليه، وإذا وصل إليه هل يستطيع أن يقنعه بأن يعطيه مونولوغاً يغنيه؟ ومن يكون إسماعيل ياسين ليكتب له {أبو بثينة'؟!
أسئلة كثيرة دارت في رأسه حول {أبو بثينة} الزجال، لكن إجاباتها المحبطة لم تستطع أن تثنيه عما انتوى أن يفعله.
نتاج الأزمة
كانت حقبة الثلاثينات في مصر تشهد أزمة اقتصادية طاحنة، جاء تأثيرهاً واضحاً على كل شيء بما فيها الفنون، وفي الوقت نفسه شهدت الحقبة أيضاً تطورات سياسية وثقافية وفنية كثيرة، إذ كانت الحكومة المصرية قبلها قد بدأت في إرسال البعثات إلى الخارج وعاد هؤلاء الدارسون، ليقدموا كل ما درسوه على طبق من ذهب إلى المجتمع المصري، ما شكّل حركة فكرية وثقافية كبيرة، فضلاً عن تنمية الوعي السياسي.
آنذاك كان الفنان الكبير نجيب الريحاني يواصل نجاحاته المسرحية، وتقديمه الملحنين الموهوبين والجدد، فبعد رحيل أسطورة الموسيقى الشيخ سيد درويش، وتقديمه الشيخ زكريا أحمد تعاون مع محمد القصبجي في تقديم رواية {نجمة الصبح} من بطولة المطربة هدى، ثم قدّم أول محاولة للاقتباس من رواية {اتبحبح} التي اقتبسها عن الرواية الفرنسية، وفي عام 1931 شكلت الحكومة المصرية لجنة للإشراف على المسرح كان ضمن أعضائها الشيخ مصطفى عبد الرازق و د.طه حسين الذي كان يشيد كثيراً بالريحاني وفرقته، فقد كان الريحاني بارعاً في اجتذاب الجمهور عبر تقديم أعمال فنية يجد الناس أنفسهم فيها، ويحرص على تناول شخصية الإنسان المطحون المكافح في سبيل لقمة العيش، وقد بدأ ترسيخ هذا الاتجاه مع أعماله المسرحية مثل {الجنيه المصري} وغيرها.
غير أن التمثيل لم يكن أحد أهداف ياسين، لكنه بدأ يسمع عن نجوم هذا المجتمع الجديد عليه، وكان يعرف أخبارهم خلال وجوده في كازينو {بديعة مصابني} أكثر مما يعرفها من خلال الصحف، من هنا بدأ يغري مخدومه كي يسهر يومياً في كازينو {بديعة} كي لا تفوته أخبار هؤلاء النجوم، ويمتع نفسه بالاستماع إلى مونولوغستات كازينو بديعة الذي كان يضمّ أشهر من غنى المونولوغ آنذاك، بعد أن وقع ياسين في غرام المونولوغ.
وفي كازينو بديعة شاهد ياسين لأول مرة، تلك الأسماء التي طالما سمع عنها وعن أخبارها، شاهد ملك المونولوغ وأكثرهم شهرة سيد سليمان وازداد إعجابه به، وحفظ مونولوغاته، وأبرزها {بُريه من الستات} و{هنا مقص}.
كذلك شاهد المونولوغست حسين المليجي، وهو يلقي مونولوغه {سوسو.. حنتوسو}، ومع مرور الأيام وجد ياسين المونولوغ يحتل مكانة متميزة داخل نفسه، فيما بدأت فيه صورة المطرب محمد عبد الوهاب تتوارى لتحل مكانها صورة مونولوغات سيد سليمان وحسين المليجي.
تردد ياسين على كازينو بديعة، وشاهد الشعبية التي يحتلها فنانو هذا اللون، وما يلاقونه من ترحيب كبير من عشاق هذا الفن، تمنى أن يكون مونولوغيستاً مثل سيد سليمان، بل بدأ فوراً يقلده ويلقي مونولوغاته في السهرات الخاصة التي يقيمها ولي نعمته خليل حمدي، التي خرج منها بفائدة أخرى جديدة، فمن خلالها تعرف إلى حمدي سالم الموسيقي والملحن الهاوي وتصادقا بعد أن جمعت بينهما هواية حب الغناء والموسيقى.
الغناء أمام جمهور
على رغم أن الحب الجديد (المونولوغ) بدأ يسيطر على عقل ياسين وقلبه، إلا أنه كما يبدو لم ينس حبه القديم، وهو أن يصبح مطرباً عاطفياً مثل مطربه المفضل محمد عبد الوهاب، فبعد أن توطدت علاقة الصداقة بينه والموسيقي حمدي سالم، بدأ الأخير يدعوه إلى حفلات بعض الأصدقاء والمعارف، وكانت المرة الأولى التي قرر فيها أن يدعوه إلى إحياء حفلة زفاف أحد أصدقائه:
- إسماعيل عندي لك خبر حلو.
- اوعى تقولي إنك قررت تسلفني بدلتك الجديدة.
- لا يا أخي... مفيش فايدة فيك أي جد تحوله لهزار.
- يا سيدي حقك عليا... بطلت أهزر... خير إن شاء الله.
- أنت هتغني في فرح.
- شوفت بقى مين اللي بيهزر دلوقت.
- أنا بتكلم جد. يوم الخميس فرح ماجد بن شوكت بك، وأنا رشحتك تبقى مطرب الفرح.
- اعدلوني ع القبلة. أنا مش مصدق نفسي. الكلام ده بجد.
- وجد الجد... جهز نفسك يا بطل، عايزك من دلوقت لحد يوم الخميس تشرب كل الزنجبيل اللي في البلد علشان صوتك يجلجل.
- هو هيجلجل وبس... ده أنا يا أستاذ هخليهم يصرخوا من حلاوة الصوت.
- ولك ياعم زي ما قلت، هسلفك بدلة جديدة علشان تبقى آخر شياكة.
قفز الحلم النائم في قلب ياسين إلى خارج صدره، فقد جاءت الفرصة التي طال انتظارها، ليغني فيها أمام جمهور حقيقي لأول مرة في القاهرة، ليثبت لهذا المجتمع قدراته كمطرب، بعد أن باءت محاولاته السابقة كلها بالفشل في أن يشارك في أي حفلة مع إحدى الفرق المحترفة، سواء في شارع محمد علي، أو إحدى صالات شارع عماد الدين.
وجاء يوم الفرح، ونسي ياسين المناسبة التي يغني فيها، وأن يختار أغنية تتلاءم وتلك المناسبة السعيدة، أو أغنية تدخل البهجة والسرور على العروسين والحضور من المدعوين والمدعوات، نسي ذلك كله ولم يتذكر سوى حلمه في أن يكون مطرباً، وأنه يستطيع أن ينافس مطربه المفضل محمد عبد الوهاب، وأن يكون نداً له.
ولم يجد ياسين شيئاً يغنيه سوى أحدث أغنية لمطربه عبد الوهاب {أيها الراقدون تحت التراب}!
وكالمتوقع حدث هرج ومرج، وثار الحاضرون على المغني، لاختياره أغنية كهذه في هذه المناسبة، لولا أن القدر أنقذه في تلك اللحظة، لكانوا فتكوا به ومن أتى به. عندما شاهد إسماعيل صديقه حمدي يلطم خديه... تنبه إلى حجم الكارثة التي فعلها، وبسرعة خاطفة استطاع بذكائه أن ينقذ الموقف، ودفعت العناية الإلهية إلى حنجرته أحد مونولوغات سيد سليمان، وزاد من اتقانه أنه قلّد فيه طريقة سيد سليمان الأشهر في فن المونولوغ آنذاك، ولا شك في أن المدعوين يعرفونه ويحفظون طريقته، واستطاع برباطة جأشه، وخفة ظله وطريقته في الإلقاء والتقليد أن يجبرهم على متابعته... ليس هذا فحسب، بل جعلهم ينفجرون صراخاً من الضحك، ودفعهم إلى نسيان هفوته السابقة بأغنية عبد الوهاب، ولولا ذلك لحدث ما لا تحمده عقباه، وبدلاً من أن تكون البداية تكون النهاية.
كأنما أراد القدر في هذه الليلة أن يصحح ياسين مساره الذي عاش طويلاً يخطط له ويحلم به، وأن يجعله يكتشف حقيقة نفسه مرتين: الأولى والأهم كانت من خلال رد فعل الجمهور على الأغنيتين وأدائه لكل منهما، والثانية كانت من خلال نصيحة وجهها إليه الزجال المعروف محمد عبد المنعم المعروف باسم {أبو بثينة} له، الذي تصادف أن كان مدعواً مع إلى الحفلة:
- أنت قلت اسمك إيه؟!
- إسماعيل ياسين.
- اسمع يا إسماعيل.. أنا راجل بقالي سنين في الكار ده ونصيحتي لك يا بني إنك تركز في المونولوغ وسيب الأغاني العاطفية لأهلها.
- تقصد إني مش كفء للأغاني دي.
- الحكاية مش بالكفاءة، لكن فيه حاجات كتير بتحكم المسألة، وربنا خلق كل واحد، وخلق له سكته في الدنيا، وأنا بخبرتي شايف إن المونولوغ هو سكتك.
