مسرحية "وصلت لـ 99"... تحية الى شوشو

لاربعاء 20 كانون الثاني 2010 | 17:43 بيروت

مسرحية "وصلت لـ 99"... تحية الى شوشو

لعل فكرة "من الشعب وإلى الشعب" هي أكثر ما يعبر عن القيمة الفنية لشخصية شوشو المسرحية. كان يجسدها بالأمس حسن علاء الدين شوشو، أما اليوم فابنه خضر علاء الدين. هو بطل المسرحية الكوميدية "وصلت لـ 99" من إخراج عمر ميقاتي، تأليف فارس يواكيم وانتاج فواز حويلي... تعرض حاليا على مسرح فيرساي في الحمرا منذ الخامس والعشرين من شهر كانون الأول (ديسمبر) 2008.

العرض إعادة لمسرحية قدمها شوشو الأب في العام 1973. تتناول فلسفة إجتماعية لا يحصرها تاريخ زمني معين، وهي مسألة مكانة المال من سعادة الإنسان. تحكي المسرحية قصة عامل بناء (شوشو) الذي يساهم في بناء مجلس النواب. يلتقي به منير بك وهو شخص شديد الثراء فيعرض عليه ابرام عقد يلزم شوشو بصرف ألفي دولار يومياً، يؤمنهما له منير بك. يدفع الفقر بشوشو إلى القبول بهذا الرهان بينما هو أكيد أنه سيربحه. إلا أنه يتضح له أن المال يترافق مع مشاكل جديدة، فيستنتج حكمة المسرحية وهي أن السعادة تكمن في روابط الأسرة والمحبة وليس بالمال.

يعترض هذه القصة الاجتماعية بين الحين والآخر، نص انتقادات سياسية، بحيث يتوازى مع المعنى المباشر معنى باطني. وتظهر التورية Double-sens حتى في عنوان المسرحية، إذ إن الرقم 99 يدل أيضاُ على عدد النواب في مجلس النواب وقت عرض هذا العمل للمرة الأولى. وتشمل هذه الإنتقادات السياسية فكرة محاباة الأقارب Népotismeوالفساد ونفاق رجال السياسة وغيرها. وأمثلة على ذلك: "كيف ما بدك اياه (مجلس النواب) يهبّط، والأساسات عاطلة"، "ليش اللي بالمجلس خلّو شي تينسرق"، "أنا بالوج موالي وبالقفا معارض"، "كل مين فكر بالتجديد وقع عراسو شك ووقعنا معو"...

وحاولت المسرحية بشكل عام، أن تواكب الحدث، من خلال تكييف اختيار الكلمات مع الوضع السياسي الراهن، كاستبدال مثلا كلمة "الجنوب" من المسرحية القديمة، بكلمة "غزة" في المسرحية الحالية: "رح تستعمل هيدا السبب حجة تإسرائيل تعتدي على غزة".

يرتكز العمل على سينوغرافيا كلاسيكية، بحيث يحوي العرض ثلاث ديكورات مختلفة وتتخلله إستراحة. تفتتح جزءي العرض مقطوعة صغيرة من موسيقى الجاز. وينتهي العمل بمونولوج لشوشو وأغنية يشترك في أدائها جميع الممثلين.

تنتمي هذه المسرحية إلى المسرح الوطني الذي أسسه في العام 1965 حسن علاء الدين شوشو ونزار ميقاتي، والد المخرج عمر ميقاتي. عرف هذا المسرح كذلك بإسم مسرح شوشو، ومات مع وفاة الفنان. ثم أعاد إحياءه خضر علاء الدين في العام 1990، حين بدأ حياته المهنية كممثل، في مسرحية "أخ يا بلدنا". يقول عمر ميقاتي: "لقد أردنا من خلال هذا العمل أن نوجه تحية لروح المرحوم شوشو ولمؤسسة المسرح الوطني".

المسرح الوطني يتمحور حول قضايا الناس والمسائل التي تهمهم ويسعى للتعبير عنها بطريقة شعبية. تتناول مسرحية "وصلت لـ 99" من هذه القضايا، موضوع الفقر والهجرة والزواج والعادات وغيرها، إضافة إلى التلميحات السياسية، فتعبر عن الجمهور اللبناني في السبعينات باهتماماته ومشاكله. ولعل شوشو يجسد الشخصية الشعبية بامتياز. فهو فقير ومتزوج وأب لثلاثة أولاد، ينطبق وضعه على وضع ألوف الناس غيره.

