الدولة : عدد الرسائل : 51922تاريخ التسجيل : 08/12/2007المزاج : بطاقة عضوية :
موضوع: رد: الادب العالمي الخميس 4 نوفمبر 2010 - 0:27
الفصل الرابع
كان قد مضى أسبوع عندما أخبرتني بارتريدج أن السيدة بيكر تريد التحدث إلي قليلاً . لم يبد لي اسم السيد بيكر مألوفاً على الإطلاق . تساءلت في تحير : " من الآنسة بيكر , ألا يمكنها التحدث مع الآنسة جوانا ؟ " ولكن علمت أنها لا تريد أن تتحدث معي أنا بالذات , ثم علمت فيما بعد أن السيدة بيكر هي والدة الفتاة بياترس . كانت بياترس قد غابت عن ذهني تماماً , ولم أنتبه لهذا إلا عندما رأيت تلك المرأة التي تجاوزت الأربعين عاماً , ونال الشيب من بعض خصلات شعرها , والتي كانت جاثية على ركبتيها تغسل أرضية الحمام والسلالم والردهات . ولقد أدركت أنها الخادمة الجديدة . ولولا تلك المرأة لما خطرت بياترس بذهني أبداً . ولم أستطع أن أرفض مقابلة والدة بياترس , خاصة بعد أن علمت بأن جوانا ليست موجودة في المنزل , ولكنني أعترف بأنني كنت أشعر ببعض الضيق حيال هذا الأمر. ولقد كنت آمل بشدة ألا أتهم بالتلاعب بعواطف بياترس . وأخذت ألعن في داخلي تلك التصرفات السخيفة التي يقوم بها كاتب هذه الرسائل المجهولة , ولكنني لم أفعل شيئاً إلا أن أطلب من بارتريدج أن تحضر والدة بياترس لمقابلتي . كانت السيدة بيكر ضخمة الجثة طويلة القامة , وكانت تتحدث بسرعة شديدة . ولكنني شعرت بالكثير من الراحة عندما لم ألمح في صوتها أي نبرة غضب أو اتهام . بدأت السيدة بيكر الحديث ما أن انغلق باب الغرفة خلف بارتريدج قائلة : " أرجو يا سيدي أن تغفر لي جرأتي في طلب مقابلتك . ولكنني ظننت يا سيدي أنك الشخص المناسب الذي ينبغي أن آتي إليه ، ولسوف أكون شاكرة إذا ما كنت ستنصحني بما ينبغي عمله في ظل هذه الظروف الراهنة ، لأنه في رأيي يا سيدي لا بد من القيام بشيء ما في هذا الصدد ، وإنني لست من هؤلاء الناس الذين يتركون الأمور تتفاقم ، وما أقوله هنا هو أنه لا فائدة من الشكوى والتذمر ، وإنما لا بد من ترك الكلام والبدء في الفعل كما قال رجل الدين الأسبوع قبل الماضي . " شعرت ببعض الحيرة لأنني أحست كأن هناك شيئاً أساسياً فاتني أن أفهمه في هذه المحادثة . قلت لها : " بكل سرور , ألن تتفضلي بالجلوس يا سيدة بيكر ؟ إنني سوف أسعد بتقديم العون لك . " ثم صمت للحظة منتظراً منها أن تجلس . وجلست السيدة بيكر على حافة مقعدها بعد أن قالت : " أشكرك يا سيدي , إن هذا تصرف في غاية الكرم من جانبك يا سيدي . وإنني في غاية السعادة لأنني أتيت لمقابلتك , ولقد قلت هذا لـ بياترس عندما كانت تبكي في فراشها , لقد قلت لها إن السيد بيرتون سوف يعرف ما ينبغي عمله , فهو سيد مهذب قادم من لندن . ولا بد بالفعل من عمل شيء ما , ما بال هؤلاء الشباب المندفعين الذين لا يصغون إلى صوت العقل , ولا يصغون إلى أي كلمة تقولها فتاة ؟ وعلى كل حال لقد قلت لبياترس إنني لو كنت مكانها لفعلت كا ما في وسعي لكي أنتقم منه , وماذا عن تلك التاة في الطاحونة ؟ " ازدادت حيرتي مع كلامها , فقلت : " معذرة , ولكنني لا أفهم , ما الذي حدث ؟ " " إنها الخطابات يا سيدي , خطابات بذيئة . وغير لائقة كذلك . وبها كلمات سيئة ومثير للاشمئزاز بشدة . " وهنا استرجعت شريط الأحداث في ذهني وتكشفت لي الأمور ؛ فقلت لها بيأس : " هل تلقت ابنتك المزيد من الرسائل ؟ " ليست هي يا سيدي , هي لم تتلق إلا رسالة واحدة . تلك الرسالة التي كانت سبب رحيلها من هذا المنزل . " قلت لها : " لم يكن هناك ما يدعو لأن ــ ! " , إلا أن السيدة بيكر قاطعتني بأسلوب حازم ولكنه مهذب وقالت : " لا داعي لأن تكمل يا سيدي , إن كل ما جاء في هذه الخطابات لا يعدو أن يكون بعض الأكاذيب الدنيئة . إنك يا سيدي لست من هذا النوع من الرجال , لقد أكدت الآنسة بارتريدج هذا ـ ولقد لمست هذا بنفسي . ما هي إلا أكاذيب حقيرة , ولكني قلت إنه من الأفضل أن تغادر بياترس المنزل لأنك تعرف جيداً ما يقال يا سيدي , إن الناس سيقولون لا دخان بلا نار , ولقد انزعجت الفتاة بشدة , لقد وافقت بياترس عندما رفضت المجيء إلى هنا ثانية , رغمم أن كلينا قد شعر بالأسف للارتباك الذي سببناه لكم بهذا . " توقفت السيدة بيكر قليلاً وأخذت نفساً عميقاً ثم قالت بعد جهد : " ولقد كنت آمل أن يوقف هذا التصرف هذه الشائعات الحقيرة . ولكن جورج عامل الممرآب , وهو خطيب بياترس , قد تلقى واحدة من هذه الرسائل التي تفتري على ابنتي بياترس افتراءً فظيعاً , وكيف أنها على علاقة آثمة مع توم ابن فريد ليد بيترز ... وأؤكد لك يا سيدي أن ابنتي لم تقترف أبداً شيئاً ينافي الذوق والأخلاق . " وهنا بدأ رأسي يطن ، فلقد زاد الأمر تعقيداً بظهور قصة توم ليد بيترز هذا . قلت لها امنحيني فرصة لكي أستوعب هذا الأمر جيداً ، لقد تلقى خطيب بياترس رسالة مجهولة المصدر تتهم بياترس بتورطها في علاقة مع شاب آخر، أليس كذلك؟ " هذا صحيح يا سيدي – ولقد كانت رسالة بعيدة كل البعد عن التهذيب ، ولقد كانت مليئة بألفاظ بذيئة أثارت جنون جورج ، فجاء مسرعاً إلى بياترس وقال لها إنه لا يقبل أبداً هذا التصرف من جانبها ، ويرفض بأن تواعد رجالاً آخرين من وراء ظهره ... وعندما أخبرته أن هذا كذب حقير ، قال لها : " لا دخان بلا نار ." ، واندفع خارجاً من المنزل في غاية الغضب ، وبدت التعاسة على بياترس المسكينة . وعندها قلت لها إني سوف أرتدي قبعتي وأذهب لمقابلتك يا سيدي ... " صمتت السيدة بيكر متوقعة مني أن أرد عليها تماماً كما يتوقع********** الحصول على جائزة بعد أن يؤدي حركة جيدة . ولكنني سألتها : " ولكن لماذا لماذا أتيتي إلي أنا بالذات ؟ " " لقد علمت يا سيدي أنك تلقيت واحدة من هذه الرسائل الدنيئة , ولقد فكرت في أنك تعرف ـ وأنت القادم من لندن ـ ما الذي يتوجب فعله لعلاج هذا الأمر ؟ " قلت لها : " لو كنت مكانكي لذهبت إلى الشرطة ؛ فلابد من وضع حد لهذا الأمر . " نظرت لي السيدة بيكر وعلى وجهها أمارات الصدمة وقالت : " كلا يا سيدي , لا أستطيع أن أذهب للشرطة . " " ولِم لا ؟ " " لم يسبق لي أن تعاملت مع الشرطة , ولا أي أحد من عائلتي كذلك . " " قد يكون هذا صحيحاً , ولكن الشرطة فقط هي من تستطيع أن تضع حداً لهذا الأمر , فهم موكلون بهذا . " " هل أذهب إلى بيرت راندل ؟ " كنت قد علمت أن بيرت راندل هو أحد رجال الشرطة . " لابد أن هناك رقيباً أو مفتشاً في قسم الشرطة . " " أنا أذهب إلى قسم الشرطة . " قالتها السيدة بيكر بصوت خافت جعلني أشعر بالضيق " هذه هي النصيحة الوحيدة التي يمكنني أن أسديها لك . ط صمتت السيدة بيكر وكان واضحاً أنها لم تقتنع بكلامي . ثم قالت بحزم وصرامة : " لابد لهذه الرسائل أن تتوقف يا سيدي , يجب أن تتوقف , وإلا سوف تحدث مصيبة عاجلاً أم آجلاً . " قلت لها : " أعتقد أن المصيبة قد وقعت بالفعل ؟ " " إنني أعني العنف يا سيدي , هؤلاء الشباب تنتابهم المشاعر العنيفة ـ وكذلك الرجال الكبار . " سألتها : " هل هناك الكثير من هذه الرسائل وصلت إلى الناس في هذه البلدة ؟ " أومأت السيدة بيكر بالإيجاب , وقالت : " إن الأمر يزداد سوءاً على سوء يا سيدي . فمثلاً , السيد بيدل وزوجته , اللذان كانا يعيشان في سعادة وهناء في منطقة بلوبور ـ والآن بعد أن تلقى السيد بيدل هذه الرسائل بدأ يفكر في أمور سيئة يا سيدي . " ملت بجسدي للأمام وقلت لها : " سيدة بيكر هل لديك أية فكرة عن هوية كاتب هذه الرسائل المجهولة ؟ " ولدهشتي الشديدة كالت برأسها للأمام . قالت : " كلنا لديه فكرة يا سيدي , كلنا يعرف بالظبط من يفعل هذا , من هو ذلك الآثم ؟ " فكرت أنها تتردد في ذكر اسم معين , ولكنها أجابت بصراحة : " إنها السيدة كليت ـ هذا هو ما نحن جميعاً متأكدون منه ـ إنها كليت ولا شك . " لقد سمعت الكثير من الأسماء الغريبة هذا الصباح . ولقد اكتشفت أن السيدة كليت زوجة لرجل كهل يعمل بستانياً . وكانت تعيش في كوخ على طريق الطاحونة . إلا أنني لم أجد أي إجابات مرضية عنها . ولما سألتها لماذا تقدم السيدة كليت على فعل هذا أجابتني قائلة : " لأن هذا هو من صفاتها الشخصية . " وفي النهاية تركتها تذهب بعد أن كررت لها نصيحتي بالذهاب للشرطة , والتي كنت متأكداً من أنها لن تأخذ بها . ولقد تركتني وأنا اشعر بأنني خذلتها بشكل ما . وفكرت ملياً فيما قالته . فرغم غموض هذا الدليل الذي ساقته السيدة بيكر , أحسست بقبول فكرة أنه إذا ما اتفقت القرية كلها على أن السيدة كليت هي كاتبة هذه الخطابات فلابد أنهم محقون : وقررت أن أستشير جريفيث في هذا الأمر . فلابد أنه يعرف هذه المرأة المدعوة كليت , وإذا قبل نصيحتي فسأستطيع أنا أو هو أن نخبر الشرطة بأن هذه المرأة هي سبب كل الإزعاج الذي نشعر به . وذهبت إلى جريفيث في الوقت الذي افترضت فيه أنه سيكون قد انتهى من عملياته الجراحية . وعندما خرج المريض الأخير من عنده , دلفت على غرفة الجراحة . " مرحباً , أهذا أنت يا بيرتون ؟ " " نعم , أريد أن أتحدث إليك . " لخصت له محادثتي مع السيدة بيكر إلى أن انتيهيت إلى اتهامها للسيدة كليت بأنها السبب في هذا الأمر . إلا أنني أصبت بالإحباط عندما هز جريفيث رأسه قائلاً : " ليس الأمر بهذه البساطة . " " ألا تظن أن تلك المرأة المدعوة كليت هي السبب في هذا كله ؟ " " ربما كانت بالفعل , ولكنني أستبعد هذا الاحتمال . " " إذن لماذا يتهمها الجميع بهذا ؟ " ابتسم قائلاً : " إنك لا تفهم . إن السيدة كليت تعتبر الساحرة الشريرة في القرية . " صحت متعجباً : " يا إلهي الرحيم ! " " نعم , هذا الكلام يبدو غريباً في وقتنا هذا , إلا أن هذا هو الواقع بالفعل . هناك اعتقادات راسخة تقول أن هناك بعض الأشخاص الذين ليس من الحكمة أن تهينهم . إن السيدة كليت تنتمي إلى أسرة من (( النساء الحكيمات )) , ولقد بذلت جهداً كبيراً كي تنشر هذه الأسطورة وتنميها . إنها امرأة شاذة الطباع وذات روح دعابة عالية . إنها قد لا تظهر أي قدر من التعاطف إذا ما حدث على سبيل المثال أن قطع طفل إصبعه أو سقط بشدة على الأرض أو أصيب بداء النكاف , فكل ما قد تفعله هو أن تهز رأسها قائلة : " هذا أفضل , فقد سرق تفاحاتي الأسبوع الماضي . " أو " لقد جذب ذيل قطتي . " . ومع الوقت بدأت الأمهات تبعدن أطفالهن عنها , وبعضهن بدأن في إهداءها العسل والكعك حتى يأمن ألا تتمنى المرض لأطفالهن . إنه لأمر خرافي وسخيف ولكنه حقيقي . ولذا فمن الطبيعي أن يعتقد أنها سبب كل هذا . " " ولكن أليست هي كذلك ؟ " " كلا ـ إنها ليست من هذا النوع ... ليس الأمر بهذه البساطة . " نظرت له بفضول وقلت له : " أليس لديك أية فكرة ؟ " أخذ يهز رأسه ولكن عيناه كانتا شاردتين وقال : " كلا ليس لدي أي فكرة , ولكن هذا الأمر لا يروقني يا بيرتون ــ هناك سوء كبير سوف ينجم عن هذا الأمر . " 2 عندما عدت إلى المنزل وجدت ميجان جالسة على درجات الشرفة ، وكانت تسند ذقنها إلى ركبتيها . حيتني بدون حرارة كالمعتاد قائلة : " مرحباً ، هل تعتقد أنه يمكنني أن آتي إلى مأدبة الغداء ؟ " . قلت لها : " بكل تأكيد " . " إذا كان الغداء هو أضلاع اللحم أو أي شيء معقد آخر ولن يكفي , فقط أخبرني . " , صاحت ميجان بهذا بينما كنت ذاهباً لأخبر بارتريدج بأن ثلاثة أشخاص سيكونون على الغداء اليوم . واندهشت عندما رأيت ردة فعل بارتريدج . لقد أبدت لي دون أن تنبس ببنت شفة أنها لا تبالي على الإطلاق بالآنسة ميجان . وعدت إلى الشرفة مرة أخرى . سألتني ميجان بقلق : " هل كل شيء على ما يرام ؟ " . قلت لها : " نعم ، كل شيء على ما يرام ، سيكون غداؤنا اليخنة الأيرلندية " . " حسناً إنها لا تختلف كثيراً عن غذاء الكلاب ، أليس كذلك ؟ أعني أنها لا تزيد على البطاطس والدقيق ." قلت لها : " نعم ، بالضبط . " أخرجت علبة سجائري ، ومددت يدي بها إلى ميجان إلا أن الحمرة كست وجهها وقالت : " لكم كان هذا لطيفاً منك . " " ألن تأخذي واحدة ؟ " " كلا ، لا أدخن ، ولكنني أراه تصرفاً غاية في اللطف أن أتعرض على هذا – تماماً كما لو أنني كنت شخصاً حقيقياً . " قلت لها بتعجب : " ألست شخصاً حقيقياً ؟ " هزت رأسها وحاولت تغيير الموضوع بأن مدت ساقها الطويلة التي يغطيها التراب أمام ناظري وقالت بفخر : " لقد قمت برتق جواربي " . أنا لا أعلم الكثير عن رتق الجوارب , إلا أنني حدثت نفسي أن حياكة بعض قطع الصوف المفتوحة ليس بإنجاز يستحق المرء أن يفخر به . قالت ميجان : " ولكنني أشعر بأن جواربي كانت مريحة أكثر عندما كانت مثقوبة ." قلت لها : نعم هذا ما يبدو . " " هل أختك بارعة في رتق الجوارب ؟ " حاولت أن أتذكر إذا ما كانت جوانا لها أي خبرة في مجال الأعمال اليدوية من هذا النوع . واضطررت إلى أن أقر لها قائلاً : " لا أدري ! " " ولكن ماذا تفعل إذا ثُقب أحد جواربها ؟ " قلت متردداً : " أعتقد أنها تتخلص منه وتبتاع زوجاً جديداً . " قالت ميجان : " هذا شيء جميل , ولكن لا يمكنني أن أفعل هذا . فإن كل مصروف جيبي الذي أحصل عليه لا يتعدى الأربعين جنيهاً سنوياً . وهو مبلغ لا يستطيع المرء أن يفعل به الكثير . " وافقتها على ذلك . فقالت بحزن : " لو أنني أمتلك جوارب سوداء , لكان بإمكاني أن أطلي قدمي باللون الأسود لكي لا تظهر الثقوب . وهذا هو ما كنت أفعله أيام المدرسة . فقد كانت الآنسة باتورثي ناظرة المدرسة , والتي كانت تولي اهتمامها لمظهرنا العام , كانت تماماً مثل اسمها كالخفاش الأعمى . وكنا نستغل هذا بشكل كبير . " قلت لها : " لابد أنها كانت كذلك بالفعل . " ران علينا الصمت كنت أدخن غليوني . لقد كان صمتاً مطبقاً . ولكن سرعان ما كسرت ميجان حاجز الصمت هذا قائلة فجأة وبحدة : " لابد أنك تعتقدني إنسانة فظيعة كما يعتقدني الآخرون . " أجفلت بشدة , لدرجة أن غليوني سقط من فمي , لقد كان مصنوعاً من الميرشوم وكانت ألوانه جميلة . فقلت لميجان وأنا غاضب : " انظري ماذا فعلت . " إلا أنها تصرفت تماماً كالأطفال الذين لا يمكن التنبؤ بردود أفعالهم وقالت وهي تبتسم : " إنك تروق لي بالفعل . " كانت عبارتها تلك عبارة في غاية الدفء , عبارة قد يقولها كلبك إذا استطاع التحدث . لقد خطر لي أن ميجان ما هي إلا مجرد جواد يتخذ وضعية كلب . إنها لم تكن بشرية كاملة بكل تأكيد . سألتها وأنا أجمع شظايا غليوني المكسور بحذر : " ماذا كنت تقولين قبل أن يسقط غليوني ؟ " قالت : " لقد قلت أنك ربما تعتبرني إنسانة فظيعة . " ’ إلا أنها لم تنطق عذع العبارة بنفس اللهجة التي قالتها بها المرة السابقة . " ولماذا قد اعتقد هذا ؟ " قالت ميجان بكآبة : " لأنني كذلك بالفعل . " قلت : " لا تكوني حمقاء . " هزت ميجان رأسها وقالت : " إن هذا هو الواقع , أنا لست حمقاء , إن الناس يعتقدون هذا , وهم لا يعلمون أنني أعلم حقيقتهم , وأنني أكرههم . " " تكرهينهم ؟ " قالت ميجان : " نعم أكرههم . " نظرت بعينيها الكئيبتين اللتين لا يمتان بصلة إلى مظهرها الطفولي إلى عيني مباشرة , دون أن ترمش ولو لمرة واحدة . لقد كانت نظرة طويلة كئيبة . وقالت : " لقد كنت لتكره الناس لو كنت مكاني , إذا كنت منبوذاً . " قلت لها : " ألا تظنين أنكي تبالغين في هذا الأمر قليلاً ؟ " قالت ميجان : " نعم , هذا ما يقوله الناس دائماً عندما تخبرهم بالحقيقة . وهذه هي الحقيقة . إنني غير مرغوب فيّ ولا أدري لماذا ! لعلني أذكرها بأبي والذي كان قاسياً جداً عليها , وكان في غاية الفظاظة كما سمعت . إلا أن الأمهات لا يمكنهن أن يصرحن بأنهن يكرهن أطفالهن , أو أن يتخلصن منهن . إن القطط تأكل ما لا يروقها من صغارها , إن هذا أمر عقلاني , ولكن بشكل فظيع , فهو يسبب فوضى أو أذى . ولكن الأمهات من البشر لا يمكنهن ذلك , فعليهن أن يحفظن صغارهن وأن يعتنين بهم . ولكن الحقيقة أن أمي لا تريد سوى أن تعيش بمفردها هي وزوجها والأولاد . " قلت لها بتمهل : " ما زلت أراك تهولين في الأمر يا ميجان , ولكن إذا ما كان كلامك صحيحاً , فلماذا لا تغادري هذا المنزل وتستلقي حياتك ؟ " ابتسمت ابتسامة طفولية وقالت : " أتعني أن أحصل على عمل , وأكسب قوتي بنفسي ؟ " " نعم . " " وأي عمل هذا ؟ " " أعتقد أنك يمكنك أن تتدربي على عمل ما , كأن تكوني كاتبة اختزال مثلاً , أو تكوني مسئولة حسابات . " " لا أعتقد أنه بإمكاني فعل هذا . فأنا خرقاء للغاية في هذه الأمور . وبالإضافة إلى هذا ــــ " " ماذا هناك ؟ " أشاحت بوجهها عني , ثم أدراته ببطء ناحيتي من جديد . وكان وجهها مربداً , وترقرقت بعض الدموع في عينيها . وأخذت تتحدث وفي صوتها نبرة طفولية للغاية وقالت : " لماذا يجب علي أن أرحل ؟ وأن أُجبر على الرحيل ؟ إنهم لا يريدونني ولكنني سأبقى . سأبقى وسأسبب لهم التعاسة . سوف أجعلهم يشعرون بالضيق والتعاسة . يا لهم من خنازير حقودة ! إنني أكره كل من في لايمستوك . إنهم جميعاً يرونني حمقاء وقبيحة . لسوف أريهم . لسوف أريهم . لسوف ــــ " لقد كانت ثورة غضبها طفولية مثيرة للشفقة بشكل غريب . سمعت وقع أقدام على الأرضة المفروشة بالحصى التي تحيط بالمنزل , فقلت لها بغلظة : " انهضي واذهبي إلى الطابق الأول , حيث الحمام في نهاية الممر كي تغسلي وجهك , هيا أسرعي . " قفزت ونظرت إلي بحرج وارتباك , واندفعت نحو النافذة عندما ظهرت جوانا بجواري وقالت : " يا إلهي , إنني أشعر بالحر الشديد , إنني أمقت هذه الأحذية الأيرلندية اللعينة . لقد مشيت بها لأميال , إن المرء لا يجدر به أن يجعل هذه الأحذية تثقب , فالحصى بنفذ من خلالها إلى القدم , وأعتقد يا جيري أننا نحتاج لأن نقتني كلباً . " قلت لها :" وأنا كذلك أعتقد هذا . بالمناسبة , إن ميجان ستتناول الغداء معنا اليوم ." " حقاً , عظيم ! " سألتها : " هل تروق لك ؟ " قالت جوانا : " أعتقد أنها طفلة , طفلة كالتي في تلك الخرافة تقول , إن الجنيات يستبدلن بعض الأطفال بأطفال آخرين , إنه من الممتع أن يلتقي المرء بإحدى الأطفال الآخرين . إيه ــ علي أن أذهب وأغتسل . " قلت لها : " ليس الآن ؛ فميجان تغتسل الآن في الحمام . " " لقد تلطخت قدماها بالوحل مرة أخرى , أليس كذلك ؟ " ثم أخرجت جوانا مرآتها وأخذت تنظر إلى وجهها باهتمام وقالت : " لا أعتقد أنني أحب أحمر الشفاة هذا . " وهنا دلفت ميجان من الباب , وكانت مهندمة الثياب ونظيفة , ولم تبد عليها أي من آثار ثورتها السابقة . وأخذت تنظر إلى جوانا بريبة . قالت لها جوانا وهي لا تزال منشغلة بالنظر إلى وجهها : " مرحباً , لقد سعدت تماماً عندما سنعت أنك ستتناولين طعام الغداء معنا اليوم . يا إلهي ! إن هناك نمشاً على أنفي , لابد أن أفعل شيئاً حيال ذلك . إن النمش هو شيء خطير . ذو طابع اسكوتلاندي . " وهنا أتت بارتريدج وأخبرتنا أن الطعام قد أُعد . قالت جوانا : " هيا , إنني أتضور جوعاً . " وتأبطت ذراع ميجان ورافقتها إلى المنزل .
الفصل الخامس
أعلم أن هناك شيئا مفقودا ً في قصتي هذه . فحتى الآن لم أذكر شيئا عن السيدة دين كالثروب ، وكذلك عن رجل الدين كاليب دين كالثروب . والشيء الغريب أن رجل الدين هذا وزوجته كانا ذوي شخصيتين مختلفتين تماماً . كان دين كالثروب أكثر من رأيتهم زهداً في الحياة الدنيوية على الإطلاق . وكانت حياته كلها تدور في نطاق كتبه ودراسته وعلمه الغزير بالتاريخ الديني . ولكن على النقيض من هذا ، كانت زوجته إنسانة اجتماعية بشكل مبالغ فيه . إنني ربما أغفلت ذكرها لأنني كنت أخشاها بعض الشيء . لقد كانت امرأة ذات شخصية متميزة ، وذات علم غزير . لم تبد لي مناسبة لأن تكون زوجة لرجل الدين – ولكنني عندما فكرت في الأمر قليلاً ، سألت نفسي ما الذي أعرفه أنا عن زوجات رجال الدين ؟ فالإنسانة الوحيدة التي كنت أعرفها وكانت لزوج رجل الدين , كانت السيدة عادية لا يميزها شيء ، وكانت في غاية الإخلاص لزوجها الذي كان ضخم الحجم قوي الشكيمة ، له طريقة ساحرة في اجتذاب الآخرين إليه . وقد كانت متشددة الفكر بحيث لا يمكن للمرء أن يكمل محادثة معها . وغير هذا منت أستمد رؤيتي لزوجات رجال الدين من تلك الصورة الهزلية التي كانت تصورهن نسوة فضوليات يدسسن أنوفهن في كل شيء , ويتلفظن بالتفاهات . إلا أنني أشك أن هذه الصورة حقيقية . فالسيدة دين كالثروب لم تدس أنفها يوماً في اي شيء , إلا أنه كانت لديها قدرة فير قابلة للتفسير على الإحاطة بكل الأمور علماً , وسرعان ما اكتشفت أن كل من في القرية يخشونها . مع إنها لم تكن تتدخل فيما لا يعنيها ولم تكن كذلك تسدي النصح لأي كائن من كان , ومع ذلك كانت بالنسبة لهؤلاء الذين يخشونها سيفاً مسلطاً على رقابهم . لم أر في حياتي امرأة لا تبالي بالطبيعة حولها مثل هذه المرأة . في الأيام التي يكون الطقس فيها حاراً , كانت ترتدي تنورة من الصوف , أما في الأيام التي تهطل فيها الأمطار كنت أراها تسير شاردة الذهن وهي ترتدي ثوباً قطنياً أو قميصاً خفيفاً زاهي الألوان . لقد كان لها وجه نحيف يشبه وجوه كلاب الجري هاوند وكان لها أسلوب في الكلام مبالغاً في الصراحة . في ذلك اليوم الذي أتت فيه ميجان لتناول الغداء معنا , قابلتني السيدة دين كالثروب في الشارع الرئيسي وأوقفتني لتتحدث معي , ولقد شعرت بالدهشة كالعادة لأن طريقة مشي السيدة دين كالثروب كانت أقرب إلى الركض منها إلى السير , وكانت دائماً ما تثبت عينيها على الأفق البعيد فتشعر وكأنها تسعى لهدف على بعد الميل ونصف الميل . قالت : " أوه , سيد بيرتون ! " قالتها بانتصار وكأنما نجحت في حل أحجية عويصة , قلت لها إنني بالفعل السيد بيرتون , فتوقفت السيدة دين كالثروب وهي تنظر إلى الأفق البعيد , وكانت تتظاهر بأنها تنظر إلى . " والآن ما الذي كنت أريدك بشأنه ؟ " لم يكن باستطاعتي مساعدتها , فوقفت وهي متجهمة ومرتبكة للغاية . قالت : " إنه لشيء بغيض . " قلت لها وأنا مذهول : " إني آسف لهذا . " صاحت السيدة دين كالثروب : " آه , إنني أرى هذه القصة شيئاً بغيضاً , ما هذه القصة التي أحضرتها إلى البلدة, أعني قصة الخطابات هذه ؟ تلك الخطابات مجهولة الهوية ؟" قلت لها : " لم أحضرها , لقد كانت موجودة قبل حضوري . " قالت لي وفي صوتها نبرة اتهام : " لم يتلق أي أحد خطاباً قبل حضورك . " قلت لها : " بلا , لقد كان بالفعل هناك من تلقى مثل هذه الخطابات يا سيدة دين كالثروب , لقد كانت المشكلة موجودة منذ فترة . " قالت السيدة دين كالثروب : " يا إلهي , إن هذا لا يروق لي . " وظلت واقفة تشخص بنظرها ثم قالت : " لا أستطيع إلا أن أشعر بأن هذا الأمر كله سيء . إننا لسنا معتادين على هذا , لسنا معتادين على الأحقاد والضغائن , وكل أنواع الخطايا الصغيرة تلك . ولكنني لا أستطيع أن أفكر في شخص ما يمكنه أن يأتي بمثل هذا العمل ـ كلا , لا أستطيع . وهذا ما يزعجني ويسبب لي الضيق , لأنني كما تعلم ينبغي لي أن اعرف . " وهنا تحولت عيناها عن الأفق البعيد وتركزت على عيني وكانت هاتين العينين قلقتين قلقاً طفولياً . " إنني دائماً ما أعرف , فلطالما ظننت أن هذه هي مهمتي في الحياة , إن كاليب بارع في إلقاء المواعظ وإسداء النصح وهذا هو دور رجل الدين , ولكن إذا ما كان هناك شيء يسمى الزواج من رجل دين فستكون مهمة الزوجة هي أن تعرف ما يفكر به الناس حتى وإن كانت لا تستطيع فعل شيء إزاء هذا الأمر , ولكنني لا توجد لدي أدنى فكرة عمن يكون قد ... " قطعت حديثها لفترة ثم قالت : " هناك بعض الخطابات السخيفة الأخرى . " " هل تلقيت أي رسائل من هذا النوع ؟ " كنت أشعر ببعض الحرج عندما سألتها هذا السؤال , إلا أنها أجابت بكل تلقائية وعيناها متسعتان : " نعم , إثنتان منها , بل ثلاث , لكنني نسيت ما كان مكتوباً فيها بالظبط . ولكنه شيء سخيف عن علاقة كاليب بإحدى المدرسات , كما أذكر أنه شيء في غاية العبث , لكن كاليب هو أزهد الناس في النساء , ولم يكن يوماً لديه الرغبة فيهن . من حسن حظه أن أصبح رجل دين . " قلت لها : " هذا صحيح تماماً . " قالت : " لقد كان كاليب غارقاً دائماً في طلب العلم . " لم أجد في نفسي الصلاحية لكي أرد على هذا النقد , وعلى أي حال مضت السيدة كالثروب في التحدث تارة عن زوجها , وتارة أخرى عن تلك الخطابات , حتى أنها أصابتني بالارتباك . " الغريب في الأمر هو أن هناك العديد من الأمور التي يمكن أن تفصح عنها هذه الرسائل , إلا أنها لا تفعل هذا , وهذا هو الأمر المحير . " قلت لها بضيق : " لا أعتقد أن هذه الرسائل تركت حداً للتهذيب والأخلاق ولم تتجاوزه . " قالت : " ولكن كتّاب هذه الرسائل يبدو أنهم لا يعرفون شيئاً . إن أي شيء يذكرونه لا يمت للحقيقة بصلة على الإطلاق . " " ماذا تعنين ؟ " ومن جديد تلاقت عيناها الغامضتين بعيني وقالت : " إن هذه البلدة متخمة بالفساد الخلقي , وكل شيء آخر , كل الأسرار تتواجد في هذه البلدة . لماذا لا يكتب مرسل هذه الخطابات عنها ؟ " توقفت للحظة عن الحديث ثم سألتني : " ماذا كان فحوى رسالتك ؟ " " لقد زعموا بأن أختي ليست أختي في الحقيقة . " سألتني السيدة دين كالثروب دون أدنى حرج : " وهل هي أختك بالفعل ؟ " " بالتأكيد جوانا هي أختي . " أومأت السيدة دين كالثروب برأسها وقالت : " هذا هو ما أعنيه , وإنني لأجرؤ على القول بأن هناك أموراً أخرى أيضاً ــــ " ثم أخذت تحدق إلي بعينيها الضافيتين الشاردتين , وفجأة أحسست بأنني أفهم لماذا يخشى كل سكان لايمستوك السيدة دين كالثروب . دفي حياة كل منا مواقف وأشياء خفية نريد ألا يكتشفها أحد . ولقد شعرت بأن السيدة دين كالثروب تعلم هذه الأشياء الخفية . وللمرة الأولى في حياتي شعرت بالسرور عندما سمعت صوت إيمي جريفيث يشق السكون قائلاً : " مرحباً يا مود , إنني سعيدة لأنني قابلتك . كنت أريد أن أقترح عليك تأخير موعد المزاد , صباح الخير يا سيد بيرتون . " ثم أكملت قائلة : " علي أن أذهب إلى محل البقال وأوصيهم بإعداد طلب لي , ثم سأذهب إلى المعهد مباشرة , إذا كان هذا يناسبك . "
قالت السيدة دين كالثروب : " حسناً , حسناً , هذا يناسبني تماماً . " وذهبت إيمي جريفيث إلى محلات (( إنترناشونال ستورز )) . قالت السيدة دين كالثروب : " يا لها من مسكينة . " أصابتني دهشة عظيمة , إذ لم أكن أعرف لماذا تشفق هي على إيمي جريفيث . إلا أنها تابعت قائلة : " كما تعلم يا سيد بيرتون أنني أخشى أن ـــ " " هل تعنين هذه الخطابات ؟ " " نعم , كما ترى , إنها تعني ــ لابد أنها تعني ـــ " صمتت في حيرة لبعض الوقت وزاغت عيناها . ثم قالت بلهجة من حل لغزاً : " الكراهية العمياء ... نعم الكراهية العمياء . ولكن حتى الرجل الأعمى قد يطعن في القلب عن طريق الصدفة البحتة ... وماذا سيحدث بعد يا سيد بيرتون ؟ " ولقد كان لنا أن نعلم هذا قبل انقضاء يوم آخر ." 2 لقد كانت بارتريدج هي من حملت لنا خبر الكارثة . وبارتريدج تحب الكوارث . ودائماً ما كان أنفها يختلج في نشوة عندما تكون حاملة لأية أخبار سيئة . فقد دخلت غرفة جوانا وأنفها آخذ في الاختلاج , وعيناها تلمعان , وشفتاها ممطوطتان تتصنعان الحزن . قالت وهي تزيح ستائر الغرفة : " هناك أخبار مفزعة هذا الصباح يا آنستي . " وكانت جوانا تمتلك تلك العادة في أن تستغرق دقيقة أو دقيقتين لكي تستعيد وعيها بعد أن تستيقظ في الصباح . ولهذا فكل ما قالته هو : " أوه . " ثم تقلبت في فراشها دون أدنى اهتمام . وضعت بارتريدج قدح شاي الصباح بجوارها , ثم بدأت تتحدث من جديد قائلة : " أخبار رهيبة , صدمة لم أستطع أن أصدقها حين سمعتها في البداية . " قال جوانا وهي تجاهد لتستعيد وعيها : " أية أخبار مفزعة تلك ؟ " قالت بارتريدج : " السيدة سيمنجتون المسكينة . " ثم صمتت للحظة بشكل درامي ثم أردفت : " ماتت . " ثم انتفضت جوانا في فراشها قائلة : " ماتت ؟ " " نعم يا آنسة جوانا , لقد حدث هذا البارحة بعد الظهيرة , وأسوأ ما في الأمر أنها انتحرت . " " يا إلهي ! مستحيل يا بارتريدج . " كانت جوانا مصدومة للغاية , فالسيدة سيمنجتون لم تكن من نوعية الفتيات التي تصيبهم المآسي . " نعم يا آنسة . لقد تعمدت قتل نفسها . ولكن هذا لم يكن ليحدث لو لم يكن هناك ما يدفعها لاقتراف ذلك . يا لها من مسكينة . " قالت جوانا : " يدفعها شيء ما ؟ " فأومأت بارتريدج برأسها موافقة وقالت : " هذا صحيح يا آنستي , بسبب واحد من تلك الخطابات البغيضة . " " وماذا جاء في هذا الخطاب ؟ " ولكن هذا ما عجزت بارتريدج عن معرفته وهو الأمر الذي جعل بارتريدج في غاية الأسف . قالت جوانا : " إنها تصرفات دنيئة , ولكن مع هذا لا أفهم ما الذي في هذه الخطابات يمكنه أن يجعل المرء يقتل نفسه ؟ " أخذت بارتريدج نفساً عميقاً ثم قالت : " قد تفعل فقط إذا ما كانت حقيقية . " قالت جوانا : " يا إلهي . " تناولت جوانا قدح الشاي بعد أن غادرت بارتريدج الغرفة ـ ثم ارتدت معطفها وأتت إلي لكي تبلغني هذه الأخبار . أخذت أتفكر فيما قاله أوين جريفيث . لقد قال إن عاجلاً أو آجلاً ستنطلق الرصاصة ولا ندري من ستصيب . ويبدو أنها أصابت السيدة سيمنجتون . إنها لم تكن تبدو من طراز هؤلاء النساء اللاتي يحملن أسراراً خفية في ماضيهن ... لقد كان إحساسي صحيحاً , لقد كنت أرى وراء شراستها الشديدة تلك امرأة هشة ضعيفة . لقد كانت من طراز النسوة الضعيفات اللاتي يعتمدن على الآخرين واللاتي ينهرن بسهولة . وكزتني جوانا بذراعها وسألتني عما أظنه بشأن هذا الأمر . فكررت لها ما قاله أوين جريفيث , فقالت : " بالطبع , لابد أنه يعرف كل شيء على الموضوع . فهذا الرجل يعرف كل شيء . " قلت : " إنه بارع . " قالت جوانا : " بل هو متغطرس , متغطرس للغاية . " ثم صمتت لدقيقة أو اثنتين وقالت : " يا له من أمر فظيع لزوجها ولابنتها . ترى ما هو شعور ميجان الآن ؟ " لم يكن لدي أدنى فكرة , وأعلنت لها ذلك بصراحة , لقد كان من العجيب أنه لا يستطيع أحد أن يخمن ما تشعر به ميجان الآن أو بماذا تفكر . أومأت جوانا برأسها قائلة : " لا يستطيع أحد أن يعرف ماذا يدور بخلد تلك الطفلة ربيبة الجنيات . " ثم صمتت للحظة وقالت : " هل تعتقد ـ إذا ما كنت توافق على هذا ـ أنها قد تحب أن تأتي وتمكث معنا ليوم أو يومين ؟ لقد تلقت هذه الفتاة صدمة شديدة . " قلت لها موافقاً : " يمكننا أن نقترح عليها هذا . " قالت جوانا : " أعتقد أن الأولاد سيكونون بخير , فلديهم مربية الأطفال تلك . ولكن أعتقد أن تلك المرأة يمكنها أن تقود ميجان إلى الجنون . " فكرت أن هذا محتمل للغاية , فقد كان يمكنني أن أتخيل تلك المرأة وهي تستمر بالتفوه بتلك التفاهات , ولا تنفك تعرض عليها احتساء المزيد من أقداح الشاي . إنها مخلوقة طيبة السريرة ولكنني لا أظنها مناسبة لإنسانة حساسة كميجان . لقد كنت أفكر بالفعل بأن تبتعد ميجان عن منزلها في هذه الفترة العصيبة . ولقد سعدت عندما علمت أن جوانا تفكر في نفس الشيء بشكل عفوي دون إيعاز مني . وبعدما انتهينا من تناول الإفطار ذهبنا إلى بيت آل سيمنجتون . وكن منزعجين بعض الشيء , فقد كان قدومنا يبدو تطفلاً شديداً . ولكن لحسن الحظ قابلنا أوين جريفيث وهو خارج من بوابة القصر . وقد بدا قلقاً ومنشغلاً . إلا أنه حياني بشيء من الحرارة وقال : " مرحباً يا بيرتون , إنني مسرور لرؤيتك. إن ما كنت أخشى أن يقع عاجلاً أو آجلاً قد وقع بالفعل . إنه لأمر لعين . " قالت جوانا بصوت لا تستخدمه إلا عندما تتحدث مع إحدى عماتنا الصم : " صباح الخير دكتور جريفيث . " فوجئ جريفيث وكست وجهه الحمرة وقال : " أو ـ صباح الخير يا آنسة بيرتون . " قالت جوانا : " لقد ظننت أنك ربما لم تلاحظ وجودي . " ازداد وجه جريفيث احمراراً , وكاد يذوب خجلاً . قال : " إنني في غاية الأسف , لقد كنت منشغلاً بأمر ما , فلم أنتبه . " إلا أن جوانا تابعت كلامها دون رحمة وشفقة : " مع أنني في ذات حجم البشر الأسوياء ويمكن لأي أحد أن ينتبه لوجودي . " انتحيت بها جانباً وقلت لها : " على رسلك أينها الشرسة . " تابعت حديثي مع جريفيث قائلاً : " لقد كنت وأختي نتساءل يا جريفيث إذا ما كانت فكرة جيدة أن تمكث الفتاة معنا ليوم أو يومين . ما رأيك ؟ إنني لا أريد أن أدس أنفي في الموضوع ـ ولكن لابد أن الموقف عصيب للغاية على تلك الطفلة المسكينة, فماذا تظن رأي سيمنجتون في الأمر ؟ " أخذ جريفيث يقلب الفكرة في رأسه لدقيقة أو اثنتين , ثم قال في النهاية : " أعتقد أن هذه الفكرة ممتازة , فهي فتاة عصبية , تقلبة المزاج , وسوف يكون من مصلحتنا أن تبتعد تماماً عن هذا الأمر . صحيح أن الآنسة هولاند تفعل العجائب مع الأولاد والسيد سيمنجتون نفسه , ولكن هذا يكفينا . فالسيد سيمنجتون مفطور القلب ـ مشتت التفكير . " سألته بتردد : " هل كانت المسألة انتحاراً ؟ " أومأ جريفيث برأسه قائلاً : " نعم بالفعل , لا يوجد احتمال في أن يكون الأمر حادثة . لقد كتبت رسالة قبل أن تموت قالت فيها : " لا يمكنني أن أستمر . " لابد أن البريد وصل في الظهيرة بالبارحة . لقد كان المظروف على الأرض بالقرب من مقعدها بينما كان الخطاب نفسه مكوراً ومرمياً في المدفأة . " " ماذا كان ـــ " ثم توقفت عن الكلام وأنا منزعج من نفسي . ثم اعتذرت قائلاً : " أستميحك عذراً . " ابتسم جريفيث ابتسامة خاطفة وحزينة وقال : " لا تخجل من سؤالك , لابد وأن يقرأ الخطاب في أثناء سير التحقيقات . إن هذا الأمر حتمي مع أنه فظيع . لقد كانت واحدة من تلك الرسائل التي تعرفها ـ بذات الأسلوب البذيء . ولقد كان الاتهام هذه المرة بأن الصبي الأصغر كولين ليس من صلب سيمنجتون . " سألته وأنا أكاد لا أصدق : " وهل تظن هذا صحيحاً ؟ " هز جريفيث كتفيه وقال : " لا أستطيع أن أقطع برأي في هذا الأمر . إنني أعيش في هذه البلدة منذ خمس سنوات فقط , ولم أعرف عن الزوجين سيمنجتون سوى أنهما زوجين سعيدين في حياتهما الزوجية ومخلصان لعلاقتهما ولأطفالهما . صحيح أن ذلك الولد لا يشبه والديه تماماً ـ فهو ذو شعر أحمر لامع ـ لكن الأطفال غالباً ما يشبهون أجدادهم وجداتهم . " " لعل عدم التشابه هذا قد يكون هو ما أدى إلى هذه الشائعات , إنه اتهام شرير ولا يستند إلى دليل . " " إنه من المحتمل جداً لأن أصحاب هذه الأقلام المسمومة لا يكونون ذوي معرفة كبيرة بهؤلاء الناس , لأنهم يتحركون بدافع حقد أعمى . " قال جوانا : " ولكن يبدو أن هذا الاتهام قد نكأ جرحاً غائراً , وإلا لم تكن لتقتل نفسها , أليس كذلك ؟ " قال جريفيث في تشكك : " أشك في هذا , لقد كانت السيدة سيمنجتون تعاني من بعض المتاعب الصحية لبعض الوقت , ولقد كانت تمر بنوبات عصبية وهستيرية , لقد كنت أعالجها من حالتها العصبية المظطربة تلك . من المحتمل أن الصدمة التي نتجت عن تلقيها هذه الرسالة قد وضعتها في تلك الحالة مرة أخرى , وأصابتها بنوبة فزع دفعتها للانتحار , ولعلها خشيت ألا يصدقها زوجها إذا ما أنكرت هذه القصة , أو لعله اعتراها شعور بالخزي والاشمئزاز مما جعلها تتخذ هذا القرار غير المتزن . " قالت جوانا : " إذن فهو انتحار ناتج عن حالة عقلية مضطربة ؟ " قال جريفيث : " بالضبط , وأعتقد أنه سيقابل ذلك بتفهم كبير أثناء التحقيقات . " قالت جوانا : " هذا صحيح . " كان هناك شيء في نبرة صوتها جعل جريفيث يقول بصوت غاضب : " نعم سوف تلقى تفهماً , ألا تتفقين معي يا آنسة بيرتون . " قالت جوانا : " بل أتفق معك تماماً , وكنت لأفعل نفس الشيء لو كنت مكانك . " نظر لها أوين بشك , ثم سار مبتعداً عنا , ودلفت أنا وجوانا إلى داخل المنزل . كان باب المنزل مفتوحاً , ولقد رأينا أن ندخل مباشرة بدلاً من قرع الجرس , خاصة وقد سمعنا صوت إلسي هولاند يدوي من داخل المنزل . كانت تخاطب السيد سيمنجتون الذي كان يجلس على أحد المقاعد , وكان في حالة إعياء شديدة . قالت له : " إنك لم تتناول طعام الإفطار , وكذلك لم تأكل شيئاً من الليلة الماضية , ناهيك عن الصدمة التي تلقيتها . إنك بهذا الشكل سوف تضر صحتك , وأنت في هذه المرحلة تحتاج لكل قواك . هذا ما قاله الطبيب قبل أن ينصرف . " قال سيمنجتون بصوت لا حياة فيه : " إنك عطوفة للغاية يا آنسة هولاند , لكن ـــ " قالت الآنسة هولاند : " إليك قدح الشاي هذا . " قالتها وهي تدفع إليه القدح بحزم . كنت أفضل شخصياً أن تعطيه بعض الصودا أو العصائر . فقد بدا بحاجة إليها بالفعل , إلا أنه تناول منها الشاي وقال وهو ينظر إليها : " لا أستطيع شكرك بما يكفي يا آنسة هولاند , إنك إنسانة رائعة . " فاحمر وجه الفتاة خجلاً وبدت مسرورة لهذا الإطراء . ثم قالت : " ولطيف منك أن تقول هذا يا سيد سيمنجتون , ولكن عليك أن تدعني أفعل ما بوسعي لأساعدك . ولا تقلق بشأن الأولاد ـ إنني سوف أعتني بهم , ولقد استطعت أن أسيطر على الخدم وأهدأ من روعهم , وإذا كان بإمكاني أن أفعل أي شيء يمكنني فعله كأن أكتب خطاباً لأحد ما , أو أن أتصل بأحد ما , فرجاء لا تتردد في طلب ذلك مني . " كرر السيد سيمنجتون : " إنك عطوفة للغاية . " وبينما كانت إلسي هولاند تستدير لتمضي إلى شأنها , لمحتنا فهرعت إلينا في بهو المنزل , وقالت بصوت هامس : " أليس هذا أمراً فظيعاً ؟ " وبينما كنت أنظر إليها : " خطر لي أنها فتاة لطيفة للغاية ؛ فهي عطوفة , وذات كفاءة , وعملية جداً في وقت الأزمات . كانت عيناها الواسعتان الزرقاوان تحيط بهما هالتان ورديتان مما يدل على أنها رقيقة القلب للغاية لكي تذرف الدمع لوفاة مستخدمتها . قالت لها جوانا : " هل يمكننا أن نحادثك قليلاً , فنحن لا نريد أن نزعج السيد سيمنجتون . " أومأت إلسي هولاند برأسها وقادتنا نحو غرفة الطعام في الجانب الآخر من البهو , وقالت : " لقد كان أمراً فوق احتماله , يا لها من صدمة . من كان يظن أن شيئاً مثل هذا قد يحدث ؟ ولكنني الآن أدرك بالطبع أنها أحياناً كانت غريبة الأطوار . أحياناً كانت تنتابها نوبات عصبية , وكانت تبكي بشكل غريب . كنت أظن أنها مريضة , رغم أن الدكتور جريفيث كان يؤكد دائماً أنها سليمة ولا شيء بها . ولكنها كانت عدوانية وسريعة الغضب وأحياناً لم نكن نستطيع التعامل معها . " قالت جوانا : " لقد أتينا اليوم لكي نسأل إذا كان من الممكن أن نصطحب ميجان لكي تمكث معنا لأيام قليلة ـ إذا كانت هي تريد هذا . " قالت في شيء من الدهشة : " ميجان ؟ لا أدري . إن هذا لطف منكما , ولكنها فتاة غريبة الأطوار , ولا أحد يمكنه أن يعلم بماذا تفكر أو بماذا تشعر . " قالت جوانا بغموض : " إننا نعتقد أننا بهذا نقدم بعض المساعدة . " " بالتأكيد , إنكما بهذا سوف تساعدانني كثيراً . فإنني أعتني بالوالدين , فهما الآن مع الطاهية وكذلك السيد سيمنجتون المسكين ـ إنه بالفعل بحاجة للرعاية كأي أحد آخر , وهناك العديد من الأشياء الأخرى علي القيام بها . وإنني بالقطع ليس لدي أي وقت لأعتني بميجان . أعتقد أنها في الطابق العلوي في غرفة الأطفال القديمة التي في أعلى المنزل . لا أدري إذا ــ " نظرت لي جوانا بسرعة , فهرعت إلى الغرفة في الطابق العلوي . كانت غرفة الأطفال القديمة في أعلى المنزل . فتحت الباب ودلفت , كانت الغرفة التي تحتها تطل على الحديقة ولم تكن ستائرها قد أسدلت بعد . أما الغرفة التي كانت تطل على الطريق فقد كانت ستائرها مسدلة . رأيت ميجان من خلال ضوء الغرفة الخافت . كانت تجلس على أريكة في مقابل الجدار , وذكري مشهدها هذا بالحيوانات المذعورة التي تختبئ من مفترسيها . لقد كانت في غاية الخوف . ناديتها قائلاً : " ميجان . " تقدمت إليها ودون وعي مني اكتسب صوتي نبرة من يهدئ حيواناً مذعوراً . ولقد شعرت بأنني أمد لها يدي بجزرة أو بقطعة سكر . أخذت تحدق إلي دون أن تتحرك قيد أنملة , أو يتغير الترتيب الذي كان مرتسماً على وجهها . قلت لها مرة أخرى : " ميجان , لقد أتيت أنا وجوانا لنسألك إذا كنت تحبين أن تأتي معنا لتقضي معنا أياماً قليلة . " قالت بصوت خاو من وراء الضوء الخافت : " أمكث معكما ؟ في منزلكما ؟ " " نعم . " " أتعني أنكما سوف تأخذاني من هنا ؟ " " نعم يا عزيزتي . " فجأة بدأت ترتجف من رأسها حتى أخمص قدميها , لقد كانت ترتعب بقوة وبشكل مرعب . " نعم , خذاني من هنا أرجوكما,إنه لشيء فظيع أن أبقى هنا وأشعر بأنني شريرة. " تقدمت لها فأمسَكَت بكم معطفي وتشبثت به بقوة , واستطردت : " إنني جبانة وحقيرة , لم أكن أعرف أنني جبانة إلى هذا الحد . " قلت لها :" لا عليك يا طفلتي العزيزة . إن الأمور مختلطة بعض الشيء , هيا بنا ." " هل يمكننا أن نذهب الآن ؟ دون أن نمكث هنا لدقيقة ؟ " " أعتقد أنك عليك أن تحزمي بعض أغراضك . " " أية أغراض ؟ لماذا ؟ " " يا طفلتي العزيزة , إننا سنوفر لك فراشاً وحماماً وأشياء أخرى , ولكنني لا أستطيع أن أعيرك فرشاة أسناني مثلاً . " ضحكت ضحكة خفيفة مرهقة وقالت : " فهمت , أعتقد أنني حمقاء بعض الشيء اليوم : لا تبال بي . سوف أذهب لكي أحزم بعض الأغراض . وأنت ـ أنت لن تذهب ؟ سوف تنتظرني ؟ " " سوف أنتظرك على الباب . " " أشكرك . أشكرك شكراً جزيلاً , أنا آسفة للغاية . ولكنك تعرف أن الوضع يكون خطيراً عندما تموت أمك . " قلت لها : " أنا أعرف . " وربت على كتفها بعطف , فنظرت لي بامتنان ثم توارت في غرفة النوم . وذهبت أنا نازلاً الدرج وقلت لإلسي هولاند : " لقد قابلت ميجان , وستأتي معنا . " قالت إلسي هولاند : " هذا شيء طيب , إن هذا سوف ينسيها حزنها , إنها لفتاة عصبية كما تعلم , إنها صعبة المراس . إنني سوف أرتاح جداً عندما أخرجها من دائرة الأشياء التي يجب أن أقلق بشأنها. وهذا لطف منك أنت أيضاً يا آنسة بيرتون. أرجو ألا تسبب لك إزعاجاً . يا إلهي , إن جرس الهاتف يدق , لابد أن أرد عليه . إن السيد سيمنجتون لا يستطيع أن يرد عليه . " قالتها وأسرعت تغادر الغرفة , فقالت جوانا : " يا لها من ملاك متفانٍ . " قلت لها : " إنك تسخرين منها , مع أنها فتاة لطيفة و عطوفة , وتؤدي عملها بكفاءة إلى حد ما . " " إلى حد ما , وهي تعرف هذا . " قلت لها : " هذا لا يليق بك يا جوانا . " " أعني لماذا لا تستطيع الفتاة أن تُعنى بنفسها . " " فعلاً . " قالت جوانا : " إنني لا أطيق هؤلاء الناس الذين يختالون بأنفسهم , فهذا يثير طباعي السيئة . كيف وجدت ميجان . " " وجدتها في غرفة مظلمة جالسة على أريكة كظبي شارد . " " يا للطفلة المسكينة , هل رحبت بالفكرة ؟ " " لقد كانت تتوق لذلك بشدة . " وسمعنا صوت ميجان , وهي تدحرج حقيبتها في طريقها إلينا , فذهبت إليها وأخذت منها الحقيبة . وقالت جوانا : " هيا , فلدي أقداح شاي كثيرة علي أن أتناولها . " ذهبنا إلى السيارة , وضايقني أنه تعين على جوانا أن تدخل الحقيبة بنفسها في السيارة . لقد كنت أستطيع في هذا الوقت أن أمشي بعكاز واحد , إلا أنني لم أكن أستطيع القيام بأي حركات رياضية . قلت لميجان : " هيا ادخلي السيارة . " استقللنا السيارة , فأدارت جوانا المحرك , ومضينا في طريقنا . وصلنا إلى ليتل فيرز وجلسنا في غرفة الرسم . تهاوت ميجان على مقعدها وانفجرت باكية . أخذت تنتحب بشكل طفولي ـ غادرت الغرفة طلباً للراحة . وأعتقد أن جوانا وقفت هناك عاجزة عن فعل شيء . ثم سمعت ميجان تقول بصوت مخنوق : " أنا آسفة لأنني أفعل هذا , هذا يبدو تصرفاً أحمق . " قالت جوانا : " لا , لا عليك , إليك منديل آخر . " أعتقد أنها قامت بالتصرف السليم . دلفت الغرفة وقدمت لميجان كوباً من العصير . " ما هذا ؟ " قلت لها : " بعض العصير الطازج . " قالت ميجان وقد جفت دموعها بسرعة : " حقاً ؟ أشكرك بشدة . " ارتشفت ميجان شرابها باستمتاع , ثم أشرق وجهها بابتسامة , ثم أعادت رأسها إلى أسفل وازدرت شرابها حتى الثمالة . ثم قالت : " إنه لذيذ , هل يمكنني أن أحصل على كوب آخر . " قلت لها : " لا . " " لماذا ؟ " " حتى لا تفقدي شهيتك للطعام . " " يا إلهي . " ثم حولت ميجان اهتمامها إلى جوانا قائلة : " إنني في غاية الأسف لأنني أحدثت هذه الضوضاء , عندما أخذت أبكي وأنتحب بهذا الشكل . ولا أدري لماذا , لقد كان هذا سخيفاً جداً خاصة أنني في غاية السعادة لوجودي هنا . " قالت جوانا : " هذا صحيح , نحن في غاية السرور لأنك معنا . " " لا يمكن أن تكونا سعداء لوجودي . إنه عطفكما ورقتكما , ولكنني ممتنة لكما . " قالت جوانا : " لا أريدك أن تتفوهي بهذه الكلمات , إن هذا يحرجني للغاية . إنني صادقة للغاية عندما أقول إننا سعداء لوجودك معنا . فأنا وجيري قد تحدثنا في كل الموضوعات الممكنة , ولا يمكننا أن نجد أي شيء آخ يمكننا أن نقوله لبعضنا البعض . " قلت : " ولكن الآن , سوف نستطيع أن نتحدث عن جونريل وريجان وأشياء من هذا القبيل . " تهللت أسارير ميجان وقالت : " لقد كنت أفكر في هذا الأمر , أعتقد أنني أعرف لماذا . إن هذا لأن والدهما المسن البغيض هذا كان يريدهما دائماً أن يتملقاه . فعندما يضطر المرء لأن يق
الدولة : عدد الرسائل : 51922تاريخ التسجيل : 08/12/2007المزاج : بطاقة عضوية :
موضوع: رد: الادب العالمي الخميس 4 نوفمبر 2010 - 22:48
الفصل السادس 1 بدأ التحقيق بعد الحادث بثلاثة أيام . لقد تم كل شيء على شكل لائق قدر الإمكان , إلا أن الحضور كان كبيراً , وكما لاحظت جوانا كان هناك العديد من النسوة . تم تحديد الوقت الذي توفيت فيه السيدة سيمنجتون وقد كان بين الثالثة والرابعة ظهراً , لقد كانت بمفردها في المنزل ؛ فقد كان السيد سيمنجتون في مكتبه , وكانت الخادمات في إجازة , وإلسي هولاند والأطفال في الخارج . وميجان كانت في نزهة على الدراجة . لابد أن الخطاب وصل في بريد بعد الظهيرة , ولابد أن السيدة سيمنجتون أخرجته من الصندوق , وقرأته ـ ثم لابد وأنها في ثورة غضبها ذهبت إلى خزانة المطبخ وأخرجت منها بعض السيانيد الذي كان ملفوفاً هناك لكي يوضع في شبكة صيد الدبابير , ثم أذابت بعض الماء في تجرعته بعد أن كتبت هذه الكلمات الأخيرة " لا أستطيع أن أستمر . " وأدلى أوين جريفيث بشهادته الطبية , وشدد على وجهة نظره التي أوضحها لنا بخصوص الحالة العصبية للسيدة سيمنجتون وضعف قدرتها على التحمل . كان المحقق لطيفاً وحكيماً , فقد تحدث بمرارة عن إدانته لهؤلاء الذين يكتبون هذه الأشياء الحقيرة , الرسائل المجهولة . وقال أياً كان كاتب هذه الرسائل الشريرة الكاذبة فهو مسئول أخلاقياً عن جريمة القتل . وقد تمنى أن تكشف الشرطة المجرم سريعاً وتتخذ الإجراءات اللازمة ضده أو ضدها , فعمل قذر كهذا تفوح منه رائحة الحقد الأعمى يستحق أقسى عقوبة يفرضها القانون . وبناء على توجيهاته , نطق القضاة بالحكم النهائي , ألا وهو , انتحار أثناء جنون مؤقت . لقد بذل المحقق ما بوسعه , وكذلك أوين جريفيث أيضاً , ولكنني سمعت فيما بعد من نساء القرية نفس الهمسات الكريهة والتي بدأت ~أعرفها جيداً . " لا دخان بلا نار . هذا رأيي ! لابد أن هناك شيئاً , وإلا ما كات لتقدم على هذه الفعلة ... " كرهت لايمستوك وحدودها الضيقة ونساءها النمامات الهامسات . 2 من الصعب تذكر الأشياء بترتيبها الزمني الصحيح . بالطبع , كانت زيارة المفتش ناش ثاني أهم المعالم . ولكني أعتقد بعد ذلك أننا تلقينا زيارات من أشخاص مختلفين بالقرية , وكانت كل زيارة مهمة في حد ذاتها , وقد ألقت بعض الضوء على على بعض الشخصيات وصفاتهم . جاءت إيمي جريفيث في الصباح بعد الاستجواب , كانت تبدو كعادتها وافرة الصحة والنشاط ونجحت كعادتها أيضاً في مضايقتي على الفور . وبما أن ميجان وجوانا كانتا بالخارج فقد قمت أنا بواجبات الضيافة . قالت الآنسة جريفيث : " صباح الخير , ل4قد سمعت أنكما تستضيفان ميجان هنا ." " أجل . " " هذا تصرف كريم من جانبكم , أنا متأكدة من ذلك , ولكن أخشى أن يسبب لكم بعض الإزعاج . وقد جئت لأقول إنه بإمكانها المجيء إلينا إذا كنتما تريدان ذلك . يمكنني القول بأنه بوسعي جعلها مفيدة في البيت . " نظرت إلى إيمي جريفيث باستياء شديد . ثم قلت : " يا لعطفك الشديد , ولكننا سعداء بوجودها . إنها تقضي وقتاً طيباً هنا معنا . " " لا يمكنني القول بأن تلك الطفة مغرمة بالتسكع , وأظنها لا تستطيع فعل شيء سوى ذلك , فهي ذات ذكاء محدود للغاية . " قلت : " أعتقد أنها فتاة غاية في الذكاء . " حدقت إلي جريفيث بقسوة , ثم غلقت قائلة : " لأول مرة أسمع شخصاً يقول هذا عنها . فعندما تتحدث إليها تنظر إليك كما لو أنها لا تفهم ما تقوله . " قلت : " ربما كانت لا تهتم بما يقال , وهذا كل ما في الأمر . " قالت إيمي جريفيث : " إذا كان الأمر كذلك , فهي تتسم بالوقاحة . " قلت : " ربما , ولكنها ليست ذات ذكاء محدود . " أعلنت الآنسة جريفيث بحدة : : إنها شاردة الذهن غافلة , على أفضل تقدير إن ما تحتاج إليه ميجان هو العمل الجاد ـ شيء يجعلها تهتم بالحياة . لا تتصور مدى الفارق الذي يشكله هذا بالنسبة لفتاة . إنني أعرف الكثير عن الفتيات . حتى أنه ليدهشك مدى الاختلاف الذي يحدثه كون الفتاة عضواً في فريق الكشافة . إن ميجان أكبر من أن تقضي وقتها في التسكع والبطالة . " قلت : " إن من الصعب عليها فعل أي شيء الآن , فيبدو أن السيدة سيمنجتون كانت تعتبرها في الثانية عشر من عمرها . " تنهدت الآنسة جريفيث بحنق : " أعرف , ولم أكن أطيق موقفها ذاك . لقد رحلت الآن , لذا لا أريد قول المزيد , ولكنها كانت مثالاً لما أطلق عليه ربة منزل ليست ذكية , لا تهتم إلا بلعب الورق والقيل والقال والاهتمام بشؤون أطفالها ـ حتى الأطفال كانت الفتاة تعتني بهم . أخشى أنني لم أكن معجبة بالسيدة سيمنجتون , على الرغم من ذلك فلم أشك بالحقيقة أبداً . " قلت محتداً : " الحقيقة ؟ " احمر وجه الآنسة جريفيث , وقالت : " لقد أسفت بشدة على ديك سيمنجتون لنشر كل تلك الأشياء في الاستجواب , لقد كان ذلك شيئاً فظيعاً بالنسبة له . " " ولكنك بالتأكيد سمعته يقول أن ما ورد بالخطاب لا أساس له من الصحة على الإطلاق ـ لقد كان متأكداً من ذلك تماماً . " " لقد قال ذلك بالطبع , وهذا صحيح , فالرجل لابد أن يدافع عن زوجته , هذا ما كان ليفعله ديك . " لقد عرفت ديك سيمنجتون منذ وقت طويل . " اندهشت بعض الشيء . قلت : " حقاً ! لقد علمت من أخيك أنه اشترى هذه العيادة منذ بضع سنوات قليلة . " " أوه ,نعم , ولكن ديك سيمنجتون قد اعتاد على المجيء والإقامة عندنا في الشمال. لقد عرفته منذ سنوات . " إن النساء يتوصلن إلى نتائج لا يتوصل إليها الرجال . إلا أن النعومة المفاجئة التي طرأت على إيمي جريفيث جعلت ـ على حد وصف خادمتنا العجوز ـ بعض الأفكار تدور في رأسي . نظرت إلى إيمي بفضول , بينما واصلت هي حديثها بنفس النبرة الناعمة : " أعرف ديك حق المعرفة ... إنه رجل يعتز بكبريائه ومتحفظ جداً , ولكنه مع ذلك غيور جداً . " قلت متعمداً : " وهذا يفسر سبب خشية السيدة سيمنجتون من أن تريه الرسالة أو أن تخبره بما ورد فيها . فلعلعا كانت تخشى ألا يصدق إنكارها لما ورد بها , وذلك بسبب غيرته . " نظرت إلي الآنسة جريفيث نظرة تنم عن الحنق والاحتقار . " يا إلهي , أتعتقد أن امرأة يمكن أن تقدم على ابتلاع سيانيد البوتاسيوم بسبب اتنهام كاذب . " " يبدو أن المحقق اعتقد أن ذلك ممكن . كما أن أخاك أيضاً ـــ " قاطعتني إيمي : " أنتم معرش الرجال تفكرون بنفس الطريقة . فكلكم تريدون المحافظة على الآداب العامة . ولكنني لا أصدق هذا الشخف , فإن تلقت امرأة بريئة رسالة حقيرة من مجهول,فإنها تضحك أو تلقيها في سلة المهملات.وهذا ما فعلته ــ" توقفت فجأة , ثم أنهت كلامها قائلة : " ما كنت لأفعله . " ولكنني لاحظت مقاطعتها هذه , كنت متأكداً تقريباً من أنها كانت بصدد قول : " فعلته . " قررت أن أنقل المعركة إلى ساحة العدو . قلت ضاحكاً : " إذن , هل تلقيت أنت أيضاً واحدة من هذه الرسائل ؟ " . كانت إيمي جريفيث من النساء اللواتي يحتقرن الكذب . صمتت لبرهة ـ واحمر وجهها , ثم قالت : " نعم , ولكنني لم أدعها تقلقني . " سألتها بتعاطف : " أكاذيب بذيئة ؟ " " بالطبع , فهذه الأشياء بذيئة دائماً . إنها هذيان شخص مخبول . لقد قرأت كلمات قليلة منها , فأدركت فحواها فألقيتها في سلة المهملات بلا تردد . " " ألم تفكري في إبلاغ الشرطة . " " كلا , فكثرة الكلام تزيد المشاكل سوءاً ـ هذا هو ما فكرت فيه عندئذ . " ألح علي هاجس أن أقول لها : " ا دخان بدون نار ! " ولكني منعت نفسي , ولكي أتجنب هذا الإغراء غيرت مجرى الحديث إلى ميجان . فسألتها : " ألديك فكرة عن وضع ميجان المالي ؟ إنه ليس نوعاً من الفضول , وإنما أريد أن أعرف إذا ما كان يتحتم عليها العمل لكسب قوتها . " " لا أعتقد أنه يتحتم عليها بمعنى الكلمة , فقد تركت لها جدتها لأبيها مصدراً صغيراً للدخل على ما أظن , وعلى أي حال , فإن ديك سيمنجتون كان يوفر لها السكن ويتكفل بها حتى لو لم تترك لها أمها شيئاً . غير أنها مسألة مبدأ . " " أي مبدأ ؟ " " العمل يا سيد بيرتون , فليس هناك شيء أهم من العمل بالنسبة للرجل والمرأة . فالكسل ذنب لا يغتفر . " قلت : " لقد فصل السيد إدوارد جيري , الذي أصبح وزيراً للخارجية فيما بعد , من جامعة أكسفورد بسبب كسله الفظيع . كما أن الدوق ويلنتجون ـ على حد علمي ـ كان كسولاً وغير مهتم بكتبه . ثم , ألم يخطر ببالك يا آنسة جريفيث أنك لم تكوني لتستطيعي استقلال القطار إلى لندن لو أن جورج ستيفنسون كان قد خرج مع أقرانه من الشباب للعمل بدلاً من التسكع في مطبخ أمه شاعراً بالملل حتى انتبه عقله الكسول إلى الحركة الرتيبة لغطاء غلاية الشاي ؟ " لم تقل إيمي شيئاً سوى أن تنهدت بحنق . فقلت معضداً فكرتي : " إنها نظريتي الخاصة . إذ أرى أننا ندين للكسل ـ سواءً كان اختيارياً أو جبرياً ـ بمعظم ابتكاراتنا وإنجازاتنا العظيمة . فالعقل البشري يفضل أن يتغذى على أفكار الآخرين دون بذل جهد يذكر , ولكن إذا حرم من تلك الرفاهية , فسوف يبدأ التفكير لنفسه ـ وتذكري أن مثل هذا التفكير الخلاق وربما يؤدي إلى نتائج قيمة . " واصلت حديثي قبل أن تتاح لإيمي فرصة لإطلاق تنهيدة حانقة أخرى : " فضلاً عن ذلك , فإن الكسل به جانب فني . " نهضت وأخذت من على مكتبي صورة طالما لازمتني , إنها صورتي الصينية المفضلة , وهي تصور رجلاً عجوزاً جالساً تحت شجرة يلعب تشبيك الخيوط بأطراف أصابع يديه . قلت : " كانت في المعرض الصيني وقد أعجبتني , اسمحي لي بأن أريك إياها . إنها تدعى " رجل عجوز يستمتع بالكسل . " لم تعجب إيمي بصورتي الجميلة , فقالت : " أوه , حسناً , إننا جميعاً نعرف طباع الصينيين . " سألتها : " ألا تروق لك ؟ " " بصراحة كلا , فأنا لا أهتم بالفن كثيراً , كما أن طريقة تفكيرك يا سيد بيرتون لا تختلف عن طريقة تفكير معظم الرجال . فأنتم تكرهون عمل المرأة ــــ ومنافستها لكم ــــ " أصابتني الدهشة , فهاأنذا قد أصبحت عدواً للحركة النسائية . استمرت إيمي في دفاعها وقد احمرت وجنتاها . " إنه لا تروق لك فكرة خروج المرأة من لميدان العمل , تماماً كوالدي . فقد كنت مهتمة بدراسة الطب ولكنهما لم يكونا مهتمين بدفع مصاريف الدراسة , ومع ذلك فقد كانا مستعدين لدفعها لأوين . لقد كان بإمكاني أن أصبح طبيبة أفضل من أخي ." قلت : " أنا آسف لما حدث معك , فلابد أنه كان شيئاً قاسياً عليك . فحينما يريد المرء فعل شيء ــ " واصلت كلامها بسرعة : " أوه , لقد تغلبت على هذا الآن , لفدي إرادة شديدة لا تقهر , وحياتي مشحونة بالأنشطة المختلفة . إنني واحدة من أسعد الناس في لايمستوك , ولدي الكثير لأفعله . ولكنني أسعى لهدم الفكرة البالية القائلة بأن مكان المرأة هو بيتها . " قلت : " آسف إن كنت قد آلمتك . وهذه لم تكن وجهة نظري حقاً , وأنا لا أتصور أن ميجان يمكن أن تصبح ربة منزل تقليدية . " " كلا , إنها طفلى مسكينة , ولكنني أخشى لا تصلح لأي شيء . " هدأت إيمي وعادت لتتكلم بطريقتها المعتادة مرة أخرى قائلة : " إن أباها , كما تعرف ـــ " توقفت , فقلت مغتاظاً : " لا أعرف , فالجميع هنا يقولون (( إن أباها )) ثم يخفضون أصواتهم , ثم لا شيء . ماذا فعل ذلك الرجل ؟ ألا يزال حياً ؟ " " في الحقيقة , لا أعرف , وأخشى أنه غامض بالنسبة لي شخصياً , ولكنه كان بلا ريب سيئاً . أعتقد أنه من أرباب السجون , وشخصية غريبة الأطوار إلى حد كبير , لذلك لن أُدهش إذا كانت ميجان مختلفة بعض الشيء . " قلت : " إن ميجان في كامل قواها العقلية , وكما قلت من قبل , فإنني أعتبرها فتاة ذكية . وأختي تعتبرها كذلك أيضاً , إن جوانا تحبها كثيراً . " قالت إيمي : " أخشى أن أختك تجد الحياة مملة هنا بالتأكيد . " ما أن قالتها , حتى عرفت شيئاً آخر , إن إيمي جريفيث تكره أختي , فلقد بدا ذلك واضحاً في نبرة صوتها . " لقد تساءلنا جميعاً كيف يمكنكما العيش هنا في هذه البقعة النائية . " لقد أجبت عن هذا السؤال سابقاً . صمتُّ لبرهة ثم أضفت قائلاً : " إنها أوامر الأطباء , أن أذهب إلى مكان هادئ جداً لا يحدث فيه شيء مزعج . ولكن هذا لا ينطبق على لايمستوك في الوقت الراهن ." " كلا , كلا , أنت محق . " بدت قلقة ثم نهضت وهي تهم بالمغادرة , وقالت عندئذ : " يجب وضع حد لكل هذه الوحشية ! فنحن لا نستطيع استمرار تحمل هذا الوضع . " " ألا تفعل الشرطة شيئاً ؟ " " من المفترض أن يفعلوا , ولكنني أعتقد أنه يجب أن نتعامل مع هذه السخافات بأنفسنا . " " إننا لا نمتلك ما يملكونه من أسلحة . " " هراء ! ربما كنا أكثر منهم حنكة وذكاء . ولا ينقصنا سوى القليل من العزيمة . " ثم ودعتني بسرعة وذهبت . وعندما عادت جوانا وميجان قدمت صورتي الصينية لميجان , فتهللت أساريرها وقالت : " إنها رائعة , أليس كذلك ؟ " " هذا هو رأيي . " قطبت جبينها بالطريقة التي أعرفها جيداً . " ولكنه أمر صعب حقاً , أليس كذلك ؟ " " أن يكون الأمر كسولاً ؟ " " لا , ليس أن يكون كسولاً ـ بل أن يستمتع به , لابد أنه عجوز جداً ــ " توقفت عن الكلام , فقلت : " إنه رجل عجوز بالفعل . " " لا أقصد أن يكون عجوزاً بهذا المعنى . بل أقصد أن يكون عجوزاً بـ ... " قلت : " تقصدين أن على المرء أن يرقى إلى درجة عالية من التحضر حتى تظهر له الأمور على هذا النحو ـ إنها وجهة نظر معقدة ؟ أعتقد أنه يجب أن تكملي تعليمك يا ميجان عن طريق قراءة مائة قصيدة مترجمة عن الصينية . " 3 قابلت سيمنجون في وقت متأخر من اليوم . سألته : " هل تمانع في أن تبقى ميجان معنا لبعض الوقت ؟ إن جوانا سعيدة بها ـ فهي تشعر بالوحدة أحياناً لعدم وجود أحد من أصدقاءها . " " أوه ـ من ـ ميجان ؟ أوه , هذا كرم بالغ منك . " كرهت سيمنجتون منذ ذلك الحين كراهية لم أتمكن من التغلب عليها . فقد بدا واضحاً أنه نسي كل شيء يمت بصلة لميجان . لم أكن لأبالي بو أنه كره الفتاة ـ فالرجل أحياناً يغار من أطفال الرجل السابق ـ بيد أنه لم يكن يكرهها , بل إنه لم يكن يلاحظ وجودها من الأساس . فمثل سيمنجتون وميجان مثل رجل لا يهتم بالكلاب وكان هناك كلب بمنزله , فلا ينتبه لوجوده إلا عندما يصطدم به فيوبخه , وأحياناً يربت عليه شذراً عندما يأتي ويتمسح به . لقد ضايقتني اللامبالاة التي أبداها سيمنجتون تجاه ابنة زوجته . قلت : " ما خططك بشأنها ؟ " بدا وكأنه فوجئ بسؤالي , فقال : " بشأن ميجان ؟ حسناً , سوف تعيش كما كانت في المنزل . أقصد بالطبع , أنه منزلها . " كانت جدتي التي أحببتها كثيراً , تغني أغاني قديمة على الجيتار الخاص بها . وأذكر أن نهاية إحدى هذه الأغاني كانت كالتالي : (( أوه يا عزيزتي , أن لست هنا ليس لي مكان أو بيت , لم يعد لي مأوى , في البحر أو على الشط , فمكاني الوحيد في قلبك . )) ظللت أرددها وأنا في طريق المنزل . 4 جاءت إيميلي بارتون بعد أنم انتهينا من تناول الشاي مباشرة . كانت تريد الحديث عن الحديقة , فأخذنا نتحدث ونحن نتجول هناك لمدة نصف ساعة تقريباً . ثم عدنا أدراجنا إلى المنزل . وعندئذ أخفضت صوتها , وتمتمت قائلة : " أتمنى ألا تكون هذه الطفلة ـ مستاءة من هذا الحدث المروع . " " أتقصدين موت أمها ؟ " " نعم , بالطبع , ولكني في الحقيقة قصدت الإساءة المختلفة عنه . " اعتراني الفضول , فأردت أن أعرف ردة فعل الآنسة بارتون . " ما رأيك في تلك الإساءات ؟ أكانت حقيقية ؟ " " كلا , كلا , بالتأكيد لم يكن بها شيء من الحقيقة . فأنا متأكدة تماماً أن السيدة سيمنجتون لم تكن ـ لم أعني أنه لم يكن."احمر وجه الآنسة بارتون ورتبكت ــــ " أقصد أن تلك الإساءات ليست حقيقية على الإطلاق ـ على الرغم من أنها قد تكون بمثابة حكم . " قلت محدقاً إليها : " حكم ؟ " ازداد احمرار وجه إيميلي بارتون وارتعشت شفتاها . " لا أستطيع منع نفسي من الشعور بأن هذه الخطابات المروعة , وكل الحزن والألم الذي سببته , ربما يتم إرسالها لغرض ما . " قلت مقطباً جبيني : " لقد أرسلت لغرض ما بكل تأكيد . " " كلا , كلا يا سيد بيرتون , لقد أسأت فهمي . إنني لا أتحدث عن هذا المخلوق الضال الذي كتبها ـ فلابد أنه شخص منبوذ تماماً . وإنما أعني أن الله قد ابتلانا بها ليوقظ ضميرنا وينبهنا إلى أخطائنا ." قلت : " إن الله لا يجبر الإنسان على فعل الشر , فالإنسان هو الذي يوعز إلينا بالشرور . " " ما لا أستطيع فهمه أبداً هو ما الذي يدفع أي إنسان إلى فعل شيء كهذا ؟ " هززت كتفي قائلاً : " عقلية مريضة . " " يبدو أنه إنسان تعيس جداً . " " لا يبدو لي أنه تعيس , وإنما هو ملعون , وأنا لست نادماً على هذا الوصف , بل أعنيه تماماً . " اختفت الحمرة عن وجنتا الآنسة بارتون وأصبحتا شاحبتين . " ولكن لماذا يا سيد بيرتون , لماذا؟أية سعادة يحصل عليها المرء من شيء كهذا؟ " " لا أستطيع أنا ولا أنتي فهم ذلك , وهذا من فضل الله علينا . " أخفضت إيميلي بارتون صوتها قائلة : " يقولون أنها السيدة كليت ـ ولكنني لا أستطيع تصديق هذا . " هززت رأسي , بينما واصلت حديثها مهتاجة : " لم يحدث شيئ كهذا من قبل , على أن أذكر أنه قد كان مجتمعاً صغيراً يعيش في سعادة . ترى ماذا كانت أمي العزيزة لتقوله عما يحدث الآن ؟ حسناً , إنني أحمد الله لأنها ماتت قبل أن ترى مثل هذه الأشياء . " من خلال ما عرفته عن السيدة بارتون الراحلة فإنها كانت صلبة بما فيه الكفاية لتحمل أي شيء , بل وربما كانت لتستمتع بهذا الحديث المثير . واصلت إيميلي حديثها : " إنها تحزنني كثيراً . " " ألم ـ ألم تتلق رسالة من هذه الرسائل المجهولة ؟ " احمر وجهها وقالت : " أوه , لا ـ أوه , لا , حقاً . أوه ! هذا الشيء كان ليصيبني بالرعب . " اعتذرت بسرعة , ولكنها غادرت مستاءة . دخلت إلى المنزل ,كانت جوانا تقف في حجرة الرسم بجوار النار التي أشعلتها للتو, حيث كان الجو بارداً الليلة . " جيري ! لقد وجدت هذا في صندوق الخطابات , مرسلاً باليد . حيث تقول بداية الخطاب : " أنت أيتها الساقطة . " " ماذا بها أيضاً غير ذلك ؟ " " قطبت جوانا جبينها قائلة : " نفس السخافات السابقة . " ألقتها في النار , فقفزت قفزة سرعت آلمت ظهري والتقطتها قبل أن تلمسها النار . قلت : " كلا , قد نحتاج إليها . " " نحتاج إليها ؟ " " لتقديمها للشرطة . " 5 في صباح اليوم التالي جاء المفتش ناش لرؤيتي . منذ اللحظة الأولى التي رأيته فيها أعجبت به , فقد كان نموذجاً مثالياً لرجل الشرطة , كان طويل القامة , ذا مظهر عسكري , وعيناه تنمان عن الذكاء والفطنة . قال : " صباح الخير يا سيد بيرتون , أعتقد أنك تعرف سبب مجيئي إليك . " " نعم , أعتقد أنها مسألة الرسائل . " أومأ برأسه قائلاً : " أظن أنك تلقيت واحدة منها . " " نعم , بعد وصولنا هنا مباشرة . " " ما فحواها بالضبط ؟ " فكرت قليلاً ثم ذكرت له كلمات الرسالة بأكبر قدر ممكن من الدقة . استمع مفتش الشرطة بوجه خال من التعبيرات , وعندما أنهيت كلامي قال : " إذن لم تحتفظوا بالرسالة سيد بيرتون ؟ " " آسف , لم نفعل.فقد كنت أظنه مجرد نوعاً من النكاية في وافدين جدد في القرية. " أحنى مفتش الشرطة رأسه متفكراً . ثم قال في اقتضاب : " يا للأسف . " قلت : " ومع ذلك فقد تلقت أختي واحدة في الأمس . وأنقذتها بصعوبة بعدما ألقتها في النار . " " شكراً لك يا سيد بيرتون , فقد كان هذا جميلاً منك . " ذهبت إلى مكتبي وفتحت الدرج الذي وضعتها فيه , فقد فكرت أنه ليس من المناسب أن تراها بارتريدج.أخذتها وأعطيتها لناش.فنظر إليها بسرعة , قم نظر إلي وقال: " هل لها نفس مظهر الرسالة السابقة ؟ " " أعتقد ذلك , إن لم تخني الذاكرة . " " نفس الفارق بين المظروف ونص الرسالة . " قلت : " نعم , فقد كان المظروف مطبوعاً على آلة كاتبة , أما الرسالة نفسها فقد كانت عبارة عن كلمات مأخوذة من كتاب وملصقة على ورقة بيضاء . " أومأ ناش ووضعها في محفظته , ثم قال : " إنني أتساءل يا سيد بيرتون إن كنت تمانع في مرافقتي إلى قسم الشرطة ؟ حيث نستطيع هناك التحاور مع أفراد آخرين ونوفر على أنفسنا الكثير من الوقت والتداخل . " قلت : " بالطبع , هل يمكن أن آتي الآن ؟ " " إن لم يكن لديك مانع . " كانت سيارة الشرطة تنتظر أمام الباب , فاستقللنا السيارة متوجهين نحو قسم الشرطة . قلت : " أتظن أنك ستصل إلى نتيجة بخصوص هذه المشكلة ؟ " أومأ ناش بثقة واضحة . " أوه , نعم , سوف نصل إلى الفاعل بسهولة . إنها مسألة وقت وروتين , فهذه القضايا تسير ببطء , ولكن حلها أمر مؤكد . إنها مسألة تضييق الاحتمالات . " قلت : " أتعني التركيز على أسماء بعينها واستثناء الأخرى ؟ " " نعم , بالإضافة إلى بعض المهام الروتينية . " " أتقصد مراقبة صناديق البريد , وفحص الآلات الكاتبة , والبصمات , وما إلى ذلك ؟ " ابتسم قائلاً : " تماماً , كما تقول . " في قسم الشرطة وجدنا سيمنجتون وجريفيث هناك وعرفني ناش على رجل ذي ذقن بارز وطويل يرتدي ملابس مدنية , وقال لي إنه المفتش جريفز . شرح ناش قائلاً : " لقد جاء المفتش جريفز من لندن لمساعدتنا . إنه خبير في الرسائل مجهولة المصادر . " ابتسم المفتش جريفز ابتسامة كئيبة . فتراءى لي على الفور أن الحياة التي يمضيها صاحبها في اقتفاء أثر كاتبي الرسائل المجهولة لابد وأن تصيبه بالاكتئاب . ومع ذلك فقد أظهر المفتش جريفز حماساً به مسحة من الكآبة . قال بصوت عميق حزين أشبه بكلب بوليسي محبط : " إن هذه القضايا متشابهة إلى حد كبير . فقد تدهش من مدى تشابه كلمات وصياغة هذه الرسائل . " قال ناش : " لقد قابلنا قضية مشابهة قبل سنتين وساعدنا المفتش حينئذ . " رأيت بعض الرسائل على الطاولة أمام جريفز , لابد وأنه كان يتفحصها . قال ناش : " من الصعب الحصول على رسائل من هذا النوعية , وذلك لأن الناس إما يحرقونها أو أنهم لا يعترفون بتلقيها من الأساس. فالناس هنا ـ كما رأيت بنفسك ـ أغبياء, ويخشون التعامل مع الشرطة , فهم متخلفون إلى حد كبير . " قال جريفز : " غير أننا تلقينا عدداً من هذه الرسائل يكفي لبدأ التحري وكشف الجاني . " في تلك الأثناء أخرج ناش من جيبه الرسالة التي أعطيته إياها وسلمها لجريفز . ألقى الأخير نظرة سريعة عليها , ثم وضعها بجانب الرسائل الأخرى وقال في سعادة ورضى : " رائع جداً ـ رائع جداً . " لم أكن أظن أن هذه الرسائل البذيئة قد تبث السعادة في نفس أحد , غير أنه يبدو أن للخبراء وجهة نظر خاصة في هذا الصدد . قال المفتش جريفز : " أعتقد أننا حصلنا على عدد كاف من الرسائل للبدء في العمل , وسوف أطلب منكم أيها السادة , إذا تلقيتم المزيد منها , أن تبلغونا على الفور ؛ وكذلك إذا سمعتم أن أحداً تلقى رسالة مجهولة المصدر ـ وبخاصة أنت , أيها الطبيب بين مرضاك , فابذلوا ما بوسعكم لإقناعه بالمجيء إلينا وإبلاغنا عنها . لدينا ـ " قلب الرسائل بأطراف أصابعه , مستطرداً : " واحدة للسيد سيمنجتون تلقاها منذ شهرين , وواحدة للسيد جريفيث , وواحدة للآنسة " جينش " , وأخرى لجينيفر كلارك , النادلة بمطعم " ثري كراونز " , والرسالة التي تلقتها السيدة سيمنجتون , وأخيراً تلك التي تسلمتها الآنسة بيرتون . أوه , نعم , ورسالة بعثها لنا مدير البنك . " قلت : " إنها مجموعة تمثل جميع الشرائح . " " ولا تختلف عن القضايا المماثلة ! فهي شديدة الشبه بتلك الرسائل التي كانت تكتبها تلك المرأة المخبولة , كما أنها صورة طبق الأصل من تلك الرسائل التي واجهناها في نوثرمبلاند ـ والتي كتبتها إحدى الطالبات بالمدرسة . بوسعي أن أعلن لكم أيها السادة أنني أود رؤية شيء مختلف . " قلت متمتماً : " لا جديد تحت الشمس . " " بالضبط يا سيدي . ولو كنت تعمل في نفس مهنتنا لتبين لك صدق هذه المقولة . " تنهد ناش قائلاً : " نعم , بالفعل . " سأل سيمنجتون : " هل توصلتم إلى رأي محدد بشأن كاتب هذه الرسائل ؟ " " هناك أوجه شبه مشتركة بين كل هذه الرسائل . وسوف أوضحها لكم أيها السادة لعلها توحي لكم بشيء يساعدنا . إن نص الرسائل يتألف من كلمات مصنوعة من أحرف منفصلة قطعت من كتاب مطبوع , إنه كتاب قديم وأظنه طبع عام 1830 . ومن الواضح أن هذا النهج قد اتُبع لتجنب خطر التعرف على الكاتب من خلال خط يده والذي يعتبر أمراً في غاية السهولة . كما يعرف الجميع الآن .... وما يسمى استخدام اليد الخفية في الكتابة أصبح أمراً غير ذي جدوى إن واجهه خبير محنك . وليس هناك بصمات على الرسائل , كما أن المظاريف لها أشكال مختلفة , وقد تعامل معها رجال البريد , والمرسل إليهم , وهناك رسائل أخرى عليها بصمات غير واضحة , ولكن لا يجمعها شيء واحد , مما يشير إلى أن الراسل كان حريصاً على أن يرتدي قفازات , وقد تمت كتابة العناوين على المظاريف بآلة كاتبة مهترئة من طراز وندسور 7 بها حرفا الألف والتاء خارجان على الخط المستقيم . وقد أُرسل معظمها من البريد المحلي أو وضعت باليد في صندوق الرسائل المنزلي . وقد كتبتها امرأة , وأنا أعتقد أنها امرأة في متوسط العمر أو أكبر ,وربما كانت غير متزوجة,على الرغم من أني غير متأكد. " استمعنا بإنصات لدقيقة أو اثنتين دون أن نقاطعه , ثم قلت : " إنك تراهن على الآلة الكاتبة , أليس كذلك ؟ فلابد أنه من السهل الوصول إليها في قرية صغيرة كهذه . " هز المفتش جريفز رأسه بحزن وقال : " إنك مخطئ في هذا يا سيدي . " قال مراقب الشرطة ناش : " الآلة الكاتبة , للأسف , يسهل الوصول إليها . فهي آلة قديمة من مكتب السيد سيمنجتون , وقد تبرع بها لصالح جمعية المرأة , وأعتقد أنه من السهل الوصول إليها , حيث يذهب الكثير من السيدات هنا إلى الجمعية . " " ألا تستطيع تحديد شيء معين من اللمسة الفنية , كما تطلقون عليها ؟ " أومأ جريفز مرة أخرى . " نعم , هذا ممكن بالطبع ـ غير أن المظاريف قد طُبعت كلها بواسطة شخص يستخدم إصبعاً واحداً . " هو إذن شخص غير بارع في استخدام الآلة الكاتبة ؟ " " كلا , أنا لا أعني ذلك . بل أعني أنه شخص يجيد استخدام الآلة الكاتبة ولكنه لا يريدنا أن نتعرف على حقيقته . " " أياً كان كاتب هذه الأشياء فلابد أنه ماكر . " قال جريفز : " إنها يا سيدي تستخدم كل الحيل الممكنة . " قلت : " لم أكن أظن أن هؤلاء النسوة القرويات لديهن هذه العقول . " سعل جريفز , قائلاً : " أخشى أنني لم أكن واضحاً , ولكن هذه الرسائل كتبت على يد امرأة مثقفة . " " ماذا ؟ أتعني أنها " ليدي " ؟ " خرجت مني الكلمة عفوياً . فلم أستخدم هذه الكلمة منذ سنوات . ولكنها الآن جاءت على شفتي تلقائياً , بعد مضي أيام طوال منذ أن عرفتها , منذ أن كانت جدتي تقول بصوت تفوح منه رائحة العجرفة التلقائية : " بالطبع إنها ليست ليدي يا عزيزي . " فهم ناش ما أقصده على الفور , فقد كانت كلمة ليدي لا تزال تعني شيئاً له . قال : " ليس بالضرورة أن تكون ليدي , ولكنها بالتأكيد ليست امرأة قروية . فمعظمهن أميات هنا لا يستطعن هجاء الكلمات , وقطعاً لا يستطعن التعبير بطلاقة . " لذت بالصمت بعدما صدمت بهذه التعقيدات . إذ إن المجتمع هنا صغير للغاية . وقد تخيلت في اللاوعي أن كاتبة الرسائل هي السيدة كليت وأضرابها من النساء , فهي امرأة ماكرة . صاغ سيمنجتون أفكاري بكلمات , حيث قال بحدة : " ولكن هذا يضيق نطاق البحث إلى ست أو اثنتي عشر امرأة على الأكثر ! " " هذا صحيح . " " لا أصدق ! " عندئذ قال سيمنجتون بصوت تكسوه المرارة , وكأنه يخرج الكلمات بصعوبة : " لقد سمعت ما ذكرته في الاستجواب . وإذا ما كنت تعتقد أن تلك الشهادة كانت بناء على رغبة مني لحماية ذكرى زوجتي , فإنني أود أن أكرر الآن أنني مقتنع تمام الاقتناع بأن كل ما ورد في الرسالة التي تسلمتها زوجتي كان محض افتراءات . لقد كانت زوجتي حساسة ورقيقة للغاية , وربما يمكنكم اعتبارها عصبية . ومثل هذه الرسالة من شأنها أن تسبب لها صدمة نفسية عنيفة , بالإضافة إلى أنها كانت معتلة الصحة . " رد جريفز على الفور : " هذا صحيح إلى حد كبير يا سيدي , فهذه الرسائل لا تشير إلى أن كاتبها واثق من معلوماته . إنها مجرد اتهامات عمياء . ولم يكن هناك ابتزاز . ولا يبدو أن بها أي تحيز ديني ــ كما يحدث في بعض الأحيان . إنها فقط مليئة بالجنس والبغضاء ! وهذا يعطينا مؤشراً جيداً للتعرف على الكاتب . " نهض سيمنجتون , وقال بشفتين مرتعشتين : " أتمنى أن تجد الشيطانة التي كتبت هذه الرسائل اللعينة سريعاً . لقد قتلت زوجتي كما لو أنها غرست سكيناً في قلبها . " صمت قليلاً ثم أضاف : " إنني أتساءل , ما شعورها الآن ؟ " . خرج تاركاً السؤال بدون إجابة. سألت : " ما شعورها الآن يا جريفيث ؟ " وبدا لي أن الإجابة في نطاق اختصاصه . " الله أعلم . ومن جانب آخر , فقد تكون مستمتعة بقوتها . فلابد أن موت السيدة سيمنجتون قد أشبع جنونها . " قلت برعشة خفيفة : " لا أتمنى ذلك . لأنها إن كانت كذلك , فسوف ــ " ترددت فيما أنهى ناش عبارتي قائلاً : " فسوف تحاول مرة أخرى ؟ إن هذا ما نتمنى حدوثه يا سيد بيرتون . وتذكر أن الضمآن يذهب إلى البئر كثيراً . " صحت قائلاً : " سوف تكون مجنونة إن واصلت عملها هذا . " قال جريفز : " سوف تواصل . فهذا النوع دائماً ما يفعل . إنه شيء يجري في دمائهم ولا يستطيعون التخلص منه . " هززت رأسي وأنما أرتعد . ثم سألتهم إن كانوا يحتاجون إلي في شيء آخر , فقد كنت أريد الخروج في الهواء , حيث بدا الجو هنا مفعماً بالشر . قال ناش : " لا يوجد لدينا المزيد يا سيد بيرتون كل ما عليك هو أن تبقي عينيك مفتوحتين , وتبذل ما بوسعك للدعاية ـ كأن تحث الجميع على إبلاغنا بأي رسالة يتلقونها من هذا النوع . " أومأت برأسي قائلاً : " أعتقد أنه ما من أحد هنا إلا وتلقى رسالة من هذا النوع . " قال جريفز : " هل تعرف أحداً , على وجه التحديد , لم يتلق رسالة ؟ " " يا له من سؤال غريب ! فليس من المتوقع أن يبوح كل السكان بأسرارهم . " " كلا , كلا يا سيد بيرتون , إنني لم أقصد ذلك , فقط أردت أن أتساءل إن كنت تعرف أي شخص وتثق تماماً أنه لم يتلق رسالة مجهولة ؟ " ترددت ثم قلت : " حسناً , أعرف إلى حد ما . " ثم ذكرت له الحوار الذي دار بيني وبين إيميلي بارتون وما قالته لي . تلقى جريفز المعلومة بوجه جامد خال من التعبير , ثم قال : " حسناً , قد يأتي هذا بفائدة. سوف أسجله . " خرجت في شمس ما بعد الظهيرة مع أوين جريفيث . وما أن وطأت الشارع حتى صحت بأعلى صوتي : " ما هذا المكان الذي جئت إليه من أجل الاسترخاء والاستمتاع بدفء الشمس والاستشفاء ؟ إنه مكان مليء بالسموم الفتاكة , على الرغم من أنه يبدو ظاهرياً مكاناً آمناً وجميلاً كجنة على الأرض . " قال جريفيث بطريقة جافة : " حتى أفضل الأماكن بها شياطين . " " أخلصت إلى شيء يا جريفيث ؟ هل خرجت منهم بأي فكرة عن الموضوع . " " لا أدري , فالشرطة لديها أساليبها الخاصة . حيث يبدون صرحاء معك , ولكنهم لا يخبرونك بشيء . " " نعم , إن ناش شرطي لطيف . " " كما أنه قدير كذلك . " قلت بنبرة اتهام : " إن كان هناك معتوه في البلدة , فيجب أن تعرفه . " هز جريفيث رأسه , وبدا محبطاً , ولكنه كان أكثر من ذلك ـ لقد كان قلقاً . فتساءلت إن كان لديه فكرة من نوع ما . أخذنا نسير عبر الشارع الرئيسي , ثم توقفت عند باب وكلاء العقارات . " أعتقد أن الدفعة الثانية من الإيجار قد حان وقتها . لقد فكرت في دفعها , ثم الرحيل مباشرة أنا وجوانا . " قال أوين : " لا تفعل . " " لم لا ؟ " لم يجب لكنه قال ببطء بعد دقيقة أو دقيقتين : " على كل ـــ أعتقد أنك محق . فلم تعد لايمستوك مكاناً صحياً . بل ربما كانت ضارة عليك أنت وأختك . " قلت : " لا شيء يضر جوانا , فهي صلبة , ولكنني أنا الضعيف . فهذه الأحداث تؤثر على حالتي بشدة . " قال أوين : " تؤثر على حالتك ؟ " دفعت باب الوكلاء ففتحته نصف فتحة . قلت : " ولكنني لن أذهب . فالفضول أقوى عندي من الألم . إنني أريد معرفة الحل . " دلفت إلى الداخل . نهضت امرأة كانت تكتب على الآلة الكاتبة , وتقدمت نحوي . كان شعرها متجعداً وابتسامتها متكلفة , ولكنني وجدتها أكثر ذكاء من تلك الفتاة ذات النظارات والتي كانت تتمايل في المكتب الخارجي . بعد دقيقة خطر ببالي شيء مألوف فقلت : " إنها الآنسة جينش , التي أصبحت فيما بعد كاتبة لدى سيمنجتون . " ثم علقت على هذه الحقيقة قائلاً : " لقد كنت تعملين بمكتب " جالبرث سيمنجتون . " أليس كذلك . " " بلى , بلى , حقاً . ولكنني كنت أعتقد أنه من الأفضل أن أترك ذلك المكان . فهذه وظيفة جيدة ,وإن كان مرتبها ليس كبيراً.ولكن هناك أشياء أهم من المال , أليس كذلك؟ " قلت : " بلا شك . " تنهدت الآنسة : " تلك الرسائل الرهيبة , لقد تلقيت واحدة منها , تتحدث عني وأنا وسيمنجتون ـ أوه , لقد كانت فظيعة , وكل ما بها كان مرعباً . لقد عرفت واجبي وأخذتها إلى الشرطة , على الرغم من أنها لم تكن لطيفة أبداً , أليس كذلك ؟ " " بلى , بلى , إنها رسائل وقحة . " " ولكنهم شكروني وقالوا إنني فعلت الصواب . ولكنني شعرت بعد ذلك بأنه من المؤكد أن الناس في البلدة كانوا يتحدثون عني ــ ولابد أنهم كانوا يفعلون , وإلا من أين حصل كاتب الرسالة على الفكرة ؟ يجب علي تجنب الشائعات , على الرغم من أنه لم هناك أي شيء بيني وبين السيد سيمنجتون . " شعرت بالحرج الشديد . " بلى , بلى , بالطبع لم يكن بينك وبينه شيئ . " " ولكن عقول الناس مليئة بالشر , نعم إنها عقول شريرة . " على الرغم من المحاولات المضنية , إلا أن عيني التقت بعينيها واكتشفت شيئاً فظيعاً . فقد كانت الآنسة جينش مستمتعة بما حدث . ها قد وجدت اليوم شخصاً يتفاعل بسعادة مع الرسائل المجهولة . لقد كان مفتش الشرطة جريفز حماساً مهيناً . أما استمتاع الآنسة جينش فقد تراءى لي موحياً بشيء وكريهاً في الوقت ذاته . ولمعت فكرة في ذهني المشوش . هل الآنسة جينش هي من يكتب الرسائل ؟
