رِِقة النبي صلى الله عليه وسلم
عند خروجه من مكة:
روى الترمذي بإسناد حسن صحيح عن عبد الله بن عدى بن الحمراء(وقف الرسول صلى الله عليه وسلم عند خروجه بالحزورة في سوق مكة، وقال: «والله إنك لخير أرض الله، وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أني أُخرجت منك ما خرجت».
فائدة:
الهجرة تضحية عظيمة حتى بالبلد المحببة لرسول الله صلى الله عليه وسلم .
في الغار:
أحاط المشركون بالغار، وأصبح منهم رأي العين طمأن الرسول صلى الله عليه وسلم الصديق بمعية الله لهما؛
روى البخارى عن أبي بكر الصديق رضى الله عنه قال: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم وأنا في الغار: لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا، فقال: «ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما؟».
وسجل الحق عز وجل ذلك في قوله تعالى: ( إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) [التوبة: 40].
فائدة:
بالرغم من كل الأسباب التي اتخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لم يرتكن إليها مطلقاً وإنما كان كامل الثقة في الله، عظيم الرجاء في نصره وتأييده ويجب ان يكون هذا هو حال المسلم دائما،
فإن اتخاذ الأسباب أمر ضروري وواجب، ولكن لا يعني ذلك دائماً حصول النتيجة، ذلك لأن هذا أمر يتعلق بأمر الله، ومشيئته ومن هنا كان التوكل أمراً ضرورياًّ وهو من باب استكمال اتخاذ الأسباب.
و بعد ثلاث ليالٍ من دخول النبي صلى الله عليه وسلم في الغار، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه من الغار، وقد هدأ الطلب ويئس المشركون من الوصول إلى رسول الله،
وقد قلنا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر قد استأجرا رجلاً من بني الديل يسمى عبد الله بن أريقط وكان مشركًا، وقد أمناه فدفعا إليه راحلتيهما وواعداه غار ثور بعد ثلاث ليال براحلتيهما، وقد جاءهما فعلا في الموعد المحدد وسلك بهما طريقاً غير معهودة ليخفي أمرهما عمن يلحق بهم من كفار قريش
فائدة:
جواز الاستعانة بالكافر المأمون
خيمة أم معبد في طريق الهجرة:
وفي الطريق إلى المدينة مر النبي صلى الله عليه وسلم بأم معبد اسمها عاتكة بنت كعب الخزاعية في قديد( أى وادي)حيث مساكن خزاعة، وهي أخت خنيس بن خالد الخزاعي الذي روى قصتها، وهي قصة تناقلها الرواة وأصحاب السير، وقال عنها ابن كثير في البداية والنهاية: «وقصتها مشهورة مروية من طرق يشد بعضها بعضا» .
فعن خالد بن خنيس الخزاعي رضى الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرج من مكة، وخرج منها مهاجراً إلى المدينة، هو وأبو بكر رضى الله عنه ومولى أبي بكر عامر بن فهيرة رضى الله عنه ودليلهما الليثي عبد الله بن أريقط،
مروا على خيمة أم معبد الخزاعية، وكانت برزة ( أى كبيرة في السن لا تحتجب) جلدة ( أى قوية وعاقلة) تحتبي ( أى تجلس) بفناء القبة ثم تسقي وتطعم،
فسألوهما لحماً وتمراً، ليشتروه منها، فلم يصيبوا عندها شيئاً من ذلك، وكان القوم مُرْمِلين ( أى نفد زادهم) مسنتين ( أى داخلين في أسنة وهى المجاعة)
فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شاة في كسر الخيمة( أي جانب الخيمة) فقال: «ما هذه الشاة يا أم معبد؟» قالت: خلفها الجهد عن الغنم،
قال: «فهل بها من لبن؟» قالت: هي أجهد من ذلك،
قال: «أتأذنين أن أحلبها؟» قالت: بلى بأبي أنت وأمي، نعم، إن رأيت بها حلباً فاحلبها. فائدة:
تواضعه وأدبه صلى الله عليه وسلم حيث استأذن من صاحبة الشاة المرأة العجوز.
