مشوار كاريوكا بين الفن والسياسة:

لماذا تحية كاريوكا؟
بهذا السؤال يبدأ الكاتب الصحفي سليمان الحكيم كتابه “تحية كاريوكا بين الفن والسياسة، وهو سيرة ذاتية لحياة الراقصة العربية الأشهر تحية كاريوكا، كان قد نشره الحكيم في تسعينيات القرن الماضي في جريدة الأحرار علي حلقات، وأشادت به كاريوكا في رسالتها إلي جريدة الأحرار، ثم طبع عدة طبعات كان آخرها طبعة كتاب الجمهورية الصادرة هذا الشر عن مؤسسة التحرير.
يجيب سليمان الحكيم عن السؤال بقوله:
‘ليس هناك من الفنانين من هو أحق منها بهذا الكتاب. وليس هناك من هو أحق منها بما كتبه المفكر العربي الكبير إدوارد سعيد في مجلة’ واجنـزنبهتر “السويدية في شهر يونيو عام 1991 حين قال” إن تحية كاريوكا مثل أم كلثوم، تحتل موقع الرمز المرموق في الثقافة الوطنية المصرية “.
ويمضي إدوارد سعيد في مقاله قائلاً: “إن تحية كاريوكا تري ـ وهي علي صواب فيما أظن ـ أنها جزء من نهضة ثقافية أساسية. وحركة إحياء وطني في الفنون ارتكزت علي حركة سعد زغلول الليبرالية المستقلة، وعلي ثورة 1919.

وتحية كما يذكر إدوارد سعيد لا تنتمي إلي صنف الفتيات الهامشيات أو الساقطات المصنفات وفق ثقافة يمكن التعرض لها بل تنتمي إلي عالم النساء التقدميات اللاتي يحاذين أو يتجاوزن الأسوار الاجتماعية. لكنها ظلت مرتبطة علي نحو عضوي بمجتمع بلادها لأنها اكتشفت لنفسها دوراً أكثر أهمية كراقصة تشارك في الحفلات العامة. متجاوزة في ذلك دور “العالمة”.
وينهي إدوارد سعيد كلامه عن تحية كاريوكا فيقول: “كانت تحية شعاراً لكل ما هو غير خاضع للانضباط والإدارة. في ثقافتها. ولهذا كان دور الفنانة هو الأمثل لتلك الطاقات”!.
إنها ـ كما يقول إدوارد سعيد ـ تحمل بين جنباتها هذه الشخصية التي تتسم بالثقل والسلطة التي تنبع من إحساسها بأنها أكبر من مجرد راقصة شرقية!

محمد عبد الوهاب واسماعيل ياسين وابو السعود الابياري وتحية كاريوكا فى مسرح إسماعيل يس
محمد عبد الوهاب واسماعيل ياسين وابو السعود الابياري وتحية كاريوكا فى مسرح إسماعيل يس
هذه الشخصية التي رفضت أن ترقص في بيروت أمام الزعيم التركي الخطير ومؤسس تركيا الحديثة كما أتاتورك، لأنه أهان السفير المصري أمامها، وتضرب الممثلة سوزان هيوارد بالحذاء في مهرجان كان السينمائي لأنها أهانت العرب، وتضرب أحد أمراء الأسرة الحاكمة في مصر، لأنه ناداها قائلاً: “إنت يا بت”.!
صاحبة السلطة
كانت تحية كاريوكا من مواليد برج الثورة.!
ففي 22 فبراير عام 1919، ولدت تحية كاريوكا بمدينة الإسماعيلية الواقعة في حضن قناة السويس. وحضن الاستعمار الإنجليزي أيضا، شيئان كان لهما أكبر الأثر في حياة تحية كاريوكا:
الإسماعيلية. وتحية كاريوكا نفسها!
كانت الإسماعيلية من أحدث المدن المصرية في ذلك الوقت. أعطاها الخديو إسماعيل اسمه عن افتتاح قناة السويس في أواسط القرن الماضي. وقد بنيت علي الطراز الأوروبي الذي يستهوي خديو مصر أملا أن تصبح بلاده قطعة من أوروبا.
ولكن بمرور الأيام أخذت المدينة في الانقسام شيئاً فشيئاً إلي مدينتين إحداهما للعرب والأخري للأجانب. يفصل بينهما شارع الثلاثيني الذي سمي بهذا الاسم بسبب عرضه الذي يبلغ الثلاثين مترا.!