الدولة : عدد الرسائل : 51922تاريخ التسجيل : 08/12/2007المزاج : بطاقة عضوية :
موضوع: رد: الادب العالمي الخميس 4 نوفمبر 2010 - 22:51
الفصل السابع 1 عدت إلى البيت فوجدت السيدة دين كالثروب جالسة تتحدث مع جوانا . بدت لي كئيبة ومريضة . قالت : " لقد كانت هذه صدمة مروعة لي يا سيد بيرتون , مسكينة , مسكينة . " قلت : " نعم , إنه لشيء مروع أن تفكري في يقوده أحدهم إلى الإنتحار . " " أوه , أتقصد السيدة سيمنجتون ؟ " " ألا ترين أنت ذلك ؟ " هزت السيد كالثروب رأسها قائلة : " بالطبع إن المرء ليأسف عليها , ولكن ذلك كان سيحدث على أية حال , أليس كذلك ؟ " قالت جوانا بجفاء : " سيحدث ؟ " التفتت دين كالثروب إلى جوانا . " أوه , أعتقد ذلك يا عزيزتي . إذا كان اانتحار وسيلة لهروبك من المشاكل فلا يهم كثيراً نوعية المشكلة التي أدت إلى ذلك . فلو أنها واجهت صدمة كبيرة , لارتكبت نفس الفعلة . إذن فالمهم أنها كانت من هذه النوعية من النساء اللاتي يبغضهن الجميع , فقد كانت أنانية وغبية ومتشبثة بالحياة . يخيل لمن يراها أنها ليست من النوع الذي يحزن الإنسان من أجله ـ ولكنني بدأت أدرك كم كنت لا أعرف الكثير عن الآخرين . " قلت معلقاً : " ولكنني ما زلت أشعر بالفضول لمعرغة من تقصدين بقولك (( مسكينة )) . " أخذت تحدق إلي ثم قالت : " إنها المرأة التي تكتب الرسائل بالطبع . " قلت بجفاء : " لا أعتقد أن مثل هذه المرأة تستحق أي تعاطف . " مالت السيدة دين كالثروب للأمام . ووضعت يدها على كبتها قائلة : " لكن ألا تفهم ـ ألا تشعر ؟ استخدم خيالك . فكر في مدى الإحباط والتعاسة التي يعاني منها قطعاً كل من يكتب هذه الأشياء . كم هي وحيدة ومنعزلة عن الآخرين ! تتجرع السموم واحداً تلو الآخر ولا تجد متنفساً لها إلا بهذه الطريقة . لذا فإنني أشعر بتأنيب الضمير , لأن في هذه البلدة من يعيش في كل هذه التعاسة , ولا أعرف عنه شيئاً كان لابد أن أعرفه . يمكنك تغيير مجرى الأحداث , لا أفعل ذلك أبداً . ولكن الشعور بالتعاسة أشبه بذراع متعفنة , انتفخت وأسود لونها . ولو أحدثت فيها ثقباً وتركت السم يتدفق لتخلص من كل سمومها دون أن يصيبها بأذى . نعم , إنها مسكينة , مسكينة . " نهضت وهمت بالمغادرة . لم أكن متفقاً معها في الرأي . فلم أستطع أن أكن أي نوع من التعاطف مع كاتب رسائلنا المجهولة أياً كان ما به , ولكنني سألت بفضول : " سيدة كالثرب , ألديك أية فكرة عن هوية كاتبة الرسائل ؟ " نظرت إلي بعينيها الصغيرتين المرتبكتين قائلة : " حسناً , أستطيع أن أخمن . لكنني قد أكون مخطئة , أليس كذلك ؟ " وفيما كانت عند الباب مستعدة للخروج , استدارت لتسأل : " أخبرني , لماذا لم تتزوج إلى الآن يا سيد بيرتون ؟ " لو أن شخصاً آخر هو من طرح هذا السؤال لقلت أنه وقح . ولكنك تشعر بأن الفكرة قد طرأت فجأة على ذهنها وأنا أرادت حقاً أن تعرف . قلت مستجمعاً قواي : " هل يمكن القول أنني لم أقابل المرأة المناسبة ؟ " قالت السيدة كالثروب : " يمكننا قول ذلك , ولكنها ليست بالإجابة السديدة , لأنه من الواضح أن الكثير من الرجال تزوجوا من نساء غير مناسبات ؟ " في هذه المرة غادرت بالفعل . قالت جوانا : " إنني أظن أنها مجنونة حقاً , ولكنني أحبها , إن الناس في القرية هنا يخشونها . " " وهكذا أنا , إلى حد ما . " " ألأنك لا تستطيع توقع تصرفاتها ؟ " " نعم , بالإضافة إلى تخميناتها الغريبة . " قالت جوانا ببطء : " هل تعتقد أن كاتب هذه الرسائل تعيس حقاً ؟ " " لا أعرف ما الذي تفكر فيه أو تشعر به هذه الشيطانة اللعينة . فهذا لا يعنيني شيئاً . ولكن ضحاياها هم الذين آسف عليهم . " بدا لي غريباً الآن أن تحليلنا لعقلية صاحب القلم المسموم أهمل أوضح الجوانب . فقد تصورت جريفيث أنه ربما تكون مبتهجة , بيسنما تخيلتها أنا نادمة ـ مذعورة مما جنت يداها . أما السيدة كالثروب فترى أنها تشعر بمعاناة شديدة . غير أن رد الفعل الحتمي والواضح الذي نفكر فيه ـ أو بالأحرى لم أفكر أنا فيه ـ هو الخوف . فبعد موت السيدة سيمنجتون , انتقلت الرسائل من فئة إلى أخرى . لا أعرف الموقف القانوني بالضبط ـ وإن كنت أعتقد أن سيمنجتون يعرف , ولكن من الواضح أنه مع موت شخص بفعل أحد هذه الرسائل , فقد أصبح موقف كاتبة الرسائل أكثر خطورة . فما لا شك فيه أنه إذا ما تم اكتشاف هوية كاتبة الرسائل المجهولة فلن يؤخذ الأمر على أنه مجرد هزل . وقد نشطت الشرطة وتم استدعاء خبير من سكوتلانديارد . وعلى هذا أصبح من الضروري على كاتبة الرسائل المجهولة أن تظل مجهولة . ومع التسليم بأن الخوف هو الرد الأساسي , فإن ثمة أشياء قد تترتب عليه . ومع أنني أجهل ماهية هذه الأشياء , إلا أنني واثق من أنها ستحدث . 2 نزلت أنا وجوانا لتناول الإفطار في وقت متأخر من صباح اليوم التالي , وذلك التأخير لا يتناسب مع عادات سكان لايمستوك . فقد كانت الساعة التاسعة صباحاً , وحينما كنا في لندن كانت جوانا في تلك الساعة تفتح عينيها بالكاد , بينما أكون أنا لا أزال غارقاً في النوم . ومع ذلك فحينما قالت بارتريدج : " موعد الإفطار في الساعة الثامنة والنصف , أم التاسعة ؟ " لم أقو أنا ولا جوانا على اقتراح تأخيره ساعة أخرى . وقد شعرت بالضيق حينما رأيت إيمي تتحدث مع مجان عند عتبة الباب . وكعادتها أطلقت للسانها العنان عند رؤيتنا . " مرحباً أيها الكسالى ! لقد استيقظت منذ ساعات . " لقد كان هذا بالطبع شأنها وحدها . فعلى الطبيب أن يتناول إفطاره مبكراً , وعلى الأخت الوفية أن تصب له الشاي , أو القهوة . ولكن لا عذر لها في المجيء وإزعاج الجيران النائمين , فالتاسعة والنصف ليست بالموعد المناسب للزيارات الصباحية . عادت ميجان إلى غرفة الطعام لإكمال إفطارها الذي ـ حسبما أعتقد ـ قطعته عليها إيمي . قالت إيمي جريفيث : " من المناسب ألا أدخل . " ـ على الرغم من أنني لا أدري ما الذي يجعل إجبار الناس على المجيء والتحدث معهم على عتبة الباب أكثر ميزة من التحدث معهم داخل البيت . واصلت حديثها : " لقد أردت فقط أن أطلب من الآنسة بيرتون إذا كان لديها أية خضروات فائضة أن ترسلها إلى جمعية (( رد ستول )) على الطريق الرئيسي . إن كان الأمر كذلك , فسأبلغ أوين ليأخذها بسيارته . " قلت : " لقد استيقظتِ مبكراً , وتتجولين مبكراً . " قالت أيمي : " البركة في البكور كما يقولون . كما أن فرصتي أكبر في إيجاد الاس في هذا اليوم . سوف أذهب إلى السيد باي , ثم إلى برينتون عصر اليوم . " قلت : " إن نشاطك يشعرني بأنني متعب جداً . " وفي تلك اللحظة دق جرس الهاتف فعدت للردهة للرد عليه , تاركاً جوانا تتمتم بشك على البازلاء والفاصوليا الفرنسية مظهرة جهلها بخضروات الحديقة . قلت في الهاتف : " مرحباً . " جاءني صوت مرتبك . على الطرف الآخر من الخط كان هناك من يلتقط أنفاسه بارتباك ثم سمعت صوتاً أنثوياً يبدو عليه التشكك : " أوه ! " قلت مرة أخرى مشجعاً : " مرحباً . " قال الصوت مرة أخرى : " أوه ! " ثم تساءلت بارتباك : " هل هذا ـ أقصد ـ هل هذا منزل ليتل فيرز ؟ " " نعم , هو ليتل فيرز . " " أوه . " بدا لي أن هذه الكلمة لابد أن تأتي في افتتاحية كل جملة . تساءل الصوت بحذر : " أيمكنني محادثة الآنسة بارتريدج لدقيقة واحدة فقط ؟ " قلت : " بكل تأكيد , أقول لها من ؟ " " أوه , قل لها آجنس وودل . " " آجنس وودل ؟ " " نعم . " مقاوماً إغراء أن أقول : " دونالد دك يتحدث معك . " وضعت سماعة الهاتف وصحت منادياً على بارتريدج في الطابق الثاني حيث كنت أسمع تحركاتها في الطابق الثاني . " بارتريدج ! بارتريدج ! " ظهرت بارتريدج أعلى السلم وبيدها ممسحة طويلة وفي عينيها نظرة تقول : " ما الأمر الآن ؟ " ؛ تلك النظرة التي تطل من خلف أسلوبها المهذب . "نعم , سيدي . " " آجنس وودل تريد الحديث معك على الهاتف . " " معذرة يا سيدي . " رفعت صوتي قائلاً : " آجنس وودل . " " آجنس وودل ـ ماذا تريد الآن ؟ " متخلية عن هدوئها , ألقت بارتريدج الممسحة وهرولت على السلم , حتى أن رداءها كان يُسمع له صوت لشدة اهتياجها . ولكي لا أتطفل عليها عدت إلى غرفة الطعام , حيث وجدت ميجان تتناول إفطارها بنهم . وعلى العكس من إيمي جريفيث فلم تكن ميجان تبدي " وجهاً صبوحاً مشرقاً" , حتى أنها ردت علي تحية الصباح بتجهم , ثم تناولت طعامها في صمت . فتحت جريدة الصباح وبعد دقيقتين أو ثلاثة دخلت جوانا وهي تبدو مشتتةً بعض الشيء . قالت : " ووه ! لقد تعبت . أعتقد أنني كشفت عن جهلي التام بزراعة الخضراوات . ألا توجد فاصوليا في هذا الوقت من العام ؟ " قالت ميجان : " في أغسطس . " قالت جوانا : " حسناً , إن المرء يتطسع في لندن أكلها في أي وقت . " قلت : " إنها معلبة , يا جميلتي الحمقاء , وجاءت لنا مجمدة على سفن من أقصى البلاد . " سألت جوانا : " مثل العاج والأبنوس والطواويس ؟ " ثم قالت متفكرة : " لكم أحب أن يكون لدي طواويس . " قالت ميجان : " أما أن فأحب أن يكون لدي قرد . " قالت جوانا وهي تقشر برتقالة : " إنني أتساءل كيف يكون شعوري لو كنت مثل إيمي جريفيث المفعمة بالصحة والحيوية والاستمتاع بالحياة . أتعتقدون أنها شعرت من قبل بالتعب , أو الاكتئاب ـ أو الحزن ؟ " قلت إنني متأكدة من أن إيمي جريفيث لم تحزن يوماً , ولحقت بميجان عند الشرفة . بينما أنا واقف أدخن غليوني سمعت بارتريدج تدخل حجرة الطعام قادمة من الردهة وسمعتها تقول بتجهم : " أمكن أن أتحدث معك لدقيقة يا سيدتي ؟ " تمنيت ألا تبدي بارتريدج ملحوظة بأن إيميلي بارتون ستتضايق منا إذا فعلنا كذا وكذا . واصلت بارتريدج حديثها : " يجب أن أعتذر يا سيدتي عن اتصال أحدهم بي هنا . أقصد أن الفتاة الصغيرة كان ينبغي أن تنتهج سلوكاً أفضل , فأنا لم أعتد على استخدام الهاتف ولم أسمح لإحدى صديقاتي بالاتصال بي هنا . وأنا آسفة جداً أن تصادف وتلقى سيدتي المكالمة . " قالت جوانا مهدئة إياها : " لماذا ؟ لا بأس بذلك إطلاقاً , لماذا ينبغي على صديقاتك ألا يتصلون بك إذا أرادوا محادثتك ؟ " شعرت بأن وجه بارتريدج ـ وإن كنت لا أراه ـ قد أصبح أكثر صرامة وهي تقول : " إن مثل تلك الفعلة لم تحدث إطلاقاً في هذا البيت . ولم تكن الآنسة إيميلي بارتون لتسمح بذلك أبداً . وكما قلت فإنني آسفة على حدوثه , ولكن آجنس وودل التي فعلت هذه الفعلة كانت قلقة وهي صغيرة جداً أيضاً ولا تعرف السلوكيات اللائقة في بيوت السادة . " قلت بيني وبين نفسي سعيداً : " هذه ضربة يا جوانا . " واصلت بارتريدج : " إن المتصلة تدعى آجنس , يا سيدتي , وقد اعتادت على العمل هنا تحت إشرافي . كانت تبلغ 16 عاماً عندئذٍ , وقد جاءت إلى هنا من الملجأ مباشرة . ولأنه لم يكن لديها بيت , أو أم , أو أي من الأقارب يقدم لها النصيحة , فقد اعتادت اللجوء إلي لأقدم إليها النصائح . " قالت جوانا : " ثم ماذا ؟ " قد كان واضح أن هناك المزيد من الكلام . " لذا فإنني أتشجع لأسألك ما إذا كان من الممكن أن تسمحي لآجنس بأن تأتي إلى هنا وتتناول الشاي معي بعد الظهر في المطبخ . فاليوم هو عطلتنا , وكما ترين فهناك شيء يقلقها تريد استشارتي فيه , ولم أكن لأجرؤ على طلب شيء كهذا في الأحوال العادية ." قالت جوانا مرتبكة : " ولكن لماذا ينبغي ألا يأتي أي أحد لتناول الشاي معك ؟ " انتصبت بارتريدج عندئذٍ , هذا ما قالته جوانا فيما بعد , وبدت متحفزة وهي ترد قائلة : " لم نعتد على ذلك في هذا البيت يا سيدتي , فلم تسمح السيدة بارتون أبداً بقدوم زوار إلى المطبخ , فيما عدا يوم إجازتنا , وفي ذلك الوقت كانيُسمح لنا بقضاء بعض الوقت مع الأصدقاء بدلاً من الخروج , ولكن بخلاف ذلك , في الأيام العادية , لم يكن يُسمح باستقبال أي زوار . وتحافظ الآنسة إيميلي على هذه القواعد القديمة . " إن جوانا متلطفة جداً مع الخدم ومعظمهم يحبونها ولكنها لم تستطع إذابة الجليد بينها وبين بارتريدج . قلتُ عندما ذهبت بارتريدج وانصممت لجوانا بالخارج : " لا فائدة يا عزيزتي , فإن عاطفتك ولينك لم يقابلا بالتقدير . فالقواعد القديمة المتكلفة تتناسب مع بارتريدج ولابد من اتباع السلوكيات اللائقة في بيوت السادة . " " لم أسمع عن مثل هذه الغطرسة من قبل , كيف لا يسمحون لهم برؤية أصدقائهم ؟ حسناً يا جيري , ولكنهم لا يمكن أن يحبوا معاملتهم كالعبيد . " قلت : " من الواضح أنهم يجبون هذه المعاملة , على الأقل بارتريدج . " " لا يمكنني تخيل سبب بغضها لي , بينما معظم الناس يحبونني . " " ربما تبغضك لأنك ربة منزل غير قديرة , فأنت لا تمررين يديك على الأرفف لتعرفي إن كان بها بقايا أتربة عالقة كما أنك لا تنظرين تحت السجاد , ولا تسألين عما حدث لبقايا كعكة الشيكولاتة , ولا تطلبين أبداً كريم الخبز اللذيذ . " قالت جوانا : " أوه ! " ثم استطردت بحزن : " لقد فشلت في كل شيء اليوم , فقد احتقرتني إيميلي جريفيث لجهلي بمملكة الخضروات , وازدرتني بارتريدج لمعاملتي لها بإنسانية . يجب أن أذهب الآن إلى الحديقة وآكل الدود . " قلت : " إن ميجان هناك بالفعل . " كانت ميجان تتجول هناك منذ بضع دقائق , وهي الآن تقف بلا هدف وسط العشب مثل طائر متأمل ينتظر طعامه . غير أنها جاءت إلينا وقالت بعصبية : " أعتقد أنني يجب أن أعود إلى المنزل اليوم . " قلت مستاءً : " ماذا ؟ " واصلت كلامها بوجه تكسوه الحمرة , ولكنها كانت تتحدث بعزم وتصميم : " لقد كنتم في غاية الكرم معي وأعتقد أنني كنت مصدر إزعاج لكما , لكنني استمتعت برفقتكما كثيراً , وعلي أن أغادر الآن , لأنه منزلي على أية حال ولا يستطيع المرء أن يبتعد عن منزله للأبد , لذا أعتقد أنني سأغادر هذا الصباح . " حاولت أنا وجوانا إثناءها عن رأيها , ولكنها كانت مصرة , وأخيراً أخرجت جوانا السيارة وصعدت ميجان للطابق العلوي,وهطت بعد بضع دقائق وهي تحمل متعلقاتها . كانت بارتريدج الشخص الوحيد الذي بدا سعيداً , فقد كانت ترسم ابتسامة على وجهها المتجهم , حيث إنها لم تحب ميجان أبداً . كنت أقف في وسط العشب عندما عادت جوانا . سألتني إذا كنت أعتقد أنني ساعة شمسية . " لماذا ؟ " " لأنك تقف مثل تمثال الحديقة , غير أننا لا نستطيع أن نضع عليك المؤشر الذي يحدد الساعات الشمسية . لقد كنت متعكر المزاج . " " إنني في حالة مزاجية سيئة . فقد استيقظنا على صوت إيمي جريفيث . " تمتمت جوانا : " يا إلهي ! أكان علي أن أتحدث عن تلك الخضروات ! " . وأضفت : " ثم غادرتنا ميجان , وقد كنت أنوي التريض بصحبتها حتى ليج بوتر . " قالت جوانا : أعتقد أنك كنت ستأخذ معك طوقاً وحبلاً . " " لماذا ؟ " كررت جوانا جملتها بصووت مرتفع بينما استدارت نحو ركن المنزل متجهة إلى حديقة المطبخ : " لقد قلت : ( أعتقد أنك ستأخذ معك حبلاً وطوقاً ؟ ) لقد فقد السيد كلبه , وهذا ما يضايقك . " 3 يجب أن أعترف بأنني تضايقت من الطريقة التي غادرتنا بها ميجان . ربما ملت منا فجأة . فعلى كل حال , لم تكن حياتنا مسلية لفتاة في مثل سنها . أما في منزلها فهناك طفلان وإلسي هولاند . سمعت وقع خطوات جوانا فتحركت بسرعة حتى لا تمطرني بمزيد من تعليقاتها الوقحة عن الساعة الشمسية . جاء أوين جريفيث بسيارته قبل الغداء بوقت قصير , وقد كان البستاني في انتظاره بخضروات الحديقة . وبينما كان آدمز العجوز يضع الخضرات في السيارة , دعوت أوين للدخول معي إلى البيت لتناول بعض العصير . ولم يكن مقرراً أن يبقى معنا إلى الغداء . وعندما دخلت بالشراب وجدت جوانا قد نصبت شباكها . لم يكن هناك أي مؤشرات للعداء حتى الآن . فقد كانت متكومة في ركن الأريكة وهي تطرح على أوين أسئلة عن عمله ؛ ما إذا كان يحب عمله كممارس عام , وما إذا كان يحب التخصص في ناحية معينة . وقد كانت ترى مهنة الطب واحدة من أروع الأشياء في العالم . يمكنك أن تقول عنها ما تشاء , ولكن جوانا مستمعة رائعة . وبعد استماعها للكثير ممن يدّعون العبقرية والذين يخبرونها بمدى التجاهل الذي يلقونه وعدم تقدير عبقريتهم , فإن استماعها لأوين جريفيث أمر في غاية اليسر . ولم يمض الكثير من الوقت حتى كان أوين يخبرها ببعض التفاعلات والأمراض الغامضة مستخدماً تلك المصطلحات الطبية التي لا يمكن لأحد أن يفهمها إلا إذا كان طبيباً . كانت جوانا تتظاهر بالذكاء والاهتمام البالغ . شعرت للحظة بتأنيب الضمير . فلم يكن يجدر بجوانا أن تتلاعب بأوين جريفيث ذلك الرجل الطيب . إن النساء ماكرات حقاً ... ثم أخذت أدقق النظر إلى الجزءالجانبي من وجه أوين جريفيث , ورأيت لحيته الطويلة وشفتيه المتجهمتين , فشككت في قدرة جوانا على نَيْل مرادها . وعلى أية حال ينبغي على الرجل ألا يجعل نفسه دمية في يد امرأة تتلاعب به كيفما تشاء . وإن فعل فليحتمل العواقب . وعندئذٍ قالت جوانا : " غير رأيك يا سيد جريفيث وابق معنا إلى الغداء . " , فاحمر وجه جريفيث , وقال إنه كان يتمنى ذلك إلا أن أخته تنتظر عودتها . قالت جوانا بسرعة : " سوف نتصل بها ونشرح لها الأمر . " , ثم خرجت إلى الردهة ونفذت ما قالت . أعتقد أن جريفيث كان مضطرباً بعض الشيء , وخطر ببالي أن كان يخشى أخته . عادت جوانا مبتسمة وقالت أن الأمور على ما يرام . ومكث معنا أوين جريفيث حتى موعد الغداء , وبدا لي أنه مستمتع . تحدثنا عن الكتب وعن السياسة وألاعيبها , كما تحدثنا عن الموسيقى والرسم وفن العمارة الحديثة . لم نتحدث مطلقاً عن لايمستوك أو الرسائل المجهولة , أو انتحار السيدة سيمنجتون . وأحسب أن أوين جريفيث كان سعيداً بحديثنا ؛ فقد أشرق وجهه الأسود الحزين , وكشف عن عقلية المشوقة . عندما غادر قلت لجوانا : " إنه رجل طيب ولا يستحق منك التلاعب . " قالت جوانا : " هذا ما تقوله أنت ! فأنتم معشر الرجال تشدون أزر بعضكم البعض ! " " لماذا تحاولين الإيقاع به يا جوانا ؟ أهو كبرياؤك المجروح ؟ " قالت أختي : " ربما . " 4 كان من المقرر اليوم أن نذهب عصر اليوم لتناول الشاي مع إيميلي بارتون في غرفتها التي تقيم بها في القرية . ذهبنا سيراً على الأقدام , وذلك لأنني شعرت بالقوة الكافية لصعود التل في طريق عودتنا . ولابد أننا أخطأنا في تقدير الوقت اللازم لقطع الطريق فوصلنا مبكراً , وقد فتحت لنا الباب امرأة طويلة قاسية الملامح وأخبرتنا أن الآنسة إيميلي بارتون لم تعد بعد . " ولكني أعرف أنها تنتظركما , لذا تفضلا بالدخول وانتظراها من فضلكما . " كان من الواضح أن هذه المرأة هي المخلصة فلورنسا . تبعناها صاعدين الدرج حتى فتحت لنا باباً وأدخلتنا في غرفة جلوس مريحة جداً , وإن بدت مكتظة بالأثاث إلى حد ما . وشككت أن بعض هذا الأثاث أتى من ليتل فيرز . كان من الواضح أن المرأة فخورة بحجرتها . فقالت : " إنها غرفة جميلة , أليس كذلك ؟ " قالت جوانا بحماس : " جميلة جداً . " " أعمل على راحتها قدر الإمكان , وإن كنت لا أست\يع خدمتها كما ينبغي . فقد كان ينبغي أن تكون في منزلها , فهذا ما يليق بها , لا أن تعيش في حجرتين . " كانت فلورنسا تنظر إلي أنا وجوانا نظرة تنم عن التوبيخ . فشعرت أن هذا ليس يوم حظنا , فقد تعرضت جوانا للتقريع على يد كل من إيمي جريفيث وبارتريدج , وها نحن نتعرض للتقريع من فلورنسا سليطة اللسان . أضافت قائلة : " لقد عملت هناك مديرة للمنزل لمدة خمسة عشر عاماً . " قالت جوانا وهي تشعر بالقهر : " حسناً , لقد ارتضت الآنسة بارتون ترك المنزل , وتركته تحت تصرف وكلاء العقار . " قالت فلورنسا : " لقد أجبِرَت على ذلك , وهي تعيش حياة مقتصدة وحريصة , ومع ذلك لم تتركها الحكومة وشأنها ! فكان عليها أن تدفع الكثير من الضرائب . " هززت أسي بحزن . قالت فلورنسا : " لقد كان هناك الكثير من الأموال في أيام السيدة العجوز , ثم مات الجميع واحدة بعد الأخرى , آه يا عزيزاتي المساكين . وقد كانت الآنسة إيميلي تمرضهن واحدة بعد الأخرى . وقد أفنت زهرة شبابها وهي صابرة دون أن تتذمر أو تشكو . ولكن ذلك أثر عليها , ولم يقتصر الأمر على هذا وحسب , بل كان ينقصها القلاقل والأزمات المالية أيضاً لتضاعف أحزانها ! فلم تعد الأسهم تدر عليها عوائد كالعادة , ولكن لماذا لم تعد تدر عوائد ؟ أريد أن أعرف . كان عليهم أن يخجلوا من أنفسهم وهم يخدعون سيدة مثلها لم يعد ذهنها قادراً على التعامل مع الأرقام ولا تستطيع مسايرة حيلهم . " قلت : " ولكن الجميع تعرضوا لهذه المشاكل . " , ولكت فلورنسا لم تلن أو تهدأ . " لا بأس بذلك لمن لديهم القدرة على الاعتناء بأنفسهم , أما بالنسبة لها هي فالأمرمختلف . إنها تحتاج إلى رعاية , وما دامت معي ففلن أسمح لأحد بأن يقتلها أو يضايقها بأي كل من الأشكال . إنني مستعدة لفعل أي شيء من أجل الآنسة إيميلي . " وحدقت إلينا لبضع لحظات حتى تتأكد من أننا فهمنا المقصود من هذه العبارة , ثم تركتنا فلورنسا القاسية وأغلقت الباب وراءها بحرص . تساءلت جوانا : " ألا تشعر بأنك مصاص دماء يا جيري ؟ لأن هذا ما أشعر به . ما هذا الذي يحدث لنا ؟ " قلت : " يبدو أننا لا نحظى بالقبول , فقد ملّت منا ميجان , ووبختك بارتريدج , وهاهي المخلصة فلورنسا توبخنا نحن الاثنان . " تمتمت جوانا : " إنني أتساءل , لماذا غادرتنا ميجان ؟ " " لابد أنها شعرت بالملل في صحبتنا . " " لا أعتقد ذلك على الإطلاق . هل تعتقد أن إيمي جريفيث أخبرتها بشيء كان السبب في رحيلها ؟" " تقصدين هذا الصباح , عندما كانتا تتحدثان عند عتبة الباب ؟ " " نعم , لم تبقيا معاً لفترة طويلة , بالطبع , ولكن ـــ " قاطعتها مكملاً جملتها : " ولكن وطأة تلك المرأة قوية ربما ـــ " فُتح الباب ودخلت الآنسة إيميلي بارتون . كان وجهها محمراً بعض الشيء , وبدت مرهقة ومتقطعة الأنفاس لحد ما . كانت عيناها الزرقاوان تلمعان . حيتنا بطريقة توحي بشرودها الذهني . " أوه , يا أعزائي , آسفة لتأخيري . فقد كنت أقوم بجولة تسوقية في البلدة , ولم يرق لي الكعك في مخبز البلو روز , حيث بدا أنه غير طازج , لذا ذهبت إلى مخبز السيدة ليجون . إنني أحب دئماً شراء الكعك في نهاية جولتي التسوقية حتى أحصل عليه طازجاً بعد خروجه من الفرن مباشرة , بدلاً من شراء كعك اليوم السابق . ولكنني مستاءة من ترككما تنتظران ـ إن هذا الأمر لا يغتفر حقاً ـ " قاطعتها جوانا قائلة : " إنه خطأنا نحن يا سيدة بارتون . فقد جئنا سيراً على الأقدام وأصبح جيري يقفز بسرعة الآن , لذا وصلنا قبل موعدنا . " " كلا , لا تقولي هذا يا عزيزتي , فالمرء لا يمل أبداً من الصحبة الجميلة . " ربتت السيدة العجوز على كتف جوانا بحنان . تهللت أسارير جوانا ؛ فأخيراً بدا أنها أحرزت نجاحاً . ثم شملتني إيميلي بارتون بابتسامتها , ولكن بمسحة من التحفظ , تماماً كما يقترب المرء من نمر ضمن للحظة أنه لن يؤذيه . " كم هو لطيف منك يا سيد بيرتون أن تحضر مناسبة نسائية مثل تناول الشاي . " أعتقد أن إيميلي بارتون لديها صورة ذهنية عن الرجال تظهرهم كأناس يتناولون الكحوليات ويدخنون السجائر , وفي أوقات الاستراحة يخرجون لإغواء فتيات القرية وتكوين علاقات غرامية مع النساء المتزوجات . عندما قلت ذلك لجوانا لاحقاً , ردت بأن إيميلي بارتون ربما كانت تفكر باللاوعي أن يقابلها رجل من هذه النوعية , ولكن ـ من أسفها ـ لم يحدث ذلك أبداً . في هذه الأثناء كانت الآنسة إيميلي بارتون تضع أمامي أنا وجوانا مناضد صغيرة , وتضع عليها بعضاً من منافض السجائر بحذر , وبعد دقيقة فُتح الباب ودلفت فلورنسا حاملة صينية شاي عليها أكواب فاخرة خمنت أن إيميلي بارتون قد أحضرتها معها . كان الشاي صينياً ولذيذاً وكانت هناك شطائر رقيقة من الخبز والزبدة وبعض الكعك . كانت فلورنسا متهللة الأسارير الآن , ونظرت إلى إيميلي كما تنظر الأم إلى طفلها الحبيب وهو يستمتع بدُمى حفلة الشاي . أكلت أنا وجوانا أكثر مما كنا نريد , حيث كانت مضيفتنا تظغط علينا بإلحاح لتناول المزيد . كان من الواضح أن السيدة الصغيرة مستمتعة بحفلة الشاي التي أعدتها , وأدركت أنني وجوانا نُعتبر بالنسبة لإيميلي بارتون مغامرة كبرى , شخصين من عالم لندن الغامض والمعقد . وبالطبع تطرق حديثنا إلى الأوضاع المحلية . تحدثت الآنسة بيرتون عن الطبيب جريفيث بحماس وعن شخصيته اللطيفة وعن مهاراتهكبيب . وكذلك السيد سيمنجتون , إنه محام بارع جداً وساعد السيدة بيرتون على استرداد بعض المال من ضرائب الدخل التي لولاه ما كانت لتعرف عنها شيئاً . كما أنه لطيف جداً مع أطفاله ويكرس نفسه لهم ولزوجته ـ قاطعت نفسها قائلة : " إنها مسكينة السيدة سيمنجتون , إنه لأم فظيع أن يُترك هؤلاء الأطفال أيتام الأم . ربما لم تكن أماً قوية قط ـ كما أن صحتها كانت معتلة مؤخراً . لابد أنها كانت نوبة عصبية . لقد قرأت عن مثل هذه الأشياء في الجرائد , حيث لا يشعر المرء بما يصدر منه من أفعال في مثل هذه الظروف . ولابد أنها لم تكن تعرف ما تفعل وإلا لتذكرت السيد سيمنجتون وأطفالها . " قالت جوانا : " لابد أن تلك الرسالة المجهولة قد صدمتها صدمة عنيفة . " احمر وجه السيدة بارتون , وقالت بنبرة من التوبيخ في صوتها : " أعتقد أنه لا يجدر بنا الخوض في هذا الموضوع غير اللطيف , أليس كذلك ؟ أعرف أن هناك رسائل , ولكننا لن نتحدث عنها , فهي أشياء مثيرة للاشمئزاز . لذا أعتقد أنه من الأفضل تجاهلها . " حسناً , ربما كانت السيدة إيميلي بارتون قادرة على تجاهلها , ولكن بالنسبة لمعظم الناس لم يكن هذا بالأمر السهل . ومع ذلك فقد غيرت مجرى الحديث وتحدثنا عن إيمي جريفيث . قالت إيميلي بارتون : " يا لها من فتاة رائعة , رائعة جداً . إن حيويتها وقدرتها التنظيمية كبيرة حقاً . كما أنها لطيفة مع الفتيات أيضاً , وهي عملية للغاية وعصرية في جميع المجالات . إنها تدير هذا المكان حقاً , بالإضافة إلى تكريسها حياتها لأخيها . إنه لأمر رائع أن ترى هذا الإخلاص بين أخ وأخته . " سألت جوانا : " ألا يشعر بأنها تتحكم في حياته إلى حد ما ؟ " حدقت إليها إيميلي بارتون بشيء من الفزع . وقالت لها بنبرة تنم عن التوبيخ : " لقد ضحت بالكثير من أجله . " رأيت عيني جوانا تشيران بعلامات السخرية . فسارعت بتغيير دفة الحديث إلى السيد باي . كانت إيميلي بارتون مرتبكة بعض الشيء عندما تحدثنا عن السيد باي . فكل ما قالته عنه , وكررته بنبرة تشكك , أنه لطيف جداً ـ نعم لطيف جداً , وأنه طيب وكريم أيضاً . وأنه أحياناً يأتيه زوار غرباء جداً , ولكن هذا طبيعياً لأنه كان يسافر كثيراً . اتفقنا معها على أن السفر لا يعمل على توسيع أفق المرء فحسب , بل إنه أيضاً يؤدي إلى تكوين معارف غريبة . قالت إيميلي بارتون بحزن : " لكم تمنيت الخروج في رحلة بحرية . فأنا أقرأ الكثير عن هذه الرحلات في الصحف وهي تبدو جذابة . " سألتها جوانا : " لِم لا تخرجين في رحلة كهذه ؟ " يبدو أن محاولة تحويل هذا الحلم إلى حقيقة قد دق جرس الإنذار عند إيميلي بارتون , فقالت : " أوه , لا , لا , هذا مستحيل . " " ولكن لماذا ؟ إنها رخيصة جداً . " " أوه , ليست التكلفة وحسب هي السبب , ولكنني لا أحب السفر وحدي , فهذا يبدو لي وضعاً شاذاً جداً , أليس كذلك ؟ " قالت جوانا : " كلا . " نظرت إليها الآنسة إيميلي بتشكك . " ولا أعرف كيف أتعامل مع أمتعتي ـ والوقوف على أرصفة الموانئ الأجنبية ـ وكل تلك العملات المختلفة ـ " بدا لي أن عدداً من القبعات لا يحصى قد ظهرت أمام السيدة الصغيرة الخائفة , فأسرعت جوانا بتهدئتها عن طريق سؤالها عن مهرجان الحدائق ومعرض المشغولات اليدوية . وقد قادنا هذا تلقائياً إلى السيدة دين كالثروب . بدت مسحة خفيفة من التشنج على وجه السيدة إيميلي بارتون . قالت : " إنها امرأة غريبة حقاً يا عزيزتي , وخاصة تلك الأشياء التي تقولها أحياناً . " سألتها عن هذه الأشياء . " أوه , لا أعرف بالضبط , إنها أشياء غير متوقعة تماماً . والطريقة التي تنظر إليك بها , كما لو كنت ليس موجوداً هناك بل شخصاً آخر ـ إنني أعبر عن ذلك بطريقة سيئة ولكن من الصعب توصيل الانطباع الذي أقصده . ثم إنها لن , حسناً , لن تتدخل أبداً . فهناك الكثير من القضايا التي تستطيع زوجة رجل الدين تقديم النصح بشأنها . ويمكنهم تقويم الناس وجعلهم يصلحون حياتهم . ولأن الناس يصغون إليها , فأنا متأكدة من أنهم سيهابونها . ولكنها تصر على الانعزال والابتعاد , ولديها تلك العادة الغريبة بالشعور بالأسف على أناس لا يستحقون أي أسف على الإطلاق . " تبادلت نظرة سريعة مع جوانا , قائلاً : " هذا مثير حقاً . " " ومع ذلك فهي امرأة كريمة النسب , فهي سليلة أسرة فارواي من بيلباث , وهي أسرة عريقة ولكن تلك الأسر العريقة تكون غريبة الأطوار أحياناً , ولكنها تكرس حياتها لزوجها , ذلك الرجل الحاد الذكاء ـ والذي أخشى أنه ضيع هذا الذكاء في تلك البلدة . إنه رجل طيب ونقي , ولكني دائماً أجد عباراته اللاتينية مربكة . " قلت بحماس موجهاً كلامي لجوانا : " اسمعي , اسمعي . " قالت جوانا : " لقد تلقى جيري تعليمه في مدرسة عامة مرتفعة التكاليف , لذا فإنه لا يفهم اللاتينية . " وقد جعل هذا إيميلي بارتون تتطرق إلى موضوع جديد . قالت : " إن مديرة المدرسة هنا شابة كريهة جداً . أخشى أنها شيوعية حتى النخاع . " , وقد أخفضت صوتها عند نطق كلمة " شيوعية " . وأثناء صعودنا التل في طريق عودتنا , قالت لي جوانا : " إنها امرأة لطيفة . " 5 على العشاء في تلك الليلة , قالت جوانا لبارتريدج إنها تتمنى أن تكون حفلة الشاي التي أ4قامتها قد نجحت . احمر وجه بارتريدج وزادت صلابتها . " شكراً لك يا سيدتي , ولكن آجنس وودل لن تحضر على أية حال . " " أوه , آسفة . " قالت بارتريدج : " إن الأمر لم يكن يهمني من الأساس . " كانت مستاءة إلى الحد الذي جعلها تتنازل وتفضي لنا بضيقها . " لم أكن أنا التي فكرت في طلبها ! بل هي التي اتصلت وقالت أن هناك شيئاً يقلقها , وطلبت المجيء إلى هنا , على أساس أنه يوم إجازتها . وقلت لها أنني لا أوافق إذا سمحت أنت بذلك , وقد سمحت لي . وبعد ذلك لم أسمع أو أرى منها شيئاً ! ولم تكلف نفسها وتعتذر عن عدم المجيء , وإن كنت أتمنى أن أتلقى منها رسالة اعتذار صباح الغد . إن هؤلاء الفتيات لا يعرفن حدودهن وليست لديهن فكرة عن السلوكيات اللائقة . " حاولت جوانا تضميد مشاعر بارتريدج الجريحة . " ربما داهمتها بعض النتاعب الصحية , ألم تتصلي بها لتستكشفي الأمر ؟ " انتصبت بارتريدج مرة أخرى . " كلا , لم أفعل يا سيدتي . إن كانت آجنس تحب التصرف بوقاحة فهذا من شأنها , ولكنني سأوبخها عندما نتقابل . " خرجت بارتريدج من الغرفة وهي لا تزال متصلبة الملامح وضحكنا أنا وجوانا . قلت : " ربما كانت إحدى حالات " عمود نصائح العمة نانسي ( إن مشاعر خطيبي باردة جداً تجاهي , ما الذي ينبغي علي فعله حيال هذا الأمر ؟ ) ومع فشل العمة نانسي , كان عليها اللجوء إلى بارتريدج لطلب النصيحة , بيْد أنه تم حل المشكلة وأتوقع في هذه اللحظة أن آجنس وخطيبها يتنزهان معاً وهم في غاية السعادة . " ضحكت جوانا وقالت إنها توقعت الأمر نفسه . بدأنا نتحدث عن الرسائل المجهولة وتساءلنا عما يمكن أن يكون قد توصل إليه ناش وجريفز الكئيب : " لقد مضى أسبوع بالتمام منذ أن انتحرت السيدة سيمنجتون . ولابد أنهم قد توصلا إلى شيء ما الآن . بصمات الأصابع أو خط اليد أو شيء ما . " أجبتها وأنا شارد الذهن , ففي عقلي الباطن كان هناك شيء لا يريحني وآخذ في التنامي , وكان يرتبط على نحو ما بعبارة " أسبوع التمام " التي استخدمتها جوانا . أجرؤ على القول أنه كان يتوجب علي التوصل إلى هذه الحقيقة مسبقاً .فربما كان عقلي متشككاً بالفعل . على أية حال فإن الخميرة تعمل الآن , والقلق آخذ في التزايد , حتى بلغ مبلغه . لاحظت جوانا فجأة أنني لم أكن أنصت إليها . " ما الخطب يا جيري ؟ " لم أرد عليها لأن ذهني كان مشغولاً بترتيب الأشياء . انتحار السيدة سيمنجتون ... وجودها بمفردها عصر ذلك اليوم ... بمفردها في المنزل , وذلك لأن الخادمات كن في يوم إجازتهن .. منذ أسبوع بالتمام . " جيري , ماذا ـ " قاطعتها : " جوانا , إن الخادمات يأخذن عطلات مرة واحدة في الأسبوع , أليس كذلك ؟ " قالت جوانا : " نعم ويتناوبن أيام الأحد , ما الذي ــ " " لا عليك بأيام الأحد , هل يخرجن في نفس اليوم طوال الأسبوع ؟ " " نعم , هذا هو المعتاد . " كانت جوانا تتحدث إلي بفضول , فلم يلتقط عقلها الخيط الذي التقطته أنا . وقفت وقمت بدق الجرس , فجاءت بارتريدج . قلت : " أخبريني عن آجنس وودل هذه , هل تعمل خادمة ؟ " " نعم يا سيدي , في بيت السيدة سيمنجتون , أو حرى بي الآن أن أقول بيت السيد سيمنجتون . " أخذت نفساً عميقاً ونظرت إلى الساعة . فوجدتها تشير إل العاشرة والنصف . " هل تعتقدين أنها عادت إلى المنزل الآن ؟ " كانت بارتريدج تنظر إلى باستهجان . " أجل سيدي , إن الخادمات يجب أن يكنَّ هناك قبل العاشرة . إنهن يتبعن التقاليد القديمة . " قلت : " سوف أجري مكالمة هاتفية . " خرجت إلى الردهة وتبعتني جوانا وبارتريدج . كانت بارتريدج مغتاظة جداً , بينما كانت جوانا متحيرة , فقالت بينما كنت أطلب الرقم : " ماذا تفعل يا جيري ؟ " " أود التأكد من الفتاة قد عادت بسلام . " تنهدت بارتريدج , مجرد تنهيدة لا أكثر . ولكنني لا أبالي إطلاقاً بتنهيدت بارتريدج . ردت إلسي هولاند على الهاتف . قلت : " آسف على الاتصال . معك جيري بيرتون . هل ـ أجاءت ـ خادمتكم آجنس إلى البيت ؟ " لم أشعر بالحماقة إلا بعدما قلت ما قلت . لأنه إذا ما كانت الفتاة في البيت ولم يمسها سوء , فكيف سأبرر اتصالي وسؤالي عنها . كان من الأفضل أن أدع جوانا تطرح هذا السؤال , وإن كان هذا أيضاً يحتاج لمبرر . لقد تنبأت بموجة جديدة من النميمة في لايمستوك تدور حولي أنا وآجنس وودل المجهولة . بدت إلسي هولاند مندهشة . " آجنس ! أوه بالتأكيد غنها هنا الآن . " شعرت بالحماقة و ولكنني واصلت : " هلا تأكدت من وجودها يا آنسة هولاند ؟ " هناك شيء لابد من قوله عن كياسة المربيات , إنهن معتادات على فعل ما يؤمن به دون أن يسألن عن السبب ! وضعت إلسي السماعة وذهبت طائعة . بعد دقيقتين سمعت صوتها . " هل لا تزال على الخط يا سيد بيرتون ؟ " " نعم . " " لم تصل آجنس بعد , وقد تأكدت من ذلك . " عرفت عندئذٍ أن حدسي كان في محله . سمعت ضوضاء على الطرف الآخر من الخط , ثم تحدث إلي السيد سيمنجتون نفسه : " مرحباً سيد بيرتون و ما الخطب ؟ " " لم ترجع خادمتك آجنس بعد ؟ " " كلا , لقد تأكدت الآنسة هولاند تواً من ذلك . ما الخطب ؟ لم يقع لها حادث , أليس كذلك ؟ " " لا , ليس حادثاً . " " أتعني بأن لديك سبباً للاعتقاد بأن ثمة شيئاً قد حدث للفتاة ؟ " قلت متجهماً : " لن أندهش إن حدث لها شيء .