كانت نصيحة {أبو بثينة} لإسماعيل بالإبتعاد عن الغناء بمثابة الباب الذي أغلق في وجهه بعد أن كاد أن يفتح له، وزاد من حزنه تأكيده له أن شكله وتقاطيع وجهه، قد لا تجعله ينجح كمطرب، لكنه بسرعة بديهته وخفة دمه، وحسن حركاته وطريقة إلقائه قد يصبح مونولوغيستاً كبيراً.
سمع ياسين النصيحة، التي سببت له حزناً كبيراً، وما إن خلا إلى نفسه حتى أعاد التفكير فيها مرات ومرات، وشيئاً فشيئاً اقتنع بها، خصوصاً عندما كان يطيل الوقوف أمام المرآة:
- بالذمة ده منظر!
يبتعد عن المرآة ويعود وينظر إليها
- يانهار أسود.. كل ده بق؟
بعدها قرر إسماعيل أن يعمل بالنصيحة، ويودّع أحلام الغناء وأن يكون مطرباً منافساً لمحمد عبد الوهاب، لكن إذا كان حلمه كمنافس لعبد الوهاب قد انتهى، فإن حلمه كمطرب لن يموت أبداً، وسيظل يبحث له دائماً عن متنفس، وسيجده في ما بعد بطريقة أو بأخرى.
نصيحة أبو بثينة
فكر ياسين طويلاً في كلام {أبو بثينة} واستقر إلى أنه، إذا كان أبو بثينة صاحب النصيحة، فلماذا لا يكون صاحب فضل أيضاً؟! وجلس يحدّث نفسه:
- لماذا لا أذهب إلى أبو بثينة وأطلب منه مونولوغاً؟
- كده مرة واحدة... أبو بثينة اللي بيكتب لسيد سليمان وحسين المليجي يكتب لإسماعيل ابن عم ياسين الغلبان.
- وفيها إيه، ما هو أكيد سيد سليمان ولا حسين المليجي ولا حتى محمد عبد الوهاب محدش فيهم بدأ زي ما هو دلوقت...
- لكن الراجل أكيد بياخد فلوس كتير في المونولوغ الواحد، وأنا ما عنديش اللضا (أي لا يملك قرشا واحداً).
- قال {ضربوا الأعور على بقه} (أصل المثل ضربوا الأعور على عينه) قال خسرانة خسرانة!
قرر إسماعيل أن يقطع الشك باليقين، وذهب فعلاً لمقابلة الزجال محمد عبد المنعم، وكان اللقاء حميماً وحمل أكثر من مفاجأة سارة لإسماعيل، الأولى عندما حاول أن يجتهد ليذكره بنفسه وما حدث يوم الفرح، ووجد أن أبو بثينة يتذكره تماماً، بل ويعرف اسمه:
- مش أنت إسماعيل ياسين اللي كنت عايز تبقى زي محمد عبد الوهاب.
- أيوه يا أستاذ... بس خلاص الكلام ده بونو بونو!
- مش فاهم يعني إيه؟
- لا متخدش في بالك يا أستاذ دى حاجة كده، أنا أقصد أقولك إن الكلام ده خلاص انتهى، وأنا دلوقت جايلك علشان كده.
وقبل أن يطلب منه ياسين ما جاء لأجله، قرر أن يروي له أولاً قصة حياته، منذ أن حرمه القدر من أمه والعذاب مع زوجة أبيه، ثم جدته، حتى جلوسه أمامه الآن... وطلب منه أن يقف إلى جواره ويشجعه، فوجد منه ترحيباً كبيراً، وهنا كانت المفاجأة الثانية التي لم يتوقعها إسماعيل، عندما طلب من أبو بثينة أن يعطيه كلمات مونولوغ خاصة به يغنيها، فوافق:
- كلامك ده يا أستاذ شجعني أطلب منك مونولوغ يبقى بتاعي أنا أبدأ بيه.
- وأنا شايف كده برضه... موافق طبعاً.
- أيوه يا أستاذ بس استنى قبل ما تتورط في الموافقة.
- إيه لك شروط أو طلبات؟
- شروط إيه بس يا أستاذ أنت بتتريق عليّ.
- أبداً والله... لو فيه حاجة عندك قول.
- اللى عايز أقوله إن محسوبك (يقصد نفسه) محلتوش اللضا... يعنى على رأي المعلم فرج السويسي {أل نيا با فلوس} علشان كده عاوز من حضرتك يعني...
- يا سيدى فهمت وملوش لزوم كل المقدمة دي... المونولغ هدية من عندي.
- بجد أنا مش عارف أقولك إيه، بس تمن المونولوغ ده دين في رقبتي. أول ما يجيلي فلوس هسدد تمنه على طول.
- متقولش حاجة أبداً يا إسماعيل ومش عايزك تشيل هم.
كانت دهشة ياسين كبيرة حين حقق أبو بثينة رغبته وأعطاه مونولوغاً حمله إلى الملحن صديقه كي يلحنه له مجاناً أيضاً، ثم كان السؤال الأهم: ما هي الوسيلة الآن كي يخرج هذا المونولوغ إلى النور؟!
فاسماعيل لا يعمل في أي من الصالات المنتشرة في عماد الدين أو روض الفرج، فأشار عليه صديقه ابن الذوات الملحن أن يذهب به إلى الإذاعة، وآنذاك كانت توافرت أكثر من إذاعة أهلية في القاهرة وكانت منفذاً للشهرة:
- الإذاعة حتة واحدة.
- عندك حل تاني؟
- لا.
- يبقى خلاص تروح الإذاعة. أنت هتخسر حاجة.
- بالعكس، ده أنا هكسب.
تقدم ياسين بالمونولوغ إلى محطة إذاعة {فؤاد}، وكانت المفاجأة أنهم قبلوه فوراً، وأذاعوا المونولوغ في اليوم نفسه، ولم يصدق ياسين نفسه، بل زادت دهشته عندما طلبوا منه مونولوغاً آخر، فكُتب ولُحن وأُذيع فوراً.
خطوة هائلة لم يكن ياسين يتوقعها في هذا الوقت الوجيز، وإن كانت لم تتح له أن يستقيل من خدمة صديقه الثري وأن يتفرغ إلى المونولوغ.
وتوالت الأيام على وتيرة واحدة، كان فيها إسماعيل يعمل سكرتيراً للثري السويسي، إلى أن وقع له حادث أثر في حياته... جعله يتحول إلى الفن.
شهيد الغرام
توطدت العلاقة بين الثري وسكرتيره إسماعيل، إلى أن أخذت شكل صداقة، أكثر منها علاقة خادم بمخدومه، وهذا ما شجع صديقه الثري أن يبوح له بأحد أهم أسراره وأخطرها، إذ فاجأه يوماً بأنه وقع في غرام الشابة التي تزوجها خاله العجوز... وأنه بات لا يستطيع أن يستغني عنها أبداً، ولا يعرف ماذا يفعل وكيف يتصرف.
وكان ياسين يعرف خال الشاب وزوجة خاله، لأنه يعيش معهما في البيت نفسه، حيث يعيش الشاب مع خاله الثري الذي تخطى السبعين من عمره، أما زوجته فكانت شابة يقترب عمرها من عمر ياسين، في بداية العشرينيات!
نسي ياسين نفسه كخادم، وراح يقدم نصيحة مخلصة إلى مخدومه بأن مثل هذا الأمر خطير جداً وأنه ضد الدين والعرف والتقاليد، وعندما وجد إصراراً من صديقه الثري على المضي قدماً في هذا الطريق، قرر أن يتصرف على طريقته، فراح ينبه الزوج المخدوع، لكن بشكل غير مباشر، أن زوجته شابة ومطمع للشباب، وأنه يخشى عليها، فما كان من الرجل إلا أن كلفه بمهمة مراقبتها أثناء فترة غيابه عن المنزل، ومعرفة حركاتها وسكناتها خارج المنزل.
وباتت لياسين مهمة جديدة، وهي أن يقيم في البيت طوال النهار يراقب زوجة مخدومه الجديد، وينقل إليه تصرفاتها ويمنعها من الخروج من البيت، بل وحتى الاقتراب من النافذة أو الرد على الهاتف.
ومرت أشهر، وبدأت الزوجة تضيق بهذا السجن فما كان منها ذات يوم إلا أن سكبت على جسدها كمية من {الغاز} وهمت بأن تشعل النار في جسدها وتنتحر لولا تدخل ياسين المتابع لحركاتها في الوقت المناسب.
وحين عاد الزوج إلى البيت علم بتفاصيل الحكاية، وفوجئ في الوقت نفسه بأن الزوجة الشابة المدللة تطلب الطلاق لأنها لم تعد تستطيع أن تصبر على الحياة في سجن يراقبها فيه سجان اسمه إسماعيل ياسين، وحاول الزوج أن يثني زوجته عن الطلاق، وبعد جهد جهيد وافقت، لكن بشرط أن يطرد سجانها من خدمته!
الموضوع الأصلى : سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة  المصدر : قيثارة الغناء العربى
توقيع العضو: نور الحياة شاكر
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
نور الحياة شاكر
المشرف العام
المشرف العام
نور الحياة شاكر

