اخر حوار مع سعاد حسني

[b]محمود صلاح

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

[b]قتلناها..
قتلنا سعاد حسني..
في ذروة لحظات ضعفها، وفي عز آلامها المبرحة التي هدت حيلها سنوات. وفي
الوقت الذي كانت فيه في أشد الحاجة للأيدي الرحيمة لتربت في حنان علي
ظهرها المكسور. والقلوب الدافئة لتطرد عنها برودة الغربة والوحشة.
تحولت القلوب إلي صخور..
والعطف إلي جحود..
والحنان إلي ألسنة فظيعة لا ترحم..
وامتدت كل الأيادي في لحظة واحدة القسوة والتبلد. الظلم والافتراء ودفعتها
من ظهرها المريض وهي تقف في شرفة بيت صديقتها في لندن. لتهوي 6 طوابق
كاملة. ولتسقط جثة هامدة!
وقتلناها..
قتلنا سعاد حسني..

[b]أول مرة قابلت فيها سعاد حسني..
كان ذلك منذ أكثر من ثلاث سنوات في العاصمة البريطانية لندن، وبينما كنت
أغادر مصعد الفندق فوجئت أمامي بالفنان محرم فؤاد. كان مريضا شاحبا
وتعانقنا في حرارة فنحن أصدقاء منذ سنوات، واتفقنا علي لقاء في نفس اليوم،
فقد كان محرم يقيم في نفس الفندق. والتقينا في المساء. وجلس محرم فؤاد
ليحكي لي في مرارة حكايته مع المرض..
وقال لي في تأثر: صدقني أنني رغم كل آلامي لم أشعر بقسوة المرض والزمن. إلا عندما قابلتها أمس!
سألته: من ؟
قال : سعاد حسني..
وبدأ محرم فؤاد يروي لي كيف أنه في الليلة الماضية عندما هبط إلي بهو
الفندق. وجد أمامه سيدة بدينة ترتدي نظارة سوداء وتجلس علي أريكة وهي لا
تحرك وجهها يمينا أو يسارا حتي ظن أنها عمياء. لكن لسبب لا يعرفه توقف
أمامها وهو يحدق في وجهها بشدة، هذا الوجه ليس غريبا عليه. إنها تشبه وجها
يعرفه لكنه لا يتذكر صاحبته. والغريب أنه شعر أن نظرات السيدة 'البدينة'
رغم النظارة السوداء قد تسمرت عليه، وكأنها هي الأخري تعرفه لكنها لا
تتذكر من يكون؟
وأخيرا.. انحدرت دمعة من خلف النظارة السوداء..
وقالت صاحبتها في صوت مؤثر: حسن.. إنت نسيت نعيمة؟
ورفعت النظارة السوداء عن عينيها..
كانت سعاد حسني..
واندفع الاثنان كل منهما نحو الآخر. ودموعه تسبقه..
المرض اللعين. والزمن القاسي صنع كل ذلك في سعاد حسني ومحرم فؤاد، أو حسن
ونعيمة. كما بدأ الاثنان معا حياتهما الفنية في الفيلم الشهير منذ سنوات
طويلة..
وعندما انتهي محرم فؤاد من حكايته لي عن هذا اللقاء مع سعاد حسني. كانت دموعه قد أغرقت وجهه..
وأخرجت منديلا من جيبي. لكني لم أعطه له..
وإنما مسحت به دموعي!
[/b][/b][/b][b][b][b]****[/b][/b][/b][b][b][b]
في اليوم التالي مباشرة.. رأيت سعاد حسني..
اتصل بي الصديق الصحفي عبداللطيف المناوي الذي كان يعمل ويقيم في لندن مع
زوجته المذيعة رولا خرسا ليدعوني وزوجتي لتناول العشاء في بيته..
لكنه قال لي : لقد وجهت الدعوة أيضا لسعاد حسني. وهي عندما عرفت أنك مدعو.
تسألك إن كنت ستحضر بصفتك صديقا أم صحفيا، لأن ظروف مرضها وعلاجها هنا في
لندن جعلتها تفضل العيش في عزلة. وتحرص علي الابتعاد عن الصحافة والأضواء..
قلت لصديقي: ابلغ سعاد أن تطمئن.. لأنني حريص أيضا علي ألا يضايقها أي صحفي.. حتي لو كنت أنا ذلك الصحفي..
وفي المساء.. جاءت سعاد حسني..
وأعترف أنني صدمت عندما رأيتها، فقد كانت البدانة قد تغلبت عليها. ولم تكن
تتحرك بسهولة، لأنها كانت ترتدي ما يشبه البذلة البلاستيك تحت ملابسها
بسبب آلام العمود الفقري. وقد تعمدت ألا أقترب منها أو أتحدث إليها.
ولاحظت هي ذلك..
فاقتربت مني وقالت بابتسامة حلوة: موش قوي كده.. أنا قلت موش عايزة أحاديث صحفية. لكن ماكانش قصدي إنك تتجاهلني؟!
وضحكنا..
وكانت سهرة لطيفة شبه عائلية. فلم يكن هناك سوي المضيف وزوجته. وأحمد
الإبراشي المستشار المصري الإعلامي في لندن وحرمه السيدة سهير عبدالرحمن
والدكتور وفيق مصطفي وهو طبيب مصري يعيش منذ سنوات طويلة في لندن. وطوال
