نازك الحريري: الأمم المتحدة خصصت جائزة باسم الرئيس الشهيد تكريماً له
الحياة 14/2/2010
حين تتحدث السيدة نازك الحريري يغلب على كلامها أمران: ذكر الله، وزوجها الرئيس السابق للحكومة اللبنانية الشهيد رفيق الحريري. في كل جملة تقولها يبدو فيها ذاك الحزن الذي يوشّح صوتها في رسائلها السنوية في ذكرى اغتيال زوجها الرئيس الشهيد، وإن مرت خمس سنوات. لكن ما لا يمكن المستمعين الذين يحتشدون كل عام قرب ضريح الرئيس الشهيد في ساحة الشهداء – ساحة الحرية في وسط بيروت، أن يلمسوه هو مدى شوق السيدة نازك الى بيروت التي عشقها زوجها في حياته وحضنته بعد استشهاده، وكم هو «مؤلم» بالنسبة اليها البعد عنها، لكنها تعد بالعودة «قريباً جداً» لتجول في الأماكن كلها بحثاً عن خطاه لكي «ألمح بصماته في كل ركن من أركان الوطن الذي اشتاق إليه كثيراً، كما اشتقنا إليه نحن»
وفي حديث السيدة نازك الذي جاء مفعماً برائحة الورد الجوري الذي «يعبق في حديقة البيت في قريطم»، قدر كبير من الكلام الوطني خصوصاً أن بعد المسافات بين لبنان ومقر اقامتها في باريس، لم يحل دون متابعتها بدقة شؤون المحكمة الخاصة بلبنان، والوطن، والشؤون السياسية والاجتماعية فيه. ففي شأن المحكمة تعتبر أن الكلام انتهائها «أضغاث أحلام»، وأن «إحقاق الحـق ومعرفة الحقيقة هدف يساعد في تحقيق الأمن والاستقرار في لبنان وفي منطقة الشرق الأوسط، بل في العالم بأسره».
وتؤكد أن الاهتمام الدولي بالرئيس الشهيد «لم يتراجع»، كاشفة أن الأمم المتحدة خصصت جائزة باسمه لإعادة الإعمار والمستوطنات تمنح كل سنتين.
وفي الشأن الوطني، تثني على أداء رئيس الحكومة سعد الحريري وترؤسه حكومة الوحدة الوطنية، مؤكدة «أننا في العائلة جميعاً نقف معه وندعمه ليواصل مسيرة والده الشهيد». وتعتبر أن «نجاح لبنان وتجاوزه المخاطر والتحديات نجاح للجميع». وتعرب عن تفهمها لموقف النائب وليد جنبلاط الذي استدعى منه الخروج من «قوى 14 آذار»، داعية إلى «تفهم موقفه»، ومعتبرة مشاركته في ذكرى 14 شباط «وفاء منه لصديقه الرئيس الشهيد». أما في الشأن الاجتماعي والانساني، فتؤكد استمرار المسيرة، معلنة «أننا نسعى إلى تفعيل عملنا الوطني والاجتماعي بما يتناسب ومقتضيات المرحلة»
مواقف السيدة نازك جاءت في حوار أجرته معها «الحياة» في الذكرى الخامسة لاستشهاد الرئيس الحريري وهنا نص الحوار:
بداية نودّ أن نشكر لك تخصيصك «الحياة» بهذه المقابلة مع أنك مقلة في الظهور الإعلامي، فما سر الإطلالات الخجولة للسيدة نازك رفيق الحريري التي ينتظر كثيرون سماعها، وما سر الغياب المستمر عن بيروت؟
بداية أشكر لصحيفتكم الكريمة هذه اللفتة الطيبة للرئيس الشهيد رفيق الحريري في ذكرى استشهاده الخامسة، رحمه الله ورحم كل شهداء الوطن الأبرار. أما سؤالكم فيعيدني بالذاكرة إلى عبارة كان يردّدها الرئيس الشهيد رفيق الحريري أن الكلام إن قلَّ فقد دلَّ على كثرة العمل. لا يخفى عليكم أن المسؤولية التي التزمنا بها أمام الله سبحانه وتعالى وأمام الناس، منذ الرابع عشر من شـباط 2005، تشـغل حيّزاً كبيراً من وقـتنا لمتابعة القضايا الوطنية أولاها البحث عن الحقيقة والحفاظ على لبنان منيعاً في وجه التحديات. لكن تواصلي مع الناس لم ينقطع يوماً، ومراسلات الأحبة واتصالاتهم تخفّف وطأة الوحدة التي خلَّفها الرئيس الشهيد رفيق الحريري بعد رحيله. كما أنني أحرص على أن تكون لي مداخلات إعلامية في مناسبات وطنية، وإن كانت محدودة بسبب انشغالي في متابعة الشأن الاجتماعي الوطني ولكنها تبقيني على اتصال مستمر بالأهل في لبنان. وإن تابعتم نشاطي الإعلامي في السنوات الأربع الأخيرة، لاحظتم أنني أجريت مقابلات تلفزيونية عدة مع محطات فضائية ومحلية ومحطات إذاعية إضافة إلى صحف ومجلات، ناهيك طبعاً بكلماتي في المناسبات الخاصة بالرئيس الشهيد رفيق الحريري أو في مناسبات وطنية، علماً أن شعاري يبقى دوماً «قلة الكلام وكثرة العمل».
