«سيدة القطار»

■ نشرت جريدة الأهرام يوم 12/9/1952 خبرا جاء فيه «إن الحكومة السورية منعت عرض الأفلام التى تقوم ببطولتها ليلى مراد لتبرعها لحكومة إسرائيل بمبلغ 50000 جنيه». قرأ المنتج السينمائى عبد الحليم نصر الخبر وصدقه، دون أن يحاول التأكد من صحته من ليلى مراد نفسها. ولم ينتظر حتى اليوم التالى ليقرأ تكذيب ليلى مراد هذا الخبر.

وقد نشرت الأهرام التكذيب أيضا، وسارع عبد الحليم نصر ليزيد من الضغوط على ليلى مراد، ربما لتملق الحكومة السورية وغيرها من الحكومات العربية تحقيقا لمكاسب مادية فى دولها. فقد كانت حرب 1948 التى خسرتها الجيوش العربية ضد القوات الصهيونية قريبة الذكرى، وكانت ثورة 23 يوليو الوطنية حاضرة منذ أسابيع قليلة، لذا كان تظاهر الحكومات العربية بالعداء لإسرائيل فى ذلك الوقت حادا كالسيف .

قام نصر بإنذارها على يد محضر فى شقتها بعمارة الايموبيليا بشارع شريف لتحميلها مسؤولية ما ادعاه من خسائر نتيجة منع الحكومة السورية دخول وعرض فيلم «سيدة القطار» الذى أنتجه عام 1952 وقامت ببطولته ليلى مراد.

جاء فى إنذار عبدالحليم نصر : «وحيث إن الطالب قد لحقته خسائر وأضرار جسيمة من جراء ذلك، وضاعت عليه فوائد وأرباح محققة لا تقل عن مبلغ 10000 جنيه مقارنا فى ذلك بأفلامه التى اشتغلها بسوريا والأقطار الشقيقة بطولة المنذر إليها (وهى ليلى مراد) حسب كشوف دور السينما هناك، وكشوف إخوان بهنا فيلم الموزعين للأفلام، هذا مع ملاحظة أن فيلم (سيدة القطار) كان من المنتظر أن يجنى ثمرة كبيرة وربحا أكثر من الأفلام السابقة.

وبما أنه والحالة هذه فالطالب يحمّل المنذر إليها جميع ما لحقه من خسائر وأضرار، وما ضاع عليه من كسب محقق من جراء تصرف المنذر إليها، وكل التعويضات الأخرى. والمنذر إليها وشأنها فى اتخاذ الإجراءات التى تراها لنفى أو تكذيب هذه الأخبار لإعادة الثقة فى الشعوب العربية واستغلال هذا الفيلم بها.

وفى حالة إصرار الحكومات العربية على عدم دخول وعرض الفيلم ببلادها فالمنذر إليها تكون مسؤولة أمام الطالب عن كل ما يترتب على ذلك من خسائر وأضرار وجميع التعويضات. وذلك مع حفظ جميع حقوق الطالب الأخرى خصوصا ما لم يذكر منها بهذا الإنذار».

والحقيقة أن الجملة الأخيرة فى الإنذار غريبة، وتدل على تعسف واضح، فكيف تحفظ حقوق لم يذكرها؟؟!

لم يكن عبد الحليم نصر يهتم بليلى مراد، ولا بسمعتها. كان مهتما بأمواله ومكاسبه من الأفلام التى أنتجها وقامت ببطولتها، ومنعت عرضها سوريا، ثم منعت المملكة الأردنية الهاشمية عرض فيلميه «سيدة القطار» و«شاطئ الغرام» بسبب بطولة ليلى مراد لهما. يوضح ذلك خطابه الذى كتبه على ورق شركته «اتحاد الفنيين» ومقرها ٤٥ شارع عبد الخالق ثروت بالقاهرة، أرسله بتاريخ 6/10/1952 إلى الأمين العام لجامعة الدول العربية فى ذلك الوقت وكان محمد عبد الخالق حسونة .

بدأ خطابه بالشائعة نفسها التى نشرت حول تبرع ليلى مراد لإسرائيل، ومنع عرض الفيلمين السابقين، ليخلص إلى:

«فى الواقع أن هذا التصرف من جانب هاتين الحكومتين لم يكن عقابا مباشرا موجها إلى ليلى مراد إذا صح تصرفها هذا. إنما هو ضربة قاضية وجهت إلينا بصفتنا مصريين وإخوة فى الدول العربية، ذلك لأن ليلى مراد انتهت علاقتها بهذين الفيلمين وقبضت أجرهما بالكامل ولا يضيرها منع عرض هذين الفيلمين، إذ إن الغبن كله واقع علينا كمنتجين. وقد كلفنا إنتاج هذين الفيلمين ما يزيد على 80 ألفا من الجنيهات، فاذا كان هناك درس أو تأنيب فليوجه إليها لا إلينا نحن الذين تعاملنا معها بصفتها فتاة مصرية مسلمة».