ثلاثون مترا فقط تفصل بين عالمين مختلفين في كل شيء حي الإفرنج. ولا يسكنه غير الأجانب من فرنسيين وإنجليز ويونان وبلجيك.
وحي العرب ويسكنه المصريون والعرب، خصوصا من منطقة الشام والحجاز وقد جاءوا إلي المدينة بحثا عن الفرصة الأفضل.
ومن هؤلاء كان محمد ابوالعلا النيداني كريم. والد الطفلة ‘ بدوية ‘ التي عرفها العالم بعد ذلك باسم “تحية كاريوكا”!
أطلق عليها اسم “بدوية” تيمنا باسم الشيخ السيد البدوي الذي يرقد في ضريحه الشهير بمدينة طنطا، وهو أحد أبطال المقاومة أثناء الحروب الصليبية، وقد عرف في التراث الشعبي المصري بأغنية تقول: “الله. الله. يا بدوي جاب الأسري” لنجاحه في تهريب الأسري المسلمين من معسكرات الصليبيين.
كان محمد ابوالعلا كريم الشهير بمحمد النيداني ينحدر من أصول حجازية جاء إلي مصر عبر البحر فقناة السويس. وقد رسا به المقام في مدينة الإسماعيلية ذات الشبه بالمدن الأوروبية.
وكان البحر مهنته وعشقه الأول. فكان دائم السفر من ميناء إلي آخر بعيدا عن الأهل والوطن.
تزوج سبع مرات كان آخرها من أرملة شابة اسمها فاطمة الزهراء. تنتمي هي الأخري لأصول حجازية واستقرت في مصر علي ضفاف بحيرة المنـزلة بالطرف الآخر من بورسعيد. رأس القناة وعمامتها!
لم تكد “بدوية” تري الحياة حتي فارقها الأب ليتركها أمانة في يد إخوتها غير الأشقاء. وتكفلتها الجدة لأبيها. فقد كانت أقرب الأبناء شبها “بالأب الراحل” ولهذا فضلتها الجدة علي سائر الأبناء لأنها تحب أن تري فيها ابنها الفقيد.

فى مهرجان كان وعرض فيلم شباب إمرأة
فى مهرجان كان وعرض فيلم شباب إمرأة
ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن. هكذا يعرف البحارة دائما ولابد أن أبناءهم يعرفون ذلك أيضا. فقد جاء الأخ الأكبر. غير الشقيق واسمه أحمد. ليأخذ “بدوية” من أحضان الجدة ويجعل منها خادمة في بيته لزوجته “المالطية” صاحبة المزاج الحاد والأخلاق الجافة فخرجت “بدوية” من المدرسة. أو أخرجت منها، فخدمة البيوت لا تستقيم مع طلب العلم.
وتبدأ أولي خطواتها علي طريق “الثورة” بحثا عن الاستقلال فلم تجد أمامها غير طريق الهرب إلي الشارع الواسع. ولكن أين والمدينة كلها في حجم علبة الصفيح؟!
ينجح الأخ في إعادتها إلي سيطرته. ويتفنن مع زوجته “المالطية” في تعذيبها بالكي مرة. والضرب أخري. ثم بقص الشعر مرة ثالثة !
لقد عانت بدوية من الاستعمار “الأخوي” والأجنبي علي السواء. إنه نوع من الاستعمار المزدوج الذي كانت تعانيه مصر كلها !
وذات يوم تحمل بدوية صرة ملابسها، وتذهب إلي محطة القطار لتلقي فيه بنفسها وهي لا تحمل من النقود ما يعينها علي النجاح هربا من الجحيم. وفي القطار يتطوع أهل الخير بجمع ثمن التذكرة لها. وكانت هذه هي أول تجربة لها مع فعل الخير.
لم تكن بدوية قد بلغت الرابعة عشرة حين حطت بقدميها علي أرصفة القاهرة وشوارعها بحثا عن “الاستقلال” الذي لم تكن تريد غيره حتي لو أدي الأمر إلي موتها.
كان شعار ثورة 1919 التي ولدت بمولدها هو: “الاستقلال التام. أو الموت الزؤام”، كانت مصر كلها تردد هذا الشعار حين ولدت “بدوية” في مدينة الإسماعيلية مركز القيادة الإنجليزية في الشرق كله. وبعد أربعة عشر عاما من هذا التاريخ كانت بدوية ترفع نفس الشعار لنفسها وهي لا تدرك أن استقلال الوطن. يبدأ باستقلال مواطنيه!
