توحيد أحمد رامى.... والدى عشق أم كلثوم لكنه لم يطلبها للزواج أبداً
* ماذا عن علاقته بملهمته أم كلثوم؟
أبى كان محباً للموسيقى متصلاً بنادى الموسيقى ويعرض على الناس شعره فى وقت الفاصل بين وصلات الغناء .. هذا الاتصال زاده قرباً من الغناء والموسيقى .. وكان المطربون يعرفونه بحبه للغناء فتعرف على الكثير منهم أمثال داود حسنى .. وأبو العلا محمد .. وإبراهيم شفيق .. وصالح عبد الحى .. وسيد درويش.
وكان يقوم بتلحين قصائده وغنائها بنفسه .. وكان له صديق مقرب وهو من أساتذة أم كلثوم "الشيخ أبو العلا محم" فى يوم طلب منه أن يعطيه قصيدة من ديوانه ليغنيها فأعطى له قصيدة "الصب تفضحه عيونه" وعندما تعرف الشيخ أبو العلا على أم كلثوم أعطاها هذه القصيدة لتغنيها.
فى هذا الوقت كان "رامى" فى باريس وعندما عاد قال له صديقه "محمد فاضل": هناك بنت فلاحة من دلتا مصر بتغنى كلامك فذهب ليسمعها وجلس فى الصف الأول وكانت تغنى من غير آلات موسيقية .. وطلب منها أن يسمع قصيدته فقالت له "أهلا ياسى رامى" هذا فى عام 1924، وأخذت تغنى قصيدته "الصب تفضحه عيونه".
ومن هنا سارت بينهما علاقة استمرت 50 عاماً، ولم تتوقف إلا بوفاتها عام 1975.
وخرج من عندها هائماً فى صوتها عاشقاً له. سافر بعدها إلى "رأس البر" وظل ينتظر عودتها أربعين يوماً حتى عادت وقدمت حفلة فى "البوسفور" وما إن رأته حتى غنت للمرة الثانية "الصب تفضحه عيونه" تحية له .. ومن هذا الوقت أصبحت أم كلثوم ملهمته وأصبحت كل أغانى أحمد رامى لأم كلثوم ما هى إلا سرد لعلاقتهما معاً.
* هل صحيح أن رامى طلب الزواج منها وهى رفضت طلبه؟
سألته يوماً: الناس تقول إنك تحب أم كلثوم فهل هذا صحيح؟!.. قال لى: نعم.
فقلت له: لماذا لم تتزوجها..
أجابنى: لو تزوجتها سيكون الزواج سبباً فى اعتزالها الغناء لأننى رجل شرقى ولن أسمح لها بالغناء .. ولم أكن أستطيع أن أقول فيها "سهران لوحدى أناجى طيفك السارى" وهى بجانبى فى بيت واحد، وكان الزواج سوف يقتل الحب فأبى كان له حياة فنية وحياة عائلية ولم يكن يخلط بين الحياتين..
لذلك لم يطلب يدها،ولم يفكر فى الزواج من أم كلثوم.. وهو الذى عرفها على الدكتور "حسن الحفناوى" لأنه كان أحد مستمعى أم كلثوم وقال لأبى: عرفنى عليها .. فعرفهما ببعض وبعدها تم الزواج.
* مسلسل "أم كلثوم" وضح كل الحقائق فى علاقة رامى بأم كلثوم .. هل هذا صحيح؟
أعيب على المسلسل نقطتين الأولى أن رامى لم يطلب من أم كلثوم الزواج .. والثانية أنه لم تظهر فى أحداثه حرب أكتوبر .. وجلست مع المؤلف وقلت له ذلك .. واعتراضى الأول بصفتى ابن "أحمد رامى" أماالثانى فبصفتى مصرياً.
* ما طقوس رامى عند سماع أم كلثوم؟
كان يذهب إلى حفلاتها فى كامل رونقه وشياكته وهذا أحد طقوسه .. ولم يأخذ أمى معه فى أى مرة .. وكان يجلس فى المقعد رقم 8 أمام أم كلثوم فى كل حفلة، ولم يتغير المقعد لأن الإذاعة المصرية هى التى كانت تمنحه التذكرة .. وكانت أمى من الممكن أن تذهب إلى حفلات أم كلثوم مع صديقاتها، وهناك لم تكن تذهب لمصافحة رامى أو التحدث معه .. فأمى كانت تعرف أن رامى يحب أم كلثوم لكنه تزوجها هى وكانت تعلم ذلك ولم تمانع..
* عندما تغنت أم كلثوم كلمات لشعراء آخرين غير رامى ماذا كان يفعل؟
أحمد رامى كتب لأم كلثوم نصف ما غنت، وعندما كانت تتعامل مع شعراء آخرين كانت تعرض عليه الكلمات قبل أن تقبلها وكان فى بعض الأحيان يغير لها كلمة أو كلمتين، وأعتقد هذا لم يحدث مع بيرم التونسى.
* كيف كان حاله عندما توفيت أم كلثوم؟
كسر القلم بعدها وهجر الشعر والناس وجلس مريضاً بالاكتئاب النفسى لغيابها، ولم يكتب قصيدة رثاء فى أم كلثوم .. وظل ينظر الى الخاتم الذى أعطته هدية زواجه المكتوب عليه "OK" وظل هذا الخاتم فى يده أربعين عاماً.
*وماذا عن دور صفية وسعاد أختى رامى فى حياة أم كلثوم؟
عمتى صفية وعمتى سعاد من مواليد القاهرة وكذلك النشأة والتعليم، وكان لهما دور كبير فى تحويل "أم كلثوم" من فتاة ريفية ترتدى العباءة والعقال إلى فتاة قاهرية تعرف كيف تلبس وتأكل وتتكلم..
