خامس الخلفاء

أحبائى الكرام كل عام وأنتم بخير بمناسبة قرب حلول عيد الأضحى المبارك وقد وجدت أن أبدأ مع حضراتكم فتح هذه النافذة للحديث عن الشخصيات الإسلامية التى كان لها أثر بالغ فى التاريخ الإسلامى وسأبدأ بالخليفة الأموى ( عمر بن عبد العزيز ) خامس الخلفاء وقد حاز عمر بن عبد العزيز هذا اللقب على الرغم من أنه وطبقا لتسلسل الخلفاء لم يكن هو خامسهم ولكن من شدة عدل وورع هذا الرجل تجاهل المؤرخون سابقيه من خلفاء بنى أمية على الرغم من صولاتهم وجولاتهم فى التاريخ الإسلامى 00 ولنبدأ على بركة الله التعرض لشخصية خامس الخلفاء على حلقات مسلسلة نبدأها حالا وقد وجدت أنه من المفيد أن نبدأ بسرد تاريخى موجزمن عصر النبوة وصولا لشخصيتنا المتفردة :
( 1 )
كان الظلام يخيم على المدينة ولم يكن فى السماء نجم يتلألأ ولكن الدور كانت كخلايا النحل فالرجال والنساء والولدان يرتلون القرآن فى الليل وقد أضاءت قلوبهم أنوار اليقين ومر الوقت ونام الكون ولم ينم بلال إلا غرارا ( قليلا ) فقد كان يرقب الفجر وخشى أن يخطفه النوم فقام يتوضأ ثم سار فى مسجد الرسول إلى الدرج الذى يرقى فيه إلى السطح فراح يعرج فيه وهو يفكر فى الأيام التى تقضت قبل إسلامه إنه كان مولدا من مولدى بنى جمح شب لايعرف من أمر الدنيا إلا أن سيده إن غضب عليه جلده وإن رضى عليه أعطاه من فضل زاده وعاش بلا أمل يخرج فى قوافل التجارة كما تخرج السائمة
( الماشية ) ليس له من أمرها إلا شبع بطنه والعرق الذى يتصبب منه إذا ما حمل الأثقال على ظهره ليرفعها إلى ظهور الإبل أو ليحطها عنها وما كان له أن يشكو من التعب فما كان للدواب حق الشكوى أو التبرم من حياتها 0
وسارعلى السطح الذى يؤذن من فوقه فمد عينيه إلى الأفق الشرقى إنه الفجر الكاذب وما حان أوان الأذان بعد فعادت أفكار الماضى تنثال على رأسه 00 رأى أبا بكر الصديق وهو يأتى إليه فى مكة فى جوف الليل ليقول له إن محمد بن عبد اللاه يدعو إلى عبادة الله وراحت كلمات أبى بكر ترن فى أعماقه إنه يدعوه إلى ذلك الدين الذى يثبت الربوبية لرب السماوات والأرض وينفيها عن كل الأصنام والبشر 0
أكدت له كلمات أبى بكر أنه ليس عبدا لأحد من بنى جمح وأنه حر وليس لأحد سلطان عليه فهو وسيده سواء أمام رب الناس إله الناس بل قد يصبح عند الله أفضل من سيده إن أحسن العمل 0
كانت حريته لاتستند إلى شيء وكانت إرادته تخبو كلما هفت روحه إلى الحرية فالموت الذى سينهى حياته بالعدم كان يقضى على كل إرادة ولكن الدين الجديد الذى يدعو إليه (( أبو القاسم )) لم يجعل الموت نهاية بل هو بداية لحياة أخرى خالدة توفى كل نفس فيها حسابها فلم تعد الحياة عبثا بل دار ممر إلى دار مقر والعاقل من أخذ من ممره لمقره لينال الفوز الأكبر 0
يلى 00

الموضوع الأصلى : خامس الخلفاء المصدر : قيثارة الغناء العربى

توقيع العضو:

عمر

( 2 )
لم يعد يتأرجح بين الوجود والعدم وتملكه نزوع وجدانى ينشد الحرية المطلقة حرية العقل وحرية الإختيار والإرادة فكلمات أبى بكر قد رفعت عن عين بصيرته الغشاوة فشعرت ذاته بوجودها وحريتها وإمتلأ قلبه بنور أضاء ذاته العميقة فإذا به يكاد يقرع أبواب ملكوت السماء 0
إنه عرف ما يريد بعد تدبر وتفكير فإعتنق الإسلام دون إكراه وحمل الأمانة وهو سعيد فقد عزم على أن يتحرر من عبودية الأهواء والغرائز والجهل وأن يعانى الحياة فى صبر بعد أن بدد ظلمات وجوده وإهتدى إلى اليقين المبين وتذكر يوم أنقذه الصديق من أيدى معذبيه وأخذه فأعتقه فتحرر الجسد بعد أن تحررت الروح فكان سعيدا بحرية روحه وجسده وبالطمأنينة التى شاعت فى وجدانه 0
وبدأت طلائع الفجر تزحف فى الأفق الشرقى وراح صوت بلال يدعو الناس إلى الصلاة إلى إستفتاح يومهم بلقاء الله لتطهير القلوب وتطييب الروح وإستدرار البركات فما أروع أن يبدأ اليوم بإسم الله وذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب 00 وقام المؤمنون يتوضئون وكل خلجة من خلجات نفوسهم تتجه إلى الله وتسبح بحمده فهم يعيشون بالله وفى الله فخفقات قلوبهم شكر وومضات أفكارهم ذكر ثم خرجوا إلإلى المسجد تتحرك شفاههم ببعض ما فى صدورهم من كنوز العلم وإتجهت الأعين إلى الباب الذى سيخرج منه رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلس عمر بن الخطاب خلف محراب الرسول صلوات الله وسلامه عليه 0
وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فى أطيب رائحة من المسك فقام أقرب الناس منه فجعلوا يأخذون يديه فيمسحون بها وجوههم وتقدم عليه السلام إلى المحراب وقد تواضع لله ووقف يصلى وإصطف خلفه أصحابه وقد ملئت أفئدتهم تقوى وإزدادوا علما فإزدادوا من ربهم قربا تجنبوا محارم الله وأدوا فرائض الله وعملوا الصالحات من الأعمال 0
كانوا رعاة أو تجارا وكان من المفروغ منه أن يمروا كأجدادهم فى قافلة الحياة دون أن تشعر بهم البشرية ولكن القرآن العظيم وأسوة رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسنة ستجعل منهم أعظم حكام وأعدل قضاة وأشهر قواد ليدخلوا التاريخ من أوسع أبوابه وأطهره فقد أصبحوا على يقين من أنهم لم يخلقوا عبثا ولن يتركوا ثدى وأن الله سائلهم عما هم فيه وعما عملوا به فقد قال لهم رسول الله صلوات الله وسلامه عليه ومعلمهم الأكبر ( لاتزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع : عن علمه ما عمل به , وعن عمره فيما أفناه , وعن ماله من أين إكتسبه وفيما أنفقه , وعن جسده فيما أبلاه ) أرهفت حواسهم فلم يكن شيء أحب إليهم من الإصلاح ولا أبغض إليهم من الفساد كانوا يعملون بالحق ليوم لايقضى فيه إلا بالحق يخلصون العمل لله ويأمرون بما أمر الله به وينهون عما نهى الله عنه فكانوا خير أمة أخرجت للناس 0
وقضيت الصلاة فإلتف المسلمون حول النبى صلى الله عليه وسلم كان المسجد جامعتهم وكان صلوات الله وسلامه عليه معلمهم الأكبر الذى لاينضب علمه ودار الحوار بين الرسول الكريم وصحابته فقال حذيفة :
- هل بعد هذا الخير من شر ؟
- فقال صلى الله عليه وسلم : نعم
- وهل بعد ذلك الشر من خير ؟
وإستمر الحديث وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها شبابها )
ولم يدر بخلد عمر بن الخطاب فى ذلك الوقت أن تاج بنى أمية ذلك الذى سيبعثه الله لهذه الأمة على رأس المائة سنة القادمة من نسله 00
يلى 00

