محمود الشريف ..نبت أصيل في غنائيات البيئة

محمود الشريف ..نبت أصيل في غنائيات البيئة

القاهرة ـ الفن أونلاين

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
محمود الشريف
قد لا يعرف الكثيرون أن الموسيقار محمود الشريف خاض قبل تفرغه للتلحين تجربة الغناء وكان من المنتظر أن تنجح التجربة وان تستمر لولا الظروف التي أدت بصاحب الموهبة المؤكدة لهجر مجال الغناء والتفرغ لصنع علاماته الغزيرة والناجحة والتي صنعت ملامح محمود الشريف في مجال الألحان والتي جاءت مثل النبت الأصيل للبيئة التي خرج منها.

وعلى الرغم من كثرة الألحان التي تحمل توقيع محمود الشريف فإن هناك القليل من الأعمال التي أداها محمود الشريف بصوته لم تزل صالحة للإذاعة من خلال الراديو أو تسجيلات الاسطوانات والكاسيت مثل "غني لي يا خالي" "يا اسكندرية عاطر سلامي" ، "الدنيا ارزاق" "سبحان الرزاق" "بالوما" .. وهي أعمال تشعر عندما تستمع إليها بالطبيعة الخاصة التي تميز صوت محمود الشريف والذي يبدو في حالة مختلفة لا تشبه غيره من الأصوات التي عاصرها أو التي سبقته في الظهور .

صوت محمود الشريف فيه من ملامح البيئة حفيف أوراق الشجر في ساعات السحر في أيام النسيم العليل وهو صوت يقترب من خصوصية التعبير عن بيئته فيبدو في حال الماء الرقراق عندما ينطلق في الجداول والممرات المائية فيعطي الخرير الطبيعي من ناحية وضوح الصوت وقوة الصدي وحيوية التردد.

وصوت محمود الشريف له تأثير صريح على أداء عدد غير قليل من الأصوات التي غنت ألحانه وأقرب هذه الأصوات إلي طبيعة أدائه صوت المطرب عبد الغني السيد الذي تقترب طبيعته الأدائية من طبيعة أداء أهم ممن وضعوا ألحان أغانيه وهو الموسيقار محمود الشريف

صوت محمود الشريف يبدو في المسامع وكأنه الصوت المغموس في خصوبة التعبير الشعبي الذي لا يكاد ينفصل عن الموروث والأصالة الفلكلورية

ومن خصال صوت محمود الشريف هو ما يبدو على خصال ألحانه فهو الأبرز من بين كبار ملحني جيله ممن اهتموا باستمرارية تعبير مدرسة سيد درويش اللحنية وحيث أصبح من أعمدة مدرسة التلحين الحديثة بحيث لم نعرف لأي من ألحانه العديدة شخصية سوي تلك التي تعكس مدي اصالتها وارتباطها بالبيئة التي تمثلها كما لم نعرف لها هوية غير الالتصاق بالانسان في الارض العربية التي ينتمي إليها

وعلى الرغم من كل ملامح النبوغ والتعبير عن الطابع القومي والتجانس مع خصال البيئة التي ينتمي اليها يظل لاسم محمود الشريف ذلك البريق الذي ينقصه التكريم الملائم لحجم العطاء ومستوي الموهبة، وحيث يبدو التعبير عن ذلك الامر واضحا في الفلسفة التي تبناها محمود الشريف في أحد اشهر ألحانه والتي تطل منها استغاثات الالم من حالات النكران ومن خلال تعبير يقول :

"ليالي العمر معدودة .. وليه نبكي على الدنيا .

وناس في الدنيا موعودة .. نصيبها يروح لناس تانية"

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
في مطلع شبابه
تبدأ ملحمة العطاء في حالة محمود الشريف من ظروف نشأته حيث كان الابن الأوسط لوالده الذي عمل إماما لمسجد "العجمي" فى غرب الإسكندريةبينما مسقط رأسه ومقر إقامة العائلة في شارع الحمام" من حي باكوس" في شرق الاسكندرية وعلى مقربة من شارع "الدكتور قنواتي" الذي ولد فيه مفجر المد القومي العربي الزعيم الراحل جمال عبد الناصر.

