ولد "أحمد بدر خان" في الثامن عشر من أكتوبر عام 1909 بالقاهرة، وحصل على الشهادتين الابتدائية والثانوية من مدرسة "الفرير".. وبدأ تعلقه بالسينما وهو في الثانية عشرة، حيث كان يتردد كثيراً علي دار سينما "الكوزمو" بشارع عماد الدين، وكان أحد أفلام "شارلي شابلن" الصامتة، هو أول ما شاهده "بدر خان" من أفلام، فأعجب به كثيراً وأحب التمثيل من خلاله، وبالتالي صمم أن يظهر على الشاشة.. وكانت صداقته بزميل الدراسة "جمال مذكور"، والذي يشاركه نفس الهواية، سبيلاً لإشباع هواية التمثيل لديه.. فقد كانا يترددان على مسرح رمسيس باستمرار لمشاهدة المسرحيات وحضور بروفاتها.
وعندما أراد "بدر خان" أن يطور من موهبته للتمثيل، التحق بمعهد التمثيل الذي أنشأه "زكي طليمات" عام 1930، إلا أنه لم يستمر بالدراسة فيه، نظراً لإغلاقه.. وبعد حصوله على شهادة الكفاءة الفرنسية، التحق "بدر خان" بالجامعة الأمريكية، وشارك في نشاط فريق التمثيل، والذي كان "جورج أبيض" يتولى تدريبه.. كما أن "بدر خان" نفسه قد كوَّن فريقـاً للتـمثـيل أطـلق عليه اسم (فريق الطليعة)، وقام بتمثيل دور البطولة في مسرحية (الأديب) التي قدمها على مسرح رمسيس.
بعدها، التحق "بدر خان" بكلية الحقوق لدراسة القانون تلبية لرغبة والده، وفي نفس الفترة أيضاً بدأ في مراسلة معهد السينما في باريس، حيث كانت تصله محاضرات ودراسات في السينما، استطاع أن ينشر معظمها في مجلة "الصباح"، والتي أُسند إليه فيما بعد تحرير قسم السينما الأسبوعي فيها.
ومن خلال كتاباته في السينما، استطاع "بدر خان" أن يلفت إليه انتباه الاقتصادي الكبير "طلعت حرب"، والذي استدعاه فيما بعد وطلب منه تقريراً وافياً عن إمكانية إنشاء أستوديو سينمائي في مصر.. فعكف "بدر خان" علي كتابة هذا التقرير، مستعيناً بما لديه من كتب ومقالات عن الاستوديوهات.. هذا إضافة إلى المعلومات والتفاصيل الفنية بالاستوديوهات، والتي زوده بها صديقه "نيازي مصطفى" الذي كان يدرس السينما في ألمانيا.. ومن ثم حاز هذا التقرير على الموافقة من "طلعت حرب"، وبدأ في المشروع بتنفيذه.. والى أن يتم تنفيذه، أرسل "حرب" بعثتين لدراسة السينما بفرنسا وألمانيا، وكان "بدر خان" على رأس بعثة فرنسا، وهناك في باريس التقى بـ"نجيب الريحاني" أثناء تصوير فيلمه (ياقـوت أفـندي ـ 1934) فعمل مساعداً لمخرج الفيلم "أمـيل روزييه".
وفي أثناء تواجده في باريس، استلم "بدر خان" من أستوديو مصر قصة "وداد" ليعد لها السيناريو، ولتكون باكورة إنتاج الأستوديو.. وفي أكتوبر 1934 عاد "بدر خان" من بعثته، وعيِّن مخرجاً سينمائياً بأستوديو مصر، بمرتب قدره عشرون جنيهاً شهرياً.
لقد كان من المفترض أن يكون فيلم (وداد ـ 1936)، وهو من بطولة "أم كلثوم"، أول مشاريعه الإخراجية، فقد بدأ بالفعل في تصوير بعض من مشاهده الخارجية، إلا أنه ـ وبسبب خلاف شخصي مع مدير الأستوديو "أحمد سالم" ـ تم تنحيته عن الإخراج وإسناده إلى الخبير الألماني "فريتز كرامب"، واحتجاجا على هذا التصرف، قدم "بدر خان" استقالته من الأستوديو.
