ابن رشــــــد .. فيلسوف الفكر الحـــــــر
هو الفيلسوف المدلـــل فى كتابات معاصرينا، وهو قبل هذا الفقيه وطبيب السلطان: أبو الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن رشد الأندلسي القرطبي . المعروف بــ ابن رشد الحفيد، تمييزاً له عن جده ( أبى الوليد ابن رشد) الذى كان أيضاً : (فقيهاً) يحمل الكنية واللقب نفسهما.. وكان مولد (ابن رشد) سنة 520 هجرية، وتوفى وهو فى الخامسة والسبعين من عمره سنة 595 هجرية.
للمعاصرين افتتانٌ بابن رشد، بل فتنةٌ وتهويل وتدليل.. فهو عندهم : شهيدُ الفلسفة.. وأعظمُ الفلاسفة وآخرهم فى تاريخ الإسلام.. وقد اشتهر في العلوم الفلسفية والطبية، فقد أخذ الطب عن أبي جعفر هارون وأبي مروان بن جربول الأندلسي. ويبدو أنه كان بينه وبين أبي مروان بن زهر، وهو من كبار أطباء عصره، مودّة، وأنه كان يتمتع بمكانة رفيعة بين الأطباء.وبالرغم من بروز ابن رشد في حقول الطب، فإن شهرته تقوم على نتاجه الفلسفي الخصب، وعلى الدور الذي مثّله في تطور الفكر العربي من جهة، والفكر اللاتيني من جهة أخرى
تولّى ابن رشد منصب القضاء في اشبيلية، وأقبل على تفسير آثار أرسطو، تلبية لرغبة الخليفة الموحدي أبي يعقوب يوسف، وكان قد دخل في خدمته بواسطة الفيلسوف ابن الطفيل، ثم عاد إلى قرطبة حيث تولى منصب قاضي القضاة، وبعد ذلك بنحو عشر سنوات أُلحق بالبلاط المراكشي كطبيب الخليفة الخاص
ولما تولى المنصور أبو يوسف يعقوب الخلافة بعد أبيه، لقي الفيلسوف والطبيب على يديه ما لقي على يدي والده من حظوة وإكرام. إلا أن الوشاة ما زالوا بالمنصور حتى أثاروا حفيظته عليه، فأمر بإحراق كتبه وسائر كتب الفلسفة، وحظر الاشتغال بالفلسفة والعلوم جملة، ما عدا الطب، والفلك، والحساب، ونفي ابن رشد، إلا أن الخليفة ما لبث أن رضي عنه وأعاده إلى سابق منزلته. وتوفي ابن رشد في مراكش في أول دولة الناصر، خليفة المنصور
يعد ابن رشد من اهم الفلاسفة العرب، دافع عن الفلسفة وصحح علماء وفلاسفة سابقين له كابن سينا والفارابي في فهم بعض نظريات أفلاطون وارسطو. درس الكلام والفقه والشعر والطب والرياضيات والفلك والفلسفة، قدمه ابن طفيل لأبي يعقوب خليفة الموحدين عام 1182م فعينه طبيبا له ثم
قاضيا في قرطبة.
قال ابن بشكوال :
كان فقيها عالما ، حافظا للفقه ، مقدما فيه على جميع أهل عصره ، عارفا بالفتوى ، بصيرا بأقوال أئمة المالكية ، نافذا في علم الفرائض والأصول ، من أهل الرياسة في العلم ، والبراعة والفهم ، مع الدين والفضل ، والوقار والحلم ، والسمت الحسن ، والهدي الصالح ، سمعنا عليه بعضها ، وسار في القضاء بأحسن سيرة ، وأقوم طريقة ، ثم استعفى منه ، فأعفي ، ونشر كتبه ، وكان الناس يعولون عليه ويلجئون إليه ، وكان حسن الخلق ، سهل اللقاء ، كثير النفع لخاصته ، جميل العشرة لهم ، بارا بهم .
أهـــــم كتبـــــــــــه ومؤلفاتـــــــــــــــــــه :
وله كتب اشهرها:
-كتاب مناهج الادلة ، وهو من المصنفات الفقهية والكلامية.