الدولة : عدد الرسائل : 51922تاريخ التسجيل : 08/12/2007المزاج : بطاقة عضوية :
موضوع: رد: الادب العالمي السبت 6 نوفمبر 2010 - 23:58
الفصل الثامن 1 لم أهنأ بالنوم تلك الليلة . فقد كانت أجزاء اللغز تسبح أمام ذهني . وأعتقد أنني لو فكرت فيها بإمعان , لكن قد توصلت إلى حل اللغز بأكمله عندئذٍ وأنا مستلقي على فراش , وإلا فلماذا تلح هذه الأجزاء على مخيلتي بهذا الشكل ؟ ما مقدار ما نعرفه في أي وقت ؟ أعتقد أننا نعرف أكثر مما ندرك معرفتنا به ! ولكننا لا نستطيع النفاذ إلى تلك المعرفة الخفية . إنها هناك , ولكننا لا نستطيع الوصول إليها . استلقيت على سريري وأخذت أتقلب متململاً , ولم يطرأ على ذهني سوى أجزاء غامضة من اللغز , الأمر الذي عذبني طوال الليل . كان هناك نمط منتظم في إرسال هذه الخطابات , فقط لو استطعت لإمساك بهذا الخيط . كان يجب أن أعرف كاتب هذه الرسائل اللعينة : هناك في مكان ما , فقط لو استطعت تتبعه ... حينما أغمضت عيني لأنام , تراقصت الكلمات أمام ذهني المشوش دونما ترتيب . " لا دخان بلا نار . " لا دخان بدون نار . دخان .... دخان ؟ الساتر الدخاني .... لا , كان ذلك في الحرب ـ عبارة حربية. حرب ... قصاصة ورق ... مجرد قصاصة ورق . بلجيكا ـ ألمانيا. رحت في نوم عميق , وحلمت بأنني آخذ السيدة دين كالثروب , للتنزه بعد أن تحولت إلى كلب صيد في عنقه طوق أمسكه بحبل . 2 استيقظت فجأة على رنين هاتف , رنين متصل ملح . جلست في الفراش ونظرت إلى ساعتي . كانت الساعة السابعة والنصف . لم ينادني أحد . كان الهاتف يدق في الطابق الأسفل في الردهة . قفزت من على الفراش , وارتديت ملابس النوم , وهرعت للأسفل . سبقت بارتريدج التي كانت قادمة عبر الباب الخلفي للمطبخ . رفعت السماعة . " مرحباً . " " أوه ـ كا بالصوت نبرة استغاثة ـ أهذا أنت ؟ " إنه صوت ميجان . بدا صوتها مذعوراً ؟ " أوه , من فضلك تعال ـ تعال . أوه أرجوك تعال . هل ستأتي ؟ " " سآتي فوراً . هل تسمعيني ؟ فوراً ؟ " صعدت السلم درجتين درجتين وهرعت إلى جوانا . " جوانا , إنني ذاهب إلى منزل سيمنجتون . " رفعت جوانا شعرها الأشقر من على الوسادة وفركت عينيها كطفلة صغيرة . " لماذا ـ ماذا حدث ؟ :" " لا أعرف , إنها تلك الطفلة ــ ميجان . لقد بدت مذعورة ! " " ما الذي حدث في اعتقادك ؟ " " إنها الفتاة آجنس , إن لم أكن مخطئاً . " " انتظر , سوف آتي معك لأوصلك بالسيارة . " " لا داعي لذلك , سأقودها بنفسي . " " إنك لا تستطيع قيادة السيارة . " " بل , أستطيع . " وقد قدتها فعلاً . وقد آلمتني ساقي ولكن ليس كثيراً . اغتسلت وحلقت ذهني وارتديت ملابسي , وأخرجت السيارة وقدتها متوجهاً إلى بيت سيمنجتون حتى وصلت هناك خلال نصف ساعة من تلقي مكالمة ميجان الهاتفية . وهذه فترة لا بأس بها . لابد أن ميجان كانت ترقب وصولي , فقد خرجت من المنزل بسرعة واحتضنتني . كان وجهها الصغير ممتقعاً ومرتعشاً . " أوه , ها قد أتيت ـ ها قد أتيت . " قلت : " تماسكي يا عزيزتي , نعم لقد أتيت , والآن ما الأمر ؟ " بدأت ترتجف , فوضعت ذراعي حولها . " لقد ـ لقد وجدتها . " " وجدت آجني ؟ أين ؟ " زادت حدة الارتعاش . " أسفل الدرج , هناك خزانة تحته , بها طعم الصيد وأدوات الجولف وأشياء أخرى كما تعرف . " أومأت , إنها تلك الخزانات المعتادة . " كانت هناك , ملقاة و ... وباردة ـ باردة جداً . لقد كانت ـ كانت ميتة . يا له من أمر فضيع ! " سألتها بفضول : " ما الذي جعلك تنظرين هناك ؟ " " لا ـ لا أعرف , بعدما اتصلت بنا ليلة الأمس , بدأنا نتساءل عن مكان آجنس . وقد انتظرنا لبعض الوقت , ولكنها لم تأت . وأخيراً ذهبنا إلى لننام . لم أنم جيداً واستيقظت مبكراً ولم يكن هناك سوى روز ( الطاهية , كما تعرف ) . كانت غاضبة جداً لعدم عودة آجنس . وقالت إنها كانت من قبل في أحد البيوت عندما هربت فتاة بمثل هذه الطريقة . ثم تناولت بعض الخبز واللبن والجبن في المطبخ , وفجأة دخلت علي روز وهي تبدو غريبة , وقالت إن ملابس الخروج الخاصة بآجنس لا تزال في حجرتها . لقد كانت أفضل ملابسها التي ترتديها عند الخروج . فبدأت أتساءل ما إذا كانت قد تركت المنزل من الأساس , وبدأت البحث عنها ثم فتحت الخزانة الواقعة تحت السلم . و ــ ووجدتها هناك . " " هل اتصل أحدكم بالشرطة ؟ " نعم , إنهم هناك الآن . لقد اتصل زوج أمي على الفور . وعندئذٍ شعرت ـ شعرت بأنني لا أستطيع تحمل الموقف فاتصلت بك . هل لديك مانع ؟ " قلت : " كلا , لا مانع لدي على الإطلاق . " نظرت إليها بفضول . " هل أعطاك أحدهم شاياً أو عصيراً أو قهوة بعدما ـ بعدما وجدتها ؟ " هزت ميجان رأسها بالنفي . صببت اللعنات على كل أهل بيت سيمنجتون . ذلك المغرور لم يفكر سوى بالإتصال بالشرطة . ويبدو أنه لا إلسي هولاند ولا الطاهية فكرتا بتأثير ما حدث على تلك الطفلة الصغيرة الحساسة التي اكتشفت أمر الجثة . " قلت : " تعالي يا عزيزتي , سوف نذهب إلى المطبخ . " درنا حول البيت ودخلنا إلى المطبخ من الباب الخلفي . كانت روز ـ تلك المرأة البدينة ذات الوجه المنتفخ بجوار المدفأة . حيتنا بسيل دافق من الكلام ويدها على قلبها . قالت لي أنها قد فزعت وأصيبت بصدمة عنيفة عند اكتشافها هذا الأمر الرهيب ! فقط فكر في الأمر , كان يمكن أن تكون هي , كان يمكن أن يكون أي واحد منهم , مقتولاً على الفراش . قلت : " صبي قدحاً من الشاي للآنسة ميجان , فهي من تلقت الصدمة كما تعرفين . تذكري أنها من اكتشفت أمر الجثة . " مجرد ذكر الجثة أصيبت روز بالفزع مرة أخرى , ولكنني رمقتها بنظرة حادة فصبت كوياً من الشاي الثقيل . قلت لميجان:" اشربي هذا يا فتاتي العزيزة.أعتقد أنك لم تشربي أي عصير , أليس كذلك يا روز؟ " قالت روز بتشكك إن هناك بعض عصير البرتقال منذ البارحة . قلت : " هذا يفي بالغرض . " ثم صبت كوباً من العصير لميجان . رأيت في عيني روز استحسان تلك الفكرة . قلت : " هل أستطيع الاعتماد عليك للاعتناء بالآنسة ميجان ؟ " ردت روز بطريقة مطمئنة : " أوه, نعم سيدي . " ودلفت إلى الغرفة . ومن خلال معرفتي بنوعية الشخصيات المشابهة لشخصية روز كنت متأكداً من أنها ستجد أنها عليها أن تتناول القليل من الطعام لكي تحافظ على قواها , وهذا أمر جيد بالنسبة لميجان أيضاً . يا لهؤلاء الجاحدين , لماذا لا يعتمون بتلك الطفلة ؟ وتوجهت إلى إلسي هولاند بالردهة وأنا أكاد أنفجر من شدة الغيظ والغضب . لم تبد عليها المفاجأة لرؤيتي . أعتقد أن الإثارة الشديدة الناتجة عن اكتشاف أمر الجثة , جعلت أهل المنزل لا يبالون بمن يأتي ويذهب . كان المفتش , بيرت روندل , يقف عند الباب الأمامي . تنهدت إلسي هولاند قائلة : " أوه , سيد بيرتون و أليس هذا رهيباً ؟ من ذا الذي يستطيع ارتكاب هذا الشيء الفظيع ؟ " " هي جريمة قتل إذن ؟ " " أوه , نعم , لقد ضربها أحدهم على مؤخرة رأسها . إنها مغطاة بالدم والشعر ـ أوه ياله من أمر رهيب ـ وتم حشرها داخل تلك الخزانة . من ذا الذييستطيع الإقدام على فعل هذا الأمر الشرير ؟ ولماذا ؟ مسكينة آجنس , أنا متأكدة أنها لم تؤذ أحداً . " قلت : " كلا , لابد أن أحدهم رأى أن التخلص منها أمراً ضرورياً . " حدقت إلي , أدركت أنها ليست ذكية ولكنها قوية الأعصاب . كان مزاجها عادياً ولكنها كانت تشعر ببعض الاهتمام والإثارة , حتى أنه قد هيئ لي أنها تستمتع بهذه الأحداث الدرامية بطريقة ما , على الرغم من رقة قلبها . قالت معتذرة : " علي أن أذهب لأعتني بالأطفال , فالسيد سيمنجتون حريص جداً على عدم إصابتهم بالصدمة . إنه يريدني أن ~أبقيهم بعيداً . " قلت : " لقد سمعت أن ميجان هي من اكتشف أمر الجثة , هل اعتنى أحد بها ؟ " للحق بدت إلسي هولاند متألمة الضمير . قالت : " أوه , يا عزيزتي , لقد نسيتها تماماً . أتمنى أن تكون بخير . لقد كنت مرتبكة , كما تعرف , بالإضافة إلى وجود الشرطة وما إلى ذلك ـ ولكن كان هذا خطأ مني . يا للفتاة المسكينة , لابد أنها منهارة الآن . سوف أذهب وألقي نظرة عليها . " شعرت ببعض الارتياح , وقلت : " إنها بخير , وروز تعتني بها . يمكن أن تذهبي إلى الأطفال . " شكرتني , فابتسمت وكشفت عن صف من الأسنان البيضاء , وهرعت صاعدة الدرج . فعلى كل حال , فإن مهمتها رعاية الطفلين , وليست ميجان ـ ميجان ليست مهمة أحد . لقد عينت إلسي للاعتناء بأبناء سيمنجتون , ومن ثم لا يستطيع المرء لومها على ذلك . بينما كانت عند منحنى الدرج , حبست أنفاسي . حيث لمحت في عينيها بريق الانتصار , فبدت أقرب إلى امرأة قوية وجميلة منها إلى مربية حية الضمير . عندئذ فتح الباب ودخل المفتش ناش إلى الردهة والسيد سيمنجتون خلفه . قال : " أوه , سيد بيرتون , كنت على وشك الاتصال بك . إنني سعيد لرؤيتك . " لم يسألني عن سبب مجيئي الآن . " سأستخدم هذه الحجرة إذا سمحت . " كانت حجرة صغيرة بها نافذة تطل على الجانب الأمامي من المنزل . " بالطبع يمكنك ذلك سيدي . " كان سيمنجتون رابط الجأش , ولكن بدا عليه الإرهاق الشديد . قال المفتش ناش بلطف : " لو كنت مكانك لتناولت بعض الطعام يا سيد سيمنجتون . فسوف تشعر أنت والسيدة هولاند وميجان بتحسن كبير إذا تناولتم بعض القهوة والبيض واللحم . فمن الصعب مواجهة جريمة قتل بمعدة خاوية . " كان يتحدث بطريقة ودية كما لو كان طبيب الأسرة . ابتسم سيمنجتون ابتسامة واهنة وقال : " شكراً لك أيها المفتش , سوف آخذ بنصيحتك . " تبعث ناش إلى الحجرة الصغيرة , حيث أغلق الباب , وقال : " لقد جئت إلى هنا بسرعة , كيف عرفت بالخبر ؟ " أخبرته بأن ميجان حادثتني . وشعرت بالود تجاه ناش , فهو لم ينس أيضاً أن ميجان في حاجة لتناول إفطار . " سمعت أنك اتصلت ليلة أمس يا سيد بيرتون لتسأل عن الفتاة , فما الأمر ؟ " أعتقد أن هذا كان غريباً . فأخبرته باتصال آجنس ببارتريدج ثم عدم مجيئها , فقال : " نعم , أفهم ... " قالها ببطء وتمعن وكان يحك ذقنه ثم تنهد , قائلاً : " حسناً , إنها جريمة قتل الآن وهذا الأمر واضح لنا ؛ اعتداء بدني مباشر . السؤال الذي يطرح نفسه الآن : ما الذي كانت تعرفه هذه الفتاة ؟ هل قالت أي شيئ لبارتريدج ؟ أي شيء محدد ؟ " " لا أعتقد هذا , ولكن يمكن سؤال بارتريدج عن هذا . " " نعم , سوف آتي إليكم وأسألها حالما أنتهي من هنا . " سألته : " ما الذي حدث بالضبط ؟ أم أنك لم تعرف بعد ؟ " " لقد كان يوم عطلة الخادمتين ـ " " كلتاهما ؟ " " نعم , يبدو أنه كانت هناك شقيقتان تعملان هنا , وقد طلبتا أخذ عطلتهما في يوم واحد معاً , وقد وافقت السيدة سيمنجتون على ذلك . ثم عندما جاءت هاتان الخادمتان أبقيتا على نفس النظام . وقد اعتادتا على ترك العشاء بارداً في حجرة الطعام , فيما تقوم السيدة هولاند بإعداد الشاي . " " نعم . " " الأمر واضح حتى هذه النقطة . إذ إن أسرة روز الطاهية تعيش في " نيزر ميكفورد " ولكي تصل هناك في يوم عطلتها , يجب عليها ركوب حافلة الثانية والنصف . لذا فإن آجنس تضط إلى تجهيز الغداء تماماً . وقد دأبت روز على مكافأتها بغسل صحون العشاء . " " وهذا ما حدث في الأمس ؛ حيث خرجت روز للحاق بحافلة الثانية والنصف إلا خمس دقائق , وخرج سيمنجتون إلى مكتبه في الساعة الثانية والنصف وخمس دقائق . وخرجت إلسي هولاند والطفلان في الثالثة إلا ربع , وخرجت ميجان هنتر على دراجتها بعد خمس دقائق تقريباً . ويفترض أن تكون آجنس وحدها بالمنزل عندئذٍ وعلى حد علمي , فإنها اعتادت مغادرة المنزل بين الثالثة والثالثة والنصف . " " أتعني أن المنزل لم يكن به أحد عندئذٍ ؟ " " أوه , إنهم لا يهتمون بذلك هنا . فالناس في هذه البلدة لا يحرصون على إغلاق بيوتهم . وكما قلت , ففي الساعة الثالثة إلا عشر دقائق كانت آجنس وحدها في البيت . ومن الواضح أنها لم تغادره أبداً , لأنها كانت ما تزال ترتدي قبعتها وملابس العمل عندما وجدنا جثتها . " " هل عرفتم موعد وفاتها على وجه الدقة ؟ " " لم يقطع الدكتور جريفيث بموعد محدد لوفاتها . وقد قال في تقريره أنه توفيت بين الثانية والرابعة والنصف . " " كيف قتلت ؟ " " ضُربت أولاً بشيء ثقيل على مؤخرة رأسها . وبعد ذلك تم إدخال سيخ المطبخ ـ ذي الرأس الحاد ـ في قاعدة الجمجمة , مما أدى إلى الوفاة الفورية . " أشعلت سيجارة , فلم تكن الصورة الوصفية جميلة . قلت : " جريمة بدم بارد . " " أوه , نعم , هذا ما أشرنا إليه . " أخذت نفساً عميقاً ثم قلت : " من الذي فعلها ؟ ولماذا ؟ :" قال ناش ببطء : " لا أعتقد أننا سنعرف السبب تحديداً , ولكننا نستطيع التخمين . " " أكانت تعرف شيئاً ؟ " " كانت تعرف شيئاً . " " ألم تلمح لأحد هنا أو تعطيه فكرة عما يحدث ؟ " " كلا , على حد علمي . لقد كانت قلقة , منذ وفاة السيدة سيمنجتون , هكذا قالت روز . ووفقاً لأقوال هذه الطاهية فإن قلها كان يتزايد أكثر وأكثر,وظلت تقول أنها لا تعرف ما يجب عليها فعله" أخرج تنهيدة غيظ , قائلاً : " إنها نفس الطريقة دائماً ؛ فهم لا يأتون إلينا أدباً . لقد استقر في النفوس كراهية (( التورط مع الشرطة )) . لو جاءت إلينا وأخبرتنا بما كان يُقلقها , لربما كانت حية الآن . " " ألم تلمح لأي امرأة أخرى بأي شيء ؟ " " كلا , على حسب قول روز , وأنا أميل لتصديقها . لأنها لو كانت أخبرتها بشيء , لسارعت بإخبارنا به مع إضافة كم لا بأس به من الزركشة من خيالها الخصب . " " ولكن لا نزال نستطيع التخمين يا سيد بيرتون . إن نقطة البداية غير محددة , لابد أن يكون هناك شيء يلح على مخيلتك حتى يزداد قلقك . أتفهم ما أعنيه ؟ " " نعم . " " في الحقيقة , فإنني أعلم ما كنت تفكر به . " نظرت إليه باحترام . عمل جيد أيها المفتش ناش . " حسناً يا سيد بيرتون , إنني أعرف شيئاً لا تعرفه أنت . في عصر اليوم الذي انتحرت فيه السيدة سيمنجتون , كان يفترض أن تكون الخادمتان بالخارج . فقد كان يوم إجازتهما . ولكن آجنس عادت إلى المنزل . " " أمتأكد من ذلك ؟ " " نعم , آجنس لديها صديق ـ ذلك الشاب الذي يدعى ريندل الذي يعمل في متجر السمك . حيث يغلق المتجر مبكراً يوم الأربعاء ويأتي لمقابلة آجنس ويذهبان للتنزه , أو يذهبان للمتحف إذا كان الجو مطيراً . وفي ذلك اليوم الأربعاء تشاجرا بمجرد تقابلهما . وقد كانت صاحتنا كاتبة الرسائل تمارس نشاطها , وأوحت إلى ريندل بأن آجنس علاقة مع شاب آخر فاغتاظ ريندل وتشاجرا مشاجرة عنيفة وعادت آجنس أدراجها إلى المنزل , وقالت إنها لن تخرج مع فريد ريندل حتى يأتي ويعتذر لها . " " وبعد ؟ " " حساً , يا سيد بيرتون , المطبخ يواجه الجانب الخلفي للمنزل , ولكن حجرة الخازن تطل على الجهة التي نطل عليها نحن الآن . ولا يوجد إلا بوابة واحدة للدخول فتمر بها إما للصعود إلى الباب الأمامي , أو السير عبر الممر الواقع بجانب المنزل حتى تصل إلى الباب الخلفي . " سكت قليلاً , ثم أضاف : " والآن لأخبرك بشيء . تلك الرسالة التي تلقتها السيدة سيمنجتون عبر لابريد لم ترسل عبر البريد , بل كان عليها طابع بريد مستعمل وختم مزيف باستخدام سخام مصباح , وذلك حتى تبدو وكأن رجل البريد قد ألقاها مع رسائل ما بعد الظهيرة . ولكنها في الحقيقة لم تُرسل عبر البريد . أتفهم ما يعنيه ذلك ؟ " قلت ببطء : " يعني أنها ألقيت باليد داخل صندوق الرسائل قبل مجيء بريد العضر , بحيث تكون بين الرسائل الأخرى . " " تماماً , إن بريد العصر يأتي في الساعة الرابعة إلا ربع تقريباً . وأنا أرى أن الفتاة كانت جالسة في حجرة الخزين تنظل من النافذة ( لقد كانت مغطاة بالشجيرات ولكن يمكن الرؤية من خلالها ) مترقبة مجيء صديقها والاعتذار إليها . " قلت : ورأت من ألقى تلك الرسائل ؟ " " هذا ما أظنه يا سيد بيرتون , وقد أكون مخطئاً بالطبع . " " ولا أظنك مخطئاً ... إن الفكرة بسيطو ـ ومقنعة ـ وتعني أن آجنس عرفت هوية كاتب الرسائل المجهولة . " " نعم . " " ولكن لماذا لم ـ " سكتُّ مقطباً جبيني . فقال ناش بسرعة : " يهيأ لي أن الفتاة لم تعي ما رأته , في البداية على الأقل . وقد ترك أحدهم رسالة بالمنزل , نعم ـ لكن ذلك الشخص لم يكن شخصاً تحلم بأن يكون له صلة بالرسائل المجهولة . لقد كان من تلك الشخصيات التي يُطلق عليها : " فوق مستوى الشبهات " ولكن كلما فكرت في الأمر أكثر ازداد قلقها . ربما كان عليها إخبار أحدهم بالأمر , في خضم ارتباكها وحيراتها فكرت في بارتريدج خادمة السيدة بيرتون التي أعتقد أنها شخصية مسيطرة وتقبل آجنس حكمها على الأمور دون تردد . فقررت أن تسأل بارتريدج عما يجب عليها أن تفعله . " قلت متفكراً : " نعم , إن هذا منطقي للغاية . وقد اكتشفت صاحبة القلم المسموم ذلك بطريقة ما , ولكن كيف اكتشفته أيها المفتش ؟ " " إنك لم تعتد العيش في الريف يا سيد بيرتون . فالأخبار تنتشر هنا بطريقة سريعة . أولاً , هناك المكالمة الهاتفية . من الذي سمعها من الطرف الآخر ؟ " فكرت ثم قلت : " لقد كنتُ أنا من أجاب على الهاتف في البداية ثم ناديت على بارتريدج التي كانت في الطابق العلوي . " " هل ذكرت اسم الفتاة ؟ " " نعم , نعم , ذكرته . " " هل سمعك أحد آخر وأنت تذكره ؟ " " أختي والآنسة جريفيث سمعاني أيضاً . " " آه , الآنسة جريفيث ؟ ماذا كانت تفعل ؟ " شرحت له ما جاءت لأجله . " هل عادت إلى القرية ؟ " " ذهبَت إلى السيد باي أولاً . " تنهد المفتش ناش . " إذا هناك طريقتان يمكن من خلالهما انتشار الخبر . " نظرت إليه غير مصدق . " هل تعني أن أياً من الآنسة جريفيث أو السيد باي يأبه بنقل معلومة تافهة كهذه ؟ " " أي شيء يعتبر خبراً في بلدة كهذه . فإذا ظهر ورم في قدم أم الخياطة فسوف يعرف الجميع بالخبر ! ثم عندنا من كانوا في الجانب الأول من الخط : السيدة هولاند وروز ـ ربما تكونا قد سمعتا ما قالته آجنس . وهناك فريد ريندل . فربما انتشر خبر رجوع آجنس إلى المنزل عصر ذلك اليوم من خلاله . " ارتعدت بينما كنت أنظر إلى النافذة وأمامي قطعة مربعة من العشب والممر وبوابة قصيرة . فتحت إحداهن البوابة , وسارت مطمئنة نحو المنزل , ثم ألقت الرسالة في صندوق الرسائل . ورأيت في خيالي صورة غائمة لتلك المرأة . الوجه خالٍ من أية مامح ـ ولكن لابد وأنه وجه أعرفه ... كان المفتش ناش يقول : " وهذا يحدد نطاق البحث أكثر , وهكذا نستطيع الإمساك بالفاعل في النهاية . الثبات والصبر , فليس هناك الكثير من المشكوك فيهم الآن . " " أتعني ـ ؟ " " أعني أن نستثني أي امرأة عاملة كانت في عملها عصر ذلك اليوم . ويستثنى كذلك مديرة المدرسة , فقد كانت في مدرستها , وأيضاً الممرضة , فأنا أعرف أين كانت بالأمس , على الرغم من أنني لم أشك فيها منذ البداية , ولكننا الآن متأكدون . وكما ترى يا سيد بيرتون , فإن لدينا الآن وقتان يجب أن نركز عليهما ـ عصر الأمس , والأسبوع السابق . في يوم وفاة السيدة سيمنجتون , لنقل من الساعة الثالثة والربع ( أول وقت يمكن أن تكون آجنس قد عادت فيه إلى المنزل بعد شجارها مع صديقها ) ولكنني أستطيع أن أعرف الموعد بدقة من ساعي البريد . والأمس من الثالثة إلا عشر دقائق ( عندما تركت الآنسة ميجان هنتر المنزل ) وحتى الثالثة والنصف أو ربما الثالثة والربع بما أن آجنس لم تغير ملابسها . " " ما الذي حدث بالأمس في رأيك ؟ " مط ناش شفتيه , قائلاً : " أعتقد أن هناك سيدة ما سارت حتى الباب الأمامي , ودقت الجرس , وهي هادئة تماماً ومبتسمة , متظاهرة بأنها تحمل بطاقات دعوة ... ربما سألت عن السيدة هولاند , أو ربما أحضرت معها طرداً . على أية حال ذهبت إليها آجنس لتأخذ بطاقة الدعوة أو الطرد , ثم ضربتها صاحبتنا على مؤخرة رأسها . " " بأي شيء ضربتها ؟ " قال ناش : " النساء هنا يحملن حقائب ذات حجم كبير يمكن أن تتسع لأي شيء يخطر ببالك . " " ثم طعنتها في مؤخرة عنقها ووضعتها في الخزانة , أليس هذا أمراً صعباً على امرأة ؟ " نظر إلي المفتش ناش باستغراب , قائلاً : " المرأة التي نطاردها ليست امرأة عادية ـ ليست عادية إلى حد بعيد ـ وتلك النوعية من النساء المختلات عقلياً يمتلكن قوة مدهشة , كما أن آجنس لم تكن فتاة قوية البنيان . " صمت برهة , ثم سأل : " ما الذي جعل ميجان هنتر تفكر في النظر بداخل الخزانة ؟ " قلت : " إنها الغريزة المحضة . " ثم سألته : " لماذا تم سحب آجنس إلى الخزانة ؟ ما الذي دعاها إلى ذلك ؟ " " لأنه كلما طالت مدة اكتشاف الجثة , زادت صعوبة تحديد موعد الوفاة بدقة . أما لو عثرت السيدة هولاند , مثلاً , على الجثة بمجرد دخولها إلى المنزل لاستطعنا تحديد موعد الوفاة بدقة تبلغ عشر دقائق أو ما يقرب من ذلك ـ وهو الأمر الذي كان من شأنه أن يحرج صاحبتنا . " قلت متجهماً : " لكن لو كانت آجنس تشك في هذه المرأة ـ " " لم تكن تشك . ليس حد الشك القاطع . كل ما فكرت فيه أن أمرها غريب . وأعتقد أنها لم تكن فتاة حادة الذكاء , وكان كل ما يدور في مخيلتها شكوك غامضة مصحوبة بسعور بأن ثمة خطأ ما . وبالتأكيد لم تشك بأنها تواجه امرأة يمكن أن تقتل . " " هل شككت أنت في ذلك ؟ " " كان علي أن اعرف . فمسألة الانتحار كما ترى ! قد أخافت صاحبة القلم المسموم . قد وقع يا سيد بيرتون ما لم يكن في حسبانها . " " نعم و الخوف , هذا كل ما ينبغي علينا التنبؤ به . الخوف ـ في عقل مختل ... " قال الفت ناش : " كما ترى , فإننا نطارد امرأة تحظى بالاحترام والتقدير ـ امرأة ذات مكانة اجتماعية مرموقة ! " . وقد جعلني كلامك أشعر بمدى فظاعة الموقف ! 3 قال ناش عندئذ أنه سوف يستجوب روز مرة أخرى . فسألته ما إذا كان من الممكن أن آتي معه إن لم يكن في الأمر إحراج له . ولدهشتي رحب بعرضي . " إنني مسرور جدتً بتعاونك يا سيد بيرتون . " قلت : " يبدو هذا مثيراً للشك , ففي القصص البوليسية عندما يرحب المحقق بمساعدة شخص ما , فعادة ما يكون هذا الشخص هو الجاني " ضحك ناش وقال : " من المستبعد أن تكون من تلك النوعية التي تجلس وتكتب الرسائل المجهولة , يا سيد بيرتون . " ثم أضاف : " بصراحة , يمكن أن تفيدنا كثيراً . " " يسرني ذلك , ولكنني لا أعرف كيف يمكن أن أكون مصدر عون ؟ " " هذا لأنك غريب هنا , وليس لديك أفكار مسبقة عن الأهالي هنا , ولكنك في الوقت ذاته لديك الفرصة لمعرفة الأمور بالأسلوب الذي أطلق عليه الذكاء الاجتماعي . " تمتمت قائلاً : " الجاني شخص له مكانة اجتماعية . " " تماماً . " " أيعني ذلك أن أكون جاسوساً لكم ؟ " " ألديك اعتراض ؟ " فكرت في الأم , ثم قلت : " كلا , بصراحة ليس لدي اعتراض . فإذا كانت هناك امرأة مختلة تقود سيدة مسالمة إلى الانتحار وتقتل خادمة صغيرة بدم بارد , فليس لدي اعتراض على عمل شيء قذر كالتجسس بهدف القبض على تلك المختلة . " " ها لطف منك , سيدي . واسمح لي بأن أقول لك أن المرأة التي نطاردها خطيرة , فهي كأشد العابين فتكاً . " ارتعدت ثم قلت : " في الحقيقة , علينا أن نسرع . " " هذا صحيح , لا تظن أن الشرطة متكاسلة , فنحن نعمل على عدة خطوط . " قالها بتجهم . كنت أتخيل شبكة عنكبوتية واسعة تهدف إلى اصطياد الجاني ... أوضح لي نا أنه يريد سماع قصة روز مرة أخرى لأنها أخبرته بروايتين مختلفتين , وكلما زاد عدد رواياتها , زادت احتمالات تجميع نقاط الحقيقة معاً . وجدنا روز تغسل صحون الإفطار , ثم توقفت فجأة وأدارت عينيها ووضعت يدها على قلبها وهي تقص علينا مرة أخرى كيف اطلعت على هذا الأمر الرهيب هذا الصباح . كان ناش صبوراً معها ولكن حازماً , وأخبرني بأنه كان يحاول تهدئتها في المرة الأولى , وكان حاسماً في المرة الثانية . أما الآن , فهو يعاملها بمزيج من الأسلوبين . أخذت روز تقص تفاصيل الأسبوع الماصي بسعادة , وروت كيف أن آجنس كانت في غاية الخوف , ثم ارتعدت عندما حثتها روز على قول ما الذي كان يخيفها , وقالت : " لا تسأليني . " فلو أخبرتني لكنت أنا أيضاً ميتة الآن " كان هذا هو كل ما قالته روز , منهية حديثها وهي تقلب النظر إلينا بسعادة . " ألم تلمح آجنس بما كان يخيفها ؟ " " كلا , فيما عدا أنها كانت خائفة . " تنهد المفتش ناش وابتعد عن هذا الموضوع , وأخذ يسأل روز عن أنشطتها في اليوم السابق . روت روز ذلك بصراحة , حيث قالت أنه استقلت حافلة الثانية والنصف وقضت فترة العصر والمساء مع أسرتها , ثم عادت في الثامنة والنصف من نيذر ميكفورد . وقد تعقدت روايتها بفعل ما قالته عن الاحساس الغريب الذي راودها بأن ثمة شراً يحدث عصر الأمس وكيف علقت أختها على ذلك وكيف أنها لم تستطع لمس قطعة واحدة من كعكة البذور . تركنا المطبخ بحثاً عن إلسي هولاند , التي كانت تصحح دروس الطفلين , وكعادتها كانت إلسي هولاند متعاونة . رفعت رأسها وقالت : " والآن يا كولين أنت وبراين سوف تحلان هذه المسائل الثلاث إلى أن أعود . " ثم قادتنا إلى حجرتها . " أليس ذلك أفضل ؟ فأنا أعتقد أنه من الأفضل ألا نتحدث أمام الطفلين . " " شكراً لك يا آنسة هولاند . فقط أخبريني مرة أخرى ؛ هل أنت متأكدة من أن آجنس لم تخبرك بقلقها بخصوص أي شيء , أقصد منذ وفاة السيدة سيمنجتون ؟ " " كلا , لم تقل أي شيء . لقد كانت فتاة هادئة جداً , كما تعرف , ولم تكن تتحدث كثيراً . " " على عس الخادمة الأخرى إذا ؟ " " نعم , فروز تتحدث كثيراً . وعلي أن أخبرها بأن تكف عن وقاحتها تلك بعض الأحيان . " والآن , هلا أخبرتني بما حدث بالضبط عصر أمس ؟؟ كل شئ تتذكرينه ." " حسنا , لقد تناولنا غداءنا كالعاده ، بعدها بساعه خرجنا لنزهه , فأنا لا أدع الطفلان يملان أبداً . دعني أتذكر . لقد عاد السيد سيمنجتون الى مكتبه أو ساعدت آجنس في إعداد المائده ـ بينما كان الطفلان يلعبان في الحديقة ريثما أتجهز للخروج معهما . " " أين ذهبتم ؟ " " إلى كومبي آكر , فقد أراد الطقلان صيد الأسماك , ولكني نسيت الطعم لذا عدت إحضاره . " " متى كان ذلك ؟ " " دعني أتذر , لقد خرجنا حوالي لساعة الثالة إلا الثلث ـ أو بعدها بقليل , وكام من المقرر أن تأتي ميجان معنا ولكنها غيرت رأيها , وقررت أن تخرج للتنزه على دراجتها , فهي تعشق ركوب الدراجات . " " أقصد متى عدت لإحضار الطعم ؟ هل دخلت المنزل ؟ " " لا , لقد تركتها في السقيفة خلف المنزل . ولا أعرف بالضبط كم كان الوقت حينئذ ـ حوالي الثالثة إلا عشر دقائق تقريباً . " " هل رأيت ميجان أو آجنس ؟ " " أعتقد أن ميجان كانت قد غادرت . أما آجنس فلم أراها . لم أر أي أحد . " " وبعدها ذهبتم للصيد ؟ " " نعم لقد ذهبنا للجدول . ولم نصطد شيئاً , فنحن لا نصطاد شيئاً تقريباً , ولكن الطفلين يستمتعان بذلك . وقد بلل براين ملابسه . كان يجب أن أغير ملابسه عندما عدنا . " " هل تقومين بإعداد الشاي كل يوم أربعاء من كل أسبوع ؟ " " نعم , فالشاي يكون معداً في غرفة الاستقبال من أجل السيد سيمنجتون . إنني أعد الشاي فقط عندما يحضر إلى المنزل . أما أنا والطفلان فنتناوله في حجرة الدراسة . فلدي أدوات الشاي والأدوات الأخرى في الخزانة الموجودة أعلى هناك . " " ومتى عدت ؟ " " في حوالي الخامسة إلا عشر دقائق . أخذت الطفلين إلى الطابق العلوي وبدأت فس إعداد الشاي . ثم عندما عاد السيد سيمنجتون ونزلت لأقدم له الشاي , ولكنه قال إنه سيتناوله معنا في غرفة الدراسة . وقد فرح الطفلان لذلك , ولعبنا معاً , يبدو لي الأمر فضيعاً الآن عندما أفكر فيه ـ حيث كانت تلك الفتاة المسكينة مقتولة في الخزانة في ذلك الحين . " " هل يذهب أحد إلى تلك الخزانة في العادة ؟ " " أوه كلا , إنها لا تستخدم إلا لحفظ الأشياء البالية , أما القبعات والمعاطف فنعلقها في الحجرة الصغيرة الواقعة على يمين الباب الأمامي عند الدخول . ولم يذهب أحد إلى الخزانة الأخرى منذ شهور . " " حسناً , ولكن ألم تلاحظي شيئاً غريباً عندما عدتِ ؟ " اتسعت عيناها الزرقاوان , قائلة : " أوه , كلاأيها المفتش لم ألحظ أي شيء على الإطلاق . كان كل شيء كالمعتاد , وهذا هو الرهيب في الأمر . " " وفي الأسبوع السابق ؟ " " أتقصد اليوم الذي انتحرت فيه السيدة سيمنتون ؟ " " نعم . " " أوه , كان ذلك فظيعاً , فظيعاً . " " نعم , نعم , أعرف , هل كنت في الخارج أيضاً عصر ذلك اليوم ؟ " " أوه نعم , فدائماً ما أخرج وآخذ الطفلين بعد الظهر ـ إذا كان الطقس مناسباً . حيث أعطيهما الدروس في الصباح . وفي ذلك اليوم ـ على ما أذكر ـ ذهبنا إلى ناحية المستنقعات ـ ومشينا كثيراً , حتى أنني كنت أخشى أننا تأخرنا في العودة لأنني عندما دخلت من الباب رأيت السيد سيمنجتون عائداً من مكتبه ولم أكن حتى وضعت إناء الشاي على النار , ولكنها كانت الساعة الخامسة إلا عشر دقائق . " " ألم تذهبي للسيدة سيمنجتون في غرفتها ؟ " " أوه , كلا , فأنا لم أفعل ذلك أبداً , فهي دائماً ما تأخذ قسطاً من الراحة بعد الغداء بسبب النوبات العصبيى التي تعاني منها ـ وعادة ما كانت تداهمها بعد تناول الوجبات . وقد أعطاها الدكتور جريفيث بعض المهدئات , واعتادت الاستلقاء على الفراش ومحاولة النوم . " قال ناش بصوت خفيض : " إذن ألا يأخذ لها أحد البريد ؟ " " بريد العصر ؟ كلا , إنني أنظر داخل صندوق البريد وأضع الرسائل على المائدة في الردهة عندما أدخل . ولكن غالباً ما تأخذها السيدة سيمنجتون بنفسها . فهي لم تكن تنام طوال فترة العصر , بل عادة ما كانت تستيقظ قبيل الساعة الرابعة . " " ألم تعتقدي أن شيئاً مريباً حدث لأنها لم تستيقظ عصر ذلك اليوم ؟ " " أوه كلا , إنني لم أتصور حدوث شيء كهذا . لقد كان السيد سيمنجتون يعلق معطفه في الردهة , وقلت له : " الشاي ليس جاهزاً بعد , ولكنني على وشك الانتهاء من إعداده . " فأومأ برأسه ونادى على السيدة سيمنجتون و قائلاً : " مونا , مونا ! " ـ وعندما لم ترد عليه صعد إلى الطابق العلوي متوجهاً نحو غرفة نومها , ولابد أنها كانت أفضع صدمة تعرض لها . وقد نادى علي , وعندما جئته , قال لي : " أبق الأولاد بعيداً . " ثم اتصل بالدكتور جريفيث ونسينا أمر إناء الشاي حتى احترق الجزء السفلي بالكامل ! آه يا عزيزتي ! لقد كان أمراً رهيباً , فقد كانت السيدة سيمنجتون سعيدة ومبتهجة على الغداء . " قال ناش بسرعة : " ما رأيك في تلك الرسالة التي تلقيتها يا آنسة هولاند ؟ " قالت إلسي هولاند بشيء من الغضب : " أوه , أعتقد أنها عمل شرير ـ شرير ! " " نعم , نعم , لم أقصد ذلك . هل كنت تعتقدين أنها حقيقة ؟ " قالت إلسي هولاند بحزم : " كلا , في الحقيقة لا أعتقد ذلك , لقد كانت السيدة سيمنجتون شديدة الحساسية في الحقيقة . كانت تضطر إلى أخذ جميع المهدئات العصبية المتوافرة , كما كانت محافظة للغاية , وأي عمل حقير كهذا من شأنه أن يسبب لها صدمة . " صمت ناش للحظة , ثم سألها : " ألم تتلقي أياً من هذه الرسائل يا آنسة هولاند ؟ " " كلا , كلا , لا أتلق أياً منها . " " هل أنت على ثقة من ذلك ؟ من فضلك " ـ ثم رفع يده ـ " لا تتسرعي الإجابة , أعرف أنها أشياء بغيضة , ولا يحب الناس أحياناً الاعتراف باستلام واحدة منها . ولكن من المهم جداً في هذه القضية أن نعرف الحقيقة , ونحن نعلم تماماً أن كل ما يَرِد بها محض أكاذيب , لذا لا داعي للشعور بالحرج . " " لكني لم أتلق سشيئاً فعلاً أيها المفتش ؟ لم أتلق شيئاً من هذا القبيل على الإطلاق . " كانت ساخطة وأوشكت على البكاء , وبدا إنكارها صادقاً . " عندما عادت إلى الطفلين , وقف ناش ونظر من النافذة . قال : " حسناً ’ إنها تدعي أنها لم تتلق أياً من هذه الرسائل , ويبدو أنها صادقة فيما تقول . " " بالقطع , أنا على ثقة من ذلك . " همهم ناش , ثم قال : " ما أريد معرفته إذن هو لماذا لم يقع عليها اختيار تلك الشيطانة كاتبة الرسائل المجهولة ؟ " واصل كلامه دونما صبر , بينما كنت أحدق إليه . " " إنها جميلة , أليس كذلك ؟ " " أكثر من مجرد جميلة . " " بالضبط , وهي حسنة المظهر بشكل غير عادي , وفي سن الشباب في الحقيقة إنها مطمع لأي كاتب رسائل مجهولة . إذن لماذا استثنيت ؟ " هززت رأسي . " إنها مسألة مثيرة , ويجب أن أذككر لجريفيث هذلك , فقد طلب مني أن أخبره عن أي شخص لم يتلق رسائل مجهولة . " قلت : " إنها المرأة الثانية , تذكر أن هناك إيميلي بارتون أيضاً . " ضحك ناش ضحكة باهتة . " لا تصدق كل ما يقال يا سيد بيرتون , فقد تلقت السيدة بارتون واحدة بالفعل ـ بل أكثر من واحدة . " " كيف عرفت ؟ " " تلك المخلصة سليطة اللسان التي تعيش معها خادمتها أو طاهيتها السابقة فلورنسا إلفرود . لقد كانت ساخطة جداً بسبب تلك الرسالة , وكانت تود أن تقطع صاحبتها إرباً . " " لكن لماذا قالت إيميلي بارتون إنها لم تتلق أي رسالة من هذا النوع ؟ " " إنها الرقة ؛ فلغة هذه الرسائل ليست لطيفة . والسيدة بارتون الصغيرة قضت حياتها وهي تتجنب كل ما هو بذيء وغير مهذب . " " وماذا قالت الرسالة ؟ " " الكلام المعتاد , وإن كان يبعث على الضحك في حالتها . وقد لمحت الرسالة إلى أنها وضعت السم لأمها العجوز ومعظم شقيقاتها . " قلت غير مصدق : " أتقصد أن هذه المرأة المجنونة الخطرة ستظل طليقة ولن نستطيع التعرف عليها وإيقافها عند حدها ؟ " قال ناش بصوت كئيب : " حسناً , سوف نكشفها , فسوف تكتب الكثير من الرسائل الأخرى ." " ولكنها لن تكتب المزيد من الرسائل , على الأقل الآن . " نظر إلي قائلاً : " بلى , ستفعل . فهي لا تستطيع التوقف الآن , فهذا نوع من الأمراض المستعصية . والرسائل ستستمر , لا شك في ذلك . "
