***بمناسبة مرور 100 سنة علي المسرح التونسي اقدم لكم هذا المقال
ذهب بعض الدراسيين إلى أن ميلاد المسرح التونسي يجب أن يؤرخ له بسنة تكوين أول فرقة مسرحية تونسية، باعتبار أن المسرح عمل جماعي يساهم فيه المؤلف والمخرج والممثلون في مكان معين أمام الجمهور، وأول نص تونسي تم تمثيله أمام الجمهور، كان سنة 1909(2) وهو مسرحية "السلطان بين جدران يلدز" من تأليف "محمد الجعايبي" (1878-1938) وتوالت بعيد ذلك مسرحيات أخرى، مثل مسرحية "عبد المؤمن بن علي" " للهادي العبيدي" و"المتمردة"، لنور الدين بن محمود، ومسرحيات لكل من محمد الحبيب(1903-1980) وأحمد خير الدين (1905-1967) وزين العابدين السنوسي (1898-1965) وخليفة السطمبولي (1919-1949)...
وأغلب هؤلاء جاءوا من العمل الصحافي، وهناك من انتقل من كتابة القصة أو الشعر غالى كتابة المسرح مثل القاص "علي الدوعاجي" والشاعر عبد الرزاق كرباكة (1898-1945) ويعزى ذلك إلى أن هؤلاء الكتاب المسرحيين لم يكونوا يفصلون بين الأدب والنص المسرحي فكان في اعتقادهم الراسخ أن النص المسرحي لا يمكن أن يكون إلا أدبا مثل القصة والرواية والشعر والمقال.
وفي الفترة نفسها بدأت تنشأ حركة المسرح الغنائي وبالضبط في سنة 1908 مع قدوم دوق "سليمان قرادحي" إلى تونس، كان هذا الجوق يدخل شيئا من الغناء على التمثيل للترفيه والتنويع.
وبعد" سليمان قرادحي" قدم إلى تونس الشيخ "سلامة حجازي" الذي ذاع صيته في العالم العربي آنذاك يصحبه جوقه.
وقدم هذا الجوق عدة مسرحيات منها "ماري تيدور" و "شرلوت" و"الاتفاق الرهيب" و"هملت" وبين 1911 و 1914 تأسست بتونس جمعيتنا "الآداب" و"الشهامة" وسارتا على الوتيرة نفسها، أي على النسق الذي كان يقدم به جوق سلامة حجازي
* المميزات الأولى للمسرح التونسي.
كان المسرح التونسي طيلة نصف قرن مدرسة الأمة. حيث ركز المسرحيون على التعريف بتاريخ وطنهم في القرون الوسطى: "إفريقية العربية الإسلامية" وبمن كان يحكمها من أمراء بني الأغلب والخلفاء الفاطميين والملوك الحفصيين وعلى التعريف أيضا بالأوطان العربية الأخرى مثل الأندلس ومصر والشام والعراق وبما جد في كل واحد منها من أحداث وحروب وفتوحات، فصارت بذلك أسماء طارق بن زياد وعقبة بن نافع، وموسى بن نصير، وعبد الرحمان الداخل، وغيرهم من الرجال الذين أعطوا لإفريقية والوطن العربي بأسره القوة والحضارة " ومن يطالع بتأن هذه النصوص ويضعها في إطارها السوسيولوجي، يلاحظ أنها تطرح قضية البطولة بمختلف معانيها: الزعامة في الميدان السياسي، والقيادة العسكرية في الميدان الحربي والإمامة في الميدان الديني والتشريعي والأخلاقي" ذلك أن اغلب هؤلاء الكتاب المسرحيين كانوا يمارسون النشاط السياسي فـ "محمد الجعايبي" كان من المصلحين الاجتماعيين ومن أتباع "خير الدين التونسي" و "محمد الحبيب" و"زين العابدين السنوسي" كان مشهورا بانتمائه إلى الحزب الحر الدستور التونسي، وقد انخرط كل من أحمد خير الدين وأحمد المختار الوزير (1912-1983) في الحزب الحر الدستوري التونسي كسائر الكتاب والشعراء والأدباء في ذلك التاريخ.
وغريب أن تشير "فوزية المزي" إلى أن تاريخ المسرح التونسي يمتد إلى قرابة نصف قرنمتجاهلة ما ألف في النصف الأول من القرن العشرين. فهذا محمد الجعايبي يؤلف ويمثل مسرحية "السلطان بين جدان يلدز" سنة 1909، ومحمد الحبيب ألف مسرحية: "الواثق بالله الحفصي"، وقدمها سنة 1930، وزين العابدين السنوسي صاحب مسرحية "فتح افريقية" وقد نال بها الجائزة الأولى
* الحركة المسرحية التونسية بعد الاستقلال.
أدرجت الدولة- بعد الاستقلال- المسرح ضمن أدوات" إيديولوجية التنمية، نظرا لوظيفته التربوية والثقافية، فالسياسة البورقيبية أصرت في أوائل الستينيات على أن تكون للبلاد سياستها التربوية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية أيضا، وبالتالي مسارحها وهياكلها المبدعة وفنانوها... إلى غير ذلك من مظاهر الاضطلاع بالذات وتقرير المصير.