أما البعد الجغرافي عن بيروت وعن لبنان، فهو ليس غياباً لا سمح الله، لأن الوطن حاضر دائماً في الوجدان والقلب، وفي كل عمل أؤديه. والتزامي بمواصلة مسيرة الرئيس الشهيد الإنسانية لا يتوقف عند أي حدود جغرافية وهو ليس رهناً بإقامتي في لبنان أو في خارجه، مع أنني أتوق جداً للعودة إلى الديار.
ما هو شعور السيدة نازك الحريري وقد طال غيابها عن بيروت المدينة التي أحبها الرئيس الشهيد واستشهد من أجلها وهو يرقد فيها؟ ومتى ستعود إليها؟
البعد عن بيروت، التي عشقها الرئيس الشهيد رفيق الحريري في حياته وحضنته بعد استشهاده، مؤلم جداً. في كل صباح، أتذكّر عطر الورد الجوري – وهو المفضَّل لدى الرئيس الشهيد – يعبق في حديقة البيت في قريطم. وعند المغيب، تعود إلى ذهني صورة آخر مشوار رافقت فيه شهيدنا الكبير إلى الأسواق. كان يهوى «كزدورة» المساء لأنها تضع عنه عبءَ النهار وتُعينه على بدء يوم جديد حافل بالمسؤوليات والتحديات. وكان الرئيس الشهيد رفيق الحريري يسعد كثيراً عندما يلتقي الناس وفي محياهم السرور والتقدير والافتخار بشخصه وما يبذله من مساعٍ لمصلحة بلده الحبيب لبنان. كم أحِنُّ الى هذه الأيام الحلوة، وكم يؤلمني أنها لن تعود يوماً. أدعو الله أن تكون عودتي إلى بيروت قريبةً جداً بإذنه تعالى، كي ألاقي الأهل والأحبّة، وأجول على الأماكن التي ارتادها الرئيس الشهيد فأبحث عن خطاه فيها وألمح بصماته في كل ركن من أركان الوطن الذي اشتاق إليه كثيراً، كما اشتقنا إليه نحن.
المحكمة لم تتشكل لتفشل
يصدر كلام في بعض الاعلام، وبخاصة حين يذاع خبر استقالة أحد العاملين في المحكمة، من قبيل أن المحكمة انتهت أو ماتت بما يوحي أن هناك تراجعاً في الاهتمام الدولي في قضية الرئيس الشهيد ورفاقه، كيف تردين على ذلك؟
المحكمة الخاصة بلبنان أُنشِئت بإجماع وطني ودولي وبموجب اتفاق بين الدولة اللبنانية والأمم المتحدة. وللمحكمة نظام أساسي يضمن حسن سيرها ويؤكد أن أعضاءها – سواء كان الرئيس أم المدعي العام أم الهيئات والدوائر – يعملون بحياد واستقلالية. وينص نظام المحكمة أيضاً، على أن القضاة يُختارون وفقاً لمعايير محددة، أولاها التجرد والنزاهة والخبرة القضائية الواسعة، ولا يقبلون أو يلتمسون تعليمات من أي حكومة أو مصدر آخر. وهذا الكلام يعني عملياً أن المحكمة الدولية منظومة لها هيكلية واضحة تقوم على آلية عمل ضمن فريق متكامل وهي ليست رهناً بأفراد ولا باستقالة أشخاص. ويعني أيضاً أن المحكمة في منأى عن أي صفقات أو تسويات ولا يمكن أن تكون موضوع أي تنازل أو تراجع لأن وراءها مطالبين كُثُراً، في لبنان وفي العالم، ولأننا، نحن عائلة الرئيس الشهيد رفيق الحريري، لن نقبل أبداً بأن تذهب دماؤه ودماء سائر الشهداء هدراً.
