أداء أنيق ونبرات رقيقة
هي حالة خاصة من الحالات النادرة التي عرف المستمع العربي كيف ينجذب إلى فنها في الوقت نفسه الذي عرفت فيه كيف تستمد من هذا التشجيع كل مقومات النجاح والتجديد الي جعلت منها إسما على مسمى . .
صاحبة هذا الإسم لها صوت أليف معبر ينقل في حيوية شحنه أحاسيس تلامس الأذن وتخاطب المشاعر . وتصل إلى الوجدان بسهولة إقترابها من النفس التي تصل بها أيضا إلى مراكز الأنفعال لدى من يتابع فنها المميز وعبقريتها في التعبير .
عطاء شادية في عالم الغناء أعطته ما يقرب من ألف أغنية قدمت من خلالها الأغنية الخفيفة والناضجة ، القصيرة والطويلة والوصفية والتعبيرية ، أجادت في كل مسار وتألقت في كل إتجاه ومن خلال ما عرفه عنها القاصي والداني في عالم الغناء من أداء أنيق متميز ،وإحساس عميق وإنفعال صادق .
عرفت شادية الشهرة وهي لم تزل في بدايات أعوام المراهقة في نهاية الأربعينات ، عندما أسند اليها محمد فوزي والمخرج حلمي رفلة بطولة فيلمهما " العقل في إجازة " ولكي يعثر الملحن القدير على النغمة الملائمة للإكتشاف الجميل ـ ولكي تظل هذه النغمة المسار الصحيح لشادية خلال مراحلها الفنية التي إتسمت بالنجاح ومنذ الخطوة الأولى وحتى آخر لقاء لها مع العطاء الفني ، لم يفارقها النجاح ، ولم يفارق إخلاصها وصدقها في غالبية التجارب الفنية التي عبرتها ومرت بها .
بدأت شادية وهي في البدايات فتاة صغيرة السن تمثل وتغني في السينما ، وتقدم أغاني الحب والسعادة ... مراهقة تعبر عن حالة مهمة في سنوات العمر ـ تغني في بهجة وتفاؤل وإنشراح . هذا الغناء الذي جعلها تعبر عن ملايين الناس ممن رددوا أغانيها الجميلة والمعبرة عن طموحات البنت العربية المنطلقة .
غنت شادية في مرحلتها المبكرة التي إستمرت منذ نهاية الأربعينات وحتى نهاية الخمسينات ، فقدمت بصوتها ملامح الطفولة والليونة المصحوبة بالذبذبات السريعة ذات البريق ،حيث النقاء وسهولة أداء النغمات الحادة والقدرة على ضبط النغمات وفي البدايات حيث كان محمد فوزي من أكثر الملحنين تأثيرا فيها من ناحية رسمه للخط البياني لغنائها ومن غنائيات مازلنا نذكر منها " لقيته وهويته " و " أنا بنت حلوة " و " الحب له أوقات " و " " متشكر " و " إسكندرية يا غرامي " و " كتروا الخطاب " و " لأ يا سي أحمد " وغيرها .
بعدها شهد صوت شادية تعاونا خلاقا عبر ألحان منير مراد الذي وجد في صوتها قيثارته الذهبية ، ومنذ حدث اللقاء الأول في أغنية " واحد .. إثنين " وليتكرر النجاح في أعمال عديدة واضحة المعالم مثل " سوق على مهلك " و " يا دبلة الخطوبة " و " يا *** من عيني النوم " و " على عش الحب " و " إن راح منك يا عين " وفي نفس التوقيت عرف الموسيقار محمود الشريف كيف يوظف صوت شادية من تقديم الحانه المستمدة من أعماق الوجدان وتأتي ألحانه " يا حسن يا خولي الجنينة " و " ليالي العمر معدودة " و حبينا بعضنا " و " آه يا لموني " وغيرها .
ويتكرر النجاح مع ملحني تلك السنوات ، وحيث أثمر اللقاء بين شادية وكمال الطويل أغاني منها " عجبان واحشته " و " الظلم حرام " و" قل إدعو الله " و" وحياة عينيك وفداها عيني " وأن يثمر اللقاء مع ألحان محمد الموجي أعمال عديدة منها " شباكنا ستايره حرير " و " يا قلبي سيبك " و " الورد والشوك " وأن يعطي لقاء ألحان بليغ حمدي وغناء شادية أغنيات مثل " أبو عين عسلية " و " مكسوفة " و " أنا عندي مشكلة " .
