الفنانة "آسيا داغر".. هذه الفنانة لقبت بـ (أم السينما المصرية)، فهي رائدة من رائدات هذه السينما، بل وسيدة الإنتاج السينمائي الرفيع.. أمضت حياتها وهي تعمل في السينما كممثلة ومنتجة.. عمرها من عمر السينما المصرية، وهي جزء من تاريخها وحاضرها، حيث أهدت لها ما يقارب السبعين فيلماً.
الفنانة "آسيا".. هل يتذكرها الجيل القديم من الجمهور السينمائي.. وهل يعرف الجيل الجديد منه، هذه الفنانة الكبيرة؟ كانت صاحبة أجمل زرقة عيون عرفتها الشاشة الفضية.
ولدت "آسيا" في قرية "تنورين" اللبنانية في عام 1912، وبدأت حياتها كممثلة في لبنان عندما قدمت فيلمها القصير (تحت ظلال الأرز ـ 1922).. بعدها بخمس سنوات، ســافرت إلى القـاهـرة، حـيث ظـهـرت كـممـثلة فـي أول فيـلم مـصـري صـامت، وهـو فيــلم (ليـــلى ـ 1927) الذي أنتجته "عزيزة أمير".. وفي نفس العام أسست "آسيا" شركة لوتس فيلم لإنتاج وتوزيع الأفلام واستمرت في الإنتاج، بينما توقفت شركـات إبراهيم وبدر لاما وعزيزة أمير وبهيجة حافظ، ولذلك استحقت الفنانة "آسيا" لقب عميدة المنتجين، وأصبحت شركتها لوتس فيلم أقدم وأطول شركات الإنتاج السينمائي المصري عمراً.
فيلم (غادة الصحراء ـ 1929) كان أول بطولة لها، إضافة إلى أنه باكورة إنتاجها.. فقد استعانت بالفنان التركي "وداد عرفي" لإخراج هذا الفيلم، ثم مع "إبراهيم لاما" لإخراج فيلم (وخز الضمير ـ 1931).. بعدها تعرفت على السينمائي والروائي والصحفي "أحمد جلال"، فأخرج لها كل ما أنتجته من أفلام في الفترة ما بين عامي 1933 و 1942، والتي قاربت العشرة أفلام، أهمها: عيون ساحرة ـ 1934، شجرة الدر ـ 1935، فتاة متمردة ـ 1940.. وقد كتب الناقد "سعد الدين توفيق" في كتابه (قصة السينما في مصر) عن جهود المخرج "أحمد جلال" وشركة لوتس فيلم للارتقاء بالسينما المصرية، فقال: (...من التجـارب الجـريئـة المهـمة التي ظهرت في بدايـة مرحـلة الـسـينما الناطـقة فيلم "عيون ساحرة" الذي ألفه وأخرجه "أحمد جلال".. وكان أول فيلم مصري من نوع الخيال العلمي.. وهذه جرأة غير عادية أن يُقدِم "أحمد جلال" علي إخراج فيلم من هذا النوع في وقت مبكر كهذا.. وبعد عامين قام "جـلال" بمحاولة جريئة أخرى، وهي إخـراج أول فيـلم تـاريخي مصـري وهـو (شجرة الدر) الذي أنتجته شركة لوتس فيلم أيضاً.
وبعد أن تزوج "أحمد جلال" من ابنة أخت "آسيا" الفنانة "ماري كويني" وأسسا معاً استوديوهات جلال، وتفرغ لإخراج أفلام شركته الخاصة مع زوجته، كان لابد لـ"آسيا" أن تبحث عن مخرج آخر، فاتجهت إلى مساعد مخرج شاب في الثامنة والعشرين من عمره ليقوم بإخراج فيلم (التشريد ـ 1942)، وكان هذا المخرج هو "هنري بركات".
"آسيا" كفنانة، لا تعتمد في عملها علي الأسماء المعروفة من المخرجين والممثلين، ولهذا فإن السينما المصرية تدين لها بالكثير.. فقد قدمت لهذه السينما مخرجين جدد أصبحوا من الكبار في عالم الإخراج فيما بعد، أمثال: هنري بركات، حسن الإمام، إبراهيم عمارة، أحمد كامل مرسي، يوسف معلوف، عز الدين ذوالفقار، حسن الصيفي، حلمي رفلة، كمال الشيخ.. كما قدمت من النجوم "فاتن حمامة" وهي في بداية حياتها الفنية، تخطو نحو السادسة عشرة من العمر في فيلم (الهانم ـ 1947)، واكتشفت "صباح" سينمائياً، وقدمتها في فيلم (القلب له واحد ـ 1945)، و"صلاح نظمي" في فيلم (هذا جناه أبي ـ 1945).
وقد تحدث شيخ المخرجين "أحمد كامل مرسي" عن الفنانة "آسيا" لمجلة "صباح الخير"، فقــال: (... من عملي معـها ومن تتــبع إنتـاجـهـا، فإن لـها آراء هـامـة في هـذا المجـال، فقد كانت تهتم بالقصة والسيناريو، حيث كانت هذه هي القاعدة الأساسية لنجاح العمل السينمائي، وكان ذلك ـ بالطبع ـ رأي سليم.. كما أنها لم تكن تعتمد كثيراً علي أسماء النجوم، باعتبار أن النجم هو الذي يجلب النجاح السريع، إنما كانت تعتمد على القصة والسيناريو واختيارها للمخرج والممثلين، وتضع الشخص المناسب في المكان المناسب، بل كانت تعمل بنفسها فتحمل المقاعد وتحضر أكواب الماء وتشرف على الملابس، وعلى كل صغيرة وكبيرة...).
