اليوم أقدم لكم شاعراً أو لنقل زجالاً
أشهر من عرف بالزجل من بين الزجالين ، والزجل هو شعر نمطي عامي ظهر مع ظهور العرب بدولة الأندلس وانتشر في المغرب العربي
في المغرب العربي وشاع في مصر الذي أنبتت كثير من الشعراء في هذا النوع نذكر منهم صلاح جاهين ، عبدالرحمن الأبنودي
الأبنودي ، أحمد فؤاد نجم ، نجيب سرور، صلاح عبد الصبور وغيرهم كثير
هذا الشاعر الذي عاش حياته بمصر وتكلم بلسانها وعبر عن شعبها وخرج لنطاق العالم العربي هو الشاعر بيرم التونسي
سأترككم مع سيرته الذاتية ومن ثم أضيف إليها العديد من أزجاله التي تعبر عن مكنونات كل شخص في العالم العربي
وإن ما كتبه منذ سنين طويلة يصلح لأن يعبر به عن حالتنا الآن .............. وسنتسائل لو كان حياً الآن ماذا كان سيقول
بالرغم مما قاله زمان
](طفولته وحياته المبكره)[/size]
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]ولد "محمود بيرم التونسي" في حي الأنفوشي بالإسكندرية بشارع البوريني بالسيالة في 3 مارس 1893، ولكن والده سجّله ضمن مواليد حي الأزاريطة في جهة الرمل.
كان لبيرم أخت واحدة من والده وكانت تكبره بحوالي عشرين عامًا، وكان والده يمتلك مع أبناء عمومته دكانًا لبيع الحرير، فكان مثل باقي التجار يريد تعليم ابنه، فما لبث أن أرسله وهو في الرابعة من عمره إلى كُتّاب الشيخ جاد الله، وأوصى الشيخ بقوله: " افعل ما تريد" فكأن الشيخ ينتظر سماع هذه الجملة حتى ينهال على الصغير بالضرب؛ حيث كان بيرم لا يجيد الحساب فلا يفرق بين السبعة والثمانية في الكتابة!
ويئس الوالد من تعليم ابنه، فسلّم بذلك وأخرجه من الكتاب وأرسله ليعمل في دكان الحرير مع أبناء عمومته، حتى ليقول بيرم عن هذه الفترة: إنه لم يستفد من هذا الشيخ إلا إلمامه بمبادئ القراءة والكتابة فقط، أما حبه وشغفه بالقراءة والمعرفة فلم يكن ليتعلمها أبدًا بهذا الأسلوب العنيف في التربية!
ويحاول والده ثانية، فيرسله إلى مسجد "المرسي أبو العباس" وكان به معهد ديني، وهناك شغف بيرم بمراقبة الطلبة الأكبر منه سنًا حيث كانوا يقرأون وهم يروحون ويجيئون في أرجاء المعهد، وبالفعل أخذ الصغير يقلدهم ويشتري الكتب ويحاول قراءتها بنفس الطريقة فما كان منهم إلا أن سخروا منه!
ولم يكد بيرم يبلغ من العمر ما يمكّنه من فهم ما يدور حوله حتى يسمع بزواج والده من امرأة ثالثة، بل ولا ترحم أمّه طفولته فتحكي له عن زيجات والده، وأيضًا سبب تسميتهم بالتوانسة، وهي أن السلطان التركي كان قد أهدى إلى جدّ والد بيرم جارية فولدت له ولدًا إلا أن الرجل مات قبل أن يثبت نسب هذا الطفل له، ولما كبر الطفل (جد بيرم) رفضت أسرة أبيه الاعتراف به ومنعته من إرثه فهاجر إلى مصر وتزوج وأنجب ثلاثة أولاد، كان من بينهم والد بيرم.
وقبل أن يعي الصغير كل هذا، وجه له القدر ثاني ضرباته، وكان موت والده، ولم يكن بيرم قد تخطى الرابعة عشرة من عمره، كأنما القدر -رحمة به- يصعد به إلى قمة الألم درجة.. درجة!