الموضوع الأصلى : خامس الخلفاء المصدر : قيثارة الغناء العربى

توقيع العضو:

عمر

( 3 )
ومات رسول الله صلى الله عليه وسلم فبكى الناس وقالوا :
- والله لوددنا أنا متنا قبله إنا نخشى أن نفتتن بعده 00 قال قائل :
- ولكنى والله ماأحب أنى مت قبله حتى أصدقه ميتا كما صدقته حيا 0
وإستقرت الخلافة لأبى بكر الصديق وذاع خبر موت رسول الله صلى الله عليه وسلم فى القبائل القريبة من المدينة فجاء رجال منهم وكلموا أبا بكر فى أن يقيموا الصلاة وألا يؤتوا الزكاة فأبى أبو بكر وقال :
- والله لو منعونى عناقا ( عنزا ) كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعه 00
وكانت حروب الردة وكان الشر الذى أعقب الخير وتحقق ما أشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وبات الناس يرقبون الخير الذى يأتى بعد ذلك الشر 00 وإنقضت أيام أول الخلفاء الراشدين بموت الصديق وكانت إمتدادا لعصر النبوة لم يبدل ولم يغير كان متبعا ولم يكن مبتدعا وكان صاحبه فى الحياة والممات وقام من بعده عمر بن الخطاب يفتح الشام والعراق ومصر فساس هذه الأمم بالحكمة والعدل وأحب للناس ما يحب لنفسه وكره لهم ما يكره لها 00 عدل فأمن فنام تحت شجرة فى المدينة فإذا به يرى رؤية أثلجت صدره فقام من نومه يقول فى عجب :
- إن من ولدى رجلا بوجهه شجان يلى ( أى يصير واليا ) فيملأ الأرض عدلا وذاعت مقالة عمر فقال عبد الله بن عمر : - ليت شعرى : من هذا الذى من ولد عمر فى وجهه علامة يملأ الأرض عدلا ؟
وسار عبد الله بن عمر وإلى جواره أخوه عاصم إلى مسجد الرسول ليصلى حيث كان يصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كان عبد الله يقتفى أثر الرسول فى حياته يفعل مثلما يفعل صلى الله عليه وسلم ويصلى أينما صلى 00 وخرج أمير المؤمنين عمر فى الليل يتعسس فهو يطوف بالأرامل والمرضى والفقراء والمساكين وإنصرم الوقت حتى كاد الخيط الأبيض يظهر فى الأفق الشرقى فتأهب عمر لينطلق إلى المسجد وإذا بحوار بين إثنتين يتناهى إلى سمعه :
- قال إحداهن : يابنية إمذقى اللبن بالماء 0
وتسمر الرجل فى مكانه وقد أرهف السمع 00 إن أما تحرض إبنتها على أن تمزج اللبن بالماء تدفعها إلى الغش وسرعان ما جاء صوت البنت يقول :
- كيف أمذق وقد نهى أمير المؤمنين عن المذق ؟
- إن الناس يمذقون فإمذقى فما يدرى أمير المؤمنين بنا إن مذقنا ولا يرانا 0
- يا أماه إن كان أمير المؤمنين لا يرانا فرب أمير المؤمنين يرانا 0
وتهللت أسارير عمر وإنشرح صدره إنه سمع قولا يشع منه اليقين ويكشف عن نفس مطمئنة ترى بنور الله فوسع من خطوه والحوار الذى دار بين الأم وإبنتها يستولى على تفكيره 00 وصلى بالناس الفجر ثم وقع بصره على إبنيه عبد الله وعاصم فنادى عاصما وقص عليه ما سمع فى ليلته وطلب منه أن يذهب إلى تلك الدار ليأتيه بخبر أهلها فإنطلق عاصم يسأل ويتقصى وسرعان ما عاد إلى أمير المؤمنين يخبره أن الحوار كان بين أم وإبنتها وأن البنت لم تتزوج بعد 00
لم تتزوج بعد إنها درة ليس لها إلا عاصم فهى صالحة وعاصم صالح بن صالح ولما كان الطيبون للطيبات فلن تكون ثمرة مثل هذا الزواج إلا طيبا فقال عمر : إذهب ياعاصم فتزوجها فما أراها إلا مباركة ولعلها تلد رجلا يسود العرب 00
يلى 00

