بشارة الخوري (الأخطل الصغير )
الأخطل الصغير – أمير الشعراء
هو بشارة بن عبدالله بن الخوري المعروف بـ (الأخطل الصغير).
ـ ولد في بيروت عام 1885، وتوفي فيها عام 1968.
ـ تلقى تعليمه الأول في الكتاب ثم أكمل في مدرسة الحكمة والفرير وغيرهما من مدارس ذلك العهد.
ـ أنشأ جريدة البرق عام 1908، واستمرت في الصدور حتى بداية عام 1933، عنما أغلقتها السلطات الفرنسية وألغت امتيازها نهائياً. وكانت قد توقفت طوعياً أثناء سنوات الحرب العالمية الأولى.
ـ حياته سلسلة من المعارك الأدبية والسياسية نذر خلالها قلمه وشعره للدفاع عن أمته وإيقاظ هممها ضد الاستعمار والصهيونية.
ـ كانت لغة القرآن الكريم ـ اللغة العربية ـ ديدنه ومدار اعتزازه وفخره.
ـ اتسم شعره بالأصالة، وقوة السبك والديباجة، وجزالة الأسلوب، وأناقة العبارة، وطرافة الصورة، بالإضافة إلى تنوع الأغراض وتعددها.
ـ وقد تأثر الأخطل الصغير بحركات التجديد في الشعر العربي المعاصر ويمتاز شعره بالغنائية الرقيقة والكلمة المختارة بعناية فائقة. ـ صدر له ديوان (الهوى والشباب) 1953، وديوان (شعر الأخطل الصغير) 1961.
ـ طارت شهرة الأخطل الصغير في الأقطار العربية، وكرم في لبنان والقاهرة. وفي حفل تكريمه بقاعة الأونيسكو ببيروت سنة 1961 أطلق عليه لقب أمير الشعراء.
هو الشاعر اللبناني بشارة الخوري كان يكتب قصائدة ويذيلها بـ الأخطل الصغير فلزمه هذا اللقب وكان مسيحياً تماماً كما كان الأخطل الأموي .
غزليات الأخطل الصغير بشارة الخوري
يتصور الكثيرون من قراء الشعر ان الشاعر اللبناني بشارة الخوري المعروف بالأخطل الصغير قد وقف معظم شعره على الغزل والحب وقد جاء هذا التصور بسبب شهرة ديوانه الهوى والشباب الذي نشر في عام 1953م وتضمن مجموعة من القصائد والمقطوعات الشعرية تهافت عليها المطربون والمطربات يتغنون بأبياتها الجميلة ومن يطالع الأعمال الشعرية الكاملة للأخطل الصغير التي اصدرتها مؤسسة عبدالعزيز البابطين وجمعتها ورتبتها وقدمت لها الدكتورة سهام ابوجودة سوف يجد معظم شعره قد دار حول الهموم القومية والوطنية والتغني بجمال لبنان والدفاع عن العروبة واستنهاض همم الشباب ومقاومة الطغيان سواء كان عثمانيا او اوروبيا، وتكريس النزعة الوطنية والقومية العربية ومواكبة الأحداث ومدح بعض الزعماء وتقريظ الشعراء والأدباء والتغني بالابناء والبنات والاحفاد,, ولا يكاد يمثل الغزل الا نسبة قليلة من شعره اما اسباب ذلك فهي:
اولا: ان معظم قصائده قد تغنى بها المشهورون من المطربين والمطربات ومنهم محمد عبدالوهاب وفيروز وفريد الاطرش واسمهان، وقد صنعت هذه الاصوات للأخطل الصغير شهرة طبقت الآفاق وسارت بها الركبان حتى تنادى الشعراء بتنصيبه اميرا للشعراء بعد شوقي في لبنان في عام 1961م,
ثانيا: ان شعره العربي يتسم بمجموعة من الخصائص الفنية تتمثل في البساطة الفنية وانتقاء الالفاظ الموحية المتأثرة بالطبيعة اللبنانية الفنانة وقصر القصائد المغناة حتى يسهل حفظها واسترجاعها والاحتفاظ بها في اعماق الوجدان لفترات طويلة,, واذا شئنا ان نضع هذا الشاعر في اطار أو اتجاه فني فإن الرومانسية هي اقرب المذاهب الى طبيعة عالمه الشعري ولكن نتاجه المنوع والذي يتنفس منذ مطلع القرن العشرين حتى وفاة الشاعر في يوليو 1968م فهو تعبير وتجسيد للاحداث السياسية ويعكس طموح الشاعر الى الحرية والعدالة والتقدم,, فإذا جئنا الى غزله الذي صنع شهرته وجدناه شاعرا مفتونا بمحاسن المرأة الخارجية يلتقط من الطبيعة بعض ملامحها ومظاهرها ليبني منها صوره وألوانه وليصنع لوحة تمزج بين الطبيعة والمرأة في انسجام لغوي وموسيقي يميل بنا الى الطرب واطلاق عنان الخيال,, الشاعر لا يتألم كما يتألم العشاق فهو اقرب الى الاعجاب بالمرأة منه بعشقها، وفتنته بها لون من الفتنة الكبرى بالجمال.