"صبحت أحب الحب .. من بعد عشق الحبيب".
* ماذا عن آخر أغنية كتبها لأم كلثوم؟
آخر أغنية "يا مسهرنى" وما هى إلا لمسة عتاب من رامى لسومة وكان جالساً فى المنزل وهى لم تسأل عنه فقال: "ما خطرتش على بالك يوم تسأل عنى دى عينيا مجافيها النوم يا مسهرنى
أمال غلاوة حبك فين .. فين الوداد والحنية.
وهذه الأغنية لأول مرة يذكر فيهاالزمن.
* ماذا عن رامى الزوج؟
أمى كانت جميلة جداً وهى من أقاربه وتصغره بحوالى 22 عاماً فهذه المرأة تستحق تمثالاً من الذهب لأنها تركت رامى يبدع وعندما كان يسألها أحد عن حبه لأم كلثوم كانت تقول وأنا أيضاً أحب أم كلثوم .. ولم تدخل الغيرة قلبها والدليل على ذلك أن أبى عرف أم كلثوم عام 1924 وتزوج فى 25 ديسمبر 1936، يعنى عرف أم كلثوم قبل الزواج بحوالى 12 عاماً وأحيت الفرح بأغنيتين الأولى "اللى حبك يا هناه" والثانية "افرح يا قلبى جالك نصيب" بعدها جاءت لمنزلنا للمرة الثانية فى حفل اليوبيل الفضى لعيد زواجهما.
فأم كلثوم لم تزر بيتنا غير مرتين لكنه كان يذهب إليها كل يوم اتنين من كل اسبوع يوم إجازته ليعلمها ويثقفها..
وأمى كانت تناديه فى المنزل "رامى" وأبى لم يغضبها فى أى يوم .. وظلت صورة "أم كلثوم" فى حجرة نومه معلقة خمسين عاماً ولم تدخل الغيرة قلبها لكنها كانت تدرك نوع العلاقة بين الملهمة والمبدع هكذا كانت أمى السيدة "عطيات حسن خطاب" البالغة من العمر الآن 96 عاماً..
* ماالأجواء التى كان يكتب فيها رامى؟
كان يركب الاتوبيس من حدائق القبة الى السكاكينى .. ومن السكاكينى يركب "التروماى" الى باب الخلق.. وكثيراً ما كان يكتب الشعر فى التروماى.
*وكيف كان يكتب الشعر؟
تأتى له الفكرة أولاً ثم تبدأ الكلمات فى التوارد .. ودائماً كان يحتفظ بورقة وقلم فى جيبه حتى إذا جاءت الكلمات يكتبها، وكان دائماً يغنى كلماته فهو يملك صوتاً جميل لكنه لم يفكر فى الغناء..
* ننتقل إلى محطة مهمة فى حياة رامى وهى رباعيات الخيام فماذا عنها؟
أبى درس فى باريس اللغة الفارسية من أجل أن يترجمها وكذلك لوجود ألف مخطوط بالفارسية فى "الكتب خانة"..
وهو قرأ رباعيات الخيام بالإنجليزية وشعر بأن عمر الخيام كان يريد أن يقول شيئاً آخر وهذا الشىء ضاع فى الترجمة فقرأها عام 1922 وانتهى من ترجمتها عام 1924 ونشرها فى نفس العام .. فى نفس الوقت توفى أخوه الأقرب إلى قلبه وهو "محمود" فأهدى له رباعيات الخيام وقال فيها: من الراقد فى "نيسابور" بإيران محمود الى الراقد فى وادى حلفا فى مصر رامى..
وبهذه الرباعيات أصبح أول شاعر شرقى عربى يترجم رباعيات الخيام شعراً عن الفارسية .. وعندما ترجمها تحمس لها "سليم حسن" فطبعها له فى دار المعارف وطبعت عامى 1924 و 1922 وعام 1950.
* وما آخر كتاب كان يقرآه؟
قبل وفاته بيومين كان يقرأ كتاباً بعنوان "البلاد المندثرة" وكنا نتناقش عن "مدينة المنيا" وأنها كانت مبنية مكان مدينة قديمة رومانية اسمها "أنطونيونابلس".
* وماذا عن ظروف وفاته؟
فى فترة سافرت أختى إلى ألمانيا فى بعثة علمية وكذلك أخى إلى انجلترا لاستكمال دراسته فى الطب وأنا هاجرت إلى أمريكا، فشعر أبى بالوحدة وقال لأمى: كأنى عندى "غية حمام" وطار الحمام منها..
وكذلك توفى صديقه الحميم الصحفى والشاعر "صالح جودت" ومن قبله توفى القصبجى والمخرج "أحمد كامل جودت" ومن قبله توفى القصبجى والمخرج "أحمد كامل مرسى" وجاءت النكسة وتوفيت أم كلثوم عام 1975.. كل هذه المواقف أصابته بالاكتئاب، وهو لم يمرض بأى مرض عضوى وظل قابعاً فى غرفته معتكفاً بها يقرأ الشعر القديم..
فرجعت من أمريكا لأكون بجانبه، وفى يوم وفاته دخلت عليه غرفته اقبله قبل خروجى للعمل فوجدت درجة حرارة جسمه مرتفعة فأخبرت والدتى وذهبت .. وعندما رجعت من العمل الساعة الثانية ظهراً وجدته توفى عن عمر يناهز 89 عاماً فى 4 يونيو 1981.
بقلم/ سماح جاه الرسول ..... مجلة الاذاعة والتليفزيون