نشوى الحوفي-القاهرة
نجيب محفوظ والسينما المصرية.. أيهما استفاد من الآخر؟
كتب سيناريوهات لـ26 فيلماً وقدم للسينما 22 رواية من رواياته الثلاثين
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]شادية من فيلم شيء من الخوف لنجيب محفوظ
علاقة خاصة ربطت بين نجيب محفوظ والسينما المصرية، التي لم تقدم فقط أعمالا مأخوذة عن رواياته الأدبية، ولكنها استقبلته أيضا ككاتب لسيناريوهات عدد من أهم الأفلام التي تم إنتاجها في فترة الخمسينات والستينات من القرن الماضي. ولهذا يرى عدد من النقاد والأدباء ان السينما لم تتعامل على مدى تاريخها الطويل بود وترحاب مع أحد الأدباء، كما تعاملت مع أدب نجيب محفوظ الذي كتب سيناريوهات لـ26 فيلماً وقدم للسينما 22 رواية من رواياته الثلاثين، التي تم تحويلها إلى أفلام سينمائية صارت علامة في تاريخ السينما المصرية. ويرى البعض أن نجيب محفوظ استفاد من السينما في نشر أعماله، في حين يرى آخرون أن السينما هي التي استفادت منه في تقديم أعمال شديدة التميز. وايا كان الرأي، فمن المؤكد أن سينما نجيب محفوظ كانت حالة ابداعية شديدة الخصوصية. لا بسبب طبيعة القضايا التي أثارتها أفلام محفوظ فقط، ولكن لأن محفوظ ارتبط بالسينما وأحبها، والدليل أنه يعد من اكثر الأدباء تعاملا مع الفن السابع ليس في مصر فقط ولكن على مستوى العالم أيضا.
كانت البداية في نهاية الاربعينات من القرن الماضي وقتها كان معظم النقاد والعاملين في مجال السينما، يعانون من قلة ما يكتب للسينما المصرية من اعمال. وكثيرا ما ظهرت مقالات نقدية تتهم السينمائيين المصريين بالاعتماد على الاقتباس من السينما العالمية بشكل لم يستطع ان يمنح ما ينتج من أفلام السمات المصرية.
في تلك الفترة كان المخرج الكبير صلاح ابو سيف، الذي لقب فيما بعد بمخرج الواقعية، يخطو خطواته الأولى في عالم الإخراج وكان للقائه بنجيب محفوظ أثر كبير في نفسه، وعرض عليه ان يكتب للسينما. وقتها لم يفكر محفوظ في تقديم أحد أعماله لانتاجها كفيلم سينمائي، حيث كان ينظر لتلك الاعمال كروايات أدبية تصلح في المقام الأول للقراءة. وبدأ نجيب محفوظ بكتابة سيناريو فيلم «المنتقم» الذي شاركه كتابته صلاح ابو سيف وقدم عام 1947. وفي عام 1951 كتب سيناريو فيلم «لك يوم يا ظالم» وأخرجه ابو سيف وبعدها بعامين قدم الثنائي محفوظ وأبو سيف فيلم «ريا وسكينة» عن تحقيق صحافي كان قد نشره محرر صحافي يدعى لطفي عثمان ونشر في الصحف المصرية عن تفاصيل جرائم اشهر قاتلتين في تاريخ مصر ريا وسكينة، اللتين كانتا تعيشان في مدينة الإسكندرية، وحكم عليهما بالإعدام في الأربعينات من القرن الماضي.
واستطاع نجيب محفوظ من خلاله تقديم حبكة درامية شديدة الجاذبية، مما ساعد في نجاح الفيلم الذي شارك فيه نجمة إبراهيم وزوزو حمدي الحكيم وأنور وجدي.
ولفت هذا الفيلم الأنظار لنجيب محفوظ ككاتب سيناريو محترف، ويمتلك أدوات الحوار السينمائي، كما يقول الناقد سمير فريد. في عام 1954 التقى محفوظ بالمخرج عاطف سالم، الذي كان يفكر في تقديم عمل سينمائي عن الجريمة الأولى في حياة أي حدث، وكيف أن إسقاطها من الممكن ان يمنع استمرار الإنسان في طريق الإجرام. وعرض سالم الفكرة على نجيب محفوظ والسيد بدير اللذين عالجاها في سيناريو فيلم «جعلوني مجرما» الذي قام ببطولته الفنان فريد شوقي وحقق نجاحا لافتا عند عرضه. بعدها وفي عام 1955 قدم محفوظ للسينما سيناريو فيلم «درب المهابيل» مع المخرج توفيق صالح، ثم سيناريو فيلم «فتوات الحسينية» مع نيازي مصطفي. وعاد في عام 1956 للتعاون مع صلاح ابو سيف ليقدما ومعهما الأديب أمين يوسف غراب، واحدا من اشهر كلاسيكيات السينما المصرية، وواحدا من افضل 100 فيلم تم إنتاجها على مدى تاريخها، وهو فيلم «شباب امرأة» الذي قامت ببطولته تحية كاريوكا وشكري سرحان وعبد الوارث عسر. وفي عام 1957 قدم نجيب محفوظ بالتعاون مع السيد بدير سيناريو فيلم «الفتوة» الذي أخرجه صلاح ابو سيف، وقام ببطولته فريد شوقي وتحية كاريوكا ومحمود المليجي. ثم شهدت الفترة من عام 1957 وحتى عام 1960 زيادة مشاركة الأديب نجيب محفوظ في كتابة سيناريوهات عدد من اشهر أفلام السينما المصرية في تلك الفترة، سواء بمفرده أو بمشاركة آخرين من كتاب السيناريو مثل فيلم «أنا حرة» عن رواية الأديب إحسان عبد القدوس، الذي أخرجه صلاح ابو سيف، وقامت ببطولته لبني عبد العزيز. وفيلم «جميلة بوحريد» الذي أنتجته وقامت ببطولته الفنانة ماجدة وأخرجه للسينما يوسف شاهين. وفيلم «احنا التلامذة» الذي قدمه عام 1959، وكان من إخراج عاطف سالم. وأحدث ضجة عند عرضه لأنه لفت الأنظار لمشاكل العديد من الأسر في علاقاتها بأبنائها من خلال أربعة نماذج لشباب ينتمون لمستويات اجتماعية مختلفة.
وعلى الرغم مما حققه الفيلم من نجاح وقت عرضه، الا ان نجيب محفوظ توقف عن الكتابة للسينما بعدها لمدة خمس سنوات متتالية، وكان السبب في ذلك هو توليه منصب رئيس الرقابة على المصنفات الفنية.
عن صحيفة الشرق الأوسط اللندنية