فدعا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسح بيده ضرعها، وسمي الله عز وجل، ودعا لها في شاتها، فتفاجت ( أى فتحت مابين رجليها للحلب) عليه، ودرت واجترت ودعا بإناء يُرْبِض( أي يسقيهم) الرهط، فحلب فيها ثجا (اى لبنا كثيرا سائلا) حتى علاه البهاء ثم سقاها حتى رويت،
وسقى أصحابه حتى رووا، وشرب آخرهم صلى الله عليه وسلم ثم أراضوا ( أى ارتوا)، ثم حلب فيها ثانياً بعد بدء حتى ملأ الإناء، ثم غادره عندها، ثم بايعها، وارتحلوا عنها.
وصف النبى صلى الله عليه وسلم :
فقلما لبثت حتى جاء زوجها أبو معبد يسوق أعنزا عجافا يتساوكن هُزلا( أى يتمايلن)ضحى، مخهن قليل،
فلما رأى أبو معبد اللبن عجب، وقال: من أين لك هذا اللبن يا أم معبد ، والشاة عازب حيال ( لا تحمل) ولا حلوبة في البيت؟ قالت: لا والله، إلا أنه مر بنا رجل مبارك، من حاله كذا وكذا،
قال: صفيه لي يا أم معبد .
قالت:
رأيت رجلا ظاهر الوضاءة ( أى الجمال)، أبلج الوجه ( أى مضيء)حسن الخلق، لم تعبه نحلة ( أى ليس نحيل) ولا تزر به صعلة (أى صغر الرأس) وسيم،
في عينيه دعج ( أى شديد السواد شديد البياض) .وفي أشفاره وطف( أى طول الرموش) .وفي صوته صهل ( أى ليس حاد الصوت) وفي عنقه سطع ( أى طول العنق) وفي لحيته كثاثة ، ( أي لحيته كثيفة ) .
أزج ( أى دقيق شعر الحاجبين مع طولهما)، أقرن ( أى متصل مابين حاجبيه من الشعر)،
إن صمت فعليه الوقار، وإن تكلم سما ( اى علا برأسه أو بيده وارتفع) وعلاه البهاء .أجمل الناس وأبهاه من بعيد، وأحلاه وأحسنه من قريب ، حلو المنطق، فصل لا هذر ولا نزر( لا كثير الكلام ولا قليله)، كأن منطقه خرزات نظم يتحدرن،
ربع( ليس بالطويل وليس بالقصير) لا يأس من طول ولا تقتحمه العين من قصر غصن بين غصنين، فهو أنضر الثلاثة منظراً، وأحسنهم قدراً،
له رفقاء يحفون به، إن قال استمعوا لقوله ، وإن أمر تبادروا إلى أمره، محفود( أى مخدوم)، محشود( أى يجتمع الناس حوله)، لا عابس ولا مُفنَّد (أى ليس منسوب الى قلة العقل).
قال أبو معبد: هو والله صاحب قريش الذي ذكر لنا من أمره ما ذكر بمكة، ولقد هممت أن أصحبه، ولأفعلن إن وجدت إلى ذلك سبيلاً. وقد روي أنها كثرت غنمها، ونمت حتى جلبت منها جلباً إلى المدينة، فمر أبو بكر، فرآه ابنها فعرفه،
فقال: يا أمه هذا الرجل الذي كان مع المبارك،
فقامت إليه فقالت: يا عبد الله من الرجل الذي كان معك؟
قال: أو ما تدرين مَن هو؟ قالت: لا، قال: هو نبي الله، فأدخلها عليه، فأطعمها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعطاها. وفي رواية: فانطلقت معي وأهدت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً من أقط ومتاع الأعراب، فكساها وأعطاها،
قال: ولا أعلمه إلا قال: وأسلمت، وذُكر أنها هاجرت هي وزوجها وأسلم أخوها خنيس واستشهد يوم الفتح .
