في عصر الفضائيات .. لاغنى عنه للمصريين
بقلم / محمد المكاوي
المسحراتي في مصر هو واحد من المظاهر الرمضانية الشهيرة تماما كالكنافة والقطايف والفانوس..يجوب مختلف الأحياء في المدن والقرى سائرا على قدميه لتسحير المسلمين، وبمرور الزمن طرأت عليه كثير من التغيرات وبخاصة مع بدء البث الإذاعي المسموع والمرئي حيث يسمعه ويراه الملايين عبر الراديو والتليفزيون طوال الشهر الكريم، ورغم ذلك لم يختف مسحراتي الشارع إذ لا تزال الناس تنتظره مع بزوغ هلال رمضان من كل عام.
فما هي قصة ظهور المسحراتي في مصر ولماذا نحتفي به كل هذا الاحتفاء وإذا كان المسحراتي يعمل شهرا واحدا فما هى طبيعة عمله بقية شهور العام .
نشأة المسحراتي
تذكر لنا كتب التاريخ ان فن التسحير في مصر بدأ في رمضان عام 238هجرية و أول من صاح به هو والى مصر أيامها "عتبه بن إسحاق" حيث كان يخرج بنفسه ويسير على قدميه من مدينة والى عسكر "الفسطاط"حاليا حتى جامع عمرو بن العاص وهو ينادى في طريقه بالسحور صائحا:
عباد الله تسحروا ففي السحور بركة
كان ذلك يحدث أيام كانت مصر بضعة آلاف ومع تزايد السكان تزايد أعداد المسحراتية واستعان بعضهم بطبلة صغيرة تسمى "البازة " وقطعة من الجلد يقرع بها طبلته مع النداء المنغم علي سكان الحي أو الشارع وذكر مناقبهم ووظائفهم وأسماء أولادهم بكثير من المبالغة والمجاملة أملا في مكافئة سخية يحصل عليها مع أول أيام عيد الفطر حيث يملا جيبه بالنقود وسلته بالكعك ،وقد يعتقد البعض أن عمل المسحراتي يبدأ مع أول ليالي شهر رمضان ولكن الحقيقة أن عمله يبدأ قبل ذلك بأسابيع وربما شهور وذلك بان يحفظ أسماء السكان فى كل حي وكل مسكن وحي حتى ينادى عليهم وقت السحور-إلا أسماء النساء- وتقسم المناطق بين المسحراتية بحيث يكون لكل منهم قسم أو عدد من الشوارع يكون هو المسؤل عن إيقاظ سكانه.
وقد استهوت هذه الشخصية أحد المستشرقين وهو المستشرق الإنجليزي "إدوارد لين " الذي زار مصر مرتين خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر الميلادي وشغف شغفا كبيرا بعادات المصريين وتقاليدهم ،ودون ملاحظاته فى سفره القديم المعروف باسم "المصريون المحدثون ..شمائلهم وعاداتهم" يقول فيه عن المسحراتي:
يبدأ المسحراتي جولاته عادة بعد منتصف الليل ممسكا بشماله بطبلة صغيرة وبيمينه عصا صغيرة أو قطعة من جلد غليظ،وبصحبته غلام صغير يحمل مصباحا أو قنديلا يضيء له الطريق،ويأخذ المسحراتي في الضرب على الطبلة ثلاثا ثم ينشد ،يسمى فيه صاحب البيت وأفراد أسرته فردا.. فردا – ماعدا النساء- ويردد أيضا أثناء تجواله على إيقاع الطبلة كثيرا من القصص والمعجزات والبطولات عن الرسول صلى الله عليه وسلم وأبو زيد الهلالي وغيره،ويسعد الناس كثيرا بسماع صوت هزه الشخصية المحبوبة وعلى الأخص الأطفال .
مسحراتي الأحياء الشعبية
ولا يزال المسحراتي بمظهره القديم الذي وصفه"لين" موجودا في الأحياء الشعبية الى اليوم مع اختلاف طفيف حيث ان عمله يبدأ في الساعة الثانية صباحا – وليس منتصف الليل- وقد يعمل ممسكا فقط بعكازه يطوف على بيوت الحي مرددا:
يا عباد الله وحدوا الله،سحورك يا صايم وحد الدايم
يا عباد الله وحدوا الله.
ويتبع تلك النداءات بطرقات من عكازه على أبواب البيوت قائلا:
قوم ياحمادة وأنت يا وليد..
سحورك ليوم جديد..
بالله يا هدى أنت ورشا
اصحى ياتامر..السحور ياولاد.
والنداء باسم الأطفال يفرحهم جدا،وهو يحفظ أسماء كل أبناء الحي ..أطفاله ورجاله،وينتظره الأطفال كل ليله ليسمعوا صوته ويطلبون منه ان ينادى أسماءهم.
وهناك مسحراتي آخر يردد :
يا عباد الله..وحدوا الله..دا وقت الاستغفار والطلب من الله..سحورك ياصايم..قوم وحد الدايم ..من العام للعام بنستناك يا شهرنا ..جتنا يا رمضان وحشتنا..ماشي يا رمضان شوقتنا ..ماشي يا رمضان اهو ماشي اللي صام رمضان ماينساشي،ما تقوم يا عبد الله،دا وقت الاستغفار والطلب من الله،سحورك ياصايم..قوم وحد الدايم ..يا عباد الله وحدوا الله..بعودة يا رمضان..ياشهرالزكاة والصوم..يا شهر انحبست فيه الشياطين،لا أوحش الله منك يا شهر الصيام،يا شهر التسابيح..ياشهرالتراويح..قوم يانايم قوم..لا يفوتك الصلاة والصوم.يا عالم مين يشوف مين..كل عام وانتم طيبين.