وقد أثرت نشأة محمود الشريف عليه وعلي استعداده لظهور موهبته في المجال النغمي فالوالد كان ذا صوت جميل وكان يرتل القران الكريم في ساعات الصباح الاولي وساعات الليل الاخيرة . ومن خلال ترتيل الاب تقدم لسان الابن وامتلك مخارج ألفاظ سليمة وقدرات طيبة على استضافة اللحن والميل الغريزي لنطق الكلمات من دون تحريف أو تغيير.

وقد عرفنا من الموسيقار الراحل في حوار معه لبرنامج "مهرجان النجوم" وكنا نشارك فيه ان اقترابه من عالم الغناء يعود الي موهبة شقيقه الاكبر اسماعيل الشريف الذي اشتهر بالعزف علي العود وبالتلحين والغناء في مسارح منوعات في أواخر العشرينات وبدايات الثلاثينات.

اقترب محمود الشريف من ذخائر تراث سيد درويش الذي لم يعاصره ولكنه استوعب جماليات ألحان الشيخ سيد من خلال حفظة تراثه أصحاب الأصوات الغنائية القادرة بالقرب من مسقط رأسه في حي "كوم الدكة" الواقع على ربوة في وسط الاسكندرية.

كانت بدايات محمود الشريف مع الصعود على السلم النغمي من خلال تردده على متجر لبيع الاسطوانات واجهزة البيك اب والجرامفون، قريب من محطة ترام باكوس وعلى مقربة منه في حدائق قصر الأمير عمر طوسون حفيد مؤسس الاسرة المالكة السابقة في مصر "أسرة محمد علي" وهو شخصية أرستقراطية مغرمة بالبحث العلمي وبالرحلات والدراسات الجغرافية والاقتصادية إضافة إلي هواية سماع الموسيقي من خلال لقاءات كشك الموسيقي في حديقة القصر الذي اصبح بعد ذلك مقراً لاتحاد الاذاعة والتليفزيون في الإسكندرية حيث استديوهات راديو وتليفزيون الاسكندرية.

لقد بدأ محمود الشريف رحلته مع الغناء من خلال المشاركين في نشاطات الفرق الفنية التي نشئت في تلك السنوات مثل فرقة فوزي الجزايرلي وفرقة محمد المسيري وفرقة ابراهيم فوزي وغيرها من الفرق التي أبهجت ليل الاسكندرية في سهرات الصيف والربيع والخريف .

وبعد مرحلة الغناء مع الفرق السكندرية رحل محمود الشريف إلي القاهرة وفيها التقي بنجمة مسارح المنوعات بديعة مصابني التي قدمته لزملائه في فرقتها : فريد الاطرش وابراهيم حمودة ومحمد عبد المطلب ممن عملوا في مسرحها في بداية الثلاثينات .

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

يتبع

الموضوع الأصلى : محمود الشريف ..نبت أصيل في غنائيات البيئة المصدر : قيثارة الغناء العربى

توقيع العضو:

هدى

لم يكن حال الغناء في ملهي بديعة مصابني بمثل الغناء الذي اعتاده محمود الشريف في مسارح منوعات الاسكندرية وحدث أن طلبت منه بديعة مصابني المشاركة في الغناء .

لكن محمود الشريف فشل ولم يستطع مواجهة الجمهور فما كان من بديعة إلا أن خيرته بين الاستمرار في الغناء والتمتع بالجرأة على مواجهة الجمهور وبين التفرغ للتلحين والعزف في فرقتها التي تكثر فيها طيلة أيام الاسبوع ، غنائيات مشاهير تلك السنوات عبد المطلب وفريد الاطراش وابراهيم حمودة وعزت الجاهلي وغيرهم فاختار الشريف أن ينضم للملحنين الذين حققوا شهرتهم من خلال مسرح بديعة مصابني أمثال أحمد صبرة وعزت الجاهلي وفريد غصن ووضع أول ألحانه التي قدمها بصوت محمد عبد المطلب وهي أغنية "بتساليني بحبك ليه" وقدمها مع بدايات الإذاعة الرسمية ومن خلالها صعد نجم محمد عبد المطلب واتسع مجال نشاط محمود الشريف خصوصاً مع اختيار الاذاعة له للتلحين والغناء في عدد من الأوبريتات والأعمال الغنائية الإذاعية ومنها أوبريت "بالوما" مع سعاد مكاوي ، وأوبريت "عذراء الربيع" حيث قدم المغنية جيهان التي اشتهرت بأغنية "هيا إلي المروج".