ومن بدائع الاخطل القصيدة التي تغنى بها عبدالوهاب ونلحظ فيها قصر الشطرات وتكثيف الكلمات وسهولة المأخذ حين يقول:
جفنه علّم الغزل
ومن العلم ما قتل
وربما كانت قصيدة الهوى والشباب التي حمل الديوان الشهير عنوانها اقرب الى شعر اللوعة فهو فيها يخاطب قلبه مرة وحبيبه مرة ويكاد اليأس يغلبه حين يقول:
الهوى والشباب والأمل المنشود
توحي فتبعث الشعر حيّا
الهوى والشباب والامل المنشود
ضاعت جميعها من يديّا
يا أيها الخافق المعذب يا قلبي
نزحت الدموع من مقلتيّا
فحتم على ارسال دمعي
كلما لاح بارق في محيّا
حبيبي لأجل عينيك ما القى
وما اول الوشاة عليّا
أأنا العاشق الوحيد لتلقي
تبعات الهوى على كتفيّا
وتغني فيروز يا عاقد الحاجبين من شعر الأخطل فتؤكد هذا العنصر المطرب في شعره وولعه بالطبيعة وتركيزه على الحوار.
, يقول بشارة الخوري:
يا عاقد الحاجبين
على الجبين اللجين
ان كنت تقصد قتلي
قتلتني مرتين
ثم يقول:
تبدو كأن لا تراني
وملء عينيك عيني
ومثل فعلك فعلي
ويلي من الاحمقين
مولاي لم تبق مني
حيا سوى رمقين
صبرت حتى يراني
صبري وقرب حيني
ستحرم الشعر مني
وليس هذا بهين
اخاف تدعو القوافي
عليك في المشرقين
ومن قصائده البديعة قصيدة الصبا والجمال التي يجري فيها الشاعر على سنته في الوصف الخارجي واستلهام الطبيعة واختيار الموسيقى الراقصة حيث يقول:
الصبا والجمال بين يديك
اي تاج أعز من تاجيك
نصب الحسن عرشه فسألنا
من تراها له فدل عليك
فاسكبي روحك الحنون عليه
كانسكاب السماء في عينيك
قتل الورد نفسه حسداً منك
والقى دماه في وجنتيك
لقد كان بشارة الخوري شاعرا غزلا مطربا في شعره ولكن حقيقة هذا الشاعر الاصيلة تتجلى اكثر ما تتجلى في شعره الوطني والقومي حيث يبدو لنا شاعرا شديد السيطرة على ايمانه بالعروبة ولبنان، مولعا بالحرية والعدل والتقدم.
الأخطل الصغير والفيتوري.. وعلى الأرض السلام
بشارة الخوري شاعر الهوى والشباب
لم يكن الشاعر العربي الكبير محمد الفيتوري مبالغا في ما كتبه للشاعر الأخطل الصغير وهو يجر ذيوله إلى العزلة الأبدية راثيا له, بل على العكس من ذلك كان الفيتوري العظيم عظيما في وصفه ودقة نصله وأصالته كما هو عظيم دائما في عذوبة عروبته وملوحة أفريقيته يقول:
أنت في لبنان..
والشعر له في ربى لبنان عرش ومقام
شاده الأخطل قصرا عاليا
يزلق الضوء عليه والغمام
وتبيت الشمس في ذروته
كلما داعب عينيها المنام
أنت في لبنان..
والخلد هنا
والرجال العبقريون أقاموا
حملوا الكون على أكتافهم
ورعوا غربته وهو غلام
غرسوا الحب فلما أثمر الحب
أهدوه إلى الناس وهاموا
غرباء ومغنين
وأحلى أغانيهم على الأرض السلام.
وحق للفيتوري ذلك, فالشاعر بشارة الخوري هو صناجة لبنان وأخطله الذي اتقدت نار شعره وشرارة إبداعه مع أول ضوء لنار الحرية ومع أول فجر لشمس الفضاء الرحيب, الأخطل الذي أذهلت منمنمات معانيه وجمالية بناء ألفاظه وفسيفساء قصائده أبناء جيله فغنوا وراءه لليأس من منطلق البحث عن أمل, كما تغني الذئاب السائبة لليل باحثة عن الصباح وراء عتمته, الأخطل هو الذي ابتسم ساخرا من القهر والظلم الذي انتعل جسده وجسد لبنان, سخرية معرية تساوي العدم بالوجود والظلام بالضياء والليل بالنهار قائلاً:
طلت يا ليلي أو لم تطل مثلك الفجر الذي سوف يلي
ما يفيد النور في إشراقه إن يكن أطفئ نور الأمل...
