زكي ناصيف
28 يناير 2006
سلاسة ما بعدها سلاسة …. نغم يتدفق من القلب …. بسرعة متناهية … ايقاع متفرد … ينبئ عن روح صافية قفازة …. هذا هو رجل راجع راجع يتعمر لبنان ….. وطلوا
حبابنا طلوا … يا عاشقة الورد.
زكي من الملحنين الرواد … وله اسلوبه المميز ذو الخصوصية الشديدة ….هذا بالاضافة إلى صوته الجميل المعبر .
زكي ناصيف، من أيام الصبا، اعطانا الثقة بالنفس والوطن والحياة. فهو الوطني الصادق جميل النفس .
زكي باعتقادي ثالث الكبار اللبنانيين بعد فيلمون وهبي وعاصي الرحباني .
ولد زكي ناصيف في بلدة مشغرة (البقاع الغربي – لبنان) في الرابع من تموز عام 1916 . يوم كانت سوريا ولبنان لاتزالان بلدا واحدا إسمه سوريا الكبرى .
انتقل من البلدة إلى بيروت 1924 كان عمره آنذاك 8 سنوات حيث بدأ دراسته واكتشف صوته الجميل وامكانياته حيث لحن في مدرسته الثانوية نشيد المعهد.
تابع علومه حتى نال الشهادة الثانوية.
بدأ بتعلم العزف على العود عام 1930.
في عام 1936 التحق طالبا في المعهد الموسيقي في الجامعة الاميركية مدة اربع سنوات. وكان هدفه منذ ذلك الحين الإفادة من الموسيقى الأوروبية لخدمة الموسيقى اللبنانية. تعلم العزف على
العود والبيانو، وحفظ قواعد الصرف والنحو الموسيقي، واخضع لتمارين الصوت.
بعدها اندلعت الحرب العالمية الثانية فأكمل دراسته عند مدرس خاص اسمه روبيير .
مارس السياسة وانتسب إلى الحزب القومي السوري يوم كان انطوان سعادة رئيسا له .
ساعده أباه ليبدأ تجارته كبائع جلود فعمل لعدة سنوات ثم انضم إلى أخوته بعد مرض والده.
وفي عام 1953، قرر احتراف الفن …. وربما يبدو متأخرا نوعا ما و ذلك لأنه كان يعتبر ذلك في البداية هواية اكثر منها احترافا وكان ذلك في اذاعة الشرق الادنى عام 1953 حيث استمر نشاطه
مقتصرا على تلك الاذاعة الى ان توقفت عن البث عام 1956 على اثر العدوان الثلاثي على مصر.
انتقل نشاطه الى الاذاعة اللبنانية في عهد مديرها حسن الحسن: حيث لحن اول اغنية له في اذاعة الشرق الادنى كتبها محمد يوسف حمود ويقول مطلعها: (كيف انساك وفي عيني وبالي، صورة انت
على رحب الخيال)، وكانت مدتها عشر دقائق. وبعدها كانت الانطلاقة،
في (الشرق الادنى) كان هناك نشاط بارز للاخوين رحباني وفيروز، وصبري الشريف الذي كان مشرفا على القسم الموسيقي ، طلب صبري من الاخوين رحباني ان يقدما له (حوالى عشر اغنيات
قصيرة على انغام غربية راقصة).
ادخل زكي ناصيف نوعا جديدا على الغناء في الاذاعات وهو غناء الكورس بعدما كان الغناء مقتصرا على الفرد حيث لم يكن احد قبله يجازف في وضع اغنيات للكورس. وقام بهذه الخطوة بتشجيع
من صبري الشريف الذي وزع الاغنيات ومعظمها من اللون الصباحي على اكثر الاذاعات العربية).
شكلت مهرجانات بعلبك عام 1955 الانطلاقة الحقيقية لزكي ناصيف في مجال صناعة اغنيات الدبكة المستمدة من روح الفولكلور فحين بدأ في مهرجانات بعلبك كان الاخوان رحباني قد جمعا كل
الفولكلور القديم واعادا تقديمه بشكل جميل فأراد التميز عنهما فبحث عن شيء جديد ووجد اهازيج غير ملحنة ونظم اغنيات على وزنها). واكمل زكي ناصيف الطريق نفسه في شتاء 1959 في
الاذاعة اللبنانية وسرعان ما اصبح اتباع هذا الخط كثيرين من القدماء والجدد.
وأعطى المهرجان الأغنية الفلكلورية هويتها وشكلها وميزتها من خلال تحديث زكي له .
فبدلا من ان يغني (الدلعونا) فضل ان يبتكر عملا ويضع (الدلعونا) فيه. وهكذا ولدت اغنية (طلوا حبابنا طلوا).
سارت مهرجانات بعلبك على خطين فنيين: واحد التزم بجميع الاغاني الفولكلورية القديمة واستأثر بمعالجتها. والخط الثاني اضطر ازاء هذا الموقف اتخاذ خط جديد ليس بعيدا عن الجو الفولكلوري
وفي الوقت نفسه ليس موروثا. وكان هذا خط زكي ناصيف الذي بدأ فيه في مهرجانات بعلبك مع فرقة (الانوار) واتبعه كثيرون من القدماء والجدد.
عن تأسيس الفرقة قال ناصيف:
(بعد سنة 1959 ابدى المرحوم الاستاذ الكبير سعيد فريحه رغبة في احياء حفلة في كازينو لبنان، على غرار حفلات الليالي اللبنانية، لاطلاق جريدة (الانوار) فقال له نزار ميقاتي قدمنا عملا
فولكلوريا للمجموعة في بعلبك، فلماذا لا تتبناه وتغطي تكاليفه لانه يعطي نتائج معنوية جيدة. اعجب الاستاذ سعيد بهذا الموضوع وتبناه. واستأجرنا مكانا في رأس بيروت – نزلة الحمام العسكري
وصرنا نتدرب فيه لاحياء المهرجان في حزيران سنة .1960 وفي خلال شهرين ونصف الشهر انجزنا العمل وقدمناه في كازينو لبنان. وكان عنوان مهرجان (الانوار) وفيما بعد اطلق على الفرقة
اسم فرقة (الانوار..)
(قدمت الفرقة اغنيات للرقص مهمة جدا، واستمريت في تعاوني معها حتى النهاية والحاني كانت بارزة فيها. ابرز ما قدمته كان اسكتش (الحصاد ودرس القمح على البيادر)، (هللي يا سنابل فوق
بيادرنا) ثم دبكة (سهرنا حتى قطفنا مواسمنا) والافتتاحية الموسيقية للمهرجان ورقصة الاباريق ودبكة (ليلتنا من ليالي العمر) وكان مهرجان (الانوار) هو الاساس ونضيف اليه بعض المحطات
الجديدة في كل حفلة كنا نقدمها).
(كان سعيد فريحه من القلائل في الاوساط الصحافية الذين يملكون ذوقا فنيا مرهفا. وكان الفنانون المصريون الكبار يكنون له جانبا كبيرا من الاحترام والمحبة والتقدير).
لحن زكي للكثيرين : فيروز – صباح – وديع الصافي – سميرة توفيق – نصري شمس الدين – ماجدة الرومي – سلوى القطريب – ماري سليمان
كان زكي يحب الحياة … ولذلك احبته الحياة ….
توفي رحمه الله صباح الخميس في 11- 3 – 2004 .