أما الكلام عن أن المحكمة انتهت أو ماتت، لا سمح الله، فهو أضغاث أحلام. وأقول لكل مشكك إن التزامنا اليوم بالبحث عـن الحقيقة دفاعاً عـن لبنان الحبيب، لم يحد قيدَ أنملة عما كان عليه في 14 شباط 2005. وسنبقى نطالب بالكشف عن هوية القتلة وتحقيق العدالة للرئيس الشهيد ورفاقه وسائر شهداء السيادة والحرية، يساندنا أهلُنا في لبنان وفي الأمة العربية وأصدقاؤنا في الأسرة الدولية. فإحقاق الحـق ومعرفة الحقيقة المتعلقة باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري والشهداء الأبرار، هما الهدف الذي يساعد في تحقيق الأمن والاستقرار في لبنان وفي منطقة الشرق الأوسط، بل في العالم بأسره لأن كشف الحقيقة والاقتصاص من القتلة سيكون عبرةً للمجرمين ووسيلة ناجعة لاجتثاث الإرهاب أينما كان.
بعض المشككين لا يتوانون عن الإشارة إلى توقف عداد الأيام، إن كان على شاشة «المستقبل» أو على تلك الساعة في محلة القنطاري، هل يعني ذلك انه توقف البحث عن الحقيقة؟
أشكرك على هذا السؤال. فقد طالعتني شخصياً في الآونة الأخيرة أخبار صحافية عن توقف عداّد الأيام ومعه السعي إلى الحقيقة، وأذكِّر بأن عدّاد الساعة توقف يوم دارت عجلة المحكمة في الأوّل من آذار 2009. نعم، جاءت هذه الرمزية لتدل على أهمية حدث انطلاق عمل المحكمة الدولية. وأجدّد التأكيد من منبركم، أن عائلة الرئيس الشهيد رفيق الحريري ستظلُّ تعمل مجتمعةً، بقيادة ابننا سعد وبمساعدة الأهل والأصدقاء في الداخل وفي الخارج، على إيجاد الحقيقة. لن ندّخر جهداً لدعم المحكمة حتى تبلغ أهدافها المرجوّة، بإذن الله تعالى.
على رغم كل التحقيقات التي أجريت والتي لا تزال قائمة، ونشوء المحكمة بمقرها وقضاتها، لم تبدأ المحاكمات بعد وهذا ما يجعل الناس يعتقدون أن التحقيق لم يصل بعد الى نتيجة تسمح بالبدء بالمحاكمات، كيف تردين على ذلك وهل نصل يوماً الى معرفة من أوحى وخطط ودبر ونفذ عملية اغتيال الرئيس الحريري؟
المحكمة لم تتشكّل لتفشل، والتقارير المتعاقبة للجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة أشارت إلى أدّلة باتت بحيازة المحكمة حول جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه والجرائم الأخرى المرتبطة بها. طبعاً الناس جميعاً، وفي طليعتهم عائلة الرئيس الشهيد رفيق الحريري، يريدون معرفة الحقيقة، ويريدون أن يعرفوا بالضبط ما هو التقدّم المُحرَز ومن قتل شهيدنا الكبير ورفاقه. ولكن علينا جميعاً أن ندرك حساسية عمل المحكمة وضرورة توخّيها السرية لبلوغ أهدافها، وعلينا أن نتعاطى بمسؤولية تامة مع كل ما يصدر عنها. باختصار، أقول إن الاهتمام الدولي بقضية الرئيس الشهيد رفيق الحريري لم يخفت ولم يفتر، وبالعكس فإن الأمم المتحدة خصّصت هذا العام جائزة الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية باسم الرئيس الشهيد رفيق الحريري، في خطوة تؤكّد التزام المنظمة الدولية حيال رجل دولة اقتنع بأهدافها ودافع عن مبادئها.