-كتاب فصل المقال فيما بين الحكمة و الشريعة من الاتصال ، وهو من المصنفات الفقهية والكلامية.
-كتاب تهافت التهافت الذي كان رد ابن رشد على الغزالي في كتابه تهافت الفلاسفة.
- جوامع سياسة أفلاطون.
- أرسطو
- شرح أرجوزة ابن سينا.
- بداية المجتهد ونهاية المقتصد.
- الكشف عن مناهج الأدلّة في عقائد الملّة.
ومن تصانيفه كتاب " المقدمات " لأوائل كتب المدونة ، وكتاب " البيان والتحصيل لما في المستخرجة من التوجيه والتعليل " واختصار " المبسوطة " ، واختصار " مشكل الآثار " للطحاوي ،
وفي الغرب يسمّون ابن رشد Averroes ، وقد اهتمّ به الغرب بفضل شرحه لكتب أرسطو وتظهيرها من الآراء الدخيلة عليها. وهو يسمي أرسطو " الإنسان الأكثر كمالاً ". وقد درست أوروبا كتب ابن رشد مئات السنين.
آمن ابن رشد أنّ الفلسفة هي الطريق للوصول إلى الله، وفضّل الحقيقة العقلية على الحقيقة الدينية، ودافع عن الفلاسفة وآمن ان الجمهورية الفاضلة هي دولة الخلفاء الراشدين، ورأى أنّ بإمكان المرأة القيام بالأدوار التي يقوم بها الرجل، مثل السياسة وغيرها، وأن المجتمع يظلمها، وبظلمها حرم فضل تفكيرها. وكان رأيه في الدين انه أحكام شرعية لا مذاهب نظرية
وجهة نظر مغايـــــــــــرة
لاشك فى أن ابن رشد شخصية (مهمة) فى تاريخ الفكر الفلسفى الإسلامى، لكنه لم يكن بحال (شهيداً) للفلسفة أو غير الفلسفة، فقد عاش فى كنف الأمير أبى يعقوب ومن بعده فى كنف ولده الأمير أبى يوسف يعقوب المنصور.. فتولَّى قضاء (قرطبة) وصار طبيب السلطان، وكان له شأنٌ كبير بين معاصريه.
أما الزعم بأن ابن رشد هو أعظم الفلاسفة المسلمين وآخرهم، فما هو إلا تهويلٌ ومبالغة. فقد كان الرجل فيلسوفاً، كالآخرين، يسعى لتأكيد الصلة بين الدين والفلسفة، كالآخرين، ويجتهد فى بيان أهمية إعمال العقل فى كل الأمور، كالآخرين، ويضع المؤلفات ويدبج الفتاوى وينتقد السابقين، كالآخرين.. وهو -بالقطع- ليس آخر الفلاسفة الإسلاميين، وإلا فأين سنضع نصير الدين الطوسى، وأثير الدين الأبهرى، وأفضل الدين الخونجى، و علاء الدين ابن النفيس، وعضد الدين الإيجى، وغيرهم، وكلهم من أهل القرن السابع الهجرى (عاش ابن رشد وتوفى فى القرن السادس الهجرى) وأين سنضع اللاحقين عليهم من أهل القرون التالية، أمثال : صدر الدين الشيرازى، وسعد الدين التفتازانى، والسيد الشريف الجرجانى.. وغيرهم، ناهيك عن فلاسفة الصوفية، من أمثال ابن عربى وعبد الكريم الجيلى.. وغيرهما.
ولم يكن ابن رشد طبيباً عظيماً، وكتابه المتداول اليوم (الكليات) هو محض كلامٍ نظرىٍّ تقليدىٍّ فى الطب، لم يخرج عما كان سائداً من قبل ابن رشد.. فالكتاب لايمثل فتحاً طبياً، ولا اعتمد عليه طبيبٌ واحد، ممن جاءوا بعد ابن رشد!
وابن رشد لم يزعم أنه طبيب عظيم، وإنما وجد معاصره ابن زهر يضع كتاباً فى المعالجات ومداواة الأمراض والأمور (الجزئية) عنوانه : التيسير.. فأراد هو أن يستكمله بالكلام فى (الكليات). وكل مَنْ درس تاريخ العلوم، يعرف أن الطب - وسائر العلوم - كان يتقدَّم عبر التاريخ الإنسانى، بالبحوث الجزئية وبالاكتشافات وبالمعالجات.. وليس بالكلام فى الكليات.
