((شادية)... حبيبة (مصر))... مقال رائع لـ (أحمد السماحى) فى جريدة (الأهرام)... تعالوا نقرأه ونستمتع به معا... فى عيد مبلاد (فاتنة الشرق) (شادية)... كل سنة وهى طيبة... وأنتم جميعا بخير وسلام... مع تحياتى: محمد إبراهيم عصفور....
(شادية)... حبيبة (مصر)....
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جريدة (الأهرام) بقلم/ أحمد السماحى
ــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ
" />
(مين مبيحبش (شادية)؟)
لم يسلم أحد فى (مصر) ولا فى العالم العربى من حب هذه السيدة العظيمة التى فاضت إبداعا وعذوبة، سواء لبلدها أو لفنها، أحبها المصريون لأنهم صدقوها...
من منا لم يدق قلبه أو يسترق له وهو يستمع أو يشاهد هذه الفنانة العظيمة؟..
لونت (شادية) أيامنا بألوان قوس قزح، وغنت كما لم يغن أحد فى جيلها، وأثرت حياتنا بالبهجة والسعادة والشجن والحزن النبيل، فاستمع لها الجمهور وتفاعل معها كما لم يستمع لأحد قبلها، فهى تلك الفتاة المشحونة بالشقاوة وخفة الظل فى سينما الأبيض والأسود فى نهاية الأربعينيات، والدلوعة فى الخمسينات، وفتاة أحلام الشباب فى الستينات، ومكتشفة الشعراء والملحنين فى السبيعنات، التى غنت بصدق فخرج صوتها ساحرا يزرع الإيمان فى قلوب الجماهير بما تغنى.
إنها (شادية) التى أسرنا صوتها، وأكدت أغنياتها الوطنية (يا حبيبتى يا مصر) و(يا أم الصابرين) و(مصر اليوم فى عيد) التى ترددت فى ميادين مصر منذ اندلاع ثورة يناير 2011م وحتى الآن، أن للفنان دور حقيقى فى بناء وطنه، ولوحت بأن الإنتصارات ليست بالسلاح فقط ولكن بالصوت والإحساس أيضا.
(شادية) أو (فتوش) أو (شوشو) أو (فاطمة) أسطورة فنية بدأت مبكرا واعتزلت وهى على القمة، وأدارات ظهرها للمجد والأضواء، واختارت الحياة الهادئة العادية لتقترب أكثر من الله، مشوار طويل من الفن تركت لنا من خلاله ثروة من الإبداع و 500 أغنية، و100 فيلم، و10 مسلسلات إذاعية، و مسرحية واحدة، وتوجته فى النهاية بالعشق الإلهى، لم تختر أبدا الجلوس والتربع على عرش العقول والقلوب على امتداد الأرض العربية، ولكن الجماهير هى من اختارتها بإرادتها الحرة وبالتصويت الجماعى، ولذا تحولت من مطربة جميلة الصوت وممثلة رائعة التعبير والإحساس إلى (معبودة الجماهير) و(أسطورة السينما المصرية) التى قدمت مجموعة من الأفلام تشهد على عبقريتها كممثل.
من منا ينسى (حميدة) فى (زقاق المدق)، (فؤادة) فى (شىء من الخوف)، (زهرة) فى (ميرامار)، (كريمة) فى (الطريق)، أدوار خالدة فى تاريخ الفن السابع وصلت بها إلى قمة النضوج الفنى، وهى الفنانة الوحيدة على مستوى العالم التى نجحت كممثلة دون أن تغنى، ونجحت كمطربة دون أن تمثل.
شهدت السينما المصرية والعالية مطربات وممثلات، لم يحققن نجاح (شادية) السينمائى ولا الغنائى، وكانت (شادية) فى أول ظهورها هى النموذج الحقيقى الشفاف لـ (فتاة أحلام الشباب)، بما كانت تمثله وطريقة أدائها المستمد من رقة وروح مرحة ورشاقة، بجانب خروج كلمات أغانيها فى تلك الفترة عن المألوف فى الأغانى العاطفية فكان ارتباط صوتها بألحان (منير مراد) وكلمات (فتحى قورة) مكونا لتجربة فنية هامة، قامت بالتجديد فى تناول الأغانى الرومانسية.