سراقة بن مالك يلاحق رسول الله صلى الله عليه وسلم :
روى البخارى في صحيحه أنَّ سراقة بن جعشم قال :
جاءنا رُسُل كفار قريش يجعلون في رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، دية كل منهما لمن قتله أو أسره، فبينما أنا جالس في مجلس من مجالس قومي بني مدلج، إذ أقبل رجل منهم حتى قام علينا ونحن جلوس، فقال: يا سراقة إني رأيت آنفا أَسْوِدة( يعنى رجل من بعيد) بالساحل أُراها محمداً وأصحابه .
قال سراقة: فعرفت أنهم هم: فقلت له: إنهم ليسوا بهم، ولكنك رأيت فلاناً وفلاناً انطلقوا بأعيننا، ثم لبثت في المجلس ساعة، ثم قمت فدخلت فأمرت جاريتي أن تخرج بفرسي، وهى من وراء أكمة فتحبسها علي، وأخذت رمحي فخرجت به من ظهر البيت فخططت بزجه الأرض ، وخفضت عالية حتى أتيت فرسي فركبتها ، فرفعتها تقرب بي حتى دنوت منهم ،
فعثرت بي فرسي فخررت عنها، فقمت فأهويت يدي إلى كنانتي ، فاستخرجت منها الأزلام فاستقسمت بها، أضرهم أم لا، فخرج الذي أكره، فركبت فرسي، وعصيت الأزلام؛ تُقَرّب بي، حتى إذا سمعت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو لا يلتفت، وأبو بكر يكثر الالتفات، ساخت( أى غاصت) يدا فرسي في الأرض، حتى بلغتا الركبتين، فخررت عنها، ثم زجرتها فنهضتْ فلم تكد تخرج يديها، فلما استوت قائمة إذا لأثر يديها عثان ( أى دخان) ساطع في السماء مثل الدخان،
فاستقسمت بالأزلام فخرج الذي أكره، فناديتهم بالأمان فوقفوا فركبت فرسي حتى جئتهم ووقع في نفسي حين لقيت ما لقيت من الحبس عنهم، أن سيظهر أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقلت له: إن قومك قد جعلوا فيك الدية، وأخبرتهم أخبار ما يريد الناس بهم، وعرضت عليهم الزاد والمتاع فلم يرزآني( أى لم يأخذا منى شيء) ولم يسألاني، إلا أن قال: أخفِ عنا،
فسألته أن يكتب لي في كتاب آمن، فأمر عامر بن فهيرة فكتب في رقعة من أديم ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
دروس وعبر :
أولاً : نصرة الله لنبيه ( وهو يتولى الصالحين )
نوقن بأنَّ الله ناصره رسوله صلى الله عليه وسلم : } إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ { [ التوبة : 40]
وعاصمه : } وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ { [ المائدة :67 ]
وكافيه : }إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ { [ الحجر:95 ]
وسينتقم له : } وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ { [ التوبة :61]
و قال تعالى : } إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا { [الأحزاب :57 ]
وقال تعالى : } إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ { [ الكوثر : 3 ]
ثانيًا : عفو النبى صلى الله عليه وسلم عن سراقة وعفافه عن ماله عرض سراقة المساعدة كما في المسند وصححه الشيخ احمد شاكر فقال:
وهذه كنانتي فخذ منها سهماً فإنك ستمر بإبلي وغنمي في موضع كذا وكذا فخذ منها حاجتك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا حاجة لي فيها»
روى ابن ماجه وصححه الألباني أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ازهد في الدنيا يحبك الله و ازهد فيما أيدي الناس يحبك الناس " فحين يزهد الدعاة فيما عند الناس يحبهم الناس، وحين يطمعون في أموال الناس ينفر الناس عنهم، وهذا درس بليغ للدعاة إلى الله تعالى.
روى البيهقي في السنن وابن عبد البر في " الاستيعاب " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لسراقة بن مالك: «كيف بك إذا لبست سواري كسرى؟»
قال: فلما أُتى عمر بسواري كسرى ومنطقته وتاجه، دعا سراقة بن مالك فألبسه إياها، وكان سراقة رجلاً أزب كثير شعر الساعدين،
وقال له: ارفع يديك فقال:
الله أكبر، الحمد لله الذي سلبهما كسرى بن هرمز الذي كان يقول: أنا رب الناس، وألبسهما سراقة بن مالك بن جعشم أعرابياًّ من بني مدلج،
ورفع بها عمر صوته، ثم أركب سراقة، وطيف به المدينة، والناس حوله، وهو يرفع عقيرته مردداً قول الفاروق:
الله أكبر، الحمد الله الذي سلبهما كسرى بن هرمز، وألبسهما سراقة بن جعشم أعرابياًّ من بني مدلج.