وأخيراً، فابن رشد ليس عقلانياً هائلاً كما يزعمون.. فهو، كسائر فلاسفة الإسلام، يعتنى بالعقل. غير أن بعض هؤلاء الفلاسفة، ومنهم أستاذه ابن طفيل، تجاوزوا البحث العقلى وقرنوه بالذوق والإدراك الصوفى (فوق الحسى).. وهو ما لم يفعله ابن رشد. لكنهم كلهم، أهلُ علمٍ وفلسفةٍ وفضل، ولافضل لبعضهم على بعض بهذه العقلانية المزعومة لابن رشد.
وصــول ابن رشــد إلــى الغــرب :
بدأ الغرب عصر الترجمات قبل ابن رشد وكانت الترجمات مختارة ومختصة وجاءت المرحلة الأولى منها في القرن الثاني عشر مشتملة على كتابات الكندي (في العقل) والفارابي (في العقل) والغزالي (مقاصد الفلاسفة) وابن سينا (مقتطفات من الشفاء). وقد جاءت ترجمة كتب ابن رشد في القرن الثاني عشر والثالث عشر وكان ميخائيل سكوت (ت 1235) أول مَن ترجم شروح ابن رشد على أرسطو ثم تبعه هرمان (ت 1272).
تركزت الترجمات اللاتينية حول شروح ابن رشد لأرسطو وهناك نقاش حول وصول مؤلفات ابن رشد التي أظهر فيها إبداعه وأصالته الخاصة: تهافت التهافت، الفصل، مناهج الأدلة. فلم تنحصر مؤلفات ابن رشد على شرح أرسطو وإن كان هذا الشرح في قمة الإبداع والعمق واستيفاء آراء وأخطاء الشراح الآخرين خاصة ابن سينا والفارابي. لم تتعرض المسيحية اللاتينية لترجمة شاملة لكل ما هو إسلامي بل اقتصر اهتمامها على الجوانب الضرورية لها. وهذا بمثابة ما حدث مع ترجمات بغداد عن اليونانية والسريانية التي تركزت حول الفلسفة والعلوم وقد كانت الفلسفة هي الموضوع الأساسي للترجمات اللاتينية وكان أرسطو، الذي أعيد اكتشافه بطريقة مختلفة تماماً، قطب الرحى الذي دارت عليه حركة الترجمات الأولى. ومثلت شروحات ابن رشد على مؤلفات أرسطو البوابة الكبرى التي دخل منها أرسطو إلى الغرب فقد استوفت هذه الشروحات كل عبارة وجملة في مؤلفات أرسطو مؤسسة بذلك أسلوباً جديداً في شرح أرسطو يشبه أسلوب التفسير القرآني الذي يفسر النص عبارة عبارة وجملة جملة وهذا هو نفس الأسلوب الذي اتبعه القديس توما فيما بعد في شرحه لأرسطو. لقد عرف ابن رشد بأنه الشارح الأكبر لأرسطو وأدت شروحاته إلى تأسيس حركة فكرية غربية عرفت باسم الرشدية كان لها أكبر الأثر في استنهاض الفكر اللاهوتي المسيحي وعلى وجه الخصوص الاكويني الذي اتخذ من الفلسفة الأرسطية الأساس الذي أقام عليه مشروعه اللاهوتي الجديد.