وأصبح بيرم هو المسئول عن أمّه ماليًا؛ إذ إن الأب لم يترك لهم شيئًا، بل ويؤكد له أبناء عمومته أن والده قد باع لهم الدكان قبل وفاته، فيضطر أن يعمل كصبي في محل بقالة.
وذات يوم يترك بيرم عمله ويذهب لسماع المواويل في المولد، فيطرده صاحب العمل.
وفي تلك الأثناء يتعرف بيرم مصادفة على أحد البنّاءين الذي كان يحكي له بعض الأدوار والطقاطيق القديمة؛ وهو ما يدفع بيرم بعد ذلك إلى محاولة معرفة المزيد، فلا يجد سبيلاً إلى ذلك غير شراء كتب الأساطير الشعبية مثل "ألف ليلة وليلة"، "أبو زيد الهلالي"، وكانت هذه الكتب تحتوي على أبيات من الشعر، وصادفت ميلاً عند الصبي. ووقعت في يده مصادفة مجموعة أشعار لابن الرومي، التي اعتبرها بيرم من أمتع ما قرأ.
](شبابه....ونضوج موهبته)[/size]
وفي السابعة عشرة من عمره تزوجت أمه، ثم ماتت بعدها بوقت قصير، ويشترك مع أحد الصيادين في دكان للبقالة، ولم يلبث بيرم أن أخذ يقرأ كل ما يقع تحت يديه من قصاصات الورق والكتب، التي كان من المفترض أن يبيع فيها الجبن؛ وهو ما يدفعه نحو العلم فيذهب لشراء الكتب ومخالطة طلبة العلم؛ فلم يكن يعجبه -وهو قليل العلم- ما يلاقيه منهم، من عدم اهتمام بالثقافة العامة، واقتصارهم على المقررات العلمية!
وبعد فترة يتزوج بيرم ثم يفلّس مشروعه، بسبب عدم اهتمامه به وبسبب إنفاقه كل ما يأتيه منه على شراء الكتب! فيبيع منزل والدته، ويفكر في مشروع آخر، فيحاول أن يبيع السمن، وكان البلد في هذه الفترة يعيش مرحلة متوترة بشدة، حيث أعلنت إنجلترا أن حكمها يقوم على رعاية مصالح الأجانب وحمايتهم، وكان الإنجليز يتعاملون على أنهم أصحاب البلاد؛ وبالتالي كانوا يفرضون الضرائب الباهظة ويتحكمون في البلاد وفي المواطنين بمنتهى الصلف والاحتقار.
فما كان من المجلس البلدي -وكان جميع موظفيه من الأجانب- إلا أن طالب بيرم بضرائب مبالغ فيها، بل ويحجز على بيته، وهنا تنطلق موهبة بيرم وتعلن عن نفسها لأول مرة.
قام بيرم بكتابة قصيدة، يعبر فيها عن سخريته من موقف المجلس البلدي فيقول:
قد أوقع القلبَ في الأشجانِ والكمدِ
هوى حبيبٍ يُسمّى المجلس البلدي
ما شرّد النومَ عن جفني سوى
طيف الخيال، خيال المجلس البلدي
***
.. حتى يقول
كأنّ أمي أبلّ الله تربتها
أوصت فقالت: أخوك المجلس البلدي
أخشى الزواج، فإنْ يومُ الزواج أتى
يبقى عروس صديقي المجلس البلدي
وربما وهب الرحمن لي ولدًا
في بطنها يدّعيه المجلس البلدي
يا بائع الفجل بالمليم واحدةً
كم للعيال؟ وكم للمجلس البلدي؟
وتحدث هذه القصيدة صدى هائلاً في جميع الأوساط، حتى الشعبية منها، بل لقد طلب المجلس البلدي ترجمة القصيدة. وبعد أن وقفت قدم بيرم التونسي على أرض صلبة – بالنظر إلى موهبته- اتجه بيرم إلى نوع آخر، وهو القصائد الزجلية أي أنه اختار الكتابة بلغة الشعب؛ وذلك بهدف أن تصل قصائده إلى كل فئات الشعب. ويتعرّف بيرم بـ"سيد درويش" ويكتب له أول قصيدة وطنية بعنوان(اليوم يومك يا جنود)..
