فوائد الهدوء
فى التعامل مع الناس, الطريقة الهادئة أكثر تأثيراً فى النفس وتأتى بنتائج مقبوله, بعكس الطرق العنيفة التى تأتى بردود فعل سيئة. لذلك فالانسان الهادئ محبوب من الناس, يساعدهم هدوءه على قبول كلامه.
وفى الحياة العملية الشئ الذى يُعمل فى هدوء, يأتى بنتائج أفضل..
* غير أن بعض الناس طبيعتهم نارية. أينما يحلّ الواحد منهم, يحلّ معه التوتر والغليان, ويسبقه ضجيجة. هو عبارة عن شعلة متقدة, حيثما ألقيت أشعلت وأحرقت, وتفجّر منها الشرار. والشخص النارى نظراته من نار, كلماته قذائف, وطلباته أوامر لا تقبل التأجيل.
هذه الطبيعة الثائرة, إن وجدت هادئاً تثيره. أما الطبيعة الهادئة فإن وجدت ثائراً تهدئه.
* الشخص الهادئ الأعصاب لا ينفعل بسرعة. وربما لا ينفعل أيضاً ببطء. إنه كالجبل الراسى , تعصف به الرياح وهو راسخ. أو هو كالجنادل الستة التى تعترض النيل فى أقصى الجنوب, مهما عصفت بها الأمواج تبقى هادئة فى مكانها, لا تتأثر ولا تتزحزح…
أما الإنسان الثائر الأعصاب, فأنه ينفعل بسرعة ويثور ويصخب, وربما لأتفه الأسباب أو بغير ما سبب. لمجرد شكوكه الداخليه وتصوراته!
بعكس الإنسان الهادئ, فهو قوى, تعجزالأسباب الخارجية عن أن تثيره.
بل تستطيع أعصابه القوية أن تصمد أمامها. وهكذا ينال إعجاب الناس. بينما الثائر الصاخب: مهما ثار وضج، وشتم وهدّد، وبدأ وكأنه يخيف غيره، فإنه لا
ينال احترام أحد. ثورته تدل على ضعفه وعلى عدم قدرته فى ضبط نفسه...
* غير الهادئ: أقل كلمة تعكره, وأقل تصرف يثيره. وربما تحاربه رغبة فى الأنتقام وفى الدفاع عن نفسه, وفى إثبات وجوده وحماية كرامته. فيثور ولا يصل إلى نتيجة, بل تسوء حالته. وفى كل حال يخسر المواقف, وتُمسك عليه أخطاء...
* أما الإنسان الهادئ, فإنه بالجواب اللين يصرف الغضب, ويمكنه أن يهدئ مناقشه مهما كان ثائراً...
ودائماً الإنسان الهادئ هو الأقوى... لأنه أستطاع أن يتحكم فى أعصابه وفى ألفاظه. ولأنه ارتفع فوق مستوى الإثارة فلم تقوَ عليه. وأيضاً لأنه- فى هدوئه- يمكنه أن يتحكم فى الموقف, وأن يدير الحوار بغير إنفعال.
* انظروا إلى السماء فى هدوئها. وكذلك الملائكة وكيف ينفذون أوامر الله فى هدوء عجيب. وكيف يعلمون فى حراستنا وحفظنا بهدوء كامل حتى أننا لا نشعر بهم ولا بعملهم...! وانظروا أيضاً كيف كان الشهداء هادئين أثناء استشهادهم, يستقبلون الموت فى هدوء وبكل فرح, لملاقاة الرب...
* أيضاً القلب الهادئ يتمكن من العمل الروحى, فى الصلاة والتأمل والقراءة والتسبيح. أما إذا فقد القلب هدوءه, فإنه لا يقدر على التأمل. وإن حاول الصلاة تسرح أفكاره وتطيش. وإن قرأ كتاباً لا يمكنه أن يركزّ ويفهم ويتابع... لأجل كل هذا كان النُساك والرهبان يبحثون عن الهدوء والسكون. لأنه فى الجو الهادئ, وفى المكان الهادئ, البعيد عن الصخب والضوضاء, يمكنهم أن يمارسوا عملهم الروحى...