الدولة : عدد الرسائل : 51922تاريخ التسجيل : 08/12/2007المزاج : بطاقة عضوية :
موضوع: رد: الادب العالمي الأحد 7 نوفمبر 2010 - 0:00
الفصل التاسع 1 ذهبت لأرى ميجان قبل مغادرة المنزل . كانت في الحديقة وبدت وكأنها عادت إلى حالتها الطبيعية تقريباً , حيتني مبتهجة . اقترحت عليها العودة إلينا مرة أخرى لفترة , ولكن بعد التردد هزت رأسها : " هذا لطف منك ـ ولكني أعتقد أنني سأبقى هنا . فهو على أية حال ـ حسناً , يفترض أنه بيتي . وأزعم أنني أستطيع مساعدة الطفلين . " قلت : " حسناً , كما تشائين . " " إذن أعتقد أنني سأبقى . هل أستطيع ـ هل أستطيع ؟ " قلت لكي أحثها على الكلام : " نعم . " " إذا ـ إذا حدث أي شيء رهيب , أستطيع الاتصال بك لتأتي إلي , أليس كذلك ؟ " تأثرت لكلامها , فقلت : " بالطبع , ولكن ما هو الشيء الرهيب الذي تعتقدين أنه قد يحدث ؟ " " أوه , لا أعرف . " بدت غامضة بعض الشيء وهي تقول : " أوه , لا أعرف . أشياء مثل ما يحدث الآن . " قلت , بالله ليك , لا تكوني متشائمة إلى هذه الدرجة , فلن يكون هناك المزيد من الجثث ! فهذا ليس جيداً لكي . " ابتسمت لي ابتسامة خاطفة , قائلة : " كلا , إنه ليس جيداً بالمرة . قد جعلني أشعر بالغثيان . " لم ترق لي فكرة تركها هناك , ولكنه على أية حال , كما قالت و بيتها . وتخيلت أن إلسي هولاند ستشعر بمزيد من المسؤولية تجاهها . ذهبت أنا وناش إلى ليتل فيرز . وبينما كنت أقص باختصار أحداث هذا الصباح على جوانا , كان ناش يتحدث مع بارتريدج ليسألها عما إذا كانت آجنس قد قالت لها شيئاً محدداً عندما اتصلت بها . ثم عاد إلينا موهو يبدو محبطاً . " لم تفدنا كثيراً , فطبقاً لهذه المرأة , فإن الفتاة لم تقل شيئاً سوى أنها قلقة بخصوص أمر ما ولا تعرف ماذا تفعل وأنها تود طلب النصيحة من لسيدة بارتريدج . " سألته جوانا : " هل ذكرت بارتريدج هذا لأي أحد ؟ " أومأ ناش متجهماً . " نعم , فقد أخبرت السيدة موري ـ خادمتكم التي تأتي في الصباح ـ بأن هناك بعض الفتيات اللاتي يرغبن في طلب النصح ممن هن أكبر منهن سناً ولا يعتقدن أن بمقدورهن البت في أي شيء بمفردهن ! وربما لم تكن آجنس فتاة ذكية , ولكنها كانت فتاة مهذبة وعلى خلق . " تمتمت جوانا : " إن بارتريدج تمدح نفسها في الحقيقة . وهل يمكن أن تكون الآنسة إموري قد أضشاعت الخبر في البلدة ؟ " " هذا صحيح ! يا آنسة بيرتون . " قلت : " هناك شيء يصيبني بالدهشة , لماذا كنت أنا وأختى من ضمن متلقي الرسائل المجهولة ؟ فنحن غربء هنا ـ ولا يكن أحد لنا ضغينة ؟ " " إنك لا تستطيع فهم عقليات أصحاب الأقلام المسمومة ـ إنهم يصوبون سهامهم إلى الجميع . ويمكنك القول إنهم يكنّون الضغينة للإنسانية كلها . " قالت جوانا متفكرة : " أعتقد أن هذا هو ما قصدته السيدة كالثروب . " نظر إليها ناش نظرة متسائلة , ولكنها لم توضح له , فقال : " لا أعرف ما إذا كنت قد نظرت بتأن إلى مظروف الرسالة التي تلقيتها يا آنسة بيرتون ولو أنك فعلت لربما لاحظت أنها كانت سترسل إلى الآنسة بارتون ثم تم تحويل حرف الألف إلى ياء . " لو تم ملاحظة ذلك , لكان يمكن أن يكشف لنا جزءاً من الغموض الذي يكتنف الأمر , ولكن أحداً منا لم يعرها اهتماماً . غادر ناش , وبقيت أنا وجوانا . قالت : " إنك لا تعتقد أن الرسالة كان مقصوداً بها إيميلي حقاً , أليس كذلك ؟ " أوضحت لها قائلاً : " لو كانت إيميلي هي المقصودة ما كانت الرسالة لتبدأ بعبارة : (( أيتها الساقطة المتبرجة . )) " فوافقتني جوانا . ثم قلت إنه ينبغي علي الذهاب إلى وسط البلدة . " يجب أن تسمعي ما يقوله الجميع , لكن لدهشتي رفضت وقالت إنها ستتسكع في الحديقة . توقفت عند الباب وأخفضت صوتي , قائلاً : " أعتد أنها بارتريدج . " " بارتريدج ! " جعلتني الدهشة التي غلفت صوت جوانا أشعر بالخجل من فكرتي هذه , فقلت معتذراً : " كنت فقط أتساءل . فهي غريبة الأطوار إلى حد ما ـ فهي عانس متجهمة ـ ذلك النوع من النساء اللاتي يمكن أن يكن متعصبات دينياً . " " ولكن موضوعنا هذا لا علاقة له بالتعصب الديني ـ أو أن هذا ما قاله جريفيز على حد قولك . " " حسناً , فهو الهوس الجنسي إذن . إنهما مرتبطان ببعضهما على ما أعتقد . فهي تشعر بالكبت وتحظى بالاحترام وقد عاشت حبيسة البيت هنا لسنوات مع سيدات عجائز . " " ما الذي دفع الفكرة إلى ذهنك ؟ " قلت ببطء : " حسناً , إننا لم نسمع إلا روايتها هي بخصوص ما قالته الفتاة , ربما طلبت آجنس من بارتريدج أن تخبرها عن سبب مجيئها وتركها رسالة في ذلك اليوم ـ ثم قالت بارتريدج أنها ستأتي بعد الظهر وتشرح لها الأمر . " " ثم موهت على الأمر بأن جاءت إلينا وسألتنا ما إذا كان من الممكن أن تأتي الفتاة إلى هنا . " " نعم . " " لكن بارتريدج لم تخرج عصر ذلك اليوم . " " وما أدراك ؟ تذكري أننا كنا بالخارج . " " نعم , هذا صحيح . أعتقد أن ذلك ممكن . " ثم قلبت جوانا الأمر في رأسها وقالت : " ولكني لا أعتقد ذلك فأنا لا أعتقد أن عقلية بارتريدج تستطيع حبك كل هذه الخدع للتمويه على أمر الرسائل المجهولة ؛ أي أن تزيل بصمات الأصابع وما إلى ذلك . فالأمر لا يحتاج إلى الدهاء فقط , بل والمعرفة أيضاً . وأنا لا أعتقد أنها تمتلك هذه القدرات . أظن أن ـ " ترددت جوانا , ثم قالت ببطء : " هم متأكدون أنها امرأة , أليس كذلك ؟ " صحت غير مصدق : " أتظنين أنه رجل ؟ " " كلا ليس رجلاً عادياً ـ ولكنه نوع معين من الرجال . إنني أفكر حقاً في السيد باي . " " إذن قد وقع اختيارك على باي ؟ " " ألا تشعر أنت نفسك أنه محل للشبهة ؟ فهو يعيش وحده ـ وغير سعيد ـ ومكروه من الآخرين . فالجميع يسخرون منه كما ترى . ألا ترى أنه يحقد على كل الناس الغير طبيعيين السعداء ويستمتع بشكل غريب بما يفعله ؟ " " ولكن جريفز قال إنها امرأة عانس في أواسط العمر . " قالت جوانا : " والسيد باي عانس في أواسط العمر . " قلت ببطء : " مختلف عمن حوله . " " وهو هكذا بالفعل . إنه غني , ولكن المال ليس كل شيء . وأعتقد أنه ليس متزناً . إنه رجل قصير ومخيف . " " تذكري أنه هو نفسه تلقى رسالة . " " لسنا متأكدين من ذلك , كل ما لدينا مجرد اعتقادات . وعلى كل ربما ادعى ذلك لحبك تمثيليته . " " أتعتقدين أنه يخدعنا ؟ " " نعم , ولديه من الذكاء ما يكفي للتفكير في ذلك ـ ةعدم المبالغة في أداء دوره . " " لابد وأنه ممثل قدير . " " بالفعل يا جيري , إن من يفعل ذلك لابد وأن يكون ممثلاً قديراً . فهذا أحد جوانب المتعة والسعادة بالنسبة له . " " بالله عليك يا جوانا لا تتحدثي بذلك اليقين ! فأنت تجعليني أشعر بأنك ـ بأنك تفهمين عقلية هذه الرسائل . " " أعتقد أنني أفهمها . أقصد أنني أستطيع تصور الحالة المزاجية والنفسية لكاتبها . فلو لم أكن جوانا بيرتون ولو لم أكن شابة وجذابة إلى حد معقول وقادرة على الاستمتاع بوقتي , ولو كنت ـ كيف أقولها ؟ ـ خلف القبضان وأشاهد الآخرين وهم يستمتعون بحياتهم , فهل كان الشر الأسود يتملك مني , ويجعلني أريد إذاء الآخرين وتعذيبهم ـ بل وتحطيمهم ؟ " أمسكتها من كتفها وهززتها , قائلاً : " جوانا ! " فتنهدت وارتغشت ثم ابتسمت لي قائلة : " لقد أخفتك يا جيري , أليس كذلك ؟ ولكن يراودني شعور بأن هذه هي الطريقة الصحيحة لحل هذا اللغز . حيث تتقمص دور الشخص المعني كي تعرف أحاسيسه ومشاعره وما الذي يجعله يتصرف على هذا النحو , وعندئذٍ ـ وعندئذٍ ربما تعرف تصرفه التالي . " قلت : " أوه , اللعنة ! وأنا الذي جئت إلى هنا لكي أقلد مملكة الخضراوات وأهتم بالفضائح المحلية التافهة . فضائح محلية تافهة ! قذف , بذاءات , كلام فاحش وجرائم قتل ! " 2 كانت جوانا محقة تماماً . فقد كان الشارع الرئيسي بالبلدة مكتظاً بالكثير من المهتمين بما جرى. وعقدت العزم على معرفة ردة فعل كل منهم . قابلت جريفيث أولاً . وقد بدا متعباً ومرهقاً , حتى أنني تعجبت لأمره . فالقتل بالتأكيد ليس حدثاً يومياً يعانيه الأطباء , ولكن تخصصه يؤهله لمواجهة معظم الأمور ومنها المعاناة والوجه الوقح للحقيقة البشرية وحقيقة الموت . قلت له : " تبدو متعباً . " كان غامضاً وهو يقول : " أبدو كذلك حقاً ؟ أوه لقد كان لدي بعض الحالات المقلقة مؤخراً . " " ومنها حالة مجنونتنا ؟ " " نعم , بكل تأكيد . " نظر بعيداً عني عبر الشارع فرأيت عصباً دقيقاً يرتعش في جفنه . " أليست لديك شكوك في هويتها ؟ " " كلا , كلا , وأتمنى لو هداني الله إليها . " ثم سألني فجأة عن جوانا , وقال بتردد إن معه بعض الصور التي أرادت رؤيتها .فعرضت عليه أن آخذها إليها . " أوه , لا أريد أن أثقل عليك , سوف امر ببيتكم في وقت لاحق من الصباح . " بدأت أخشى أن يكون جريفيث قد وقع في الشباك . اللعة على جوانا ! فقد كان جريفيث أطيب من أن توقع به في شباكها . تركته ينصرف , لأنني رأية أخته آتية وكنت أريد التحدث إليها . بدأت إيمي من وسط الحوار كما لو كانت معنا . حيث انفجرت قائلة : " يا لها من جريمة مروعة ! لقد سمعت أنك ذهبت هناك ـ مبكراً . " لقد كان كا منها يحمل صيغة السؤال , ولمعت عيناها وهي تؤكد على كلمة " مبكراً " . ولم أكن لأخبرها أن ميجان اتصلت بي , لذا قلت لها : " لقد كنت قلقاً الليلة الماضية , فقد كان من المقرر أن تأتي في الصباح لتناول الشاي معنا ولم تحضر . " " لذا خشيت وقوع الأسوأ , يا لك من عبقري ! " قلت : " إنني أمتلك حاسة قوية لتشمم الجرائم . " " إنها جريمة القتل الأولى التي تشهدها لايمستوك , وقد بلغت الإثارة مبلغها . أتمنى أن تستطيع الشرطة كشف الجاني . " " أنا واثق من ذلك , فهم رجال أكفاء . " " لا أستطيع حتى تذكر شكل الفتاة , على الرغم من أنني أعتقد أنها فتحت لي الباب عشرا المرات . إنها فتاة ضئيلة الحجم . لقد أخبرني أوين أنها قد ضربت على راسها , ثم طعنت في مؤخرة عنقها . يبدو لي أن الجاني أحد أصدقائها . فما رايك ؟ " " أهذا هو تفسيرك للأحداث ؟ " " يبدو لي أن هذا هو التفسير الأقرب لى الصواب . لابد أنها تشاجرت , فهي مثل الكثير من الناس هنا تنقصها التربية السوية , إن هذا السلوك متوارث من ذويها . " توقفت ثم استطردت : " لقد سمعت أن ميجان هنتر هي من اكتشفت أمر الجثة . لابد وأنها قد أصيبت بصدمة . " قلت باختصار : " بالفعل . " " أعتقد أن هذا ليس جيداً بالنسبة لها . وأنا أرى قواها العقلية ضعيفة ـ وشيء مثل ذا قد يذهب بعقلها تماماً . " اتخذت قراراً مفاجئاً , فقد كان علي أن أعرف شيئاً ما . قلت : " أخبريني يا آنسة جريفيث , هل أنتي من أقنع ميجان بالعودة إلى منزلها أمس ؟ " " حسناً , لا يمكنني القول إنني أقنعتها . " أصررت على المعرفة , فقلت لها : " ولكنك قلت لها شيئاً . " ضربت إيمي جريفيث الأرض بقدمها حدقت النظر إلي . وكانت في موقف دفاعي إلى حد ما , وقالت : " ليس من الجيد أن تتملص تك الفتاة من مسؤولياتها . وهي صغيرة ولا تعرف ما يقوله الناس في المدينة , لذا شعرت أن من واجبي أن أبين لها الموقف . " انفجرت من شدة الغضب , قائلاً : " ما يقوله الناس ؟ " واصلت إيمي كلامها بتلك الثقة المثيرة للجنون والتي تحيلها إلى فتاة ذات شخصية متسلطة : " أوه , أنت لا تسمع كل النميمة التي تدور هنا . ولكني أسمعها ! وأعرف ما يقوله الناس , بالرغم من أنني لا أصدق أي كلمة مما يقال ـ ولا كلمة واحدة ! ولكنك تعرف طبيعة البشر ـ فإذا استطاعوا قول شيء مشين , فإنهم لا يتورعون عن قوله ! وسيكون من الصعب على الفتاة كسب قوتها . " قلت مندهشاً : " كسب قوتها ؟ " واصلت إيمي كلامها : " إنه موقف صعب عليها بالطبع , وأعتقد أنها فعلت اصواب . أعني أنها لم تكن تستطيع الرحيل هكذا وتترك الطفلين دون أن يرعاهما أحد . لقد كانت رائعة ـ رائعة حقاً . إنني أقول ذلك للجميع ! ولكنه موقف لا تحسد عليه , حيث سيتكلم الناس عليها ولن يتركوها في حالها . " سألتها : " عمّن تتحدثين ؟ " قالت إيمي بصبر نافد : " عن إلسي هولاند بالطبع , فأنا أرى أنها فتاة لطيفة للغاية , ولم تفعل إلا ما يمليه عليها الواجب . " " وما الذي يقوله الناس ؟ " ضحكت إيمي جريفيث , أعتقد أنها كانت ضحكة غير بريئة . " يقولون أنها تفكر فعلياً أن تكون السيدة سيمنجتون الثانية ـ بحيث تسري عن الزوج المترمل وتجعل من نفسها شيئاً لا غنى عنه . " قلت مصدوماً : " يا إلهي ! ولكن لم يمض على وفاة السيدة سيمنجتون سوى أسبوع ! " هزت إيمي كتفيها , قائلة : " بالطبع , ما هي إلا شائعات سخيفة ! ولكنك تعرف الناس وألسنتهم ! فالآنسو هولاند في ريعان شبابها وعلى قدر عالٍ من الجمال , وهذا يكفي . ولعلك تعرف أن العمل كمربية ليس مطمح الفتيات . وما كنت لألومها لو أنها أرادت أن تتزوج وتستقر , ولقد قامت باللعب بأوراقها جيداً . " واصلت كلامها : " وبالطبع , فإن السيد ديك سيمنجتون المسكين ليست لديه أدنى فكرة عن كل هذا ! فهو لا يزال متأثراً بوفاة زوجته مونا سيمنجتون . ولكنك تعرف طبيعة الرجال ! فإذا كانت المرأة بجواره دائماً , وتعمل على راحته , وتعتني به , وتكرس نفسها لأولاده ـ حسناً , فسوف يعتمد عليها . " قلت بهدوء : " إذن أنت تعتقدين أن إلسي هولاند تخطط للإيقاع به ؟ " احمر وجه إيمي جريفيث وقالت : " إطلاقاً , إنني آسفة لتلك الفتاة , ولما يقوله الناس عليها من كلام منحط ! ولهذا أخبرت ميجان بضرورة العودة إلى المنزل . فهذا يبدو لي أفضل من ترك ديك سيمنجتون , إلسي هولاند وحدهما بالبيت . " بدأت الأمور تتضح لي . ضحكت إيمي جريفيث ضحكتها الخبيثة . " لقد صُدمت يا سيد بيرتون بما تفكر فيه بلدتنا الصغيرة النمامة . يمكنني القول إنها دائماً ما تفكر في الأسوأ ! " ضحكت ثانية ثم أومأت وواصلت سيرها مبتعدة . قابلت السيد باي عند دار العبادة . كان يتحدث مع إيميلي بارتون التي بدت محمرة الوجه ومنفعلة . حياني السيد باي بحفاوة بالغة . " أوه , بيرتون , صباح الخير , صباح الخير ! كيف حال أختك الفاتنة ؟ " أخبرته أن جوانا على ما يرام . " ولكنك لن تنضم إلى رلمان القرية , إننا جميعاً متشوقون للأخبار . فهي جريمة قتل ! جريمة قتل حقيقية من تلك النوعية التي تُنشر في صحف الأحد ! أخشى ألا تكون أكثر الجرائم إثارة , فهي إلى حد ما مقتل خادمة وحشية بطريقة وحشية . ولا يوجد حرفية في ارتكاب الجريمة , إلا أنها لا تزال خبراً , " قالت الآنسة بارتو وهي ترتعش : " إنها صدمة ـ صدمة فظيعة . " التفت إليها السيد باي قائلاً : " ولكنك تستمتعين بها , يا عزيزتي , نعم تستمتعين بها . اعترفي بذلك الآن . إنك ترفضينها وتعترضين عليها , ولكن هناك عنصر الإثارة . وأنا أصر على أن هناك إثارة . " قالت إيميلي بارتون : " تلك الفتاة اللطيفة . لقد جاءت إلي من ملجأ كلوتيدس للأيتام وهي ساذجة ولكن لديها القابلية للتعلم , قم تحولت إلى خادمة لطيفة ولكن بارتريدج سعيدة بها . " قلت بسرعة : " كان من المقرر أن تأتي عصر أمس لتناول الشاي مع بارتريدج " , ثم التفتُّ إلى السيد باي وقلت : " لعل إيمي جريفيث أخبرتك بذلك . " كانت نبرة صوتي عادية جداً , ورد باي بلهجة غير المتشكك أبداً : " نعم , لقد ذكرت ذلك . أتذكر إنها قالت إنه شيء جديد على الخدم أن يستخدموا هواتف مخدوميهم . " قالت الآنسة إيميلي : " ما كانت بارتريدج لتحلم بفعل شيء كهذا , وأنا مندهشة تماماً من إقبال آجنس على ذلك . " قال السيد باي : " إنك ما زلت تعيشين في الماضي يا سيدتي العزيزة , فخادماي يستخدمان الهاتف باستمرار وكانا يدخنان في كل مكان بالمنزل حتى اعترضت على ذلك . ولكن إحقاقاً للحق , فإن بريسكوت طباخ ماهر , بالرغم من حدته , وزوجته خادمة مثيرة للإعجاب . " " نعم , إننا جميعاً نعتقد أنك محظوظ . " حولت مجرى الحديث , حيث أنني لا أريد أن يدور الحوار حول الشؤون الشخصية المحضة . فقلت : " لقد انتشر خبر الجريمة بسرعة . " قال السيد باي : " بالطبع , بالطبع , فالجزار والخباز وصانع الشموع والجميع يتحدثون عن الجريمة ويتناقلون أخبارها بعدما يضيفون إليها ما تجود به ألسنتهم . يا حسرتي على لايمستوك ! إنها تنحدر للأسوأ باستمرار , رسائل مجهولة , جرائم قتل , وعدد من الميول الإجرامية . " قالت إيميلي بارتون بعصبية : " إنهم لا يفكرون ـ ليست لديهم فكرة ـ بأن ـ بأن الجريمتين مرتبطتين ببعضهما . " التقط السيد باي الكرة , فقال : " رأي مثير , لقد عرفت الفتاة شيئاً , لذا قتلت , نعم , نعم هذا منطقي . يا لك من عبقرية ! " " لا ـ لا أستطيع التحمل . " قالتها إيميلي بارتون وسارت مبتعدة بسرعة . نظر إليها باي , وارتسمت على وجهه الملائكي علامات الدهشة . نظر إلي وهز رأسه , قائلاً : " امرأة حساسة , مخلوقة فاتنة , أليس كذلك ؟ إنها تحفة أثرية من الماضي البعيد . إنها لا تنتمي جيلها , وإنما للجيل السابق . لابد أن أمها كانت امرأة قوية الشخصية إلى حد كبير . فقد أوقفت تطور العائلة عند عام 1870 . وقد حر جميع افراد الأسرة على عدم كسر القفص الزجاجي . لكم أحب ذلك النوع من الناس . " لم أكن أريد الحديث عن التحف الأثرية . سألته : " ما رأيك حقاً فيما يحدث ؟ " " ماذا تقصد ؟ " " الرسائل المجهولة وجريمة القتل ... " " موجة جرائمنا المحلية ؟ ما رأيك أنت ؟ " قلت بمرح : " لقد سألتك أولاً . " فقال السيد باي بلطف : " أنت تعرف أنني أهوى الأشياء الغريبة فهي تثيرني , مثل أن يقوم أشخاص غير متوقعين بفعل أشياء غريبة . خذ مثلاً قضية " ليزي بوردين " فلم يكن هناك تفسير منطقي لما حدث . وفي مثل هذه القضية أنا أنصح الشرطة بدراسة الشخصية . دعم من بصمات الأصابع وقياس خط اليد والفحوض المجهرية , وركزوا بدلاً من ذلك على حركات أيدي الناس , وتفاصيل سلوكياتهم الدقيقة , والطريقة التي يتناولون بها طعامهم , وإذا كانوا يضحكون أحياناً دونما سبب واضح . " رفعت حاجبي , وقلت : " أتقصد أنه مجنون ؟ " " مجنون للغاية , للغاية . " ثم أضاف : " ولكنك لن تعرف أبداً . " " من ؟ " التقت عيناه بعيناي , ثم ابتسم , قائلاً : " كلا , كلا يا بيرتون , هذا من شأنه أن يكون قذفاً , ولا ينبغي أن نضيف المزيد من القذف إلى ما نحن فيه بالفعل . " ثم سار وغاب عن الأنظار . 3 بينما كنت أحدق إليه وهو يختفي مبتعداً , فُتح باب دار العبادة وخرج منه كايب كالثروب . ابتسم لي ابتسامة توحي بأنه لا يتذكرني . " صباح ـ صباح الخير , سيد ـ سيد ـــ " ساعدته قائلاً : " بيرتون . " " بالطبع , بالطبع , لاتظن أنني لا أتذكرك , كل ما هنالك أن اسمك قد غاب عن بالي للحظة . إنه يوم جميل . " قلت باقتضاب : " نعم . " حملق إلي , قائلاً : " ولكن شيئاً ـ شيئاً ـ آه , نعم , تلك الفتاة المسكينة تعيسة الحظ التي كانت تعمل في الخدمة في بيت السيد سيمنجتون . يجب أن أعترف بأنني أجد صعوبة في تصديق أن هناك قاتلاً يعيش بيننا , يا سيد ـ بيرتون . " قلت له : " إنه أمر سيء . " مال برأسه ناحيتي وقال : " لقد سمعت شيئاً آخر , لقد علمت أن هناك رسائل مجهولة يتلقاها سكان البلدة , هل سمعت أنت شائعات عن شيء كهذا ؟ " " نعم , لقد سمعت . " " مل خسيس وجبان " توقف ثم أخذ يقول الكثير من الكلام باللغة اللاتينية وقال : " هذه المعاني تنطبق على ما يجري هنا , أليس كذلك ؟ " قلت : " تماماً . " 4 لم يبد لي أن هناك أحد يمكنني أن أتحدث إليه حديثاً مفيداً , لذا عدت إلى البيت , وفي طريقي قررت شراء تبغ , فسمعت بعض الآراء المتواضعة حول الجريمة . " متسول حقير . " يبدو أن البائع هو المتحدث . " إنهم يطرقون الأبواب وهم سكارى ويطلبون المال , ثم إذا وجدوا أنها وحدها في المنزل , فإنهم يهاجمونها . لقد تعرضت أختى دورا التي تعمل في كومبي أكر لتجربة كهذه يوماً ما ـ وقد كان المتسول مخموراً ويبيع تلك الأشعار المطبوعة ... " واصل البائع سرد حكايته حتى انتهى إلى أن دورا أغلقت الباب بشجاعة في وجه الرجل وتحصنت في مكان لم يصرح به , وإن كنت قد فهمت من تحرجه من ذلك أنه المرحاض . " وظلت هناك حتى عادت سيدتها إلى المنزل . " وصلت إلى ليتل فيرز قبل موعد الغداء ببضع دقائق . كانت جوانا تقف أمام النافذة بحجرة الرسم لا تفعل شيئاً على الإطلاق وإن كانت تبدو مشغولة البال إلى حد كبير . سألتها : " فيم تفكرين ؟ " " أوه , لا أدري ,ليس شيئاً محدداً . " ذهبت إلى الشرفة فوجدت مقعدين حول منضدة معدنية وكوبي عصير فارغين , وعلى كرسي آخر كان هناك شيء نظرت إليه بذهول . " ما هذا بحق السماء ؟ " قالت جوانا : " أوه , أعتقد أنها صورة لطحال مريض أو شيء من هذا القبيل . يبدو أن السيد جريفيث ظن أنني مهتمة برؤيتها . " نظرت إلى الصورة ببعض الاهتمام. فلكل رجل طريقته الخاصة للتعبير عن إعجابه بالمرأة . وأنا عن نفسي ما كنت لأختار صور طحال مريض , أو غير مريض , للتعبير عن إعجابي , ومع ذلك فإن جوانا هي من طلبتها دون شك ! قلت : " إنها تبدو مثيرة للاشمئزاز ! " وافقتني جوانا على ذلك . سألتها : " كيف كان حال جريفيث ؟ " " بدا متعباً وحزيناً جداً . أعتقد أن هناك شيئاً يشغل باله . " " طحال لم يستجب للعلاج ؟ " " لا تكن سخيفاً , فأنا أعني أن هناك شيئاً حقيقياً يشغله . " " أعتقد أنه مشغول بك . وأتمنى أن تبتعدي عنه يا جوانا . " " أوه , اصمت , فأنا لم أفعل شيئاً . " هرعت جوانا إلى الغرفة غاضبة . بدأت صورة الطحال المريض تتجعد نتيجة لتعرضها للشمس , لذا أمسكتها من إحدى زواياها وذهبت إلى حجرة الرسم . لم تكن ذات أهمية بالنسبة لي , ولكنني افترضت أنها أحد كنوز جريفيث . انحنيت وسحبت كتاباً ثقيلاً من الرف السفلي للمكتبة حتى أضع الصورة بين دفتيه كي ترجع كما كانت بلا تجاعيد . وبطريقة مفاجئة انفتح الكتاب في يدي , وسرعان ما عرفت السبب . فهناك عدد من صفحاته قد انتُزعت من منتصفه بإتقان .
الدولة : عدد الرسائل : 51922تاريخ التسجيل : 08/12/2007المزاج : بطاقة عضوية :
موضوع: رد: الادب العالمي الأحد 21 نوفمبر 2010 - 22:55
lor=red]]***احتضنني اللهب***
ساندرا ماراتون
==الفصل الاول==
((مع كوين .. لا أحد يعرف شيئاً ))
رأته بيج جاروز , لأول مرة في الحفلة التنكرية الراقصة عشية عيد جمع القديسين كان يستند إلى جدار قاعة الرقص يراقب الشياطين وقططهم السوداء الرشيقة وهي تتقافز حول بعضها في حلقات دوامية في دائرة الرقص المجنونة ، كان ذا مظهر خطير وقوة عضلية رشيقة لافتة , وفجأة مر بخيالها المنهك ما فجر طاقته النائمة عندما رأت فيه صورة أسد يكمن في العشب الطويل ينتظر فريسته المنكوبة ..
لكن جاءها ما أيقظها من خيالتها التي سافرت بعيداً .. كان صوت والدتها يقول : "(بيج) , بحق الله , أما زلت في مكانك بعد ؟ لا يمكننا أن نقضي سهرتنا في وقفتنا هذه كأننا نسد مدخل القاعة !!" أجفلت الفتاة ونظرت إلى والدتها و ابتسمت بخفة وهي تقول :" آسفة ولكني أحاول العثور على (آلن) , لا يبدو أني أستطيع حتى أن ... اندفعت والدتها تقول وهي تنظر إلى حلبة الرقص تلك :"من الطبيعي أن لا تستطيعي فهناك ما لا يقل عن دستة من الشبان في زي روميو الليلة و كأنه أخبرهم قبل موته أنهم موفقون لو أنهم ارتدوا ثيابه في كل مرة يذهبون فيها إلى حفلة تنكرية !" وتنهدت الأم المنهكة وهي تزيح خصلة من شعر ابنتها الأشقر عن وجهها , وأضافت : "وطبعاً هناك لا يقل عن دستة ونصف ممن يقمن بدور جولييت الليلة ... ولكن ليس لإحداهن مثل جمال ابنتي" تبسمت (بيج) وقالت:" وطبعا لا يوجد روميو واحد في وسامة خطيبي .. لذا , سيسهل العثور عليه " ولكن لم يحدث ذلك , قطبت جبينها خلف قناعها الفضي الرقيق وعيناها البنفسجيتان تجوب الحجرة المزدحمة في محاولة أخرى للعثور على خطيبها الروميو . ومن حيث تقف رأتهم جميعا متشابهين جدا . ولكن (آلن) كان شيئا خاصاً فهو الرجل الذي خطبت له وستتزوجه ولا بد أن يكون باستطاعتها تمييزه بين كل هذا الجمع . مرة أخرى وقع بصرها على ذلك الرجل الذي رأته قبل لحظات . وكان ينظر من خلال الأبواب الزجاجية المحيطة بالقاعة إلى حدائق الملهى , وعرفته (بيج) رغم أنه كان يعطيها ظهره , لقد عرفت الهيئة الأنيقة لكتفيه تحت بذلة السهرة ومظهر رأسه الشديد الإباء . استدار فجأة ومن خلف قناعه الأسود المحكم التقت العيون المتألقة ببعضها ..
القاعة .. الموسيقى.. الراقصون.. الراقصات..
كل شيء تلاشى في دوامات سريعة "(بيج) "قبض والدها على ذراعها وقال "(بيج) اليس هذا (آلن)؟! " مرت لحظة كأنها الدهر قبل أن تستطيع صرف بصرها عن ذاك الرجل وتستدير إلى والدها . سألته : "أين؟! " أومأ والدها باتجاه روميو قريب . قالت وقد اندفعت الدماء إلى وجنتيها : " لا أدري ولكني لست متأكدة . " وفكرت كم هو شيء سخيف ! لقد ظلت تلتقي مع (آلن) ما يقرب من عام. لا بد أن تستطيع التعرف عليه حتى في الملابس التاريخية . نادت في تردد " (آلن) ؟! هل هذا أنت ؟؟ "
أحست بارتياح عظيم عندما استدار ذاك الروميو و ابتسم وبادلته الابتسامة وهي تقول في سرها : أخيرا . قال (آلن) وهو يمسك بيدها :" ها أنتِ يا عزيزتي . تبدين رائعة الجمال (بيج) " "أنت ذاتك تبدو شديد الروعة (آلن)" وابتسمت مرة أخرى و أضافت:"هل هي تخيلاتي أم أن كل عيون القاعة ترتكز علينا ؟ " ابتسم (آلن) ابتسامة عريضة وهو يدس يده تحت ذراعه وقال :"ربما " ثم أضاف : "العمة (دوروثي) تسأل عنك منذ دقائق قليلة هل تريدين رؤيتها ؟ " "ليس بعد .. " . قالتها (بيج) بسرعة دفعت الجميع للضحك , نفضت الوالدة ذرة خيالية من النسالة من على ثوب ابنتها وقالت : " تشعر (بيج) بالقلق تجاه مقابلة كل أقربائك دفعة واحدة " غمغمت (بيج):" بل كل ما في الأمر أنني لا أرى أن الظرف مناسبا لذلك فهذه حفلة تنكرية راقصة تعج بكل هذا الزحام وهذه الحركة " تنهدت (جانيت) وقالت:" لا يوجد مجال آخر للاختيار وقد بقيت ثلاثة أيام فقط على الزفاف " غمز (آلن) وقال لخطيبته :"زفافنا" ونظر إلى (بيج) عندما ارتعد جسدها قليلا وقال :"هل تشعرين بالبرد يا محبوبتي؟ " و زلق ذراعه حول كتفيها وسألها مرة أخرى:" هل هذا أفضل؟" أومأت خطيبته وقالت بلهجة باسمة:" كانت مجرد قشعريرة."
وعندما استدار (آلن) بوالدها وتبادلا حديثاً في بعض أمور العمل حادثت (بيج) نفسها ثلاثة أيام .. ثلاثة أيام وتصبح السيدة (آلن فولر) ..
كان ذلك يبدو مستحيلاً, منذ شهر مضى كانت راضية تلتقي بـ (آلن) مثلما كانت تفعل على مدى الشهور التي سبقت خطبتهما بشكل رسمي لبعضهما , كانت تصد عروضه تلك للزواج التي كثرت حتى أصبح من المتعسر عليها أن تنتبه لها , ولكن في إحدىالأمسيات وضع إصبعه على شفتيها قبل أن تتمكن من الرفض توسل قائلاً : "لا تقولي لا هذه المرة يا (بيج) ما رأيك في شيء مختلف؟ فقط قولي انك ستفكرين في الأمر حتى الغد" قالت : "ألا تذكر أنني لن أكون هنا غدا؟ لن أعود قبل يوم الجمعة القادم " ابتسم (آلن) ابتسامته العريضة وقال:" هذا أفضل .. لدي أسبوع كامل من الأمل بينما سيكون لديك أسبوع كامل تفكرين كي لا تقولي "لا" "
وقتها ابتسمت (بيج) و وافقت . برغم كل شيء كانت تكن له الكثير .. كان وسيماً ساحراً وكانت تعرف أن أي فتاة مستعدة لتقديم أي شيء مقابل أخذ مكانها . كانت لقاءتهما تنتهي دائما على أفضل ما يكون , مع تحية مساء رقيقة عند افتراقهما, ولكن من جهة لم يزد رفضها المتكرر له صداقتهما إلا خصوصية وألفة و من جهة أخرى كأنه كان يزيده إصراراً على مطاردتها بعرض الزواج ذاك .. حسناً , ما الضرر في أن تنقضي خمسة أيام قبل أن تقول له "لا" مرة أخرى ؟!
