من هي طالبان التي تثير رعب "الدولة العظمى" – في العالم؟ والتي تؤوي "أشهر" شخصية عالمية – أسامة بن لادن – في وقتنا الحالي؟ من هي طالبان، التي يفتش الشعب الأمريكي عنها في الخرائط، ليكون – على الأقل - على دراية بمكان الدولة التي ستقوم إدارته بضربها؟
النشأة والتكوين العرقي
الاسم: هي "الحركة الإسلامية لطلبة المدارس الدينية" الذين كانوا يدرسون في باكستان وعُرفوا باسم "طالبان" وهي كلمة أفغانية معناها الطلبة.
العَلَم: أبيض تعلوه كلمة التوحيد "لا إله إلا الله محمد رسول الله".
النشأة: حسب كلام الملا محمد عمر مجاهد – أمير طالبان - تبدو نشأة طالبان نشأة عفوية وتدخلت في ذلك عدة عوامل داخلية مثل: الحرب الأهلية، والمذابح المروعة بين السنة والشيعة، والفوضى والفساد الأخلاقي، كما كان هناك عوامل خارجية ساعدت على نشأة طالبان مثل: رغبة باكستان في إيجاد بديل أقوى من حكمتيار الزعيم الأفغاني المعارض لحكومة الرئيس برهان الدين رباني وأحمد شاه مسعود، وكذلك تشجيع الولايات المتحدة لهذه الحركة للحد من امتداد النفوذ الإيراني، وضرب الأصولية الأفغانية التقليدية بأصولية أشد ينفر منها المجتمع الدولي بأكمله.
وقد نشأت حركة طالبان في منتصف عام 1994 بولاية قندهار جنوبي أفغانستان، ثم ظهرت إعلاميا في أكتوبر 1994 حينما هبت لنجدة قافلة باكستانية متجهة إلى آسيا الوسطى عبر الأراضي الأفغانية- وكانت مجموعات أفغانية مسلحة أوقفتها. وسرعان ما سيطرت الحركة على الولايات الجنوبية وزحفت على كابول في مارس 1995، غير أنها بقيت خلف أبوابها حتى 27 سبتمبر 1996 حينما دخلتها بعد انسحاب قوات مسعود منها. واستمرت الحركة في زحفها نحو الشمال، غير أنها تكبدت خسائر كبيرة، أهمها تلك التي منيت بها في مدينة مزار شريف في أغسطس 1997، حينما تم أسر أكثر من 8000 من عناصرها وتم قتلهم فيما بعد. لكنها استطاعت بعد عام أن تسيطر على مدينة مزار شريف، وتنتقم من قتلاها بقتل أكثر من 3000 من الشيعة، وبقية الأقليات هناك، وهي تسيطر حاليا على 90% من البلاد تقريبا.
الأهداف والأفكار والتصورات
أهداف طالبان : إقامة حكومة إسلامية على نهج الخلافة، واختيار العلماء والملتزمين بالإسلام للمناصب الهامة في الدولة، والتركيز على حجاب المرأة وإلزامها به، فضلا عن قمع الجرائم الأخلاقية، وإعداد جيش مدرب لحفظ الدولة الإسلامية من الاعتداءات الخارجية، وتعيين هيئات للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في جميع أنحاء الدولة، وأسلمة الاقتصاد بما في ذلك جمع الزكاة والعشر وغيرهما وصرفها في المشاريع الإسلامية.
ومن الناحية الفقهية، تتبع حركة طالبان المدرسة الديوبندية التي تستمد أصولها من المذهب الحنفي التقليدي الذي يعتبر المذهب الرسمي للدولة، حيث يُحكم به في المحاكم الشرعية التي تعمل تحت إدارة طالبان. وطبيعة هذه المدرسة – الموجودة أيضاً في الهند وباكستان - أنها تعتبر حكم المذهب قولاً واحداً لا يحتمل الأخذ والرد حوله. ومن ثم يصير إنزال الأحكام لدى طالبان وفرضها على الشعب الأفغاني واجبًا دينيًا لا مفر من تنفيذه.
والمدرسة الديوبندية يُدرّس فيها منهج يسمى منهج الدرس النظامي، نسبة إلى واضعه (نظام الدين بن قطب الدين السهالوي) المتوفى عام 1161 هجرياً. والعلوم في المدرسة قسمان: أساسية (تشمل التفسير والفقه والسنة) وآلية (تشمل المنطق والنحو والبلاغة والفلسفة والفلك القديم والرياضيات). ومنهج الدراسة فيها تقليدي جامد، ويرتبط بالقديم فقط، حتى في الرياضيات والفلك، ويتمسك بنتائج الأقدمين التي عفا عليها الزمن. كما أنهم يرفضون التدريس في الفصول الحديثة أو استخدام وسائل "حديثة" كالسبورة. ويتميز خريجو المدرسة باحترام شديد وطاعة مطلقة للمشايخ، والنظر بعين الشك لأي حركة تجديدية في العالم الإسلامي.