الدولة : سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 Female73
انثى
عدد الرسائل : 51922
تاريخ التسجيل : 08/12/2007
المزاج : سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 710
بطاقة عضوية : سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 Ou_oa10

سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة   سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 71831510الثلاثاء 23 نوفمبر 2010 - 21:30

****ماكانش على البال

جاء الصلح بين الثري وزوجته على حساب إسماعيل ياسين فطُرد من خدمته لتخلو الأجواء للعاشقة الشابة، ومن دون {قرش} واحد تعويضاً عن طرده، ومن دون أن تسمح له الزوجة الشابة في أخذ ثيابه، ليخرج بالملابس التي كان يرتديها فحسب.
خرج إسماعيل من بيت الثري السويسي حزيناً وقادته قدماه إلى منزل صديقه الذي كان يلحّن له مونولوغاته مجاناً، فهوّن عليه الأمر وأعطاه بذلة قديمة من بذلاته وجنيهاً يتصرف به، ريثما يفرجها الله عليه.
ارتدى إسماعيل البذلة القديمة فإذا به يجد في جيبها الداخلي خمسة جنيهات، يبدو أن صاحبها كان نسيها، ولكنها كانت بالنسبة الى إسماعيل كنزاً.
قصد إسماعيل {لوكاندة الحميدية} في حي السيدة زينب، واستأجر جناحاً، ما يعني آنذاك غرفة مستقلة وحماماً خاصاً بها، مقابل جنيه كامل لمدة 15 يوماً.
مرت الأيام وإسماعيل يأكل وينام على نفقته الخاصة، ما جعل الجنيهات الستة تنتهي سريعاً، ولم يكن أمامه سوى أن الذهاب مجدداً الى صديقه الملحّن ليقترض منه، لكنه فوجئ به يقول له:
- أنا مش هديك أي فلوس سلف بعد النهارده.
- إيه طيب متشكر قوي.
- مش هديك سلف لكن هديك كل يوم عشرة قروش، لكن بشرط واحد.
- إشرط.
- متغنيش إلا المونولوغات اللي ألحنها لك أنا بس.
- بس كده ده أنا تحت أمرك.
- وكمان شرط تاني صغير.
- أشرط للصبح
- إنك تحضر الحفلات اللي أكلفك بحضورها.
ومرة أخرى أعلن إسماعيل موافقته، ولم لا فقد بات يملك يومياً ثمن رغيف من {الفلافل أو الفول}، مع أجرة الفندق.
الأسطى نوسة
كانت الحياة السياسية في مصر مشتعلة في مطلع الثلاثينيات، وعلى رغم ذلك نجح الشيخ سيد درويش قبل رحيله في ما أطلق عليه {تثوير الموسيقى} أي جعل الموسيقى تضج بالثورة وتلهب حماسة الشعب بدلاً من الخطب، ما جعل المسارح والملاهي الليلية تعمل بشكل كامل، لاعتمادها على أشكال الغناء والموسيقى، إرضاءً للأذواق كافة، إلا أنه على رغم ذلك كانت الأزمة الاقتصادية حائلاً دون وجود حالة انتعاش، إذ كان المجتمع المصري آنذاك يشارف على انهيار اقتصادي كبير ما ترتب عليه ازدياد معدلات الفقر وتهميش غالبية الفئات الاجتماعية المطحونة وتضخّم ثروة الأقلية الأرستقراطية بمساندة الاستعمار والملك، ولهذا لم يجد إسماعيل ياسين طريقاً للخلاص من هذا الفقر سوى العمل في أكثر من مكان، ولم يكتف بالعشرة قروش التي كان يتقاضاها يومياً من صديقه الملحن.
في {اللوكاندة} التي كان يعيش فيها، تعرّف إسماعيل الى أحد أهم صبيان الأسطى {نوسة} وكان ينادى باسم {عطية أفندي}، وكان هذا الـ {عطية} يصنع هالة لنفسه وسط هذه الطبقة الدنيا من البشر، ممن يعملون في اللوكاندة، أو حتى بقية {الآلاتية} الذين يعملون مع {الأسطى نوسة}، أشهر راقصات أفراح الدرجة الثالثة في بر مصر آنذاك، الأمر الذي جعل إسماعيل يشعر أنه أمام شخصية مهمة.
فكّر إسماعيل في مفاتحة عطية أفندي في موضوع العمل في الملهى الذي ترقص فيه {الأسطى نوسة} إما بالغناء أثناء رقصها، أو يقدم {نمرة} بمفرده.
- مش برضه عطية أفندي
- أيوه يا حبيبي يلزم خدمة؟
- محسوبك إسماعيل أفندي ياسين أنعم وأكرم.
- أنعم وأكرم اسم والدك؟
- لأ ده بس شيء لزوم التحية لحضرتك.
- من غير تحية أو مقدمات عايز إيه يا سي أنعم أفندي وأكرم؟
- زي ما شفت وسمعت... إن حضرتك الكل في الكل في فرقة الأسطى نوسة.
- وبعدين؟
- محسوبك بيغني وبيقول مونولوغات مفيش كده.
- فهمت... فهمت
- لو بس حضرتك تقدمني للأسطى نوسة علشان أشتغل معها يبقى كتر خيرك.
- قوي قوي... دي حاجة بسيطة... بالمناسبة انت نازل فين؟
- أنا نازل هنا معاكم في الأوضة دي.
- خلاص يا إسماعيل أفندي اعتبر نفسك اشتغلت.
نام إسماعيل في تلك الليلة تراوده أحلام النجاح والشهرة، غير أن الصباح كان يحمل له مفاجأة حزينة، فحين استيقظ اكتشف أن {عطية أفندي} سرق بدلته الجديدة التي كان أعطاها له صديقه الملحن، وحافظة نقوده التي احتوت على 3 جنيهات هي {تحويشة} عمره.
جنّ جنون إسماعيل، فقد تركه عطية أفندي {على الحديدة}، فما كان منه إلا أن ذهب إلى الأسطى {نوسة} نفسها ليقص عليها ما حدث، متوسلاً إليها إعادة فلوسه، فرقّ قلبها لحاله وما جرى له على يد {عطية} وأكدت له أنها هي الأخرى تبحث عن عطية هذا، وتتمنى لو تعثر عليه لتقتله لأنه سرقها وأخذ كل مصاغها، وأنها لن تستطيع أن تعيد إليه نقوده، ولكنها يمكن أن تجعله يعمل معها في فرقتها.
وجد إسماعيل في ذلك تعويضاً مرضياً له، خصوصاً بعد أن عرضت عليه أيضاً حجرة فوق سطح إحدى عمارات شارع عماد الدين، ليكون قريباً من الملهى الذي تعمل فيه.
غير أن العمل مع {الأسطى نوسة} لم يرق له، خصوصاً أنها كانت تعامله باعتباره {صبي راقصة} وليس مطرباً له احترامه وشخصيته، فقرر أن يتركها ويكتفي بالراتب اليومي، العشرة قروش، الذي كان يتقاضاه يومياً وفقاً للاتفاق المسبق بينه وبين صديقه الملحن.
أفراح وإذاعات أهليّة
مر ما يزيد على ستة شهور، والحال لم تتبدل، وإسماعيل في رحلة إثبات الوجود، والبحث عن المأوى ولقمة الخبز الدائمة، وهو ما تكفله له حفلات {الأفراح وسبوع المواليد} والحفلات الخاصة التي يساعده على المشاركة فيها صديقه الملحن حمدي سالم.
آنذاك، لم يكن ثمة متنفّس لمطربي ومطربات تلك الأيام سوى {الأسطوانات} أو محطات الإذاعة الأهلية، أو السفر مع الفرق الغنائية الجوّالة التي تقطع قرى ومدن الوجهين القبلي والبحري، أو رحلة إلى {بر الشام} مع الفرق الغنائية التي تتجول في ربوع فلسطين ولبنان وسورية.
قرر إسماعيل أن يعاود الاتجاه إلى المحطات الأهلية ويقدم نفسه مجدّداً لها، خصوصاً أن تشهد إقبالاً لا بأس به من الجمهور، إضافة إلى أن أصحاب الملاهي والكباريهات يتعرفون من خلالها الى المطربين الجدد ويدعونهم الى العمل لديهم، لعل حظّه {يضرب} ويقع عليه الاختيار.
كانت غالبية المحطات الأهلية آنذاك يسيطر عليها الأجانب واليهود، وكان من بينها: {فيولا}، {سابو}، {شقال}، وعلى رغم محدودية جمهورها، تقدم إسماعيل إلى {فيولا} وقدّم مونولوغات عدة، وعندما طلب من أصحابها أجراً، اندهشوا لذلك الطلب:
- فلوس... فلوس إيه يا حبيبي.
- تمن ما غنيت المنولوغ؟
- انت مش فاهم ولا إيه يا حبيبي... هو مين اللي مفروض يدي التاني فلوس؟
- انتم طبعا... مش غنيت عندكم؟
- حبيبي أحنا بنعملك شهرة وبروبغندا كبير، مفروض تدفع لنا عليها فلوس.
وفي محطة {إلياس شقال} جاءه الرد نفسه، ولكن بطريقة أخرى:
- أجر إيه؟! انت مقدمتش غير نفس المونولوغات اللي سبق إذاعتها، إيه الجديد في كده، لازم جديد علشان يبقى فيه فلوس.
وعى إسماعيل الدرس، فهو لا بدّ من أن يقدم جديداً في كل مرة حتى يصبح له {سعر}.
مضت به الأيام، خطوة أو أكثر إلى الأمام. ويبدو أن حاله استقرت على تلك القروش البسيطة التي كان يتقاضاها من صديقه الملحن، ولكنه استقرار غير مضمون، متأرجح وفق ما يقدمه له سوق العمل من فرص.
مولد الإذاعة المصرية
