قطار السينما اللبنانية مزدحم الآن.. بالرجال

كتب الراحل محمد بديع سربيه عام 1983:

مرة جديدة يتحرك قطار السينما اللبنانية..
وعلى مراحل التاريخ السينمائي في القرن العشرين فإن هذا القطار يقطع مسافات قصيرة ثم يتوقف في أية محطة فترة طويلة، وبعدها يستأنف السير، وليس هناك من مرحلة تابع فيها هذا القطار سيره مسافات طويلة!..
وعندما أقول: “السينما اللبنانية” فإن الذي أعنيه منها هو الأفلام السينمائية التي ينتجها ويمثّلها ويخرجها لبنانيون وتنطق من أولها إلى آخرها باللهجة اللبنانية، أما غير هذا النوع من الأفلام، أي النوع الذي كان يختلط فيه حابل الإنتاج بنابل الجنسيات واللهجات، فإنه لا يُحسب على لبنان، وربما لا يرد ذكره أيضاً في تاريخ السينما اللبنانية!!..
لقد شهدت السينما اللبنانية في بداية الأربعينات أول محاولة لإنتاج فيلم سينمائي، والذي قام بها هو الفنان الذي اشتهر في الأربعينات ومنتصف الخمسينات بإسم “علي العريس” وكان أول مَن أقام في بيروت مسرحاً استعراضياً أعتقد أنه يتفوّق في مستواه وإمكانياته وروعة ما يقدّم فيه، على كل المسارح الاستعراضية العربية..
إن علي العريس فنان لبناني من مواليد وسكان محلة “عائشة بكار” في بيروت، وكان موهوباً في الإخراج والديكور المسرحي، وكان يقدّم على المسرح استعراضات غنائية راقصة تقوم ببطولتها زوجته الفنانة نادية شمعون، التي حملت بعد زواجها منه إسم “نادية العريس”، وكان قد بدأ مشواره الفني معها من القاهرة، حيث ظهرا كثنائي غنائي ضمن برنامج فرقة الفنانة الكبيرة الراحلة بديعة مصابني، وقد بلغ من حب علي العريس لزوجته ان سمّى بإسمها مسرحه الاستعراضي، فأصبح المسرح يعرف بـ”تياترو نادية”، وكان مكانه في ساحة الشهداء فوق محلات “حلو البحصلي” وهو المسرح الذي عرف فيما بعد بإسم “مسرح فاروق”.
ولقد أصبح “تياترو نادية” في ساحة الشهداء في بيروت، هو المسرح الذي يوثّر إعلامياً في المجتمع اللبناني، وأدرك هذه الحقيقة المفوّض السامي في بيروت الكونت دي مارتيل، أثناء الانتداب الفرنسي في لبنان، فإذا به يغدق التكريم المادي والمعنوي على نادية وعلي العريس، ويحثهما على أن يساهما في الدعاية لفرنسا وحليفتها بريطانيا في الحرب التي كانتا تخوضانها ضد قوى النازية التي كانت تحلم بإخضاع العالم كله لسلطان زعيمها ادولف هتلر، وبالفعل فإن علي العريس قدّم على مسرحه استعراضاً رائعاً قامت ببطولته زوجته نادية، وكان عنوانه “انتصار الحلفاء” وقد فرح المفوّض السامي الفرنسي بهذا الاستعراض وأرسل صوره إلى حكومته في باريس، قبل سقوط فرنسا في قبضة الاحتلال الهتلري، وكان الرد على هذه الصور هو الطلب إلى المفوّض السامي بأن يسعى إلى تنظيم حفلات مسرحية في العديد من المدن اللبنانية والسورية يعرض فيها الاستعراض الذي اعتبر أكبر دعاية شعبية للقوى المتحالفة في وجه العاصفة النازية!..
وكسب علي العريس كثيراً.. وكثيراً جداً!..
ولو استمر في مسرحه الاستعراضي فقط لكان من أصحاب الملايين، بل ولكان اشترى المسرح الذي كان يشغله بالإيجار، ويملكه ثري حلبي الأصل من آل حموية..
ولكن طموح علي العريس كان يتجه نحو الشاشة السينمائية، وكان حلمه الكبير هو أن ينتج ويخرج أول فيلم في لبنان، وقد وضع بالفعل قصته وسمّاه “كوكب.. أميرة الصحراء” وكان يرشّح لتمثيل دور البطولة فيه زوجته الفنانة الرائعة الجمال والغنية الموهبة والتي كانت قد اشتهرت في طول البلاد العربية كنجمة استعراضية من الدرجة الأولى!..

مجلة الموعد

الموضوع الأصلى : قطار السينما اللبنانية مزدحم الآن.. بالرجال المصدر : قيثارة الغناء العربى

توقيع العضو:

نور الحياة شاكر