ذهبت بدوية إلي شارع “عماد الدين” بوسط القاهرة بحثا عن مطربة وراقصة سورية كانت قد رأتها في الإسماعيلية وهي ترقص بين الأطفال فتنبأت لها بمستقبل زاهر في عالم الرقص.
ولأن الحظ كان لا يزال علي خصومته معها. لم تعثر بدوية علي المطربة السورية سعاد محاسن، التي كانت آنذاك تقدم عروضها في بعض مسارح الإسكندرية.
ذهبت بدوية إلي الإسكندرية، وهناك قابلت سعاد محاسن التي عينتها بفرقتها مجرد “كومبارس” بمرتب شهري لا يزيد علي الجنيهات الثلاثة.
وبعد فترة من التدريب اجتازتها “بدوية” بالمشاركة في العروض التي تقدمها فرقة سعاد محاسن نزلت إلي القاهرة لتلتحق بفرقة بديعة مصابني. التي لم تكن مجرد فرقة فنية، بل كانت معهداً لتدريب الفنانين وصقلهم، ويكفي أن نعرف بعض الأسماء التي كانت في تلك الفرقة لنعرف أين وضعت بدوية قدميها. فقد كان بالفرقة فريد الأطرش ومحمد فوزي وعبدالمطلب وعبدالعزيز محمود وعبدالغني السيد، ومن الراقصات حكمت فهي وسامية جمال وغيرهما، ومن الموسيقيين محمود الشريف الذي تزوج من أم كلثوم فيما بعد.
حين وطأت قدما “بدوية” أرض القاهرة ـ في بداية الثلاثينيات ـ كانت كلمة “الاستقلال” هي الكلمة الأكثر ترديداً علي ألسنة المصريين جميعاً، بل كانت هي شاغلهم الأكبر في كل مجال من مجالات الحياة.
كان سيد درويش قد أنهي مهمته في تحقيق الاستقلال الموسيقي بتخليص الموسيقي المصرية من “الهنك والرنك” أو البشارف التركية. ونجح في تقديم الموسيقي للناس مصرية بحتة بعد عشرات السنين من الإصابة بمرض التتريك.
وكان طلعت حرب قد نجح هو الآخر، أو في سبيله إلي النجاح، تحقيقاً لاستقلال مصر اقتصادياً فظهر بنك “مصر” وسط الكثير من الأسماء الأجنبية واليهودية في عالم المال والاقتصاد.
وكان توفيق الحكيم يرسي دعائم المسرح المصري وسط موجة من الاقتباس والتمصير.
وأحمد لطفي السيد يرفع شعار “مصر للمصريين” وليست لغيرهم من الأجانب.
أما في الرقص فكانت هناك محاولات تقوم بها “حكمت فهمي” لتخليص الرقص من تأثير الراقصات الأجنبيات من أرمن وروم.
ولأن ‘بدوية’ كانت من مواليد برج “الثورة”، الذي يتوافق في طالعه مع برج ‘الاستقلال’ فقد طلبت من مصمم الرقصات الإسباني الشهير “ديكسون” أن يصمم لها رقصة خاصة تحقق لها الاستقلال والتميز عن سائر الراقصات اللائي تعجبهن فرقة بديعة مصابني.
وينجح الإسباني العجوز في استلهام رقصة “الكاريوكا” المستوحاة من التراث الشعبي البرازيلي والتي كانت قد عرضت بأحد الأفلام الأمريكية بدور السينما المصرية. وما إن ظهرت “بدوية” في هذه الرقصة حتي اشتهرت باسم راقصة “الكاريوكا” التي كان يهتف رواد كازينو بديعة كل ليلة في طلبها، وكانت أول راقصة مصرية تحمل اسم إحدي الرقصات في اسمها.
أما اسم تحية فقد منحته له بديعة مصابني، لتعرف في الأوساط الفنية والصحفية باسم “تحية كاريوكا”.
لقد حصلت تحية كاريوكا علي اسمها من أفواه المعجبين بفنها. فكان الاسم من صناعتها هي. وهو أول اعتراف رسمي تحصل عليه باستقلالها وتحرير نفسها قبل أن تبدأ رحلتها الأهم في الرقص وتحريره من ربقة الأجانب والمستغربين.