مشوار
ولد شاعرنا في بيروت عام 1890 وسرعان ما بدأ يتردد على الصحافة, لينشر فيها بعضا من قصائده ومقالاته.. إلى أن استفاد من إعلان الدستور العثماني فرخص لجريدته (البرق) التي ضمت كبار الأدباء والمفكرين ممن ناصروا حركات التحرر ومحاربة الاستبداد لينخرط بعد ذلك في العمل السياسي بعد تردي الأوضاع إثر سياسة تكميم الأفواه وتعطيل كل مظاهر الحرية والرقابة المشددة على الصحف حتى تعرض لمحاولة اغتيال كادت تودي بحياته عام 1910 تبعها إغلاق جريدته ثم تشرده متخفيا من النظام التركي، يقول الشاعر في ذلك:
ضحك المجد لنا لما رآنا بدم الأبطال مصبوغا لوانا
عرس الأحرار أن تسقي العدا كأسا حمرا وأنغاما حزانا.
إلا أن هذه الحالة الظلامية وحياة الدهاليز لم تدم طويلا فعاد الشاعر إلى الكتابة في أغلب الجرائد اللبنانية ولكن باسم مستعار لشاعر عربي من العصر الأموي وهو الأخطل الذي وجد فيه شاعرنا مثلا له من الناحية السياسية، لتعود صحيفته (البرق) إلى الصدور عام 1918 ويستمر في الحياة السياسية بأنفة وكبر حتى يودع الحياة في تموز 1968 قائلاً:
ضجت الصحراء تشكو عريها فكسوناها زئيرا ودخانا
شرف للموت أن نطعمه أنفسا جبارة تأبى الهوانا.
حزن وحب
إن شعر الأخطل الصغير تكسوه مسحة شبابية تشوبها مسحات أخرى من الحزن العميق وحب للحياة بكل مفرداتها. فقد جمع شعره بين الرقة والحب، وصدر عن عاطفة متدفقة كأنه يرى أفقا خياليا لا نراه نحن ولا نسمعه ولا نفهمه إلا حينما يسقينا جماليته بغيوم فلسفية يقلب فيها كل معايير الجمال وينسف فيها كل مؤشرات الذوق بصورة ساحرة مبهرة للقارئ لا يماثلها سوى جمال لبنان وغناء الريح على سفوح تلاله ومرابع هضابه وصوت فيروز تغني له:
يا عاقد الحاجبين على الجبين اللجين
إن كنت تقصد قتلي قتلتني مرتين
ويتجلى ذلك الإبداع الصوري في قوله:
نفض الحسن عرشه فسألنا
من تراها له فدل عليك
اسكبي روحك الحنون عليه
كانسكاب السماء في عينيك
ولا شك أن مسيرة شاعر بهذا الحجم، وهذه التجربة الطويلة المليئة بالدم والتيه، لا تتوقف عند الوصف وفلسفة الجمال، بل نجده يوظف كل ذلك لقضيته وهموم أرضه ووطنه, فعلى الرغم من أنه كان إنسانيا في نظرته وكينونيا في إحساسه وعربيا في انتمائه ولبنانيا في نضاله وشعره، فإنه لم يلتزم خطا سياسيا معينا ولم يؤمن بأفكار نمطية بل انطلق في مسار أوسع وبمضامين فكرية عصرية وإن صيغت بشكل شعري قديم.
عشق بيروت
عشق الأخطل الصغير بيروت كما كل اللبنانيين وتغنى بها في كل قصائده وجاذبها الهوى, بل تقمصته وتقمصها ترابا وحبرا ولونا أزرق:
فدت المنابر كلها منارة هي في فم الدنيا هدى وتبسم
ما جئتها إلا هداك معلم فوق المنابر أو شجاك متيم
بيروت هل ذرفت عيونك دمعة إلا ترشفها فؤادي المغرم
أنا من ثراك فهل أضن بأدمعي في حالتيك ومن سمائك ألهم..
لكن الملاحظ في قصائده دون غيره أن رؤيته الشعرية لم تكن آنية أو متقوقعة في مطحنة الحاضر العصيب – آنذاك - بل تعدتها بنظرة ثاقبة إلى الآن وما يعيشه لبنان وكأنه قدر يمر به كل جيل أرضعته بيروت العاشقة المشؤومة على عشاقها, يقول الأخطل مخاطبا بيروت بهذين البيتين اللذين يحملان كل شوارع بيروت الصامتة وكل ظلامها الدامس الذي بدأنا نراه يصرع كل حب ويطمس الحقيقة الإنسانية:
لهفي عليك أكل يوم مصرع للحق فيك وكل عيد مأتم
والأمر أمرك لو رجعت إلى الهدى الحب يبني والتباغض يهدم
وليس هناك ما يفوق جمال شعر الأخطل سوى تصوير الفيتوري لرحيل أي شاعر ومبدع وعبقري عندما ينسحب بهدوء دون أن يشوش الذاكرة العربية المملوءة دوماً بالنسيان لملهميها ومن ضمنهم بشارة الخوري أو الأخطل الصغير:
غرسوا الحب فلما أثمر الحب
أهدوه إلى الناس وهاموا
غرباء ومغنين
وأحلى أغانيهم على الأرض السلام.