كان دائمًا يكتب بقلم من نار . في كل كلمة قنبلة وفي كل رأي زلزال. والمعارك التي خاضها طوال نصف قرن من الزمن لا تحصى.
رحل إبن بيروت ، عمر الزعني منذ 49 عاماً. ولكن بقيت شهادته على العصر . إنه الرجل الذي سبق زمانه بمائة عام.
كان "موليير" يرى السخرية في أعماق كل إنسان. فاستحق لقب الكاتب والشاعر والأديب والفيلسوف الذي لامس القلب والوجدان.
للبحر رجال يعرفون الموج وتعرفهم النوارس.
وللعطاء رجال يعرفهم الوطن واحداً واحداً.
ولأن الوطن يحب أبنائهم ويحتضنهم بدفء الوفاء فقد نال شاعر الشعب عمر الزعني نصيباً من حب الوطن. فرحلة الحب هي رحلة الوفاء والايفاء ، ذهاباً وإياباً في دروب الصبر والنجاح.
عمر الزعني... الفيلسوف الساخر.. الضاحك الباكي...هو عندي فيلسوف الأدباء وأديب الفلاسفة.
شاعر من بيروت أبى إلاّ أن يصرخ بالحقيقة ولكنه لم يجد من ينصت إليه.
ظلّ طفلاً في قلبه طوال حياته لا يحمل حقداً ولا ضغينة لأحد. أحب الناس .. كل الناس فنزل الى الشارع واستوحى قصائده الشعرية الانتقادية من نبض الشارع وحركة الألم فيه والأمل لأنه كان يؤمن بأن الابداع الحقيقي يبدأ من الشارع.
عمر الزعني هذا العبقري الذي طبع جميع قصائده بطابعه البيروتي الأصيل المميز والذي ما خجل يوما ببيروتيته وبلهجته التي تربى عليها.
رحل عمر الزعني في 11 شباط 1961. رحل رائد الأدب الشعبي وصاحب بسمة الحب الوحيدة في ايام الغضب والمشاعر المسيّجة بالبرودة والموت وصاحب نافذة الأمل الجميلة التي كانت تمنح البسطاء أحلامهم البسيطة.
عمر الزعني الشاعر الذي كان يرى السخرية في أعماق كل إنسان. لقد إلتصق عمر الزعني بالروح الشعبية البيروتية، وعبّر عنها بمختلف الزوايا شدّته الوجوه والانفعالات. فالتقط الضحكة العفوية والنظرة التلقائية. فتخصص في إصطياد الوجع، وجع الناس الضعفاء. فظلّت قصائده في "خزّان التاريخ" عبرة لمن يعتبر.
كان عمر الزعني يرسم بيروت وشماً على ذراعه.
وكان دائماً يقف داخل "حدود الوطن" أو يسكن الوطن قلبه فلم يساوم لحظة واحدة. فنحن نساوم وهو يقاتل، ونحن نسقط في "دوائر الحياة" وهو يقاوم، نحن نكتب حرفاً ونسقط في الحرف الآخر. وهو يرسم وما يزال وكأنه بيننا يرسم "نافذة للصباح" وأغنية للحرية.
هل يموت الشاعر؟ أبداً، لا يموت الشاعر لأنه أصبح الأضعف أمام أعدائه. فأعداء الشاعر كأعداء الحقيقة.
ترجّل عمر الزعني فارس الألم عن صهوة الحرف. الحرف الذي كان سيفاً بين يديه لحصاد الفساد والطائفية والاستعمار والاستبداد والقهر.
رحل عنّا في مثل هذه الأيام مرتدياً "عباءة كرامته". وقصائد إبن بيروت حتى اليوم ما زالت تنبض حياةً.
رحل عنّا وقلبه ينزف جراحاً.. من أجل جراح المضطهدين والفقراء والبائعين أنفسهم للإذلال وتجارة الضمير.
عمر الزعني "الشاعر الساخر" الذي لم يغرّد للسلطان.
شاعر مدهش... وإنسان مدهش
لم يمشي في الأرض مرحاً لأنه كان يعرف أنه لن يبلغ الجبال طولا.
ملاحظة: الدكتور فاروق الجمال هو مؤرخ كتاب عمّر الزعني "حكاية شعب".

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]