وفي العـام التـالي اختارت "أم كلثوم" بنفـسـها "أحمد بدر خان" لإخراج ثاني أفلامها وهو (نشيد الأمل ـ 1937)، والذي أنتجته شركة "أفلام الشرق" في أولى مشاريعها الإنتاجية.. وكان هذا الاختيار بمثابة رد الاعتبار لـ"بدر خان".. ثم بعد ذلك قام بإخراج جميع أفلام "أم كلثوم"، ما عدى فيلم (سلاّمة) الذي أخرجه منتجه "توجو مزراحي".. حتى أن "أم كلثوم" قد اختارت "بدر خان" أيضاً لإخراج أغنيتها (إلى عرفات الله) عندما أراد التليفزيون أن يصورها.
وقد تميز "أحمد بدر خان" بإخراج الأغنية السينمائية، حيث تفوق علي بقية زملائه المخرجين، وذلك لأنه كان شاعراً وزجالاً، وكان يضع أفكار أغاني أفلامه، هذا إضافة إلى أنه قد كتب كلمات بعض أغاني أفلامه.
فقـد قـام "بدر خان" بإخراج أول أفـلام "فريد الأطرش" مـع شقيقته "إسـمهان"، وهو فيـلم (انتصار الشباب ـ 1941).. ثم أخرج مجموعة من الأفلام قام بإنتاجها وبطولتها "فريد الأطرش"، وهي: ماأقدرش، أحبك انت، عايز أتجوز، عهد الهوى، آخر كدبة، إزاي أنساك.. كما أخرج فيلم (تاكسي حنطور ـ 1945) لـ"محمد عبد المطلب"، ولـ"عبد العزيز محمود" فيلم (علشان عيونك ـ 1954)، ولـ"محمد الكحلاوي" فيلم (أنا وانت ـ 1950)، ولـ"محمد فوزي" و"نور الهدى" فيلمين (مجد ودموع ـ 1946) و(قبلني يا أبي ـ 1948)، ولـ"عبد الغني السيد" و"نجاة علي" فيلم (شيء من لاشيء ـ 1938)، و فيلم (غريبة ـ 1958) وهو أول أفلام "نجاة الصغيرة".
وفي عام 1944 كوَّن "بدر خان" مع "أمينة رزق" و"عبد الحليم نصر" و"حلمي رفلة" شركة إنتاج تحت اسم شركة اتحاد الفنانين، وقدمت أفلام مثل: قبلة في لبنان، القاهرة ـ بغداد، سجى الليل، عدل السماء، وغيرها.
ويعتبر "أحمد بدر خان" أول من نادى بإنشاء معهد للسينما، وذلك من خلال ما كتبه في الصحافة.. هذا إضافة إلى أنه ألف أول كتاب عن السينما باللغة العربية عام 1936.
وقد أنتخب "بدر خان" نقيباً للسينمائيين ورئيساً لاتحاد النقابات الفنية، وتولى منصب عميد المعهد العالي للسينما بعد استقالة "محمد كريم".. كما تولى عدة مناصب في وزارة الثقافة، كان أولها مدير شؤون السينما عام 1959، ثم أصبح المستشار الفني لمؤسسة السينما، حيث رأس الوفود السينمائية في كثير من المهرجانات الدولية، واستمر يشغل منصبه هذا حتى يوم وفاته في 23 أغسطس 1969.
هذا هو "أحمد بدر خان"، الفنان الكبير ذو الإحساس المرهف والهادئ لدرجة من الصعب إثارته، هذا بالرغم من كونه في موقع قيادي صعب كمخرج.. فهو علي عكس الكثير من المخرجين، يحتفظ دائماً بهدوئه وشاعريته داخل الأستوديو.
وهكذا كان "بدر خان"، الفنان الذي أبى ألا أن يكون له ابن يواصل مسيرته الفنية، ويمارس عشقه للسينما.. وها نحن نعيش في زمن سينمائي، يتربع على إحدى عروشه، ابنه المخرج المبدع "علي بدر خان"، كواحد من بين أهم المخرجين العرب.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]