- {ليكن في علم الجمهور أنه لن يسمح ابتداءً من ٢٩ مايو ١٩٣٤ ببقاء التراكيب الكهربائية اللاسلكية التي بالرغم من مخالفتها أحكام الأمر العالي الصادر في ١٠ مايو ١٩٢٦ تركت حتى الآن تسامحاً ويجب فك التراكيب قبل ذلك التاريخ وإلا طبقت الجزاءات المنصوص عليها في ذلك القانون}.
كان هذا بمثابة الإنذار الأخير الذي وجهته الحكومة المصرية إلى الإذاعات الأهلية المصرية التي عرفت طريقها إلى آذان المصريين في العشرينيات من القرن الماضي، وعلى رغم اختلاف الروايات حول قصة أول بث إذاعي فإن هذه الإذاعات انتشرت بسرعة كبيرة واستغلها أصحاب المحال التجارية لترويج بضائعهم، وتجار المخدرات لبث الشفرات في ما بينهم وبين أفراد العصابة، كذلك استغلّها البعض في بث رسائل الغزل والغرام والخيانات الزوجية، وكانت وسيلة للمنافسة بين المحال التجارية وبين المطربين، فاتسمت غالبية مضمونها بالسوقية والابتذال والخروج على الذوق العام، ولم يكن بغريب على الأسماع آنذاك أن يخرج شخص بصوت عالٍ ينادي:
- {ألو ألو ألحق يا أخينا أنت وهو في قنبلة انفجرت في الموسكي}.
ثم يأتي مرة ثانية
- {القنبلة التي انفجرت الآن هي الأسعار المذهلة التي تبيع بها محال الضبع للعب الأطفال}.
استمرت الإذاعات الأهلية عشر سنوات إلى أن جاء القرار بتوقّفها وإنشاء إذاعة مصرية حكومية بعد أن زادت حدّة السخرية بين تلك الإذاعات إلى درجة غير معقولة، وآلت إلى شركة {ماركوني} البريطانية مهمة إدخال الإذاعة المركزية التي تغطي جميع أنحاء البلاد وتولت مسؤولية تشغيل محطات الإذاعة لمدة عشر سنوات وفق لعقد مبرم بينها وبين الحكومة المصرية.
وفي مساء الخميس ٣١ مايو (أيار) ١٩٣٤ استمع المصريون إلى صوت أحمد سالم، أول مذيع في الإذاعة المصرية يقول:
- ألو ألو هنا الإذاعة اللاسلكية للحكومة المصرية.
كانت البداية بتلاوة قرآنية بصوت القارئ الشيخ محمد رفعت ليكون أول من تلا القرآن الكريم عبر ميكروفون الإذاعة المصرية، ليعود مجدداً صوت المذيع الشاب أحمد سالم معلناً عن أول فاصل غنائي بصوت أم كلثوم.
- هنا القاهرة... سيداتي وسادتي أولى سهرات الإذاعة المصرية في أول يوم من عمرها تحييها الآنسة أم كلثوم.
وتخللت ساعات الإرسال التي امتدت من السادسة مساءً وحتى الحادية عشرة فواصل موسيقية وزجلية وقصيدة شعر ومونولوغ فكاهي ثم كان الختام بفاصل موسيقي لمحمد أفندي عبد الوهاب مع التخت الخاص به.
منذ اليوم الأول حرصت الإذاعة المصرية على استقطاب نجوم ذوي شهرة ومكانة رفيعة بين الجمهور لتنال بذلك ثقة المستمعين واحترامهم، وكان من بين نجومها: أم كلثوم وصالح عبد الحي ومحمد عبد الوهاب وزكريا أحمد ورياض السنباطي، كذلك كتبت شهادات ميلاد مطربين صاروا نجوماً كباراً مثل فريد الأطرش الذي كانت بدايته مع الإذاعة كعازف عود. واحتل الفكر والأدب حيزاً لا بأس به في الإذاعة فبُثّت أحاديث لكبار الأدباء والمفكرين والمثقفين والصحافيين آنذاك.
النجاح في الإذاعة
مع افتتاح الإذاعة المصرية الرسمي، تهافت عليها المطربون والموسيقيون، خصوصاً أنها أصبحت الوحيدة الموجودة آنذاك، وكان من بينهم اسماعيل ياسين.
فانعقدت اللجنة وتقدّم إسماعيل:
- انت مطرب؟!
- أيوه مش باين عليا؟
- لا... باين قول هتسمعنا إيه؟
صمت إسماعيل للحظة راوده فيها حنينه إلى تقديم نفسه كمطرب عاطفي ينافس المطرب محمد عبد الوهاب، لكنه تراجع فوراً، خشية أن يُرفض كما حدث سابقاً، فكان لا بد من أن يقتل هذا الإحساس بداخله إلى الأبد، بدلاً من يضيّع فرصة العمر.
- إيه يا ابني... هتسمعنا إيه؟
- هقول مونولوغ.
- مونولوجيست يعني معقول برضه قول.
نجح إسماعيل في الامتحان كمنولوجيست في الإذاعة المصرية، وتم الاتفاق معه على أن يذيع أربع حفلات شهرياً أو أربعة مونولوغات، على أن يتقاضى في كل مرة أربعة جنيهات أي ستة عشر جنيهاً شهرياً.
لم تسع الدنيا كلها فرحة إسماعيل بهذا الخبر، وفوراً استأجر حجرة في بيت متواضع بحي السيدة زينب واشترى بدلة جديدة وقميصاً وحذاء لكنه لم يشتر أي أثاث، فاضطر الى النوم على الأرض وقد سبّب له ذلك على مدى أيام متاعب صحية، لذلك قرر شراء الصحف القديمة ليفرشها على الأرض، وحوّل سترته القديمة إلى مخدة واشترى {لمبة جاز} صغيرة لتنير له الغرفة ليلاً، وعلى رغم قسوة هذه الحياة، إلا أن اسماعيل كان يبدو في غاية السعادة، وللمرة الأولى يشعر بأن له بيتاً يأوي إليه ولا يُطرد منه.
طريق المونولوغ
بدأ اسم إسماعيل يتردد على ألسنة الناس، من خلال الإذاعة الحكومية التي أصبح بثّها يغطي غالبية محافظات بر مصر، أو على الأقل يضمن إسماعيل أنها تغطي القاهرة كلها، ومن خلال هذا النجاح الذي حققه في الإذاعة، نجح في الالتحاق بإحدى الصالات الكبرى في شارع عماد الدين، للعمل كمونولوجيست، ثم انتقل إلى صالة أكبر وأكثر شهرة وبأجر أعلى.
لم يكن إسماعيل يستطيع أن يدفع بشكل دائم ومتلاحق أجور من يكتبون له المونولوغات ويلحّنونها، فهداه ذكاؤه إلى طريقة كانت آنذاك جديدة ومبتكرة، ولاقت نجاحاً كبيراً وشهرة واسعة بين الجمهور، وإن كانت أغضبت بعض كبار المطربين، وهي أن يكون مطرباً عاطفياً على طريقته، إذ قلب كلمات أغاني كبار المطربين العاطفية وغناها بطريقته الخاصة، التي ما إن يسمعها الجمهور حتى يضج بالصراخ ضاحكاً، مثل أغنية محمد عبد الوهاب التي تقول: {سهرت منه الليالي... مال الغرام ومالي} فحوّلها اسماعيل إلى {مال السباق ومالي}.
في عام 1935 أصبح لاسماعيل مونولوغاته الخاصة التي قدّمها في الإذاعة، خصوصاً في الدورة الإذاعية خلال أشهر مارس وأبريل ومايو، ومنها: {يا اخواتي مراتي سبور}، كلمات محمد عبد المنعم وألحان حسن أبو زيد، {الإيجار، {النونو عاوز يتجوز}، {أول يوم في الشهر} كلمات عبد المنعم وألحان رضا إبراهيم، {لبخت} و}العجايز}، كلمات مصطفى طوربيد وألحان حمدي سالم، {ستات اليوم}، كلمات مصطفى طربيد وألحان رضا إبراهيم، {الحشاشين} كلمات عبد الغني الشيخ وألحان رضا إبراهيم، {عربجي} كلمات وألحان محمد مصلح الحريري، وكما يبدو من أسمائها فإن تلك المونولوغات كانت تعالج مشاكل المواطن الحياتية آنذاك.
غناء ورقص وتمثيل
تحسّنت أحوال إسماعيل عن السابق، وأصبح راتبه في الإذاعة 16 جنيهاً شهرياً، وبدأت تزداد شهرته بين الناس، حتى جاء اليوم الذي قرأ فيه إعلاناً في إحدى المجلات الأسبوعية عن افتتاح مكتب فني مهمته تقديم المواهب إلى الملاهي المصرية واللبنانية والسورية والعراقية، يديره شخص مصري اسمه عبد العزيز محجوب، وشريكه الخواجة {فيناسيون} الذي كان يعمل مدرباً للرقص في صالة بديعة مصابني، فتقدم إسماعيل إلى المكتب يطلب عملاً:
- اسمك إيه؟
- إسماعيل ياسين.
- أنا مسمعتش عن الاسم ده قبل كده.
- طب أعمل إيه أكيد سمعك تقيل.
- لا خفيف... انت هتنكت؟!
- بنكت وأقول مونولوغ وأغني وأرقص.
- طب بس بس كفاية... أهو الأستاذ عبد العزيز صاحب الشركة وصل اتفضل بقى يا خفيف ورينا.
طلب عبد العزيز من اسماعيل أن يقدم شيئاً أمامه، وحين غنى وقدّم نموذجاً من مونولوغاته أُعجب به، وقدّمه إلى ملهى يملكه ممثل قديم اسمه يوسف عز الدين، وما كاد الأخير يسمع اسماعيل حتى قال له فوراً {أنا مستعد لأن أتعاقد معك بخمسة عشر قرشاً يومياً}، فعارض عبد العزيز وطلب أكثر فاسماعيل يغني المونولوغ ويقدّم اسكتشات ضاحكة، ويقول النكت، لذا يستحق ليس أقل من خمسة وعشرين قرشاً يوماً، ولكن إسماعيل خاف أن {تطير منه الشغلانة} فتدخل مقاطعاً عبد العزيز ووافق على أن يعمل بهذا المبلغ.