الموضوع الأصلى : خامس الخلفاء المصدر : قيثارة الغناء العربى

توقيع العضو:

عمر

( 4 )
كان عمر يذكر تلك الرؤيا : سيكون من ولده رجل يملأ الأرض عدلا وإن مثل هذه الجارية لخير من ينجب مثل ذلك الرجل 00 وتزوجها عاصم وكان ثمرة ذلك الزواج أنثى أسموها ( ليلى ) وكنوها أم عاصم وجاء عبد الله بن عمر وحمل إبنة أخيه بين يديه وراح يقبلها ولو نفذت بصيرته إلى ما وراء الغيب لعلم أن ليلى هى أم ذلك الرجل الذى قال عنه يوما : ليت شعرى من هذا الذى من ولد عمر فى وجهه علامة يملأ الأرض عدلا ؟
راحت ليلى تنمو مع الأيام والأحداث الجسام تترادف قتل أبو لؤلؤة المجوسي أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ثانى الخلفاء الراشدين وبايع الناس عثمان بن عفان ليكون ثالث الخلفاء الراشدين وإستعان عثمان بمروان بن الحكم وكان لمروان ولدان عبد الملك , وعبد العزيز فشب عبد العزيز فى المدينة يؤم مسجد الرسول يلقى السمع إلى كبار الصحابة فبهرته شخصية عبد الله بن عمر فكان يرقب الرجل فى إعجاب 00 وكان عبد الله زاهدا يتصدق بكل ما يأخذه من بيت المال وكان يتصدق بالسكر فلما سئل عن ذلك قال :
إن الله سبحانه وتعالى يقول ( لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ) وأنا أحب السكر 00
وراح إعجاب عبد العزيز بن مروان بعبد الله بن عمر ينمو مع الأيام وقامت الفتنة الكبرى لما ولى عثمان بن عفان بنى أمية على الأمصار وثار الناس وحاصروا عثمان فى داره وقالوا :
- إنما أردنا منه مروان 00
كان مروان بن الحكم هو صاحب الكلمة المسموعة فى خلافة عثمان وكان الثائرون يطلبون رأسه وإنتهت الثورة بقتل عثمان ثالث الخلفاء الراشدين ومبايعة على بن أبى طالب بالخلافة 00 وقامت حروب الردة بين المسلمين معاوية بن أبى سفيان فى الشام يطالب بدم عثمان ويتهم عليا بالمشاركة فى قتل الخليفة وكان معاوية داهية يعمل على نقل الخلافة إلى الأمويين فإستغل الناس لتحقيق مآربه 0
وقتل الإمام على وتولى إبنه الحسن الخلافة حيث بايعه أهل الكوفة وما إنقضى على ذلك ستة أشهر حتى تم الصلح بين الحسن ومعاوية بتنازل الحسن عن الخلافة وإنتقلت الخلافة إلى الشام 0
وإنقضى على موت عمر بن الخطاب سنون طويلة ولكن قوله ( إن من ولدى رجلا بوجهه شجان يلى فيملأ الأرض عدلا ) كان ينتقل مع الأجيال وقد وقر ذلك القول فى ضمير عبد العزيز بن مروان فتمنى لو يكون له نصيب فى تحقيق هذه النبوءة 00 وبلغ عبد العزيز سن الزواج فأخبر بنى أمية أنه يريد أن يتزوج ليلى بنت عاصم بن عمر فإذا بالفزع ينتاب بنى أمية لأنهم كانوا يذكرون شدة عمر وعدله وكانوا يعرفون أن العرق دساس فخافوا أن تأتى حفيدة الفاروق برجل منهم يشب على خصال جده فيحرمهم مما بلغوه من ترف على حساب المسلمين وهضم حقوقهم فأخذوا يحاولون أن يثنوا عبد العزيز عن عزمه ولكن عبد العزيز أصر على رأيه إعجابا بالفاروق وبإبنه عبد الله 00
يلى 00