السهرة كانت سعاد حسني تتحلي بروح المرح والدعابة. كانت قد قطعت شوطا
طويلا في مشوار العلاج المضني..
لكنها كانت في الحقيقة تجاهد لإخفاء الآلام التي تهاجمها كل فترة!
وكان من الواضح أنها تعذبت كثيرا..
ومن المؤكد أن معظم الناس لم يعرفوا حجم الآلام الرهيبة التي تعرضت لها
سندريلا الشاشة. لقد جعلها المخرجون طوال سنوات ترقص وتغني 'وتتنطط' لتسعد
ملايين الناس. ومع الأيام تعب عمودها الفقري ولم يتحمل كل هذا المجهود.
كانت آلامها فظيعة مبرحة لم تنفع معها المسكنات والمهدئات بكل أنواعها.
وحتي عندما سافرت إلي باريس وأجرت عملية جراحية بعد أن أصيب عمودها الفقري
بشرخ خطير. لم تفشل الجراحة فقط. وإنما كان لها تداعيات أكثر!
وحدث في تلك الفترة في باريس أن وقع الزالزال الأول في مصر..
واجتمعت نخبة من الفنانين المصريين تضم سمير صبري وفريد شوقي وعمر الشريف
ورمزي يسي وسهير البابلي وليلي علوي. وقرروا إقامة حفل كبير علي مسرح
اليونسكو بباريس لصالح ضحايا الزلزال. وعندما عرفت سعاد حسني بالخبر ورغم
أنه لم تكن قد مضت سوي أيام قليلة علي العملية الجراحية الفاشلة إلا أنها
أسرعت إلي سمير صبري..
وقالت له : أنا لازم أقدم فقرة في هذه الحفلة.. وده أقل شيء أقدمه لبلدي في محنة زي دي!
وعبثا حاول سمير صبري أن يقنعها بأن تكتفي بالظهور في نهاية الحفل علي
المسرح. إلا أنها أصرت علي أن تؤدي فقرة. وعندما ظهرت سعاد علي المسرح
فوجئت بأكثر من 6 آلاف من المتفرجين يقفون علي أقدامهم لتحيتها بتصفيق حار
استمر خمس دقائق. وطوال الدقائق الخمس أخذت سعاد تنحني للجمهور الذي لم
يكن يعرف أن الانحناء يسبب لها آلاما فظيعة. لكن حب سعاد لمصر ولفنها
ولجمهورها لم يشعرها بهذه الآلام. وبدأت ترقص للجمهور وتغني لهم 'بمبي
بمبي' الحياة بقي لونها بمبي'..
بينما الحقيقة أن الحياة وقتها في وجه سعاد حسني.. كان لونها أسود!
فقد كانت قد أنفقت الكثير من أموالها..
وعندما عرض أمير عربي أن يدفع فاتورة المستشفي في باريس.. رفضت بكل إباء وشمم..
وسافرت سعاد حسني إلي لندن. لتبدأ رحلة العلاج من جديد. وهناك استأجرت شقة
متواضعة مكونة من حجرة وصالة فقط يطلقون عليها اسم 'استديو'. وبدأت برنامج
العلاج الطويل وأجرت أكثر من عملية جراحية في العمود الفقري، كما كانت
تعالج من إصابة العصب السابع في وجهها..
وفي بداية وجودها في لندن كانت تلتقي بالجميع. وتلبي كل الدعوات. لكن الذي حدث بعد ذلك أنها وجدت نفسها مضطرة للعيش في عزلة..
لم تكن تحب نوعية الناس الذين يلتفون حولها لمجرد المتاجرة باسمها..
ومن ناحية أخري.. بدأ اهتمام من كانوا يزعمون أنهم أصدقاء يفتر. واختفوا واحدا بعد الآخر..
فمن هو الذي لديه وقت أو 'خلق' ليستمع من سندريلا الشاشة إلي القصص
الحزينة عن مرضها وآلامها المستمرة، أو عن تكاليف علاجها الباهظة؟!
كما أن.. البعيد عن العين بعيد عن القلب..
انقطعت الاتصالات التليفونية التي كانت تأتيها كل يوم من أهل الفن في مصر.
ما عدا قلة مخلصة من الأصدقاء علي رأسهم كمال الطويل وحرمه ونادية لطفي
ويسرا وسمير صبري ونجلاء فتحي..
لم يعد أحد يسأل عنها..
ولم تعد هي تهتم.. بأن يسأل عنها أحد!
وانقطع الشريان الذي كان يربط سندريلا.. بعالم سعاد حسني 'بتاعة زمان'!
[/b][/b][/b][b][b][b]****[/b][/b][/b][b][b][b]
انتهت سهرة العشاء..
وغادرنا بيت الصديق المناوي في حي 'أكتون' بأطراف لندن في ساعة متأخرة من الليل. لتفاجئنا أمطار لندن وثلوجها..
قالت لي سعاد حسني وهي تودعني: مصر.. وحشتني قوي!
وغادرت لندن عائدا إلي الوطن وهذه الجملة تثير الأسي في نفسي. ورغم أنني
في كل مرة بعد ذلك كنت أتصل بها كل فترة للاطمئنان عليها كانت ترد بأنها
'كويسة والحمد[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