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]وتشب في تلك الفترة ثورة 1919 فيجنّد بيرم قلمه لمساندة الثورة ويصدر جريدة "المسلّة" ويقول: إن سبب هذه التسمية، أن لفظ المسلة يعود إلى الفراعنة حيث كانوا يُطلون مسلاتهم باللون الذهبي والفضي حتى تعكس أشعة الشمس للمصلين داخل المعابد. إلى جانب أن هذه المسلة ذات أطراف مدببة جارحة، وبالإمكان أن نجعلها كالمنار تبدد الظلام والجهل من حياة المصريين، ويكون لأطرافها المدببة –مثل كلمات بيرم القاسية– أقوى أثر على حياتهم وفكرهم.
ويستقبل الجمهور العدد الأول من جريدته -الذي وزعه بيرم بنفسه- بترحاب شديد. وليكون بيرم في قلب الأحداث؛ ينتقل إلى القاهرة ويؤجر حجرة بها، ويؤلف في هذه الفترة أوبريت جديد بالاتفاق مع "سيد درويش" ويقررا أن يكون مضمونه سياسيًا لكي يبثوا في دماء الشعب الحماسة.. ويكتب بيرم في الأوبريت:
أنا المصري كريم العُنصرين
بنيت المجد بين الأهرمين
جدودي أنشئوا العلم العجيب
ومجرى النيل في الوادي الخصيب
ويواصل بيرم نشاطه في صحيفته فيصدر في العدد 13 قصيدة بعنوان "البامية الملوكي.. والقرع السلطاني" وفيها ما يفيد أن وريث العرش الجديد –وهو الملك فاروق- وُلد بعد أربعة أشهر فقط من الزواج!
وعلى إثر هذه القصيدة أمر السلطان بإغلاق الصحيفة فورًا، فأصدر بيرم جريدة أخرى سماها "الخازوق"، وواصل هجومه فيها على الأسرة المالكة، لدرجة أن السلطان اتصل بالقنصلية الفرنسية -التي كانت تتدخل في شئون مصر بزعم حمايتها للأجانب، وبما أن أصل بيرم (أبو الجد) غير مصري؛ يكون بيرم تحت الحماية الفرنسية- لترحله فورًا إلى بلده تونس.
وفعلاً يتم طرد بيرم في 25 أغسطس 1920 ولا يُسمح له حتى بوداع أهله، وكان عمره وقتها سبعة وعشرين عامًا!.
(بيرم .....سوّاح فى البلاد)
عند وصول بيرم إلى تونس أول ما بحث عنه هو السبب الذي من أجله تم طرده من مصر، ثم البحث عن أصوله التونسية، وبالفعل استطاع الوصول إليهم، وفوجئ بهم يذكرون أول ما يذكرون أصله، وأنه "ولد الجارية" التي أهداها السلطان التركي لجدهم، فيتركهم بيرم وهو يشعر بأنه منفي إلى بلد غريب عنه.
ولا يسمح له حاكم تونس بمزاولة أي عمل صحفي؛ فيقرر السفر إلى باريس ومنها إلى ليون، وكان عمله هناك مجرد وسيلة يضمن بها بقاءه على قيد الحياة، فعمل بيرم في مصانع الصلب والغازات الخانقة، وكان لهذا العمل الشاق –بجانب مشقة الغربة- أثر كبير في صقل موهبته، فمع انشغال بيرم الدائم بانتقاد الأوضاع الاجتماعية والسياسية في بلده (مصر) –على الرغم من بعده عنها- واصل بيرم عمله الزجلي بشكل آخر، حيث عقد مقارنات بشكل أدبي أيضًا بين مصر وباريس.