وهكذا وقع في نفس سراقة أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم حق فاعتذز إليه ، ورجع فوجد الناس جادين في البحث عن محمد عليه الصلاة والسلام وصاحبه ، فجعل لا يلقى أحداً من الطلب إلا رده وهو يقول : كفيتم هذا الوجه! .أصبح أول النهار جاهداً عليهما ، وأمسى آخره حارساً لهما ... !!)
فائدة:
سبحان مقلب القلوب فقد تغير قلب سراقة حينما لامس الإيمان قلبه وهكذا فعل الإيمان في القلوب.
إسلام بريدة الأسلمي رضى الله عنه في ركب من قومه :
ذكر ابن حجر العسقلاني رحمه الله: «أن النبي صلى الله عليه وسلم في طريق هجرته إلى المدينة لقي بريدة بن الحصيب بن عبد الله بن الحارث الأسلمي، فدعاه إلى الإسلام .
فائدة:
وهكذا شأن الداعية يحمل هم الدعوة ويدعو مهما كانت الظروف ، ( مباركا أينما كنت ) فهو صاحب رسالة وعليه تبليغها
وفى قصة يوسف – عليه السلام- ودعوته لصاحبى السجن خير دليل على هذا.
وقد غزا بريدة مع الرسول صلى الله عليه وسلم ست عشرة غزوة، وأصبح بريدة بعد ذلك من الدعاة إلى الإسلام، وفتح الله لقومه -أَسْلَم- على يديه أبواب الهداية، واندفعوا إلى الإسلام وفازوا بالوسام النبوي الذي نتعلم منه منهجاً فريداً في فقه النفوس .
الحديث في المسند وصححه الألباني قال صلى الله عليه وسلم : «أسلم سالمها الله، وغفار غفر الله لها، أما وإني لم أقلها، ولكن قالها الله عز وجل».
فائدة:
لقد تعلم الصحابة – رضى الله عنهم- الهمة في الدعوة من معلمهم صلى الله عليه وسلم فما إن يسلم احدهم إلا وينطلق داعية الى قومه.
الزبير وطلحة رضي الله عنهما ولقاؤهما برسول الله صلى الله عليه وسلم في طريق الهجرة:
ومما وقع في الطريق إلى المدينة أنه صلى الله عليه وسلم لقي الزبير بن العوام، في ركب من المسلمين كانوا تجاراً قافلين من الشام،
فكسى الزبير رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر ثياباً بيضاء .
كما رواه البخاري، وكذا روى أصحاب السير أن طلحة بن عبيد الله لقيهما أيضا وهو عائد من الشام وكساهما بعض الثياب.
( وهذا كله من تأييد الله لنبيه صلى الله عليه وسلم )
استقبال الأنصار لرسول الله صلى الله عليه وسلم :
لما سمع المسلمون بالمدينة بمخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة، كانوا يغدون كل غداة إلى الحرة، فينتظرون حتى يردهم حر الظهيرة، فانقلبوا يوماً بعد ما أطالوا انتظارهم، فلما أووا إلى بيوتهم أوفَى رجل من يهود على أُطُم من آطامهم لأمر ينظر إليه،
فبصر برسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه مبيضين يزول بهم السراب، فلم يملك اليهودي أن قال بأعلى صوته: يا معاشر العرب هذا جدكم ( يعنى صاحب دولتكم) الذي تنتظرون،
فثار المسلمون إلى السلاح فتلقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بظهر الحرة فعدل بهم ذات اليمين حتى نزل بهم في بني عمرو بن عوف، وذلك يوم الاثنين كما ذكر الحافظ بن حجر في الفتح، من شهر ربيع الأول .