ــــــــــــــــ
(أمى):
ــــــــــ
استرجع الموسيقار الكبير (جمال سلامة) الذى قدم لها واحدة من أجمل أغنياتها الوطنية وهى (مصر اليوم فى عيد) أغنية (كوكب الشرق) (أم كلثوم) (أقولك إيه عن الشوق يا حبيبى)، وقال بعد تنهيدة طويلة: ياااااه أقولك إيه ولا إيه عن (شادية)، (شادية) قصة تانية، كانت بالنسبة لى حلم بعيد المنال، وكنت أتمنى فقط أن أحكى معها فى التليفون لما سمعته عن رقتها وأدبها وخفة ظلها وتشجيعها للمواهب الجديدة فى عالم الموسيقى، فهى نموذج رائع للفن المصرى.
وفى عام 1980م، عندما علم صديقى الشاعر الرائع (عبد الرحيم منصور) بحبى لها وحبى أن تعانق ألحانى حنجرتها، نقل رغبتى إليها حيث كان واحدا من أقرب الشعراء إلى قلبها وتعاون معها ومع (بليغ حمدى) فى العديد من الأغنيات العاطفية والوطنية، ورحبت على الفور، وكان لدى أغنية من كلمات (عبد الرحيم منصور) بعنوان (أمى)، فسجلتها لها على شريط كاسيت، ومن شدة خوفى من رفضها للأغنية، وفى نفس الوقت عدم إحراجها إذا لم يعجبها اللحن أرسلته مع (عبد الرحيم).
مساء نفس اليوم دق تليفون منزلى ووجدت على الجانب الآخر صوت (شادية) تقول لى بصوتها الملىء بالبهجة والفرح: الأغنية ((تجنن)) يا (جمال) بس بلاش تغنى تانى عشان صوتك وحش أووى!
وغنت الأغنية وحققت نجاحا كبيرا، والبعض أعتبرها من أغنياتها الوطنية.
وفى أول احتفالاتنا الوطنية بعودة سيناء كاملة لمصر، وجدت كل الملحنين يجهزون أغنيات وطنية باستثنائى نظرا لعدم إعتراف المسئولين فى التليفزيون بى كملحن، وأثناء حديثى مع الشاعر (عبد الوهاب محمد) عرفت منه أن لديه كلمات يقول عنوانها (مصر اليوم فى عيد) وأعجبتنى الكلمات جدا فأخذتها منه ولحنتها على الفور، وذهبت إلى رئيسة القناة الثانية التى قالت لى أن هذه الأغنية لو غنتها (شادية) (هتكسر الدنيا)، فطلبت (شادية) بالتليفون وكانت فى هذا الوقت تفكر فى الإعتزال وعدم الظهور فى وسائل الإعلام، وأسمعتها جزء من اللحن وقرأت عليها الكلمات، فطلبت أن أرسل لها الأغنية كاملة على شريط، فنالت إعجابها، وعندما علمت (مدام شيرويت) رئيسة القناة الثانية بموافقة (شادية) على غناء الأغنية وتقديمها بصوتها للتليفزيون لإذاعتها على أن يتم عمل كليب عبارة عن صور لمشاهد طبيعية من (مصر)، ذهبت لوزير الإعلام (صفوت الشريف) فى مبنى الإذاعة والتليفزيون، وطلبت منه إقناع (شادية) بالظهور فى الحفل الذى سيغنى فيه كل المطربين أغنياتهم الجديدة، وبالفعل حدث هذا، ورغم ضيق الوقت وكثرة عدد المطربين المشاركين فى الحفل، تفوقت (شادية) بصوتها على الجميع، وغنت الأغنية مع الفرقة القومية للفنون الشعبية بقيادة الراحل (محمد خليل) فأصبحت نشيدا قوميا على ألسنة وحناجر كل المصريين.
بعد النجاح الساحق لهذه الأغنية، كان المفروض أن نلتقى من جديد فى أغنية عاطفية بعنوان (أيام حياتى) لكن إعتزالها حال دون ظهورها للنور، ورفضت إعطاء الأغنية لصوت آخر، لأن (شادية) ليست صوتا ولكنه روحا وشخصية وكاريزما غير موجودة فى أى صوت آخر.
ــــــــــــــــ
(الحب الحقيقى):
ـــــــــــــــــــــــــ
عاد الشاعر الكبير (صلاح فايز) الذى كتب لها العديد من الأغنيات مثل: (أنا أترجاه)، (كلك حنية)، (البحر الأبيض)، أغانى فيلم (إمرأة عاشقة)، و(الحب الحقيقى)، وغيرها.. عاد بظهره إلى الوراء وفتح لنا دولاب ذكرياته فقال: (شادية) الحب الحقيقى فى حياتى حيث أحببتها على الفور عندما شاهدتها لأول مرة فى أول أفلامها (العقل فى إجازة) فى سينما (شبرا بالاس) بـ (شبرا)، يومها وجدت فيها فتاة الأحلام، والصديقة، والأخت، وابنة الجيران، بإختصار بنت جميلة تنفذ بسهولة ويسر إلى أعماق قلبك، كما تغنى نوعية من الغناء كان وقتها جديدا نسبيا على غنائنا السينمائى، فكل المطربات قبلها كن أكبر منها سنا، وبعد احترافى الكتابة حاولت العمل معها، لكن كل محاولاتى باءت بالفشل لظروف كثيرة ليست هى المسئولة عنها، وفى منتصف الستينات كان أول لقاء بينى وبينها حيث تم التعارف بيننا عن طريق الموسيقار الراحل المظلوم إعلاميا (محمد ضياء الدين)، وكانت باكورة تعاوننا من خلال أغنيتى (أنا أترجاه) و(كلك حنيه).