الموضوع الأصلى : خامس الخلفاء المصدر : قيثارة الغناء العربى

توقيع العضو:

عمر

سرد تاريخي لخليفة ورع عمل تشكر عليه اخ عمر وجعله الله في ميزان حسناتك

الموضوع الأصلى : خامس الخلفاء المصدر : قيثارة الغناء العربى

توقيع العضو:

jinan

لقد إخترت أخ عمر الخليفة العادل عمرو بن عبد العزيز والذى أرسى قواعد العدل فى الدولة الأموية ولم يمهلوه فدسوا له السم كى يتخلصوا من عدله وورعه وياللعجب

الموضوع الأصلى : خامس الخلفاء المصدر : قيثارة الغناء العربى

توقيع العضو:

حسنى الشناوى

بوركت يا اخ عمر بما قدمت وشكرا لك

الموضوع الأصلى : خامس الخلفاء المصدر : قيثارة الغناء العربى

توقيع العضو:

دلوعة لبنان

موضوع في منتهى الروعه
قدوه في العدل والاخلاص للدين
تحياتي

الموضوع الأصلى : خامس الخلفاء المصدر : قيثارة الغناء العربى

توقيع العضو:

asd100

موضوع قيم جدا وجزاك الله خير

الموضوع الأصلى : خامس الخلفاء المصدر : قيثارة الغناء العربى

توقيع العضو:

نشأت

( 5 )
وتزوج عبد العزيز بن مروان ليلى بنت عاصم بن عمر بن الخطاب وحملها إلى الشام ليعيشا فى بحبوحة من العيش كما يعيش الأمويون حكام الدولة الإسلامية المترامية الأطراف 0
مات معاوية وبايع الناس إبنه يزيد فلم يعد الأمر شورى بين المسلمين بل أصبح ملكا يتوارثه الأبناء عن الآباء ولم يرض الحسين بن على عن ذلك فخرج من المدينة إلى الكوفة ليجمع الناس لمحاربة الخليفة الجديد يزيد بن معاوية ليعود الأمر شورى بين المسلمين كما كان فى عهد الخلفاء الراشدين الأربعة 0
وفى كربلاء أستشهد الحسين بن على وفى هذا العام وضعت ليلى بنت عاصم ذكرا فى قصر من قصور الشام وقد فرح به عبد العزيز فرحا شديدا ولما كان من أشد المعجبين بعمر بن الخطاب فقد أسمى وليده عمر 00 عمر بن عبد العزيز فمن يدرى فقد تتحقق فيه نبوءة جده الفاروق ويملأ الأرض عدلا 0
إستخلف معاوية بن يزيد بن معاوية بعهد من أبيه وكان شابا صالحا تقيا ورعا ولكنه كان يقاسي من وطأة المرض فلم يخرج إلى الناس ولم يصل بهم وراح يعانى من سكرات الموت بعد أربعين يوما من خلافته فقيل له :
- ألا تستخلف ؟
فقال فى صوت خافت فيه مرارة :
- ما أحببت حلاوتها فلم أتحمل مرارتها 0
كان عبد الله بن الزبير واليا على مكة والمدينة ولم يبايع يزيد بن معاوية وكان من رأى مروان بن الحكم أن يرحل فينطلق إلى إبن الزبير فيبايعه وضايق هذا الرأى بنى أمية فإجتمعوا إلى مروان وقال قائل منهم :
- أستحييت لك مما تريد وأنت كبير قريش وسيدها تصنع ما تصنعه ؟
فقال مروان : مافات شيء بعد فقام معه بنو أمية ومواليهم وتجمع إليه أهل اليمن فسار وهو يقول : ما فات شيء 00 بعد فقد دمشق ومن معه فبايعه أهل الشام ثم أمر مروان أهل الشام بالبيعة من بعده لإبنه عبد الملك وعبد العزيز فأصبح عبد العزيز وليا للعهد 0
كان عبد العزيز يعيش فى قصر عظيم به إسطبل يضم أفخر الجياد العربية وكان عمر بن عبد العزيز يجوس ( يتجول ) خلال القصر يربت على الخيل ويمسح على رقابها وفى ذات يوم ضربه فرس فشجه وطار الخبر إلى أبيه فجاء يجرى وفى وجهه هلع ومن خلفه رجال القصر ودخل عبد العزيز الإسطبل خافق القلب يلفه خوف شديد ورأى الدم ينبثق من وجه إبنه فخف إليه يمسح الدم عنه وتذكر قول عمر الذى تناقلته الأجيال ( إن من ولدى رجلا بوجهه شجان يلى فيملأ الأرض عدلا ) فإذا بالرهبة التى نزلت على قلبه تنقشع وإذا ببسمة سعيدة تتوج شفتيه فيقول وهو يضم عمر إلى صدره فى حنان :
- إن كنت أشج بنى أمية إنك إذا لسعيد 00
يلى 00
عمر

