قصة حياة اميرة الشهيدات القديسة مارينا
كيف يفوح رائحة البخور وكيف يتصاعد عطره إن لم يحرق بالنار .....
كيف تنبت حبة الحنطة إن لم تمت أولاً في الأرض السوداء.....
كيف نستعذب حلاوة السكر إن لم يدق ويذوب في الماء ......
كيف نشبع خبزاً إلا إذا طحن القمح ودخل النار......
كيف تظهر فضائل أولاد الله إلا باحتمال أتون التجارب والآلام....
امرأة في زي رجل
إنه أوجانيوس .. رجل مسيحي أعطاه الله مالاً كثيراً ، ورزقه ابنة فدعاها مريم ، وعاشت الأسرة في فرح وسلام ، وفي ذات صباح انطفـأ المصباح ، وسمعت الأجراس قارعة تعلن نبأ انتقال الزوجة من عالم الشقاء إلى أرض البقاء .. وترك الأب وحيداً مع ابنته الصغيرة ، يهتم بها ويرعاها حتى كبرت
وصارت في سن الزواج ، ومع أن الرجل كان غنياً لم يستعبده مال أو جاه بل في حب إ لهه كان نامياً.
وحينما فكر الأب في أبديته فكر في زواج ابنته لكي يتفرغ للعبادة الديرية ، ولما علمت الابنة ما نوى به في قلبه ، تحرك لسانها ناطقاً: + لماذا يا والدي تخلص نفسك ولا تبالي بنفسي؟ + أجابها الأب في حيرة ما بعدها حيرة .. ماذا أصنع بك يا بنيتي وأنت امرأة؟
أجابته في طلاقة نادرة كاشفة عما في قلبها من حب لإلهها .. انزع عني زي النساء والبسني زي الرجال...
ونهضت في الحال وقصت شعرها، وخلعت ملابسها مرتدية زي الرجال...
ولما رآها أبوها قوية في عزمها ، مصممة على رغبتها وزع كل ماله ودعاها مارينا بدلاً من مريم....
وعند شروق شمس يوم جديد ، كان الأب بأقدامه في رمال الصحراء ضارباً ، ترافقه ابنته المرتدية زي الرجال إلى أحد الأديرة ، وهناك كانت حياتهما الجديدة .. استمرا يعبدان الرب بأصوام وطلبات في سجود ومطانيات إلى أن أعلنت السماء رغبتها في استقبال هذا الأب العجوز ، الذي استطاع بحكمته أن يكنز له كنزاً حقيقياً في السماء ، تاركاً سوس الأرض لغير الأنقياء ، أجل لقد زق كعريس إلى السماء .
أما مارينا فبعد أن تنيح شيخها ضاعفت أصوامها ، حتى أن الرهبان ظنوا أن رقة صوتها ، وضعف جسمها هو من شدة نسكها وسجداتها .. ولم يعلموا أمرها .
وفي أحد الأيام طلب الأب رئيس الدير من بعض الرهبان التوجه إلى المدينة لقضاء بعض حاجات الدير مصطحبين معهم الراهب مارينا ، وهناك في المدينة حدث ما لم يكن في الحسبان .. فتاة شاردة زرعت في حياتها الشر فحصدت ويا ليتها ما حصدت .. صرخت الفتاة كذباً أن الراهب مارينا أفقدني عفتي ؟... فما كان من أهلها إلا أن أسرعوا إلى رئيس الدير والغضب يملأ قلوبهم ، والوعيد على ألسنتهم.
وعندما علم رئيس الدير ذلك استحضر الراهب مارينا الذي لم يدافع عن نفسه مثلما فعل سيده ، لقد كان يدرك في أعماقه أن عناية الله لن تفارقه ، لم يكشف عن نفسه ، ولم يدافع عن شرفه ، بل ارتضى أن يحمل الصليب على كتفيه حباً..
لقد تعلم في مدرسة البرية أن الصليب هبة بل شركة آلام وعبور إلى مجد القيامة .. أجل لم يدافع عن نفسه وطرد من الدير وحينما أعطت الآثمة طفلها حملوه إليه ملقين به بين يديه فاخذه حاملاً إياه على كتفيه ...
جال به من مكان إلى مكان ، متنقلاً بين الرعاة في صبر وطول أناة ، يسقيه لبناً ويعطيه دفئاً واثقاً أن الصليب شجرة حياة سيأكل من أثمارها ويشبع ؟
وبعد ثلاث سنوات .. الهبت رمال البرية قدميها ، وشمس التجارب لوحتها ، والطفل على كتفيها .. فتحنن الرهبان عليها .. لقد أذنوا له بالرجوع بعد أن فرض رئيس الدير عليه قوانين أثقل مما يحمل على كتفيه ؟..
.... وحينما كبر الصبي ترهب في البرية ..
وبعد أربعين عاماً مرض الراهب مارينا ثلاثة أيام ثم تنيح وأمر رئيس الدير بنزع ثيابه والباسه غيرها ثم حمله إلى موضع الصلاة ولم يكن يعلم أحد بأمرها .
ولكن العناية الإلهية لم تشأ أن تترك أولادها ، بل في حبها تفيح رائحة طهرهم وقداستهم ، فحينما تقدموا بخلع ملابسه وجدوه امرأة وتعالت الأصوات في عجب وبكاء.. يا رب ارحم .. يا رب ارحم .. حتى تزلزل المكان وطار الخبر في كل مكان إن الراهب مارينا هو : امرأة بزي الرجال
ومن الجسد الجاثي الطيب احتمل الصليب شاكراً .. كان الطيب صاعداً ، لقد تعكر المكان برائحة العفة المنبعثة من هذا الجسد المتهم ظلماً ، وتقدم أحد الرهبان ذات العين الواحدة واضعاً وجهه عليها متشفعاً بها
فإذ بالنور يتفجر من عينه....
سلام لك يا وعاء القداسة
سلام لجسدك حامل سمات الرب يسوع
إنها حقاً العناية الإلهية التي أظهرت رائحة حبها وطهرها...
اشفعي من أجل ضعفنا وأنت ترنمي في كنيسة الأبكار.