لقد شكلت هذه الأوبرات والصور الغنائية كذلك أوبرا "روما تحترق"التي تعد أول محاولة لتقديم أوبرا عربية من خلال هذا الفن بلسان عربي وسيلة الشريف للتعبير عن ملكة التلحين المسرحي واستيعاب الاتجاه التعبيري في التلحين.

كما كانت الصور الغنائية التي قدمها مثل "الراعي الأسمر" ـ "قسم" "مرآة الساحر" "لولي الندي" "متحف الشمع" "ولد العم" " عذراء الربيع " "بالوما" "روما تحترق" وسيلته لتقديم دراما غنائية بعد سحب البساط من تحت خشبة المسرح الغنائي فاختار الشريف هذه الوسيلة لتقديم الأعمال الغنائية والاستعراضية التي استطاع أن يتألق من خلالها بحيث تربع على عرش ألحانها من خلال أشهر نجومها وهم بترتيب تعاونه معهم: رجاء عبده وليلي مراد وصباح وشادية وهدي سلطان وعبد الحليم حافظ .. وغيرهم.

ومحمود الشريف استطاع بموهبته واجتهاده ومحاولته الاستزادة الثقافية والعلمية أن يصبح أحد أهم كبار رموز التلحين العربي حتى عرف عن هذا الفنان اجتهاده للالتحاق بالمعاهد الفنية ومحاولته دراسة أصول التأليف الموسيقي وعلوم التوزيع ، حتى بعدما أصبح ملحناً كبيراً ونجماً في سماء النغم وعلى الرغم من تعمق هذا الفنان في الإمساك بجميع أسرار التلوينات المقامية وطرق العودة إلي المقام الأساس وغير ذلك من الأساليب التي تقوم بدور التلوين الموسيقي في اللحن العربي وهو ما يوازي ما تؤديه الهارمونية في الموسيقي الغربية ، لم يتعمد الشريف أن يدخل أي إضافة على نسيج العمل من نوع تلك الإضافات التي يدخلها البعض عنده على اللحن العربي فيبدو وكأنه تشويه لمعالمه وطبيعته.

لقد تميز محمود الشريف في عطائه اللحني بمثل ما تميز به سلوكه العام فقد عرفنا عنه الترفع عن الانغماس في حياة الصخب الفني والبعد عن نفاق أصحاب الجاه والسلطان ، فكان صاحب مواقف شامخة شجاعا في إبداء الرأي ، يرفض صحبة أصحاب الصولجان، ويتعفف عن سلوك طريق من يطلقون دخان المباخر ، أو من يتقدمون مواكب النفاق.

والموسيقار محمود الشريف حصل على جائزة الدولة التقديرية بعد انتظار طويل وهو في لحظات النزع الأخيرة قبل أن يسلم الروح ويوصي بأمنيته ووصيته الوحيدة وهي أن يدفن في مسقط رأسه "مدينة الاسكندرية" وبجوار أبنائها من اعلام الغناء والموسيقي والفكر والفن أمثال : سيد درويش وسلامة حجازي وتوفيق الحكيم .

لقد كان محمود الشريف هو ذلك المبدع الذي عرف عنه طوال مشواره سخاء العطاء وشموخ الرأي وكبرياء صاحب الموهبة وقدرة من يرفض التنازل أو يستسلم للإغراءات مهما كانت.

وضع الشريف ما يقرب من خمسة آلاف لحن خلال مشواره الفني الذي امتد حتى تموز "يوليو" 1990 بين عمل غنائي فردي وأوبريت وصورة غنائية وسينمائية ومسرحية وهو صاحب أشهر وأهم الألحان العربية القومية لحن نشيد "الله أكبر" الذي واكب التعبير عن الإرادة الوطنية في مواجهة حرب العدوان الثلاثي عام 1956 وهو اللحن الذي اختارته الجماهيرية الليبية ليكون نشيداً وسلاماً وطنياً.

ومن أشهر وطنيات محمود الشريف ألحان أغنيات "يا بنت بلدي" "وطني وصبايا وأحلامي" "يا حمام البر" "صبرنا وعبرنا" "لن استكين " "القدس" "تسلمي يا شدة" "المسجد الاقصي جريح" من المحيط إلي الخليج" "جميلة الجزائرية" "لبيك عبد الناصر" وغيرها.