تتحدث "آسيا" عن تجربتها الإنتاجية في فيلم (رد قلبي)، فتقول: (...وقتها وقف كل الناس ضدي، وبالذات السينمائيين، واعتبروها مغامرة فاشلة، فقد كانت ظاهرة الفيلم السياسي جديدة علينا، أوضاع الثورة وملامحها لم تكن قد استقرت بعد، لكنني كنت أؤمن في أعماقي بأن الثورة ستنجح وتستمر، وإن السينما لابد أن تعبر عن هذا الحدث...).
منذ بداية عملها في الإنتاج السينمائي، أعطت "آسيا" اهتماما خاصاً للأفلام التاريخية الملحمية، فقد أنتجت فيلم (شجرة الدر) في بداية مشوارها الفني، ثم فيلم (أمير الانتقام) الذي أخرجه "هنري بركات" عام 1950.. إلا أنها توَّجت إنتاجاتها الملحمية الضخمة بفيلم (الناصر صلاح الدين ـ 1963) الذي تكلف إنتاجه مائتي ألف جنيه، وكان ذلك ـ وقتها ـ أعلى ميزانية توضع لإنتاج فيلم مصري.. ووُصفت تجربة "آسيا" الإنتاجية في هذا الفيلم بأنها التجربة السينمائية المريرة التي مرت بها خلال مسيرتها الفنية الطويلة.. فقد استمر الإعداد للفيلم لمدة خمس سنوات، وكان من المفترض أن يخرجه "عز الدين ذوالفقار" ولكنه مرض أثناء كتابة السيناريو، وذلك بعد أن تعاقدت مع الممثلين.. فلم يكن من "آسيا" ألا أن تؤجل البدء في العمل، حتى نصحها "ذوالفقار" بعد أن اشتد عليه المرض بالاستعانة بالمخرج "يوسف شاهين"، وكان هذا أول تعامل لها معه.
وقد ضحت "آسيا" بالكثير من أجل إنتاج (الناصر صلاح الدين)، حيث استدانت من هيئة السينما ورهنت حتى عمارتها اليتيمة، وتعرضت للحجز في أثاث بيتها وأثاث شركتها وسيارتها أيضاً.. لقد ضحت بكل شيء من أجل أن يظهر الفيلم بهذا الشكل الجيد والمستوى العالمي المشرف الذي ظهر به.. وبالرغم من كل هذا الجهد الجبار الذي بذل لهذا الفيلم، إلا أنه لم يحقق ذلك المردود المادي الذي كان متوقعاً له، بل إنه ألحق خسارة كبيرة بمنتجته.
تتحدث "آسيا" عن أسباب هذه الخسارة، فتقول: (... بعد الانتهاء من الفيلم طلبت مني "الهيئة المحترمة" أي هيئة السينما، الاحتفاظ بنسخ الفيلم عندها للقيام بتوزيعه وتسويقه، وبالطبع لم يُسوَّق الفيلم جيداً ولم يوزع وفقاً لخطَّة مدروسة، والنتيجة إنهم لم يعطوني حتى الإيرادات...).
"آسيا" هنا، تتهم هيئة السينما بأنها المسؤولة، أولاً وأخيراً، عن هذه الخسارة التي لحقت بالفيلم، بل إن الخسارة مازالت مجسدة في كمية الإكسسوارات الضخمة، من الملابس والأسلحة والتيجان، التي كانت "آسيا" تحتفظ بها في مكتبها وتكتظ بها الحجرات حتى وفاتها.. حيث إنها رفضت رفضاً قاطعاً إعارتها أو تأجيرها لاستخدامها في أفلام أخرى، رغم تعدد العروض التي قدمت لها، وذلك على أمل أن تضعها في متحف خاص لتخليد ذكرى فيلم "الناصر صلاح الدين".
ويهمنا أن نختتم حديثنا هذا بتصريح لمخرج الفيلم "يوسف شاهين"، عن هذه الفنانة الرائدة "آسيا"، حيث قال: (...كانت ظاهرة فريدة من نوعها، وفنانة ملتزمة وواعية بكل معنى الكلمة، تميزت أعمالها بالجرأة والالتزام.. وأذكر أنها كانت تشجع المواهب الوطنية، فقد رفضت عند إنتاج فيلمها المشهور (الناصر صلاح الدين) الاستعانة بالخبرة الأجنبية في الإنتاج، وبالمقابل شجعت المواهب الشابة، فأسندت إليّ إخراج الفيلم.. ولم تُلق بالاً لأي محاولات لإثنائها عن تشجيع من تراه واعداً من الشباب...)..كما انتجت فيلم **
ساعة لقلبك..ومعليش يازهر*آسيا: تقدير وجوائز وســـام الإســتحـقاق اللبــناني بمـناســـبة عرض فيــلم زوجة بالنيابة، والذي صُورت مناظره في لبنان
· فـازت بالـجائـزة الأولى في الإنــتاج في مـســابقـات الدولة للسينما عن فيلمي حياة أو موت، رد قلبي
· جــائزة خـاصة من جــامعــة الـدول العربـية عن فيلم الناصر صلاح الدين
· جـــائزة الــدولة للرواد في مهرجان اليوبيل الذهبي للسينما المصرية
· جائزة الرواد من جمعية كتاب ونقاد السينما
· ومكافئة مالية قدرها 3000 جنيه من الدكتور عبد القادر حاتم تقديرا لجهودها في انتاج
فيلم الناصر صلاح الدين وشراء نسخ من الفيلم مقابل 3500 جنيه اخري
[URL=http://up106.arabsh.com/]
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة][/