من جهة أخرى ساهم المفكرون اليهود في إيصال فلسفة ابن رشد إلى الغرب، فقد كانت الترجمات العبرية جسراً واسعاً انتقل عبره العديد من المؤلفات والمنجزات إلى الغرب. كانت مؤلفات ابن رشد تقرأ بالعربية بين العلماء ا ليهود المتأثرين بالثقافة العربية، وقد أدى تشرد اليهود في مطلع القرن الثالث عشر إلى ما وراء جبال البيرينيه وعلى ساحل البحر الأبيض إلى انتشار أفكار ابن رشد. ورغم النقمة الشديدة الذي كان اللاهوت المسيحي يكنها لليهود فإن الروابط اللاهوتية والثقافية بين اليهود والمسيحيين لم تكن مقطوعة الأمر الذي سهل انتقال ابن رشد بطريقة غير مباشرة إلى اللاهوت المسيحي، واستفادت الترجمات اللاتينية من الترجمات العربية من خلال مقارنة النصوص للخروج بالترجمة الأفضل لأعمال ابن رشد. كما أن تأثر ابن ميمون بابن رشد قد ساهم بنقل العديد من الأفكار إلى الاكويني الذي تأثر بدوره بابن ميمون. لقد أدت مساهمة المفكرين اليهود في نقل الفكر الإسلامي، إلى إضافة مبرر جديد لنقمة وكراهية الكثير من المسيحيين الغربيين لليهود، فقد اعتبر هؤلاء أن اليهود هم وراء إدخال ابن رشد وقيام الحركة الرشدية في الغرب بهدف تخريب المسيحية وتدميرها.
الاهتمامــات الفنيـــــــــة لابن رشــــــــــد
اهتم ابن رشد بالموسيقى كفرع من فروع الفلسفة، فقد كان يرى: »ان غرس الفضائل في النفوس ضرورة أكيدة، وان السبيل الى ذلك وسيلتان هما الرياضة والموسيقى، وإذا كانت الرياضة عنده تعني بغرس الفضائل الجسدية ويخشن بها عود الانسان، فإن الموسيقى تعنى بتثقيف النفس وتمريسها على الفضائل الخلقية وتلطف من خشونة الطبع ولذلك فهو يصر على عدم الاسراف في طلبها لأن الخروج عن قاعدة الاعتدال في الاستماع الى الموسيقى يؤدي لا محالة الى نقيض ما يراد بها« .
ورأى ابن رشد ان الموسيقى القادرة على القيام بهذه المهمة موسيقى غنائية لكلماتها مضمون أخلاقي، فالموسيقى بنظره هي ((الأقاويل الحكيمة ذات اللحن))
ورغم اصراره على حكمة المضمون فهو لا يؤثر الأسلوب الخطابي في الشعر المغنى كما انه »يرفض أغاني الشكوى والرعب، وكل تقليد حرفي للأشياء التي لا تعقل ولا تشرف الانسان كصيحات الحيوانات وأصوات الطبيعة وذلك لسوء تأثيرها في المستمع وفي رأيه ان الهدف الأساسي للموسيقى أخلاقي محض وهو حث المرء على الشجاعة والاعتدال .
رأى ابن رشد ان الفن مرتبط بما يقدمه الفنان للمساهمة في تقويم المجتمع وتشذيب أخلاقياته، فأخذ على موسيقيي عصره إهمالهم لهذه المهمة وإيثارهم للأغاني الباكية النائحة التي تثير الاحباط والكسل، لكن المصادر تشير الى ان الموسيقى الأندلسية في تلك الحقبة كانت على قدر كبير من التحفظ وأن السلالم المستخدمة مثلاً كانت تخلو من أرباع الأبعاد التي تضفي على المقامات صبغة عاطفية حزينة، وهي بذلك تطابق السلالم الفيثاغورية التي رأى فلاسفة اليونان انها مناسبة لتهذيب النفس وتشذيب الأخلاق، يدفعنا هذا الى التساؤل عن مدى صلة مفاهيم ابن رشد الموسيقية بواقع الموسيقى الأندلسية في زمانه وعن مدى مصداقية احتجاجاته على موسيقى عصره خاصة ان الموسيقى والفكر الأندلسي بلغت في عهد الخليفتين الموحدين أبي يعقوب يوسف ويعقوب المنصور والدين عمل ابن رشد أكثر حياته في خلافتهما...
أفكـــــــار في فلسفة ابن رشـــد
في الـــــــــمرأة:
“إنها تقل عن الرجل في الدرجة لا في الطبيعة, أي كمية لا نوعاً, فهي قادرة على ممارسة أعمال الرجال مثل الحرب والفلسفة, ولكن بدرج أقل من الرجل, وقد تفوقه في بعض الفنون مثل الموسيقى, ويحسن وضع الأنغام بوساطة الرجال وتوقيعها بوساطة النساء, وقال لا بأس إذا حكمن الجمهورية فهن صالحات للحرب, وضرب أمثالاً بنساء أفريقية وقال: إن إناث ال===== تحرس القطيع مثل ذكورها.
