حـــــوار..!!

التقيت به بعد سبع وعشرين عاما من الغربة. بدا لي متعبا، مثقلا بالهموم كمن نذر نفسه ووقته للألم.
تعمدت ألا أتطرق إلى أسباب الغياب، كي لا أجرح تلك النظرات المنكسرة الحزينة. لكنه سرعان ما باغتني بالسؤال:
- أ لن تسألني شيئا؟
و لأنني لست ممن يتركون الأمور معلقة، فقد استجمعت ما تبقى من جرأة لدي، أو ربما استعرتها، من حيث لا أدري، و بادرته بالسؤال.
- هلا أخبرتني أين قضيت هذه الأعوام السبع والعشرين؟
نظر إلي بعينيه الحزينتين و رد بسرعة و كأنه كان ينتظر هذا السؤال منذ زمن :
- كنت بالجوار. مختبئا من كل شيء ومن لا شيء.
- و لما هذا الاختباء. كيف كنت تتدبر أمورك؟
قال بيأس :
- لأنني وصلت إلى مرحلة وجدت فيها نفسي أتخبط بين الواقع و الخيال. فلم اعد أميز بين المسموح به والممنوع. وانقلبت لدي كل الموازين.
سألته :
- ولم العودة الآن. في هذا التوقيت بالتحديد؟
- لأنني لم اعد أقوى على الاختباء أكثر. لأنني خائف على نفسي أن تسلك طريق اللا عودة.
- هلا أخبرتني عما يؤلمك في هذه الحياة؟
- يؤلمني كثيرا الخداع. و تؤلمني الخيانة. لا يمكنني التعايش مطلقا مع الكذب أو البخل، سواء كان ماديا أو معنويا أو عاطفيا.
- و ما أقصى ما يفرحك في الحياة؟
- أشياء قليلة. أهمها الشعور بالرضا، ومشاطرة المشاعر السلبية و الايجابية مع شخص أحبه.
- و هل تؤمن بالحب؟
- الحب لحظة لا يهم كم تدوم. لكنها أروع مرحلة قد يمر بها الإنسان، سواء كانت لحظات فرح و مصالحة مع الذات، أو كانت لحظات حزن وترقب للمجهول. يكفي أن الحب يقتل الوقت. لكن الوقت يقتل الحب أيضا للأسف.
- وماذا عن ال*** في حياتك؟
- لقد كان و مازال ال*** مرادفا للوجود. أي انه امتداد للنسل البشري. لكنني، ومن خلال تجربتي الفقيرة، أستطيع أن أقول بأنه انصهار روحين في جسد واحد. فكم من سيمفونية عشق يعزفها الحبيب على *** حبيبه. و كم من لوحة رائعة رسمت على ****** بأنامل اللهفة والشوق والشغف.
- و ماذا عن الموت؟
- هو حق على كل البشر. والشريف هو من يعرف كيف ولماذا يموت.
قاطعته قائلا:
- لكننا لا نختار كيف ولا لماذا نموت. فهلا وضحت لي ما تقصد بكلامك؟
- بل نحن بتقوانا، و بحسن طاعتنا لله نعرف لما نموت. فمن مات على طاعة الله مثواه الجنة.
قاطعته ثانية :
- لا أظنك بهذه المثالية حتى تفكر بهذه الطريقة.
- لا أنكر أنني بعيد جدا عن ديني. لكنني أحس بانتماء كبير إلى ربي. و أتمنى أن أترجم هذا الانتماء إلى عمل أرضي به نفسي التائهة و أرضيه به عز و جل. فقد سئمت أن أكون مجرد رد فعل و آن لي أن أكون أنا الفعل.
- و ماذا عن المال؟
- هو ضرورة ملحة، و مفتاح لأبواب كثيرة قد توصد في وجوهنا لو فقدناه. لكنه، كما يقولون، ما جمع مال إلا عن شح أو حرام.
- و هل تقبل أن تجني مالك من الحرام؟
- لن أخفيك أن لا مانع لدي من جمع المال بهده الطريقة، شرط ألا تكون فيه خطورة على نفسي. فلم أدعي الشرف و أنا عاجز أن أطعم نفسي شرفا.
و لكي لا يأخذ الحوار منحى آخر، سألتهه.
- و ماّذا عن العائلة في حياتك؟
- العائلة انتماء إلى كل ما هو جميل في حياة الإنسان. لكنها للأسف بالنسبة لي شيء ثانوي.
- و الأصدقاء؟
- عملة نادرة في هذا الزمن، و لأنني مفلس تماما منها، فلا يسعني إلا أن أتحفظ على الإجابة.
- و الزواج؟
- الزواج مشروع مؤجل ولا أخفيك أنه لا يشغل بالي حاليا.
و لكي أريحه من تطفلي عمدت إلى إنهاء الحوار. فسألته عن مستقبله وكيف يرى معالمه. فرمقني بنظرة غريبة، ومسحة حزن بادية على ملامحه، ودمعة خجولة ترقص في عينيه لكنها تأبى أن تنزل.
سألته : .............
وقبل أن أعيد السؤال.
إذ بي استيقظ من غفوتي. لأكتشف أنني كنت أكلم نفسي.

الموضوع الأصلى : حـــــوار..!! المصدر : قيثارة الغناء العربى

توقيع العضو:

himom

اسلوب اكتر من رائع في الوصف والتعبير.
شكرا لك Himom

الموضوع الأصلى : حـــــوار..!! المصدر : قيثارة الغناء العربى

توقيع العضو:

انطوانيت

شكرا يا فنان
موضوع جميل جدا

الموضوع الأصلى : حـــــوار..!! المصدر : قيثارة الغناء العربى

توقيع العضو:

sirine

حوار رائع تسلم الأيادي يا himom

الموضوع الأصلى : حـــــوار..!! المصدر : قيثارة الغناء العربى

توقيع العضو:

ghada

إذ بي استيقظ من غفوتي. لأكتشف أنني كنت أكلم نفسي.

جميل ان نكلم انفسنا لاننا محتاجين في بعض الاحيان ان نرمي بحوارنا مع الغير ونقف مع انفسنا
نتحاور ونتناقش لان اكيد ستكون الصراحة وصدق مغزي هذا الحوار

تسلم ايديك يافناااااان

الموضوع الأصلى : حـــــوار..!! المصدر : قيثارة الغناء العربى

توقيع العضو:

نور الحياة شاكر

حوااااار راااااائع
شكرآ لك يا himom

الموضوع الأصلى : حـــــوار..!! المصدر : قيثارة الغناء العربى

توقيع العضو:

أرض الجنتين

حوار رائع مع الذات.
سلمت يمينك اخي الكريم هايموم.

الموضوع الأصلى : حـــــوار..!! المصدر : قيثارة الغناء العربى

توقيع العضو:

romeo