مصر ادخلوها سالمين‏..‏ شادية وبليغ

مصطفي الضمراني
535
طباعة المقال
عندما تصل إلي مطار القاهرة الدولي تقع عيناك أول ما تقع علي لافتة كبيرة بالخط الكبير ومضاءة بأنوار النيون تقول ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين آية‏99‏ سورة يوسف‏,‏ هذه الآية الكريمة شغلت فكر الشاعر وملأت وجدانه وظل يفكر ويبحث كيف يحولها

إلي أنشودة ترددها وفود القادمين من الخارج إلي مصر عند نزولهم إلي أرض المطار ولم يفكر وقتها من الذي سيلحن كلماتها ومن الصوت الذي يؤدي هذا اللحن ويعبران فيه عن هذا المعني الرباني الجميل‏,‏ وكان كل هم الشاعر أن يمنحه الله القدرة ليكمل كلمات هذه الأنشودة أو الأغنية‏,‏ وهكذا كان حال كل شعراء زمن الفن الجميل عندما يفكر أحدهم في أغنية عن مصر أرض الأديان وصانعة أول حضارة عرفتها الإنسانية وكان كل واحد منهم يشعر أن إنجاز عمل غنائي عن مصر التي ينتمي إلي ترابها الطاهر هو وسام علي صدره دون أن يبحث عن أي مقابل مادي ويكفيه أنه استطاع أن يعبر عن مصر بكل الأحداث التي تمر بها والكل كان يتنافس من أجل تحقيق هذا الإنجاز ولذلك ترك هؤلاء الرواد الكبار تراثا غنائيا عظيما تردده الأجيال جيلا بعد جيل في حب هذا الوطن‏.‏
أما حكاية هذه الأغنية فقد كتبها واحد من كبار شعراء زمن الفن الجميل وهو اللواء إبراهيم موسي مساعد وزير الداخلية الأسبق وكان عند كتابتها برتبة عميد شرطة وقد انشغل تفكيره بكتابة مذهب الأغنية في البداية الذي يقول ادخلوها سالمين‏..‏ ادخلوها آمنين وظل لفترة قصيرة يفكر في باقي مقاطع الأغنية وكان شغله الشاغل أن يوفقه الله إلي الملحن الذي يحب هذا الوطن ويتأثر بهذه الكلمات الربانية والصوت الأصيل العاشق لمصر حتي يشعر بأن جهده لمصر وانشغاله بحب هذا الوطن حقق له ما يريد‏,‏ وهذه كانت أمنية كل شاعر في هذه الفترة من هذا الزمن الجميل‏.‏
وشاءت الظروف أن يكلف عميد الشرطة إبراهيم موسي من قبل وزارة الداخلية بالسفر إلي السعودية لمدة شهر لإلقاء محاضرات بالمركز العربي للدراسات الأمنية التابع لجامعة الدول العربية بالرياض للضباط من كافة الدول العربية‏,‏ وكان هذا في عام‏1984‏ وبعد انتهاء مهمته بالرياض استقل الطائرة إلي مصر لتكون المفاجأة بعد جلوسه في المقعد المخصص له في الطائرة أن يجد الموسيقار بليغ حمدي في المقعد القريب منه ومن الصدفة أيضا ان المقعد المجاور لبليغ كان شاغرا فانتقل إلي جواره وعرفه بنفسه وكان لا يزال يعيش في إنجازات بليغ الوطنية التي سجلها في انتصار أكتوبر‏73‏ كأول ملحن دخل استوديو لتسجيل أغاني النصر ورحب به بليغ وقال له أنا متابع نشاطك الوطني إحنا لسه بدري علي الطيارة لما تنزل مصر فرصة بقي لنسمع منك حاجة وطنية وكان إبراهيم قد فرغ من كتابة معظم الأغنية وقرأ لبليغ المذهب والكوبليه الأول الذي فانشرح صدره لهذه الكلمات المفعمة لحب مصر وكأنها مكتوبة في لحظة نزولهما من الطائرة خاصة المقطع الذي يقول لو لفيت الدنيا بحالها‏..‏ لو لفيت ورحت وجيت‏..‏ وعرفت وشفت‏..‏ وقلت لاقيت جنتي وارتحت‏..‏ واتمتعت بسحر جمالها لو لفيت‏..‏ مش حتلاقي مهما تشوف‏..