'، إلا أنها أبدا لم تستطع إخفاء الشجن الذي كان ينبعث من كلماتها. وكنت متأكدا في قرارة نفسي أنها أبدا 'موش كويسة'!
وكان الشيء المحزن.. أن الناس نسوا سعاد حسني!
ولم يعد أحد يهتم أو يسأل نفسه كيف تعيش سندريلا وحيدة في الغربة. بعد أن
كانت في يوم من الأيام تحت كل الأضواء. أجمل الوجوه النسائية التي ظهرت
علي الشاشة المصرية في القرن العشرين. الموهوبة التي أجادت في الكوميديا
في : 'صغيرة علي الحب' و'جناب السفير'. وتفوقت في الدراما في : 'بئر
الحرمان' و'أين عقلي' و'الزوجة الثانية' و'شروق وغروب' و'القاهرة 30'
و'علي من نطلق الرصاص'!
والغريب أن الدولة فقط هي التي اهتمت..
فقد صدر قرار من مجلس الوزراء بعلاجها علي نفقة الدولة. كما صدر قرار آخر
بتجديد فترة هذا العلاج. لكن سعاد حسني كانت شديدة الحساسية. فقد اختفت
وظل الملحق الطبي المصري في لندن يبحث عنها لإبلاغها بالقرار الثاني..
وفي النهاية عرفوا أنها داخل إحدي المصحات..
وأنها تعالج.. علي حساب ما تبقي لها من آخر مليم في حياتها!
[/b][/b][/b][b][b][b]****[/b][/b][/b][b][b][b]
قبل 3 شهور سافرت إلي لندن..
وكنت الصحفي الوحيد الذي أجري آخر حديث صحفي مع سعاد حسني..
وقد وجدتها في غاية الألم، إلي درجة البكاء!
كانت قد تعرضت إلي حملة صحفية 'مسعورة' في بعض المجلات والصحف المصرية للأسف..
قالوا: سعاد حسني تتسول في الغربة!
وقالوا : سعاد حسني أصبحت مثل القطط الضالة. تبحث في صناديق الزبالة في شوارع لندن!
وقالوا : لقد فقدت السيطرة علي نفسها.. وأصبحت تأكل كالمتوحشين بيديها من الطبق مباشرة وتسقط بقايا الطعام علي ملابسها!
ولم أشاهد سعاد حسني أبدا وهي في مثل هذه الحالة النفسية من الألم والإحباط والمرارة.
قالت لي وهي تبكي: كيف يكتبون عني مثل هذا الكلام الفظيع الكاذب. وهل هذا
ثمن أنني أعيش في حالي. ألا يكفي ما أعانيه؟ ولماذا الإصرار علي هدم
رموزنا الفنية وتشويه كل شيء جميل؟
وحاولت أن أهديء من روعها..
لكنها كانت تبكي بحرقة ومن قلبها..
واجتهدت لكي أقوم بتغيير موضوع الحديث حتي تنسي سعاد دموعها. وفي شقتها
المتواضعة في حي 'إيرلز كورت' أمام مستشفي كرومويل في لندن. وهي شقة في
الطابق الأرضي من عمارة سكنية تؤجر كل شققها مفروشة. ويملك هذه العمارة
بعض العراقيين. لم يكن هناك في الشقة سوي بعض ملابسها متناثرة وبعض الكتب
والاسطوانات. ولا شيء علي الجدران سوي بعض الآيات القرآنية..
ولم تكن هناك سوي صورة فوتوغرافية واحدة في إطار علي منضدة صغيرة..
كانت صورة صلاح جاهين!
ولقد كان صلاح جاهين أهم شيء في حياة سعاد حسني لسنوات طويلة. الذين
عرفوها عن قرب كانوا يعلمون انها أبدا لم تكن في حاجة للحب الذي يعرفه
الناس. ذلك الحب بين رجل وامرأة. لكنها كانت دائما 'محتاجة' 'لحب الأب'.
وكان صلاح جاهين هو ذلك الأب الذي عثرت عليه بعد طول معاناة رغم زيجاتها
الأربع..
صلاح جاهين لم يصنع 'خلي بالك من زوزو' فقط!
صلاح جاهين 'خلي باله من سعاد حسني نفسها'!
كان الأستاذ، والصديق، والأب..
وعندما مات صلاح جاهين..
كتبت سعاد حسني في قرارة نفسها.. شهادة وفاتها!
وكانت تكتب شهادة الوفاة هذه لنفسها كل يوم وهي تدندن بأغنية صلاح جاهين..
آدي اللي كان..
وآدي القدر..
وآدي المصير..
نودع الماضي بحلمه الكبير..
إيه العمل.. في الوقت ده ياصديقي؟
سألتها : دي صورة عم صلاح؟
قالت : صلاح جاهين يعيش معي. إمبارح والنهاردة. وبكرة!
كانت رغم كل ظروفها التعسة تبحث عن القشة التي يبحث عنها الغريق. قالت لي
إنها سجلت أشعار صلاح جاهين في إذاعة ال'بي.بي.سي' البريطانية. كما سجلت
بعضها للإذاعة المصرية. وقالت إنها تقرأ سيناريوهات بعض الأعمال التي عرضت
عليها مؤخرا.
وقبل أن أودع سعاد حسني قالت لي مرة أخري: قريبا جدا.. أنا راجعة مصر!
وعدت لأكتب ذلك في 'آخرساعة'..
وكان عنوان الحديث: سعاد حسني تقول: 'أنا.. راجعة مصر'..
لكن لم يخطر علي بالي أبدا أنها سترجع.. جثة هامدة![/b][/b][/b]