ولكن (بيج) عندما عادت في يوم الجمعة التالي من رحلة عملها , عانقتها والدتها وهي قول لها بصوت يخالطه البكاء :" أنا سعيدة لأجلك يا عزيزتي ولكن كان ينبغي أن تخبرينا بنفسك " . وبينما كانت (بيج) لا تزال تحاول أن تفهم ما يحدث برز (آلن) بوسامته المرتبكة متأبطاً ذراع والدها, معترفاً لها في وقت لاحق بأنه قد جرفته الحماسة فذكر ما قالته له قبل سفرها ولكن فقط لوالديها و والديه .. و لـ .. سألته (بيج) في غضب مشتعل أوقد وجنتيها التفاحتين :" ماذا تقصد بأنك ذكرت ما قلته ؟ أنا لم أزد عن موافقتي لك في اقتراحك الصاروخي الرائع !! لقد طلبت مني التريث لأفكر في الأمر لا أن ... لحظتها وافقها (آلن) واعترف بأنه كان يعرف ذلك .. ولكن , فيما كانت ستفكر؟ إنها تستلطفه منذ بداية تعارفهما.. وقد عاشا معا أيام المرح والسعادة.. بالإضافة أنه مولع بها , وهذا ما سيوفر لهما حياة سعيدة معاً ..
تمتم :" لا تغضبي مني يا عزيزتي " كانت سيماه تنطق بالاعتذار البالغ لدرجة أن غضبها تحول إلى شفقة خجولة و انفعال مربك . قالت في غيظ و هدوء : "أنا لست غاضبة فقط أنا ... مست أصابعها وجنته برقة و تابعت : "لا بد أن تعلم أنني لا أحبك يا (آلن)..حسناً , أقصد أنني أحبك ولكني لست متيمة بك هل تفهمني. أنت تستحق من زوجتك أكثر مما يمكنني أن أقدمه لك " . فهم (آلن) مقصدها حال أن قالت ذلك .. لقد حدثت بينهما في الماضي العديد من الأمور -إن لم تتطور - ولكنه أفهمها في كل مرة , أن كل شيء على ما يرام بينهما . "أنا أريدك " قالها ببساطة وهو ينظر في عينيها باسماً و أضاف محاولاً استمالتها: "مثل أي شيء أخر سيأتي هذا الأمر في وقته وسترين ذالك " تخضبت وجنتاها ارتباكاً ولكن لم تضطرب مطلقاً وقالت :" و ما الحل إن لم أفعل؟ ما الذي سيحصل إن لم أتمكن من أن أحبك بالمقدار الذي تستحقه ؟ ماذا لو ... أخبرتها نظرته أنه لا يستطيع أن يتخيل ذلك حتى . قال :" سأظل أحبك بالطبع " .. ثم ابتسم ابتسامة صبيانية عريضة وقال : "لا خطر في ذلك لن أخذلك يا (بيج) وسترين "
"(آلن) ..
قالتها وهي تريد أن تخبره أن ما يشغلها ليس خذلانه لها .. إنما خذلانها له فيما لو لم تستطع مجاراته و التمكن حبه ذلك الحب الذي يدفعها إلى الشغف به . ولكنه أخذها بين ذراعيه متجهاً بها نحو باب الغرفة الذي انفتح أخيرا لتطل منه والدتها .
قالت جانيت في اندفاع: "(بيج) نحن سعداء جدا , اقصد أنا و أبوكِ , أرجو أن لا تجدا بأساً في أن أخبر عماتك بهذا الحدث السعيد عزيزتي .."
وهكذا انتهى الأمر .. أو بدأ ...
وبينما كان (آلن) يقودها إلى دائرة الرقص تذكرت (بيج) كيف حدث كل شيء بعدها بسرعة كبيرة جداً لقد أراد والد (آلن) أن يذهب ابنه لإدارة أعمالهم في أمريكا الجنوبية ومعنى ذلك أن الزفاف الذي حدد له يونيو القادم سيتم تقديمه إلى نوفمبر أما الخطوبة الطويلة التي توقعتها (بيج) فقد أصبحت فترة قياسية جداً ..
ثلاثة أيام .. هكذا فكرت مرة أخرى وهو يزلق ذراعه حولها .. ثلاثة أيام ..
"هيه أفيقي يا (بيج)" نظرت (بيج) إلى (آلن) وهزت رأسها وقالت :" متأسفة لقد كنت أفكر فقط .. لا أستطيع تصديق أن يوم زفافنا قريب هكذا " تراجع (آلن) وقال لها باسماً : "لقد فات أوان التراجع , ماذا ستظن العمة دوروثي؟" ردت (بيج) مبتسمة:" لا تكن سخيفاً يا(آلن) , لأنها هي من سيقول عني سخيفة لو تخليت عنك في هذا الوقت بالذات" ضحكا معاً وهو يديرها عبر ساحة الرقص ثم قال لها مداعباً:"و أني قد ضيعتُ عليها فرصة حضور حفل العام ... تصوري حبيبتي لقد أمضت هي وأمي نصف صباح اليوم وهما تخططان للزفاف ! " "فقط نصف هذا الصباح؟ كنت أظن أن زفافنا يستحق أكثر من هذا " "فعلاً لقد أمضت العمة باقي الوقت تقدم لي خلاصة خبرتها و أمضت البقية الباقية من النهار في إحصاء أعداد ضيفاتها المسنات ! " ضحكت (بيج) وقالت :" هل هي خبيرة؟" "بطريقة ما" .. وجذبها إليه ثم أضاف: " لقد تزوجت عمتي 3 مرات .. وأيضا ربما ينبغي أن أنصت لنصائح أكثر من أخي الأكبر" ضحكت مرة أخرى وهي تشعر أن قلقها قد بدأ يتلاشى :" لا تقل أنه قد تزوج ثلاث مرات هو الأخر ؟!" ندت عن (آلن) ضحكة خافتة متعجبا :" من ؟ كوين؟! مستحيل , لن تستطيع امرأة أن تمسك به على الإطلاق " "مدهش" . . قالتها (بيج) بإغاظة و أضافت : "و ما هي النصيحة التي يمكنك الحصول عليها من شخص كهذا ؟" "خطبة تبدأ بقوله (لقد جننت لتفعل هذا يا رجل ) أنت تعرفين القول المعتاد الذي يقوله الأخوة الكبار دائما ( أنا أكبر و أعقل و و و ..." سألته (بيج) وهي تجول بعينها في ساحة الرقص : "ومتى سأقابل هذا النموذج ؟" وأمالت رأسها جانبا وابتسمت لخطيبها . "بمجرد أن يصل .. المفروض أن يصل غدا ولكن مع كوين لا أحد يعرف شيئا , إن ..."
قاطعه صوت والدها الذي أصبح فجأة قريباً منهما :" (آلن) أنت لا تجد بأساً في أن أرقص مع ابنتي الوحيدة أليس كذلك ؟" رفعت (بيج) بصرها بينما تركها (آلن) بين ذراعي أبيها الذي قال قبل أن يسمع اعتراضه :"اذهب ومتع نفسك بمشروب منعش ولا تنسى أن تجلب لنا كأسين ." غمز (آلن) بعينيه وهو يقول:" بالطبع يا سيدي .. (بيج) سأعود خلال دقائق يا محبوبتي ."
تنحنح (اندرو) بينما استقرت ابنته بين ذراعيه وقال دون مقدمات :"إن والدتك قلقة بشأنك لقد أرسلتني لأعرف إن كان كل شيء على ما يرام .." نظرت (بيج) إلى والدها بدهشة و سألته : " ماذا تقصد يا أبي؟" "أنتما تتصرفان كما لو كان بينكما مليون ميل وقلت لنفسي ربما هي عصبية اللحظات الأخيرة ؟". أومأت (بيج) شاردة وقالت : "أظن ذالك ." حدق والدها في وجهها وقال:"إن (آلن) ملائم لك يا (بيج) إنه شاب رائع لقد عرفته خلال سنوات عملي مع والده و ..
إنها نفس الخطبة التي يلقيها والدها على مسامعها منذ أن زل لسانها أول مرة وقالت فيها أن (آلن) قد تقدم لخطبتها . قالت في صوت رقيق: " أبي لقد أخذت بنصيحتك أخيراً .. وهاأنا ذا سأتزوجه ." نظر والدها إليها وقال:" كل ما في الأمر إنني أردت الأفضل لنا جميعا" ضحكت (بيج) وقالت :" لنا جميعا؟ إنني أنا التي ستتزوج وليس أنتما" "إنه أسلوب مجازي في الكلام يا طفلتي أنت تعرفين ما أقصد إن سعادتك تعني سعادتي وسعادة والدتك" ثم أضاف ألستِ سعيدة؟"
أومأت بسرعة .. بالطبع كانت سعيدة .. إن (آلن) -كما يصر والدها- شاب رائع وقد أحبته بطريقة ما أخيراً .. و إذا كان هذا ما يكفيه فهو إذن يكفيها .. هكذا حادثت نفسها بينما ترقص "الفالس" مع والدها . كانت مولعة باللحن الذي يسميه الجميع لحن الألم العظيم , وقد أدركت طبيعته نظراً للقصة التي يرويها .. كم من المرات التي حاولت فيها أن تنقل احساساتها لـ (آلن) يوم خطبتهما لكنه لم يعطها فرصة , وكان على حق أيضا , ربما استطاع أن يتعلم قلبها كيف يحلق في الفضاء و أن يرقص شعورها مع ملائكة السماء ولكن إحساسها لم يتعلم بعد أن يغني معزوفة الحب العطش .. حسنا سيكفيها هذا الآن ..أما لاحقا فإنها ستحاول أن تتعلم كيف تدير الأمور معه وستحاول أن .....
يا إلهي ..
تراقصت قشعريرة على كتفيها ..
شخص ما كان يراقبها .. وهي عرفت ذلك دون سؤال تماما مثلما عرفت من هو .. إنه ذلك الرجل الغريب الذي رأته منذ فترة .. لا بد أن يكون هو .. كانت تستطيع أن تشعر بوجوده وتحس بقوته حتى قبل أن يظهر أمامها ..
تقدمت (بيج) مقتربة من حضن أبيها الذي ابتسم لها .. ردت ابتسامته , ولكنها مسحت القاعة بعينها . احتبست أنفاسها في حلقها .. نعم .. نعم , كان هناك واقفاً على محيط دائرة الرقص المفتوحة , كانت سترته مفتوحة كاشفة عن قميص أبيض كشكاش وقد التصق بصدره كما لو كان جلداً آخراً .. كان يضع يديه في جيبي سرواله وقد وقف متزناً منفرج الساقين قليلاً.. بينما مال رأسه جانبا و ....كان يراقبها خلف قناع أسود .. و كانت عيناه مثبتتان عليها .. متقدتان .. تُفصل حنايا ثوبها الحريري الطويل ذي الأكمام المتلألئة , تعثرت قدم (بيج) فشدد والدها ذراعيه حولها .
سألها فجأة : "(بيج). ماذا بك ؟" قالت بسرعة : "لا شيء .. لا شيء " وانتزعت عيناها بعيدا بالقوة عن الرجل إلى والدها وأضافت : "مجرد أنني .... لا بد أنني متعبة " أومأ والدها وقال : "لقد مررت بأسبوع حافل " ونظر لعينيها وقد تغضنت جبهته و أضاف :"هل تودين الجلوس " حادثت نفسها : "سيأتي إليك لو انك فعلت ذلك , أنت تعرفين أنه سيفعلها ... سرت رجفة خلالها وردت متصنعة الهدوء :"لا .. أنا في الحقيقة أود أن ارقص معك أبي و ... ابتلعت ريقها و أجرت لسانها تبلل شفتيها الجافتين وقالت بهمس لاهث : "هذا الرجل .. تُرى هل تعرف من يكون؟" سألها مندهشاً : "أي رجل؟" قالت بإلحاح : "هذا الذي يقف هناك ." , وأخذت بضع خطوات ليستدير والدها وينظر في الاتجاه الذي كانت تواجهه و أضافت : "الرجل الطويل الواقف بجوار الدائرة " كرر والدها :" أي رجل أي بذله يرتديها ؟ قالت (بيج) "إنه يرتدي بذلة تنكرية ونظرت من فوق كتفيها و تابعت : إنه ..."
لم يكون هناك . وطافت عيناها تبحث عنه من جديد ولكنه اختفى كانت دقات قلبها متلاحقة كأنها تجري لا ترقص .. و فجأة بدا من الصعب أن تلتقط أنفاسها .. قبض اندرو على كتفي ابنته بقوة : "ماذا حدث هل تشعرين بدوار ؟" حادث نفسها مرة أخرى: لست أدري ما أشعر به .. إثارة .. بهجة .. روعة ... جذبت (بيج) نفسا عميقاً وقالت : "أظن أنه من الأفضل لو أذهب لإصلاح زينة جولييت يا أبي ". و ابتسمت له ثم انطلقت بسرعة قبل أن يحاصرها بمزيد من الأسئلة , ولكن التعبير الحذر على وجه أبيها أنبأها أن الابتسامة مصطنعة مثلما أحست هي بها . سمعته قبل أن تخرج من الدائرة يقول لها : "دعيني أستدعي والدتك لتذهب معك "
"لا"
قالتها بصوت حاد قاطع ثم عادت إليه قائله : "لا داعي لإزعاجها سأعود خلال دقائق معدودة . على أية حال أنا أريد أن أبدو في أفضل صورة أمام أقارب (آلن)" "(بيج)" انطلق صوت والدها في أثرها وهي تعبر ساحة الرقص .. و بينما هي تأخذ طريقها خلال القاعة حادثت نفسها .. هذا هو جزاء النوم القليل .. والإفراط في العمل .. كانت تشعر بالدوار . ومن ذا الذي لا يصيبه دوار وهو يمر بيوم كهذا ؟ لقد استيقظت في الفجر الباكر لتتمكن والدتها من عمل بعض اللمسات الأخيرة لفستانها وقناعها الذي صممته ليكون على شكل نصف قمر فضي .. ثم كان الغداء مع زميلاتها في العمل .. ثم تناولت الشاي مع وصيفاتها , ورتبت آخر الترتيبات المتعلقة بزفافها . " عفوا .." قالتها (بيج) وهي تمر بين اثنين يرتديان زي قناعي ماري أنطوانيت وشيطان ضاحك .. واتصلت أفكارها مرة أخرى , سيتفهم (آلن) ذلك إن هي فعلت وطلبت منه توصيلها الى المنزل . ستقابل أقاربه أولاً , ثم العمة دوروثي , ثم إلى المنزل لتحظى بحمام دافئ .. كانت قاعة الرقص قد اكتظت تماماً .. وارتفعت أصوات الموسيقى , وصار الهواء ثقيلاً ساخنا .. ستمشط شعرها وتصلح من زينتها , ثم تعود لتلتقي الأقارب .. منتديات روايتي و بعد ثلاثة أيام يمكنها أن تستريح . ثلاثة أيام وينتهي كل شيء .. [/size]
الدولة : عدد الرسائل : 51922تاريخ التسجيل : 08/12/2007المزاج : بطاقة عضوية :
موضوع: رد: الادب العالمي الأحد 21 نوفمبر 2010 - 22:58
ثلاثة أيام .. أوه .. يااااااااا إلهي .. ثلاثة أيام ..
كان هناك طابورا طويلا في حجرة "التواليت" قالت في سرها "أريد فقط أن اصل إلى الحوض .. التقطت نفسا عميقا واستكانتتنتظر دورها بهدوء خلف فتاة ترتدي ثيابا إسلامية , و سيدة ترتدي ثياب قرصان .
وصلها صوت إحداهن تقول بحماسة بالغة : "... إن مجرد طلب الزواج يشعرنيبمدى أهميتي عنده .. ومدت يدها اليسرى : " أليس جميلاً ؟ "
نظرت السيدةالأخرى , ونظر معها الجميع إلى الخاتم الذي يزين إصبع الفتاة و ابتسمن كان الخاتميحوي ماسة براقة أصغر بقليل من الماسة التي زين بها (آلن) اصبع يدها يوم خطبتهما , لكن (بيج) الآن تسمع دقات قلب الفتاة وهي تتسارع كل ما نظرت إلى خاتمها الماسيالبراق .. و تحس بأنفساها التي تتلاحق كلما نظر إليها خطيبها الذي تحبه , لكن هلحدث أن أحست بصعوبة التقاط أنفاسها إذا ما التقت عينا (آلن) بعينيها فتنكشف أسراراًلا تعرفها ؟لم تشعر (بيج) بهذا الإحساس الذي يربكها لدى نظرة (آلن) لها .. لم تشعر بمثل ذلك في حياتها على الإطلاق .. ولا حتى خلال تلك العلاقة الغراميةالوحيدة والقديمة جداً .. حتى لحظات خلت لم تكن تشعر بشيء .. إلى أن نظر إليهارجل لا تعرف اسمه من خلف قناع أسود !
صمتت الفتاة التي ترتدي ثيابا إسلاميةعندما سمعت شهقة مكبوتة تخرج من حلق (بيج) .. قالت "عفوا" وحاولت أن تبتسم .. ولكنها لم تستطع , فقط وجدت شفتيها تنفرجان عن أسنانها في نموذج رديء للابتسامة , بينما استدارت وأخذت طريقها وسط الحواجب المرتفعة والأوجه الفضولية التي استدارتفجأة .
أخيرا عادت (بيج) إلى القاعة مرة أخرى .. واستندت إلى باب التواليتوهي تنظر حولها , وخطر (آلن) ببالها وتمنت لو يبدو أمامها غير أن (آلن فولر) لو كاناحد هؤلاء القريبين منها و اللذين يرتدون ثياب روميو لما عرفته ولا ما تمكنت منتمييزه أبداً !
بدا صوت الموسيقى أعلى من ذي قبل وبدا الزحام يشتد. كانهناك رجلاً بديناً يدخن سيجاراً ذا رائحة خنقت جوها مما أشعرها بالغثيان .. فكرتبالاندفاع خارجة من القاعة إلى الشارع , حيث يمكنها أن تستوقف إحدى سيارات الأجرة وتعود للمنزل .
ولكن لم يكن هناك شارعا خارج ملهى "هانت" بل كانت هناك ساحةانتظار للسيارات فوق جرف "كونكت كت" الذييشرف على المحيط الأطلنطي .. ولن تستطيعمجرد السير قليلا في الظلام .. إن هذا الأمر لا بد وانه سيزعج والديها و(آلن) , ثميأتون للبحث عنها .. ماذا ستقول لهم عندما يعثرون عليها؟ هل يمكنها ان تقول: لقدرأيت فتاة في حجرة التواليت كانت سعيدة بخطبتها لدرجة جعلتني أود البكاء؟هليمكنها أن تقول مثلاً: لقد رأيت رجلاً لم أره من قبل على الإطلاق .. رجلاً لم أعرفاسمه و أنه قد جعلني أشعر بشيء لم يُشعرني به (آلن) و أنه قد أرعبني لدرجة أناندفعت أجري مبتعدة ؟شيئاً فشيئاً .. بدت القاعة كأنها تهتز من حولها وهمستبصوت مسموع : إلــهي العزيز ..
و فجأة انزلقت ذراع حول خصرها .. شمت رائحةعطر قوية تخالطها رائحة ثياب جلدية و أحست باحتكاك النسيج الجلدي بوجنتها ..ثم برجلقوي بجوارها .
سمعت صوتا عميقا يقول : "ستكونين على ما يرام فقط استندي علي ." قالت وهي تحاول أن ترفع عينيها إليه :" أنا بخير .... فعلاً بخير " ولكنهاتركت نفسها تستند على صدره . قال بعد فترة :" سيغمى عليك لو لم تستنشقي بعض الهواءالنقي ... خذي نفسا عميقا سيفيدك ذلك "
فعلت (بيج) ما أمرها به .. فيالحقيقة لم يحدث أن أصابها الإغماء من قبل .. ولكنها رأت أنه قد يكون على حق .
تحولت القاعة في ثواني معدودة إلى دوامة سريعة الدوران .. وتداخلت الألوانالزاهية مع الألوان القاتمة , وصارت الموسيقى صاروخ مدوٍ .. أراحت جسدها على جسده وكأنما تختبئ فيه وهو يقودها خارج الزحام .. تراءت أمامها الأبواب المؤدية إلىالحديقة وعرفت أنه سيأخذها إلى هناك .. قالت في صوت ضعيف :" دعنا نذهب إلىالخارج ... لا أكاد أحتمل هذه الضجيج "
دفع هو الباب .. هب تيار من الهواءصافح وجهها و زاح من عقلها خيوط العنكبوت التي بدأت تلفه .. حان الوقت لتوقفهوتشكره على مساعدته لها .. ويا حبذا لو تطلب منه ممتنة أن يستدل لها عن مكان خطيبها ..
ولكنها لم تفعل ..
لأنها رفعت عيناها إلى وجهه وما كان يجب أنتفعل ..
لأنها صُدمت تماما في المحيا الذي صفع نظرها ..
لأنه كان يجبأن تعرف من البداية أن هذا الرجل الذي يقف بجانبها ..
بل الممسك بها ..
المحتويها ..ليس سوى ذالك الغريب الذي شاغلتها عيونه طوال السهرة ..
بل أن دقات قلبها أكدت لها ما لم يعد بوسعها أن تُنكره ..
أنهاباتت الآن أمام الرجل الوحيد الذي بدأت تخافه قبل أن تعرفه ويعرفها ..
وبقدرما أن رغبت أن تأتي هذه اللحظة و بقدر ما أملت في ذلك ..
عرفت بنفس القدر أنحياتها لن تعود مطلقاً كما كانت قبل أن يضع يده عليها ....
==الفصل الثاني==
(( عديني أن تعودي .. ))
ارتعدت (بيج) عندما تأرجحت الأبواب الزجاجية منغلقة خلقها . آخر مرة جاءت فيها إلى هنا كانت بصحبة (آلن) كان الهواء معبقاً بأريج الزهور وكانت رائحة البحر واضحة في الهواء و صوت أمواجه العالية البعيدة مسموعة وهي تضرب رمال الشاطئ القريب بلا شفقة .. وتسللت نفحات الموسيقى خافتة من القاعة المنغلقة لتختلط بأصوات الأمواج .. كان القمر بدراً ينير الشرفة التي يقفون عليها .. ولكن عندما رفعت (بيج) عينيها لوجه الرجل الغريب , اندفعت سحابة كبيرة عبر السماء وأغرقت كل شيء في الظلام . ألحت عليها كل غرائزها أن تسحب نفسها من الذراع المحيط بخصرها و أن تركض عائدة إلى الدفء والضوء داخل الملهى . ولكن بدت قدماها كأن جذورهما قد غاصت في الأرض . أحست أن موقفها يُعد حماقة كبرى , واستدارت لتقول بأنها ستذهب . و لكن سبقها الرجل بالكلام . ''خذي نفسا عميقا '' هزت (بيج) رأسها , وقالت : '' أنا بخير الآن .. أنا .. '' أحست بضغط يده وهو يقول لها بلهجة حاسمة : '' خذي نفساً .. هيا استنشقي .. '' كان أمرا , وليس طلبا أو نصيحة على الأقل , أومأت وفعلت ما قال , وجذبت الهواء البارد إلى رئتيها ''أفضل؟ '' أومأت مرة أخرى , وقالت : '' نعم .. أفضل كثيراً .. في الحقيقة شكراً لك على ... '' قال باهتمام : '' لا تتحدثي .. فقط خذي نفساً آخراً ''
أخذت شهيقاً آخراً و أحست أنه لا يوجد ما يدعوها على القلق . كانت على يقين أنها تحولت إلى ورقة شاحبة في تلك القاعة المكتظة . ولقد لاحظ ذلك , وهب لنجدتها. كان مجرد منقذ طيب وماعدا ذلك فهو من نتاج خيال جامح متعب . قالت في ارتباك : '' أنا بخير الآن و أنا شديدة الأسف لكل ما سببته لك من إزعاج '' '' لم يكون هناك إزعاج على الإطلاق '' ودفعها ضغط يده لأن تستدير إليه , و أضاف : '' في الحقيقة يمكنك أن تقولي أنكِ أسديتِ لي معروفاً '' سالت في اندهاش مكتوم : '' أنا ؟ '' هل كانت هناك ابتسامة في صوته ؟ فقط لو تستطيع رؤية وجهه .
ضحك برقة , و قال : '' لقد كنتُ دائماً أتمنى أن أنقذ فتاة واقعة في خطب ما يا جولييت '' . ولمست يده وجنتها , وأضاف : '' هذا هو اسمك الليلة , أليس كذلك؟ '' قالت (بيج) بسرعة : '' أنا ؟ .. آه نعم, هذا صحيح .. و في الواقع يجب أن أدخل الآن , إن خطيبي .. '' أطبقت أصابعه على يدها و قال '' أظن أنني رأيتُ شيئاً يتلألأ في إصبعك .. أخبريني يا جولييت .. أين هو ؟ أقصد خطيبك '' '' إنه ... ينتظر في قاعة الرقص .. إنه .. .. .. ماذا تفعل ؟!! ''
سألت رغم أن الإجابة كانت واضحة .. لقد تلوى خارجاً من سترة بدلته وبسطها على كتفيها . قال دون اهتمام : '' أنتِ تشعرين بالبرد '' , ورفع شعرها الأشقر المسدول عن كتفيها و أسدله فوق السترة , و أضاف : '' يدك كالثلج '' قالت بسرعة : '' لا أنا بخير .. '' جذب طيتي صدر السترة معاً وهو يقول : '' لا تجادليني رجاءً '' . أحست (بيج) فجأة أنه لا يمكن لأحد أن يجادل هذا الرجل على الإطلاق .. نعم لا يجرؤ أحد على ذلك .. حكت أصابعه جلدها برفق و مر بإصبعي إبهامه في خفه على حلقها و تمهل فوق التجويف الذي يعلو الترقوة . تساءلت في عجب عما إذا كان يشعر باندفاع الدم السريع نابضاً تحت لمسته , وسرت رعشة ببدنها .
الدولة : عدد الرسائل : 51922تاريخ التسجيل : 08/12/2007المزاج : بطاقة عضوية :
موضوع: رد: الادب العالمي الأحد 21 نوفمبر 2010 - 23:01
اغتصبت ضحكة , وقالت : '' ربما أشعر بالبرد قليلاً .. الجو بارد هنا , أليس كذلك ؟ أظن أنه هواء المحيط رغم أننا في الخريف طبعاً '' . تباً .. إنها تثرثر كالمجانين .. أحست أنها تبدو كطالبة مدرسية هلِعة .. أو كأنها مراهقة تخرج مع صبي لأول مرة .. لكن الواقف بجوارها في الظلام رجلاً وليس صبياً , رجل لا تعرف اسمه .. ماذا تفعلين هنا يا (بيج) ؟!! , سألت نفسها بغيظ ..
قبض على يدها قائلاً : '' سيري معي ... أرجوك '' ردت : '' لا أستطيع '' ولكنه كان يقودها بالفعل على الممر المحيط بالحديقة .. توسلت له : '' أرجوك '' '' فقط لدقائق قليلة '' أحست كما لو أنها في حلم من أحلامها الوردية القاتمة .. و صلتها الوحيدة بالواقع هي الموسيقى الخافتة المنبعثة من القاعة التي بدأا يبتعدان عنها ..
لقد كان الرجل المجاور لها طويلاً .. أطول مما ظنت .. حتى لو ارتدت أعلى كعوب أحذيتها فإنها لن تصل إلا لكتفه فقط .. كانت سترته تنسدل حولها كأنها عباءة .. تهدلت الأكتاف والأكمام وبدت كأنها طفلة تلهو بارتداء الثياب .. كان قد رفع الياقة عندما بسط السترة على كتفيها , ومس الصوف الناعم للياقة بشرتها برفق , أحست بالدفء وكأن النسيج لا يزال يحمل درجة حرارة جسده ..
استطاعت أن تشم عطره .. نفس العطر الذي لاحظته من قبل .. وكان ممتزجا بشيء أكثر وضوحاً و إحساساً .. ممزوجاً برائحة رجالية صافية مميزة .
أغلقت (بيج) عينيها , وخفق قلبها وهي تستنشق الرائحة التي أحاطت بها مع حرارة جسده .. ثم رفعت أهدابها .. ماذا تفعل ؟ .. تتسكع في الظلام مع رجل لا تعرفه .. متسارعة الخفقات , جافة الحلق , ولم تفكر ولو لمرة واحدة في (آلن) أو في خاتم الخطوبة بإصبعها أو في قسم الزواج الذي ستردده بعد ثلاثة أيام ..
اشتدت قبضته على يدها , وقال بتأوه : '' لا تخافي '' اغتصبت ضحكة أخرى , وقالت : '' لا , أنا لستُ خائفة أنا فقط ... توقف و استدار لها قائلاً : '' أنتِ خائفة .. فقط أنتِ خائفة '' و مر بيده على باطن معصمها في خفة , وقال : '' يمكنني الإحساس بتسارع نبضاتك . إن قلبك يدق كقلب أرنب مذعور '' . تراجعت (بيج) في خطوة سريعة , وهمست : '' لابد .. لابد أن أعود الآن . شكراً على سترتك .. دعني .. أحكم قبضته على معصمها , وقال : '' لا تذهبي '' .. كان صوته خافتاً و مبحوحاً . ثقل لسانها في فمها وقالت بسرعة : '' إن خطيبي .. هز رأسه في تبرم , وقال في خشونة : '' الجحيم على خطيبك .. ابقِ هنا معي '' .
أحاطت يداه وجهها و أماله لأعلى . كان بإصبعه خاتم .. خاتم عتيق تتوسطه ياقوته . استقطب الحجر ذو اللون الأحمر الدموي ضوء القمر وألهبه بنيران متألقة . أحست بدفء هذا الرجل من قبل أن يمسها حتى .. كان الظلام يلف المكان ويغلف ملامحه .. لكن (بيج) عرفتها من قبل أن تراها حتى .. تماماً مثلما أدركت أنها تعرف هذا الرجل منذُ الأزل .. و أنها قد انتمت له في زمن آخر , وفي خلود آخر ..
أغمضت عينيها و أخذت تنتظر أوامر الرجل التالية .. تنتظر .. وتنتظر .. سرى صوت ما في الظلام الصامت .. هل كانت الريح تحف أوراق الشجر أم كانت موجة ترتفع إزاء الشاطئ تحتهما .. لم تكن متأكدة .. ولكن كان الصوت كافياً ليعيدها إلى رشدها .. انتزعت نفسها مبتعدة عنه وهي تقول : '' يجب أن أعود .. أنا ممتنة لمساعدتك .. و .. حقا أنا لا أدري ماذا حدث هناك لكن .... ماتت الكلمات الوحيدة التي دفعتها شجاعتها أن تخرجها من حلقها الذي أصبح جافاً الآن عندما تحرك نحوها .. '' أنتِ تعرفين ما حدث هناك ..كان هناك شيء ما في صوته .. إحساس بالثقة لدرجة أثارتها و أرعبتها في آن واحد , أدركت أنه لم يقصد إحساسها المفاجئ بالدوار .. كان يقصد تلك اللحظات الصامتة من الخلود الذي تقاسماه .. ولم تكن هي للتحدث عن ذلك .. لا في هذا الوقت ولا في أي وقت على الإطلاق .. وبالتأكيد ليس معه ..
قالت بسرعة : '' أنت على حق .. لقد أحسست بالإعياء وهذا كل ما في الأمر , كان الجو دافئاً في قاعة الرقص وكانت مزدحمة و .. شهقت عندما تحولت يداه إلى كتفيها ضاغطاً على لحمها البارد وقال : '' لا تكذبي يا جولييت .. لقد كنت أراقبك طوال السهرة .. أحست بوخز خفيف تحت أصابعه , وقالت بصدق : '' عن أي شيء تتحدث ؟!! '' ضحك بتأوه وقال : '' هل سنلعب سوياً ؟ أنتِ تعرفين أني كنتُ أراقبكِ '' أحست بالحرارة تندفع وتغمر وجنتيها . وشكرت الله على هذا الظلام . قالت : '' أنت على خطأ '' اشتدت قبضته على يدها وجذبها إليه ببطء وهو يقول : '' و أنتِ كنتِ تراقبيني أيضاً '' . يا لا جرأتك !! .. فكرت (بيج) بذلك في سرها ولكن إنكارها لما قاله جاء سريعاً .. '' لم أفعل .. أنا لم ألحظك على الإطلاق إلى أن عرضت علي مساعدتك '' .
مدهش .. هاهي الآن بدأت تكذب .. يا لهذا الرجل الذي يدفعها للكلام دون تفكير ..
رأت بريق أسنانه البيضاء وهو يقول : '' عمن كنتِ تبحثين عندما دخلتِ إلى قاعة الرقص يا جولييت ؟ عن خطيبك ؟ '' قالت بسرعة : '' نعم خطيبي '' تعلقت بالكلمة الأمل .. كأنها ستنقذها من كل ما هو آت مهما كان . و أضافت : '' هذا صحيح و من المحتمل أنه يبحث عني الآن .. لذا ..
'' الجحيم كان يجب أن يصحبك طوال السهرة لا أن يتركك برفقة رجل غريب مثلي '' و تحركت يداه على كتفيها , و أضاف : '' كنت سأفعل لو أنكِ تنتمين لي'' .
اندفعت تقول بقوة : '' أنا لا أنتمي لأحد .. ولقد كان ينتظرني ..أقصد أنني لم ألحظه من أول وهلة'' ضحك بهدوء و قال '' : ولكنك وجدتني جذابا ً أم أني متوهم ؟ '' و انزلقت يداه من كتفيها حتى وصلت معصميها وقال : '' وعندئذ تزاحم الحشد و افتقدت مكانكِ . هل كان ذلك عندما عثر عليكِ خطيبكِ روميو ؟! '' . أحست الفتاة بجفاف في شفتيها وبحذر أجرت معه طرف لسانها فوقهما وهي تفكر شاردة فيما يحدث لها الآن ..
وبعد الآن ..
و إلى الأبد ..
'' نعم والآن يجب أن أعود له .. أنا .. '' والمرة التالية التي رأيتك فيها , كنتِ ترقصين مع رجل كبير .. '' ورفع يديها بين يديه و أمسك بهما أمام صدره , وقال : '' لم يكن روميو '' .
كان مجرد تقرير ولم يكن سؤالاً , ورغماً عنها ابتسمت (بيج) و تذكرت والدها وهي تقول له : '' لا '' .. أومأ قائلاً : '' والدك على ما أظن أو خال أثير ..'' قالت بخضوع : '' والدي ,لقد رأيتك تراقبنا هناك ''
كان الاعتراف قد خرج منها قبل أن تتمكن حتى من إيقافه .. تبدى أي أمل لها في أن مر هذه الزلة عندما سمعت ضحكته المنتصرة الهادئة من بين الأمواج .. '' لكنكِ قلتِ أنكِ لم تلحظيني على الإطلاق يا جولييت '' قالت في يأس : هذا ليس اسمي .. إنه مجرد خيال .. ''
انزلقت ذراعاه حولها وهمس : هذه الليلة من الخيال .. ويمكن أن يحدث فيها أي شيء '' و ببطء جذبها قريباً منه وقال : '' يمكنك أن تبقي هنا وترقصي معي '' .
كانت الموسيقى المتسللة من القاعة قد تحولت إلى نغمات بطيئة حالمة .. فرشت (بيج) يداها على صدره عندما بدأ يتحرك هو على إيقاعها الرتيب , ثم توقفت في تصلب بين ذراعيه .. والتقطت أنفاسها قائلة : '' لا تفعل , أرجوك ''
كانت تقاوم رغبتها في أن تذوب بين ذراعيه .. إنها ليلة من الخيال , كما قال , وهذا ما يحدث , أليس كذلك ؟ .. مجرد خيال غير مؤذ . أضغاث أحلام اضطرب فيها قلبها .. همست : '' حسناً .. رقصة واحدة فقط '' .. رد ببساطة : '' رقصة واحدة . ثم نفعل أي شيء تريدينه . ''
سنفعل أي شيء تردينه ؟! هل كان هناك تهديد في الكلمات البسيطة ؟! .. لا ليس تهديداً .. كانت (بيج) تحادث نفسها .. عندما بدأا يتحركان عبر المربعات الحجرية التي تغطي الأرض . كانت كلماته تحمل شيئاً أكبر .. هل هي ثقة أم هو اقتناع بأنه قد أدرك أخيرا ما هي تريده رغم أنها لم تعترف به لنفسها بعد ؟ فليفكر هذا الغريب فيما يشاء .. رقصة واحدة معه , هذا كل ما في الأمر , ثم ستعود لـ (آلن) .. وستحكي له عن ذلك خلال أسبوع أو أسبوعين , وستحكي عن ذلك القدر من الضئيل من الحماقة التي تمكنت منها تلك الليلة .. قبل ثلاثة أيام ن زفافهما .. سيضحكان بشأن ذلك مثل ضحكهما بشأن الحفلة التي يخطط أشابين العريس لإقامتها مساء الغد في ملهى عُرف بنادلات حانته القصيرات الثياب .. وذلك احتفالاً بتوديع (آلن) لحياة العزوبية !! '' إنها أحد طقوس الانتقال '' هكذا يسميه (آلن) .. وهذا ينطبق على ما يحدث الليلة .. أليس كذلك ؟ ..
هذه الرقصة مع غريب كانت فعلاً آخر مذاق للحرية .. وسيبتسم (آلن) عندما تحكي له ... و .... مهلاً .. من الذي تخدعه ؟! .. لن يمكنها إطلاقاً أن تحكي لـ (آلن) .. لن يمكنها مطلقاً أن تحكي لأي إنسان عن هذا الأمر .. إن هذا جنوناً .. جنوناً خطراً .. لأن هذا الأمر لم يكن ملذة أخيرة .. أو أحد طقوس الانتقال ..
قربها الرجل منه أكثر .. وقال : '' هل عيناك فعلاً بلون بنفسج الربيع ؟! ''
سرى صوته خلالها , ناعماً مبحوحاً , كأنه حضن مخملي . وفي صمت الليل استطاعت (بيج) أن تسمع دقات قلبها السريعة المضطربة .. سألته و قد كتمت أنفاسها : '' من أنت؟ '' ضحك بتأوه وقال : '' أنتِ تعرفين من أنا يا جولييت . . . ".... أنا الرجل الذي ظل طوال الليل يريد أن يعرفك ويسبر غورك ''
ذهب الاعتراف بأنفاسها ... تعثرت أقدامها ... فضمها بقوة إلى جسده القوي .. همست : '' لا تفعل ... ''
ولكنها أحست بنفسها كأنها طفله أمامه تذوب .. وتذوب .. و تذوب ... انتشرت يداها على صدره مرة أخرى .. أحست بضربات قلبه المكتومة تحت كفيها .. '' جولييت ...
سمعا صوت الباب يصفق فجأة , ارتفعت صرخة ضاحكة .. أصوات أقدام على الممر المفروش بالحصى .. وصوت حفيف ثوب يكاد يقترب من مكانهما .. وبسرعة عادت إلى الواقع .. تكورت يداها إلى قبضتين ودفعته بقوة بهما ..
ثم قالت في همس يائس : '' دعني أذهب أرجوك '' أمسك بيدها وقال بصوت خافت : '' تعالي معي '' '' هل أنت مجنون ؟ خطيبي ... '' أنا لا أبالي مقدار ذرة بخطيبك .. وكذلك أنتِ لا تبالِ به , لو كان الأمر يهمه لما كنتِ الآن معي '' أرسلت كلماته رجفة خلالها , وقالت :'' أنت لا تعرف ما تقول , إنه يعني كل شيء لي '' '' إذن ليس لديكِ ما تخشين منه بمجيئكِ معي , أليس كذلك؟ '' , و أدخل أصابعه بين أصابعها و أضاف : '' علاوة على ذلك , فإذا رآنا أحد هنا قد يسيء الظن يا جميلتي ''
ودت أن تقول أن (آلن) سيفهم , ولكن كن ذلك مجرد أمل وليس يقيناً . اقترب وقع الأقدام والضحكات .. أحس الرجل بترددها فقبض على يدها بإحكام .
جذبها خلفه , وهو يقول : '' سننهي رقصتنا هناك , على الشاطئ ثم , إذا أردتِ سأعيدكِ إلى روميو الخاص بكِ ''
كان جنوناً أن تتبعه عبر الممر المفروش بالحصباء والذي يهبط الجرف .. أحست (بيج) بذلك وهي تسير بجانبه .. وكان جنوناً أن تلقي بصندلها عندما لمست قدماها الرمال ثم تخطو إلى ذراعيه المنتظرتين .. ولكن خالجها إحساس رائع في استنادها إلى حضنه و تحركهما على إيقاع الموسيقى الذي أصبح بعيداً نوعاً ما ..
مرت اللحظات , وأغلقت عينيها و أراحت رأسها على كتفيه .. وعندما أزاحت يداه شعرها .. بدا واضحاً أن ليس لديها أي اعتراض ..
همس '' جولييت .. و امتدت يده الأخرى إلى أعلى ظهرها .. إلى مؤخرة عنقها .. ومضى يجدل شعرها ..
و كرر : '' جولييت ..
هرب القمر من السحابة التي تلاحقه , وملأت هي عيناها منه .. حدقت في ابتهاج في الملامح التي لم تكن قد ألقت عليها حتى الآن سوى نظرات خاطفة .. كان ذا أنف دقيق وفم محدد .. و ذقن مرتفع يرفع راية التصميم .. و أحلى ما فيه تلك الغمازة التي تزين وجنته اليسرى .. والتي تظهر حتى من غير أن يتكلم ..
برقت عيناه خلف القناع النصفي .. زرقاويتان , ظنت ذلك بينما كانت دقات قلبها تصل إلى حلقها في إعصار مدو .. نعم , زرقاويتان أو ربما خضراوتان ..
و كأنما كان يقرأ أفكارها , مد يده و نزع البرنس ''القناع النصفي'' الأسود من وجهه .. تسارعت أنفاسها عندما أماط القناع جانباً وحدق فيها .. كانت عيناه بلون الزبرجد النقي . لون بحر الصيف عميقة الغور كثيفة الأهداب ..
غمغم قائلاً : '' دورك '' .
ارتجفت (بيج) عندما مد يده إليها .. أطبقت أصابعه على القناع الفضي , وكتمت أنفاسها بين ذراعيه التي امتدت نحو وجهها .. كانت نظرة عينيه وهي تتصفح وجهها أكثر دفئاً من أي عناق جربته ..يــا إلـــهي ..ماذا يحدث لها ؟!
ابتسم قائلاً:'' كنتُ أعرف أن عيناكِ بلون البنفسج'' . و أضاف بصوت عميق : '' أنتِ جميلة يا جولييت '' ..
ترنحت (بيج) بينما أسدلت أهدابها على وجنتيها .. ما فائدة الكذب ؟ إنها تريده أن يأخذها بعيداً .. إلى ذلك الخلود في عينيه .. والحقيقة في صوته .. كانت تعرف ذلك .. وكان هذا لغريب يعرفه .. لقد ظل يشاغلها طوال الليل .. بداية في قاعة الرقص .. ثم في الشرفة , والآن ... الآن سيعانقها .. لا بد أنه سيعانقها .. ولا بد أن تنهي هذا العناق .. وكل شيء .. ستنتهي هذا الخيال و تعود للواقع .. ستضع نهاية لكل هذه الحماقات .. و سوف تعود أدراجها , وتعتذر لتركها الأمور تخرج من يدها و ....
مس فمه يدها برفق و خفة , كانت القبلة خفيفة كرذاذ متطاير من المحيط .. همس بينما تلتف ذراعيه حولها : '' زهرة .. أنتِ زهرة رحيقها كمذاق العسل '' .. رباط أخير من الواقع جعلها تقول بإصرار ضعيف : '' شكرا .. والآن دعني أذهب لــ ...
'' إلى أين تذهبين ؟ إلى روميو المسكين ؟! '' '' نعم '' وارتعدت عندما ضمها إليه بينما تضيف : '' إنه خطيبي , وليس روميو تاريخي , أرجوك أريد أن أرحل '' قال في رجاء ساخر : '' أنتِ لا تريدين أن ترحلي .. أنتِ تريدين أن تبقي ''
''لا ''
حتى هي سمعت صوت الكذب الذي يملأ كلمتها .. وتمنت أن تغفر لنفسها هذا الكذب .. تمنت ألا يسمعها أحد غير المحيط .. ولكن كانت ذراعاه محكمتان حولها .. وبدأت النجوم تدور .. و القمر يرتفع في السماء أكثر .. ملقياً غلالة فضية على صفحة الماء الداكن .. ولمعت ملايين النجوم في السماء .. لقد كانا آخر البشر على الأرض .. وكان الحب بينهما أمراً حتمياً .. سرت رعدة خلالها وهمست : '' أرجوك .. أرجوك '' قال : '' أرجوك ماذا؟ '' .. '' أخبريني بما تريديني أن أفعله يا جولييت ''
و فجأة ..
ترامى إلى مسامعها صوت تعرفه : '' .... هل أنتِ على الشاطئ ؟ '' ميزت الكلمات رغم اختلاطها بصوت الأمواج المتكسرة على الشاطئ .. وتصلبت (بيج) بين ذراعيه ..
'' إنها أمي '' . كانت همستها شديدة الاهتياج .. لم يقل شيئاً .. و ظنت أنه لم يفهمها . ثم سمعت لعناته المكبوتة , و أحست بالتوتر المفاجئ في عضلاته . غمغم إزاء وجنتها : '' ابقِ هنا وستذهب بعيداً .. '' همست هي : '' إنها لن تفعل .. دعني أذهب .. أرجوك '' توهجت عيناه وحدقت في عينيها , وقال : '' بشرط .. عديني أن تعودي لي '' هزت (بيج) رأسها , وقالت : '' لا . لا لا يمكنني أنا ..
'' ... هل أنتِ ؟ '' جاءها صوت أمها .
قالت في همس يائس وهي تنظر في عيني الغريب : '' ستأتي إلى هنا .. دعني ... أتوسل إليك ''
قيدت يداه حركتها وقال بغلظة : '' عديني أن تعودي ''
حدقت في وجهه بغباء وقالت : '' لا أستطيع أنا ..
بدا شبح أمها عند أعلى الممر الهابط إلى الشاطئ . قالت بأنفاس لاهثة : '' حسناً , حسناً سأعود '
الدولة : عدد الرسائل : 51922تاريخ التسجيل : 08/12/2007المزاج : بطاقة عضوية :
موضوع: رد: الادب العالمي الأحد 21 نوفمبر 2010 - 23:05
قبضت يداه على كتفها وغاصت في لحمها حتى أجفلت . وهمس في إلحاح : '' عديني بذلك . عديني بذلك و إلا فسآتي معكِ الآن . و سأخبر أمك و روميو وكل العالم بأنك لي الليلة , وكل الليلة .. و إلى الأبد ''
'' لا أستطيع ..