وفي العشر الاواخرمن رمضان يردد عبارات التوحيش قائلا:
لا أوحش الله منك يا شهر الصيام
لا أوحش الله منك يا شهر القيام
لا أوحش الله منك يا شهر الولائم
لا أوحش الله منك يا شهر العزائم
لا أوحش الله منك ياشهرالكرم والجود
أما مسحراتي الأحياء الراقية،كالزمالك والمهندسين والمعادي فهي تشهد لونا اخرمن التسحير،حيث يسير المسحراتي وهو يحمل ميكروفونا صغيرا يكتفي فيه بترديد أسماء الأطفال.
مسحراتي القرية
والمسحراتي في القرية زمان لم يكن دوره يقتصر على السحور فقط وانما الإفطار أيضا ..فعندما تميل الشمس الى الغروب ، يخرج ساعته الجيب ودفترا صغيرا لتقويم الوقت فلكيا يسمى "تقويم البازيدي" والذي يحتفظ به العديد من أهل القرى..ففيه مواعيد الزراعة ومقاومة الدودة والآفات وبه نصائح زراعية وطبية ووصفات بلدية عديدة للشفاء من أمراض كثيرة،وفوق ذلك تقويم الشهور بأنواعها..القبطية والفرعونية والعربية والإفرنجية ومواقيت الصلاة ومواعيد السحور وهكذا..
وقبل حلول موعد آذان المغرب بربع ساعة يصعد الى سطح المنزل يراقب صعود مؤذن المسجد وما أن يضع مِؤذن المسجد يده على أذنه ليعلن:
الله اكبر…الله اكبر
فإذا به يطير الى الطبلة فيضرب عليها عدة ضربات قوية،فيهرول الأطفال والشباب الىبيوتهم ليخبروا الأهل بآذان المغرب،وبالتأكيد هذا الدور للمسحراتي وقت الإفطار تلاشى تماما الآن مع ظهور الميكرفونات وانتشارها في المساجد.
والمسحراتي في القرية لا ينادي ولكنه يطبل فقط ويردد:
يا عباد الله…وحدوا الله
اصحي يانايم..وحد الدايم
أما إذا كان مسحراتيا مخضرما فانه ينشد:
اصحى يانايم وحد الدايم
ياللا يابوسيد يازين الملاح
لا الشمس تطلع في كل صباح
قوم يا حسان اتسحر قبل الأوان
وأنت يابو صفاة
الحق نفسك قبل ما يدن حي على الصلاة
صلوا بينا عا النبي كل ساعة
زين الشفاعة يا مؤمنين
اصحى يانايم اصحى
وحد الدايم..وحد الله.
والمسحراتي في القرية لا يكون وحده أبدا ،فدائما ما نجد عدة شباب معه يمسك أحدهم بالفانوس والى جوارهما شاب آخر يمسك بعصا غليظة لزوم ضرب الكلاب الضالة التي تقتحم الموكب،وهكذا حتى يأتي يوم العيد في الشوارع وخلفه الأطفال في موكب كبير مليء بالبهجة،وتتبعه زوجته وهي تحمل قفة كبيرة فيخرج الأهالي إليه بأطباق الكعك والبسكويت وقليل من المال ولا ينسى ان يقول لكل من يخرج إليه "كل سنة وانتم طيبون".
ومهنة المسحراتي سواء في القرية او المدينة يرثها الأبناء من الآباء او الأجداد،وقد يكون يملك كشكا لبيع السجائر والحلوى او موظفا في إحدى الجهات الحكومية أو بقالا او نجارا او يمتهن أي حرفة أخرى،ومن طريف ما يذكر ان احدالمسحراتية فوجئ ذات ليلة بطبلته مقطوعة،فامسك بغطاء حلتين وسار يضرب بهما بدلا من الطبلة.
تطور المسحراتي
وفي عام1964م التفت الراديو والتليفزيون الى المسحراتي،فالتقطه الراديو في البداية وقدمه بصوت سيد مكاوي وكلمات الشاعر فِؤاد حداد فأضاف بعدا اجتماعيا وسياسيا الى فن التسحير من بينها على سبيل المثال:
حيوا الوطن في الغيط ابوا الفدادين
وفي حصة العربي ودرس الدين
حيوا الوطن في الجبهة والميادين
يوم الجهاد الكل مجتهدين
وتعملوا مثل ما تقولوا
حبوا الوطن اشقوا له
لولا العرق ما كنش نور الجبين
ولما انتقل المسحراتي الى التليفزيون،أصبح هو مسك الختام للإرسال التليفزيوني في رمضان أيام كان الإرسال ينتهي في منتصف الليل،أما الآن ومع امتداد ساعات الإرسال طوال ال24 ساعة وعادة المصريين وحبهم للسهر في ليالي رمضان،اختفى الدور الحقيقي لمسحراتي الشارع..ولكنه يظل مظهرا رمضانيا وتقليدا لاغنى عنه للمصريين في عصر التليفزيون والدش.
فعلا لا غنى عن المسحراتي وعنا بلبنان ايضا المسحراتي يزاول مهنته سنويا والك هديتي يا استاذي الحبيب
المسحراتي ولكن على طريقتي
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
عدل سابقا من قبل هدى في الجمعة 4 سبتمبر 2009 - 19:03 عدل 1 مرات