‏ أرض محبة مافيهاش خوف إلا في مصر وكان هذا ليلة أول رمضان المبارك وطلب من إبراهيم موسي الحضور إلي مكتبه‏34‏ شارع بهجت علي بالزمالك ثاني أيام رمضان لأن بليغ يتناول طعام الإفطار في اليوم الأول مع الأسرة‏,‏ وفي الموعد المحدد ذهب العميد إبراهيم ومعه النص الكامل للأغنية وأمضيا حوالي ساعة في هذا اللقاء واتفقا معا أن يلتقيا عدة مرات بين مكتب بليغ وشقته المطلة علي ميدان سفنكس وبعد أسبوعين كان بليغ قد انتهي من اللحن كاملا ليزف للشاعر العميد إبراهيم موسي أن هذا اللحن ستؤديه الفنانة القديرة شادية فارتاح لهذا الاختيار باعتبار أن شادية هي أحلي صوت يغني للوطن بعد سيدة الغناء العربي أم كلثوم وفي لقاء آخر بينهما تم الاتصال بالموسيقار عبد العظيم حليم قائد الفرقة الموسيقية المخصصة لتسجيل أغنيات شادية لتبدأ البروفات التي استغرقت عشرة أيام بحضور المؤلف والملحن في إحدي قاعات معهد الموسيقي العربية بشارع رمسيس وكانت شادية في قمة أدائها للحن والكلمات المعبرة عن حب الوطن خصوصا في المقطع الذي أعادته أكثر من مرة لو لفيت وتهت في ليل الغربة وضعت‏..‏ وقلت ياريتني ما كنت سافرت‏..‏ رحلة كانت من أولها‏..‏ مافيهاش يوم حسيت بأمان‏..‏ يبقي ضاع منك عنوان بلدك مصر ثم تنتقل شادية بأدائها الرائع لتتجلي أكثر في الأداء المعبر عن عشقها لهذا الوطن وتجلي بليغ حمدي في هذا اللحن المبهر‏.‏
لو لفيت الدنيا بحالها‏..‏ وفيها زرت بيوت الله‏..‏ واتمنيت تسعد بصلاة‏..‏ مش حتلاقي في أي مكان‏..‏ شعب حياته في الإيمان إلا في مصر ويتحدد موعد التسجيل في استوديو‏46‏ بالتليفزيون بحضور مهندس الصوت واكتمال الفرقة الموسيقية لتكون شادية قد استوعبت اللحن والكلمات لينتهي التسجيل بعد يومين وتستعد شادية لتقديم رائعتها الغنائية هذه في حفل نقلته الإذاعة والتليفزيون علي الهواء وحققت نجاحا مبهرا وكان التليفزيون موفقا عندما تذكر هذه الأغنية خاصة في مؤتمر القمة الاقتصادي الأفريقي الأخير الذي افتتحه الرئيس عبد الفتاح السيسي بحضور وفود من كافة أقطار الدول الإفريقية وأذاع التليفزيون هذه الأغنية وقت نزول الضيوف الأفارقة إلي شرم الشيخ‏,‏ ونقترح أن تتبني شركات الطيران المصرية إذاعة تسجيلات من هذه الأغنية عند اقتراب هبوط الطائرات إلي أرض الوطن لتكون ادخلوها بسلام آمنين أجمل ما نرحب به في استقبال الضيوف القادمين من مختلف أنحاء العالم بالإضافة إلي إنجاز تسجيلات مماثلة لها لتذاع دوريا في كافة المؤتمرات الدولية الهامة التي تعقد في مصر ويفتتحها رئيس الجمهورية مع تبني التليفزيون تصويرها تصويرا جديدا يبرز أهم المواقع السياحية والأثرية والشواطئ الممتدة علي البحرين الأبيض والأحمر وتتطلع وفود السائحين لزيارتها ومشاهدتها علي الطبيعة‏.‏
هذه حكاية ادخلوها سالمين كنت صديقا لكل مبدعيها الشاعر والملحن والفنانة القديرة تذكرتها وأرويها اليوم بكل تفاصيلها كما حدثت بعد مرور اثنين وثلاثين عاما علي إنتاجها‏.


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

الموضوع الأصلى : قصة ادخلوها سالمين  المصدر : قيثارة الغناء العربى