جذبها إليه حتى لاصق وجهها بوجهه و هو يقول بحدة : '' لا تخدعي نفسكِ يا امرأة , حتى أنا لا أفهم الأمر , و لكنني متأكداً أن شيئاً كالجحيم قد حدث .. وستصيبني اللعنة إذا تركتكِ تخرجين من حياتي قبل أن أفهم ذلك . هل تفهمين '' .
انتفض قلب (بيج) بجنون . وهمست '' نعم '' و غمرها إحساس بالسعادة الفياضة . و كررت : ''نعم '' و عندئذ سمعت وقع أقدام أمها على حصباء الطريق ..
منتديات روايتي
مست وجنة الرجل .. وخطت سريعاً إلى الممر , ورفعت صوتها : '' أنا هنا يا أمي '' ..
تقدمت والدتها خطوة باتجاهها . وقالت : '' بالله عليكِ يا عزيزتي .. أين كنت ؟ لقد أشرفنا على الموت قلقاً عليكِ '' حثت (بيج) خطاها خلال الياردات الباقية حتى وصلت لأمها , وتأبطت ذراعها ثم جذبتها عائدتين باتجاه الحدائق و المبنى الساطع الأضواء .
'' كنت .. كنت أسير على الشاطئ يا أمي . أنا آسفة لإزعاجك '' قالت (جانيت) بينما تتقدمان على الطريق المرصوف بالمربعات الحجرية : '' لستُ وحدي يا (بيج) لقد أصابنا القلق جميعاً .. أبوكِ و (آلن) .. ماذا حدث لك ؟ هل كنتِ وحدك ؟''
ألقت (بيج) نظرة من فوق كتفيها .. لم يكن خلفها سوى الظلام .. وقالت : '' نعم , بالطبع أنا آسفة جداً .. مجرد أنني أردتُ الاختلاء بنفسي قليلاً قبل الالتقاء بالعمة (دوروثي) '' تباطئت خطوات الأم قليلاً قبل أن تتوقف , و تقول لها : '' هل أنت متأكدة انك بخير ؟ يبدو عليكِ شيئاً ما هذا المساء '' تجاهلت (بيج) سؤال أمها , :'' أمي أين (آلن) ؟ '' '' يبحث عنك بالطبع .. إنه .. '' اندفعت (بيج) قائلة : '' يجب أن أتحدث معه , يجب أن أخبره أن هذا الـ .. أحاطت (جانيت) خصر أمها وقالت لها تهدئها : إن (آلن) يفهم ذلك بالتأكيد إنه يقول أنه قلق اللحظات الأخيرة و .. '' أمي أرجوك .. دعوني أتكلـ .. '' عزيزتي .. عزيزتي كل العرائس يشعرن بنفس الإحساس ..ستكونين بخير يوم الزفاف .ستتلاشى هذه العصبية وسينجلي هذا الخوف بمجرد أن تشاهدي وصيفاتك و الزهور و ابتسام المدعوين لك فيما ينتظرك (آلن) '' توقفت (بيج) فجأة و همست : '' أسيحدث ذلك ؟'' ابتسمت (جانيت) و قالت : '' بالطبع '' ثم نظرت إلى عيني ابنتها فتحولت ابتسامتها إلى عبوس قلق , وقالت : '' إلا إذا كانت لكِ تحفظات حقيقية يا (بيج) , هل لديكِ شيئا كذا ؟ حبيبتي إن لم تكوني متأكدة من .. عضت (بيج) على شفتها السفلى , وقالت : '' نعم .. لا , يا إلهي .. '' أمي أنا لا أشعر بذلك الإحساس المفروض تجاه (آلن) , هل تفهمين ما أقصد .. أنا لا أشعر تماما بذلك الإحساس ..''
ارتفع حاجبا والدتها , وقالت : '' تقصدين ذلك الإحساس الذي شعرتِ به تجاه ذلك الرجل في نيويورك ؟'' كان صوتها جامداً مستهجناً , وتابعت : '' هل هذا ما تقصدين ؟'' .
التقت (بيج) أنفاسها , وقالت : '' أنا لا أقارن بين الموقفين يا أمي .. أنا فقط لا .. '' أتمنى ألا يحدث . لن يؤذيكِ (آلن) يا (بيج) على الإطلاق .. يجب أن تكوني سعيدة لهذا ''
فُتح باب القاعة فجأة .. و أحاطت بهما ضجة قاعة الرقص و دفئها المعبق بالدخان . أطلق (آلن) تنهيدة ارتياح عندما خطا إلى الشرفة صوب السيدتان . '' ها أنت هنا . ماذا حدث يا حبيبتي ؟ '' '' أنا خرجت في الهواء قليلا يا (آلن) ''
وضع ذراعيه حول كتفيها , وقال : '' هل أنت على ما يرام '' أومأت (بيج) : ''أنا بخير '' '' لقد بحثت عنك في كل مكان .. في التواليت .. في السيارة ..
قالت (جانيت) : أنت لم تبحث في الشاطئ حيث كانت يا (آلن) تريح أعصابها بالسير هناك '' تورد خدا (بيج) وقالت : '' أمي , من فضلكِ ! ''
ابتسم (آلن) ابتسامته العريضة وهو يقول : '' تذكري أنني من يُفترض أن يكون عصبياً . هذا امتياز مقصور على العريس '' التقطت (بيج) أنفاسها وقالت : '' هل أنت كذلك ؟ '' سدد (آلن) نظرة إلى عينيها وقال بصوت رقيق : '' سنكون سعداء أعدك بذلك ''
حدقت الفتاة في خطيبها وحادثت نفسها .. سيكونا سعداء . بالطبع سيكونا كذلك .. إن ما أحست به منذ لحظات قليلة بين ذراعي رجل غريب , لم يكن سعادة ..
كانت تعرف مثل غيرها ..
ربما كان شيء أفضل ..
لن تجده مع (آلن) أو غيره ..
شيء لن تجده سوى مع رجل غريب يحيط بوجه قناع نصفي أسود .. رقص معها رقصة الحرية الأخيرة فوق شاطئ "كونكت كت" ..
قالت والدتها : '' لقد دعانا السيد والسيدة (فولر) لشرب القهوة في منزليهما يا عزيزتي , سأستدعي والدك و أعود لكما ''ابتسم (آلن) عندما انطلقت والدة (بيج) وقال بلهجة مغيظة : '' ستتناولين القهوة و الكعك مع كل آل (فولر) . تريد العمة أن تقابلك .. و سرب لا نهائي من الأقارب '' و أحنى رأسه وقبل خدها وهو يقول لها : '' أنا سعيد لعثور أمك عليك يا حبيبتي , لا نريد أن نشعرهم بخيبة الأمل أليس كذلك؟'' '' بالطبع .. لا نريد '' ابتسمت له ابتسامه سريعة وهو يقبض على يدها ويقودها خلال الملهى إلى رواق المدخل الأمامي ذي الأعمدة .
كم سينتظرها ذلك الرجل على الشاطئ ؟ خمس دقائق ؟ .. عشرة ؟ ..
هل سيصاب بخيبة الأمل ؟ .. أم سيغضب ؟ .. أم ..
'' ها نحن يا أولاد . لمَ لا تطلب من السائس إحضار السيارة ؟ '' , كان صوت (أندرو) السعيد يرتفع في الهواء معلناً استعدادهم للمغادرة . انتحت (جانيت) بابنتها جانبا , بينما تقدم الواد مع (آلن) تجاه الرصيف . وهمست : '' كفي عن إظهار القلق . إنها مجرد عصبية اللحظات الأخيرة . ثلاثة أيام من الآن وستصبحين السيدة (آلن فلور) , وستضحكين عندما تتذكرين ما أحسستِ به الليلة '' .
أومأت (بيج) وتمتمت برد ملائم .. ولكن عندما خطت إلى سيارة خطيبها .. وتركت تعهدات و التزامات حياتها الجديدة تبتلعها.. أدركت أن والدتها كانت على خطأ .. و أنها هي على خطأ ..
الدولة : عدد الرسائل : 51922تاريخ التسجيل : 08/12/2007المزاج : بطاقة عضوية :
موضوع: رد: الادب العالمي الأحد 21 نوفمبر 2010 - 23:09
==الفصل الثالث==
((احتضنني اللهب في أحلامك))
'' (بيج) ؟ .. (بيج) , هل رأيتِ غصن القرنفل الذي سأخيطه بتاج عرسك ''
كانت (بيج) تُنقب في خزانة ثيابها عن الزوج الثاني من الحذاء الفضي الذي تمسكه بيدها , جلست على عقبيها وتنهدت .
ثم رفعت صوتها قائلة : '' لا يا أمي . ولكني لن أقلق بشأنه . فالتاج يبدو جميلاً كما هو ''
دلفت الأم إلى حجرة ابنتها , وبحثت خلال قطع الثياب المزركشة المتناثرة فوق منضدة الزينة .
تمتمت : '' هل خلطته مع هذه الملابس ؟ '' ثم تنهدت و أجابت نفسها : '' لا , لا شيء هنا سوى الملابس المتبقية لجهازك '' نظرت المرأة الكبيرة نحو ابنتها , وقالت : '' ألم تنتهي من حزم حقائبك يا عزيزتي ؟ حفل الزفاف غداً . ويجب أن تذهبي أنتِ و (آلن) إلى المطار في الخامسة على أقصى تقدير '' جثت (بيج) على قدميها و قالت : '' هناك فسحة كبيرة من الوقت يا أمي ؟؟ سأقوم بالباقي الليلة , بعد أن نعود من بروفة الحفل '' . ثم غضنت جبهتها , و أضافت : '' هذا إذا ذهبنا أساساً ''
و طوحت بالحذاء الفضي على الفراش قائلة : '' لا أستطيع العثور على الزوج الثاني لهذا الحذاء في أي مكان '' . قالت والدتها : '' أليس هذا هو .. نعم , إنه هو '' .. و التقطت الزوج المفقود من أرضية الحجرة , ثم جالت ببصرها و هي تبتسم للحقائب و الخزائن المفتوحة , وقالت بتأوه : '' هل سأفقد كل هذا ؟'' ضحكت (بيج) وهي تدس قدميها في الحذاء , وقالت : '' ستفتقدين إلى هذه الفوضى .. آه يا أمي .. أعرف أنك .. أنك تنتظرين بشق الأنفس لدخول هذه الحجرة وتنظيفها '' ابتسمت (جانيت) و قالت : '' أنت تعرفين ما أقصد يا عزيزتي . سأفتقد فتح الباب ورؤيتك هنا '' و راقبت ابنتها و هي تمرر يدها على ذيل فستانها الأزرق الطويل وتمعن النظر في صورتها في المرآة وقالت : '' من الصعب تصديق أنك غدا ستكونين السيدة (فولر) ''
وللحظة صغيرة , أظلمت قسمات (بيج) النا عمة , ثم ردت الابتسامة .. '' أنظري للجانب المشرق يا أمي . سيمكنك تحويل حجرة نومي إلى حجرة ضيوف مرة أخرى '' ضحكت المرأة الكبيرة وقالت : '' لم تكن شيئاً البتة سوى حجرة نومك يا (بيج) , حتى عندما كنتِ تعملين في نيويورك '' . وخرجت من الغرفة .. ثم استدارت و أطلت برأسها من الباب , وقالت بصوت رقيق : '' هل أنتِ على ما يرام ؟ ''كانت البروفة ستقام مثل حفل الزفاف في منزل آل (فولر) . اعترضت والدتها في البداية , وقالت أن عائلة العروس هي التي يجب أن تُقيم الحفل .. ولكن والدة (آلن) كانت مصرة بشدة على أن يتم الزفاف في قصر عائلة (فولر) .. في النهاية رضخوا جميعاً لذلك , عندما حث (آلن) خطيبته على مسايرة خطط والدته قائلاً في ابتسامة ساخرة : '' من الأفضل لنا جميعاً مسايرة أمي عندما يبدأ شيء ما يستحوذ على تفكيرها ولا يكون هناك سبيلاً للخلاص منه ! '' ولكن في النهاية كان والد (بيج) هو الذي حسم الأمر .
قال : '' دعي آل (فولر) يتكفلون بكل شيء , فهم أصحاب المال '' . نظرت له (بيج) في دهشة فتكلم بسرعة بابتسامة بالكاد خففت من جفاف كلماته : '' كل ما أقصده أنه من السخافة أن نتجادل في موضوع منتهي '' .. وفي النهاية وافقت هي و والدتها .
أما الآن .. وهي تجلس في حجرة الجلوس المثيرة للإعجاب بمنزل آل (فولر) محدقة في الحشد المزدحم .. أحست (بيج) بالسرور لأنها هي و أمها قد وافقتا على ذلك !
بدا كأن نصف سكان العالم قد حضروا .. أو على الأقل كل سكان (كونكت كت) و (نيويورك) . همست (بيج) لوالدتها : '' إذا كان آل فولر قد دعوا كل هؤلاء الناس لحضور بروفة الحفل .. تخيلي عدد من سيحضرون الزفاف غداً ؟! .. لا أظنني سأعرف عشرة وجوه من الموجودين ! '
'' لا تقلقي عزيزتي . فقط ابتسمي و قولي ''شكراً'' .. و '' لا ,شكراً '' , في المواضع المناسبة '' . ضحكت (بيج) وقالت : '' بمجرد أن يظهر (آلن) , لن أدعه يغيب عن نظري ''..
'' يظهر .. حقاً أين ذهب ؟ ''
'' المطار .. لقد سمعت منه بوصول البعض في اللحظات الأخيرة , وقد سعد بهم لدرجة أن قرر الذهاب لإحضارهم بنفسه ! ''
'' ربما أخوه و زوجته ''
هزت (بيج) كتفيها بلا مبالاة , وقالت : '' ربما .. صدقيني , كل ما اعرفه أني ترُكت هنا لأحمي الحصن .. سيتكفل (آلن) بــ ... أوه .. يــا إلــهي ....
كانت كلماتها الأخيرة عبارة عن همسة مكبوتة .. استدارت لها والدتها في دهشة .. '' (بيج) ماذا حدث ؟!! ''
'' أنا ؟ .. لا شيء . فقط أنا ... وجدت (بيج) نفسها تتلعثم وتنطق بكلمات لا معنى لها .. لكنها حدقت عبر الحجرة المزدحمة و هي تشعر بأنها معجزة إن استطاعت الكلام أساساً ! ..
لقد كان هناك ..
الرجل الغريب ..
الرجل الذي تركته يبادلها الرقص وتلك المشاعر الغامضة منذُ ليلتين ..
لقد كان هناك .. ضيف في منزل آل (فولر) .. ضيف في بروفة حفل زفافها !! ..
كان يقف بالطرف البعيد من الحجرة .. لم يرها بعد , كان وحده ممسكاً بكأس في يده .. راقبت شخصاً يقف بجانبه .. امرأة .. شابة , جميلة .. وقد أمالت وجهها باسمة له , أومأ .. وقال شيئاً , ولكنه لم يبتسم . تكلمت المرأة الثانية , قالت شيئاً آخراً .. ولكن بدأ أنه لا يكاد ينصت لها ..
'' (بيج) أرجوكِ أجيبيني .. ماذا حدث ؟ ''
بصعوبة صرفت نظرتها المحدقة عنه و وجهتها لوالدتها , وقالت بحذر : '' لا شيء .. فقد ظننت أني رأيت زميل دراسة , هذا كل ما في الأمر ... شخص لم أحلم .. لم أحلم أن أراه مجدداً ..
و همست لنفسها بغلظة ، ابتسمي .. ولكن عندما حاولت شعرت بشفتيها وكأنهما ملتصقتين بأسنانها .
وضعت أمها يدها على قلبها وقالت : '' لقد روعتني تماماً يا عزيزتي . ظننتُ أنك رأيت شبحاً .. حسناً , لماذا لا تتجولي بين المدعوين وترحبي بهم ؟ '' , وضحكت قائلة : '' سأذهب لأرى السيدة (فولر) ربما يكونوا ضيوفنا القلائل قد وصلوا .. وعسى أن لا نُشعرهم أنهم أقل عددا من ضيوفهم ''
'' نعم حسناً .. سأراكِ خلال دقائق يا أمي '' .
حادثت نفسها .. كان ينبغي أن أفكر في عذر للمغادرة .. و لكن هذا سيؤجل فقط من القدر المحتوم. إذا كان هذا الرجل الغريب هنا الليلة فمن المحتمل أن يحضر الزفاف غداً..و ركل الباب بقدمه فأوصده .. وقال بصوتخفيض مليء بالغضب : '' هل ظننتِ حقاً أنكِ تستطيعين الهرب مني ؟ ''
'' قلت لك دعني .. كيف تجرؤ على معاملتي بهذا الأسلوب ؟ أنا ...
'' اصمتي .. '' , و زلق ذراعه حول كتفيها ..
قاومته عندما بدأ يجذبها بعيداً عن المنزل , و سألته : '' أين ستأخذني أيها الــ ..
و أضاف : '' لا أريد أن أتعرض هنا إلى النظرات اللعينة من الجميع .. ''
'' ألا ترى أنك قد تأخرت قليلاً في قلقك بشأن ذلك ؟ قبل دقائق قليلة ...
'' أنتِ التي جريتِ ...
و جذبها صاعداً الدرجات الخشبية المؤدية للمنزل الصيفيالمُقام على مبعده من مؤخرة مرج آل (فولر) .
'' بالطبع جريت ! كنت تبدو كأنك .. كأنك ..
قبض على كتفيها بخشونة جعلتها تشهق , وحدق فيها مدمدماً : '' كأني ماذا ؟ ''
ابتلعت (بيج) ريقها الجاف . كانت خطوط الأنوار الملونة تمتد بين الأشجار المتناثرة في المرج لأجل الحفل .. فاكتسى وجهه بنقاط ضوئية حمراء وصفراء وزرقاء ..
و أخيراًهمست : '' كأنك .. كأنك تريد أن تقتلني ''
لوى شفتيه قائلاً : '' صدقيني , فكرتُ في ذلك في تلك الليلة , عندما أقنعتُ نفسي أخيراً بأنكِ لن تعودي .. ''
'' أنظر بشان تلك الليلة ..
لاحت في عينيه نظرة عابسة , وقال : '' هل أمضيتِ وقتاً طيباً في لعبكِ معي يا جولييت ؟ ''
تدفقت الدماء إلى وجهها , وقالت مستهجنة بصوت كفحيح الأفعى : '' أنت رائع في حديثك عن الألعاب .. لم أكنأنا من بدأت الأمور .. كنت أنت ...
اختنقت الكلمات في حلقها عندما هزهاو قال: '' لقد انتظرت ساعة على ذلك الشاطئ الذي نبذته السماء .. اللعنة عليك ! وعندئذ عدتُ إلى الملهى .. ولم تكوني هناك ! ''
انزلقت يداه من علىكتفيها .. وتسلل الضجر إلى صوته , وأضاف : '' لم أستطع أن أسأل أي أحد إلى أينذهبتِ .. الجحيم , أنا حتى لم أعرف اسمك .. ''
أجرت (بيج) لسانها علىشفتيها , وهمست : '' أنا آسفة لم أقصد أن ..
أجفلت عندما اندفع اتجاههاقائلاً : '' لم تقصدي؟ إذن بحق الله لأي شيء كان كل ما حدث يا جولييت ؟ ''
ثم قبض على ذراعيها وسدد نظراته إلى عينيها , و أضاف : '' أم أن هذامجرد شيء تفعلينه عندما تذهبين إلى الحفلات ؟ تشربين .. تأكلين .. تراقصين أحدهم .. ثم تخرجين مع رجل ما وتكادي تفقديه عقله رغبة في امتلاكك و ..
'' لا تتطاول علي ... ليس لك حق ''
'' ليس لي حق؟! لقد جعلتني إنساناً أحمقاً .. أنتِ ...
'' لقد حاولت أنأخبرك مراراً بأنه لم يكن شيئاً صائباَ , ولكنك لم تنصت . لقد ظللتُ أقول أنني يجب أن أعود إلى خطيبي .. ولكنك أنت ... أنت ...
أصابها الرعب عندما أحست بدموعها تملأ عينيها ثم تنحدر على وجنتيها .. كان شيئاً سيئاً إلى حد بعيد أن يستغفلها في تلك الليلة . ويجب أن لا تدع هذا الرجل يوصلها إلى حد البكاء ..
وبسرعة , مسحت أهدابها بظهر يدها و أشاحت بوجهها بعيداً .. وهمست : '' دعني أذهب '' .. '' بحق الله إلى أين تفكرين في الذهاب؟''
'' دعني أرجوك ''
تحركت يداه برقة على كتفيها , و أدار جسدها الجامد المتصلب إليه ..
قال بغلظة : '' لا تبكِ يا جولييت الصغيرة '' ..
رفعت (بيج) وجهها إليه , وكانت أهدابها مبللة بالدموعالمتلألئة ..
و في لعنات هامسة .. جذبها بين ذراعيه و .. قبًلها ..
كانت قُبلة أخبرتها , بوضوح أكثر من الكلمات .. أبلغ من أي وصف ..
أن عذابه على مدى الأيام الماضية .. كان ساحقاً كعذابها ..
كانتقُبلة تضم الحب .. والغضب و الرقة ..
ولكن وراء هذا كله ..
كانت علىوعي تام .. أن قُبلة واحدة لم و لن تكفي ..
غمغم قبالة وجهها : '' جولييت .. لماذا لم تعودي إلي ؟ ..
انزلقت ذراعها فوق صدره ,و وهمست : '' لم أستطع .. ولا أستطيع أن أبقى معك الآن ''
اشتدت ذراعاهحولها , ودمدم : '' كفي عن هذا القول , لن ادعك تذهبين هذه المرة ''
همست : '' بل يجب عليك .. أرجوك .. إن خطيبي ..
ضحك ملء فمه , وقال : '' هل ستتحدثين عنه مرة أخرى , أي نوع منالرجال خطيبك هذا ؟ أنتِ لا تريدينه يا جولييت ! أنتِ تعرفين ذلك ''
أغلقت (بيج) عينيها و غمغمت : '' لا .. ليس بهذا الأسلوب . ولكن ..
'' بماذا تشعرين في صحبته ؟ ''
ثم رفع يدها اليسرى إلىشفتيه , وقال : '' مثل هذه الماسة التي ترتدينها ؟... و هل تُحبس النار داخل الحجرالبارد ؟! ''
'' يجب ألا تقول ذلك .. إنه .. أنا فقطأخبركِ بما نعرفه نحن الاثنان ''
و انزلقت يداه عن كتفيها حتى جانبتها ..
تراقصت أنوار الحفلة على خاتم الياقوت الذي يرتديه و رأته يستله من إصبعه , وقال : '' اعطني يدك ''
مسحت عيناها وجهه .. وببطء , فعلت ما طلبهمنها ..
أخذ يدها في يده و وضع الخاتم في كفها , و قال بتأوه : '' الرجلالذي يعطيكِ ماسة لا يريدك في الحقيقة يا جولييت ''
حدقت (بيج) فيالخاتم . توهج الياقوت في كفها كأنه قطعة فحم متقد ة .. كان إطاره العتيق , رائعكثير النقوش ..
رفعت إليه بصرها .. وهزت رأسها : '' أنا .. أنا لا أفهم ! ''
قال بتأوه : '' أنتِ مثل الياقوت الملتهب في هذاالخاتم ''
و أحاط وجهها بيديه و أماله للأعلى .. وتابع : '' رائعة , ثمينة , تتقدين بالعاطفة '' ..
طرفت بعينيها عندما سدد نظراته إليها .. وعندما رفعها عنها , كانت عيناه غامضتين وهو يقول لها : '' احتفظي بالخاتم , انظريإليه الليلة , إلى البريق الملتهب المتوهج بداخله . وفكري فِيً , وكيف سيكون الأمرعندما نكون معاً '' ..
و أطبق يده على يدها , و أحست هي بحرارة الياقوتتلفح كفها , و قال : '' احتضنني اللهب في أحلامك يا جولييت .. وغداً .. عندماأراكِ مرة أخرى ..
'' غداً !! ''
كررتها كما لو كان يتحدث بلغة مجهولة .. '' الزفاف . ستكونين هناك .. أليس كذلك ؟ ''
'' أنا .. نعم , نعم .. سأكون هناك ''
ابتسم و قال : '' سنمضي اليوم معاً .. سنفعلكل ما يفعله (آلن)اس عندما يلتقون لأول مرة .. سنتحدث ونتبادل النكات و ...
غــــــــــداً
قالت (بيج) بيأس : '' أرجوك . يجب أن تنصت لي .. أنا ...
أحكم ذراعيه حولها .. وضمها إليه قائلاً : '' إذا قلتِ (لا) فسأذهب بعيداً ولن تريني مجدداً على الإطلاق ''
و أضاف بصوت هامس إزاء وجهها : '' ولكنك لن تفعلي .. لن تفعلي ياجولييت ''
ظهرت الجدية على ملامح (بيج) و هي تقول له بإصرار : '' أنت لا تفهم .. إن غداً هو يومــ ...
سمعا صوت الباب يصفق .. ثم صوت صفير لشخص يشق سكون ليلهم ..
'' هيـه .. هل أنتم هنا يا أولاد ؟؟ ''
إلـــهي العزيز ! إنه (آلن) ..
بدأ قلب (بيج) ينتفض , وقالت بصوت مرتجف : '' يجب أن نخرج من هنا .. أرجوك ''
'' (بيج) ؟ أين أنتي يا حبيبتي ؟ ''
'' ألا تسمع ؟!! ... اللعنة .. هذا (آلن) .. خطيبي ''
أظلمت عينا الرجل , و ضاقت .. و صارت كأنهما رأس دبوسينمن نيران الكوبالت ..
قبضت يداه على كتفيها ,, و أنشب فيها أظافره حتى شهقتمن الألم .. وقالت له : '' حاولت أن أخبرك أنــ ..
أسكتتها نظراته القوية .. وقال بتأوه : '' لابد أن أقتلك .. يا إلهي .. أريد أن أضع يدي حول عنقك و ....
كانت هناك قعقعة أقدام تصعد الدرج ..
ثم انزلقت ذراع حول خصرها ..
'' هذه أنتِ أخيراً ياحبيبتي ! ''
جحظت عينا (بيج) عندما رأت (آلن) يبتسم ويلقي بذراعه الأخرى حول عنق الرجل الغريب , وقال بسرور : '' رائع .. أرى أنكما قد التقيتما بالفعل .. حسناً .. (كوين) .. ما رأيك فيها ؟ ماذا سيقول أخي الأكبر عن عروسي الخجول ؟
الدولة : عدد الرسائل : 51922تاريخ التسجيل : 08/12/2007المزاج : بطاقة عضوية :
موضوع: رد: الادب العالمي الأحد 21 نوفمبر 2010 - 23:15
==الفصل الرابع==
((عزيزي اللورد كم أكرهك !))
المفروض أن تكون أيام العرس في كمال ما يحدث في الروايات : سماوات زرقاوات .. شمس مشرقة دون سحابة في السماء .. وهكذا بدأ هذا اليوم ...
و هذا ما رأته (بيج) وهي ترنو ببصرها من نافذة حجرة نومها.. ومضت الأوراق القليلة الباقية على شجر القيقب العتيقة بألوان ذهبية وقرمزية ..
في صغرها كانت تهوي تسلق فروع الأشجار المنخفضة الملتفة .. و تقبع في حضنها الورقي مختفية في أمان عن كل العالم ..
ليتها تستطيع ذلك الآن .. تتسلق الشجرة وتضع ذراعيها حول الخشب الآجر و الخشن وتختفي هناك حتى ينتهي هذا اليوم الرهيب ..
ولكنها لم تعد طفلة ولم يكن هناك مهرب ..
تنهدت (بيج) و ارتشفت الرشفة الأخيرة المُرة من فنجان القهوة الباردة ..
الأمل الوحيد لديها الآن , يتمثل في القليل من رقة (آلن) ..
(آلن) لم يتصل بها بعد .. ولكنه سيفعل بالتأكيد بعد أن يخبره كوين بكل شيء ..
بطريقة ما مرت من مأزق الأمس خلال اللحظة المرعبة بالمنزل الصيفي . فقد غمغمت ببعض الكلمات بلا معنى لها عن مفاجأتها بلقاء (كوين) أخيراً , وكانت تنتظر هي في كل لحظة أن يكذبها هذا الـ (كوين) .. لكنه ظل صامتاً , يرقبها في حدة مرعبة .. ثم تمتم ببعض الجمل المهذبة المماثلة لما قالته ..
ابتسم (آلن) ثم عادوا جميعاً للمنزل .. وكان يسير سعيداً بينهم .. دون أن يدري عن شيء ..
هبت والدة (بيج) لنجدتها عندما دخلوا حجرة الجلوس .
قالت : " إن شعرك بحاجة لإصلاح تصفيفه " و دفعت (بيج) إلى حجرة التواليت بالدور السفلي . وبمجرد إغلاق الباب , اندفعت تسأل ابنتها : أي مكان على وجه الأرض كنتِ تنطلقين ؟"
حاولت (بيج) التمتمة مدعية عذرا لكن والدتها أوقفتها بإشارة من يدها , وقالت : " لقد تصرفت بطريقة غريبة تماما يا (بيج) . وظللت أقول للجميع أنها عصبية اللحظات الأخيرة ولكن ... هل أنت على ما يرام ؟ "
تذكرت (بيج) أن والدتها سألتها نفس السؤال مرات و مرات خلال الأيام القليلة الماضية .. وبالطبع كذبت مرة أخرى , وقالت , نعم , إنها بخير .
أي شيء آخر كان يمكن أن تقوله ؟ ..
فكرت في ذلك وهي تحدق بعيون غائمة في شجرة القيقب العتيقة . لم يكن باستطاعتها أن تخبرها بالحقيقة ...
لتقول لها – بنفس هدوء حديثهما – أن (كوين) ربما قد أخبر (آلن) بأن خطيبته كانت .. كانت . أحدث فنجان قهوتها الفارغ دوياً و هي تضعه على المائدة .
انعكس شعاع ضئيل من ضوء الشمس على الماسة بإصبعها .. خاتم (آلن) ..وقبضت يدها إلى صدرها .
كان خاتم (كوين) الياقوتي الأحمر الدموي يمس جدها دافئاً متدلياً من سلسلة ذهبية رقيقة ..
أي حماقة جعلتها تعلقه في السلسلة و ترتديه ؟
وقع بصرها على الساعة المجاورة لفراشها , باق على الزفاف ساعات قلائل . لماذا لم يتصل بها (آلن) ؟ لا بد أن (كوين) قد أخبره ..
طوال ليلة الأمس كانت مشتتة مابين الرهبة و بين الترحيب باضطرارها للاعتراف بنفاقها .. ولكن لم يحدث شيء ..
و (كوين) .. (كوين) يكمن في خلفية الصورة بوجه يغطيه قناع من الظلام , ويراقبها و ..
" (بيج) " ..
حدقت في الباب وهو يُفتح : " حان وقت أن ترتدي ثيابك يا عزيزتي ! "
" هل اتصل (آلن) يا أمي ؟ " هزت (جانيت جارونز ) رأسها , وقالت : ليس من المفترض أن يفعل أليس كذلك ؟ ربما سوء حظ أو شيء ما " ..
ثم فتحت خزانة الثياب , وبعناية , سحبت فستان زفاف (بيج) الطويل الذيل .. وتنهدت قائلة : "أليس جميلاً ؟"....راقبت (بيج) والدتها وهي تبسط الفستان على السرير . رأت أن الزركشات الجميلة الرقيقة اليدوية الصنع تبدو مثيرة للسخرية !
" أمي لستُ أدري .. لكن .. ماذا تعرفين عن ((كوين) فولر) ؟ "
ثم تابعت وهي مشغولة في ترتيب الفستان فوق سريرها : " لا أعرف الكثير فقط ما قاله السيد (فولر) لوالدك . إنه يعيش مغترباً .. في لندن على ما أظن . يبدو أنه يمثل خيبة أمل كبيرة لآل (فولر) .. لقد رحل من هنا في ظروف غامضة . لكنهما , أقصد هو و (آلن) لا يزالان ملتصقان في علاقتهما ببعض .. لماذا تسألين؟ "
ابتلعت (بيج) ريقها . وقالت : " لا سبب محدد فقد ظننت ... و تثاقلت كلماتها ثم تابعت : " أمي . ماذا لو .. لو حدث أي شيء و جعلني لا أتزوج (آلن) ؟ "
ابتسمت والدتها وقالت بتأوه : " أووه .. لن يحدث أي شيء يا ابنتي .. "
" فقط افترضي .. ماذا لو غيرت رأيي ؟ هل سيزعجك ذلك ؟ "
بعد لحظة صمت قصيرة سألتها والدتها : " هل غيرت رأيك ؟"
هزت (بيج) رأسها , وقالت : " مجرد ... مجرد سؤال " ..
اجتازت (جانيت) الحجرة و وضعت ذراعيها حول ابنتها , وقالت : " (بيج) يا عزيزتي .. لكل عروس شكوك اللحظة الأخيرة " .
" أعرف , ولكن "
تابعت عينا والدتها عينيها , و سألتها بهدوء : " هل تريدين الحديث عن هذه الشكوك ؟ "
هزت (بيج) رأسه مرة أخرى و همست : " لا " ..
قالت والدتها دون أن تترك عيناها عيني ابنتها : " هل يقول لك قلبك بأن هذا هو كل ما في الأمر "
تلألأت الدموع في عيني (بيج) , وقالت بابتسامة سريعة : " أنتِ أم رائعة . هل حدث أن قلت لك ذلك من قبل ؟ " .. اغرورقت عينا (جانيت) أيضاً . وضحكت قائلة : " ليس كثيراً " , ثم قبلت وجنة (بيج) و قالت بلهجة مبتهجة : " والآن .. دعينا نلبسك فستانك , هل لنا أن نفعل ؟ الوقت يمر سريعاً " . رنت كلمات الأم لاحقاً في عقل (بيج) وهي تقف وسط حجرة صغيرة بالدور العلوي في منزل آل(فولر).
فعلاً, لقد مر الوقت سريعاً .. ترامت إلى مسامعها الأصوات المبكرة لمهرجان الزفاف من ناحية الدرج الخلفي : همهمة الحديث بين متعهد الأطعمة ومعاونيه .. صلصلة الأواني الفضية .. نغمات خافتة من موسيقى (فيفا ليدي) ..
في أقل من ساعة سيمتلئ المنزل بالناس .. وستتحرك هي ببطء , هابطة الدرج الرئيسي المزين بالورود .. فوق السجادة الطويلة الضيقة ذات اللونين القرنفلي والأبيض .. والتي تمتد فوق بساط الأوبوسون الجميل ..... وبجوارها (آلن) ..
ولكن قد لا يحدث أي شيء من هذا .. في أي لحظة سيُفتح الباب وسيواجهها (آلن) .. (آلن) و (كوين) .. وهاهي بمفردها .. ومستعدة .. لن يكون هناك متفرجين على عارها ..
لقد صرفت أمها بقولها : " اذهبي لترين ضيوفنا .. أنتِ تعرفين السيدة (فولر) .. ستبتلعهم أحياء لو لم تكوني هناك ! " بدا والدها متحمساً لتركها , وقال تعليقه بطريقة كئيبة و ثقيلة : " أنتِ تبدين رائعة " .. لدرجة رسمت الابتسامة الوحيدة على وجه (بيج) على مدى اليوم كله ..
نظرت (بيج) إلى ساعتها .. و أحست بلحظة رعب , هل يمكن لـ (كوين) أن يكون قد غير رأيه ؟! .. هل قرر ألا يخبر (آلن) بأي شيء ؟! .. هل تَبَقى أقل من ساعة تصبح زوجة لرجل لا تحبه .. رجل لا تستحقه ؟!
لا .. هذا مستحيل .. لقد رأت النظرة التي ارتسمت على وجه (كوين) لحظتها .. لقد كرهها و أحب أخاه .. لقــ ....فُتح الباب وصفق بشدة ...
هل هو (آلن) ؟ ...
استدارت (بيج) إلى الباب خافقة القلب . . و أحست بالدماء تهرب من وجهها ..
لم يكن (آلن) ..
لقد كان (كوين) .. وبمفرده ! ..
همست في هلع : ماذا تفعل هنا ؟ أين (آلن) ؟! .. "
" انفرجت شفتاه كاشفة عن أسنانه,وقال بهدوء : " ياله من أسلوب ساحر لتحية شقيق زوجك !"
كانت عيناه تمسحان جسدها بوقاحة : " انتِ تبدين جميلة حلوة يا جولييت . شديدة الصفاء و البراءة .. "
أحست (بيج) بالحرارة تلتهب في وجهها .. هل هناك طريقة للهرب من نظرة الاشمئزاز في عينيه .. لا بد لها أن تجد طريقة .. غير أنها لم تستطع أن تفعل سوى أن تنصب قامتها و تدفع نفسها لملاقاة نظرته دون إجفال .
" هل أرسلك (آلن) ؟ .. هل هو .. هل هو .. "
غربت الابتسامة من وجهه , وقال : " هو لا يعرف أنني هنا .. إنه لا يعرف أي شيء يا (بيج) .. أنتِ خدعتِ أخي الأصغر .. "
" تقصد ... أنك لم تخبره ؟ .. لكن ..
قال (كوين) بصوت أجش : " لن يصدقني (آلن) إذا أخبرته أنك مومس بابل حتى ... يعلم الله , أنني حاولت .. لقد أخذته لتناول الشراب بعد انصراف الجميع بالأمس .. لقد بالغت و أخبرته أنه يرتكب خطأ كبيراً .. غير أنه ضحك و لطمني على ظهري وقال أنه توقع أن أحاول أن أقنعه بالعدول عن الزواج .. وعندما قلت له أنني لا أظنك ملائمة له , ضحك مرة أخرى وقال أنني فقط أشعر بالغيرة من حظه الطيب " .
اكفهر وجهه و خفت صوته حتى أصبح همساً , و أضاف : " أنتِ لا تعرفين كم لزمني من الجهد كي امتنع عن إخباره بأن حظه هذا كان يمكن لأي فرد أن يناله في المكان والوقت الملائمين "
أصابها الاتهام في صميم قلبها , و همست : " غير صحيح .. ما فعلته معك ...
لوى شفتيه احتقاراً وقال : " تذكري أني كنتُ هناك , هل كان جلدك يؤلمك وكنتِ بحاجة لمن يحكه لك ؟ أهذا كل ما في الأمر ؟! " ..
شحب وجه (بيج) بينما تابع هو ساخراً : " ما ذا هناك يا طفلتي ؟ أهذا شيء بذيء جداً لأذنك الرقيقة ؟ " ...
" لا يمكنك أن تتحدث لي بمثل هذا .. أنتــ ... تحرك اتجاهها في تصميم حاد لدرجة أنها تراجعت . ولكن لم يكن هناك مهرب ! .. حتى اصطدم كتفاها بالحائط في نفس اللحظة التي أطبقت فيها يداه على ذراعيها ...
" ما الذي أوصلك لهذا (بيج) ؟ هل هي أسابيع من تمثيل البراءة على (آلن) ؟ أظن أن ذلك لم يكن صعباً .. إنه لم يثيرك , أليس كذلك ؟ لقد قلتِ لي ذلك صراحة .. "
ترقرقت الدموع في عينيها و هي تقول له في خضوع : " (كوين) أرجوك .. لم يكن الأمر بهذه الصورة ...
جذبها إليه قائلاً : " أكنتُ أنا من أثارك يا (بيج) ؟ أم استحوذت عليكِ فكرة أن يأخذك رجل غريب ؟ "
" أرجوك يا (كوين) .. أتوسل إليك ..
حدق فيها للحظة طويلة .. ثم دفعها عنه و تمتم .. " يا إلهي , أنتِ بارعة فيما تفعلين .. لا عجب أن سقط (آلن) تحت تأثيرك .. ذلك اللقيط التعس "
هزت (بيج) رأسها , وقالت : " أنا لم أكذب على (آلن) البتة .. لقد أخبرته أنـ ...
هز (كوين) رأسه غير مصدق , وقال : " ذلك الهراء المضلل الذي اضطررت للإصغاء إليه ليلة الأمس .. أنا فهمتك الآن سريعاً , و أصبحت منه في ثقة الجحيم يا جولييت . كل ما كان عليكِ أن مثلت الخجل .. و طرفت هذه الأهداب الطويلة .. وقلتِ (لا) كلما حاول أن يمد يده إليكِ , وبذلك كان
الدولة : عدد الرسائل : 51922تاريخ التسجيل : 08/12/2007المزاج : بطاقة عضوية :
موضوع: رد: الادب العالمي الأحد 21 نوفمبر 2010 - 23:26
عرض الزواج قد ضُمن تقريباَ "
" لم أكن كذلك يا (كوين) .. لقد أخبرته مراراً بأننيلا أحبه "
ضحك ساخراً , وقال : " يالها من لمسة بارعة .. لقد كاد يذوبخجلاً عندما أخبرني أنه كان يزمع تعليمك بعض الأسرار " ..
و ثنى رأسه تجاهها .. والكراهية تملئ عينيه .. و زمجر قائلاً : " لابد أن (آلن) كان هبة من السماء .. فرصتك في زوج غني ... و عقد تأمين لوالدك , كل ذلك في ضربة واحدة مُحكمة "
تأرجحت نظراتها المحدقة على وجهه , وقالت مندهشة : " عن أي شيءتتحدث؟ ما دخل والدي بهذا ؟ "
" لا تجربي هذه التمثيلية معي يا طفلتي . لن تجدي نفعاً معي .. فأنا أعرف كل شيء "
" و أنا لا أعرف أي شيء .. حتىأني لا أعرف ما تتحدث عنه يا (كوين) .. والدي ....
" لابد أن أعترف .. أنتي ورجلك العجوز كنتما ماهرين .. لم يشك (آلن) مطلقاً أنكما كنتما تستغفلانه "
تركها (كوين) و مشي ببطء عبر الحجرة . وقال : " يا إلهي , لقدحدثني عن مدى الإمتنان الذي يكنه تجاه والدك .. وكيف أنه كان بحاجة على صهر عندمابدأتِ أنتِ و هو تخرجان معاً , وكيف أنه لجأ إلى والدك "
" إن والدي يحب (آلن) .. إنه ...
دار على عُقبيه , و واجهها صارخاً : " لا تكذبي علي أيتها اللعينة "
التقطت أنفاسها بسرعة عندما بدأ يتحرك اتجاهها ببطءمرة أخرى . وقال : " فكرة من هذه يا جولييت ؟ فكرتك أم فكرة أبيكِ ؟ "
أنا لا اعرف ما تتحدث عنه !! "
كان فمها جافاً من الخوف ...
" اللعنة .. لكنه كان ماهراً .. ألقاك والدكِ في طريقه , ثم لعبتِأنتِ بجد لتنجحي .. و أنزلق الغبي في الشرك تدريجياً " ..
و مد يده فجأةو قبض على كتفيها , وتابع : " وعندما وقع في الفخ .. تُم حل المشكلة ببراعةلفريق الأب (جارونز) و ابنته " .
قالت بكراهية : " أنت مجنون يا (كوين) أريدك أن تخرج من هذه الغرفة الآن "
تجاهلها و تابع : " المشكلة الأولى :ماذا تفعل مع ابنة أقامت بعيداً بعض الشيء ؟ المشكلة الثانية: ماذا تفعل عندماتغوص يدك في خزانة النقود حتى مرفقك ؟ ما الحل؟ الأمر بسيط ... تغلف بضاعتك التيفقدت بريقها بغطاء أنيق من الطلاء .. وتزوجها للرجل الذي كنت تسرقه , من الذيسيطالب بتوقيع عقوبات جنائية على أحد أقاربه ؟ "
حدقت (بيج) فيه كمالو كان يتحدث بلغة بربرية , وقالت : " عقوبات جنائية ؟! عن أي شيء تتحدث ؟!! "
قال بلهجة حادة : " أنا أتحدث عن والدك إنه لص حلت عليه لعنة السماء "
قالت غير مصدقة : " أبي ؟!! ... أنظر , قل ما تشاء عني يا (كوين) .. أنا أعرف ما تظنه بي ولا أستطيع ... لا أستطيع أن ألومك .. و لكن والدي؟ لقد كانوالدي كبير المحاسبين بمؤسسة (فولر) لسنوات . إنه ...
" لقد كان يسرق مؤسسة (فولر) لسنوات ردت بسرعة : " أنت كاذب " ..
كانصوتها حاداً وغاضباً .. و أضافت : " أنت لا تعرف أي شيء عنه .. ولا تعرف أي شيء عنمؤسسة (فولر) أيضاً .. لقد هربت من عائلتك ومن مسؤولياتك .. "
اشتدتقبضة يده عليها حتى أخذت أنفاسها صوت الفحيح بين أسنانها .. التوت محاولة الفكاكمنه , وقالت : " أنت تؤذيني .. دعني اللعنة , دعني و إلا سوف ...
رفعيديه عنها بحذر زائد , وقال : " و إلا ماذا ؟ " وضحك قائلاً :
" ستطلبين النجدة؟ هل سترسلين في طلب الشرطة , سيكون شيئاً مُضحكاً , أليس كذلك ؟ ابنة المختلس والشرطة ! "
اجتذبت (بيج) نفسا قصيراً قبل أن تقول : " مختلس ؟!! "
" ما الأمر يا (بيج)؟ هل ترين أن الكلمة قاسية جداً ؟ .. هذا ما كانيفعله أبوكِ .. الجحيم .. لابد وأنك تعرفين القصة أفضل مني .. خُذ قليلاً من هنا وقليلاً من هناك .. هذا الحساب و تلك الحسابات المعلقة و بالطبع , وبأسلوب لا يشكفيه أي فرد على الإطلاق .. من سيمسك بك ؟ و خاصة إذا كنتَ أنتَ الرجل المسئول ؟ "
قالت بسرعة : " هذا مستحيل .. لو فعل ذلك أي إنسان فلابد أن يعرف (آلن) و والده .. من أنت .. متى تأتي من لا مكان و تدعي هذه المزاعم !! "
" أنا امتلك مؤسسة استشارية يا (بيج) . ألم يخبرك (آلن) ؟ مؤسسةكومبيوتر , أجهزة و برامج .. وتخصصي هو عمل النظم المحاسبية لمؤسسات مثل مؤسسة (فولر) .."
