- *****
تعرض للضرب بسبب اتهامه بالاقتباس وشيخ أنقذه من البوليس
* شاب غني عيّنه سكيرتيراً له ومرفّهاً عنه دأ الرجل يضرب اسماعيل ياسين، الذي كان نائماً في المقهى وهو يصرخ:
ـ هو ده اللي سرق طقم الشاي..
وجاء عدد من الناس، واشتركوا مع الرجل في الضرب، حتى أغمي على اسماعيل الذي لم يشفع له اغماؤه، بل اقتيد وسط مظاهرة إلى قسم الشرطة، وهو يسمع صراخ الناس:
ـ كده تسرق طقم الشاي يا حرامي!
كان اسماعيل يبكي، ويقسم بأن لا دخل له في الاقتباس، وأنه في عمره لم ير طقم الشاي، و.. أنا مش حرامي يا جماعة، وأنا غلبان!
ولكن الجميع صمّموا على اقتياده إلي مركز البوليس..
وبدأت المظاهرة صغيرة، وما لبثت أن كبرت، وانضم إليها أناس كثيرون أخذوا يشتركون في جذبه وصفعه، وشتمه، ويشهدون هم أيضاً على أنه هو الذي سرق طقم الشاي، واسماعيل يقول لهم:
ا جماعة حرام عليكم تشهدوا زور!
وفي الطريق إلي مركز البوليس، سقط مغشياً عليه من الضرب!
وتدخّل القدر لينقذ اسماعيل، حين ظهر في الطريق شيخ المسجد، الذي كان قد لمح ال***، وهو يهرب، فنظر إلى اسماعيل، ثم قال لمن تجمعوا حوله:
*إنه ليس *** طقم الشاي..
وتركه الجميع، وحين أفاق من إغمائه، وجد شيخ المسجد وحده أمامه، فارتمى على صدره، وروى له قصته، منذ غادر السويس، إلى القاهرة..
وقال له الشيخ: اسمع مني يا بني، عد إلي والدك في السويس!
واحنى اسماعيل رأسه، وقال: حاضر يا مولانا..
وسكت الشيخ قليلاً، ثم أخرج من جيبه جنيهاً وأعطاه له!
وذهب اسماعيل إلى محطة السكة الحديدية، وقطع التذكرة إلى السويس!
وحين بدا القطار يتحرك، هطلت دموعه، فقد شعر أن الدنيا بخير، وأن فيها أناساً طيبين، ولكنه شعر أيضاً بأنه فشل في أن يحقّق أحلامه، فشل في أن يتعلّم الموسيقى لكي يصبح مطرباً، ولا بدّ أن يطرد من ذهنه هذا الحلم، وأن يعود لكي يشارك والده العمل!
وحين وصل اسماعيل، وجد والده في حالة يرثى لها..
كان يرتدي ملابس رثة، وقد تدهورت صحته..
وتصادف أن كان أحد الشبان من أعيان السويس يمر في تلك اللحظة، وشاهد اسماعيل ياسين يحتضن أباه ويبكي فسأله عن سبب ذلك!
وكان هذا السؤال سبباً في تغيير حياة اسماعيل ياسين تماماً!
فقد كان السائل من أسرة “قدري باشا” في السويس، وهي من الأسر الثرية، وحين عرف أن اسماعيل يبكي وضعه ووضع والده المسكين، أشفق عليه، ومنحه مبلغاً من المال، وطلب منه أن يزوره في القاهرة، حيث يقيم..
اطمأن اسماعيل بعد أن غيّر بعضاً من أوضاع والده بالمال الذي أخذه من الثري السويسي، وأعطاه ما تبقّى لديه من نقد، ولم يستَبْقِ سوى أجرة القطار، وقصد بعد ذلك إلى محطة سكة الحديد وعاد إلى القاهرة!
وتوجّه منذ وصل إلى قصر قدري باشا!
واستطاع بعد ساعات أن يكسب ثقة وإعجاب جميع من يسكنون القصر، من نساء ورجال، فقد دخل بظله الخفيف يروي لهم النكت، والحكايات الضاحكة، فسعدوا به، وبدأوا يعاملونه معاملة طيبة، وبعد أيام فقط، بات وكأنه أحد أفراد الأسرة!
وعيّنه الشاب الذي استدعاه: سكرتيراً خاصاً له، يأكل ويشرب وينام ويلبس على حسابه، بالإضافة إلى مرتّب يعطيه إياه في نهاية الشهر!
وكانت مهمة اسماعيل ياسين كسكرتير خاص لهذا الشاب تتمثّل أن يرافقه إلى كل مكان يذهب إليه، وأن يغني له في سهراته الخاصة، ويسامره في جلساته، ويروي له النكات التي تثير ضحكاته كلما تجهّم وجهه، أو غضب من شيء!
وفي ذلك الوقت، كانت أسعد أوقات اسماعيل ياسين هي تلك التي كان مخدومه يقضيها في المساء بين المسارح والكباريهات ودور السينما، وكان هذا يحدث كل يوم، فلم يكن عند هذا الشاب ما يشغله عن ساعات الحظ، فهو ابن ذوات، ومن الوارثين وذوي الأملاك!
وبدأ اسماعيل ياسين من خلال هذه السهرات، يشاهد مسارح وملاهي القاهرة، ويتعرف إلى نجوم المونولوج في القاهرة في تلك الأيام، أمثال: حسين المليجي، سيد سليمان، مصطفى صالح، حسين ابراهيم، وغيرهم، وبعد أن بدأ يحفظ مونولوجاتهم، عادت أحلام الفن تراوده، وفي ذلك الوقت كانت الأحلام تراوده لكي يصبح مطرباً مثل عبد الوهاب، ولكنه بعد السهرات والليالي الملاح بدأ يجد في نفسه ميلاً شديداً إلى المونولوج الفكاهي، وبات في كثير من جلساته مع مخدومه، يقلّد له هؤلاء الذين يقدّمون المونولوج في الملاهي، بل وبدأ يغري مخدومه بأن يسهر كل يوم في كازينو بديعة مصابني، حتى لا تفوته فرصة الاستماع إلى المونولوجست: سيّد سليمان، الذي كان من أشهر من يقولون المونولوج في ذلك الوقت!
***مجلة الموعد ...28_11_2009