الانقلاب علي عبدالناصر
هذا الرجل كلامه ديناميت.
وحديثه بارود.
وصوته رصاص. وقنابل !
إنه الضابط مصطفي كمال صدقي الذي تزوجته تحية كاريوكا. فدخلت معه السجن بتهمة صغيرة تافهة. “قلب نظام الحكم”!
ولكن رأي حكم الذي تريد تحية كاريوكا وزوجها صدقي أن يقلباه؟
إنه حكم جمال عبدالناصر. وثورة يوليو23!
كاريوكا التي لم تهتم بقلب نظام الحكم الفاسد للملك فاروق وأعوانه. تريد قلب نظام ثورة يوليو الذي رفع الظلم عن المصريين وأنهي الاحتلال الأجنبي واسترد لمصر حريتها وكرامتها؟!
لابد أن في الأمر شيئا من سوء الفهم. خصوصا إذا كان الأمر يتعلق بتحية كاريوكا. وعلاقتها بثورة يوليو وجمال عبدالناصر.
“لقد قررت الثورة الزواج بالفن”. أو مصطفي كمال صدقي وتحية كاريوكا!
فارس حقيقي
وسط فرحة الجميع وهتافاتهم وقف العروسان يردان علي تهنئة الزملاء والزميلات. وقررا إتمام إجراءات الزواج فور العودة إلي القاهرة.
وبعد شهور من زواج سعيد فوجئت تحية كاريوكا بالبوليس الحربي يقتحم شقتها بحثا عن أسلحة ومنشورات. وبالفعل تم العثور علي كميات كبيرة منها. فكان لابد من أصطحاب صاحبة البيت بسؤالها عن مصدر تلك الأسلحة والمنشورات وعلاقتها بها.
أنكرت تحية كاريوكا معرفتها بأي شيء يتعلق بتلك القضية، وهو ما أكده الزوج نفسه، مصطفي كمال صدقي الضابط بسلاح “الفرسان” الذي أقسم أن تحية لا تعرف شيئا عن نشاطه وأنه وحده يتحمل مسئولية ما حدث. فكان من “الفرسان” بحق!
.كان النحاس باشا قد كسب عداء الملك وحنقه حين قبل أن يتولي رئاسة الوزراء بناء علي طلب الإنجليز، الذين احتلوا القصر الملكي بدباباتهم ليفرضوا علي الملك وزارة جديدة برئاسة النحاس، فيما عرف في التاريخ المصري الحديث. بحادث 4 فبراير 1924.
أما أمين عثمان فكان هو الرأس المدبر لهذا الحدث الذي أوغر صدر الملك تجاه الاثنين. أمين عثمان مدبرا. والنحاس منفذا، فقرر أن ينتقم من الاثنين. ولكن كيف؟
كلف الملك فاروق طبيبه الخاص الدكتور يوسف رشاد وزوجته ناهد. التي كانت تعمل وصيفة بالقصر الملكي بتشكيل ما أسماه “بالحرس الحديدي” علي أن يكون أعضاؤه من المعروفين بعدائهم للإنجليز وعملائهم من المصريين.
وبالبحث والتقصي. لم يجد الدكتور يوسف رشاد من أهم أكثر عداء للإنجليز من أعضاء “الجمعية الوطنية الاشتراكية” المتهمين باغتيال رئيس أركان الجيش المصري إبراهيم عطا.
اتصل يوسف رشاد بهؤلاء المتهمين بالسجن، ووعدهم بالمساعدة في الحصول علي البراءة. وبالفعل نفذ رشاد وعده وخرج الجميع بحصولهم علي البراءة. التي ما كانوا ليحصلوا عليها لولا مساعدة الملك فاروق لهم شخصيا. عن طريق يوسف رشاد الذي كان أول من استقبلهم محتفلا بهذه المناسبة السعيدة.
قام يوسف رشاد وزوجته ناهد بالتقرب شيئا فشيئا لهؤلاء الضباط الاشتراكيين وزعيمهم مصطفي كمال صدقي. وحين استقرت الثقة بين الطرفين. قرر يوسف رشاد مفاتحة صدقي في أمر التنظيم الجديد الذي يحمي فاروق من خصومه الإنجليز وعملائهم من المصريين.