***سيبوني أغني

بدأ اسماعيل ياسين العمل مع فرقة يوسف عز الدين، التي كانت تقدّم روايات مسرحية، وبين الروايات كانت تعرض فواصل من {الاسكتشات} الغنائية أو المونولوغات أو النكات.
كعادة أصحاب هذه الفرق أيضاً آنذاك، كانوا يريدون ممن يعمل لديهم أن يفعل كل شيء، يغني ويرقص ويؤدي المونولوغ ويقول النكات، ويمثّل... والتمثيل مجال جديد على ياسين، فقد تعود كثيراً على أن يواجه الجمهور كمطرب يؤدي المونولوغ، أو حتى يدخل مع الجمهور في {قافيه} من خلال النكات، لكنه لم يجرّب أبداً نفسه كممثل. ماذا يفعل؟ فقد طلب منه يوسف عز الدين أن يشارك معهم في الرواية الجديدة التي تقدمها الفرقة، ولن تكون مشاركته قاصرة على الغناء والمونولوغ، بل ستشمل التمثيل أيضاً.
ووجد ياسين نفسه في مواجهة مع هذا الوافد الجديد عليه {التمثيل}، فما إن يظهر على خشبة المسرح حتى يضج الجمهور بالضحك، حتى قبل أن ينطق بكلمة، ما سبب له رعباً في البداية، غير أن يوسف وزملائه في الفرقة أكدوا له أنه كلما ضحك الجمهور وصفق فهذا دليل نجاح وليس سخرية.
استمر ياسين في عمله مع فرقة يوسف عز الدين قرابة ثلاثة أشهر، يمثل في الروايات ويلقي المونولوغات والنكات، إلى أن حدث ذات يوم أن كان يمثل في إحدى روايات الفرقة، وكان المشهد أمام صاحب الفرقة يوسف عز الدين، الذي اندمج في التمثيل ولم يدر بنفسه وهو يدفع بياسين دفعة قوية، وكان رجلاً ضخماً يزن أكثر من 120 كيلوغراماً، فوقع ياسين إلى أسفل خشبة المسرح، وعلى رغم أنه أصيب فوراً في وجهه ويديه وببعض الرضوض في جسمه إلا أن الناس ضجوا بالضحك، واعتبروا ما حدث أحد مشاهد الرواية.
بدوره، ثار ياسين غضباً، وخرج إلى ما وراء الكواليس ليلعن التمثيل، وكانت مشادة حامية بينه وصاحب الفرقة الذي قرر فوراً طرده، من دون أن يدفع له أجر يومين، أي أنه نصب عليه 30 قرشاً بالتمام والكمال.
ستوديو مصر
في عام 1935 أنشأ الاقتصادي الكبير طلعت حرب أكبر ستوديو قي تاريخ مصر والشرق آنذاك، كأول مدرسة حقيقية للتقنية السينمائية، وحرص على أن يكون الأستوديو متكاملاً، فقرر إنشاء دور العرض والمختبرات (المعامل) وإدارتها، وحشد الخبرات واستغلها في كتابة أفلام تسجيلية وإعلانية قصيرة وإنتاجها، كان يصقل الخبرات ويجهزها للإنتاج الروائي الضخم، وبدأ يحشد لهذه الأعمال ويختار كبار الممثلين والمطربين الموجودين على الساحة الفنية، وكانوا جميعهم من المسرحيين أو الذين يعملون في الفرق المسرحية، كتلك التي كره ياسين الاستمرار فيها، ليس هذا فحسب، بل إنه كره التمثيل، أو على وجه الدقة، كره التمثيل على هذه الشاكلة.
خرج ياسين من فرقة يوسف عز الدين لاعناً التمثيل والممثلين، واتجه فوراً إلى مكتب المتعهد عبد العزيز محجوب وشريكه اللذين طيبا خاطره، ووعداه بأن يلحقاه بعمل جديد فور الشفاء من جروحه وكدماته.
وكانا عند وعدهما لياسين فعلاً، فلم يمر أسبوع إلا وكانا قد تعاقدا له على العمل مع فرقة {حورية محمد}... وكانت الأخيرة إحدى أشهر الراقصات وصاحبات الفرق في الثلاثينات، وآنذاك كانت تستعد لافتتاح كازينو جديد باسم {تياترو مونت كارلو} في الإسكندرية، وتحتاج عدداً كبيراً من المطربين والمونولوغيستات والراقصات، وما إن عرض عليها عبد العزيز محجوب هذا المونولوغيست الجديد حتى وافقت عليه ومن دون أن تعرف اسمه.
وفرح ياسين بهذا التعاقد الجديد، خصوصاً أنهما استطاعا هذه المرة أن يتعاقدا له على مبلغ 20 قرشاً في الليلة، والعمل في الإسكندرية، التي لم يرها سابقاً... وكان قد سمع الكثير عن الفن والفنانين فيها.
مع حورية
في أول قطار اتجه ياسين إلى الإسكندرية، وعلى رغم أنها مدينة ساحلية، وتطل على البحر مثل مدينته السويس، إلا أنها تختلف تماماً عنها، وربما عن القاهرة أيضاً بكل ما فيها من سحر خاص.
وكان أول ما فعله ياسين البحث عن مكان يسكن فيه طيلة فترة عمله مع فرقة {حورية محمد}، فاستأجر غرفة في نزل كانت تملكه امرأة يونانية متزوجة من مصري يملك أسفل النزل، محل لكيّ الملابس، ومنذ الليلة الأولى لإقامته هناك صادق ياسين زوج صاحبة النزل، ووجه إليه دعوة لحضور برنامجه في {التياترو} وما إن رآه الرجل على خشبة المسرح يغني ويقدم النكات حتى زاد حبه له، وأصبح صديقه المقرب، واستفاد ياسين كثيراً من هذه الصداقة، فقد قرر الرجل أن يقوم بكي ملابس ياسين طيلة فترة إقامته في الإسكندرية مجاناً.
لم يكن الراتب الذي كان ياسين يتقاضاه من فرقة {حورية}، ستة جنيهات شهرياً، يكفي لدفع أجرة النزل والطعام والشراب، وكي يستطيع أن يعادل الإيراد مع المصروف، اتفق مع صاحب مطعم بجوار الكازينو على أن يأكل من عنده ويدفع الحساب شهرياً:
- هو مفيش تعامل مع المحل بالشهر.
- ممكن... بس في الحالة دي يا خفيف المعلوم هيزيد حبتين.
- مفيش مشكلة... إلا قوللي يا معلم مفيش عندك في المحل أكل بني آدمين؟
- (يسحب المعلم السكين ويشهره في وجه ياسين) إيه... بتقول إيه يا {بقو} أنت.
- لأ ولا حاجة... أصل أنا شايف المحل مليان كلاب وقطط، وانت عمال ترمي لهم اللحمة.
- علشان أوري الزباين {الجعرات} إن اللحمة مفيهاش حاجة وبتتاكل أهه.
كانت مأكولات هذا المطعم سيئة، وقلّ أن يتناولها إنسان وكان صاحب المطعم يعامل زبائنه بالقوة والضرب إذا ما اعترضوا على ما يقدمه لهم ويجبرهم على دفع الحساب، سواء أكلوا أم لا! وعلى رغم ذلك رضي ياسين أن يأكل عنده لأنه وافق على أن يدفع له حسابه في آخر الشهر.
ووقع ما كان يخشاه ياسين. في آخر الشهر عجز عن دفع أجرة النزل، ولم يكن هذا يشغله، إنما كيف يدفع للمعلم {على القداح} ثمن الطعام، ولولا صديقه زوج صاحبة النزل لكان ياسين راح طعاماً لقطط محل المعلم وكلابه!
وبينما كان ياسين يشكو ضيق حاله لمجموعة من الزملاء الذين يعملون معه في الفرقة، أوعزوا له بفكرة قد يكون فيها حل لمشاكله المادية، وهي أن يلعب في {سباق الخيل} فمنهم من يربح يومياً جنيهين وثلاثة جنيهات، وربما يضرب حظه ويكسب الجائزة الكبرى.
الجمهور يهتف باسمه
حظ ياسين العاثر جعله يخسر وظل يخسر، بل إنه لم يربح أبداً، ما زاد من تراكم الديون عليه، لكنه في الوقت نفسه كان يكسب فنياً، وكانت الجماهير تأتي كي تشاهده وتسمعه، وتشكّل لأول مرة جمهور حقيقي يأتي خصيصاً للاستمتاع بفن إسماعيل ياسين.
وحدث ذات مرة أن كان عصبي المزاج بعد أن خسر في السباق كل ما كان في جيبه، وقبل أن يبدأ فقرته راح {عازف القانون} يفاتحه في خطأ حدث بالأمس أثناء فقرته، ولم يتحمل ياسين أن يحدثه الرجل في ذلك الأمر، وفوراً دخل معه في معركة كلامية على المسرح أمام الجمهور، ولم يلحظ أن الأخير يضج بالضحك وسعيد جداً بوجوده، وما أن انتهى من وصلة {الشتائم}، حتى ترك المسرح غاضباً ودخل إلى الكواليس، وكانت المفاجأة التي لم يتوقعها أحد... ولا حتى ياسين نفسه: لأول مرة في حياته الجمهور يهتف له مطالباً بعودته:
- عاوزين سمعه...
- سمعه... سمعه...
- لأ... لأ عاوزين سمعه.
حاولت حورية محمد، بوصفها نجمة الفرقة الأولى، أن تهدئ الجمهور فخرجت بسرعة لتقدم إحدى رقصاتها الشهيرة التي كانت تنال الإعجاب كله قبل هذه الواقعة، فخرجت إلى الجمهور وهي تعتقد أنه بمجرد ظهورها على خشبة المسرح، سيصفق لها ولن يطالب بظهور ياسين أو عودته إلى خشبة المسرح، لكن العكس هو الذي حدث، فما كادت حورية تظهر حتى زاد ضجيج الجمهور وزادت مطالبته بأن يعود ياسين كي يكمل {نمرته}، وكاد الجمهور أن يحطم الكراسي، بل كاد أن يحطم التياترو!