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
شادية
أما الشعبيات فإن للشريف تعبيراً عنها لا يوازيه تعبيراً أخر فهو صاحب الأغنيات الناجحة والشائعة والتي مازالت تستقر في الوجدان مثل أغنيات "بياع الهوي " لعبد المطلب "ع الحلوة والمرة لعبد الغني السيد" "يا عطارين دلوني الصبر فين أراضيه" لأحلام "يا خولي الجنية يا حسن" "على شط بحر الهوي" لكارم محمود "ع الليالي" لمحمد رشدي "إزاي الصحة" لمحمد العزبي وعشرات الغنائيات الشعبية المرحة التي قدمها الفنان محمود شكوكو.

أما في مجال الغناء العاطفي فهو صاحب لحن أغنية "ليالي العمر معدودة" في لحنها المعبر الحزين الذي غنته شادية صاحبة الرصيد الأكبر من غناء ألحان الشريف وتليها من ناحية الكم ليلي مراد التي نعرف من ألحانه أغنيتها "اسأل علي" وعبد الحليم حافظ "حلو وكداب" وسعاد محمد "القلب ولا العين" ومحمد قنديل "ثلاث سلامات" ونادية فهمي "آه يا سلام ع الهوى " ونجاة الصغيرة "أوصفولي الحب " وشهرزاد " "غيرك انت ماليش" وفايزة احمد "يا ليل كفاية حرام" وسعاد مكاوي "لما رمتنا العين" ورجاء عبده "ليت الشباب" ... وغيرها . فقد غنت أغلب الأصوات العربية من ألحانه وكان لانغامه أثر هام غير أنه لم يلحن لصاحبة أعظم وأهم حنجرة غنائية ، السيدة أم كلثوم لأن ظروفا حالت دون استمرار ارتباطه بها وهي ظروف انسانية كان بمقدوره أن يستثمرها بعد رحيل أم كلثوم عن الحياة غير أنه رفض كل العروض لأنه يرفض منطق الاتجار بالمشاعر ويؤمن بمبدأ تقدير الخصوصيات التي لا يسعد بكشفها ونجدنا هنا أمام سؤال يطرح نفسه:

أن أنغام هذا الرجل الذي بدا حياته مع النغم مطرباً ليتحول بعد ذلك إلي مجال الابداع اللحني بانغام مميزة هل هي ألحان حديثة أم غنائيات قادمة من أعماق التراث بعد أن تخطت الحواجز بين تعبير اللحن الجديد وتعبير اللحن المستقر في الوجدان من الأعمال التي تتناقلها الاجيال ؟ . هذا هو سر تميز هذا الفنان الذي مزج في وعي بين الملائم من الأنغام والأصوات واهتم بالتجانس والتطابق بين أشكال الجمال المختلفة والمتعددة!!

من موسوعة أشهر مائة في الغناء العربي "الجزء الثاني"
عن الهيئة المصرية للكتاب يقلم الناقد الصحفي الاستاذ محمد سعيد

الموضوع الأصلى : محمود الشريف ..نبت أصيل في غنائيات البيئة المصدر : قيثارة الغناء العربى

توقيع العضو:

هدى

عدل سابقا من قبل هدى في الأحد 20 يونيو 2010 - 20:54 عدل 1 مرات

شكرا على هذا الموضوع القيم يا غالية

الموضوع الأصلى : محمود الشريف ..نبت أصيل في غنائيات البيئة المصدر : قيثارة الغناء العربى

توقيع العضو:

sirine

شكرا يا اخت هدى على الموضوع والحمدالله على السلامة يا غالية

الموضوع الأصلى : محمود الشريف ..نبت أصيل في غنائيات البيئة المصدر : قيثارة الغناء العربى

توقيع العضو:

ناهد

الموسيقار محمود الشريف فنان عبقري من زمن الفن الجميل وقد نجحت الحانه مع كل الاصوات
التي تعامل معها وترك بستان جميل من اجمل الالحان الخالدة
تسلم ايديكي عن هذا المقال ياغالية

الموضوع الأصلى : محمود الشريف ..نبت أصيل في غنائيات البيئة المصدر : قيثارة الغناء العربى

توقيع العضو:

نور الحياة شاكر