هكذا حصل المسرح على اعتراف رسمي سياسي بوظيفته الاجتماعية جعلت ممارسيه شركاء في الحياة العامة ومواطنين كاملي الحقوق، فبرزت تجارب هامة تشكلت في بدايتها داخل إطار "الفرقة البلدية للمسرح" على يدي" حسن الزمرلي" وهي فترة (1960-1963) والتي تميزت بتركيز الإنتاج انطلاقا من نصوص عربية وأخرى مترجمة واختيار اللغة العربية الفصحى"ربما كان نتيجة رد فعل ضد الكم الهائل الذي أنتجه المسرح التونسي من النصوص المسرحية الفرنسية في الفترة السابقة له"
ولقد فتح الراحل "علي بن عياد" -رائد المسرح التونسي- عهدا جديدا للمسرح الجماهيري أو الشعبي، مكرسا النصوص التونسية وان كانت في مجملها نصوصا مقتبسة عن الكوميديا، والرصيد المسرحي "لعلي بن عياد" متنوع الأشكال والأغراض والتقنيات.
لقد كان "علي بن عياد" يدرك أهمية التأليف المسرحي الوطني، وخطورته في تطوير العمل المسرحي التونسي، إذ كان يعلم أن إخراج التأليف الأجنبي هو من التمرينات الفنية وكان يعلم أيضا أن المسرح في تونس لا يمكن أن يكون تونسيا إلا إذا أقبل عليه المؤلفون الوطنيون بأحسن إنتاجهم وأعزه وأقواه. ذلك أن التأليف هو العمود الفقري للمسرح مهما كان نوع هذا المسرح".
وفي الربع الأخير من القرن العشرين عرف المسرح التونسي تطورا مهما تجلى في "الابتعاد عن الطابع الاجتماعي الساذج الذي كانت تتسم به مسرحيات النصف الأول من هذا القرن.
ويعزى ذلك إلى تطور المجتمع التونسي، الذي عرف تحررا بعد الاستقلال واتجه المسرحيون وعلى رأسهم "علي بن عياد" إلى "تونسة" النص المسرحي "قصد تأصيل الخطاب" "الدرامي" وتحريره من التبعية للغرب، فإنه اتجه إلى النصوص العالمية يتونسها ويعربها حتى أصبحت كأنها من تأليفه الخاص، ومن أجل غاية التأصيل و "التونسة" هذه كان يستعين ببعض المؤلفين التونسيين لترجمة النصوص العالمية".)
إن تجربة علي بن عياد فتحت المجال أمام المسرحيين التونسيين للتحرر خلال العقدين الأخيرين فظهرت تجارب متميزة تعد علامة في المسرح العربي المعاصر كتجربة "عز الدين المدني" الذي استلهم التراث في إبداعه المسرحي، ليلج إلى عامل التأصيل والحداثة. "وهو لا يكتفي بالقراءة الإسقاطية للتراث وإنما يجعله أداة جمالية و"إيدلولجية" غايتها تقريب المسافة بين ذوق الملتقي وهمومه اليومية والمصيرية. وهذا ما يظهر بالضبط في مسرحياته ذات الدلالات الإيحائية المتنوعة، ابتداء من مسرحية "ثورة صاحب الحمار" و"رحلة الحلاج" مرورا بـ "ديوان الزنج" و"التربع والتدوير" و "الغفران" ووصولا إلى "مولاي السلطان الحسن الحفصي" و"الحمال والبنات"
ففي كل هذه المسرحيات توجد مرجعية التراث المدون والشفوي دون السقوط في العملية الاستقرائية للأحداث التاريخية لأن "عز الدين المدني" بهذا التراث اتجه إلى ما يمكن أن نستفيده حاليا ومستقبلا، من أجل تكسير حواجز الاستلاب التي ظلت القوالب المسرحية الغربية تفرضها على المبدع العربي ولم يقف هذا الوعي عند حدود استلهام التراث وقضاياه بل تجاوز ذلك إلى تفتيت المكونات الفنية الشعبية للأشكال التقليدية التي مارسها الإنسان العربي وعبر بها. فحقق تواصلا أدبيا أو فنيا مع جمهوره قارئا كان أم متفرجا منصتا، وهذا يعني إن عز الدين المدني عمل على تطويع الأشكال التراثية قصد تحقيق تواصل مع الجمهور".
إن هذا التعامل الجريئ مع التراث يجعل من عز الدين المدني كما يقول فيه الدكتور "علي الراعي" صاحب موقف جمالي من التراث). وقد وجد في بعض الحركات والانتفاضات شأن ثورة الزنج وثورة صاحب الحمار وفي بعض الشخصيات شأن أبي العلاء والحلاج وجها آخر للتراث العربي الإسلامي سعى للتعريف به عبر معالجة المادة التاريخية التي تناولته معالجة عملت على إزالة التشويه الذي علق بها من طرف القائمين على التاريخ الرسمي السائد.
والى جانب عز الدين المدني نذكر المؤلفين سمير العيادي ومصطفى فارسي ومحمد رجاء فرحات وغيرهم...
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]