كان ياسين بمجرد نزوله من على خشبة المسرح قد اتجه فوراً إلى حجرة تبديل الملابس، ولم يسمع أصوات الجماهير الغاضبة وهي تهتف باسمه وتطالب بعودته، وراح يخلع الملابس التي يظهر بها على المسرح.
كان قد انتهى من خلع ملابس المسرح وما زال بملابسه الداخلية، لكنه رأى ذراعين تمتدان من خلال الباب تحملان مسدساً، نظر وهو يرتعد ليرى أن من يحمل المسدس سيدة بدينة جداً يكفي أن تضربه بيدها لتقتله دونما حاجة إلى مسدس. وعرف أنها الست نرجس والدة صاحبة التياترو حورية محمد:
- مين!! إيه ده يا نهار أُسكت (يا نهار أسود) مسدس... يا عمتي!
- أنت بوظت نمرة بنتي... وما ينفعش معاك غير القتل.
ارتجف ياسين خوفاً
- وتقتليني ليه... أنا تحت أمرك اعملي اللي انت عاوزاه.
- أنا لازم أشرب من دمك وأكسر ضلوعك زي ما الجمهور كسر الصالة.
- وأنا مالي ياعم... قصدي يا عمتي.
- وأنت مالك إزاي؟ الجمهور عمل كده علشانك.
لم يصدق ياسين نفسه.
- علشاني أنا؟!
- أيوه. علشان كده تطلع الأول تخلص نمرتك، وبعدين تيجي أخلص أنا عليك.
- حاضر بس بشويش.
وأشهرت المسدس في وجهه.
- امشي اطلع...
- طب ألبس بس هدومي.
- على بال ما تلبس هدومك يكون الجمهور كسر الصالة اطلع كده!
وخشي ياسين أن تضربه بالمسدس، وفعلاً هرع إلى المسرح وهو يرتدي ملابسه الداخلية فحسب وعاد ليغني أمام الجمهور، وأكمل وصلته الغنائية، بل وغنى أكثر من مونولوغ، والجمهور يستزيده ويطلب منه الإعادة... فغنى كما لم يغن سابقاً. وعلى رغم هذا النجاح الكبير الذي حققه ولمسته كل من حورية محمد ووالدتها، إلا أن الست نرجس أمرت بطرده من العمل فور نزوله عن خشبة المسرح.
خرج ياسين من كازينو {مونت كارلو} في الإسكندرية خائباً، وحين ذهب إلى النزل طردته السيدة اليونانية، ولم يشفع عندها تدخل زوجها لإبقاء ياسين، كل ما فعلته أنها تركته يأخذ ملابسه ولم تحجزها إلى حين دفع الأجرة المتأخرة، فحمل أمتعته وخرج على غير هدى، لا يعرف إلى أين يذهب، والأهم عنده أن يبتعد بسرعة عن النزل والشارع بأكمله حتى يقع في أيدي المعلم علي القداح، صاحب المطعم، وكان المعلم قد عرف بطرده من فرقة حورية محمد.
وحدث ما كان يخشاه ياسين... فما كاد يخرج من باب النزل حتى وجد المعلم قداح في وجهه:
-على فين يا أبو السباع؟
- أبدا أنا كنت نازل أتمشى شوية على الكورنيش...
- تتمشى على الكورنيش بشنطة هدومك
- متخدش في بالك... أنا واخدها معايا علشان اعمل شوية رياضة وأنا ماشي. ما تيجي معايا.
يمسك المعلم حقيبة ياسين بيد... ويسحبه باليد الأخرى:
- لا... أنت اللي هتيجي معايا.
لم يكن في جيب ياسين آنذاك سوى بضعة قروش، حاول أن يعطيها للمعلم {قداح}، لكنه لم يقنع بها، ولوح له بأنه قد يأخذ بقية نقوده بـ {السكين}، وارتعب ياسين، وعرض عليه أن يترك لديه حقيبة ملابسه وكان فيها الطقم {السموكنغ} الذي يقدم فيه نمرته على خشبة المسرح إلى حين إحضار بقية النقود.
وللمرة الثانية ينقذه صديقه زوج صاحبة النزل، إذ ذهب إليه ياسين واقترض منه مبلغاً، دفع منه بقية حساب المعلم قداح، وحجز تذكرة في القطار المتجه إلى القاهرة.
كازينو بديعة
عاد ياسين إلى القاهرة مجدداً، وفور وصوله استأجر غرفة في أحد {بانسيونات} شارع عماد الدين، ولم ينتظر أن يرتاح من عناء السفر، وضع حقيبته في الحجرة، وخرج في اليوم نفسه يبحث عن عمل.
قبل خروجه علم من أحد جيرانه في النزل، وكان معظمهم من الفنانين والفنانات، أن بديعة مصابني تستعد لافتتاح الموسم الشتوي، وأنها تبحث عن فنانين جدد، فتوجه فوراً إلى صالتها، وما إن وصل حتى وجدها تجلس أمام باب {التياترو} تدخن {النارجيلة}. رفعت عيناها فوجدته يقف متردداً أمامها:
- أنت مين، وعايز إيه؟
- محسوبك المونولوغيست إسماعيل ياسين يا ست!
- عمري ما سمعت بيك. مش مهم، المهم عاوز إيه؟
- عاوز اشتغل... أنا مونولوغيست كويس.
- مش أنت اللي تحكم. أسمعك في الأول. معاك نوتة موسيقية؟
أخرج النوتة من جيبه، أخذتها، وأعطتها إلى عازف البيانو... ودخلت مع ياسين إلى الملهى وطلبت منه أن يغني أمامها. غنى ياسين، وهزت بديعة رأسها فقد وجدت فيه فناناً جيداً، نادت ابن شقيقها أنطوان عيسى الذي كان مدير صالتها:
- يا أنطون.
- نعم يا ست الكل.
- امضي مع أخينا ده... قولتلي اسمك إيه.
- (وعيناه تلمعان) إسماعيل ياسين.
- امض معاه عقد.
- (صمتت لحظة) امضي معاه عقد بتمانيه جنيه في الشهر.
وظهر ياسين على مسرح كازينو بديعة مصابني، ومنذ أول يوم استقبله الجمهور بالإعجاب والتصفيق، وكان يلقي في كل ليلة خمسة مونولوغات وعلى رغم أن المونولوغيست الأكثر شهرة آنذاك سيد سليمان كان يعمل في الكازينو نفسه، إلا أن الناس أخذوا يعقدون مقارنات بينه وياسين وبدأ بعضهم يفضل هذا، وبعضهم ذاك، ما يعني أن ياسين بدأ يحقق وجوده بشكل قوي ويفرض نفسه على الجميع.
كان من المفترض أن يكون هذا النجاح موضع تقدير مدير الملهى أنطوان عيسى، لكن لم يمر أسبوع حتى فوجئ ياسين بأنطوان يقول له:
- الست بديعة مبسوطة منك كتير قوى. بس ظروف الفرقة متقدرش دلوقت تتحمل مرتبك الكبير.
- وهو تمانيه جنيه مرتب كبير قوي؟!
- إيه مش عاجبينك.
- عاجبني يا سيدي أنا اتكلمت.
- آه بحسب... علشان كده الست بتقولك ريح شويه اليومين دول.
- مش فاهم.
- من الآخر مستغنية عن خدماتك.
مجدداً، تساقطت دموع الألم من عيني ياسين، فحين لمع اسمه وأصبح منافساً لأخطر مونولوغيست في ذلك الوقت تم الاستغناء عن خدماته، وعاد إلى الشارع ليبحث عن لقمة العيش!
رحلة إلى الشام
في الليلة نفسها التي خرج فيها باكياً من كازينو بديعة، وما كاد يعود إلى غرفته في النزل وهو يضرب أخماساً بأسداس، حتى فوجئ بمن ينتظره في الصالة:
- أستاذ إسماعيل ياسين.
- أستاذ؟ الله يجبر بخاطرك.
- أنا جاي من طرف الأستاذ أمين عطا الله، وهو عاوز يقابلك فوراً.
وكان أمين عطا الله آنذاك أحد أشهر نجوم الكوميديا وأصحاب الفرق المسرحية، وكان يشكّل فرقة جديدة لتسافر معه للعمل في لبنان.
- أهلين أستاذ إسماعيل... من دون مقدمات نحنا بنكون فرقة مسرحية جديدة من شان تروح ع الشام بتقدم رواياتها ببيروت. شو رأيك؟
- ودي عايزه رأي... موافق طبعاً يا أستاذ.
- الله بيبارك، وقع العقد.
وخلال أيام كان ياسين في أول باخرة متجهة إلى بيروت.
الموضوع الأصلى : سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة  المصدر : قيثارة الغناء العربى
توقيع العضو: نور الحياة شاكر
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
نور الحياة شاكر
المشرف العام
المشرف العام
نور الحياة شاكر

الدولة : سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 Female73
انثى
عدد الرسائل : 51922
تاريخ التسجيل : 08/12/2007
المزاج : سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 710
بطاقة عضوية : سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 Ou_oa10

سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة   سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة - صفحة 6 71831510الثلاثاء 23 نوفمبر 2010 - 21:34