ومع إقبال شادية على غناء ألحان أبرز الفرسان من جيل الظهور في الخمسينات قدمت أيضا للأستاذة ممن سبقوهم عددا آخر من الأعمال منها ما لحنه رياض السنباطي لها " إحنا في الدنيا ولا في الجنة " و " أحب الوشوشة " و " سبحان الله " وما لحنه لها محمد عبد الوهاب من أغان مثل أغنية " أحبك " وأغنية " بسبوسة " وهي غير ألحانه لمجموعة الفنانين والتي كانت شادية الوحيدة التي غنت فيها جميعها بداية من أغنية " قولوا لمصر " وحتى أناشيد " وطني الأكبر " و " الجيل الصاعد " و " صوت الجماهير " .
وتعد هذه الفترة من غناء شادية هي فترة العطاء المبكر الذي تميز بالذكاء في الآداء والإستفادة من القدرات النابعة عن موهبة صادقة ، جعلت شادية تجيد تقديم ألحان من وضعوا أشهر أغانيها دون أن تغير شخصيتها الفنية التي تكونت في المدرسة وفي البيت ، وعبر تدريبات خاصة على يد الملحن فريد غصن ، الأمر الذي جعل معظم الألحان التي قدمتها شادية تبدو وكأنها ملازمة لطريقة أدائها ، على الرغم من حرص شادية على الطابع الذي يميز أصحابها من الملحنين ... فبدت في أغنية " يا حسن يا خولي الجنينة إدلع يا حسن " لمحمود الشريف مختلفة عنها في " يا *** من عيني النوم " لمنير مراد أو " الظلم حرام " لكمال الطويل أو " شباكنا ستايره " لمحمد الموجي ، أو غيرها .
أخصب المراحل الفنية
في الستينات عبر صوت شادية إلى مرحلته الثانية وبعد مرحلة الأغنية القصيرة التي قدمتها في السينما ،وانتقلت إلى الأسماع عبر الراديو لتقدم إسم شادية إلى الملايين التي عرفت هذا الغناء المنطلق في حيوية وشباب ، وفي المرحلة الثانية تطور صوت شادية بحيث تخلص من آثار الطفولة ودخل في طور آخر أكثر نضجا وإستقرارا ووضحت معالمه الفريدة ، وحيث نمت قدراته في التعبير والتلوين والتمكن ... وتعد هذه المرحلة أخصب سنوات العطاء الغنائي في سطور شادية الغنائية ، وقد عاونها على تحقيق ذلك خبرة الخمسينات في الغناء والتمثيل وثقافتها العامة وحسن إمساكها بالخيط الذي يربطها بمشاعر الناس ، وبعدها توقفت شادية فترة وتفرغت للتمثيل من دون غناء .... وعادت لتقدم " يا أسمراني اللون " ، " قولوا لعين الشمس " ، " خدني معاك " ، " الحنة يا قطر الندى " ، " والله يا زمن " ، " يا روحي أنا " ، من ألحان بليغ حمدي ـ وأيضا " غاب القمر " ، " أنت أول حب " ، " بوست القمر " ،" شيء مش معقول " ، من ألحان محمد الموجي .