فضائل ترتبط بالهدوء
* الهدوء له علاقة بالمحبة, يأخذ منها ويعطيها:
فالإنسان المحب يكون هادئاً فى علاقته مع الناس. لا يثور عليهم, ولا يمتد ولا يشتد. أما الكراهية فإن دخلت إلى قلب شخص, تكون كالبركان الثائر الذى لا يهدأ. تريد أن تنتقم وأن تحطم. ولا تهدأ حتى تنفذ ما تريد, وتنفّس عما فى داخلها.
والعالم يحتاج إلى الحب والهدوء, لكى يحل مشاكله. يحلها بالتصالح وليس بالتصارع. ففى الهدوء وبالهدوء, يمكن أن يتلاقى الناس مهما اختلفت افكارهم, ليحلوا مشاكلهم فى هدوء الحوار المشبع بالحب.
أما إن اختفى الهدوء, فإن الحب يختفى معه. إذ لا تبقى المحبة مع التشويش والصخب والضوضاء, والحدة فى الصوت, والشدة فى التصرف...
* لهذا ترتبط فضيلة الهدوء بفضيلة السلام أيضاً
فالإنسان الهادئ يكون على الدوام مسالماً. كان أن المسالم يكون بطبيعته هادئاً. الهادئ لا يخاصم ولا يصيح, ولا يسمع أحد فى الشوارع صوته. لذلك يعيش مع الناس فى سلام, لأنه لا يتشاجر مع أحد, ولا يحلّ مشاكله بالعنف, بل بالهدوء.
إن السلام قد يُفقد بين عنيف وعنيف. ولكنه لا يُفقد بين عنيف وهادئ. لأن الهادئ يحتمل العنيف. كما أن النار لا تطفئها النار, بل يطفئها الماء... فإن كان الهادئ يستطيع بهدوئه أن يطفئ نار العنفاء. فكم بالأولى يكون السلام بين اثنين هادئين. كذلك فإن الهدوء مظهر يعبرّ عن السلام الداخلى فى الشخص الواحد.
* والعلاقة بديهية بين الهدوء والوداعة.
لأن الهدوء هو فرع من فروع الوداعة, حتى أن اسميهما يتبادلان المواقع. فحينما نتكلم عن الهادئ نتكلم عن الوديع. وحينما نتكلم عن الوديع نتكلم عن الهادئ. والذى يفقد هدوءه, بلا شك يفقد وداعته...
* هناك علاقة أيضاً بين الهدوء والعمق:
فالإنسان الهادئ يمكنه أن يصل إلى العمق. ومن يصل إلى العمق, يصير عميقاً. وهنا يحضرنى عبارة قالها أحد الآباء الأدباء الروحيين وهى:
"عندما رمى بى الله حصاة على بحيرة الحياة, أحدثت فقاقيع على سطحها ودوائر لا حصر لها. ولكننى حينما وصلت إلى القاع صرت هادئاً".
حقاً إن السطحيين يحاولون أن يحدثوا فقاقيع على سطح الحياة ودوائر لا حصر لها. ولكنهم إن وصلوا إلى العمق يصيرون هادئين... وهكذا من يصل إلى نضج الحياة وإلى عمق الفكر وعمق الروحيات.
أما الإنسان السطحى غير العميق, فلا يكون هادئاً, بل يجول باحثاً عن ذاته, أو محاولاً أن يحقق ذاته, هنا وهناك.
* والهدوء يتعلق أيضاً بالإيمان والتسليم
الذى يحيا حياة الإيمان, يعيش فى هدوء قلبى, شاعراً أن حياته فى يدىّ الله الحانيتين. لذلك لا يقلق أبداً ولا يضطرب. وإن حاقت به مشكلة يثق بأن الله لابد سيحلها, وينتظر الرب فى هدوء. وبالأيمان يقول "كله للخير". وإن أتعبته الضيقات إلى حين, يقول "مصيرها أن تنتهى". فيهدأ قلبه ويستقر.
كما أن الذين يحيون فى الإيمان, لا يكونون سبباً فى تعكير هدوء غيرهم