***الصيت ولا الغنى

لم يكد إسماعيل ياسين يحط رحاله في بيروت حتى تعرض لتجربة قاسية، فقد حدث أن تاه عن الفرقة، وهو يعرف اسم النزل، لكن لايعرف مكانه، وعلى رغم ترحاله من مكان إلى آخر منذ طفولته، إلا أنه شعر لأول مرة بالغربة والخوف... وسيطر عليه الجوع، فاتجه إلى أقرب نزل ووضع فيه حقائبه موقتاً، وقصد أقرب مطعم ليأكل أولاً، ثم يبحث عن الفرقة.
طلب ياسين الـ{مشاوي} وكل ما لذ وطاب من أنواع الأسماك الطازجة، وحين فرغ من طعامه نادى النادل:
- الحساب كام من فضلك!
- تلات ليرات سيدي... تكرم عينك.
كانت الثلاث ليرات توازي في ذلك الوقت 60 قرشاً مصرياً، ولم يكن في جيب ياسين سوى 15 قرشاً، كان يعتقد أنها تكفي للحساب والبقشيش أيضاً. أخذ يفكر في مخرج من الورطة ويفتش في جيبيه مراراً، لكن من دون جدوى، فقد كان يعرف جيداً أنه لا يملك سوى هذا المبلغ.
فكر في أن يطلق ساقيه للريح، لكن أدرك صعوبة ذلك لأن عدداً من الموظفين كان قد التف حوله. حتى لو هرب، فإلى أين؟ فهو لا يعرف مكاناً في بيروت ولا شارعاً. لذلك لم يجد مجالاً سوى أن يقول للنادل:
- ما معيش إلا 15 قرش مصري إيه رأيك؟
- شو خمستعشر قرش؟!! العمى... ما بتفهم بقولك تلات ليرات.
أمسكه النادل من يديه واستدعى صاحب المطعم الذي ما كاد يعرف الحكاية حتى قبض على رقبة ياسين وبدأ يصرخ فيه:
- بتعرف تملا كرشك... بس ما بتعرف تدفع مصاري؟
وانهال على وجه ياسين بصفعة قوية، أتبعها بركلة، وحذره من أن يرى وجهه بعد ذلك في بيروت كلها. هرع ياسين إلى النزل وأخذ حقائبه، وراح يسأل عن نزل {أم إلياس} حيث نزلت الفرقة، واستطاع بعد بحث استغرق اليوم كله أن يصل إليه، وما إن دخل حتى قال لأمين عطا الله إنه يود العودة إلى مصر...
أخذ أمين عطا الله يهدئ من روعه بعد أن استمع إلى ما حدث له، وأفهمه أن الفرقة تسير على نظام معين، ولا تنزل إلا في نزل {أم إلياس} ولا تأكل إلا في مطعم {أبو عفيف} في ساحة البرج، ثم راح يطيب خاطره، وتدخلت بقية أعضاء الفرقة، حتى هدأت نفس ياسين ووافق على أن يبقى في بيروت.
مسارح بيروت
كانت الحركة المسرحيّة في بيروت أثناء الانتداب الفرنسي تأخذ أشكالاً ومظاهر متنوعة، ذلك على رغم استمرار عرض مسرحيات كركوز وعيواظ في مسرح {خيال الظل} في بعض المقاهي، وفي شهر رمضان، كان ينتشر هذا النوع في المقاهي مثل {القزاز} في ساحة البرج و{البسطة} و{السور}، وغيرها، فضلاً عن المسارح الصغيرة التي كانت موجودة بالكازينوهات، وكان يطلق عليها أيضاً اسم {تياترو}.
في خضم الأحداث السياسيّة التي شهدتها بيروت والمنطقة العربيّة آنذاك، تصاعدت الرغبة في التحرر، بحسب الاتجاه الذي نشره الشيخ سيد درويش في مصر، وبتكرار سفرها إلى الشام أدركت الفرق المسرحية المصرية تقدير جمهور بيروت الفن المسرحي الراقي، فكانت العاصمة محطة لا بدّ منها بالنسبة إلى تلك الفرق، فقدمت فيها أقوى مسرحياتها وأشهرها، وسبقت فرقة أمين عطا الله فرقة جورج أبيض التي قدمت على مسرح الكريستال ومسرح زهرة سورية مسرحياتها الشهيرة: {لويس الحادي عشر، الحاكم بأمر الله، المرسيلية الحسناء، مضحك الملك، البطل عطيل} وغيرها من المسرحيات.
ثم تلتها فرق عدة في مقدمها فرقة الأخوين {سليم وأمين عطا الله}، وسبقتها في العشرينات من القرن العشرين فرقة نجيب الريحاني وعزيز عيد، إحدى أشهر الفرق الهزلية آنذاك، وعقد الأخوان عطا الله معها اتفاقاً وقدما فرقة باسم {جوقة كشكش بك} التي لقيت إقبالاً كبيراً، وقدمت أعمالاً ناجحة مثل مسرحية الملك كشكش في مسرح {زهرة سورية}، وكان يتخلل برنامجها فواصل غنائية، كذلك خصصت بعض الحفلات للتلامذة.
وقدمت {الجوقة} روايات هزلية عدة، أبرزها: {كشكش بك في الاستحكامات، مدرسة الغرام، أبو شادوف، كشكش أمام المجانين، روميو وجولييت، شد حيلك، رن، يا أحلاهم، يا ما انت واحشني} وغيرها.
كذلك عرفت بيروت فرقاً أخرى للتمثيل، من بينها {إخوان عكاشة} لصاحبها زكي عكاشة وشركاه، التي قدمت مسرحيات عدة على مسرح الكريستال الذي شهد عروضاً لفرق أخرى عدة مثل {علي الكسّار} وغيرها قبل أن يعود أمين عطا الله في عام 1936 بفرقة جديدة اصطحب فيها لأول مرة المونولوغيست الناشئ إسماعيل ياسين، وضمت الفرقة إلى جانبه عدداً من الفنانين المشهورين مثل إبراهيم حمودة وحسن سلامة وفتحية محمود وماري جورج...
كان الاتفاق بين أمين عطا الله وأعضاء الفرقة الذين جاء بهم من مصر أن يتكفّل عطا الله بكل شيء خاص بالفرقة منذ لحظة مغادرتها مصر حتى وصولها إلى بيروت، من مأكل وملبس ونوم، فضلاً عن الراتب الذي سيدفعه لكل منهم في نهاية كل شهر طالما أن الفرقة مستمرة في عروضها.
قدمت الفرقة عروضها على كازينوهات بيروت ومسارحها، وكانت تلقى نجاحاً كبيراً، وذاع صيتها في بيروت كلها، ومن خلال العروض أصبح ياسين {فاكهة الفرقة}، فقد استطاع أن يثبت ذاته ويحقق نجاحاً لافتاً.
النجاح بلا ثمن
على رغم النجاحات كافة التي حققتها الفرقة، وعلى رغم إحساس عطا الله بأهمية ياسين تحديداً، إلا أنه لم يكن يدفع له ولا لأحد من الأعضاء راتبه طيلة شهرين كاملين، وكلما سأله ياسين أو أحد الأعضاء عن راتبه قال:
- والله الفرقة عم بتخسر و{المصاري} ما بتكفي. بانسيون وأكل ومناظر وملابس.
- بتخسر إزاي وإحنا مش ملاحقين على العروض.
- إيه بعرف، لكن المصاريف أكتر.
- طب شوف أي مبلغ احنا بقالنا شهرين على ده الحال.
- بيسويها الله.
لم تفلح جهود ياسين الملحة في الحصول ولو على جزء من أجره، لذلك صمم ذات يوم أن يحرج عطا الله ويأخذ منه راتب الشهرين، وإلا لن يستمر بعد اليوم في الفرقة وسيعود إلى مصر، ولأنه يعرف أن التهديدات لم تعد تفلح معه، ينتهي الأمر بأن يخجل ياسين من كلام أمين عطا الله الجميل الذي يجعل من يتحدث إليه يعطيه نقوداً بدلاً من أن يأخذ منه، فقرر أن يقوم بحيلة تزيح عنه هذا الخجل، وفي الوقت نفسه تكون ورقة ضغط قوية على أمين من دون خجل.
دخل ياسين إلى أحد الملاهي الليلية في بيروت، وراح يفرط في الشرب حتى أصبح ثملاً تماماً، وعاد إلى المسرح وهو يترنح يميناً وشمالاً واقترب من عطا الله:
- اسمع يا أستاذ أمين لو مدفعتليش مرتب الشهرين دلوقت هسافر مصر فوراً. يا الدفع يا السفر... مفيش تالت.
- هيك.. هيك بيكون الحكي.
- مفيش غير هيك حكي.
- لكن ما بيصير ها الحكي، بتخلص نمرتك عالمسرح وبعدين بنحكي.
- مفيش نمرة، وكمان مفيش مسرح، يا الدفع يا السفر.
وحاول عطا الله أن يهدئه ويعده مجدداً، لكن ياسين صرخ:
- مش عايز أسمع أي كلام... وكمان علشان تبقى عارف أول ما أنزل مصر هفضحك في كل حتة، وانك بتاخد الفرق لبيروت وما بتدفعش لهم أي فلوس، وابقى قابلني لو فنان سافر معاك بعد كده.
بدأ عطا الله يضطرب، واضطرب أكثر حين قال ياسين:
- علشان تبقى عارف أنا مش هسافر مصر لوحدي. أيوه كلنا مع بعض، يعني مش هيفضل معاك ولا واحد من الفرقة.
شعر عطا الله بالحرج والخوف في الوقت نفسه، ولم يعد يتحمل ضغوط ياسين أكثر من ذلك، فقد أدرك أنه جاد هذه المرة، وخاف أن يفعل ما هدد به وهو في هذه الحالة من السُكر، وأن يفعل ما قاله فأخرج من جيبه فوراً راتب شهرين وأعطاه لياسين، في مقابل أن يستمر في عمله مع الفرقة ولا يسافر، لا سيما أن ياسين كان ناجحاً جداً في عمله مع الفرقة، بل أصبح أحد أهم أعضائها، لكنه لم يقنع بأن يتقاضى وحده راتبه من دون بقية أعضاء الفرقة وهدد بأن يسافروا معه إلى مصر، واعترض أمين على ذلك، مؤكداً لياسين أنه سيتناقش في الأمر معهم، فرفض ياسين وأصر على موقفه، فما كان من عطا الله إلا أن رضخ لضغوط ياسين مجدداً، وعلى مضض وافق أن يعطي أعضاء الفرقة دفعة من الراتب {تحت الحساب} إلى حين تسوية الحسابات... هكذا وافق ياسين على هذا الحل، وقرر الصعود إلى خشبة المسرح.
طعم الشهرة
كان ياسين قد كسب في ذلك الوقت جمهوراً كبيراً، وأصبح مشهوراً في بيروت تماماً، ما أثار بعض الحقد والغيرة بينه وزملائه في الفرقة، من بينهم المونولوغيست فتحية محمود التي شعرت بضيق من النجاحات التي يحققها ياسين بشكل متواصل، ومن إلحاح الجمهور عليه، فهجمت عليه ذات مرة، ووقف ياسين صامتاً يتلقى الشتائم واللعنات، بل وتطاولها عليه بالأيدي، ولم يرفع صوته ولا يده ليرد لها الإهانة، فمنذ أن شاهد والدته المسكينة الراحلة وهي تتلقى صنوف العذاب من والده من ضرب وإهانة، وقد أقسم ألا يمد يده على امرأة قط مهما فعلت، وكان رد فعله الوحيد أنه استاء من تصرفاتها هذه، وبدأ يجمع أغراضه مصرّاً على العودة إلى مصر، إلا أن عطا الله تدخل فوراً، وما كان منه إرضاء لياسين إلا أن طلب من فتحية أن تترك الفرقة وتعود إلى القاهرة مستغنياً عن دورها، لكن شهامة ياسين أبت ألا يترك أمين يفعل بها ذلك، ورفض ذلك رفضاً قاطعا، قائلاً إنهم جميعاً أتوا معاً من مصر، وسيرحلون جميعاً، مؤكداً أنه سيسافر قبلها إذا رحلت، وتأثرت فتحية من تصرف ياسين النبيل، واعترفت له بأنها أخطأت بحقه وأنها شعرت بالغيرة من النجاح السريع الذي حققه، وأن أعضاء الفرقة هم الذين شحنوها ضده.
بقدر ما أسعد ياسين أن يسمع أنه أصبح ناجحاً وأن نجاحه مؤثر إلى درجة أن يغار منه جميع أعضاء الفرقة، ومن بينهم من يسبقه بسنوات طويلة في هذا المجال، بقدر ما أحزنه أن يكون هذا موقف زملائه منه.
قسوة حلب
استمرت الفرقة في عملها مدة أربعة أشهر، زارت خلالها معظم مدن لبنان وسورية مثل طرابلس ودمشق واللاذقية، وأقامت بعض الحفلات في زحلة وصيدا... حتى انتهى عقدها وعادأعضاؤها إلى القاهرة، باستثناء ياسين الوحيد الذي لم يعد مع الفرقة، لأنه كان قد اتفق مع صاحب ملهى {الباريزيانا} في بيروت على أن يعمل لديه في مقابل أجر كبير.
مرت أيام عدة وياسين يحقق نجاحات جديدة في عمله، وفيما كان عائداً في أحد الأيام إلى نزل {أم الياس} وجد شخصاً يقدّم له نفسه:
- محسوبك زكي الضاهر صاحب ملهى {اللونا بارك} في مدينة حلب.
- أهلاً وسهلاً... تشرفنا.
وقبل أن يتحدث الرجل في أي شيء، أخرج بسرعة عقداً من جيبه:
- اتفضل حبيبي وقع هون.
- أوقع على إيه، مش أعرف الأول إيه الحكاية.
- وقع حبيبي وقع، انت الست أم إسماعيل والدتك دعت لك.
- أنا عارف، بس أوقع على إيه؟!
- هايدا عقد للعمل في الملهى تبعي. تفضل شوف.
بمجرد أن نظر ياسين في العقد وجد أن أجره فيه أربعة أضعاف الأجر الذي يتقاضاه في بيروت، لم يتردد فوقع العقد، وطلب مهلة مدة أسبوع لإنهاء تعاقده مع أصحاب ملهى {الباريزيانا} وتصفية موقفه وحساباته، وما إن انتهى الأسبوع حتى غادر بيروت فوراً إلى مدينة حلب، لينزل هناك في نزل تملكه سيدة عجوز تدعى آيلين.
في حلب ارتاحت نفس ياسين، فالمرتب كبير، والملهى رائع فيه حديقة كبيرة وأشجار وثريات كهربائية وموائد نظيفة. ودعاه صاحب الملهى قبل أيام من عمله إلى سهرة فيه، وقدمه إلى مطربة صغيرة كانت تعمل عنده ووصفها بصاحبة الصوت الذهبي وكان اسمها الكسندرا بدران التي أصبحت في ما بعد الفنانة المطربة نور الهدى.
اهتم الضاهر بياسين اهتماماً كبيراً، وأعد له دعاية شملت حلب كلها، وكتب اسم المونولوغيست المصري إسماعيل ياسين على مدخل {اللونا بارك} بالأضواء ووضعت صورة كبيرة له على باب الملهى.
يوم الافتتاح، امتلأت الحديقة الكبيرة التي تشبه ملعب كرة القدم بالجمهور، وكان الجميع ينتظر ظهور النجم المصري الكبير. وكان ياسين في عز زهوه وهو يشاهد هذه الجماهير الغفيرة وحين أطل على المسرح دوى التصفيق هادراً، وسمع ياسين الهتافات باسمه وبكى من شدة التأثر بدموع حقيقية وهو ينحني مرات ومرات أمام الجمهور الكبير وتطلع إلى الكواليس ليجد ضاهر وهو في غاية السعادة وسمع صوته وهو يقول له:
- مبروك يا اسماعيل، ألف مبروك... هايل.
وعندما هدأت عاصفة التصفيق وبدأت الموسيقى تعزف، ألقى إسماعيل مونولوغه الأول... واختتم المونولوغ فلم يسمع تصفيق الجمهور، وتجرأ البعض فصفق بشكل فاتر جداً، وبدأ ياسين يشعر بقلبه يخفق بشدة، بل وبدأ يشعر بالدنيا تدور به، وأخذ العرق البارد يبلل جسمه، غير أنه تمالك نفسه، وواصل، واهتدى بسرعة إلى فكرة راودته علها تنقذه من الموقف الحرج، فألقى نكتة سريعة وساخنة، وتوقع أن تضج الصالة بالضحك، لكن شيئاً من هذا لم يحدث، والتفت فوراً إلى الفرقة الموسيقية وطلب منها أن تعزف المونولوغ الثاني وغناه، لكن الوضع لم يتغير، بل ربما سار نحو الأسوأ فلم يصفق له في هذه المرة حتى أولئك الذين صفقوا له في المونولوغ الأول...
كان ياسين في موقف لا يحسد عليه... فماذا فعل؟