لقد تربت شادية على هذا النضج في الأداء ، قدرة على تقديم مختلف الألوان الغنائية من خلال إرادة قوية جعلتها تحافظ على جمال صوتها الذي نقول عنه وبشهادة فنانة دارسة هي المطربة عفاف راضي التي إهتمت بالتغيرات التي تطرأ على الصوت في رسالتها الأكاديمية ووجدت أن صوت شادية لم يتأثر في آخر ما سمعناه منها من غناء ، وبعدما يقرب من اربعين عاما على ظهورها أول مرة ، وبحيث ظل الصوت يحافظ على نقاوته ولمعانه وخصوصيته .... وقد أضيف لهذا التوصيف لصوت شادية ما نلحظه على أغاني مرحلتها الثانية ومن أبرزها أغنيات مثل " يا أسمراني اللون " ، لبليغ حمدي ، " فارس أحلامي " لمنير مراد ، " غاب القمر " لمحمد الموجي ، وهي الإضافة المتمثلة فيما طرأ على جمال الصوت الذي زادته الأيام حلاوة وإحساسا في التعبير جعلتها تقدم بشجاعة على محاولاتها الغنائية التي قدمتها ومن خلالها أضافت الجديد في العطاء والجديد من الأسماء وعبر حنوها على الجديد وتشجيعها لهذا الجديد الذي قدمته في سنوات السبعينات والثمانينات التي وكان أبرزها أغنيات " إتعودت عليك " ، " الحب الحقيقي " ، لخالد الأمير ، " ويا روحي قلبي " لإبراهيم رأفت ، وهي غير إتجاهاتها المتمثلة في إحترام إحترام الرواد وتقدير الأصالة وهو سلوك لم يغيب عنها منذ أن فكرت في أن تتنتج فيلما غنائيا أسندت تلحين جميع أغانيه للموسيقار رياض السنباطي وهو فيلم " ليلة من عمري " إخراج عاطف سام وحتى عودتها لغناء ألحان أحمد صدقي ومحمود الشريف في الحفلات العامةعندما غنت لكل منهما " أجمل سلام " ثم " مسرك حتعرف " ، وحيث كانت هذه الأغاني من أشهر ما قدمت في الحفلات الغنائية التي قدمت خلالها " رحلة العمر " لكمال الطويل ، " أحلف ما كلمته " ، لمحمد الموجي ، " ليلة سهر " لبليغ حمدي ، " همس الحب " لسيد مكاوي" .
لقد تميزت المرحلة الثالثة من غناء شادية بالتعاون مع ألحان وكتابات الشباب ، وهو ما أعطى صوت شادية قدرة على التنويع في إضفاء التعبير المناسب وحسن إختيار نبرة الصوت الملائمة لإبراز الجو النغمي والفسي المراد الغناء له .
وتعد غنائيات شادية في تلك السنوات الأبرز بالنسبة للأيادي التي امتدت لشادية فأخدت بها وعاونتها فأصبحت في مكانة نقطة التحول المهمة في مسيرة شادية وعلى نحو في لحن عمار اشريعي " أقوى من الزمان " ولحن خالد الأمير " إتعودت عليك " ولحن إبراهيم رأفت " أنا وقلبي " ولحن محمد عل سليمان " أصالحك بإيه " ولحن عزالدي حسني " الأسمر " .
وما فعلته شادية مع أهل النغم سبق أن قامت به مع أهل الكلمة من أصحاب الكلمة الطيبة فبعد نجاحات مع كلمة مرسي جميل عزيز ، حسين السيد ، فتحي قورة ، أبو السعود الأبياري ، محمد علي أحمد ، وجليل البنداري . تعاونت شادية مع شعراء العامية وكتاب الأغنية من الجيل التالي ، وكانت أغانيها من أبرز علامات البدايات في حياة أعلام مثل عبد الوهاب محمد وأغنية " التلفون " وعبد الرحمن الأبنودي ، وأغنية " أسمراني اللون " ومجدي نجيب وأغنية " قولوا لعين الشمس " ومحمد حمزة وأغنية " عالي ..عالي " ومصطفى الضمراني وأغنية " أقوى من الزمان " وصلاح فايز وأغنية " الحب الحقيقي " وعبد الرحيم منصور وأغنية " أم الصابرين " .
صوت لا يعرف النشاز
إن صوت شادية بمواصفاته الأنيقة وأدائه المعبر الذي وصل إلى السماء العربية عبر الراديو والسينما والكاسيت والأسطوانة ، وأيضا من خلال تجربتها الوحيدة في المسرح .، هذا الصوت بمثابة كتاب مفتوح الصفحات يعرف الناس مزاياه مثلما نعرفها ... فهو الصوت الذي قالت زعيمة الغناء العربي أم كلثوم عنه " إنه الحنان ذاته" .. فهو صوت يعبر عن النفس الطيبة لصاحبته ، ويصل إلى مشاعر الذين يحبونها عبر جسر من صوتها الحنون البديع . وما قالته أم كلثوم أضاف إليه العندليب عبد الحليم حافظ وصفا تعبيريا عندما قال " إن صوت شاداية لا يعرف النشاز فهو ينتقل كالعصفور الطليق من نغمة إلى أخرى ومن مقام إلى مقام في بساطة ويسر من يعرف ومن يجيد ومن يسهل عليه الغناء .