الموضوع الأصلى : خامس الخلفاء المصدر : قيثارة الغناء العربى

توقيع العضو:

عمر

مقالتك اخي الاستاذ قيمة جدا ومتابعها جدا وارجو المزيد وتسلم ايدك

الموضوع الأصلى : خامس الخلفاء المصدر : قيثارة الغناء العربى

توقيع العضو:

hasan

أشكرك عزيزى حسن وأشكر كل الأخوة الذين تواصلوا مع الموضوع وبإذن الله تعالى سأستكمل باقى القصة تباعا 00 عمر

الموضوع الأصلى : خامس الخلفاء المصدر : قيثارة الغناء العربى

توقيع العضو:

عمر

لا داعي للشكر لان موضوعك يستحق التواصل معاه والشكر ليك انت لانك كاتب هكذا موضوع رائع

الموضوع الأصلى : خامس الخلفاء المصدر : قيثارة الغناء العربى

توقيع العضو:

hasan

( 6 )
وكان فى القصر كل ما يدخل السرور على مثل من كان فى مثل سن عمر فالحدائق بهجة للنفوس ونافورات المياه رائعة غاية الروعة تأخذ بالألباب والجوارى يتغنين كل ليلة بأعذب الألحان 00 ولكن الفتى عزف عن كل ذلك اللهو وعكف على قراءة القرآن 0
كان عمر يحب أن يصغى إلى كل من يحدثه عن مآثر جده العظيم فكانت أمتع لحظات حياته تلك التى يمضيها مع أمه ليلى بنت عاصم وهى تحدثه عن عدل عمر وسيرته العطرة وتروى له مواقفه العظيمة مع عماله وقواده والفقراء والمساكين وكانت السويعات التى تجمع بينه وبين عمه عبد الله بن عمر أعظم فترات عمره فعمه الذى كان يقتفى أثر الرسول صلوات الله وسلامه عليه يقص عليه أنباء الدعوة مذ أول يوم أشرق فيه النور فى مكة إنه يتلقى عنه سيرة الخلفاء الراشدين الهادين وكان الفتى يكثر السؤال عن أعمال الفاروق فكان إبن عمر يقص عليه ما يروى ظمأه وما يملؤه زهوا ويحرك آماله وأمانيه 0
وكان عمر بن عبد العزيز من بنى أمية فكان يتلقى عنهم آراءهم فى الإمام على كرم الله وجهه فلا عجب أن كان رأيه فيه وهو غلام لا يختلف كثيرا عن آراء شيوخ الأمويين 00 إنه يحب أبا بكر وعمر وعثمان ولكنه مفتون بعمر 0
راح عمر بن عبد العزيز يفكر فيما رفع الفاروق إلى هذه المنزلة التى لايتسامى إليها حاكم ففطن إلى أن إبن الخطاب حاسب نفسه قبل أن يحاسب عماله وقواده ورعيته وأنه إستغل دنياه لآخرته ومنع نفسه عن الشهوات فعقد عمر بن عبد العزيز النية على أن يتحصن بالعلم ويأخذ نفسه بالشدة وأن يكون الناس عنده سواء 0
إنها رياضة روحية أمرها عسير فالتحرر من عبودية الأهواء والنزوات والجهل ليس شيئا هينا لشاب مثله نشأ فى بحبوحة من العيش وأن إغلاق فؤاده دون الماديات التى يزخر بها القصر يحتاج إلى عزم إنه يريد أن يكون كاملا كما كان جده العظيم فعليه أن يتحمل فى صبر قسوة الحرمان الذى سيفرضه على نفسه بل عليه أن يجد لذة روحية فى ذلك الحرمان تفوق كل لذات الحياة الدنيا 00 إنه يريد ولكن الإرادة دون العمل وإحتمال المتاعب لاتحقق شيئا 00 إنه يطلب من غلام له أن يفعل شيئا ولكن الغلام لايفعل ما طلبه فأراد عمر ضربه فقال الغلام :
- أذكر ليلة صبيحتها يوم القيامة
فتسمر عمر فى مكانه وتألم لأنه لم يستطع أن يكظم غيظه ولم يتمثل برسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه عليه السلام لم يقل لغلام ممن كانوا يخدمونه لشيء فعله لم فعل هذا ولم يقل له لشيء لم يفعله لم لم تفعل هذا 00 إن عمر همّ بضرب غلامه ولولا أنه ذكره بهول يوم القيامة لفعل كما يفعل السفهاء بغلمانهم 0
إن رياضة نفسه لم تكتمل وعليه أن يصبر طويلا لو أراد أن يكون فى زهد جده وعدله وتفانيه فى إسعاد الناس وإراحتهم ولو كان ذلك على حساب راحته 00
يلى 00
عمر

الموضوع الأصلى : خامس الخلفاء المصدر : قيثارة الغناء العربى

توقيع العضو:

عمر

كم نحن بحاجة لمثل هؤلاء الخلفاء بايامنا الحالية شكرا لك

الموضوع الأصلى : خامس الخلفاء المصدر : قيثارة الغناء العربى

توقيع العضو:

هيما

( 7 )
كان مروان بن الحكم قد مات وولى أمر المسلمين من بعده عبد الملك بن مروان وعادت مصر إلى الأمويين بعد حروب طويلة فأمر الخليفة الجديد عبد الملك أن يتولى أخوه عبد العزيز إمارة مصر فراح عبد العزيز وزوجه ليلى بنت عاصم يتأهبان للسفر وأطرق عمر بن عبد العزيز يفكر فى أمره إنه يهفو إلى المدينة المنورة ويتحرق شوقا إلى علمائها ليت أباه يقبل أن يبعثه إلى حلقات الدرس هناك ليتزود بعلم نافع ينير له بصيرته ويعينه على فهم الحياة 0
وجاء الخليفة عبد الملك بن مروان وأخته فاطمة بنت مروان لوداع أخيهما عبد العزيز قبل سفره إلى مصر وخطر على قلب عمر أن يحدث عمته فاطمة عن أمنيته لتقنع أباه برغبته ولكنه آثر أن يعبر لأبيه عما يجول بخاطره فلما قال له أبوه :
- هيا يابنيّ إلى مصر
قال عمر فى ثبات :
يا أبه أو غير ذلك لعله يكون أنفع لى ولك 0
- وما هو ؟
- ترحلنى إلى المدينة المنورة فأقعد إلى فقهائها وأتأدب بآدابهم 000
وإزاء تلك الرغبة الملحة وافق عبد العزيز فخرجت من الشام قافلتان قافلة ولى العهد عبد العزيز بن مروان متجهة إلى مصر وقافلة عمر بن عبد العزيز منطلقة إلى المدينة المنورة وقد أحاط به الخدم وما كان يشعر بالقافلة ولابمن فيها فقد كان غائبا عن الجميع بتلك اللهفة التى إستولت عليه لهفة الجلوس إلى العلماء والفقهاء 0
لاحت مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإستشعر عمر بن عبد العزيز رهبة إنه قادم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى المدينة المباركة دار الأنصار الذين قابلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم لأول مرة فى موسم الحج وألقوا سمعهم إلى القرآن أضاء نوره صدورهم فعادوا إلى يثرب ينشرون الدين الجديد فى حماس 0
إن نبي الإسلام صلوات الله وسلامه عليه فر بدينه من مكة إلى المدينة فإستقبله أهلها بالأهازيج وأكرموا مثواه وكانوا أبر به من أهله وإن الفتى اليافع الذى لم يبلغ الحلم بعد يترك الشام ويأبى الرحيل إلى مصر ليشد إليها الرحال فقد أصبحت بفضل القرآن وبفضل ما خلف فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم من علم منارة للنور 0