الموضوع الأصلى : اخر حوار مع سعاد حسني المصدر : قيثارة الغناء العربى

توقيع العضو:

نور الحياة شاكر

شكرا يا غالية على الموضوع الله يرحمها مسكينة تعذبت هذه الفنانة كثيرا باخر حياتها

الموضوع الأصلى : اخر حوار مع سعاد حسني المصدر : قيثارة الغناء العربى

توقيع العضو:

sirine

الله يرحمها وينتقم من كل اللى ظلمها

عمر ماهيجى زيها ابدااااااااااااااااا

الف شكر على الموضوع

الموضوع الأصلى : اخر حوار مع سعاد حسني المصدر : قيثارة الغناء العربى

توقيع العضو:

fathy

ربنا يسمع منك ويرحمها ويسكنها فسيح جنانه

الموضوع الأصلى : اخر حوار مع سعاد حسني المصدر : قيثارة الغناء العربى

توقيع العضو:

هدى

شكرا يا اخت نور الله يرحمها

الموضوع الأصلى : اخر حوار مع سعاد حسني المصدر : قيثارة الغناء العربى

توقيع العضو:

ناهد

ربنا يرحمها كانت فنانة عظيمة والحملات المغرضة في حقها كانت في منتهى الخبث ..... وأنا سمعت انها فعلا ً قُتلت والغريب أنهم لم يعودوا يفتحون السيرة ولا يقولون مَن القاتل .... يا رب تنكشف الحقيقة تخليدا ً لذكراها الجميلة
تسلم ايدك عزيزتي على الخبر القيم

الموضوع الأصلى : اخر حوار مع سعاد حسني المصدر : قيثارة الغناء العربى

توقيع العضو:

ghada

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

***
الله يرحمها فهي نجمة لا ننساها ابدا وربينا اكيد سيعاقب المجرم ...فكل الادلة التي يحاول البعض
اخفاءها دل علي انها قتلت ولم تنتحر

الموضوع الأصلى : اخر حوار مع سعاد حسني المصدر : قيثارة الغناء العربى

توقيع العضو:

نور الحياة شاكر

اخر حوار مع سعاد حسني

اخر حوار مع سعاد حسني

مواضيع مماثلة

مواضيع مماثلة