خصائص مدرسة رمسيس:
تلك هى حياته ... رويتها لك فى عجالة و السؤال الطبيعى بعد ذلك :
- ما هى خصائص مدرسة رمسيس؟
و ادع يوسف بنفسه يجيب على هذا السؤال :
1 – الواقعية :
فلا تنغيم فى الالقاء و لا مغالاة فى الاشارة نقلا عن سائر المدرسة
الايطالية كل الاختلاف حتى لقد كانوا يسمونه " الممثل الذى لا ليس له
ذراعان " لانه كان لا يؤمن بالحركة الا عند الحاجة القصوى اليها.
2 – الجو الصادق :
فى رمسيس , بدا الاهتمام بتفاصيل المسرح و كنت احرص اشد الحرص على اعطاء
الجو الصحيح , فى الجو الصحيح فى المناظر و الملابس و الاضاءة و المكياج و
فى دراسة العصور اعتمادا على اصدق مراجعها .
3 – مكانة الممثل :
بدا الممثل فى رمسيس يشعر بمكانته و كرامته و احترامه فى المجتمع و ارتفع
مستوى معيشته و احس بالاستقرار و عدم الخوف من البطالة لاول مرة لانه يعمل
بصفة مستمرة فى مسرح ثابت راسخ .
4 – القومية :
من ناحية التاليف بدانا بترجمة روائع الغرب مما تستسيغه الحياة المحلية و
تهضمه كروائع شكسبير ثم جهدنا لخلق المؤلف المصرى فظهر ابراهيم المصرى و
وداد عرفى و انطون يزبك و اسعد لطفى و غيرهم .
5 – الوعى الاجتماعى :
و ذلك بالاتجاه الى المسرحية التى تعمل على هدم الاوضاع الفاسدة و الغاء
نظام الطبقات , و الثورة على الظلم فى الداخل و الخارج و هدم اتلمجتمع
الارستقراطى ... الم تكن رسالة رمسيس تمهيدا للثورة و دفاعا عن حقوق
الفقراء و الكادحين فى الحياة .
انفضاض ..... لا انهيار
:و يابى عليك يوسف بعد ذلك ان تقول له :
- لماذا انهار رمسيس ؟
و يصحح لك السؤال بقوله :
- لماذا انفضت اسرة رمسيس ؟
يقول يوسف :
نضوب المورد ... لقد كان رمسيس ينفق عن سعة على المسرحيات , كان يقدم كل
اسبوع رواية جديدة بمناظر و ملابس جديدة و باثاث جديد و كان يبدا تجاربه (
بروفاته ) قبل الموسم بثلاثة اشهر و كان راتب الممثل ضعف راتبه اليوم و
كانت الخسائر تتكدس عاما بعد عام على امل فى مزيد من اعانة الدولة ...
الدولةالتى لم تلق بالا الى الفن فى العهد المنصرم حتى لقد اربت الخسائر
على ربع مليون من الجنيهات و اكلت ايراد المسرح و ما ورثته عن امىو ابى و
ما شقيت فى افتنائه فى زهرة العمر ... و حينما حلت سنة 1935 كنت لا املك
الا الثوب الذى البسه بغير بديل !
فلسفته فى الحياة:
و يوسف وهبى , صورة يخطئها كثير من العيون
فقد يخيل اليك اذ تراه على المسرح او فى الطريق انه انسان متكبر او متجبر
او انه يعيش لنفسه او انه لم يصطنع اسلوبه فى الحياة او الحديث اصطناعا
يبعده عن الطبيعة .
و لكنك اذا اقتربت منه , كما اقتربت انا , لوجدت انه انسان فلسفته فى
الحياة هى الاحساس بالالم قبل الفرحة و مشاركة غيره فى هذا الالم مشاركة
عملية , تتمثل فى مسرحياته فى اختياره للمسرحية المترجمة او المقتبسة او
المؤلفة ليشارك بها مواطنيه فى الالم و الشقاء .