فقام أبو بكر للناس وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم صامتاً،
فطفق من جاء من الأنصار، ممن لم ير رسول الله صلى الله عليه وسلم يحيي أبا بكر، حتى أصابت الشمس رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل أبو بكر حتى ظلل عليه بردائه، فعرف الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك .
روى البخارى من حديث انس بن مالك«فلبث رسول الله صلى الله عليه وسلم في بني عمرو بن عوف بضع عشرة ليلة، وأُسس المسجد الذي أسس على التقوى وصلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم ركب راحلته».
وبعد أن أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم المدة التي مكثها بقباء، وأراد أن يدخل المدينة «بعث إلى الأنصار فجاءوا إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، فسلموا عليهما، وقالوا: اركبا آمنين مطاعين،
فركب نبي الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وحفوا دونهما بالسلاح».
روى الإمام مسلم بسنده قال: «عندما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، صعد الرجال والنساء فوق البيوت، وتفرق العلماء والخدم في الطرق ينادون: «يا محمدُ، يا رسول الله، يا محمد، يا رسول الله».
فائدة:
يستفاد من استقبال المهاجرين والأنصار لرسول الله صلى الله عليه وسلم مشروعية استقبال الأمراء والعلماء عند مقدمهم بالحفاوة والإكرام،
فقد حدث ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان هذا الإكرام وهذه الحفاوة نابعين من حب للرسول
وبعد هذا الاستقبال الجماهيري العظيم الذي لم يرد مثله في تاريخ الإنسانية سار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل في دار أبي أيوب الأنصاري رضى الله عنه .
فعن أنس رضي الله عنه في حديث الهجرة الطويل الذي رواه البخارى وفيه: «فأقبل يسير حتى نزل جانب دار أبي أيوب فإنه ليحدث أهله إذ سمع به عبد الله بن سلام وهو في نخل لأهله يخترف لهم ( يجتني من الثمار ) فعجل أن يضع الذي يخترف لهم فيها، فجاء وهي معه فسمع من نبي الله صلى الله عليه وسلم ، ثم رجع إلى أهله
فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم :«أي بيوت أهلنا أقرب»
فقال أبو أيوب: أنا يا نبي الله هذه داري وهذا بابي،
قال: «فانطلق فهيئ لنا مقيلا...»
إسلام عبد الله بن سلام :
فلما جاء نبي الله صلى الله عليه وسلم جاء عبد الله بن سلام فقال : أشهد أنك رسول الله وأنك جئت بحق وقد علمت يهود أني سيدهم وابن سيدهم وأعلمهم وابن أعلمهم فادعهم فاسألهم عني قبل أن يعلموا أني قد أسلمت فإنهم إن يعلموا أني قد أسلمت قالوا في ما ليس في .
فأرسل نبي الله صلى الله عليه وسلم فأقبلوا فدخلوا عليه
فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يا معشر اليهود ويلكم اتقوا الله فوالله الذي لا إله إلا هو إنكم لتعلمون أني رسول الله حقا وأني جئتكم بحق فأسلموا ) .
قالوا : ما نعلمه
فقال ( فأي رجل فيكم عبد الله بن سلام ) .
قالوا : ذاك سيدنا وابن سيدنا وأعلمنا وابن أعلمنا . قال ( أفرأيتم إن أسلم ) . قالوا : حاشى لله ما كان ليسلم . قال : ( أفرأيتم إن أسلم ) . قالوا حاشى لله ما كان ليسلم .قال : ( أفرأيتم إن أسلم ) . قالوا حاشى لله ما كان ليسلم . قال : ( يا ابن سلام اخرج عليهم ) .
فخرج فقال : يا معشر اليهود !! اتقوا الله ، فوالله الذي لا إله إلا هو إنكم لتعلمون أنه رسول الله ، وأنه جاء بحق .
فقالوا : كذبت ,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
فأخرجهم رسول الله صلى الله عليه وسلم .
النبي في بيت أبي أيوب الأنصاري
نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي أيوب حتى بنى مسجده ومساكنه.
أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه ومواقف خالدة:
روى الحاكم وصححه ولم يتعقبه الذهبي أنَّ أبا أيوب الأنصاري قال : « لما نزل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت : بأبي أنت و أمي إني أكره أن أكون فوقك ، و تكون أسفل مني
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني أرفق بي أن أكون في السفلى لما يغشانا من الناس
قال : فلقد رأيت جرة لنا انكسرت فأهريق ماؤها فقمت أنا و أم أيوب بقطيفة لنا ما لنا لحاف غيرها ننشف بها الماء فرقا ( خوفًا ) أن يصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء يؤذيه ».
فانظر لحب الصحابة وتوقيرهم لنبيهم صلى الله عليه وسلم .
هجرة علي رضي الله عنه وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر في المجتمع الجديد:
بعد أن أدى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمانات التي كانت عنده للناس، لحق برسول الله صلى الله عليه وسلم وأدركه بقباء بعد وصوله بليلتين أو ثلاث، فكانت إقامته بقباء ليلتين، ثم خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة
وقد لاحظ سيدنا علي مدة إقامته بقباء امرأة مسلمة لا زوج لها، ورأى إنسانا يأتيها من جوف الليل، فيضرب عليها بابها، فتخرج إليها فيعطيها شيئاً معه، فتأخذه،
قال: فاستربت بشأنه، فقلت: يا أمة الله، من هذا الذي يضرب عليك بابك كل ليلة فتخرجين إليه، فيعطيك شيئا لا أدري ما هو؟ وأنت امرأة مسلمة لا زوج لك؟
قالت: هذا سهل بن حنيف بن وهب، وقد عرف أني امرأة لا أحد لي، فإذا أمسى عدا على أوثان قومه فكسرها، ثم جاءني بها،
فقال: احتطبي بهذا،
فكان علي رضي الله عنه يأثر ذلك ( أي يحدث به ) من شأن سهل بن حنيف حين هلك عنده بالعراق
حمى المدينة:
روى البخارى في صحيحه وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة قدمها وهي أوبأ أرض الله من الحمى، وكان واديها يجري نجلا- يعني ماء آجنا- فأصاب أصحابه منها بلاء وسقم، وصرف الله ذلك عن نبيه،
قالت: فكان أبو بكر، وعامر بن فهيرة وبلال في بيت واحد فأصابتهم الحمى، فاستأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في عيادتهم فأذن، فدخلت إليهم أعودهم، وذلك قبل أن يضرب علينا الحجاب، وبهم ما لا يعلمه إلا الله من شدة الوعك فدنوت من أبي بكر فقلت: يا أبت كيف تجدك؟ فقال:
كل امرئ مصبَّح في أهله **** والموت أدنى من شِراك نعله
قالت: فقلت: والله ما يدري أبي ما يقول، ثم دنوت من عامر بن فهيرة فقلت: كيف تجدك يا عامر؟
فقال:
قد وجدت الموت قبل ذوقه ***** الجبان حتفُه من فوقه
كل امرئ مجاهد بطَوقه ***** كالثور يحمي جلده بِرَوقه
قالت: فقلت: والله ما يدري عامر ما يقول، قلت: وكان بلال إذا أقلع عنه الحمى اضطجع بفناء البيت، ثم يرفع عقيرته ويقول:
ليت شعري هل أبيتن ليلة *** بواد وحولي إذخر وجليل
وهل أَرِدَنْ يومًا مياه مجنة *** وهل يَبْدُوَنْ لي شامة وطفيل
قالت: فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فقال:«اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد، وانقل حماها إلى الجحفة، اللهم بارك لنا في مدنا وصاعها».
وقد استجاب الله دعاء نبيه صلى الله عليه وسلم وعوفي المسلمون بعدها من هذه الحمى، وغدت المدينة موطناً ممتازاً لكل الوافدين والمهاجرين إليها من المسلمين على تنوع بيئاتهم ومواطنهم.
وبهذا قد تمت هجرته صلى الله عليه وسلم وهجرة أصحابه رضي الله عنهم،
---------------------------------
كل سنة وانتم طيبين