وبعد فترة يمرض بيرم بسبب عمله فيفقده؛ وهو ما يجعله يشعر أكثر بمرارة الغربة، وفيما بعد يروي عن تلك الفترة فيقول: "كنت أثناء الجوع أمر بمراحل لا يشعر بها غيري من الشبعانين: كنت في البداية أتصور الأشياء واستعرضها في ذاكرتي، هذا طبق فول مدمّس، هذه منجاية مستوية، ثم انتقل بعد ذلك إلى مرحلة التشهي، أثناءها تتلوى أمعائي ويبدأ المغص، ويطوف الظلام حول عيني، وأتمنى من الله أن ينقلني إلى الآخرة، فهي أفضل من هذا العذاب الأليم.. وأخيرًا تبدأ مرحلة الذهول وخفّة العقل، فأطيل النظر إلى اللحاف الذي يغطيني وتحدثني نفسي أن آكل قطنه أو أبحث بين محتوياته عن بذرة للغذاء تحتوي على زيوت".
وفي تلك الأثناء يستطيع بيرم خداع السلطان والعودة إلى مصر ليفاجأ أن زوجته قد حصلت على الطلاق في غيابه، وأنجبت له طفلة أخرى، وبالفعل يواصل بيرم إنتاجه وينشره بدون توقيع هذه المرة، إلا أن أحد أصدقائه تكلم عن لقائه بيرم أمام أحد رجال السلطة، وهو يعتقد أنه قد تمّ له السماح بدخول البلاد!
وتم ترحيله ثانية إلى ميناء مرسيليا بفرنسا، فيعمل في مصنع للكيماويات ثم مصنع حرير، كل هذا وهو لا يزال مهتما ومتابعا للأحداث التي تقع في وطنه..
ومن أبرز ما أنتجه بيرم، نقد ومقارنة اجتماعية بين باريس ومصر وسماها "السيد ومراته في باريس"، وكان بيرم يرسل أجزاء هذا العمل إلى صديقه "عبد العزيز الصدر" الذي جمعه وأصدره في جزأين على نفقته الخاصة ولحسابه! وتم استخدام هذا العمل في دراسة اللهجة العامية المصرية في قسم اللغات الشرقية في جامعة برلين؛ إذ يتناول قصة سفر رجل وزوجته إلى باريس وتأثرهما الإيجابي بالعادات الغربية مع تمسكهما بهويتهما العربية.
تمت خطبة ابنته (نعيمة)، فيراسل بيرم خطيبها، ويرسل إليه بأزجاله حتى يقوم بتوزيعها له، ويتم أيضًا زواج ابنته وهو لا يزال ينتقل من بلد إلى أخرى فيضطر لأن يراسل -عن طريق زوج ابنته- بعض الصالات الفنية...
(العـــــوده)
بعد عدة محاولات يستطيع بيرم ثانية بمساعدة أحدهم العودة إلى مصر عن طريق ميناء بور سعيد، وتساعده على ذلك ملامحه الغربية بعض الشيء، ويستطيع بيرم أن يصل إلى بيت ابنته، التي تركها وعندها سبع سنوات ويعود وعمرها عشرون عامًا!!
وينتقل بيرم بين بيوت أصدقائه محاولاً الاختباء لديهم، حتى يرسله أحدهم إلى عيادة صديق له ليختبئ فيها، فيدرك الطبيب خطورة ذلك؛ إذ إن العيادة يتردد عليها الكثير من الناس فيفكر في صديق له من أشد المعجبين ببيرم وهو في الوقت نفسه أعزب، لذا فإن مسكنه هو أنسب مكان لإخفاء بيرم، فيتركه صديقه الطبيب في بلكونة عيادته وينزل ويعود معه صديقه العازب "كليم أبو سيف"، الذي يوافق على خطة صديقه الطبيب، وبمجرد أن فتح الرجلان الباب على بيرم، حتى ينهار بيرم تمامًا ويأخذ يصرخ ويبكي وهو يقول لصديقه الطبيب: "ليه يا طه.. دا أنا عندي أولاد.. ليه الله لا يبليك باللي شفته" إذ إن بيرم اعتقد أن صديقه أبلغ عنه السلطات، فشرح له الطبيب فورًا فكرته، وبالفعل يذهب بيرم للاختفاء عند "كليم".