وكشف (فايز) أن (شادية) كان لها الفضل فى ظهور صوتين من أهم الأصوات المصرية الموجودة حاليا، هما (أنغام) و (هانى شاكر)، فقد كان من المقرر أن تغنى (شادية) قبل إعتزالها أغنية (فى الركن البعيد الهادى) وبعد أن عرضنا الكلام على (بليغ حمدى) تكاسل فى تلحينها، وحدثت له المشكلة التى إضطر على أثرها ترك (مصر)، ثم إعتزلت (شادية)، وذهبت الأغنية لـ (أنغام).
أما (هانى شاكر) فبعد أن كتبت له أغنية (كده برضه يا قمر) وعملت بروفات عليها فى وجود الفنانة (تحية كاريوكا) فى منزلها، علمت أن المطرب الجديد (هانى شاكر) يبحث عن أغنية جديدة لتقديمها فى الحفل الذى سيشاركها فيه، فببصيرتها وعدم إيثارها لنفسها طلبت من الموسيقار (خالد الأمير) أن يهدى (هانى) الأغنية وكانت شهادة ميلاده عند الجمهور، كما كانت (فى الركن البعيد الهادى) شهادة ميلاد لـ (أنغام).
وتمنى (فايز) لـ (شادية) الصحة وطول العمر، لأنها من وجهة نظره ليست (شادية) مصر فقط، بل (شادية) العرب، بل (شادية) الحياة كلها.
ـــــــــــــــ
أنا وقلبى:
ــــــــــــــــــ
الموسيقار الكبير (إبراهيم رأفت) الذى قدم للساحة الغنائية من الأغنيات لكبار المطربين مثل (وردة) و(ماهر العطار) و(مها صبرى) و(ياسمين الخيام) و(سوزان عطية)، والذى يعانى هذه الأيام من المرض... وعن ذكرياته عن (شادية) يقول: بعد تقديمى للعديد من الأغنيات الناجحة مثل: (افرش منديلك على الرملة) و (قمرى أنا) لـ (ماهر العطار)، و(يا سيدى) لـ (محمد العزبى)، وغيرها من الأغنيات لكبار مطربى (مصر)، تمنيت أن تعانق ألحانى حنجرة العظيمة (شادية) التى تضيف للأغنية الكثير والكثير.
وفى هذا الوقت طلبت من صديقى (عبد العظيم حليم) رئيس فرقتها الموسيقية أن تغنى لحن من ألحانى وفى هذه الفترة ـ منتصف السبيعينات ـ كان صوت (شادية) فى قمة نضجه، وبدأت تقدم فى حفلاتها أكثر من وصلة غنائية، وذات مرة كان من المفروض أن تقدم لحن (لو القلوب يا حبيبى ارتاحوا) لـ (خالد الأمير)، و(يا همس الحب) لـ (سيد مكاوى)، وكان ينقصها لحن جديد تقدمه فى الوصلة الثالثة، فطلبت أن أقدم لها أغنية طويلة مدتها حوالى ربع ساعة تكون جيدة، وبالفعل حضرت لها أغنية (معودناش على غيابه معودناش) كلمات الصديق (نجيب نجم)، وأعجبت جدا باللحن، لكن المسئولين فى الإذاعة رفضوا الكلمات إعتقادا منهم أنها كلمات الشاعر (أحمد فؤاد نجم) الذى كان ممنوعا يومها من وسائل الإعلام.