وعادت الابتسامة مرة أخرى سريعة و باردة : " عندما علم والديبعودتي لحضور زفاف (آلن) , رمى لي بعظمه , قال (لدي ما يمكنك عمله لقسم السجلاتبمؤسستنا) .. ربما لم يتوقع الكثير .. لقد أمضيتُ الأيام القلائل الماضية أضعبرنامج كومبيوتر ينقل مؤسستهم من عصور الظلمة إلى القرن الواحد و العشرين " .
حدقت فيه (بيج) . لم تفهم أياً مما قاله , وقالت : " ولكن .. (آلن) قال أنك ربما لا تصل حتى ...
" كان شديد الانشغال بكونه عريساً لدرجةأنه لم يعرف بما يحدث .. لقد جئتُ بالطائرة عشية الحفلة التنكرية الراقصة .. بالطبعلم يرني في تلك الليلة . ولم يرني أي إنسان .. وشكراً على تعذيبك المحدود لرغباتيعلى الشاطئ " . تخضب وجهها بالدماء و وضعت يدها على حلقها وهي تقول لهخافضة النظرات : " لم يكن الأمر كذلك أبداً .. أنت يا (كوين) ...
تجاهلمقاطعتها وأكمل كلامه : " منذُ ذلك الحين .. أمضيتُ تلك الأيام أضع فيها برنامجالكومبيوتر .. واكتشفتُ خطة والدك أول أمس " ..
و ارتسمت على شفتيه ابتسامهبسيطة وهو يقول : " هل تريدين سماع نكتة حقيقية ؟ عندما أدركت أن .. والد ((بيج) جارونز) .. حاولت فيما يشبه الجنون أن أجد طريقة لدفن ما وجدته .. لم أرد أن يعلم (آلن) و عروسه الجميلة أن والدها مختلس .. ليس قبل الزفاف مباشرة "
و حدقفيها قائلاً : " إذا كنتِ لا تصدقينني , فابحثي عن والدكِ , و اسأليه عما يسمى حساب (ميلينك) , و أنظري لرد فعله " . كان كل شيء يقوله (كوين) يُعد كثيراًعلى (بيج) المذهولة .. لا بد أن خطأ ما يتعلق بشان والدها مثلما (كوين) على خطأبشأنها .. لابد أن يكون على خطأ .. والدها لص ؟؟ .. مستحيل .. لا يمكن أن يسرق ...
(لا مغامرة يعني لا ربح) .
اقشعر جلدها .. كما لو كانتالأشباح التي تمخضت عن اتهامات (كوين) لها و لوالدها تحتك بها ..
لقد تصادف أكثرمن مرة أن استمعت في طفولتها لشجار بين والديها بعد منتصف الليل . كان ذلك دائماًلنفس السبب : تصميم والدها على عمل ربح كبير على نحو مفاجئ و سريع . كانت والدتهاتقول إنه يطارد ذهباً وهمياً .. ثم ينتهي الأمر بأن يعم الأسرة صمت بارد لأيام ..
ماذا لو خرجت خطط والدها من يده ؟ ماذا لو أن غرابة الأطوار أصبحتإدماناً ؟ ...
تتابعت ذكريات الشهور الأخيرة تتداعى خلال عقلها .. فكرت فيالطريقة التي ألقاها بها والدها في طريق (آلن) .. لم يترك ادعاء إلا و أتى به . . ثم كانت هناك التعليقات البغيضة المبهمة التي كان يلقيها خلال الأسابيع الماضية عنآل (فولر) و أموالهم .. وتوقفت لتتذكر أنه كان يتصرف بطريقة غريبة منذ عودتها إلىالمنزل ..
(كل ما في الأمر أنني أردتُ الأفضل لنا جميعاً)
الم يكن هذا ماقاله والدها غي تلك الليلة ؟ .. وقتها ضحكت وأغاظته بسخريتها من اختياره للكلمات . هل كانت زلة لسان ؟ هل كان تعبيراً عن ارتياحه إذ سيرتبط مع آل (فولر) , ويحتميبالزواج من حمل العار على الملأ ؟ وربما هو أسوا من ذلك ؟ ...
عرفت فجأةأنه من المستحيل البعيد أن يكذب (كوين) .. إن ما قاله لها كان الحقيقة .. ملأهاالرعب ..
والدها مختلس ..
لص .. قالت بصوتيائس: " ماذا تُريدني أن أفعل ؟ سأفعل أي تُريده يا (كوين) .. فقط عدني ألا تفضحوالدي .. "
عبست عيناه وقال بتأوه : " أوه لقد انتهت اللعبة .. لا مزيدمن الادعاء بأنك لا تعرفين ما أتحدث عنه يا (بيج) " لافائدة من الإنكارمع هذا الرجل !!
أجابه صمتها ..
أومأ (كوين) , وقال : " حسناً , لقدانتهت لعبة والدكِ الحقيرة . سأنظر في كتمانها .. إذا فعلت ما أقوله بالضبط "
أومأت بقلق وهي يتقول : " قل ما تريد " .
قال بصوتحاد : " أُريدك أن تخرجي من حياة (آلن) " ..
اتقد الغضب داخلها , وقالت : " أنت تظن أنك تعرفني يا (كوين) , ولكنك لست كذلك . كنتُ سأصبح زوجةصالحة لأخيك و ..
انفجر ضاحكاً , وقال : " زوجة صالحة ؟!!
تقصدينفي الظاهر فقط , أليس كذلك يا طفلتي ؟ زوجة ترقد باردة بين ذراعيه , لمجرد أن تحتفظبحبه لها ولهفته عليها .. بينما تقضي الليل كما تشاء خلال المدينة " .
لمعت الدموع على أهدابها , وقالت :
" لافائدة من هذا الحديث . أنت تريد أن أخرج من حياته . و هذا طيب .. سأخبر (آلن) بإلغاء الزفاف .. كنتُ سأفعلذلك منذُ أيام ... ضحك مرة أخرى , وقال : " أراهن أنكِ كنتِ ستفعلين "
التقت عيناها بعينيه , وقالت : " احضر لي (آلن) . سأخبره أنيأعدتُ التفكير في مسألة زواجنا و سأخبره ذلك بطريقة لا تؤذيه " ..
" تقصدين وسيلة لا تُطفيء هالتك , نعم , أستطيع أن أفهم الأمر الآن .. و عندما تنتهينأنتِ يكون هو جاثياً لدى قدميكِ يتوسلك البقاء و إعطائه فرصة ليُسعدك " . أمسكت (بيج) بذراعه وهو يمر بها في سيره في الحجرة و قالت : " إذنسأكتب له خطاباً "
توقف (كوين) واستدار لها و قد ثبًت عيناهبلونهما المزرق على وجهها . . و أسرعت تضيف : " سأخبره أني لا أستطيع أن أُتممالزفاف , ثم أغادر الآن في التو .. إن حقائبي هنا , بل و جواز سفري " ..
صمتت .. ولكنه لم يقل شيئاً , فتابعت : " سيجدي هذا , أليس كذلك ؟ سأبتعدلفترة . يمكنك أن تعود إلى .. إلى حيثُ كنت تعيش , و ... ابتسم راسماًخطين قاسيين على جانبي فمه الضيق حتى غاصت غمازاته عميقاً و قال بهدوء :
" رائع " ..
اندفعت يده تقبض على معصمها , وانفجر صوته غاضباً : " هل تظنينأن كل الرجال مغلين ؟ سأرحل .. وتعودين ؟ .. أليس كذلك ؟ ثم تقولين لـ (آلن) أنكغيرتِ رأيك و أنه ما كان ينبغي إطلاقاً أن تلغي الزفاف "
هزت (بيج) رأسها بشدة , و قالت : " لن أفعل .. اقسم أني لن أفعل "
صرخت عندمااشتدت أصابعه على عظام معصمها الرقيقة و شهقت : " أنت تؤذيني "
زمجر قائلاً : " حقاً ؟ " وجذبها إليه و أضاف : " بيقين الجحيم , أتمنى ذلك " " أنا لم أغر (آلن) بأي شيء . لقد أرادني " " هذه هي الحقيقة اللعينة , لقد أرادك " . والتوى فمه وهو يميل مقترباً منها , و تابع : " ومن هذا الرجل الذي لا يفعل عندما تسلطين عليه هاتين العينين ؟ .. لابد أن أعرف "
صارت وجنتاها الآن بلون القرنفل , وقالت : " أنت لست بريئاً فأنا لمأبحث عنك لأوقعك في شراكي ... التهبت عينا (كوين) , وقال : " عندمايُبدي رجلاً الاهتمام يا (بيج) , فإن المومس الأمينة تخبره بثمنها أولاً ..
" طـــااخ "
كانت يدها كالسهم وهي تطوحها و تلطم وجهه ...
دوى صوت ارتطام اللحم باللحم في الحجرة .. و همست : " أيها اللقيط " . و تحول لون عينيها البنفسجي إلى أزرق نيلي .. و تابعت :
" هل تعرف ما سأفعل يا (كوين) ؟ .. سأتزوج (آلن) سواء رضيت أم لم ترض , ولا يمكن لأي من أفعالك التافهة أن يوقفني .. أنت على حق تماماً .. سيصدق (آلن) أي شيء أقوله له " .
" سيصدق ما يقوله الكومبيوتر . إن والدك لص " . قالت ببرود : " ليس والدي هو من يريده أخوك . بل أنا .. و سيأخذني بناء على أي شروط .. حتى لو تضمنت العفو عن والدي . " اتصلالصمت بينهما للحظات .. ثم أومأ (كوين) , وقال : " أنتِ بارعة يا (بيج) , ولكن ليسبدرجة كافية .. لقد نسيتِ شيئاً واحداً " ..
و ابتسم ابتسامة بغيضة , وقال : " مرحنا الصاخب على الشاطئ في تلك الليلة .. شيء ما يقول لي بأن (آلن) لن يريدكبعدما أخبره بذلك " . ارتفعت ذقنها , وثبتت نظرتها على عينيه , وقالتبهدوء : " إذا فعلت فسأضطر لإخباره بأنك قد فرضت نفسك عليً . وكيف أنك كدت تغتصبني ...
هاه من تعتقد أنه سيصدق عندها ؟ "
و للحظة ظنت أنهاقد أسرفت في الضغط عليه . اكفهر وجهه .. وجمدت عيناه و كأنهما من زجاج ..
أعدت (بيج) نفسها لهجومه .. و في نفس اللحظة التي تيقنت فيها من أن قلبهاسيثب من صدرها ..
فعل ما لم يكن متوقعاً .. ابتسم ... قال بصوت مرح خفيض : " جميلتي .. جولييت الرائعة .. شكراً علىإظهارك وجهك الحقيقي .. من الصعب النظر إلى هاتين العينين و تخيل أي مومس حقيرةأنتِ " .
التوت يده بإحكام أكثر على معصمها و تابع : " أنتِ على حق .. سيصدق (آلن) أكاذيبك أياً ما كانت , وعندئذ ستفوزين أنتِ و والدك اللص بكل شيء "
ولوى (كوين) معصمها تجاهه قائلاً : " أنا على حق . أليس كذلك ؟ " .
تألم معصمها تحت وطأة قبضته , ولكن ليس بقدر تألم قلبها ..
فكرت في وقت رغبتها أن يسقيها هذا الرجل من حبه .. وكيف كانت قد هجرتملاذها الأمن بين ذراعي (آلن) ..لتهرب إليه ..
أما الآن ..
أما الآن ..
" كم أكرهك "
هذا ما أحسته .. ولكنها لم تقله ..
ردت على سؤاله : " نعم .. ولن تستطيع عمل شيء ..
و أنبهك إلى أن زفافنا اليوم "
ضحك بهدوء , وقال : " أنتِ على حق " .
ثم بدأت ذراعاه تحيطان بها وتحتجزانها أمامه .. وهويقول لها :
" بحق لعنة الله على الشيطان .. سيكون هناك زفاف اليوم ..
ولكن ليس في هذا البيت ..
وليس بينك وبين (آلن) المسكين .. "
ثم توقف وارتسمت بسمة على شفتيه دون أن تدفئ إطلاقاً من برودةعينيه ...
و استطرد : " أنتِ لم تتركي لي خياراً يا (بيج) ...
هناك طريقة واحدة لإيقافك عن ألاعيبك ..
ستتزوجين..
وستكونين عروس جميلة في يومها الخاص ..
و ستصبحين زوجتي أنا .. "
حدقت فيه ذاهلة ..
و في مكانما من أرجاء المنزل المترامية .. سمعت ما يشبه ضحكة مدوية .. و تساءلت هي في ذهول .. إذا ما كان الجميع قد سمع ما قاله هذا المجنون , و أنهم يضحكون على هذه النكتة البشعة ..
"مم .. ماذا ؟!! "
هزها ...
بالأمس .. كانت تلهث بالرغبة لدى لمسته .. أما الآن .. فإن لمسته ترعبها ..
ابتسم هو .. و أدركت هي أنه قد أحس بخوفها .. و أنه استمد منه السرور .. " لقد أفقدتك السعادة القدرة على النطق , أليس كذلك ؟ " اختفت الابتسامة منه , و كأنها مصباح كهربائي قد انطفأ .. ثم تابع :
" لا يوجد وسيلة أخرى أستطيع بها حماية أخي منك " .. حدقت فيهتنتظر الضحكة التي تخبرها بأنه كان يلقي بعضاً من الترهات التافهة .. ولكن بدتعيناه بلا أي تعبير ..
" أنت ... أنت لا يمكن أن تكون جاداً "
جاد إلى حد الموت يا جميلتي جولييت "
بدأت خفقات قلبهاتتسارع , وقالت : " أنا ... أنا لابد أن أكون مجنونة كي أتزوجك "
أمال (كوين) رأسه جانباً , وقال بهدوء : " أو يائسة .. إلى أي مدى ستذهبين لتنقذي والدكمن السجن ؟ " ..
" أنت لن ... ابتسم ابتسامة عريضة , وقال : " ألن أفعل ؟ الضيوف ينتظرون بالطابق الأرضي . كل ما ينبغي فعله هو إلقاء بيانقصير ... (مساء الخير جميعاً .. أخشى أن يكون الزفاف قد أُلغي .. كما ترون , فإنوالد العروس مختلس , ولابد أن أبلغ الشرطة وقد طلبت مني العروس أن أخبركم بأنالعريس سيتزوجها على أية حال , في نفس الوقت الذي يتبرأ فيه والد العريس من والدهاويفصله من المؤسسة , وذلك لعدم الرغبة في أن يكون هناك لص من ضمن العائلة .. آسفإذا كان ذلك قد أفسد يومكم , ولكن فقط أنظروا إلى ما فعلته العروس و والدها "
" أيها اللقيط "
" يالها من مفردات قوية تلك التي تملكينهايا (بيج) . سيُصدم (آلن) عندما يسمع هذه الكلمات تنساب من فمك الرقيق "
" ألا تقلق بشأن أذية (آلن) ؟! " هز كتفيه في استخفاف , وقال : " إن زواجك منه سيؤذيه أكثر "
" سيكرهك . كل عائلتك ستكرهك . إنهم ... " " انفرجت شفتاه في ابتسامة باردة , و قال : " لقد رأيت ماهو أسوأ " قالت في محاولة أخيرة يائسة : " سيظل (آلن) يريدني يا (كوين) . سيحاول استعادتي "
" ليس وأنتِ زوجتي .. ملكي .. شيئاً قد أصبح لي أنا "
" لن يسكت (آلن) عن ذلك أبداً .. سيظل ...
" كفي عن ذلك .. عندما تنتمين إلي يا (بيج) , فإن أي رجل يريد أن يحتفظ بعافيته لن ينظر إليكِ مرتين , بما في ذلك أخي الأصغر "
مسحت عيناه وجهها الجميل .. ثم انطلقت تمسحجسدها الرشيق و الذي يبرزه فستان زفافها الناصع الرقيق .. وعادت مرة أخرى علىعينيها .. ولوى شفتيه مبتسماً و قال :
" كنتِ تريدين أحد أبناء (فولر) , ولقدحصلتِ على أحدهم ..
صدقيني يا (بيج) الشخص الذي حصلتِ عليه هو من تستحقين "
ارتعد قلبها رعباً من المستقبل الآتي إليها مع هذا الرجل , وهمست بذل :
" لا يمكنك أن تفعل هذا .. سيبدأ الزفاف حالاً .. الجميع ينتظرون .. (كوين) , أرجوك , يجب أن تنصت لي .. والدك .. والدي ...
" لا تنسي التعويضات يا (بيج) "
عندما رأت ما بعينيه بدأت تقاومه , و لكن غلبتها قوته ..
جذبها إليه و التهمها في رسالة وحشية لا وجود للرقة فيها ..
لقد قصدبقبلته تلك تعيين حدود علاقتهما .. و أنه سيمتلكها .. و أنه لا يوجد ما يمكنها عملهحيال ذلك بالمرة ..
" هل تفهمينني ؟ " وضعت (بيج) يدها علىفمها .. ومسحته . وهمست : " كيف استطعتُ في لحظة ما أن أرغب في أن تلمسني ؟! " ..
ملأت الدموع عينيها و سالت على وجنتيها في ثوان .. ومض شيء في عينيهالزبرجديتين .. ولكنه اختفى بنفس السرعة التي ظهر بها ..
قال بلهجة جافة : " أريد أن نخرج في خمس دقائق . بدلي فستانك حالما أكتب كلمة لـ (آلن) .. سأمليككلمات تكتبينها له و لوالديك .. سأجعل الأمر يبدو كما لو أننا لم نستطع منع أنفسنا .. سيظنون أننا لا نستطيع الحياة بعيداً عن بعضنا " . أرسلت ابتسامتهقشعريرة في دمها , و أضاف : " يكاد ذلك يكون الحقيقة , بطريق ملتو بعض الشيء , أليسكذلك يا جولييت الجميلة ؟ "
" عزيزي اللورد كم أكرهك ! "
" ربما يمكن للقاضي الذي سيعقد قراننا أن يضيف هذه الكلمات لقسيمة الزواج . . صدقيني الشعور متبادل " .
التقت عيونهما و ثبُتت , ثم دفعها (كوين) عنه ...
قال بسرعة و حِدًة : " بدلي ثيابك . أسرعي " .
حدقت فيه بعجز , وقالت : " أدر ظهرك ..
ضحك (كوين) وقال : " عروس خجول .. هذا بالضبط ما كنتُ أريده تماماً " ..
ولكن فعل ما طُلب منه .. وعندما ارتدت ثيابها التي سترحل بها بعيداً , استلت (بيج) ماسة (آلن) و وضعتها بهدوء على المنضدة .
وتحت بلوزتها الخضراء الحريرية ... كانت ياقوتة (كوين) لاتزال ملتصقة بها ...
الدولة : عدد الرسائل : 51922تاريخ التسجيل : 08/12/2007المزاج : بطاقة عضوية :
موضوع: رد: الادب العالمي الأحد 21 نوفمبر 2010 - 23:30
==الفصل الخامس==
((قولي مرحبا لزوجتي))
تابعت (بيج) (كوين) و هو يتناول ورقة وقلماً من درجمكتب صغير . " عزيزي (آلن) " كتب هذه الكلمات بيد ثابتة قوية .. سرت رجفةخلالها و أشاحت بوجهها .
لا يمكن أن يحدث هذا . . هل هو حلم سرعان ما تستيقظمنه .. ولكن صوت احتكاك القلم بالورقة كان حقيقة مثل منظر فستان زفافها وفد تكومفوق الفراش .. راقبت (كوين) وهو ينهي الصفحة الأولى من الخطاب ويبدأ الصفحة الثانية .. يا إلهي .. لا بد أن هناك طريقة لإيقافه .. إنه لا يستطيع أن يفعل بهاذلك بالفعل .. إنه لن يفعل .. لن ..
لا بالطبع لن يفعل .. إنها مجرد حيلةصغيرة لا غير .. لقد أراد (كوين) أن يتأكد أنها قد اختفت من حياة شقيقه إلى الأبد .. هذه مجرد ميلو دراما للتأكد من ذلك ..
مات أملها اليائس بمجرد أن أنهى (كوين) الكتابة .. رفع بصره و دفع الخطاب باتجاهها و قال .. " وقعي عليه "
نظرت لها مشدوهة و قالت : " أنت ... أنت لا يمكن أن تقصد ...
نفذتعيناه داخلها بنيران باردة وقال بهدوء : " هل غيرتِ رأيك يا (بيج) هل تفضلين أنأهبط إليهم و ألقي بياني عليهم ؟ "
هزت رأسها وقالت : " لا .. لا يمكن ..
" وقعي الخطاب يا (بيج) "
تقدمت خطوة نحوه وتناولت الخطاب .. ارتعشت يداها وهي تقرأ الكلمات التي يفترض أنهما قد كتباها معا .
بدتالكلمات كأنها ستقفز من الصفحة ..
" في الوقت الذي تقرأ في هذا الخطاب .. لا يمكنني إتمام زفافنا .. لا أريد أن أؤذيك .. كنتُ دائماً أريدك ولكنني وقعتُ فيالحب مع (كوين) " .
قالت : " لقد قلت أنني أستطيع أن أكتب لـ (آلن) بنفسي "
كانت ابتسامته مقتضبة وهو يقول : " غيرت رأيي .. دعينا نذهب يا (بيج) .. وقعيه " .
اهتزت الورقة وسقطت من يدها .. التقطها (كوين) ودفعها إليها , وزمجر : " وقعيه ! " .
" (كوين) "
صار صوتها أجشاً .. " (كوين) أرجوك .. أتوسل إليك .. لا تجبرني على فعل ذلك .. أقسم بأنني لن أتزوج (آلن) .. أنا لاأحبه أساساً .. لم أحبه على الإطلاق .. و والدي .. ربما يستطيع أن يقدم تفسيراً .. ربما .. "
كانت عيناه مظلمتين و عميقتين , وقال : " ربما يتقدم به العمر فيالسجن .. وقعي الخطاب يا (بيج) "
كان صوته ناعماً .. قرأت التهديد فيعينيه .. وعندئذ تناولت الورقة منه .. وبسرعة .. وفي خط مضطرب .. خربشت اسمها بجواراسمه .
لوى فمه قائلاً " " لديكِ دقيقتان فقط لتكتبي لولديكِ .. ولن يصبأبوكِ لعناته عليكِ طالما أنك ستتزوجين بواحد من أبناء (فولر) مما سيضمن سلامته " .
كتبت (بيج) الخطاب إلى والدها و والدتها .. ولكنها كانت كلمات موجهة إلى (جانيت جارونز) .. بناء على (آلن)صيحة التي قدمتها لها والدتها هذا الصباح .. لقدصنعت منها كذبة مؤثرة ..
" لقد أُغرمت بـ ..
توقفت يدها , وارتجفت .. و ضحك (كوين) , وقال : " اكتبي اسمي يا جولييت , ربما ستتعودين عليه " .
التقطت (بيج) نفسا عميقا , وكتبت :" ... مع شخص آخر .. لقد فعلت مثلماقلتِ لي يا أمي .. و اتبعت قلبي .. "
كانت أنفاس (كوين) دافئة علىوجنتيها بينما ينظر من فوق كتفيها ليقرأ ما تكتبه , وقال : " حسناً .. لن تبقى عينجافة في المنزل بعدما يذاع هذا "
عندئذ بدأت تصدق لأول مرة أنه فعلا قديأخذها معه بعيدا.. قفزت نبضاتها التي تدق في تجويف حلقها متجاوزة الاحتباسالمفاجئ لدمها .. مسحت كفيها الرطبين في التنورة الحريرية لثوب رحيلها .. وراقبت (كوين) وهو ينتزع نفسه من سترته الرمادية الداكنة ويطوحها جانباً ..
همست : " ماذا تفعل؟! " . انتقلت أصابعه بين أزرار قميصه المنشى .. و قال : " أبدل ملابسي .. كانت هذه حجرتي .. لابد أنه قد بقي بخزانة الثياب شيء يمكنني أنأرتديه " ..
ثم همهم بصوت خافت : " ها هي .. "
واستدار مبتسماًابتسامة جافة .. وطوح على الفراش بذلة قطنية مخملية الزغب , و أضاف : " ربما تكونضيقة ولكنها أفضل من التجول في نيويورك في صباح نهاية الأسبوع بمعطف مشقوق الذيل " .
تلوى نازعاَ قميصه و طوح به وراء سترته .. سدد نظراته لعينيها الذاهلة .. فتورد وجهها خجلاً و أدارت له ظهرها ..
" نيويورك؟!! "دمدم (كوين) وسمعت فحيحه المستهجن , و كرر : " نعم .. نيويورك ثم لندن . " لندن .. بالطبع حيث يعيش .. لو كان يخطط فعلاً لإتمام هذاالأمر .. فهذا هو المكان الذي سيأخذها إليه .. ابتلعت ريقها عقب الضحكة العصبيةالتي صعدت إلى حلقها ..
لقد اعتذر (آلن) عشرات المرات عن اضطراره لأخذها إلىأميركا الجنوبية بعد زواجهما .. لكن ها هو (كوين) .. على وشك أخذها إلى إنجلترا دونكلمة واحدة تقريباً !
قال بحدة : " دعينا نذهب " ..
رفعتبصرها عندما فتح الباب .. كان واضحاً أن البذلة القطنية ترجع لما قبل اكتمالنموه .. كانت السترة قصيرة و ضيقة .. و بدا درز الخياطة كأنه سينفجر حول كتفيه ..
خالجها شيء أشد وطأة من الخوف .. تراجعت خطوة .. وقالت : " لن أذهبمعك .. لا تستطيع أن تجبرني ... "
لم يقل (كوين) شيئاً .. بل قبض علىيدها وجرها إلى الباب .. وخرج صوتها فحيحاً : " أيها اللعين لن تفلت دون عقاب ! "
ضحك بهدوء : " ألن أفلت دون عقاب يا جميلتي جولييت ؟! أنتِ تصورينالأمر كأنني أسرقك .. هل تتذكري أنكِ معي بملء إرادتك الحرة ؟ أنتِ لا تستطيعينالحياة بدوني .. "
ثم لوح بالورقة أمام عينيها وهو يقول لها بإغاظة : " هذاما تقوله هذه الورقة "
ثم تابع في صوت بارد : " و هذا ينطبق على والدكِتماما .. فهو لا يستطيع الحياة بدوني "
كانت سيارته المؤجرة تقف فيالشارع الهادئ خلف منزل آل (فولر) .. دوى صوتها كأزير منشار عندما أدار المحرك .. ونظرت هي تجاه المنزل .. متيقنة أنها رأت شخصاً ما يعدو خلفهما .. لكن كانالمنزل يرقبهما بنوافذ زجاجية خاوية..
و سرعان ما كانا ينطلقان بسرعة بينشوارع الضواحي الهادئة .. و عندما وصلا الطريق السريع .. ضغط (كوين) بقدمه حتىكادت تلمس أرضية السيارة التي قفزت كأنها حصان سباق .. و على طوال الطريق لميتوقف سوى مرة واحدة في محطة خدمة .. بينما جلست هي في السيارة و قد استحوذت عليهالامبالاة غريبة .. تراقبه وهو يجري مكالمة هاتفية من كشك الهاتف .. كان حديثهمفعماً بالحيوية .. و أحست أنه يتجادل مع شخص على الطرف الأخر .. ولكنه ضحك أخيرا .. وضرب بيده جدار الكشك .. ثم وضع السماعة ..
بعد أقل من نصف ساعة .. كانايقتربان من البنك المركزي في الجانب الشرقي من (منهاتن) .
أبطأ (كوين) السيارة , ثم توقف بجوار الرصيف أمام منزل كبير من الحجر الأسمر , ثم خرج من الظلامرجل يقاربه في السن و إن بدا أكبر قليلاً .. و حدق في السيارة , ثم ابتسم لـ (بيج) . قال : " لا عجب في أن تكون على عجلة يا صديقي .. حسناً , اتبعاني من فضلكما "
ركب الرجل مرسيدس صغيرة كانت تنتظر بجوار الرصيف , و انطلق إلى الطريق .. تدافعت عشرات الأسئلة في رأس (بيج) .. ولكنها لم تشأ أن تمنح (كوين) شعورابالرضا الذاتي إذ هي وجهت له أسئلتها .. لا بد أن تباد صمته بصمتها ..
شقتالسيارتان طريقهما في زحام المدينة من الجانب الشرقي إلى الجانب الغربي .. حتى وصلتجنوب (منهاتن)..
و أخيراً.. و في منطقة مخصصة لمباني البلدية .. اقتربصاحب (كوين) من الرصيف ثم توقف .. و كذلك فعل (كوين) ..
قال لـ (بيج) : " انزلي "
كانت كلمته الأولى لها منذ ساعات .
ابتسم الرجل لها ابتسامةعريضة و هي تخطو إلى الرصيف .. ثم نظر إلى (كوين) .. و هنا وجه (كوين) لهاابتسامة خاطفة وهو يسألها : " هل أنتِ متأكدة من أن هذا ما تريدينه يا صديقتي ؟ .. عفواً .. يا محبوبتي ؟ .. إن هذه خطوة ضخمة بكل ما في الكلمة من معنى , ويجب ألاتؤخذ ارتجالاً " .
بدأت نبضات (بيج) تتسارع , وهمست : " (كوين) ؟. . "
استدار لها بوجه بارد غير مبتسم .. و قال : " كان (جيم) زميل دراستي , وهوالآن الرجل الأول في مؤسسة (مايور) . "
جف حلق (بيج) , وكررت : " (كوين) ؟ .. "
و هذه المرة ارتسمت على فمه ابتسامة ساخرة ..
" لقد تم إعداد كلشيء .. يمكننا أن نتزوج الآن .. "
تابعت عيناه عينيها .. و التقطت شهيقاًصغيراً عندما رأت فيهما بريقهما الأخضر الزرقاوي .. ثم أضاف : " أليس هذا نبأرائع يا محبوبتي ؟ "
" لكن .. أنا ظننت .. " لماذا بدت شديدةالذهول ؟ لقد أخبرها من قبل أنه سيتزوجها . بل إنها بدأت تصدقه خلال الساعتينالأخيرتين . و أحست و هي تحدق فيه أن هذا الأمر يمكن أن يحدث بهذه السرعة معه .. مع (كوين) فقط .. و دون أن تدري كانت تعد الثواني مثل رفيقها ..
" ولكن هناك تصاريح و قوانين و اختبارات دم و ...
و في صوت شاحب كأنما يأتي منمسافة بعيدة , سمعت ضحكة (جيم) المتحيرة و هو يقول لـ(كوين) : " هيه يا صديقي .. لقد ظننت أنك قلت أن السيدة ستكون سعيدة ! "
قال (كوين) : " هي كذلك " .. وأحاط عنقها بذراعه , وتابع : "هي فقط صامتة . أليس كذلك يا (بيج) ؟ " .. كان صوتههمسة ضبابية وهو يضمها إليه .
إنسدلت أهداب (بيج) على وجهها .. أرادت أنتضربه .. أن تدق صدره بقبضتيه .. و لكن كان هناك وهن جميل يسري خلالها ..همست : " لا تفعل ..
الدولة : عدد الرسائل : 51922تاريخ التسجيل : 08/12/2007المزاج : بطاقة عضوية :
موضوع: رد: الادب العالمي الأربعاء 24 نوفمبر 2010 - 19:57
****رواية أيظن؟ - بربارة ماكماهون -
كانت "موللي" على شفير الانهيار وهي تسير على الرصيف المزدحم أمام فندق.ماغيللان. باتجاه ساحة "يونيون" وكانت أفكارها مشتتة في ألف اتجاه واتجاه. لم تكن تريد أن تصعد إلى الحفلة و لكن عدم ذهابها سيكون جبنا , ويزيدالأقاويل التي وقعت ضحيتها طوال الأشهر الثلاثة الماضية إنها حقا لا تريد أن تضيف المزيد إلى ذاك النهار! وقفت سيارة أخرى أمام مدخل الفندق الرئيسي .تقدم الحارس ليفتح باب السيارة فرأت موللي هارولد ساتين و زوجته و هو أحد أصدقاء جاستين و من المتنفذين في شركة.زنتك.التي يعملون جميعا فيها.وكان من سوء حظها أن رأياها في اللحظة نفسها التي رأتهما فيها. كان الزوجان في طريقهما الى حفلة.زنتك.وهي الحفلة التي يفترض بها أن تصل اليها منذ حوالي 10 دقائق , وسألها هارولد وهو يقف بجانبها : - مرحبا يا موللي هذا هو المكان أليس كذلك؟ فأجابت وهي تبتسم لزوجته بأدب: - في الطابق الخامس والعشرين. سألها : - هل نذهب معا؟ فأجابت كاذبة بسهولة غير عادية: - أنا بانتظار شخص. - آه ظننتك لوحدك ! جاهدت كيلا لا يبدوالعبوس على وجهها. هل أصبح العالم كله يعلم عن ذلك الانفصال الكبير؟ حسنا هذا طبيعي فقد حرصت بريتاني على ذلك. مسكينة موللي! ذلك أن بريتاني لم تكن تقصد أن تقف حائلا بينها و بين جاستين, ولكن عندما وقعا في الغرام ماذا كان بإمكانهما أن يفعلا؟ ألقت هذا السؤال على كل شخص يمكنه أن يسمع , وعادة عندما كانت موللي في مرمى السمع هي أيضا. و كررت: - لا, أنا في انتظار شخص . و مضت تبحث بعينيها بين المارة في الشارع المزدحم. فقال هارولد: - سنراك هناك إذن. بقيت تنظر اليهما بابتسامتها المهذبةالزائفة حتى ابتعدا, فتنهدت ارتياحا. ظهورها في الحفلة ضروري, و تمثيل دور المرأةالمبتهجة ضروري أيضا.فقد كانت الفكرة من تصميمها على كل حال و أفكارها المبتكرة هي المحور الأساسي في التوقيع على احد العقود المربحة للغاية مع شركة "مشاريع هاماكوموتو" الضخمة. أليس ذلك ما جعل بريتاني تغضب؟ ذلك أن المرأتين كانتا في القسم الفني من "زنتك" وهي شركة رفيعة المستوى و رائدة في تقديم الأفكار للصناعيين.و منذ اليوم الأول لموللي في العمل أضمرت لها بريتاني تايلور الأذى لها. بعد سبع سنوات تقريبا كان المفروض أن تشعر موللي أن وضعها أصبح منيعا و لكن إغواءبريتاني لجاستين كان القشة التي قصمت ظهر البعير كما يقال. لن تستسلم موللي لنظرات الشفقة و تمتمات المواساة لانفصالها عن جاستين. لم تعد الآن (الآنسة اللطيفة) كمايطلق عليها.... سوف ترد الصاع صاعين. ابتدأت حفلة الافتتاح منذ عشرةدقائق.الصحفيون و الإعلاميون و المتنفذون كلهم كانوا على قائمة المدعوين . كل شخص مميز سيكون هناك! بما في ذلك جاستين موريس... و بريتاني ! سارت موللي على الرصيف و الأفكار تتقاذفها.ربما عليها ان تختفي لمدة أسبوعين ثم تخبرهم انها تعرضت للخطف او ربما يمكنها ان تقول انها وقعت و التوى كاحلها, او ربما بإمكانها تبني الفكرةالتي عرضتها عليها جارتها شيلي , و هي ان تدعي انها مخطوبة ولكن خطيبها لم يستطع القدوم معها .بإمكان هارولد ان يشهد انه رآها فعلا على الرصيف بانتظار شخص ما . كان الأمر محزنا... ربما هي المرأة الوحيدة في سان فرانسيسكو التي لم تستطع ان تجد مرافقا يصطحبها إلى احتفال مهني. لكن الرجال الذين تعرفهم إلى حد يجعلها تطلب منهم ذلك, يعملون في شركة "زنتك" نفسها. و آخر ما تريده هو ان يعرف أي شخص في الحفلة انها تفكر في ذريعة لتخفف بها الأذى الذي سببته لها بريتاني. عادة, لم يكن ذهابها وحدها إلى حفلة تقيمهاالشركة شيئا مهما على الإطلاق,كان ذلك قبل مؤتمر الأسبوع الماضي حين طعنت بريتاني في قدرة موللي على الاحتفاظ بمشروع طويل الأمد و كأن موللي هي التي تخلت عن جاستين! صرفت موللي بأسنانها وهي تفكر في بريتاني و الآخرين و هم حول المائدة ينظرون إلى بعضهم البعض.إنها تعرف أن ذلك غيرة مهنية ذلك أن أفكار بريتاني لم تقبلها الشركةبعكس أفكار موللي. منذ أربعة أشهر كانت موللي قد ابتدأت تفكر في حفلة الزفاف حين كان جاستين يواعد بريتاني خفية و هكذا تبددت أحلام موللي عند علمها بالحقيقة.إذاكان يريد بريتاني تايلور فليذهب اليها! و الأسوأ من ذلك انها وجاستين و بريتاني يعملون في الشركة نفسها.وقد شاهد الجميع موللي و جاستين معا في حفلة عيد الميلادالماضي. لكن الجميع يعلم الآن ان بريتاني باتت الآن حبيبة جاستين. قطبت موللي جبينها فقد ساءها ان تشعر انها منبوذة بينما جاستين يستعرض امام الجميع و يتباهى ببريتاني بالغة الجمال. غبية,غبية,غبية! كان عليها ان تكون اكثر حكمة فلا تتواعد مع أحد زملائها في العمل. في كل مرة تراه الآن في الشركة تتذكر كيف كان يحوم حولها. وتفكر في انها لم تكن بالنسبة اليه سوى واحدة من كثيرات و أن بريتاني ستلقى النهاية نفسها ذات يوم و لكن ليس الآن.المتوقع من موللي الآن ان تظهر في الحفلةوتتصرف و كأن الحياة على خير ما يرام. تنفست بعمق و قررت ان تواجه الأمر بأحسن ما يمكنها من ذكاء. نظرت حولها مرة أخيرة وكأنها تتوقع معجزة وادركت انها ستحضر الحفلة وحدها إلا إذا تمكنت من دعوة رجل غريب وسيم. لقد حان الوقت لتلبس محبس الخطبةالذي أحضرته معها مصرة بكل وقاحة على انها مخطوبة, إلا إذا تمكنت بريتاني من كشف هذه الخطة. فهذه المرأة ليس من طبيعتها الجلوس بصمت لتدع الآخرين يتابعون حياتهم. انها تحب ان تتأمل و تستنتج و تطيل التفكير بخبث. و تملكها الغضب... لو كان جاستين يكن لها ذرة من المودة لما حضر هذه الحفلة التي كان يفترض ان تكون تكريما لها هي,لاان يأتي حبيبها السابق الذي يعرف الجميع كل شيء عنه مع حبيبته الجديدة ليسلباالأضواء منها بكل دناءة. أملت ان تنجح من صون ماء الوجه امام رجال الأعمال المتنفذين فرفعت رأسها و دخلت رأسا الى بهو الفندق المزدحم حيث لفت نظرها لافتة تشير الى اليسار كتب عليها "مقهى ماغيللان". كان المقهى خاليا الا من رجل وامرأة في شهر العسل يجلسان الى مائدة بجانب الجدار و رجل يتكئ على البار يتحدث الى النادل.كان واضحا ان الوقت لا يزال مبكرا. سارت الى البار و جلست بحذر على المقعد المرتفع .ترك الساقي حديثه و توجه اليها قائلا بابتسامة ودود: - " هل من خدمة؟" فكرت بكآبة لا بد انه لا يعلم شيئا عن مسألة بريتاني ووضعها هي, والا لاستحالت ابتسامته الى شفقة: -"أريد كأسا من الصودا..لا, انتظر فأنا اكره الصودا ... اعطني كأس عصير حالا..لا,انتظر ربما فنجان قهوة يفي بالغرض...لا, انتظر حضر لي كوكتيل عصير..." فسألها الساقي: - "ما الذي تريدينه حقا؟" - ما أريده حقا, حقا ... هو رجل طويل أسمر خطر قالت هذا بكآبة متمنية لو أن بإمكانها ان تأمر بإحضار خطيب مؤقت بنفس السهولة التي تطلب بها كأس شراب .نظرت الى ساعتها فوجدتها تشير الى الرابعة و النصف تقريبا.اذا لم تذهب الى الحفلة حالا فسوف تبدأالأقاويل. فقال: - " ما رأيك بأشقر ودود؟" - ماذا؟ نظرت الى عينيه الزرقاوين اللامعتين تحت شعره الكثيف الأشقر. بدا لها رجلا ظريفا للغاية و لكن ليس من النوع الشاعري. - لا اما ان يكون أسمرا طويلا خطرا و اما لا شيء على الاطلاق. سألهاو هو يحضر لها الكأس : - "لديك مشكلة؟" - و هل كل من يأتي الى هنا لديه مشكلة؟ - فقط أولئك الذين يأتون مع الرابعة عصرا. ووضع الكأس امامها: - " وانا شبه عالم نفسي." - هممممم ... ارتشفت بعض العصير و نظرت الى ساعتها مرة أخرى, كان الوقت يتأخر.أترى بريتاني بدأت بالحديث والتحريض عليها؟ انها تسمع تلميحاتها السيئة و الخفية و ترى البراءة في عينيها الواسعتين و هما تدعيان العطف. وتساءلت موللي ان كان بامكانها مواجهة مبارة أخرى. سألها الساقي: - " هل تنتظرين رجلا في موعد؟" - يا ليت! المفروض ان اكون في حفلة زنتك في الطابق الخامس و العشرين. عادت ترشف كأسها, و فتحت حقيبة يدها و أخرجت منها خاتم جدتها و نظرت اليه ثم نظرت الى الرجل: - "اذا انا لبست هذا هل ستظنني مخطوبة؟" - وهل أنت مخطوبة؟ - ليس هذا هو الموضوع, ماذا كنت ستظنني؟ - كنت سأظن أن امرأة جميلة مثلك مقبولة بخاتم خطبة أم من دونه طرفت بعينيها و ابتسمت: - " أوه, ربما الأشقر الظريف سينفع على كل حال." غمزها مشيرا الى الطرف الآخر من البار, فنظرت الى هناك فرأت رجلا أسمر عابسا.تأملته لحظة,فرأته ملائما ... انه طويل اسمر خطر حتما. بدا أشبه بقرصان في بذلة عمل. لم يكن وسيما بالضبط و لكن هالة الغطرسة التي تحيط به بامكانها أن تردعبريتاني و تعيدها الى حجمها. من تراه يا ترى؟ وعادت تنظر الى الساقي الودود: - " إنه ينفع" - أتظنين ذلك؟ - هذا اذا توقف عن العبوس ليبدو خطيبا مغرما.لكنني لظنني سألبس الخاتم و اعتذر من الحاضرين. - عم تعتذرين؟ - سأقول ان شيئا طرأ في اللحظة الأخيرة فلم يستطع خطيبي الحبيب ان يحضر. - وما الحاجة الى خطيب حبيب؟ سألها وهو يتكئ على البار مستعدا كما يبدو للإصغاء حتى النهاية.عادت تشعر بالإحراج الذي سببه لها جاستين, غريب هذا هو الاحساس الوحيد الذي شعرت به,ألم تكن تحبه حقا؟ لقد كانت تستمتع بصحبته حتى انهما تحدثا عن الزواج اليس من المفروض ان يكون قلبها محطما؟ لكن بدلا من ذلك كانت تشعر بالإحراج ليس الا.وأجابت: - " لحفظ ماءالوجه, هل تعلم ان اليابانيين يهتمون كثيرا بحفظ ماء الوجه؟" - وما دخل اليابانيين في الموضوع؟ - سيكون في الحفلة عدد من اليابانيين. انا أعرف السيد. ياما موتو.و السيد.هاريشي.انهما يحبان تصميماتي و لهذا علي ان احضرو لكن الأمر سيكون أسهل بكثير لو واجهت الجميع برفقة خطيبي. - و السبب؟ - سيكون الأمر اسهل لأن الرجل الذي كنت سأتزوجه سيكون موجودا برفقة حبيبته الجديدة.لقد حاولت جهدي ان اتجنب أي منهما طوال اسابيع, لكن الأمور لا تنجح دوما بهذا الشكل.وانا اريد ان ارقص خالية البال مع شخص وسيم.جاستين و بريتاني زميلان في العمل و لهذا يعرف الجميع الوضع و يشعرون بالأسف لأجلي وانا اكره ذلك. - والخطيب الطويل الأسمر الخطر سيمنحك الشعور بخلو البال الذي تحتاجينه؟ - نعم ! فضحك: - " لدي الرجل المناسب, ويمكننا ان نصيب عصفورين بحجر واحد.انتظريني." ثم توجه الى آخر البار بينما كانت تراقبه بلهفة.هل حقا سيطلب من ذلك الغريب الطويل الأسمر ان يمثل معها دور الخطيب؟ حتى لو فعل ذلك لا يمكن ان يوافق الرجل أبدا.لا يبدو من ذلك النوع الذي يوافق على شيء لا يتماشى مع مصلحته الشخصية.ألم يكن جاستين كذلك؟ كانت حينذاك تشعر بالغرور ازاء اهتمامه بها اما الآن فهو يعاملها وكأنها حمقاء مسلوبة اللب اساءت تفسير صداقته. اذا تورطت بعلاقة أخرى مع أي شخص كان فستحرص على ان يكون ودودا طيبا و ليس لديه رغبة خفية في التقدم الى الأمام. هز ذلك السيد الطويل الأسمر رأسه فهبط قلبها.أتراها حقا كان تتأمل ان يوافق؟