وكان "كليم" على علاقة قوية بوزير الداخلية حينذاك "محمود فهمي النقراشي" فيحكي له عن بيرم، راجيًا منه مساعدته في أخذ العفو من الملك، ويبعث بيرم بزجل إلى جريدة "الأهرام" يشكو فيه آلام المنفى ويطلب عفو الملك، وبالفعل يتم نشر الزجل في الصفحة الأولى ويصدر أمرًا وزاريًا بتجاهل وجوده في مصر!
ويصدر وبعده يصدر عفوًا ملكيًا عن بيرم، فيعمل بيرم كمدير للدعاية بشركة في الإسكندرية، إلا أنه يتركها ليتفرغ للعمل الصحفي فيصدر صحيفة فكاهية ثم يتركها بعد فترة ليتوجه للعمل في السينما والإذاعة والمسرح، ويواصل نقده الاجتماعي،
وفي تلك الأثناء يعيد بيرم زوجته الثانية إلى عصمته وينجب منها ولدين، ثم يجمع بيرم بعض أزجاله التي كتبها في المنفى في ديوان من جزأين، ومع قيام ثورة يوليو يساندها بيرم بأزجاله الوطنية
أما علاقته بالفن وبالأخص السيدة أم كلثوم، فتعكس جانبًا خافيًا من حياة بيرم على كثير منا!!
وليس أبين لهذه العلاقة أكثر من معرفتها لكره بيرم للمرأة البيتوية، فهو كان مؤمنًا بدفع المرأة إلى دائرة العلم والعمل، فمن الطبيعي إذن معرفتنا باهتمامه وتقديره للمرأة العاملة وبالأخص أم كلثوم، التي استطاعت إثبات نفسها، ليس فقط على المستوى العربي ولكن أيضًا على المستوى العالمي!
واستطاع بيرم كتابة قصائد من أروع ما غنت أم كلثوم ...منها:
"أناوانت"، "الآهات"، "هوه صحيح الهوى غلاب"، "كل الأحبة"،انا فى انتظارك ،الحب كده...
ويكتب لها بيرم أيضًا الأغنية الدينية "القلب يعشق كل جميل"، وهي من القصائد الصوفية (العشق الإلهي) وأيضًا القصائد الوطنية مثل "صوت السلام".
أما آخر أغنية كتبها بيرم لأم كلثوم، فهي رائعته "هوه صحيح الهوى غلاب" حيث أذاعت أم كلثوم خبر وفاته على الهواء مباشرة في 1961 عن عمر يناهز 68 عاما، بعد أن نال منه الربو، وكأنه كان ينعي نفسه حين كتب:
قال: إيه مراد ابن آدم؟
قلت له: طقه
قال: إيه يكفي منامه؟
قلت له: شقه
قال: إيه يعجّل بموته؟
قلت له: زقه
قال: حـد فيها مخلّد؟
قلت له: لأه
قال لي: ما دام ابن آدم بالصفات دي
نويت أحفظ صفات ابن آدم كل ما اترقى.
بيرم وكوكب الشرق
عندما صمدت بورسعيد امام العدوان الثلاثي عام 1956 م كتب بيرم التونسي يقول:'صوت السلام هو اللي ساد واللي حكم.. ثلاث امم يا بورسعيد متقدمة.. بدبابات وطيارات تملا السما.. ما تقدموش في بور سعيد ولا قدم..'.
واعجبت هذه الكلمات ام كلثوم فغنتها ورددها وراءها الشعب المصري كله.