هكذا بوضوح يكتب المنتج لينهى خطابه إلى الأمين العام لجامعة الدول العربية يرجوه: «مخاطبة حكومات الدول العربية لإلغاء قرارها وعرض أفلامنا لتلافى الضرر الجسيم الذى وقع علينا نتيجة لهذا القرار».

لكن أكبر شركة لتوزيع الأفلام فى العالم العربى فى ذلك الوقت « منتخبات بهنا فيلم اتخذت موقفا مختلفا، فدافعت عن ليلى مراد بطلة الأفلام التى تقوم بتوزيعها الشركة. بل طالبت بعرض هذه الأفلام. وردت على كثير من خطابات أصحاب دور العرض الذين يخطرون فيها الشركة بمنع عرض أفلام ليلى مراد. مثل الخطاب الذى أرسله فى 15/11/1952 وليد الشكعة صاحب سينما غرناطة فى مدينة نابلس الفلسطينية، وكانت تابعة للملكة الأردنية الهاشمية.

وفيه يخطر بهنا فيلم بإعادة شحن ثلاثة أفلام بطولة ليلى مراد إلى مصر بسبب منع الحكومة الأردنية عرضها. والأفلام هى: «زمن العجايب»، «ورد الغرام» و«سيدة القطار». «بهنا فيلم» ردت على وليد الشكعة بخطاب من مقرها بالإسكندرية بتاريخ 19 نوفمبر 1952، دافعت فيه عن ليلى مراد مستندة إلى معلومات حقيقية، وذكرت فى هذا الخطاب أن القيادة فى مصر كذبت ما أشيع عن ليلى مراد.

جاء فى خطاب بهنا فيلم : «وبازاء هذا نرجو أن نثبت لكم كل ما حررناه إليكم بخصوص السيدة ليلى مراد، وكذب ما أشيع عنها. وبالفعل كذبت القيادة فى مصر هذه الإشاعة المغرضة، فضلا عن أنها ألقت نشيدا وطنيا فى حفلة افتتاح عرض فيلم مصطفى كامل بسينما ريفولى بالقاهرة أمام الرئيس اللواء أركان حرب محمد نجيب.

وزيادة على ذلك فإن الأستاذ سراج منير، عميد السينمائيين قد سافر إلى دمشق واتصل بحضرة العقيد أديب الشيشكلى بخصوص موضوع ليلى مراد حيث ثبتت براءتها مما أشيع عنها. وأعدت الحكومة السورية تقريرا بتكذيب تلك الشائعة وإباحة عرض أفلامها، كذلك فإننا نرجو أن تتصلوا بالمسؤولين بحكومة المملكة الأردنية بهذا الشأن والإفادة لإعادة الفيلمين المذكورين اليكم بالتالى».

فى الخطاب السابق إشارة إلى سفر الفنان الممثل سراج منير لدمشق واتصاله بالعقيد أديب الشيشكلى من أجل ليلى مراد. كان الشيشكلى قد قام بانقلاب عسكرى فى 19 ديسمبر1949، وسيطر على الحكم فى سوريا بعد ذلك. أما سراج منير فكان نقيبا للممثلين فى مصر فى ذلك الوقت، ووقف بجانب ليلى مراد موقفا كبيرا، ومنه أنه كتب خطابا إلى إدارة الشؤون العامة بالقوات المسلحة المصرية (الشئون المعنوية حاليا) يطلب فيه معرفة حقيقة ما يشاع عنها، وقد رد قائد جناح وجيه أباظة وكان مدير الإدارة بأنها لم تسافر إلى إسرائيل ولا صحة لما يقال عن تبرعها للحكومة الإسرائيلية .

وأخيرا فقد أوصت قبل وفاتها بأن يصلى على جثمانها فى مسجد السيدة نفيسة بالقاهرة. وقد رحلت ليلى مراد تاركة خلفها معاركها، ومعاناتها، فى 21 نوفمبر 1995.

لم تتوقف الحرب على ليلى مراد بسبب أصولها اليهودية عند ذلك. فقد لاحقتها حتى فى باريس عندما سافرت إلى زوجها فى ذلك الوقت الفنان أنور وجدى حيث أجرى عملية جراحية هناك. وفسرت ليلى مراد سبب هذه الحرب بأنها قد تكون لأنها ممثلة ممتازة.

وأكدت أنها لم تملك من قبل ٥٠ ألف جنيه لتتبرع بها. بعد ذلك طلبت منها الإذاعة السورية أن تقدم مستندات تدل على صحة كلامها. فقدمت ليلى بالفعل شهادة بحساباتها فى البنك العثمانى والبنك العربى. وبعد طلاقها من أنور

الموضوع الأصلى : «سيدة القطار» المصدر : قيثارة الغناء العربى

توقيع العضو:

نور الحياة شاكر