وراح عمر بن عبد العزيز يتأهب لدخول المدينة فرجل شعره وإرتدى ثيابا من حرير ثم راح يمرر يده على ثوبه ويقول : ما أحسنه لولا خشونة فيه 00 كان يريد أن يكون مثل جده عمر بن الخطاب ولكنه كان فى أول طريق تطوره النفسي لايزال يسيغ ما فيه من نعمة ولايزال يختال فى مشيته فلم يقتلع بعد من أعماقه أنه إبن ولى عهد الدولة الإسلامية ووالى مصر درة التاج الأموى 0
وإنسابت القافلة فى طرقات المدينة قاصدة مسجد الرسول فخفق قلب عمر خوفا فعلى بعد خطوات يرقد محمد صلوات الله وسلامه عليه وأبو بكر الصديق والفاروق عمر بن الخطاب مثله الأعلى الذى يرجو أن يقدره الله ليعيد سيرته على الأرض 0
وإنساب إلى المسجد خاشعا يتلو بعض آيات القرآن العظيم حتى بلغ قبر محمد صلى الله عليه وسلم فقال فى صوت مضطرب :
- السلام عليك يارسول الله 00 وإذا بدموعه تنهمر وعبراته تخنقه فيأخذ فى مناجاة الرسول وهو يبكى وينتحب حتى إذا ما إنتهى من دعائه خطا إلى اليمين خطوة وقال : السلام عليك يا أبا بكر ياصديق ياخليفة رسول الله وإستمر فى مناجاة أبى بكر ثم خطا إلى اليمين خطوة ثم قال فى صوت متهدج :
السلام عليك يا أمير المؤمنين ياشهيد المحراب وإنفعل وهو يناجى جده العظيم وتمنى لو أن الراقد فى مثواه يبوح له بسر عظمته ويرشده إلى الطريق 00 إنه يريد أن يتمثل به وأن يهتدى بهديه وأن يحاسب نفسه قبل أن يحاسب الناس 00
يلى 00
عمر

الموضوع الأصلى : خامس الخلفاء المصدر : قيثارة الغناء العربى

توقيع العضو:

عمر

متابع جيد للموضوع شكرا لك اخ عمر وبانتظار التكملة وجزاك الله خيرا لانك تعرفنا على رجالات قل وندر وجودهم بايامنا الحالية

الموضوع الأصلى : خامس الخلفاء المصدر : قيثارة الغناء العربى

توقيع العضو:

نشأت

خامس الخلفاء

خامس الخلفاء

مواضيع مماثلة

مواضيع مماثلة