من هذه اللحظة بدأ التعاون بين بيرم التونسي وام كلثوم لتغني له العديد من الاغاني التي غيرت تماما من شكل الاغنية الكلثومية ومن مزاج السميعة الذين كانوا ينتظرون اغنياتها باللهفة والشوق فقدمت له اغاني: 'انا وانت' و'كل الاحبة اتنين اتنين' و'الاوله في الغرام' و'حبيب قلبي' و'آه من لقاك' و'اهو دا اللي جرى' و'هو صحيح الهوي غلاب' وغيرها من الاغاني رفيعة المستوى.
الشهرة التي حققتها اغنيات بيرم التونسي مع كوكب الشرق جعلت الجميع يلهث وراء اغنياته الجديدة فتعامل مع فريد الاطرش، واسمهان، ومحمد الكحلاوي، وشادية، ونور الهدى، ومحمد فوزي، كما قدم العديد من الاعمال الاذاعية ومن اشهرها حلقات 'بنت السلطان' وحلقات 'عزيزة ويونس' و'بنت بحري' وفوازير رمضان وسيرة الظاهر بيبرس.. وهو ما دفع الرئيس جمال عبد الناصر الى منحه جائزة الدولة التقديرية عن جهوده في الادب والفن عام .1960
ولم يمر عام على تقدير الدولة المصرية له حتى رحل عن الدنيا في مايو 1961 تاركا للاجيال التالية ارثا كبيرا من الازجال والقصائد والمسرحيات وتجربة عريضة مملوءة بالدروس.
* في الغناء قدَّم بيرم التونسي مجموعة بديعة من الأعمال الخالدة عكست اللغة الشاعرية المتفردة التي امتلكها هذا الشاعر العظيم الذي غنت من أشعاره مجموعة كبيرة من الأصوات الجميلة في سائر الوطن العربي نذكر منها على سبيل المثال: (أم كلثوم، أسمهان، فريد الأطرش، سعاد محمد، ليلى مراد، نور الهدى، صالح عبد الحي، محمد قنديل، شادية)، وغيرهم في ألحان لعباقرة التلحين في الوطن العربي أمثال (السنباطي، القصبجي، زكريا أحمد، فريد الأطرش، بليغ حمدي، سيد مكاوي) وغيرهم من الملحنين، ومن أشهر هذه الأعمال نذكر في هذه العجالة: أغنيات (يا بهية خبريني، يا أتو موبيل يا جميل محلاك، الحب كده، شمس الأصيل، ظلموني الناس، الأوله في الغرام، الورد جميل، غني لي شوي، هوا صحيح الهوى غلاب، أنا اللي أستاهل، يا صباح الخير يالي معانا).. وقائمة ممتدة من إبداعات هذا الساحر الكبير الذي ملأ أسماعنا وأغنى ذائقتنا بكل ما هو مبدع وأصيل، ومنها هذه الأبيات الفائقة العذوبة والجمال والتي تؤكد على سمو عاطفته الرقيقة وعلى مقدار الحب والحنان الذي امتلأ به قلبه الكبير، يقول:
عبدالله السمطي
لك صنعة في العين والحاجب
بها تتعاجب
وتقول وجود الله واجب
مين به يكفر
ويا أم نص ملايه حرير
والنص يطير
على الكتاف أنا
عقلي صغير
غطي المرمر
المراجع:
1-الاعمال الكامله لبيرم التونسى،الهيئه المصريه العامه للكتاب1986 .
2-كتاب:"بيرم التونسي.. عاصفة من الحارة المصرية"- كمال سعد- دار الأمين- القاهرة 1993.
3-بيرم التونسى ، أشعار بيرم التونسى ، تقديم ، محمد محمود بيرم التونسى، مكتبة مدبولى ، القاهرة ، 1985.
4-أزجال بيرم التونسى ،دراسة فنية ،د. يسرى العزب ، الهيئة المصرية العامة للكتاب،1981 .
5-بيرم التونسى وبلاغة النص ، الثقافة الجديدة ، فبراير ، 1996.
6- العديد من المواقع على الانترنت....
وسنوالي ان شاء الله تباعاً نشر أزجاله
تقبلوا تحياتي