الموقف من (الديمقراطية) و(الشورى)
طالبان لا تعتقد في الديمقراطية التي تجعل التشريع المطلق بيد الشعب، والأمر في الحكومة الإسلامية عند طالبان كله لله. ومن ثم ترى أن الأمر يكون بيد أمير المؤمنين الذي انتخب من قبل العلماء الذين هم أهل الحل والعقد، وأن الإمارة تدوم بيد الأمير مدة حياته، ولا يصح عزله إلا بإحدى ثلاثة أمور: الانحراف عن الدين، العجز عن أداء الوظائف، الموت.
كذلك لا تعتقد طالبان في إلزام الشورى، وتعتبرها مُعْلِمَة فقط. بمعنى أن القرار في النهاية بيد الأمير.
وتحرم طالبان مختلف أشكال الإعلام الحديث والفنون، فتعتبر التليفزيون محرما لأنه يقوم على التصوير وهو محرم عندها لكونه من وسائل اللهو في نظرها. أما الموسيقى – بما فيها الموسيقى العسكرية والدف – بالإضافة إلى التمثيل، فكلها من المحرمات عند طالبان. ولذا، لا يسمح بها في المحطات الإذاعية التي تقتصر على الأناشيد الجهادية وقصائد مديح الرسول صلى الله عليه وسلم وتلاوة القرآن الكريم وترجمته وبرامج الأسئلة الفقهية. وتحرّم طالبان نشر الصور في صحفها، التي تحوز على الاهتمام الأكبر، ومثال ذلك صحيفة "الطالب" التي تصدر باللغة العربية، وصحيفة "شريعت" التي تصدر باللغتين الفارسية والبشتو.
وترى طالبان أن الأحزاب الجهادية الأفغانية تنقسم إلى ثلاثة أقسام: قسم ساعد حركة طالبان وأيدها – مثل حركة الانقلاب الإسلامي والحزب الإسلامي ( بقيادة مولوي خالص) – وهؤلاء يسمون إخوان الحركة، ولكن لا يُسمح لهم بالانضمام بتشكيلاتهم الحزبية، بل كأفراد لا بد من ذوبانهم في الحركة. وقسم لا تملك قياداته الصفات الأخلاقية للمشاركة في حكومة طالبان مثل حزب مجددي وجيلاني. وأخيراً، قسم قاتل ضد الحركة، ولا بد من تقديم قادته إلى المحكمة الشرعية. وتعتقد طالبان أن كل من يعاديها إنما يعادي الإسلام، ومن ثم، فهي ترى أن جهادها ضد المعارضة هو جهاد في سبيل الله.
القيادة والتنظيم
لا تتمتع حركة طالبان بتنظيم قوي، فليس عندها هيكل إداري واضح، ولا لوائح تنظم شئونها وبرامجها، ولا برامج لتربية أعضائها، ولا بطاقات عضوية توزع على الأعضاء لتسجيلهم. ومن ثم، فإن طالبان لا تؤمن بنظام الأحزاب، بل تريد الحركة أن تخدم الشعب كله عن طريق تفعيل الدوائر الحكومية.
القيادة: تتمثل في ملا محمد عمر "أمير المؤمنين"، الذي اختارته طالبان أميراً لها في أغسطس 1994، والذي عُيّن رسمياً ولُقّب بأمير المؤمنين في 1996 بعد وصول طالبان إلى مشارف كابول. ومنذ ذلك اليوم، تعتبره طالبان أميراً شرعياً، له في نظرهم جميع حقوق الخليفة. ومن ثم، فلا يجوز مخالفة أمره؛ وهو الأمر الذي أعطاه صبغة دينية. وقد حجبته الحركة عن أنظار العامة ليحافظوا على هيبته بينهم، وربما ليخفوا جوانب ضعفه كما تردد بعض التقارير، لذلك فإنه لا يشارك في الاجتماعات العامة ولا يظهر كثيرا.
وهو في أواخر الثلاثينيات من عمره، ومن المجاهدين السابقين ضد الاحتلال السوفيتي، وفقد إحدى عينيه في الجهاد، ولم يكمل دراسته حتى الآن. وهو يدير أمور دولة أفغانستان وحركة طالبان من ولاية قندهار جنوب البلاد ( كانت مدينة قندهار عاصمة أفغانستان في بدء تشكيلها 1747 إلى أن قام الملك تيمور شاه بنقل العاصمة إلى كابول عام 1771).
نائب الأمير: وكان يشغل هذا المنصب ملا محمد رباني رئيس المجلس الحاكم، وقد توفي العام الماضي. ويقوم مقامه بشكل مؤقت ملا محمد حسن.
المجلس الحاكم: شُكّل بعد فتح كابول في عام 1996 ليتولى زمام أمور الحكومة مؤقتاً، ويرأسه حاليا ملا محمد حسن مؤقتا، ويعمل تحت إشراف أمير المؤمنين.
مجلس الوزراء: يتكون من القائمين بأعمال الوزراء، ويرأسه نائب الأمير، ويعقد جلساته مرة كل أسبوع.