و هو يؤمن بان المسرح هو المنبر الاسمى ... نفس الفكرة التى آمن بها
شكسبير و موليير و ديماس و هوجو و لكن يوسف فى هذه المنبرية يساير الزمن
فبعد ان كانت النصيحة فى مسرحياته الاولى سافرة تطور بها حتى جعلها تحمل
لاعظة خلال الحوادث لا فى الحوار و اكتفى بالتنويه و التلميح .
المرأة فى حياته:فى حياة يوسف عشرات من النساء .... و لكن اللواتى لعبن الادوار الرئيسية
فى حياته لا يزدن عن اربع , اولاهن اغريقية هى حبه الاول الذى اسلفنا
الحديث عنه و قلنا انه كان " تحويلة " حياته فقد هجر بيته و اهله من اجلها
ثم تخلى عنها يوم كتبت له انها فقدت روحها و اصبحت تعيش بالجسد وحده.
و تاتى الثانية بعد ذلك " مس لوند " زميلته فى كونسرفتوار ميلانو و هى
مزاج جميل من اب المانى و ام اسكندنافية و جنسية امريكية ... كانت موسيقية
موهوبة و ناقدة متعمقة و تحابا ... و كان الزواج الاول .
و جاءت معه الى مصر و كانت سنده فى مطلع رمسيس و لكنها لم تكن من اللون
الذى يستطيع ان ينسى فنه فى سبيل بيته... كانت تعمل على مسارح الاوبرا و
لها عقود تجبرها على كثرة التنقل بين مسارح العالم و لم يشا يوسف ان يقف
عقبة فى طريق فنها الذى احبته فسرحها باحسان .
و جاءت الثالثة ... التى لا يزال يوسف يذكر لها فضل التضحية بالكثير من
مالها فى سبيل تحقيق اهدافه المسرحية و يقول انها السيدة الاولى التى
احتملت خسائر المسرح المصرى ثم كانت الفرقة بينهما .
و اخيرا لاحت فى افق حياته السيدة التى علمت يوسف لذة الاستقرارا اول مرة
.. الشريكة التى تفهم حياته و تقدر رسالته و تقف الى جانبه ... الى الابد
.
دور احبه .... و دور اكرهه!و اذا سالت يوسف :
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] - ما احب ادوراك اليك ؟
اجاب فى غير تردد : راسبوتين !
و قد يلمح يوسف على شفتيك و انت تسمع هذا الجواب شبهة ابتسامة ... ابتسامة
مبعثها انك قد يقفز الى ذهنك وجه من المشابهة بين الرجل و بين الدور الذى
يحبه و لكنه يلاحقك بقوله انه راى الكثيرين من عظماء المسرح يلعبون هذا
الدور دون ان يتعمقوا فى دراسة شخصيته .... اداه " كونراد فايدت "
الالمانى الذى اظهره بمظهر الشرير فحسب و داه ليونيل داريمور فاظهر منه
المتآمر الانانى ... ثم اضطلع به هارى بور فصوره وحشا و زئر نساء ... اما
يوسف فقد لمس فيه الطابع الشرقى الذى يغلب عليه و التقى بابنة راسبوتين فى
باريس و هى فلاحة جاهلة كانت تؤمن بان اباها لم يكن الا قديسا مطهرا ثم
التقى بالامير الروسى الابيض يوسوبوف الذى اكمل الصورة ليوسف حين حدثه كيف
كان راسبوتين زنديقا , زئر نساء يبيع وطنه بالذهب و يدمر المثل العليا و
ينشر مبدأ " االخوات المؤمنات " ليدعو النساء الى الزلل معه كجسر للتطهير !
و هكذا استطاع يوسف ان ينتظم خلال راسبوتين ... راسبوتين .. راسبوتين ابن
النكتة ذى الارادة الخارقة و الشخصية المسيطرة ... الشرير الجذاب .
