(رمضان) فى عش (شادية) و (صلاح):
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تحقيق تكتبه: (عائشة صالح)... من تراث مجلة (الكواكب): العدد (752) ـ (28 ديسمبر 1965م)
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
" />
فى أول ليلة من ليالى (رمضان)، خرجت (شادية) وزوجها (صلاح ذو الفقار) إلى زيارة لمسجد (القلعة).. وكانت (الكواكب) مع النجمين السعيدين.. تسجل لقاءهما الجميل مع أول نسمة من نسائم شهر (رمضان)....
كانت (شادية) تقف فى شرفة بيتها التى ترى منها (النيل) بجوار كوبرى (الجامعة).. وترتفع أمامها مئذنة مسجد (صلاح الدين)، ومآذن أخرى كثيرة تظهر بين بيوت (القاهرة)..
وقالت لى (شادية): اننى أحب هذا المشهد، كثيرا ما أقف هنا أرقبه.. وأكثر الليالى نقضيها معا أنا و (صلاح) هنا فى الشرفة، نسهر بعد السحور حتى يطلع الفجر..
قلت لها: وماذا تعملين الآن؟
قالت: لقد تفرغنا أنا و (صلاح) لرمضان.. منذ أشهر قررنا ألا نعمل فى شهر الصيام، ورفضنا عروض الأفلام التى يتم تصويرها فيه..
ــ لماذا؟
قالت: لقد اعتدت أن يكون لـ (رمضان) طعم خاص.. ومهما كانت مشاغل الحياة فاننى لا أحب أن يضيع منى طعم (رمضان).. و(رمضان) هذا العام سأقضيه كله فى البيت، لن أخرج إلا للنزهة أو قضاء مشوار قريب.. سأكون ست بيت.. سأرعى زوجى (صلاح).. لن أترك أى زرار من قمصانه مكسورا.. سأركبه بنفسى.. سأرتب الدواليب.. سأطبخ.. لقد ضاع منا (رمضان) فى العام الماضى بسبب العمل.. كنا دائما إما (صلاح) أو أنا فى (الأستديو).. ولذا تفرغنا هذا الشهر..
اننى أحب (رمضان) منذ طفولتى، أحب روحه عندما كنا نجتمع بكامل أفراد أسرتنا حول مائدة الافطار.. ونحن فى (أنشاص) يوم كان والدى موظفا هناك.. ثم ونحن فى (القاهرة).. من حبى له لا أنسى حتى الآن هوايتى فى جمع (الفوانيس).. ومنذ أيام اشترى لى (صلاح) فانوسين، أضفتهما إلى المجموعة التى أحتفظ بها.
وأكمل (صلاح) الحديث.. قال: فى العام الماضى، طلبت منى (شادية) أن أشترى لها (فانوسا).. كنا قبيل (رمضان).. وظننت أن الطلب ليس مهما، فكنت أؤجله يوما بعد يوم.. وعندما أصبحنا فى (رمضان)، عدت إلى البيت فوجدت (شادية) أقرب إلى الزعل..
سألتها: مالك؟
ردت بعتاب: أين (الفانوس)؟
وأسرعت خارجا.. قدت عربتى بسرعة مخترقا شوارع (القاهرة)، إلى ميدان (الحسين).. واشتريت (الفانوس)، أصالح به (شادية)..
اننى كلما مررت بمسجد أشعر كأن يدا تشدنى إلى الداخل لأصلى لله.. خاصة إذا مررت بمسجد (الحسين).. وكثيرا ما أدخل لأصلى ركعتين لله..
وعلقت (شادية).. قالت: لا تعجبنى (الفوانيس) الحديثة التى تضيئها بطارية.. أفضل أن تضاء بالشمعة، لأنها تعيد إلى ذكريات الطفولة عندما كنا نتشاجر أنا وأخى (محمد) وأخى (طاهر) على (الفوانيس)، فقد كان أحدهما يكسر فانوسه ثم يريد أن يأخذ (فانوس) غيره، وكنت أدافع عن (فانوسى) فلا يجرؤ أحد منهما على الاقتراب منه..
كم كنت أحب (رمضان).. وكم لعبنا فيه..
قبل أن ينطلق (المدفع) نجتمع نحن بنات (الناحية) لنلعب.. وننشد أغنيتنا المفضلة:
(على عليوة.. ياللى
ضرب الزميرة.. ياللى
ضربها حربى.. ياللى
نطت فى قلبى.. ياللى
قلبى رصاص.. ياللى
رقاص على مين.. ياللى
على شاهين.. ياللى
شاهين ما مات.. ياللى
خلف بنات.. ياللى
خلفهم تسعة.. ياللى
قاعدين ع القصعة.. ياللى
وأخويا فيهم.. ياللى
عاوج طربوشه.. ياللى
ادانى جنيه.. ياللى
أجيب به ايه.. ياللى
أجيب به وزة.. ياللى
والوزة تكاكى.. ياللى)...
وتستمر الأغنية....
بعضنا يغنى.. وعدد آخر مثل (الكورس)، عليه أن يردد وراءنا (ياللى ياللى)...
ولابد أن أغنى، واستعرض مواهبى.. لأن صديقاتى يحرصن على الاستماع إلى...
ولا نعود إلى بيوتنا، إلا مع مدفع (الإفطار)...
ويتكلم (صلاح): اننى أحب أن أصعد إلى أعلى مكان فى (القاهرة)، كلما جاء (رمضان).. أذهب إلى برج (الجزيرة) أو إلى جبل (المقطم)، أو (القلعة) أو عمارة عالية.. وأنظر منها.. لا أدرى لماذا؟.. وان كنت أشعر وأنا أنظر إلى الناس أنهم مثل النمل.. أحجامهم ضئيلة، ولا حول لهم ولا قوة.. وأشعر عندئذ أن نجاح أى انسان من الله وحده..
وأحب ايضا السهرات (الشعبية).. إن روح (رمضان) هناك فى الأحياء (الشعبية): فى (السيدة زينب)، فى (الحسين).. نفس طعم (رمضان) أيام زمان.. الترابط بين الناس.. مأكولات (رمضان).. الناس داخلون أو خارجون من المسجد.. لو نقلت هذا الجو إلى (الزمالك) أو (جاردن سيتى) فانه يفقد الروح..
(رمضان) بيبقى (رمضان) فى الحى (الشعبى).. مثلا أحب أسهر فى قهوة (الفيشاوى).. وقد سمعت أنها ستنقل إلى شارع (الهرم).. كيف ذلك وقيمتها الحقيقية انها جزء من الحى (الشعبى) ككل؟...
يا سلام.. لازم الواحد يروح يسهر فى الأحياء (الشعبية)...
ونظر إلى (شادية) فوجدها تنظر له.. وقال: قصدى أقول.. إن السهر فى (رمضان) لا يكون رائعا إلا فى البيت!
قلت لـ (شادية): ما رأيك فى جولة (رمضانية)؟
قالت: إلى أين؟
قلت: إلى حى (شعبى).. ألست تبحثين عن روح (رمضان)؟
ورحبت (شادية) و (صلاح).. وخرجنا معا...
ذهبنا إلى مسجد (صلاح الدين)، أمام كوبرى (الجامعة).. من بعده ذهبنا أيضا إلى (القلعة)...
وأسرعت (شادية) تدخل مسجد (القلعة)، ومعها (صلاح).. ودارت فى ساحته.. تتنفس بعمق.. وتقول: هنا فعلا روح (رمضان)...
ـــــــــــــــــــــــــــ
مع حبى وتحياتى: (محمد إبراهيم عصفور)