مجلس الشورى المركزي: هو مجلس غير ثابت العدد والأعضاء وغير معروف الصلاحيات.
مجلس الشورى العالي: هو بمثابة المجلس التنفيذي، ويقول قادة طالبان: إنهم اتفقوا على ألا يكون له أعضاء معينون، بل يُترك ذلك لرأي أمير المؤمنين للتسهيل، ومن أهم أعضائه: أمير المؤمنين ونائب الأمير.
الولاة أو مسئولو الولايات: يعينون من قبل أمير المؤمنين ويعملون تحت إشرافه المباشر، وقد عين كل منهم مجلس شورى لنفسه في الولاية، وقد اتبعوا نظام المناطق حيث تتجمع ولايات متعددة: مثل الولايات الشرقية، والولايات الجنوبية، والولايات الغربية.
ويكون لكل مجموعة من الولايات مسؤول واحد ليسهل حل الأمور الإدارية.
القيادات العسكرية: من أبرزها الملا عبد الرازق، ملا عبيد الله، ملا برادر أخوند.
الأفراد: ينقسمون إلى ثلاثة أقسام: طلاب المدارس الدينية، مجاهدون سابقون، فنيون من أفراد الجيش السابق (توجد هناك عناصر غير أفغانية تقاتل في صفوف طالبان، معظمهم من باكستان وبعض الدول العربية وآسيا الوسطى).
دار الإفتاء المركزية:
أنشأت حركة طالبان مجلساً يضم عدداً من العلماء لاستفتائهم في الأمور الشرعية، ويعمل هذا المجلس في قندهار مقر حركة طالبان.
طريقة اتخاذ القرارات:
بالرغم من وجود مجالس للشورى، فإن رأيها ليس مُلْزِمًا. فالقرارات الهامة يتخذها أمير المؤمنين بعد الاستئناس بآراء أهل الشورى، وله حرية كاملة في قبول أو رد رأي أهل المجلس. وقد خوّل ملا محمد عمر حكام الولايات صلاحيات واسعة، إلا أنه – عند حدوث مشكلة في أي ولاية – يتصل الوالي بملا محمد عمر في قندهار ويسترشده، وقد يصدر ملا محمد عمر قرارات من عنده في بعض الأمور، فتنفذ في سائر الولايات ولا مجال لمخالفة أمره.
عوامل التماسك الداخلي في حركة طالبان: الخلفية الفكرية الموحدة، الإخلاص لأهدافهم، السيطرة الروحية للأمير على الأفراد، عدم وجود شخصيات محورية ذات نفوذ قوي في الحركة، العقوبات الفورية الرادعة، التغيير المستمر في المناصب، هيبة الحركة في قلوب الأفراد، الترابط العرقي حيث معظمهم من العرق البشتوني.
البيئة المحيطة بطالبان
البعد الاجتماعي:
طبيعة المجتمع الأفغاني - المبالغ في التشدد تجاه كل ما يمس المرأة واختلاطها بالرجال - تقبل إجراءات الفصل بين الجنسين دون حرج، لأن هذه هي ثقافة المجتمع، ولذا فإن الحياة اليومية في القرى الأفغانية تسير على النمط الطالباني دون احتياج إلى مجموعات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وبعكس القرى، يغلب على العاصمة (كابول) سمة التحرر من العادات والتقاليد الأفغانية. ومن الجدير بالذكر، أن هذه النماذج من التحرر هي التي تركز عليها وسائل الإعلام.
إيجابيات الحركة:
أعادت طالبان لأفغانستان ما افتقدته على مدى عشرين عامًا من الحروب، وحققت الاستقرار والأمن في المناطق التي تسيطر عليها، وذلك بشهادة شخصيات مناهضة لطالبان. وفرض ذلك الاستقرار أدى بكثير من القيادات الميدانية إلى الاستسلام إلى طالبان دون قتال.
كما يحسب لطالبان القضاء على الفساد الإداري الذي كان قد استشرى في ظل حكومات الدويلات السابقة، ومقاومة الفساد الأخلاقي الذي كان مستشريا بالذات في العاصمة كابول، وجمع الأسلحة التي صارت منتشرة بين السكان إبان الجهاد ضد القوات الروسية، والتي صارت تهدد أمن أفغانستان، والقضاء على (لوردات الحرب) الذين وجدوا بعد الحرب الروسية فرصة للثراء العاجل بنهب أموال الدولة وبيع الأسلحة، وإيقاف نهب أموال الدولة من قبل القادة الميدانيين الذين كانوا يبيعون الأسلحة الثقيلة من الدبابات والصواريخ، وأخيراً، إيجاد نظام إداري وإنشاء المحاكم بعد أن كان قانون الغاب هو السائد. ويضاف إلى ذلك نجاحها في الحد من زراعة المخدرات وتجارتها بشكل أشادت به الأمم المتحدة، رغم أن هذه التجارة كانت تشكل المورد الرئيسي لأفغانستان طوال سنوات الحرب الأهلية.