اما ابغض الادوار اليه فهو " أرمان دوفال " عاشق غادة الكاميليا لان يوسف لطبيعة فيه لا يحب ادوار العشاق الضعفاء المتخاذلين .
متى يعتزل الفنان ؟
و يوسف اليوم يقترب من الستين و لهذا كان عويصا على ان اواجهه بهذا السؤال :
- متى يجب ان يعتزل الفنان فنه ؟
و لكنى واجهته به ... و اضفت اننى لا اقصده هو بالذات و انما اطالبه
بنصيحة يقدمها لكل فنان و لكل فنانة من اهل المسرح و الغناء و سائر الفنون
.. و كان جوابه :
- اذا ما شعر بانه لم يعد قادرا على اداء الرسالة كاملة فالسن اذن لا دخل
لها فى الاعتزال بل المقدرة و معظم الفنانين الخالدين برزوا فى اعمار
متقدمة اما اذا شعر الفنان بالعجز و اصاب صوته وفنه الهزال و تعبيره الوهن
و احس ان الجماهير قد بدات تنفض من حوله فهنا يجب ان يفسح الطريق لغيره و
يعتزل و هو فى قمة المجد .
الكتب التى اثرت فيه
:
هناك قولة جميلة تقول : قل لى ماذا تقرا ... اقل لك من انت , قلتها ليوسف
فقال ان اعظم التى وجهت حياته هى الياذة الشاعر الايطالى دانتى اليجيرى
صاحب " الكوميديا المقدسة " و مسرحيات نيكوديمى الايطالى و مؤلفات شكسبير
عامة ... هذه فى بدء تكوينه اما الان فانه يقرا كل ما يستطيع و اكثر ما
يقرا عن المسرح و المسرحيات التى تضم بين جلداتها العلم و الفلسفة و
الدراسات الخلقية ... و العالم باسره فى صورة مركزة .
السعادة و الشقاء
- هل عرفت معنى السعادة ؟ ان سعادة الممثل هى فى نزول الستاة على الفصل الاخير من روايته , و لقد
شربت اجمل كؤوسها يوم نزول الستارة على مسرحية " المجنون " فى اول ليلة من
ليالى رمسيس حبن ضحت الصالة بالهتاف و التصفيق لقد آمنت يومئذ بنفسى و
بالجماهير .
- و هل عرفت معنى الشقاء ؟
عرفته كما لم يعرفه احد لقد كانت حياتى ترمومترا من السعادة و الشقاء و
النجاح و الفشل و الثراء و الافلاس و اشقى ايام حياتى يوم اضطررت الى
اغلاق ابواب رمسيس سنة 1933 بعد ان فقدت كل شىء و عندما ذهبت الى مدينة
رمسيس فوجدت على ابوابها حراسا يمنعوننى من الدخول و كان وراء الاسوار كل
ما جمعته فى حياتى من معدات مسرحية و سينمائية و حتى ملابسى الخاصة و عدت
و انا من الدنيا صفر اليدين لا املك بيتا و لا سترة غير التى البسها و فى
جيبى جنيه واحد .
و اطرق يوسف اطراقة غالب فيها دموع الذكرى ثم استطرد يقزل : " لم يحزننى
يومئذ فقد ثروتى بل حرمانى من فنى و لاسيما بعد ان كونت الحكومة الفرقة
القومية و لم تستدعنى و هذا هو الدرس الذى اقدمه للشباب :
لقد عكفت على كتابة مسرحية و لمحت حولى بعض الهواة لان الدولة اخذت جميع
ممثلى رمسيس فى فرقتها و وضعت نفسى تحت امرة متعهد حفلات يديرنا على مسارح
الارياف ... و كان اجرى منه 160 قرشا كل ليلة !
و بعد ايها القارىء فهذا هو يوسف وهبى و اذا كنت قد اطلت عليك حديثه فما
رويت من حياته الا اقل القلل الذى يلقى الضوء على هذه القصة الجميلة فى
تاريخ الفن المصرى .