كانت المنسوجات الفينيقية مشهورة في الشرق والغرب، تلك المنسوجات من صوف وكتان وحريرٍ الباهرة الفاتنة بأصباغها الارجوانية .
اما الصوف فمعظمه كان وطنياً ( من البلاد )، واما الكتان فكان يجلب من مصر والحرير من بلاد فارس، ثم ينسج في صور وصيدا وجبيل على انوال فينيقية ويصبغ بتلك الاصباغ التي جاء بها الفينيقي من قعر البحر .
هذه هي الاعجوبة وفيها اكتشاف واختراع، هذا ما قاله اديبنا الكبير أمين الريحاني في كتابه الشهير ( في قلب لبنان ) ثم يضيف :
" إني أقص القصة كما رواها المؤرخون والشعراء، كان أحد الفينيقيين يمشي على شاطئ البحر بين صور وعكا ساعة الغروب فرأى كومة من الاصداف سال منها سائل اسود يشوبه احمرار .
تلك الاصداف قذف بها البحر ساعة المدّ، وتركها بعد الجزر للشمس والرمال فماتت الحيوانات فيها – قتلها الظمأ .
وقف ذلك الفينيقي يتأملها، وقد صبغ دمها الرمال الجافة فأنبثق منها نور الوحي .
عاد الى بيته يحمل بعض تلك الاصداف، ويرسل حلمه سابحاً في بحرٍ من ألوان الشمس الغاربة .
تلك الالوان تقدمت في ساعة الاختراع .....
لا نلعم الاسم الفينيقي لذلك الحيوان غير اسمه العلمي اللاتيني (مورِكس) (MUREX)، والموركس حيوان صغير وادع يختبئ في صدفة كالحلزون وإن له تحت رأسه غدة تحتوي على مادة مائعة صفراء شديدة الرائحة شبيهة برائحة الثوم، فإذا استخرجت هذه المادة وصبّتْ على قطعة من قماش ابيض ثم عرضتْ للشمس فإنها تتلون تباعاً باللون الأخضر، فالأزرق، فالأحمر، فالأرجوان .
وقد كان الصوريون يصطادون الموركس بالشباك والسلال، أما الغدد فكانوا يستخرجونها والحيوان حي، لأن اللون يفسد بعد الموت .
بعد ذلك تغلى الغدد في آنية من رصاص حتى يعقد الصباغ .( تغلى مع بعض الملح).
وإن في تلك الحيوانات الصدفية انواعاً تختلف في غددها مادة الصباغ بعض الاختلاف فأعتبرها الفينيقي وهو يمزج بعضها ببعض ويوالي التجربات حتى اصبحت الأصباغ الفينيقية مشهودة وخالدة الذكر في التاريخ .
إن اختراع الأصباغ الأرجوانية وما إليها هو إختراع فينيقي لا غبار عليه وهذا المجد ينسب الى عروس المدن الفينيقية صور الساكنة عند مداخل البحر .....