هذا فخر للبنان والجميع، هل يمكنك اطلاعنا على تفاصيل الجائزة؟
سميت «جائزة رفيق الحريري والأمم المتحدة التذكارية للمستوطنات البشرية»، وهي مبادرة مشتركة بين مؤسسة الرئيس الشهيد رفيق الحريري وموئل الأمم المتحدة، أُنشـئت لتخليد ذكرى الرئيس الشهيد رفيق الحريري بصفته رجل دولة ورجل خير ورجل تنمية وإعمار يمثّل نموذجاً ومثالاً أعلى للأجيال المتعاقبة. هذه الجائزة تسهم في تحقيق رسالة شهيدنا الكبير الداعية إلى تطوير الإنسان والبنيان عبر تشجيع الإبداع وتكريمه ومكافأة العمل المميّز واحتضانه وتوفير الفرص لأصحاب الخبرات والمهارات وحفزها على مزيد من العطاء والتميّز. ستُمنَح الجائزة كل سنتين إلى أفراد أو مؤسسات حول العالم حققوا إنجازات اسـتثنائية في القيادة وفن الحكم والحكم الصالح، أو في الإعمار وإعادة إعمار المستوطنات والمجتمعات، أو في تطوير الموارد البشرية والأنشطة الخيّرة في مكافحة الفقر وتطبيق برنامج المستوطنات البشرية.
الجائزة
من أبلغكم بالجائزة، وهل انطلقت رسمياً؟
تبلّغنا قرار الأمم المتحدة تخصيص جائزة تكريمية للرئيس الشهيد من السيدة آنا تيبيجوكا، المديرة التنفيذية لبرنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية، وهي تشاركني رئاسة هذه الجائزة. وانطلق العمل رسمياً بعد التوقيع على مذكرة تفاهم بين مؤسسة الحريري وموئل الأمم المتحدة ممثلاً بالسيدة تيبيجوكا في 26 -27 آذار (مارس) 2009. وسيُعقَد المؤتمر الأول لتسليم الجوائز للفائزين، في 22 آذار 2010 في البرازيل، بالـتزامن مـع المؤتمر العالمي المُدني الخامس. ويشرف على سير العمل في التحضير والمتابعة وصولاً إلى منح الجوائز لجنة توجيهية. وكذلك تتولى الإشراف على ملفات المرشحين للجائزة واختيار الفائزين، لجنة من الشخصيات العربية والأجنبية المرموقة. وأغتنم المناسبة لأشكر كل من ساهم وشارك وعمل ليلاً و نهاراً من أجل إنجاح هذا الحدث العزيز جداً على قلبي.
أليست المرة الثانية التي تكرّم فيها المنظمة الدولية الرئيس الشهيد رفيق الحريري؟
صحيح هي المرة الثانية، فالأمم المتحدة منحت الرئيس رفيق الحريري، تقديراً لإنجازاته الاستثنائية في مشروع إعادة إعمار لبنان، جائزة الشرف الخاصة لبرنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية، وهي أرفع جائزة يمنحها موئل الأمم المتحدة، وذلك في الدورة الثانية لمؤتمر المستوطنات البشرية الذي عُقِد في مدينة برشلونة الإسبانية، في الثالث عشر من أيلول عام 2004، في حضور أفراد عائلتنا.
بعد استشهاد الرئيس الحريري مرّ لبنان بفترات عصيبة أمنياً وسياسياً، كيف تنظرين الى هذا الوضع راهناً وبعد 5 سنوات على غيابه؟
الحمد لله أن لبنان يتميّز، وشعبه الشجاع، بقدرة استثنائية على تخطّي الصعاب والأزمات. فاللبنانيون تعلّموا، من تجربة الحرب الداخلية المريرة والاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على أبنائه وعلى أرضه، أن لغة الخلاف والتناحر لا مكان لها بينهم. وأدركوا تمام الإدراك أن لبنان قادر على صنع المعجزات إن حظي بنعمة الأمن والاستقرار. لهذا السبب، اجتمع اللبنانيون وراء الدولة ودعموا قيام حكومة وحدة وطنية، ونحن نتمنى لها ولابننا سعد الذي ينهج في قيادتها خطى والده الرئيس الشهيد رفيق الحريري، كل التوفيق في حمل البلاد إلى شاطئ الأمن والأمان. وإن شاء الله يبقى جو الحوار الذي نشهده اليوم سيّد الموقف وتبقى المصالحة والمصلحة الوطنية فوق كل اعتبار. هذا عهدنا بشعب لبنان الطيب وبقادته ومسؤوليه الذين نثق بوعيهم وحكمتهم وبحرصهم على الأمن الوطني والسلم الأهلي.
