- نور الحياة شاكر كتب:
- بمناسبة ذكرى وفاة عبد الحليم حافظ....مجلة الكواكب...1980
..مشوار عبد الحليم مع العذاب الجسدي والالم بدا فعلا في الخمسينات وبالتحديد عام 1956 ففي
ذاك اليوم اصيب باول نزيف من المعدة ..وضع ذلك النزيف علامات استفهام كبيرة على حياته وعلى
صحته وعلى صوته الذي يمثل اغلى ثرواته وهو اخشى ماكان يخشاه عبد الحليم وبدا مشوار العمل
والكفاح ينقسم الى مشوارين .مشوار العمل والمجد ومشوار الالم والعذاب ..واجريت لحليم اول
عملية استئصال جزء من معدته في لندن وكانت اول بداياته العلاجية مع المدينة الرمادية التي ظل
يعالج بها دوما حتى كانت نهايته في ذات المدينة مدينة الضباب لندن..واتضحت الاسباب التي وراء النزيف وكانت البلهارسيا السبب الرئيسي له والمصدر هو الكبد وما اصابه من تليف الجزئي وما نتج
عنه من دوالي المرئ والمعدة ومنذتلك الاصابة اللعينة اخذت الابتسامات على شفايف اصدقائه ومحبيه
تبهت وتشحب ....... وبدا الفرح والسعادة بالنجاحات المتلاحقة والمجد والانتشار يهدده شبح الخوف والمرض والنزيف والعمليات واصبح الصراع دائما ومقيما معه..وخاض عبد الحليم اقوى واروع
معاركه واكثرها اثارة ..لم تكن هذه المعارك مع زملائه او فنانين ولكن كانت مع المرض والحجرات
البيضاء والادوات الطبية والحقن ..ان معركته مع المرض لا تقل روعة وشجاعة وقوة عن صراعه
من اجل اثبات ذاته وكيانه ونجاحه ومجده..انتهت بهذا التاريخ الراحة النفسية والاطمئنان والابتسامة
الحلوة والضحكة الصافية وبدات تباشير ونذر مشوار جديد تماما وشوار غريب فيه النجاحات وفيه
الانتكاسات الصحية فيه المجد وفيه العمليات الجراحية فيه مكاسب فنية كبيرة وبجوارها الخسائر
الجسدية المتمثلة في اقتطاع اجزاء من كبد عبد الحليم فيه الحب او ادعاء الحب او توهم الحب لكن
حب بلا امل وبلا نتيجة وبلا مناء يرسي عليها ..واقتنع الفتي الاسمر الذي اصابه المرض بضربة
قاضية وهو بعد مازال في بداية الجولة الاولى ان الزواج خطر على حياته وشقاء في نفس الوقت
فلم يفكر بالزواج...
وللحديث بقية
كتبوا وتحدثوا عن تمارضه ولكن في نفس الوقت الذي قاموا فيه ذلك كان الفتي النحيل الذي لم يستطيع المرض ان يهزمه يخوض اجمل واروع معاركه التي كان فيها بطلا وقويا باستمرار ومؤمنا الى اقصى درجات الايمان وكان الياس اصاب الجميع بلا استثناء اطباء واصدقاء الا انسان
واحد هو عبد الحليم .فكان يدخل العملية ويخرج ويصاب باغماء كبير ويفيق منه وليس في فمه سوي
كلمة يارب ..وفي مرة من المرات قال لصديقه مجدي العمروسي _ يامجدي اتمنى ان ياتي من
قالوا عني اني اتمارض ليشاهدوني وليكتبوا ما يخالف ضمائرهم بعد ذلك دي مهمتك يامجدي اظهر
للناس الحقيقة انت الشاهد الوحيد على ذلك ياصديقي..
لقد كان هذا الفتي الدقيق الحجم النحيل الجسد الغامق الوجه الذي ينهش المرض والعذاب جسده
يتميز بصفات نادرة وغريبة تنبئ بان صاحبها سيصل الى هدفه مهما طال الطريق ..فمن جهة الاغنية
منذ بدا مشواره لا ياخذ الكلمات من مؤلف كقضية مسلم بها ما عليه سوى ان يعطيها لملحن ويغنيها
بعد ذلك لم يحدث ذلك مطلقا بل كان يناقش كل مقطع وكل كلمة ولا يقبل الا ما يرتاح اليه وترتاح اليه اذناه ويعرف ان هذا سيصل منه الى قلوب معجبيه مباشرة ..اما الالحان فانه لم يغن لحنا على الاطلاق دون ان يناقشه ويتحسسه ويهضمه ويرتاح اليه ولم يخشي اي شخصية عملاقة قدمت اليه
الحان اوكلمات .في وقت كان فيه في اول درجات سلم الفن بل كان يناقش ويناقش حتى يقتنع تماما
ولم يتعجل عبد الحليم لحنا على الاطلاق بل كان يعطي الفرصة تلوى الفرصة ويسهر ويرافق المؤلف
والملحن ليالي وايام واسابيع وشهور ..وربما عام او عامين كما حدث مع اغنية " في يوم في شهر
في سنة" فهذه الاغنية استمر لحنها عامين كاملين فقد انهي كمال الطويل من تلحين المذهب فور
تسلمه الكلمات ولكنه توقف بعد ذلك تماما..وكانت الاغنية لفيلم حكاية حب وتعطل العمل بالفيلم لاجل
تلك الاغنية واصبح عقل المنتج على شفا الانفجار والمخرج ثورته لا تنتهي على كمال الطويل ..
وظل المذهب والكوبليه امام كمال الطويل مثل الشبح المخيف وانفعلوا جميعا ضد كمال الطويل وحاولوا اخراجه من حالة الخوف والجبن ..وعندما خرج من نطاق خوفه واكمل اللحن كان قد مضي
عامان تماما على استلامه كلمات الاغنية..وهكذا كان عبد الحليم دائما يتوقف حتى يحصل على افضل
ما يتمناه