لم أشك يوما في أنها أزمة تجاوزت الحدود المحلية إلى العالمية، وهذا ما كشفه بوضوح التصريح الأخير لأسطورة الكوكب البشري مارادونا، حين هاجم الصحافة بعنف بعد ما نجح في العبور بالتانجو إلى بر الامان في تصفيات كأس العالم. ماقصدته وفهمه القارئ الفطن هي العلاقة بين المسؤول والصحافة.
مارادونا الرجل الذي كتب تاريخ بلاده بمداد ذهبي غير مسبوق ولا ملحوق، هاجم الصحافة بعد النصر وسن لسانه يصفي حسابات مريرة مرته طوال لقاءات الارجنتين في التصفيات، قال عنهم ما لم يقله مالك في الخمر ولا المتنبي في خصومه ولا العرب في شارون، وصفهم بالحثالة والمرتزقة والقوادين وأشباه الداعرات والمخا.... والزبالة اكرمكم الله، وفي ذلك جرم كبير، لايطهره المطر تسعين عام، على قول البيت الشهير لخالد الفيصل.
ومارادونا الذي احبه حبا جما لم يخالف بعض المسؤولين في الرياضة في كل مكان، وصحافيوه اولئك لم يختلفوا عن بعض الصحافيين في بعض الامكنة.
هي أزمة وعي بين الصحافة أنى كانت ووجدت، والمسؤول من كان وأين وجد، أزمة وعي بالدور والمسؤوليات.
مسؤولون كثر ينظرون إلى الصحافة كمصدر للصداع وصانع للقلاقل والفتن، وجزء من هذا صحيح وآخر معتل، أما الصحيح فيظهر عندما يستسلم الصحافي لرغباته ويحول ادواته أدوات شخصية، وأما المعتل فعندما لا يعي المسؤول أن العلاقة بين الصحافة والمجتمع أي مجتمع علاقة رقابة يفرضها الدور وإلا لما كانت سلطة رابعة. بتبسيط أكثر كل يؤدي عمله حتى لو جلب الصداع للبعض، والقلق لآخرين.
الاختلاط الظاهر في ادوار الصحافة وعلاقاتها بالمسؤول، فرضته عيوب ونقص في الصحافة نفسها وممارسيها، حين تخلت عن دورها الرقابي المفترض، إلى التبعية القسرية احيانا والمتراضية أحايين أخرى، فغاب وجهها الجميل وظهر القبيح، والعذر مرات كثيرة ترديد المقولة الغبية: الجمهور عاوز كده.
والاختلاط الظاهر في ادوار الصحافة وعلاقاتها بالمسؤول، سببه مرات أيضا غباء وجهل المسؤول ذاته أحيانا، حين يتفاجأ بأدوارها الحقيقية ووجهها الجميل، فيسقط في يده يريد جرها من جديد إلى التبعية.
أبدا لم تكن الصحافة في كل الازمنة وحتى الآتية تابعة، بل قائد رأي ومشكل ذائقة، وفارز رؤى إذا صعد صهواتها أهلها الحقيقيون.
بالمناسبة مارادونا المسؤول الذي لا أحبه اعتذر للنساء والاطفال ولم يعتذر للصحافة، وكيف يعتذر لمن لا يعتذررون عن اخطائهم الجسمية في حق الناس كما قال.
"نقلا عن صحيفة قووول أون لاين الإلكترونية"