لأن الدرويش كتب غيابه قبل رحيله
لـــيـــس غـــريـــبـــاً عــلــى المخرج جواد الأسدي أن يقدّم أفكاراً جديدة في عالم المسرح والتمثيل، ويعود حالياً بعمل فنيّ تحت عنوان "لماذا تركت الــحــصــان وحـــيـــداً" الــذي يعرض ابتداﺀً من اليوم على مسرح بابل.
الأسدي الذي حمل في أعماله هموم الأمة العربية كلّها، أحبّ هذه المرّة أن يسلّط الضوﺀ على شاعر رحــل جــســده، لكن فكره وأبياته الشعرية ما زالت جزﺀاً من حياتنا اليومية. أحبّ المخرج أن يذكّر كل محبي الراحل محمود درويــش به وبأعماله التي خلّدها الزمن والتاريخ.
أحــبّ أن يعيد إلينا زمــن الشعر الجميل والكلمة الــمــؤثــرة. أحــبّ الأســدي أن يسخّر فكره وطاقته من أجل عمل مختلف عن سابقاته ويترك أثراً في المشاهدين. أحبّ أن يقول لنا انه كما نحتفي بكبار الشعراﺀ الغربيين والعرب، كذلك علينا الاحتفاﺀ بالشاعر الدرويش، شاعر العرب وهو ليس فقط شاعر فلسطين بل استطاع أن يكتب وضــع العرب بــرؤى من الديمومة والاستمرارية، وأنــه في دواوينه وخصوصاً الأخيرين استطاع أن يخرج عن كونه فلسطينيا بل تحوّل شاعراً كونيّاً.
يوضح الأسدي أن عمله الأخير ليس عــرضــاً مسرحياً بالمعنى التقليدي، أي أنــه يــوجــد كاتب ونصّ مسرحيّ، بل هو محاولة عبر ديــوانــي الــجــداريــة ولــمــاذا تركت الحصان وحيداً، أن يستوحي عرضاً يعطي أساساً للمسرح عن طريق التعبير الجسدي والغنائي والجانب السينوغرافي إضافة إلى النصّ، كل تلك العوامل تمتزج بعضها ببعض لتقدّم عملاً يخرج عن المألوف.
يلفت المخرج إلى أن عمله لن يكون عبارة عن قــراﺀة نصوص لمحمود درويــش، إنما العمل يمشي نحو "نبش" في عوالم نصوص الراحل، لأن القصائد تتمتع بمخزون بصري وروحـــي ودرامــاتــيــكــي. فقصيدة الــجــداريــة تــحــاول أن تــوحــي أن الحالة الفلسطينية فــي جحيم دائم، هم بلا سقف وبلا مكان وبلا أفــق وحياتهم مــهــدّدة ومرجحة فــي الكثير مــن التفجّر الــدائــم.
والــعــرض سيعطي روح الــنــصّ ويقدّم للجمهور المتعطّش للعمل الجيّد.
أمــــا عـــن أســـبـــاب اخــتــيــاره للديوانين: الجدراية ولماذا تركت الحصان وحيداً، فيشير الأسدي إلــى أن اختيارهما يعود بسبب درجات تماسهما معه. ويوضح ان الألم الشخصي والداخلي للكاتب، كأنه كتب غيابه مسبقاً، ومــزج الشاعر بين الأنا له وشعبه وناسه.
ابتداﺀً من اليوم، على امتداد أربع أمسيات، سيتلو بسام أبو دياب وعبدو شاهين ونسرين حميدان مقاطع من تلك القصيدتين. وليس عفوياً أن يعرض العمل لأربعة أيام فحسب، بل لكي يحتشد أكبر عدد ممكن من الحضور خلال فترة زمنية قصيرة، وألا يؤجّل حضوره مــراراً وتكراراً بل أن يأخذ القرار بمشاهدة العمل فحسب.
في كل أعمال المخرج الأســدي استطاع أن يترك أثــراً في نفس المشاهد، فكيف إذا كــان العمل عن شاعر كبير كالدرويش؟ بالطبع فإنه سيكون له نكهة أخرى، نكهة الأســـدي ومــعــانــاة الفلسطينيين وتأثير الكلمة التي كانت عند الراحل أقوى من تأثير السيف ووجع الموت واغتصاب الأرض. يعود بنا الأسدي هذه المرّة إلى شاعر لم يمض الكثير من الوقت على رحيله ربما كي ينشّط ذاكــرتــنــا بعد أن أصــابــهــا التعب والهذيان بسبب الأعــمــال الفنيّة المبتذلة التي تعصف بنا. فكان مولوده الجديد ليؤكد مجدداً أن الفنّ النظيف يتنشق الأوكسيجين وما زال على قيد الحياة.
قدّم الأسدي عدداً كبيراً من المسرحيات منها الخادمتان التي عرضت قبل فترة وجيزة وكذلك حمّام بغدادي التي لعب فيها الممثلان نضال سيجري وفايز قزق وغيرهما من المسرحيات التي لاقت رواجاً لدى متابعي المسرح.