كانت التقارير التي وضعتها أجهزة القصر والجيش أمام فاروق تقول إن الضابط مصطفي كمال صدقي يعتنق المذهب الاشتراكي علي طريقة ‘تروتسكي’. وهو يشرب الخمر بشراهة ويدمن تعاطي الحشيش. يحلم بالشهرة. وتدور في رأسه خيالات البطولة والزعامة. يمد الحشيش والخمر حبالها ويوسع آفاقها. وأنه يحب التأنق وارتداء كل ما هو جميل ولافت. يحب الطعام الجيد. والخمر والنساء.
زعيم العصابة
وفي أول اجتماع له مع “العصابة” الجديدة وقف فاروق مصارحا. أريد قتل النحاس وأمين عثمان انتقاما من الإهانة التي لحقت بي. وكنت أود قتل السفير البريطاني مايلز لامبسون.ولكن الأصابع ستشير نحوي بأنني المحرض علي قتله. ولن أنجو من الخلع عن عرشي، أما النحاس وأمين عثمان فكل ما سيفعله الإنجليز أن تقوم جريدة التايمز برثائهما وتعديد مزايا كل منهما!
وبعد ذلك. أقسم الجميع علي الولاء “للمليك المفدي”. وأن يفتدوه بكل وأعز ما يملكون، وأن يطيعوا أوامره مهما كانت. وفي المقابل طلب فاروق من يوسف رشاد في توجيهات واضحة وصريحة أن يمدهم بكل ما يطلبونه من أسلحة أو مال.
والطريف أن ما فعله يوسف رشاد مع صدقي وجماعته فعله أيضا مع السادات وجماعته، فقد كان السادات متهما هو الآخر بالتعاون مع ال**** الألمان في قضية شهيرة فصل علي إثرها من الخدمة بالجيش، وكان يوسف رشاد هو الذي توسط له لدي قائد الجيش لإعادته إلي صفوفه من جديد برتبته التي كان قد خرج عليها، وفوق ذلك أمده بالمال ليسدد ديونه التي تراكمت عليه أثناء فصله من الخدمة.
وقد اتهم أنور السادات بعد ذلك بقتل أمين عثمان كما حاول اغتيال النحاس، وهما الخصمان اللدودان للملك فاروق والذي أنشأ من أجلهما تنظيم الحرس الحديدي.
تجربة السجن
كان مصطفي كمال صدقي هو الراجل الذي دخلت تحية كاريوكا علي يديه السجن لأول مرة في حياتها، ولم تكن تدري أن المأذون الذي عقد قرانها عليه وسلمها قسيمة الزواج منه. إنما كان يسلمها تذكرة دخولها الزنزانة لأول مرة!
والحقيقة أن مصطفي صدقي لم يكن يعرف الانحدار إلا بعد أن دخل القصر الملكي. وأصبح واحدا من زعماء الحرس الحديدي الذي يعمل في خدمة السراي.
كان صدقي ضابط يتسم بالوطنية، واشتهر بإخلاصه الشديد في أوساط زملائه من الضباط، وكان فوق ذلك واحدا من مجاهدي حرب فلسطين حين شارك فيها تحت قيادة البطل أحمد عبدالعزيز. فكان يقوم بجمع السلاح للمتطوعين وتسهيل سفرهم إلي فلسطين. وكان يقوم بذلك وهو شديد الإخلاص لعمله ومبادئه.
كان اشتراكي النـزعة. ويؤمن بالمساواة الديمقراطية. ويحلم باليوم الذي تحكم فيه مصر حكما ديمقراطيا حرا. من كل مستبد أجنبي أو غير أجنبي.
اتهم مصطفي صدقي في تفجير عدد من المنشآت والمشاريع التي يملكها اليهود في مصر، ومنها محلات شيكوريل وشركة الإعلانات الشرقية. فكان قد أعلن الحرب علي اليهود في كل مكان. في مصر وفلسطين علي السواء.
كما اتهم بمحاولة اغتيال أمين عثمان الذي كان يري في علاقة مصر بإنجلترا. زواجا كاثوليكيا. لا طلاق فيه. ولا فرار منه.
وشرع في اغتيال النحاس رغم وطنيته لأنه وافق علي أن يتولي رئاسة الوزراء في مصر بناء علي طلب من الإنجليز.

المصدر الاهرام المصري

الموضوع الأصلى : مشوار كاريوكا بين الفن والسياسة: المصدر : قيثارة الغناء العربى

توقيع العضو:

sirine