ثم هو يقول مستطرداً: إن حالتنا الاجتماعية لا تؤهلنا للإحاطة بكل مايعود علينا من منافع المرأة, فهي في الظاهر صالحة للحمل والحضانة فقط, وما ذلك إلا حال العبودية التي أنشأنا علها نساءنا أتلفت مواهبها العظمى وقضت على اقتدارها العقلي. فلذا لا نرى بين ظهرانينا امرأة ذات فضائل أو على خلق عظيم. وحياتهن تنقضي كما تنقضي حياة النبات, فهن عالة على أزواجهن, وقد كان ذلك سبباً في شقاء المدن وهلاكها بؤساً, لأن عدد النساء يربو عى عدد الرجال ضعفين, فهن ثلثا مجموع السكان ولكنهن يعشن كالحيوان الطفيلي على جسم الثلث الباقي بعجزهن عن تحصيل قوتهن الضروري”.
في موضوع الحريــــــــــــــة:
“إن الإنسان ليس حراً على الإطلاق ولا مطلقاً بغير قيد, أي أنه ليس مخيراً وليس مسيراً, وأن الحرية تكمن في نفس الإنسان ولكنها تبقى محدودة بقضاء الأحوال الخارجة. فالعلة المؤثرة في أعمالنا كائنة فينا, أما العلة العرضية فخارجة عنا, لأن ما يجذبنا مستقل عنا وناشيء عن قوانين طبيعية, أي عن العناية الإلهية. لذلك وردت في القرآن الكريم آيات تصف الإنسان تارة بالحرية وتارة بالجبرية وطوراً بالتحكم في أعماله, وهي حال وسط بين الأولى والثانية. وقد بين ابن رشد هذا المذهب الوسط بين الجبرية والقدرية في كتابه مناهج الأدلة”.
الظلــــــــــم والتظلــــــــــم :
“إن الظالم هو الذي يحكم الرعية لمصلحته لا لمصلحتها, وأفظع أنواع الظلم ظلم القساوسة. ثم قال إن حكومة العرب القديمة في صدر الإسلام كانت على نظام جمهورية أفلاطون ولكن معاوية هدم نظامها وأتلف جمالها بأن خلع سلفه ثم أسس دولة استبدادية. وكان من نتيجة ذلك تقوض أركان دولة الإسلام وحدوث الفوضى في سائر بلاده ومها بلاد الأندلس.”
كانت النيران تأكل عصارة عقل جبار وسحط اتهام الحاقدين بمروق الفيلسوف، وزيغه عن دروب الحق والهداية... كي يعود الخليفة بعدها فيرضى عن أبي الوليد ويلحقه ببلاطه، ولكن قطار العمر كان قد فات إثنيهما فتوفي ابن رشد والمنصور في السنة ذاتها (1198 للميلاد)، في مراكش ودفن فيها ثم نقل رفاته إلى قرطبة.
وأخيراً هذا العالم والمفكر الذي حظي بشهرة عالمية،في وعزل عن الحياة السياسية بعد أن كان وزيراً وقاضياً، وأحرقت معظم كتبه. وقد ألّف ابن رشد أكثر من سبعين كتاباً ورسالة. وإن دلّ هذا على شيء فإنما يدلّ على سعة إطلاعه ومعرفته والمقام العظيم الذي استحقه ، أما المتاعب والمصاعب التي لاقاها في حياته فقد كانت بحجم قيمته وأهميته وفكره. فقد كثر حسّاده والساعون إلى عزله، لأنهم كانوا يعرفون انه أفضل منهم.
تلك هي حياة العظماء والعلماء الذين غالبا ما نالوا البؤس والشقاء من الدنيا في حياتهم ولكن التاريخ على الأقل مجبر على أن يرفع أسماءهم وأعمالهم الى أرقى مكانة ، ليس تكرما منه وإنما واقعا حقيقيا كان ثمرة ما توصل اليه هؤلاء البررة .