وحاولت (شادية) أن تفهم كل المسئولين أن الشاعر لا يمت بصلة لـ (أحمد فؤاد نجم)، لكنهم ظلوا على موقفهم، فاتصلت (شادية) بكوكب الشرق (أم كلثوم) التى كانت تربطها بها علاقة صداقة وطيدة، وطلبت منها (التوسط) لدى المسئولين فى الإذاعة لأنها (ستموت إذا لم تغن هذا اللحن) كما أن الملحن الشاب (إبراهيم رأفت) سيضيع مستقبله لأنه يضع آمالا عريضة على اللحن وعلى غنائى له، وبعد دقائق بسيطة قالت لها (أم كلثوم): (خلاص يا (شادية) المسئولين وافقوا على أن تغنى اللحن لكن بكلمات أخرى).. وقد كان، فكتبنا (أنا وقلبى يا روح قلبى) وحقق اللحن نجاحا كبيرا، بسبب إصرار (شادية) على غنائه، كان من السهل أن تستبدل اللحن بلحن آخر من ملحن أكثر شهرة منى مثل: (بليغ حمدى) أو (محمد الموجى) أو (منير مراد) أو غيرهم.... لكنها أصرت على عدم إحباطى.
ـــــــــــــــــ
وردة الغناء العطرة:
ــــــــــــــــــــــــــــــ
(شادية) كانت دائما وردة الغناء العطرة، وانسانة يحمل صوتها الجميل لمن كتب ولمن لحن كل مودة، فقد كانت ودودة جدا وتغمرك إحساسا بالسعادة والفخر بنفسك حين تقابلك، ولقد وافقت على أن تغنى أغنيات ما كان لمطربة أخرى أن تغنيها، وكان الأولى بى أن أعطيها لـ (محمد رشدى) و (محمد قنديل) مثل أغنية (والله ان ما اسمريت يا عنب بلدنا) وأغنية (طاب واستوى على الشجر)... فهى مطربة فنانة عظيمة الإنسانية والعذوبة، وأحب أن أقول لها: (نحن نتذكرك طول العام، لكن أغنياتك الوطنية متناثرة الآن على كل الهواتف (الموبايلات)، فما أن أطلب أحد أصدقائى حتى أجد أغنياتك الوطنية عليها، وهو أمر غريب لأنه على الرغم من كل الغناء الوطنى الذى نسمعه وأنشدناه حبا فى (مصر) هذه البلد التى تستحق الحب، تظل أغنياتك أنت و(عبد الحليم حافظ) هى الخالدة والباقية، والتى تغطى كل الأحداث المتواترة فى الوطن، فأغنياتك لم ترتبط بمناسباتها الغنائية، وإنما تجاوزت هذه المناسبة دائما إلى المستقبل، بارك الله فيك ورحمة الله على (بليغ حمدى).
ـــــــــــــــــ
(أقوى من الزمان):
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الفنانة الكبيرة (شادية) عاشقة (مصر) وترى ـ وهذه وجهة نظرها ـ أن (مصر) أعطتها كل هذه الشهرة والمجد الغنائى وفتحت لها كل أبواب النجاح وأصبح دينا عليها أن ترد لها ولو واحدا فى المئة من هذا الجميل والدين الكبير، لهذا قامت بإنتاج كل أو معظم أغنياتها الوطنية على نفقاتها الخاصة، هكذا تحدث الشاعر (مصطفى الضمرانى).. وأبرز مثال على ذلك أغنيتى (أقوى من الزمان) التى تغنت بها من ألحان (عمار الشريعى)، بعد انتصار (مصر) فى حرب (أكتوبر) عام 1973م.. وأغنية (باكتب جوابى). و(شادية) هى الجريدة التى توزع 100 ألف نسخة فى اليوم، وهى أحلى صوت غنى للوطن بعد (أم كلثوم). وفى عيد ميلادها أحب أن أقول لها ثقى تماما أن أعمالك ستكون خالدة خلود الأهرامات، وإذا كانت الأجيال الجديدة تزور الأهرامات وآثار (مصر)، ففى المقابل ستعيش أغنياتك فى الوجدان، والدليل النجاح الساحق لأغنياتك (يا حبيبتى يا مصر) و(أم الصابرين) و(أقوى من الزمن)..
وعظمة (شادية) أنها اعتزلت الفن وهى فى قمة العطاء، وتركت الفن وهى على القمة..
الموسيقار(خالد الأمير) قال: إنها أحن وأطيب فنانة تعاملت معها، وسعدت بالتعاون معها فى مرحلة النضج الفنى من خلال العديد من الأغنيات منها: (اتعودت عليك يا حبيبى)، (لو القلوب يا حبيبى ارتاحوا كان يجرى إيه)، (البحر الأبيض والبحر الأحمر)، (يا بلادنا يا حياتنا) و.....
وفى عيد ميلادها أحب أرسل لها رسالة أقول لها: أنت فى الغناء دولة وعليك (كريم شانتيه).. وفراولة...
ــــــــــــــــ
مع تحياتى: محمد إبراهيم عصفور