معروف أن الرئيس الحريري كان يبعد أولاده عن السياسة ولم يعددهم لخلافته، لكن بعد استشهاده توافقتم في العائلة على أن يتبوّأ ابنكم سعد الشأن السياسي، وأن يكون العمل الانساني والاجتماعي من نصيبك، كيف ترين مسيرة الشيخ سعد السياسية بعد 5 سنوات وقد أصبح دولة الرئيس وأعاد الرئيس الحريري إلى السراي الكبيرة؟
حرص ابننا سعد بل أصرَّ على أن يعلن تشكيل حكومة الوحدة الوطنية من دارة الرئيس الشهيد رفيق الحريري في قريطم، ليؤكد أن هذا البيت الوطني سيبقى مفتوحاً للناس، وأنه سائر على نهج والده وعلى خطاه في مسيرة بناء الإنسان والدولة، ونحن أفراد العائلة جميعاً معه ونسانده في تحقيق رسالة الرئيس الشهيد الوطنية والإنسانية. فذكرى الرئيس الشهيد رفيق الحريري لم تفارق السراي يوماً كما لم تفارق لبنان. والإنجازات التي حفِل بها هذا الصرح الوطني العريق، خلال حكوماته المتعاقبة، من مشروع إعادة بناء السراي نفسها، إلى مشاريع تنموية وإعمارية، واتفاقات بين لبنان والعالم، وزوّار عرب وأجانب جاؤوا لدعم لبنان وليشهدوا على ما حققه هذا البلد الصغير الكبير، كل ذلك سيبقى شاهداً حياً على نهج الرئيس الشهيد يعيش في رحاب السراي الحكومي، بل في كل مكان من لبنان أُنشِئت فيه مدرسة أو جامعة، وفُتِح فيه مستشفى، وشُيِّد فيه دار عبادة، أو أي مرفق حيوي أو معلم حضاري وثقافي واجتماعي وطبي وسياسي واقتصادي، بمبادرة أو بتشجيع من الرئيس رفيق الحريري.
وكذلك لن يغيب عن بال أحد ما حقّقه لبنان من نجاح بهر العالم في استضافة القمة الفرونكوفونية والقمة العربية في بيروت التي انبثقت منها مبادرة السلام العربية عام 2002، ولن ننسى طبعاً مشروع إعادة إعمار المدينة الرياضية وهو من الأحب على قلب الرئيس الشهيد، إلى جانب إنجاز مؤتمرَي «باريس – 1» و «باريس – 2» لدعم الخطة الاقتصادية التي تقدّمت بها الحكومة اللبنانية بقيادة الرئيس الشهيد، ومن ثم إنجاز اجتماع «باريس – 3» لمساعدة لبنان والذي عقده الرئيس الفرنسي (السابق) جاك شيراك بعد استشهاد صديقه الكبير وسماه مؤتمر رفيق الحريري، تقديراً لإنجازاته الوطنية التي لا يمكننا أن نعدّدها كلّها طبعاً في بعض السطور.
نعمل مع سعد ونتفهم جنبلاط
هل يشاورك دولة الرئيس في بعض الشؤون السياسية أو يطلعك عليها؟ وهل ترين أنه – ان جاز التعبير – ملأ الفراغ الذي خلفه الرئيس الشهيد؟
منذ أجمعت العائلة على اختيار ابننا سعد لإكمال مسيرة الرئيس الشهيد السياسية ونحن نعمل جميعاً بالتعاون والتـــشاور بيننا على تحقيق الأهداف الوطنية التي أرساها الرئيس الشهيد رفيق الحريري وعلى اتخاذ القرارات الكبرى. هذا ما علّمنا إياه رفيق العمر، علّمنا بالفعل أن «يد الله مع الجماعة»، وعلى هذه الأسس، أسس التكافل والتعاون والمحبة، بنينا معاً بيتنا وربّينا أبناءنا. أما الفراغ الذي تركه رفيق الدرب في عالمي فكبير جداً كالجرح في القلب، يبلسمه الأبناء والأحفاد والأحبة مجتمعين من حولي.
هناك شعور لدى البعض في لبنان بأن «قوى 14 آذار» تراجعت كثيراً، هل لديك الشعور ذاته؟ وكيف تنظرين إلى خروج النائب وليد جنبلاط منها؟
سأذكّرك بعبارة قالها الرئيس الشهيد رفيق الحريري في حديث إلى صحيفتكم «الحياة» عام 2001. قال إن مسؤولية النجاح والفشل في البلد مشتركة و «عندما ينجح البلد ينجح الجميع فيه». واليوم، إذا نجح لبنان واستطاع أن يواجه المخاطر والتحديات الداخلية والخارجية الراهنة سينجح جميع من فيه، شعباً وقيادةً. وحسبُنا أن نبقى متمسّكين بوحدتنا وبقيمنا الوطنية الكبرى، وفي طليعتها مبادئ الحرية والســـيادة والاستقلال، واحترام الغير وتقبُّل اختلافه، حتى يمضي لبنان قُدماً. أما بالنسبة للنائب وليد بك جنبلاط فيجب علينا أن نأخذ في الاعتبار أنه كان ومنذ خمس سنوات مضت على تفاهم مع 14 آذار، ومن الأفضل اليوم أن نتفهم موقفه وهو يتماشى مع الظروف التي تحيط به وهو الأدرى بها، لكنه بالتأكيد يدعم قضية 14 آذار لمعرفة الحقيقة وكشف خيوط الاغتيالات. أما مشاركته في ذكرى 14 شباط فهي وفاء للرئيس الشهيد رفيق الحريري الذي استشهد لأجل لبنان وتحقيق الأهداف الوطنية المنشودة في الحرية والسيادة والأمن والاستقرار، ووفاء لصديقه الذي يكن له كل المحبة والتقدير، وإكراماً لدماء جميع الشهداء الأبرار وتضحياتهم في سبيل الوطن.
بالنسبة إلى العمل الانساني والاجتماعي، هل ما زالت المسيرة مستمرة وهل استطعتم الحفاظ على المستوى نفسه أم إنكم تحضِّرون لانطلاقة جديدة؟
طبعاً المسيرة مستمرة، بإذن الله سبحانه وتعالى وبدعم كل حريص على لبنان. ونحن عائلة الرئيس الشهيد رفيق الحريري لا نألو جهداً لنحافظ على ثقة الناس ومحبتهم ولنبقى على قدر تطلّعاتهم، كما نسعى إلى تفعيل عملنا الوطني والاجتماعي بما يتناسب ومقتضيات المرحلة. ولكن ليس سراً أن الرئيس الشـــهيد رفيق الحريري، كان رجلاً استثنائياً بكل ما في الكلمة من معنى وليس سهلاً، بل ربما هو مستحيل علينا أو على أي أحد، أن ينجز ما أنجزه في ذلك العمر الذي لم يكُن للأسف طويلاً. ولكنها مشيئة الله عزّ وجل وحكمته، وقد سلّمنا بها واعتصمنا بالصبر على المصاب الجلل وبالصلاة والدعاء ليرحم الشهيد الحبيب ويرحمنا ويحفظ لبنان من بعده.
هل من أمور تودين الحديث عنها لم تطرَّق إليها أسئلتنا؟
هي كلمة شكر وتقدير للنـــاس لأنّهم لم يتخلّوا عنّا يوماً ولم يبخـــلوا علــــــينا لا بالمـــحبة ولا بالجهد ولا بالوفاء، ومنـــهم من ضحّى بالغالي والثمين وبالدم والروح أيضاً كي تبقى القضية ولا يضيع الحق، حق شهيد لبنان والعروبة وكل الشهداء الأبطال علينا. أشكر شعب لبنان الطيب باسم شهيدنا الغالي لأنه ما انقطع يوماً عن المشاركة بذكراه الغالية، في شهادة وفاء للرئيس رفيق الحريري الإنسان ورجل الدولة والقائد الوطني الذي حلم بلبنان موطناً للسلام والأمل والحياة، ونحن حلمنا مثله وسلكنا دربه.
ندعو الله تعالى أن يجعل مثواه الجنة، ونحن عائلة الرئيس الشهيد رفيق الحريري وشعب لبنان نسعى دائماً إلى تجسيد رسالته الإنسانية والوطنية التي دأب على تحقيقها في حياته وكرستها دماؤه الطاهرة بعد الاستشهاد. ولا يسعني إلا أن أعبر عن شعوري بالاشتياق إليه، كجميع الذين يحبّونه ويقولون له: «اشتقنا لك يا شهيد لبنان».