كما يساهم في تحبيب جمهوره به وقربه منه، عاملان أساسيان: أولاً، شوشو مميز. هو مميز بقامته الصغيرة الضعيفة وشاربيه الكبيرين. وهو خفيف الظل أو "مهضوم" كما يصفه جمهوره، تدفعه بساطته وثقته بنفسه إلى البوح بما في داخله من دون تزلّف. يتحلى بروح النكتة، تتجلى أحياناً على هامش المواضيع الأساسية في المسرحية، فتضفي جوا من المرح فيه بساطة وخفة. وعنصر الخفة هذا من أسس المسرح الوطني الذي لا يناشد بالضرورة المفكرين إنما الشريحة الأوسع من الناس الذين يتمثل مسرح شوشو أمامهم كمساحة تعبير، يحكي لغتهم ويتناول مسائل حياتهم. والعامل الثاني هو الأسلوب التمثيلي الذي يتحلى به خضر علاء الدين شوشو. فهو "على طبيعته" لدرجة تشعر وكأن خشبة المسرح لم تعد تعزلك عنه. أي كأنه يعيش فعلاً ما يمثله، فتراك أمام إنسان مثلك، بدل من أن يكون ممثلاً، تدخل معه إلى منزله، فتنعم داخله بالمحبة التي تتميز بها علاقات أفراد العائلة، فيما قبل أن تثقل هماً بالمشاكل فيه، تأتي الفكاهة وتحملها عنك.

كما ويتميز أسلوب شوشو التمثيلي بليونة بدنية تحمل قوة التعبير إلى أقصاها. يقول المخرج: "لقد دفعت بجسد شوشو على المسرح إلى أبعد الحدود". فتراه يختبئ في صندوق صغير، أو يلف رجله من وراء رقبته، فيما أن جميع حركاته تتحلى بمرونة جسدية فتحمل دعوة إلى الجمهور بالتحرر الذهني وتزيد من وفرة المرح والتسلية.

وأكثر من ذلك، فإن شخصية شوشو، وإن كانت شعبية وتتوجه أولاً إلى الشعب، إلا أن شخصيته والمسائل المطروحة في هذا النوع من المسرح يمكن أن تهم الجميع. ففكرة أهمية المال في توفير السعادة هي مسألة يفكر الجميع بها، مهما كان وضعهم الإجتماعي أو الثقافي. فشوشو هو أشبه بشارلي شابلن الذي يتشارك جمهور متنوّع الإهتمام بأعماله. يقول خضر علاء الدين "لقد أردت أن يتعرف الجمهور على شوشو"، والممثل هو بنفسه أحد هواة شخصية شوشو الأب. وتوافقت رغبته مع غيره ممن يريد أن يعرف الجيل الجديد على شوشو "القديم". فمن الجمهور من أتى بفضل الذكريات الجميلة التي تركها شوشو لدى والديه. ومنه من وقف أمام صور شوشو الأب وشبه به إبنه. ويؤكد خضر علاء الدين دوام علاقته بأبيه على المسرح فيقول: "أنا لا أنكر في أي عمل مسرحي لي، علاقتي بشخص اسمه شوشو".

لا شك أن المسرح بشكل عام والمسرح الوطني بشكل خاص، أو ما يسمى بالمسرح الشعبي هو إبن عصره، يعبر عن أفكار زمنه لأنه نابع من حاجات الشعب. ولعل المشاكل الاجتماعية والسياسية في لبنان ما لبثت هي هي إنما على تفاقم، منذ السبعينات وحتى الآن، لذلك فإن الجمهور اليوم ما زال يفهم شوشو ويتعاطف معه.

يلاحظ خضر علاء الدين: "إن شخصية شوشو تختلف من مسرحية إلى أخرى وإن كان هو الشخص نفسه دائماً. وأنا في كل مرة أعمل على هذه الشخصية من جديد".
غير أن نحن الجمهور، لا تغيب عن ذهننا فكرة أن هذا العمل هو إعادة لعمل قديم، وليس ابتكاراً معاصراً لمشاكلنا، لا بل إنه لا يعطي شوشو شخصية معاصرة جديدة. إضافة إلى ذلك، إن الإنتقاد السياسي ليس بمستوى حدة الأزمة السياسية التي نعيشها اليوم. فيبقى شوشو-المفهوم متأججاً داخلنا، فيما أننا على يقين أن شوشو الشخص لم يعد على قيد الحياة.

ويبقى السؤال: ما هو الإختلاف الأساسي بين شوشو السبعينات وشوشو الـ 2009، وكيف كان ليولد شوشو لو ولد اليوم؟

الموضوع الأصلى : مسرحية "وصلت لـ 99"... تحية الى شوشو المصدر : قيثارة الغناء العربى

توقيع العضو:

moni