****خيبةٌ في دمشق

كاد إسماعيل ياسين أن يصاب بسكتة قلبية بسبب عدم تجاوب جمهور حلب معه، وتمنى بينه وبين نفسه لو أن شيئاً ما يحدث ويوقف البرنامج، لكن المعجزة لم تحدث هذه المرة، فاضطر الى إلقاء المونولوج الثالث والرابع فالخامس، ذلك كله فيما كان الجمهور منشغلاً تماماً عنه يتبادل الأحاديث وكأنه لا يرى ولا يسمع، ولا يشعر بوجوده!!
أُسدل الستار في نهاية وصلته وخرج إسماعيل سريعاً إلى الكواليس حاملاً همّ الدنيا، وجلس في غرفته يحدّث نفسه ويعيد شريط ما جرى أمام عينيه:
- ماذا حدث؟ مؤكد فيه شيء غلط!
- ماذا يريد جمهور حلب؟ لقد استقبلني في البداية أحسن استقبال عرفته في حياتي لدرجة أنني بكيت من التأثر، فلماذا لم يُعجب بفني؟
لم يجرؤ أحد من الملهى على الاقتراب من غرفة إسماعيل حتى أنه غادرها من دون أن يتحدث الى أحد. لم يجد إجابات عن هذه الأسئلة كلها، وظل متأثراً حتى صباح اليوم التالي عندما عرف حقيقة ما جرى في الليلة السابقة، وهي أن جمهور حلب يحب الطرب أكثر من المونولوج وأنه جمهور {سميعة} أكثر منه جمهور ضاحك، وأنه لم يفهم شيئاً من النكات التي كانت سريعة جداً على رغم سخونتها وخفة دمها، لذا كان من العبث أن يستمر إسماعيل في العمل في هذا الملهى، أو في حلب بأكملها، خصوصاً أنه أمضى خمسة أيام، وكان في كل يوم يفاجأ بأن جمهور الصالة يغادر أماكنه بمجرد الإعلان عن نمرة المونولوجيست المصري إسماعيل ياسين، بل ويبدأ الكثيرون يقاطعون مونولوجاته بألفاظ تضج بالسخرية أو يشتمونه علناً، فيضطر صاحب المسرح الى تعليق لافتة كتب عليها {ممنوع التحدث مع الممثلين أو شتمهم} وعلى رغم ذلك وقف أحد المتفرجين ذات ليلة وصرخ بأعلى صوته حين كان إسماعيل على المسرح.
- يا إسماعيل ياسين هات واحدة ست معاك لأنك بايخ لوحدك.
فردّ عليه إسماعيل بكل تهذيب:
- حاضر... حاجيب بكرة واحدة ست معايا!
غادر اسماعيل المسرح آنذاك إلى بانسيون {إيلين} وهو يكاد ينفجر بالبكاء، بسبب هذا الإحساس القاتل بالفشل الذريع، وراح يفكر بأنه لا بد من أن يفعل شيئاً، ولكن من دون جدوى:
- مفيش فايدة هو ده جمهور حلب هتعمل إيه يا سمعه مش هتقدر تغيّره.
- بس لازم اعمل حاجة مش ممكن الفشل ده.
- بس هتعمل إيه؟ ما ينفعش حاجة تتعمل.
- والناس أصحاب الكازينو ذنبهم إيه؟
- يبقى مفيش حل غير إني أفسخ العقد وارجع مصر.
- هو ده الحل افسخ العقد وارجع مصر، ومش بس كده أنا لازم أسيب موضوع المونولوجات كمان وأشوف سكّة تانية.
كان هذا ما استقر عليه إسماعيل. ولولا الوقت المتأخّر لكان ذهب إلى صاحب الملهى وقدم له اعتذاره عن عدم الاستمرار في الفرقة. فما اتخذه من قرار لن يتراجع عنه. وكأنه يريد أن يكتب شهادة وفاته قبل أن يستمتع بميلاده. وقرر إسماعيل أن ينام على أن ينفذ ما اهتدى إليه صباحاً.
مرارة الفشل
كانت هذه هي المرة الأولى التي يكتشف فيها إسماعيل أن ثمة نوعيات وأذواقاً مختلفة من الجمهور، وأن ما يصلح لجمهور القاهرة أو بيروت قد لا يصلح لجمهور حلب، وقد يكون العكس.
فما كاد ينتهي من حديثه مع نفسه والتفكير في أزمة تخلّي الجمهور عنه، وفي اتخاذ أهم قرار في حياته بتغيير مساره، دق باب غرفته في {البنسيون} فاستغرب اسماعيل من هذا الذي يأتيه في هذا الوقت المتأخر جداً، أو على الأصح الوقت المبكر جداً، فلم يبق سوى دقائق على الفجر:
- مين؟
- أنا... أنا أبو جورج
وكان أبو جورج والد المطربة ألكسندرا بدران أو {نور الهدى'.
- أتفضل أهلا وسهلا أبو جورج.
دخل أبو جورج ووجد إسماعيل نفسه يرتمي على صدره ويشكو له المحنة، التي تعرض ويتعرض لها ثم سأله عن أسباب زيارته له، في هذه الساعة، وعما إذا كان السبب يعود إلى أن صاحب الملهى أرسله لكي يبلغه بالاستغناء عن خدماته. فهو اتخذ القرار من تلقاء نفسه:
- شوف يا أستاذ إسماعيل انت فنان كبير مهما حصل... والأستاذ زكي ضاهر فنان مثلك أيضاً، وهو يعتذر منك جداً عما لاقيته من الجمهور ولا يعرف كيف يعلل ذلك، ويتوقع لك نجاحاً كبيراً وعظيماً، أما ما شاهدته من جمهور حلب فبسيطة، فهو لا يرحم الفنان الذي لا يعجبه.
- وانت شايف إيه الحل يا أبو جورج.
- رأيي إنك تترك حلب، وتعود للعمل في المدن التي لاقيت بها نجاحاً.
أخذ إسماعيل بهذا الرأي وهو في غاية الحزن من لوعة السقوط الشنيع الذي لم يواجهه بهذا الشكل في حياته الفنية التي كانت لا تزال قصيرة.
في صباح اليوم التالي التقى إسماعيل بأبو جورج وكان زكي الضاهر في انتظارهما في أحد المقاهي القريبة من {البنسيون}، وفي الجلسة تم الاتفاق على أن يسافر إسماعيل في اليوم نفسه، بل وأظهر استعداده لإعادة باقي الأجر الذي لم يعمل به إلى صاحب الملهى، لكن الضاهر رفض ذلك رفضاً قاطعاً وقدم له تذكرة سفر إلى القاهرة في الباخرة عن طريق بيروت وقال له:
- أنا واثق أنك ستعود إلى حلب ذات يوم، ولكنك ستنجح وتسجل نصراً كبيراً. لا تجعل ما حدث يؤثر عليك أو على مسيرتك. أكمل ما أنت ماض فيه. فأنا بخبرتي أتنبأ أن تصبح في وقت قريب من أهم الفنانين العرب وأكبرهم.
- كتر خيرك أنك بتجبر بخاطري. عموماً أنا متشكر لك ولكل الناس هنا.
- هذا مو جبران خاطر ولا قراءة طالع، هذه يا ولدي خبرة سنين.
ودعاه الضاهر اسماعيل إلى غداء أعده له ولجميع أفراد الفرقة الموسيقية والفنانين الذين يعملون معه، وليحفظ ماء وجهه فاجأه أمام الجميع:
- يا جماعة الخير نحن كان يشرفنا أن يستمر الأستاذ إسماعيل معنا هون فهو فنان كبير ونحن نتشرف أن يكون وسطنا. لكن ما باليد حيلة الأستاذ مضطر لأن يعود إلى القاهرة بعد أن وصلته أخبار سيئة تقول إن والده في حالة صحية خطرة.
اندهش إسماعيل من نبل أخلاق الرجل ولياقته وتصرفه الذي لا يصدر إلا عن فنان حقيقي يقدر إحساس الفنان ومشاعره وما قد يصيبه بسبب واقعة صادمة كتلك التي حدثت معه في حلب. كذلك تعامل الضاهر مع اسماعيل باعتباره واحداً من كبار نجوم ذلك العصر. وعاد إسماعيل ياسين إلى مصر.
طوق النجاة
لا شك في أن ما حدث في حلب ترك أثراً سيئاً في نفس إسماعيل، توقع أن يعيده خطوات الى الخلف، وإن كان تصرف الضاهر محا بعض آثاره، غير أن إسماعيل لم ينس أبداً هذا الموقف الإنساني المشجّع له، كما لم ينس لحظات الفشل القاسية التي واجهته بعدما كاد أن يضع قدمه على سلم النجاح.
ولكن على عكس ما توقع، فما كاد إسماعيل يحط رحاله في القاهرة حتى وجد في انتظاره عقداً للعمل في صالة {ببا عز الدين}، التي كانت أصبحت واحدة من أشهر راقصات الثلاثينيات، ومنافسة قوية للراقصة بديعة مصابني وفرقتها.
كان عقد ببا عز الدين بمثابة طوق النجاة لانتشال إسماعيل ياسين من صدمة حلب، وسرعان ما انتظم في العمل مع الفرقة التي كانت تضم أيضاً المونولوجيست حسين المليجي والمونولوجست حسين إبراهيم، وكانا آنذاك من نجوم المونولوج في مصر، بل إن شهرتهما كانت تفوق شهرة إسماعيل ياسين كثيراً، غير أن براعة الأخير وما كان يحققه من نجاحات جعلته يقترب منهما ويصبح على قدم المساواة معهما، فنشأت صداقة طيبة بينه وبينهما، إذ كان الثلاثة لا يفترقون أبداً.
أدت هذه الصداقة الى أن يتزامل معهما حتى في الذهاب إلى ميدان سباق الخيل حين عرف أنهما من رواده، وتذكر إسماعيل أن بينه وبين هذا الميدان ثأراً وعليه أن يأخذه، وأنه خسر أموالاً كثيرة في ميدان سباق الإسكندرية، ولا بد من أن يعوضها في ميدان سباق القاهرة، وكما يقول المثل: {ليس التعيس من يخسر بل الأتعس منه من يريد أن يعوض خسارته'. وهذا ما حدث تماماً.
في الميدان وضع إسماعيل خلال ساعات ثمانين جنيهاً هي كل ما كان يملك وما بقي معه من أجره في رحلة الشام، وهو مبلغ ضخم آنذاك، وأراد حسين المليجي أن يخفف عنه الكارثة، ويعوض بعض خسارته، فنظر إلى خاتم ذهبي كان في إصبعه وقال:
- عاوز تعوض كل خسارتك؟
- طبعا ودي عايزه كلام.
- ارهن الخاتم ده وعوض خسارتك.
راهن إسماعيل بثمن الخاتم على الشوط الأخير، فثمة حصان مضمون، لكن سوء الحظ لاحقه وذهب الرهان والخاتم، وخسر كل مدخراته ومكاسبه من رحلة الشام.
فرصة العمر
عاد إسماعيل ياسين يومها من ميدان السباق وهو لا يملك ثمن عشائه، وفي اليوم التالي أفاق وهو في غاية الحزن والجوع أيضاً، فذهب إلى صديقه محمود الناصح وطلب منه 50 قرشاً لكي يفطر بها، وخلال تناول إفطاره توقف فجأة قبل أن يصل إلى محل بائع الفول، فقد تذكر خسارته في السباق ورغبته الجامحة في أن يعوض تلك الخسارة.
بدأ يفكر:
- هل يأكل وينسى هذا الموضوع نهائيا؟ أم يذهب إلى السباق ويلعب فقد يعوّض خسارته؟
وفيما كان يفكر وجد قدماه تسوقانه إلى ميدان السباق. ابتسم له الحظ أخيراً، إذ استشار هذه المرة أحد المراهنين المحترفين ممن شاهدهم قبل ذلك بيوم واحد، والذي كتب له قائمة من الخيول يلعب على بعضها بالمبلغ الذي معه كله، ولم يكن يعرف أن كل ما يمتلكه إسماعيل خمسون قرشاً فقط، ففعل اسماعيل بما أشار به عليه المراهن، وكانت النتيجة في نهاية السباق أنه استطاع أن يحصل بقروشه الخمسين على مائتين وثلاثين جنيهاً.
وفوراً ذهب إسماعيل وهو يكاد يطير من شدة الفرح إلى المقهى الذي اعتاد أن يلتقي به أهل الفن، ووجد هناك محمود الناصح الذي كان استلف منه الخمسين قرشاً، فأعطاه جنيهاً كاملاً، ثم تذكر أنه لم يتناول إفطاره، وبدلاً من الذهاب إلى محل الفول والفلافل، اتجه إلى مطعم وحديقة {غروبي}، المكان المفضّل لجلوس الطبقة الأرستقراطية، وتناول فيه للمرة الأولى إفطاره مثل {أولاد الذوات} بعدها توجه إلى ضريح مسجد السيدة زينب وصلى أمامه وأقسم بأنه لن يقترب من ميدان سباق الخيل مجدداً مهما كانت الإغراءات، بل ولن يدخل في مراهنات من أي نوع كانت، بعد الخسائر التي مُني بها.
كان أول ما فعله إسماعيل ياسين بعد الثروة التي هبطت عليه من سباق الخيل، أن اعتذر عن العمل مع فرقة {ببا عز الدين}، لأنه لم يكن يشعر بالراحة في العمل معها، خصوصاً أن ببا كان متكبرة جداً.
عاش اسماعيل أسبوعاً من دون عمل، وأنفق خلاله بكرم وسخاء على اعتبار أنه أحد أبناء الطبقة الأرستقراطية، وقرر أن يذهب إلى كازينو بديعة مصابني للمرة الأولى باعتباره زبوناً وليس أحد العاملين لديها.
العودة إلى بديعة
آنذاك كان صيت الرحلات إلى الشام ينتشر في الوسط الفني، كالنار في الهشيم، ولا تذهب فرقة أو تعود، إلا ويعرف الوسط كله ما حدث لها من نجاحات أو إخفاقات، وكانت النجاحات التي حققها إسماعيل ياسين في بيروت على كل شفة ولسان.
لم يكن يخفى أمر على الراقصة بديعة، وتحديداً ما حدث في بيروت، وقد وصل إليها صيت المونولوجيست إسماعيل ياسين، وما حققه هناك من نجاحات، وعرفت أنه ذلك المونولوجست الذي كان يعمل لديها وطردته يوماً.
وما إن دخل إسماعيل ياسين إلى كازينو بديعة كزبون، حتى لمحته بديعة، فتوجهت إليه فوراً فتكرر المشهد الأول ولكن بشكل مغاير. فهذه المرة ذهبت بديعة بنفسها إلى إسماعيل ياسين في المكان الذي يجلس هو فيه، ووقفت أمامه:
- منوّر الكازينو يا سي إسماعيل.
- الست بديعة إيه الشرف الكبير ده أقدر أتجرأ وأقولك اتفضلي ولا أكون أتجاوزت حدودي.
فضحكت وجلست:
- أنا هتفضل لأني عايزاك.
- وأنا موافق.
- مش لما تعرف موافق على إيه.
- أي حاجة تقول عليها الست بديعة أنا موافق عليها من غير كلام.
- خلاص... يبقى تنزل الصالة من بكره.
- اعتبريني نزلت من إمبارح يا سلطانة.
بدأ إسماعيل ياسين عمله بمونولوج جديد، ثم أتبعه بمجموعة من مونولوجاته القديمة والتي شاعت آنذاك، وكان منها: {لو عندي أوتومبيل} و'السينما} و'أحب أغني} و'البريفية} وكانت هذه المنولوجات جديدة، كلمات وأداءً وألحاناً، لذا كان لها صدى واسع، وأثر كبير في شهرة إسماعيل ياسين، ليتوالى نجاحه باستمرار لدى بديعة مصابني التي تمسكت به هذه المرة.
رحلة إلى السودان
على رغم النجاحات كلها والشهرة، لم يكن إسماعيل ياسين راضياً ومستقر النفس وهادئ البال، فأصبح يضيق بالوحدة التي يعيش فيها ويشعر بأنه في حاجة إلى من يشاركه حياته، فقد اقترب من سن الثلاثين، وإلى زوجة يستريح معها من عناء الرحلة ويبني عائلة، ليس فحسب ليشعر بأنه يجاهد من أجلها، ولكن لأنه حُرم من العيش في كنف أسرة تحتضنه، فمنذ رحيل والدته وهو لا يزال طفلاً دون الخامسة، لم يشعر يوماً بأن له أسرة.
آنذاك عرضت عليه بديعة السفر مع فرقتها في رحلة إلى السودان، فوافق بلا تردد، وذهبت الفرقة فعلاً إلى السودان، وفي الخرطوم أحيت أولى حفلاتها في النادي السوري ونجحت نجاحاً كبيراً، ودوى اسم إسماعيل ياسين، ولكن هذا النجاح أدى إلى نتيجة عكسية بالنسبة الى باقي عروض الفرقة فقد اعتبر السودانيون أن إقامة حفلتها الأولى في ذلك النادي يمثل عدم لياقة منها وكانت النتيجة أنهم قاطعوا حفلاتها ووصل غضبهم إلى حد أن بعضهم كان يقف أمام باب المسرح الذي تعمل عليه الفرقة ويعتدي على كل شخص يدخل من الجمهور.
بدأت الفرقة تخسر مادياً، فنصحها البعض بأن تغادر الخرطوم، فسافرت فعلاً إلى منطقة النيل الأبيض حيث استطاعت تعويض بعض خسائرها، بل وحققت ربحاً قبل أن تعود إلى القاهرة.
الموضوع الأصلى : سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة  المصدر : قيثارة الغناء العربى
توقيع العضو: نور الحياة شاكر
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 

سماعيل ياسين..وحياته المليئة بالدموع الحلقة

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة 

 مواضيع مماثلة

+
صفحة 6 من اصل 8انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2, 3, 4, 5, 6, 7, 8  الصفحة التالية

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى شادية دلوعة الشاشة العربية :: ذكريات زمن الفن الجميل :: ممثلى وممثلات ومخرجى زمن الفن الجميل-
انتقل الى: