منتدى شادية دلوعة الشاشة العربية
عزيزي الزائر أنت غير مسجل ويسعدنا انضمامك الى أسرتنا الجميلة المتحابة


والمترابطة وإذا رغبت فأهلاّ وسهلاّ بك ، قم بالتسجيل لنتشرف بوجودك معنا
[/center]
منتدى شادية دلوعة الشاشة العربية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةالبوابة*أحدث الصورالتسجيلدخول
سورة الفجر .. في ظلال القرآن 70094110
المواضيع الأخيرة
» البقاء لله انطوانيت توفاها الله
سورة الفجر .. في ظلال القرآن 71831510السبت 13 يناير 2024 - 6:30 من طرف أرض الجنتين

» والله زمان يا احلي منتدي
سورة الفجر .. في ظلال القرآن 71831510الخميس 17 أغسطس 2023 - 23:14 من طرف هدى

» قصة فيلم العقل في اجازة
سورة الفجر .. في ظلال القرآن 71831510الخميس 17 أغسطس 2023 - 23:11 من طرف هدى

» تلوين نور الحياة لصور شادية
سورة الفجر .. في ظلال القرآن 71831510الخميس 17 أغسطس 2023 - 23:07 من طرف هدى

» سجل حضورك بالصلاة علي النبي صلى الله عليه وسلم
سورة الفجر .. في ظلال القرآن 71831510الأربعاء 12 يوليو 2023 - 13:07 من طرف نور الحياة شاكر

» الذكرى الخامسة لوفاة الراحلة شادية
سورة الفجر .. في ظلال القرآن 71831510الأحد 16 أبريل 2023 - 20:01 من طرف هدى

» غياااب بس ولكن حاظرين في القلووب
سورة الفجر .. في ظلال القرآن 71831510الأحد 16 أبريل 2023 - 19:56 من طرف هدى

» صباح و مساء مليء بالمشاعر الجميلة‏
سورة الفجر .. في ظلال القرآن 71831510الأربعاء 16 نوفمبر 2022 - 5:43 من طرف أرض الجنتين

» سجل حالتك النفسية كل يوم
سورة الفجر .. في ظلال القرآن 71831510الثلاثاء 15 نوفمبر 2022 - 6:26 من طرف أرض الجنتين

»  ريا وسكينة جزء نادر جدا من مسرحية ريا وسكينة يعرض لاول مرة
سورة الفجر .. في ظلال القرآن 71831510الثلاثاء 12 أبريل 2022 - 23:36 من طرف Sara Salim

» رابط باغانى الفنان فهد بلان
سورة الفجر .. في ظلال القرآن 71831510الخميس 13 يناير 2022 - 21:08 من طرف سميرمحمود

» روابط اروع ماغنت مياده الحناوى الصوتيه والمصوره
سورة الفجر .. في ظلال القرآن 71831510الأربعاء 30 يونيو 2021 - 4:36 من طرف سميرمحمود

» اروع ما غنت شاديه
سورة الفجر .. في ظلال القرآن 71831510الأحد 28 فبراير 2021 - 23:11 من طرف سميرمحمود

» كواليس ريا وسكينة يرويها مدبولى
سورة الفجر .. في ظلال القرآن 71831510الإثنين 25 يناير 2021 - 20:50 من طرف هدى

» اليوم ليلة عيد الميلاد المجيد عيد مجيد
سورة الفجر .. في ظلال القرآن 71831510الأحد 27 ديسمبر 2020 - 19:56 من طرف انطوانيت

» كل سنة وانت بخير يا انطوانيت
سورة الفجر .. في ظلال القرآن 71831510الأحد 27 ديسمبر 2020 - 19:52 من طرف انطوانيت

» عيد منتدانا الثالث عشر
سورة الفجر .. في ظلال القرآن 71831510الإثنين 7 ديسمبر 2020 - 22:40 من طرف هدى

» ميلاد قيثارة الغناء العربي ( ١١)
سورة الفجر .. في ظلال القرآن 71831510الإثنين 7 ديسمبر 2020 - 19:43 من طرف هدى

» رابط بأغانى الكروانه فايزه احمد المصوره
سورة الفجر .. في ظلال القرآن 71831510الخميس 12 نوفمبر 2020 - 20:00 من طرف سميرمحمود

» رابط بأغانى الكروانه فايزه احمد الصوتيه
سورة الفجر .. في ظلال القرآن 71831510الخميس 12 نوفمبر 2020 - 19:58 من طرف سميرمحمود

»  تصميمات وهمسة قلم نور الحياة شاكر
سورة الفجر .. في ظلال القرآن 71831510الجمعة 6 نوفمبر 2020 - 23:40 من طرف نور الحياة شاكر

» مولد نبوى شريف عليكم جميعا
سورة الفجر .. في ظلال القرآن 71831510الأربعاء 4 نوفمبر 2020 - 22:19 من طرف نور الحياة شاكر

» من أغاني الزمن الجميل...أعزفها لعيون محبي الدلوعة شادية
سورة الفجر .. في ظلال القرآن 71831510الأربعاء 4 نوفمبر 2020 - 22:16 من طرف نور الحياة شاكر

» ان راح منك ياعين
سورة الفجر .. في ظلال القرآن 71831510الأحد 25 أكتوبر 2020 - 20:47 من طرف امجدالنجار

» اشتقت لكم
سورة الفجر .. في ظلال القرآن 71831510الخميس 22 أكتوبر 2020 - 23:32 من طرف امجدالنجار

» جمال شادية
سورة الفجر .. في ظلال القرآن 71831510الأربعاء 21 أكتوبر 2020 - 20:17 من طرف نور الحياة شاكر

» عيد ميلاد اجمل هدهوووووووود الدعوة عامة
سورة الفجر .. في ظلال القرآن 71831510الإثنين 12 أكتوبر 2020 - 4:15 من طرف هدى

» اروع ما غنت فايده كامل
سورة الفجر .. في ظلال القرآن 71831510السبت 19 سبتمبر 2020 - 19:26 من طرف سميرمحمود

» اروع ما غنت سوزان عطيه
سورة الفجر .. في ظلال القرآن 71831510السبت 19 سبتمبر 2020 - 19:25 من طرف سميرمحمود

» فايزه احمد ,, قاعد معاى ,, حفله نادره مصوره
سورة الفجر .. في ظلال القرآن 71831510السبت 29 أغسطس 2020 - 19:38 من طرف سميرمحمود

المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 664 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 664 زائر :: 2 عناكب الفهرسة في محركات البحث

لا أحد

أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 1057 بتاريخ الأربعاء 24 يوليو 2019 - 18:46
احصائية المنتدى
إذاعة المنتدى
هنــــا
مغارة كنوز صور القيثارة
هنــــا
اشهر مائة فى الغناء العربى
هنــــا
من لا يحب شادية صاحبة المعاني النبيلة
هنــــا
ديوان نجمة القمتين شادية
هنــــا
شادية نغم في القلب
هنــــا
صور من تاريخ شادية
هنــــا
مركز لتحميل الصور
سورة الفجر .. في ظلال القرآن Eiaia_10

شاطر | 
 

 سورة الفجر .. في ظلال القرآن

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق اذهب الى الأسفل 
انتقل الى الصفحة : 1, 2  الصفحة التالية
كاتب الموضوعرسالة
نور الحياة شاكر
المشرف العام
المشرف العام
نور الحياة شاكر

الدولة : سورة الفجر .. في ظلال القرآن Female73
انثى
عدد الرسائل : 51922
تاريخ التسجيل : 08/12/2007
المزاج : سورة الفجر .. في ظلال القرآن 710
بطاقة عضوية : سورة الفجر .. في ظلال القرآن Ou_oa10

سورة الفجر .. في ظلال القرآن Empty
مُساهمةموضوع: سورة الفجر .. في ظلال القرآن   سورة الفجر .. في ظلال القرآن 71831510السبت 4 يونيو 2011 - 0:04

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ


وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2(وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (3(وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ (4(هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِي حِجْرٍ (5(أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6)إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7(الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ (8(وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ (9(وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ (10(الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ (11(فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ (12(فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ (13(إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ (14(فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15(وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16(كَلَّا بَل لَّا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (17(وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (18) وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَّمًّا (19)وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا (20(كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (21(وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (22(وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى (23(يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (24(فَيَوْمَئِذٍ لَّا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ (25(وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ (26(يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27(ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً (28(فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29(
وَادْخُلِي جَنَّتِي (30)


هذه السورة في عمومها حلقة من حلقات هذا الجزء في الهتاف بالقلب البشري إلى الإيمان والتقوى واليقظة والتدبر .. ولكنها تتضمن ألواناً شتى من الجولات والإيقاعات والظلال . ألواناً متنوعة تؤلف من تفرقها وتناسقها لحناً واحداً متعدد النغمات موحد الإيقاع !
في بعض مشاهدها جمال هادئ رفيق ندي السمات والإيقاعات ، كهذا المطلع الندي بمشاهده الكونية الرقيقة ، وبظل العبادة والصلاة في ثنايا تلك المشاهد .. "والفجر . وليال عشر . والشفع والوتر . والليل إذا يسر .. ".
وفي بعض مشاهدها شد وقصف . سواء مناظرها أو موسيقاها كهذا المشهد العنيف المخيف : "كلا . إذا دكت الأرض دكاً دكاً. وجاء ربك والملك صفاً صفاً . وجيء يومئذ بجهنم . يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى . يقول : ياليتني قدمت لحياتي . فيومئذ لا يعذب عذابه أحد ولا يوثق وثاقه أحد" ..
وفي بعض مشاهدها نداوة ورقة ورضى يفيض وطمأنينة . تتناسق فيها المناظر والأنغام ، كهذا الختام : "يا أيتها النفس المطمئنة ، ارجعي إلى ربك راضية مرضية . فادخلي في عبادي وادخلي جنتي" ..
وفيها إشارات سريعة لمصارع الغابرين المتجبرين ، وإيقاعها بين بين . بين إيقاع القصص الرخي وإيقاع المصرع القوي : "ألم تر كيف فعل ربك بعاد . إرم ذات العماد . التي لم يخلق مثلها في البلاد . وثمود الذين جابوا الصخر بالواد . وفرعون ذي الأوتاد الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد . فصب عليهم ربك سوط عذاب . إن ربك لبالمرصاد" .
وفيها بيان لتصورات الإنسان غير الإيمانية وقيمه غير الإيمانية . وهي ذات لون خاص في السورة تعبيراً وإيقاعاً : "فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول : ربي أكرمن . واما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول : ربي أهانن .." .
ثم الرد على هذه التصورات ببيان حقيقة حالهم التي تنبع منها هذا التصورات . وهي تشمل لونين من ألوان العبارة والتنغيم : "كلا بل لا تكرمون اليتيم . ولا تحاضون على طعام المسكين . وتأكلون التراث أكلاً لماً ، وتحبون المال حباً جماً" ..
ويلاحظ ان هذا اللون الأخير هو قنطرة بين تقرير حالهم وما ينتظرهم في مآلهم . فقد جاء بعده : "كلا إذا دكت الأرض دكاً دكاً .. الخ" .. فهو وسط في شدة التنغيم بين التقرير الاول والتهديد الأخير !
ومن هذا الاستعراض السريع تبدو الألوان المتعددة في مشاهد السورة . وإيقاعاتها في تعبيرها وتنغيمها .. كما يبدو تعدد نظام الفواصل وتغير حروف القوافي . بحسب تنوع المعاني والمشاهد فالسورة من هذا الجانب نموذج واف لهذا الأفق من التناسق الجمالي في التعبير القرآني . فوق ما فيها عموماً من جمال ملحوظ مأنوس !
الموضوع الأصلى : سورة الفجر .. في ظلال القرآن  المصدر : قيثارة الغناء العربى
توقيع العضو: نور الحياة شاكر
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
نور الحياة شاكر
المشرف العام
المشرف العام
نور الحياة شاكر

الدولة : سورة الفجر .. في ظلال القرآن Female73
انثى
عدد الرسائل : 51922
تاريخ التسجيل : 08/12/2007
المزاج : سورة الفجر .. في ظلال القرآن 710
بطاقة عضوية : سورة الفجر .. في ظلال القرآن Ou_oa10

سورة الفجر .. في ظلال القرآن Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة الفجر .. في ظلال القرآن   سورة الفجر .. في ظلال القرآن 71831510السبت 4 يونيو 2011 - 0:10

"والفجر وليال عشر . والشفع والوتر . والليل إذا يسر . هل في ذلك قسم لذي حجر ؟"
هذا القسم في مطلع السورة يضم هذه المشاهد والخلائق . ذات الأرواح اللطيفة المأنوسة الشفيفة : "والفجر" .. ساعة تنفس الحياة في يسر ، وفرح ، وابتسام وإيناس ودود ندي ، والوجود الغافي يستيقظ رويداً رويداً ، وكأن أنفاسه مناجاة ، وكأن تفتحه ابتهال !
"وليال عشر" أطلقها النص القرآني ووردت فيها روايات شتى .. قيل هي العشر من ذي الحجة ، وقيل هي العشر من المحرم . وقيل هي العشر من رمضان .. وإطلاقها هكذا أوقع واندى . فهي ليال عشر يعلمها الله . ولها عنده شأن . تلقي في السياق ظل الليلات ذات الشخصية الخاصة . وكأنها خلائق حية معينة ذات أرواح ، تعاطفنا ونعاطفها من خلال التعبير القرآني الرفاف !
"والشفع والوتر" .. يطلقان روح الصلاة والعبادة في ذلك الجو المأنوس الحبيب . جو الفجر والليالي العشر.. "ومن الصلاة الشفع والوتر" (كما جاء في حديث أخرجه الترمذي) وهذا المعنى هو أنسب المعاني في هذا الجو. حيث تلتقي روح العبادة الخاشعة ، بروح الوجود الساجية ! وحيث تتجاوب الأرواح العابدة مع أرواح الليالي المختارة ، وروح الفجر الوضيئة .
"والليل إذا يسر " .. والليل هنا مخلوق حي ، يسري في الكون ، وكأنه ساهر يجول في الظلام ! أو مسافر يختار السرى لرحلته البعيدة ! يا لأناقة التعبير ! ويا لأنس المشهد ! ويا لجمال النغم ! ويا للتناسق مع الفجر ، والليالي العشر . والشفع والوتر !
إنها ليست ألفاظاً وعبارات . إنما هي أنسام من أنسام الفجر ، وأنداء مشعشعة بالعطر ! أم إنه النجاء الأليف للقلب ؟ والهمس اللطيف للروح ؟ واللمس الموحي للضمير ؟
إنه الجمال .. الجمال الحبيب الهامس اللطيف . الجمال الذي لا يدانيه جمال التصورات الشاعرية الطليقة . لأنه الجمال الإبداعي ، المعبر في الوقت ذاته عن حقيقة .
ومن ثم يعقب عليه في النهاية : "هل في ذلك قسم لذي حجر" ؟ وهو سؤال للتقرير . إن في ذلك قسماً لذي لب وعقل . إن في ذلك مقنعاً لمن له إدراك وفكر. ولكن صيغة الاستفهام _مع إفادتها التقرير_ أرق حاشية . فهي تتناسق مع ذلك الجو الهامس الرقيق !


أما المقسم عليه بذلك القسم ، فقد طواه السياق ، ليفسره ما بعده ، فهو موضوع الطغيان والفساد ، وأخذ ربك لأهل الطغيان والفساد ، فهو حق واقع يقسم عليه بذلك القسم في تلميح يناسب لمسات السورة الخفيفة على وجه الإجمال :
"ألم تر كيف فعل ربك بعاد ، إرم ذات العماد ، التي لم يخلق مثلها في البلاد ؟ وثمود الذين جابوا الصخر بالواد ؟ وفرعون ذي الأوتاد ؟ .. الذين طغوا في البلاد ، فأكثروا فيها الفساد، فصب عليهم ربك سوط عذاب ؟ إن ربك لبالمرصاد " ..
وصيغة الاستفهام في مثل هذا السياق أشد إثارة لليقظة والالتفات . والخطاب للنبي _صلى الله عليه وسلم_ ابتداء . ثم هو لكل من تتأتى منه الرؤية أو التبصر في مصارع أولئك الأقوام ، وكلها مما كان المخاطبون بالقرآن أول مرة يعرفونه ، ومما تشهد به الآثار والقصص الباقية في الأجيال المتعاقبة ، وإضافة الفعل إلى "ربك" فيها للمؤمن طمأنينة وأنس وراحة . وبخاصة أولئك الذين كانوا في مكة يعانون طغيان الطغاة ، وعسف الجبارين من المشركين ، الواقفين للدعوة وأهلها بالمرصاد .
وقد جمع الله في هذه الآيات القصار مصارع أقوى الجبارين الذين عرفهم التاريخ القديم.. مصرع : "عاد إرم" وهي عاد الأولى . وقيل إنها من العرب العاربة أو البادية . وكان مسكنهم بالأحقاف وهي كثبان الرمال . في جنوبي الجزيرة بين حضرموت واليمن . وكانوا بدواً ذوي خيام تقوم على عماد . وقد وصفوا في القرآن بالقوة والبطش ، فقد كانت قبيلة عاد هي أقوى قبيلة في وقتها وأميزها : "التي لم يخلق مثلها في البلاد" في ذلك الأوان ..
"وثمود الذين جابوا الصخر بالواد" .. وكانت ثمود تسكن بالحجر في شمال الجزيرة العربية بين المدينة والشام . وقد قطعت الصخر وشيدته قصوراً ، كما نحتت في الجبال ملاجئ ومغارات ..
"وفرعون ذي الأوتاد" .. وهي على الأرجح الأهرامات التي تشبه الأوتاد الثابتة في الأرض متينة البنيان . وفرعون المشار إليه هنا هو فرعون موسى الطاغية الجبار .
هؤلاء هم "الذين طغوا في البلاد ، فأكثروا فيها الفساد" .. وليس وراء الطغيان إلا الفساد. فالطغيان يفسد الطاغية ، ويفسد الذين يقع عليه الطغيان سواء . كما يفسد العلاقات والارتباطات في كل جوانب الحياة ويحول الحياة عن خطها السليم النظيف ، المعمر الباني إلى خط آخر لا تستقيم معه خلافة الإنسان في الأرض بحال ..
إنه يجعل الطاغية أسير هواه ، لأنه لا يفيء إلى ميزان ثابت ، ولا يقف عند حد ظاهر ، فيفسد هو أول من يفسد ، ويتخذ له مكاناً في الأرض غير مكان العبد المستخلف ، وكذلك قال فرعون .. "أنا ربكم الأعلى" عندما أفسده طغيانه ، فتجاوز به مكان العبد المخلوق ، وتطاول به إلى هذا الإدعاء المقبوح ، وهو فساد أي فساد .
ثم هو يجعل الجماهير أرقاء أذلاء ، مع السخط الدفين والحقد الكظيم ، فتتعطل فيهم مشاعر الكرامة الإنسانية ، وملكات الابتكار المتحررة التي لا تنمو في غير جو الحرية . والنفس التي تستذل تأسن وتتعفن ، وتصبح مرتعاً لديدان الشهوات الهابطة والغرائز المريضة . وميداناً للانحرافات مع انطماس البصيرة والإدراك . وفقدان الأريحية والهمة والتطلع والارتفاع ، وهو فساد أي فساد ..
ثم هو يحطم الموازين والقيم والتصورات المستقيمة ، لأنها خطر على الطغاة والطغيان. فلا بد من تزييف للقيم ، وتزوير في الموازين ، وتحريف للتصورات كي تقبل صورة البغي البشعة ، وتراها مقبولة مستساغة .. وهو فساد أي فساد ..
فلما أكثروا فيها الفساد ، كان العلاج هو تطهير وجه الأرض من الفساد :
"فصب عليهم ربك سوط عذاب . إن ربك لبالمرصاد" ..
فربك راصد لهم ومسجل لأعمالهم . فلما أن كثر الفساد وزاد صب عليهم سوط عذاب ، وهو تعبير يوحي بلذع العذاب حين يذكر السوط ، وبفيضه وغمره حين يذكر الصب . حيث يجتمع الألم اللاذع والغمرة الطاغية ، على الطغاة الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد .
ومن وراء المصارع كلها تفيض الطمأنينة على القلب المؤمن وهو يواجه الطغيان في أي زمان وأي مكان . ومن قوله تعالى : "إن ربك لبالمرصاد" تفيض طمانينة خاصة . فربك هناك . راصد لا يفوته شيء . مراقب لا يند عنه شيء . فليطمئن بال المؤمن ، ولينم ملء جفونه . فإن ربه هناك ! .. بالمرصاد .. للطغيان والشر والفساد !
وهكذا نرى نماذج من قدر الله في أمر الدعوة غير النموذج الذي تعرضه سورة البروج لأصحاب الأخدود . وقد كان القرآن ولا يزال يربي المؤمنين بهذا النموذج وذاك . وفق الحالات والملابسات . ويعد نفوس المؤمنين لهذا وذاك على السواء . لتطمئن على الحالين وتتوقع الأمرين ، وتكل كل شيء لقدر الله الذي يجريه كما يشاء .
الموضوع الأصلى : سورة الفجر .. في ظلال القرآن  المصدر : قيثارة الغناء العربى
توقيع العضو: نور الحياة شاكر
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
نور الحياة شاكر
المشرف العام
المشرف العام
نور الحياة شاكر

الدولة : سورة الفجر .. في ظلال القرآن Female73
انثى
عدد الرسائل : 51922
تاريخ التسجيل : 08/12/2007
المزاج : سورة الفجر .. في ظلال القرآن 710
بطاقة عضوية : سورة الفجر .. في ظلال القرآن Ou_oa10

سورة الفجر .. في ظلال القرآن Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة الفجر .. في ظلال القرآن   سورة الفجر .. في ظلال القرآن 71831510السبت 4 يونيو 2011 - 0:12



"إن ربك لبالمرصاد" .. يرى ويحسب ويحاسب ويجازي ، وفق ميزان دقيق لا يخطئ ولا يظلم ولا يأخذ بظواهر الأمور لكن بحقائق الأشياء .. فأما الإنسان فتخطئ موازينه وتضل تقديراته ، ولا يرى إلا الظواهر ، ما لم يتصل بميزان الله :
"فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه ، فيقول ربي أكرمن . وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول : ربي أهانن" ..
فهذا هو تصور الإنسان لما يبتليه الله به من أحوال ، ومن بسط وقبض ، ومن توسعة وتقدير .. يبتليه بالنعمة والإكرام . بالمال أو المقام . فلا يدرك أنه الابتلاء ، تمهيداً للجزاء.
إنما يحسب هذا الرزق وهذه المكانة دليلاً على استحقاقه عند الله للإكرام ، وعلامة على اصطفاء الله له واختياره . فيعتبر البلاء جزاء والامتحان نتيجة ! ويقيس الكرامة عند الله بعرض هذه الحياة ! ويبتليه بالتضييق عليه في الرزق ، فيحسب الابتلاء جزاء كذلك ، ويحسب الاختبار عقوبة ، ويرى في ضيق الرزق مهانة عند الله ، فلو لم يرد مهانته ما ضيق عليه رزقه ..
وهو في كلتا الحالتين مخطئ في التصور ومخطئ في التقدير . فبسط الرزق أو قبضه ابتلاء من الله لعبده . ليظهر منه الشكر على النعمة أو البطر. ويظهر منه الصبر على المحنة أو الضجر . والجزاء على ما يظهر منه بعد .وليس ما أعطي من عرض الدنيا أو منع هو الجزاء .. وقيمة العبد عند الله لا تتعلق بما عنده من عرض الدنيا . ورضى الله أوسخطه لا يستدل عليه بالمنح والمنع في هذه الأرض. فهو يعطي الصالح والطالح ، ويمنع الصالح والطالح . ولكن ما وراء هذا وذلك هو الذي عليه المعول . إنه يعطي ليبتلي ويمنع ليبتلي والمعول عليه هو نتيجة الابتلاء !
غير ان الإنسان _حين يخلو قلبه من الإيمان_ لا يدرك حكمة المنع والعطاء . ولا حقيقة القيم في ميزان الله .. فإذا عمر قلبه بالإيمان اتصل وعرف ما هنالك . وخفت في ميزانه الأعراض الزهيدة ، وتيقظ لما وراء الابتلاء من جزاء ، فعمل له في البسط والقبض سواء. واطمأن إلى قدر الله به في الحالين ، وعرف قدره في ميزان الله بغير هذه القيم الظاهرة الجوفاء !

وقد كان القرآن يخاطب في مكة أناساً _يوجد أمثالهم في كل جاهلية تفقد اتصالها بعالم أرفع من الأرض وأوسع_ أناساً ذلك ظنهم بربهم في البسط والقبض . وذلك تقديرهم لقيم الناس في الأرض . ذلك أن المال والجاه عندهم كل شيء . وليس وراءهما مقياس ! ومن ثم كان تكالبهم على المال عظيماً ، وحبهم له حباً طاغياً ، مما يورثهم شراهة وطمعاً . كما يورثهم حرصاً وشحاً .. ومن ثم يكشف لهم عن ذوات صدورهم في هذا المجال ، ويقرر أن هذا الشره والشح هما علة خطئهم في إدراك معنى الابتلاء من وراء البسط والقبض في الأرزاق .
"كلا بل لا تكرمون اليتيم ، ولا تحاضون على طعام المسكين . وتأكلون التراث أكلاً لماً ، وتحبون المال حباً جماً" ..
كلا ليس الأمر كما يقول الإنسان الخاوي من الإيمان . ليس بسط الرزق دليلاً على الكرامة عند الله . وليس تضييق الرزق دليلاً على المهانة والإهمال . إنما الأمر أنكم لا تنهضون بحق العطاء ، ولا توفون بحق المال . فأنتم لا تكرمون اليتيم الصغير الذي فقد حاميه وكافله حين فقد أباه ، ولا تتحاضون فيما بينكم على إطعام المسكين الساكن الذي لا يتعرض للسؤال وهو محتاج ! وقد اعتبر عدم التحاض والتواصي على إطعام المسكين قبيحاً مستنكراً . كما يوحي بضرورة التكافل في الجماعة في التوجيه إلى الواجب وإلى الخير العام . وهذه سمة الإسلام .
..إنكم لا تدركون معنى الابتلاء . فلا تحاولون النجاح فيه ، بإكرام اليتيم والتواصي على إطعام المسكين ، بل أنت _على العكس_ تأكلون الميراث أكلاً شرهاً جشعاً ، وتحبون المال حباً كثيراً طاغياً ، لا يستبقي في نفوسكم أريحية ولا مكرمة مع المحتاجين إلى الإكرام والطعام .

وقد كان الإسلام يواجه في مكة حالة من التكالب على جمع المال بكافة الطرق ، تورث القلوب كزازة وقساوة . وكان ضعف اليتامى مغرياً بانتهاب أموالهم وبخاصة الإناث منهم في صور شتى ، وبخاصة فيما يتعلق بالميراث كما كان حب المال وجمعه بالربا ظاهرة بارزة في المجتمع المكي قبل الإسلام . وهي سمة الجاهليات في كل زمان ومكان ! حتى الآن !
وفي هذه الآيات فوق الكشف عن واقع نفوسهم ، تنديد بهذا الواقع ، وردع عنه ، يتمثل في تكرار كلمة "كلا" كما يتمثل في بناء التعبير وإيقاعه ، وهو يرسم بجرسه شدة التكالب وعنفه :
"وتأكلون التراث أكلاً لماً . وتحبون المال حباً جماً !"

الموضوع الأصلى : سورة الفجر .. في ظلال القرآن  المصدر : قيثارة الغناء العربى
توقيع العضو: نور الحياة شاكر
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
نور الحياة شاكر
المشرف العام
المشرف العام
نور الحياة شاكر

الدولة : سورة الفجر .. في ظلال القرآن Female73
انثى
عدد الرسائل : 51922
تاريخ التسجيل : 08/12/2007
المزاج : سورة الفجر .. في ظلال القرآن 710
بطاقة عضوية : سورة الفجر .. في ظلال القرآن Ou_oa10

سورة الفجر .. في ظلال القرآن Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة الفجر .. في ظلال القرآن   سورة الفجر .. في ظلال القرآن 71831510السبت 4 يونيو 2011 - 0:16

سورة الشمس .. في ظلال القرآن

rendeer الرحمن الرحيم
وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1)وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا (2)وَالنَّهَارِ إِذَا جَلاَّهَا (3)وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا(4)وَالسَّمَاء وَمَا بَنَاهَا (5)وَالأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا (6)وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7)فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8)قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا (9)وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا (10)كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا(11)إِذِ انبَعَثَ أَشْقَاهَا (12)فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا (13)فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُم بِذَنبِهِمْ فَسَوَّاهَا (14)وَلا يَخَافُ عُقْبَاهَا(15)

هذه السورة القصيرة ذات القافية الواحدة ، والإيقاع الموسيقي الموحد ، تتضمن عدة لمسات وجدانية تنبثق من مشاهد الكون وظواهره التي تبدأ بها السورة والتي تظهر كأنها إطار للحقيقة الكبيرة التي تتضمنها السورة . حقيقة النفس الإنسانية ، واستعداداتها الفطرية ، ودور الإنسان في شأن نفسه ، وتبعته في مصيرها .. هذه الحقيقة التي يربطها سياق السورة بحقائق الكون ومشاهده الثابتة .
كذلك تتضمن قصة ثمود ، وتكذيبها بإنذار رسولها وعقرها للناقة ، ومصرعها بعد ذلك وزوالها . وهي نموذج من الخيبة التي قد تصيب من لا يزكي نفسه ، فيدعها للفجور ، ولا يلزمها تقواها : كما جاء في الفقرة الأولى في السورة : "قد أفلح من زكاها . وقد خاب من دساها" ..
"والشمس وضحاها . والقمر إذا تلاها . والنهار إذا جلاها . والليل إذا يغشاها . والسماء وما بناها . والأرض وما طحاها . ونفس وما سواها . فألهمها فجورها وتقواها . قد أفلح من زكاها . وقد خاب من دساها" ..
يقسم الله سبحانه بهذه الخلائق والمشاهد الكونية ، كما يقسم بالنفس وتسويتها وإلهامها . ومن شأن هذا القسم أن يخلع على هذه الخلائق قيمة كبرى ، وأن يوجه إليها القلوب تتملاها ، وتتدبر ماذا لها من قيمة وماذا بها من دلالة ، حتى استحقت أن يقسم بها الجليل العظيم .
ومشاهد الكون وظواهره إطلاقاً بينها وبين القلب لغة سرية ! متعارف عليها في صميم الفطرة وأغوار المشاعر . وبينها وبين الروح الإنساني تجاوب ومناجاة بغير نبرة ولا صوت ، وهي تنطق للقلب ، وتوحي للروح ، وتنبض بالحياة المأنوسة للكيان الإنساني الحي ، حيثمما التقى بها وهو مقبل عليها ، متطلع عندها إلى الأنس والمناجاة والتجاوب والإيحاء .
ومن ثم يكثر القرآن من توجيه القلب إلى مشاهد الكون بشتى الأساليب ، في شتى المواضع . تارة بالتوجيهات المباشرة ، وتارة باللمسات الجانبية كهذا القسم بتلك الخلائق والمشاهد ، ووضعها إطاراً لما يليها من الحقائق. وفي هذا الجزء بالذات لاحظنا كثرة هذه التوجيهات واللمسات كثرة ظاهرة . فلا تكاد سورة واحدة تخلو من إيقاظ القلب لينطلق إلى هذا الكون ، يطلب عنده التجاوب والإيحاء . ويتلقى عنه _بلغة السر المتبادل_ ما ينطق به من دلائل وما يبثه من مناجاة !
وهنا نجد القسم الموحي بالشمس وضحاها .. بالشمس عامة وحين تضحي وترتفع عن الأفق بصفة خاصة . وهي أروق ما تكون في هذه الفترة وأحلى . في الشتاء يكون وقت الدفء المستحب الناعش . وفي الصيف يكون وقت الإشراق الرائق قبل وقدة الظهيرة وقيظها . فالشمس في الضحى في أروق أوقاتها وأصفاها . وقد ورد أن المقصود بالضحى هو النهار كله ، ولكننا لا نرى ضرورة للعدول عن المعنى القريب للضحى . وهو ذو دلالة خاصة كما رأينا .

وبالقمر إذا تلاها .. إذا تلا الشمس بنوره اللطيف الشفيف الرائق الصافي .. وبين القمر والقلب البشري ود قديم موغل في السرائر والأعماق ، غائر في شعاب الضمير ، يترقرق ويستيقظ كلما التقى به القلب في أية حال . وللقمر همسات وإيحاءات للقلب ، وسبحات وتسبيحات للخالق ، يكاد يسمعها القلب الشاعر في نور القمر المنساب .. وإن القلب ليشعر أحياناً أنه يسبح في فيض النور الغامر في الليلة القمراء ، ويغسل أدرانه ويرتوي ، ويعانق هذا النور الحبيب ويستروح فيه روح الله .
ويقسم بالنهار إذا جلاها .. مما يوحي بأن المقصود بالضحى هو الفترة الخاصة لا كل النهار . والضمير في "جلاها" .. الظاهر أن يعود إلى الشمس المذكورة في السياق .. ولكن الإيحاء القرآني يشي بأنه ضمير هذه البسيطة . وللأسلوب القرآني إيحاءات جانبية كهذه مضمرة في السياق لأنها معهودة في الحس البشري ، يستدعيها التعبير استدعاء خفياً . فالنهار يجلي البسيطة ويكشفها . وللنهار في حياة الإنسان آثاره التي يعلمها. وقد ينسى الإنسان بطول التكرار جمال النهار وأثره . فهذه اللمسة السريعة في مثل هذا السياق توقظه وتبعثه للتأمل في هذه الظاهرة الكبرى .
ومثله : "والليل إذا يغشاها" .. والتغشية هي مقابل التجلية . والليل غشاء يضم كل شيء ويخفيه . وهو مشهد له في النفس وقع . وله في حياة الإنسان أثر كالنهار سواء .
ثم يقسم بالسماء وبنائها : "والسماء وما بناها" .. "وما" هنا مصدرية . ولفظ السماء حين يذكر يسبق إلى الذهن هذا الذي نراه فوقنا كالقبة حيثما اتجهنا ، تتناثر فيه النجوم والكواكب السابحة في أفلاكها ومداراتها .
فأما حقيقة السماء فلا ندريها . وهذا الذي نراه فوقنا متماسكاً لا يختل ولا يضطرب تتحقق فيه صفة البناء بثباته وتماسكه . أما كيف هو مبني ، وما الذي يمسك أجزاءه فلا تتناثر وهو سابح في الفضاء الذي لا نعرف له أولاً ولا آخراً .. فذلك ما لا ندريه . وكل ما قيل عنه مجرد نظريات قابلة للنقض والتعديل . ولا قرار لها ولا ثبات .. إنما نوقن من وراء كل شيء أن يد الله تمسك هذا البناء : "إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا . ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده" .. وهذا هو العلم المستيقن الوحيد !
كذلك يقسم بالأرض وطحوها : "والأرض وما طحاها" .. والطحو كا لدحو : البسط والتمهيد للحياة . وهي حقيقة قائمة تتوقف على وجودها حياة الجنس البشري وسائر الأجناس الحية . وهذه الخصائص والموافقات التي جعلتها يد الله في هذه الأرض هي التي سمحت بالحياة فيها وفق تقديره وتدبيره . وحسب الظاهر لنا أنه لو اختلت إحداها ما أمكن أن تنشأ الحياة ولا أن تسير في هذا الطريق الذي سارت فيه . وطحو الأرض أو دحوها كما قال في الآية الأخرى "والأرض بعد ذلك دحاها أخرج منها ماءها ومرعاها" . وهو أكبر هذه الخصائص والموافقات . ويد الله وحدها هي التي تولت هذا الأمر . فحين يذكر هنا بطحو الأرض فإنما يذكر بهذه اليد التي وراءه . ويلمس القلب البشري هذه اللمسة للتدبر والذكرى.
الموضوع الأصلى : سورة الفجر .. في ظلال القرآن  المصدر : قيثارة الغناء العربى
توقيع العضو: نور الحياة شاكر
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
نور الحياة شاكر
المشرف العام
المشرف العام
نور الحياة شاكر

الدولة : سورة الفجر .. في ظلال القرآن Female73
انثى
عدد الرسائل : 51922
تاريخ التسجيل : 08/12/2007
المزاج : سورة الفجر .. في ظلال القرآن 710
بطاقة عضوية : سورة الفجر .. في ظلال القرآن Ou_oa10

سورة الفجر .. في ظلال القرآن Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة الفجر .. في ظلال القرآن   سورة الفجر .. في ظلال القرآن 71831510السبت 4 يونيو 2011 - 0:18



ثم تجيء الحقيقة الكبرى عن النفس البشرية في سياق هذا القسم ، مرتبطة بالكون ومشاهده وظواهره . وهي إحدى الآيات الكبرى في هذا الوجود المترابط المتناسق :
"ونفس سواها . فألهمها فجورها وتقواها . قد أفلح من زكاها . وقد خاب من دساها" ..
وهذه الآيات الأربع بالإضافة إلى آية سورة البلد : "وهديناه النجدين" وآية سورة الإنسان : "إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفوراً" .. تمثل قاعدة النظرية النفسية للإسلام .. وهي مرتبطة ومكملة للآيات التي تسير إلى ازدواج طبيعة الإنسان كقوله تعالى في سورة "ص" : "إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشراً من طين . فإذا سويه ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين" .. كما أنها مرتبطة ومكملة للآيات التي تقرر التبعة الفردية : كقوله تعالى في سورة المدثر : "كل نفس بما كسبت رهينة" والآيات التي تقرر أن الله يرتب تصرفه بالإنسان على واقع هذا الإنسان ، كقوله تعالى في سورة الرعد : "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم"
و من خلال هذه الآيات وأمثالها تبرز لنا نظرة الإسلام إلى الإنسان بكل معالمها..
إن هذا الكائن مخلوق مزدوج الطبيعة ، مزدوج الاستعداد ، مزدوج الاتجاه ونعني بكلمة مزدوج على وجه التحديد أنه بطبيعة تكوينه (من طين الأرض ومن نفخة الله فيه من روحه) مزود باستعدادات متساوية للخير والشر ، والهدى والضلال . فهو قادر على التمييز بين ما هو خير وما هو شر . كما أنه قادر على توجيه نفسه إلى الخير وإلى الشر سواء . وأن هذه القدرة كامنة في كيانه ، يعبر عنها القرآن بالإلهام تارة : "ونفس وما سواها ، فألهمها فجورها وتقواها" .. ويعبر عنها بالهداية تارة : "فهديناه النجدين" .. فهي كامنة في صميمه في صورة استعداد .. والرسالات والتوجيهات والعوامل الخارجية إنما توقظ هذه الاستعدادات وتشحذها وتوجهها هنا أو هناك . ولكنها لا تخلقها خلقاً . لأنها مخلوقة فطرة ، وكائنة طبعاً ، وكامنة إلهاماً .
وهناك إلى جانب هذه الاستعدادات الفطرية الكامنة قوة واعية مدركة موجهة في ذات الإنسان . هي التي تناط بها التبعة . فمن استخدم هذه القوة في تزكية نفسه وتطهيرها وتنمية استعداد الخير فيها ، وتغليبه على استعدادالشر .. فقد أفلح . ومن أظلم هذه القوة وخبأها وأضعفها فقد خاب : "قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها" ..
وهنالك إذن تبعة مترتبة على منح الإنسان هذه القوة الواعية القادرة على الاختيار والتوجيه . توجيه الاستعدادات الفطرية القابلة للنمو في حقل الخير وفي حقل الشر سواء . فهي حرية تقابلها تبعة ، وقدرة يقابلها تكليف ، ومنحة يقابلها واجب ..
ورحمة من الله بالإنسان لم يدعه لا ستعداد فطرته الإلهامي ، ولا للقوة الواعية المالكة للتصرف ، فأعانه بالرسالات التي تضع له الموازين الثابتة الدقيقة ، وتكشف له عن موحيات الإيمان ، ودلائل الهدى في نفسه وفي الآفاق من حوله ، وتجلو عنه غواشي الهوى فيبصر الحق في صورته الصحيحة .. وبذلك يتضح له الطريق وضوحاً كاشفاً لا غبش فيه ولا شبهة فتتصرف القوة الواعية حينئذ عن بصيرة وإدراك لحقيقة الاتجاه الذي تختاره وتسير فيه . وهذه في جملتها هي مشيئة الله بالإنسان . وكل ما يتم في دائرتها فهو محقق لمشيئة الله وقدره العام .

هذه النظرة المجملة إلى أقصى حد تنبثق منها جملة حقائق ذات قيمة في التوجيه التربوي : فهي أولاً ترتفع بقيمة هذا الكائن الإنساني ، حين تجعله أهلاً لاحتمال تبعة اتجاهه ، وتمنحه حرية الاختيار في (إطار المشيئة الإلهية التي شاءت له هذه الحرية فيما يختار) فالحرية والتبعة يضعان هذا الكائن في مكان كريم ، ويقرران له في هذا الوجود منزلة عالية تليق بالخليقة التي نفخ الله فيها من روحه وسواها بيده ، وفضلها على كثير من العالمين .
وهي ثانياً تلقي على هذا الكائن تبعة مصيره ، وتجعل أمره بين يديه (في إطار المشيئة الكبرى كما أسلفنا) فتثير في حسه كل مشاعر اليقظة والتحرج والتقوى . وهو يعلم أن قدر الله فيه يتحقق من خلال تصرفه هو بنفسه : "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" .. وهي تبعة ثقيلة لا يغفل صاحبها ولا يغفو !
وهي ثالثاً تشعر هذا الإنسان بالحاجة الدائمة للرجوع إلى الموازين الإلهية الثابتة ، ليظل على يقين أن هواه لم يخدعه ولم يضلله ، كي لا يقوده الهوى إلى المهلكة ، ولا يحق عليه قدر الله فيمن يجعل إلهه هواه . وبذلك يظل قريباً من الله ، يهتدي بهديه ، ويستضيء بالنور الذي أمده به في متاهات الطريق !
ومن ثم فلا نهاية لما يملك هذا الإنسان أن يصل إليه من تزكية النفس وتطهيرها ، وهو يغتسل في نور الله الفائض ، ويتطهر في هذا العباب الذي يتدفق حوله من ينابيع الوجود ..
الموضوع الأصلى : سورة الفجر .. في ظلال القرآن  المصدر : قيثارة الغناء العربى
توقيع العضو: نور الحياة شاكر
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
نور الحياة شاكر
المشرف العام
المشرف العام
نور الحياة شاكر

الدولة : سورة الفجر .. في ظلال القرآن Female73
انثى
عدد الرسائل : 51922
تاريخ التسجيل : 08/12/2007
المزاج : سورة الفجر .. في ظلال القرآن 710
بطاقة عضوية : سورة الفجر .. في ظلال القرآن Ou_oa10

سورة الفجر .. في ظلال القرآن Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة الفجر .. في ظلال القرآن   سورة الفجر .. في ظلال القرآن 71831510السبت 4 يونيو 2011 - 0:19


بعد ذلك يعرض نموذجاً من نماذج الخيبة التي ينتهي إليها من يدسي نفسه ، فيحجبها عن الهدى ويدنسها . ممثلاً هذا النموذج فيما أصاب ثمود من غضب ونكال وهلاك :
"كذبت ثمود بطغواها . إذ انبعث أشقاها . فقال لهم رسول الله : ناقة الله وسقياها . فكذبوه فعقروها . فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها . ولا يخاف عقباها" ..
وقد وردت قصة ثمود ونبيها صالح _عليه السلام_ في مواضع شتى من القرآن . وسبق الحديث عنها في كل موضع . وأقر بها ما جاء في هذا الجزء في سورة "الفجر" .
فأما في هذا الموضع فهو يذكر أن ثمود بسبب من طغيانها كذبت نبيها ، فكان الطغيان وحده هو سبب التكذيب . وتمثل هذا الطغيان في انبعاث أشقاها . وهو الذي عقر الناقة . وهو أشدها شقاء وأكثرها تعاسة بما ارتكب من الإثم . وقد حذرهم رسول الله قبل الإقدام على الفعلة فقال لهم . احذروا أن تمسوا ناقة الله أو أن تمسوا الماء الذي جعل لها يوماً ولهم يوماً كما اشترط عليهم عندما طلبوا من آية فجعل الله هذه الناقة آية _ ولا بد أنه كان لها شأن خاص لا نخوض في تفصيلاته ، لأن الله لم يقل لنا شيئاً عنه_ فكذبوا النذير فعقروا الناقة . والذي عقرها هو هذا الأشقى . ولكنهم جميعاً حملوا التبعة وعُدوا أنهم عقروها لأنهم لم يضربوا على يده ، بل استحسنوا فعلته . وهذا مبدأ من مبادئ الإسلام الرئيسية في التكافل في التبعة الاجتماعية في الحياة الدنيا . لا يتعارض مع التبعة الفردية في الجزاء الأخروي حيث لا تزر وازرة وزر أخرى . على أنه من الوزر إهمال التناصح والتكافل والحض على البر والأخذ على يد البغي والشر .
عندئذ تتحرك يد القدرة لتبطش البطشة الكبرى : "فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها" ..
والدمدمة الغضب وما يتبعه من تنكيل . واللفظ ذاته .. "دمدم" يوحي بما وراءه ، ويصور معناه بجرسه ، ويكاد يرسم مشهداً مروعاً مخيفاً ! وقد سوى الله أرضهم عاليها بسافلها ، وهو المشهد الذي يرتسم بعد الدمار العنيف الشديد ..
"ولا يخاف عقباها" .. سبحانه وتعالى .. ومن ذا يخاف ؟ وأنى يخاف ؟ إنما يراد من هذا التعبير لازمه المفهوم منه . فالذي لا يخاف عاقبة ما يفعل ، يبلغ غاية البطش حين يبطش . وكذلك بطش الله كان : إن بطش ربك لشديد . فهو إيقاع يراد إيحاؤه وظله في النفوس .
_ وهكذا ترتبط حقيقة النفس البشرية بحقائق هذا الوجود الكبيرة .. ومشاهده الثابتة ، كما ترتبط بهذه وتلك سنة الله في أخذ المكذبين الطغاة ، في حدود التقدير الحكيم الذي يجعل لكل شيء أجلاً ، ولكل حادث موعداً ، ولكل أمر غاية ، ولكل قدر حكمة ، وهو رب النفس والكون والقدر جميعاً ..


الموضوع الأصلى : سورة الفجر .. في ظلال القرآن  المصدر : قيثارة الغناء العربى
توقيع العضو: نور الحياة شاكر
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
نور الحياة شاكر
المشرف العام
المشرف العام
نور الحياة شاكر

الدولة : سورة الفجر .. في ظلال القرآن Female73
انثى
عدد الرسائل : 51922
تاريخ التسجيل : 08/12/2007
المزاج : سورة الفجر .. في ظلال القرآن 710
بطاقة عضوية : سورة الفجر .. في ظلال القرآن Ou_oa10

سورة الفجر .. في ظلال القرآن Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة الفجر .. في ظلال القرآن   سورة الفجر .. في ظلال القرآن 71831510السبت 4 يونيو 2011 - 0:21

سورة البلد .. في ظلال القرآن

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ (١) وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ (٢) وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ (٣) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ (٤) أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ (٥) يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُبَدًا (٦) أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ (٧) أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (٨) وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ (٩) وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ (١٠) فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (١١) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (١٢) فَكُّ رَقَبَةٍ (١٣) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (١٤) يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (١٥) أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ (١٦) ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (١٧) أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (١٨) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ (١٩) عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ
(٢٠)


تضم هذه السورة الصغيرة جناحيها على حشد من الحقائق الأساسية في حياة الكائن الإنساني ذات الإيحاءات الدافعة واللمسات الموحية . حشد يصعب أن يجتمع في هذا الحيز الصغير في غير القرآن الكريم ، وأسلوبه الفريد في التوقيع على أوتار القلب البشري بمثل هذه اللمسات السريعة العميقة ..
تبدأ السورة بالتلويح بقسم عظيم ، على حقيقة في حياة الإنسان ثابتة :
"لا أقسم بهذا البلد . وأنت حل بهذا البلد . ووالد وما ولد . لقد خلقنا الإنسان في كبد" .
والبلد هو مكة . بيت الله الحرام . أول بيت وضع للناس في الأرض . ليكون مثابة لهم وأمناً . يضعون عنده سلاحهم وخصوماتهم وعداواتهم ، ويلتقون فيه مسالمين ، حراماً بعضهم على بعض ، كما أن البيت وشجره وطيره وكل حي فيه حرام . ثم هو بيت إبراهيم والد اسماعيل أبي العرب والمسلمين أجمعين .
ويكرم الله نبيه محمداً _صلى الله عليه وسلم_ فيذكره ويذكر حله بهذا البلد وإقامته، بوصفها ملابسة تزيد هذا البلد حرمة ، وتزيده شرفاً ، وتزيده عظمة .
وهي إيماءة ذات دلالة عميقة في هذا المقام . والمشركون يستحلون حرمة البيت ، فيؤذون النبي والمسلمين فيه ، والبيت كريم ، يزيده كرماً أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ حل فيه مقيم . وحين يقسم الله _سبحانه_ بالبلد والمقيم به ، فإنه يخلع عليه عظمة وحرمة فوق حرمته ، فيبدو موقف المشركين الذين يدعون أنهم سدنة البيت وأبناء اسماعيل وعلى ملة إبراهيم ، موقفاً منكراً قبيحاً من جميع الوجوه .
ولعل هذا المعنى يرشح لاعتبار : "ووالد وما ولد" .. إشارة خاصة إلى إبراهيم ، أو إلى اسماعيل _عليهما السلام_ وإضافة هذا إلى القسم بالبلد والنبي المقيم به ، وبانيه الأول وما ولد .. وإن كان هذا الاعتبار لا ينفي أن يكون المقصود هو والد وما ولد إطلاقاً . وأن تكون هذه إشارة إلى طبيعة النشأة الإنسانية ، واعتمادها على التوالد . تمهيداً للحديث عن حقيقة الإنسان التي هي مادة السورة الأساسية .
وللأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده في هذا الموضع من تفسيره للسورة في "جزء عم" لفتة لطيفة تتسق روحها مع روح هذه "الظلال" فنستعيرها منه هنا .. قال رحمه الله :
"ثم أقسم بوالد وما ولد ، ليلفت نظرنا إلى رفعة قدر هذا الطور من أطوار الوجود
_وهو طور التوالد_ وإلى ما فيه من بالغ الحكمة واتقان الصنع ، وإلى ما يعانيه الوالد والمولود في إبداء النشء وتكميل الناشئ ، وإبلاغه حده من النمو المقدر له.
"فإذا تصورت في النبات كم تعاني البذرة في أطوار النمو : من مقاومة فواعل الجو ، ومحاولة امتصاص الغذاء مما حولها من العناصر ، إلى أن تستقيم شجرة ذات فروع وأغصان ، وتستعد إلى أن تلد بذرة أو بذوراً أخرى تعمل عملها ، وتزين الوجود بجمال منظرها _ إذا أحضرت ذلك في ذهنك ، والتفت إلى ما فوق النبات من الحيوان والإنسان ، حضر لك من أمر الوالد والمولود فيهما ما هو أعظم ، ووجدت من المكابدة والعناء الذي يلاقيه كل منهما في سبيل حفظ الأنواع ، واستبقاء جمال الكون بصورها ما هو أشد وأجسم " .. انتهى
يقسم هذا القسم على حقيقة ثابتة في حياة الكائن الإنساني :
"لقد خلقنا الإنسان في كبد" ..
في مكابدة ومشقة ، وجهد وكد ، وكفاح وكدح .. كما قال في السورة الأخرى : "يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه" ..
الخلية الأولى لا تستقر في الرحم حتى تبدأ في الكبد والكدح والنصب لتوفر لنفسها الظروف الملائمة للحياة والغذاء _بإذن ربها_ وما تزال كذلك حتى تنتهي إلى المخرج ، فتذوق من المخاض _إلى جانب ما تذوقه الوالدة_ ما تذوق . وما يكاد الجنين يرى النور حتى يكون قد ضغط ودفع حتى كاد يختنق في مخرجه من الرحم !
ومنذ هذه اللحظة يبدأ الجهد الأشق والكبد الأمر . يبدا الجنين ليتنفس هذا الهواء الذي لا عهد له به ، ويفتح فمه ورئتيه لأول مرة ليشهق ويزفر في صراخ يشي بمشقة البداية ! وتبدأ دورته الهضمية ودورته الدموية في العمل على غير عادة ! ويعاني في إخراج الفضلات حتى يروض أمعاءه على هذا العمل الجديد ! وكل خطوة بعد ذلك كبد ، وكل حركة بعد ذلك كبد . والذي يلاحظ الوليد عندما يهم بالحبو وعندما يهم بالمشي يدرك كم يبذل من الجهد العنيف للقيام بهذه الحركة الساذجة .
وعند بروز الأسنان كبد وعند انتصاب القامة كبد . وعند الخطو الثابت كبد . وعند التعلم كبد . وعند التفكر كبد . وفي كل تجربة جديدة كبد كتجربة الحبو والمشي سواء !
ثم تفترق الطرق ، وتتنوع المشاق ، هذا يكدح بعضلاته . وهذا يكدح بفكره . وهذا يكدح بروحه . وهذا يكدح للقمة العيش وخرقة الكساء . وهذا يكدح ليجعل الألف ألفين وعشرة آلاف .. وهذا يكدح لملك أو جاه ، وهذا يكدح في سبيل الله . وهذا يكدح لشهوة ونزوة . وهذا يكدح لعقيدة ودعوة . وهذا يكدح إلى النار . وهذا يكدح إلى الجنة .. والكل يحمل حمله ويصعد الطريق كادحاً إلى ربه فيلقاه ! وهناك يكون الكبد الأكبر للأشقياء . وتكون الراحة الكبرى للسعداء .
إنه الكبد طبيعة الحياة الدنيا . تختلف أشكاله وأسبابه . ولكنه هو الكبد في النهاية . فأخسر الخاسرين هو من يعاني كبد الحياة الدنيا لينتهي إلى الكبد الأشق الأمر في الأخرى . وأفلح الفالحين من يكدح في الطريق إلى ربه ليلقاه بمؤهلات تنهي عنه كبد الحياة ، وتنتهي به إلى الراحة الكبرى في ظلال الله .
على أن في الأرض ذاتها بعض الجزاء على ألوان الكدح والعناء . إن الذي يكدح للأمر الجليل ليس كالذي يكدح للأمر الحقير . ليس مثله طمأنينة بال وارتياحاً للبذل ، واسترواحاً بالتضحية ، فالذي يكدح وهو طليق من أثقال الطين ، أو للانطلاق من هذه الأثقال ، ليس كالذي يكدح ليغوص في الوحل ويلصق بالأرض كالحشرات والديدان ! والذي يموت في سبيل دعوة ليس كالذي يموت في سبيل نزوة .. ليس مثله في خاصة شعوره بالجهد والكبد الذي يلقاه .
الموضوع الأصلى : سورة الفجر .. في ظلال القرآن  المصدر : قيثارة الغناء العربى
توقيع العضو: نور الحياة شاكر
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
نور الحياة شاكر
المشرف العام
المشرف العام
نور الحياة شاكر

الدولة : سورة الفجر .. في ظلال القرآن Female73
انثى
عدد الرسائل : 51922
تاريخ التسجيل : 08/12/2007
المزاج : سورة الفجر .. في ظلال القرآن 710
بطاقة عضوية : سورة الفجر .. في ظلال القرآن Ou_oa10

سورة الفجر .. في ظلال القرآن Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة الفجر .. في ظلال القرآن   سورة الفجر .. في ظلال القرآن 71831510السبت 4 يونيو 2011 - 0:23

وبعد تقرير هذه الحقيقة عن طبيعة الحياة الإنسانية يناقش بعض دعاوي "الإنسان" وتصوراته التي تشي بها تصرفاته :
"أيحسب أن لن يقدر عليه أحد ؟ يقول أهلكت مالاً لبداً . أيحسب أن لم يره أحد ؟".
إن هذا "الإنسان" المخلوق في كبد ، الذي لا يخلص من عناء الكدح والكد ، لينسى حقيقة حاله وينخدع بما يعطيه خالقه من أطراف القوة والقدرة والوجدان والمتاع ، فيتصرف تصرف الذي لا يحسب أنه مأخوذ بعمله ، ولا يتوقع أن يقدر عليه قادر فيحاسبه .. فيطغى ويبطش ويسلب وينهب ، ويجمع ويكثر ، ويفسق ويفجر ، دون أن يخشى ودون أن يتحرج .. وهذه هي صفة الإنسان الذي يعرى قلبه من الإيمان .
ثم أنه إذا دعي للخير والبذل (في مثل المواضع التي ورد ذكرها في السورة) "يقول أهلكت مالاً لبداً" .. وأنفقت شيئاً كثيراً فحسبي ما أنفقت وبذلت ! "أيحسب أن لم يره أحد" ؟ وينسى أن عين الله عليه ، وأن علمه محيط به ، فهو يرى ما أنفق ، ولماذا أنفق ؟ ولكن هذا "الإنسان" كأنما ينسى هذه الحقيقة ، ويحسب أنه في خفاء عن عين الله !


وأمام هذا الغرور الذي يخيل للإنسان أنه ذو منعة وقوة ، وأمام ضنه بالمال وادعائه أنه بذل الكثير ، يجابهه القرآن بفيض الآلاء عليه في خاصة نفسه و في صميم تكوينه ، وفي خصائص طبيعته واستعداداته ، تلك الآلاء التي لم يشكرها ولم يقم بحقها عنده :
"ألم نجعل له عينين ؟ ولساناً وشفتين ؟ وهديناه النجدين ؟" ..
إن الإنسان يغتر بقوته ، والله هو المنعم عليه بهذا القدر من القوة . ويضن بالمال. والله هو المنعم عليه بهذا المال . ولا يهتدي ولا يشكر ، وقد جعل له من الحواس ما يهديه في عالم المحسوسات : جعل له عينين على هذا القدر من الدقة في تركيبهما وفي قدرتهما على الإبصار . وميزه بالنطق ، وأعطاه أداته المحكمة : "ولساناً وشفتين" .. ثم اودع نفسه خصائص القدرة على إدراك الخير والشر ، والهدى والضلال ، والحق والباطل : "وهديناه النجدين" .. ليختار أيهما شاء ، ففي طبيعته هذا الاستعداد المزدوج لسلوك أي النجدين . والنجد الطريق المرتفع وقد اقتضت مشيئة الله أن تمنحه القدرة على سلوك أيهما شاء ، وأن تخلقه بهذا الازدواج طبقاً لحكمة الله في الخلق ، وإعطاء كل شيء خلقه ، وتيسيره لوظيفته في هذا الوجود .
وهذه الآية تكشف عن حقيقة الطبيعة الإنسانية ، كما أنها تمثل قاعدة "النظرية النفسية الإسلامية" هي والآيات الأخرى في سورة الشمس : "ونفس وما سواها ، فألهمها فجورها وتقواها . قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها" .



الموضوع الأصلى : سورة الفجر .. في ظلال القرآن  المصدر : قيثارة الغناء العربى
توقيع العضو: نور الحياة شاكر
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
نور الحياة شاكر
المشرف العام
المشرف العام
نور الحياة شاكر

الدولة : سورة الفجر .. في ظلال القرآن Female73
انثى
عدد الرسائل : 51922
تاريخ التسجيل : 08/12/2007
المزاج : سورة الفجر .. في ظلال القرآن 710
بطاقة عضوية : سورة الفجر .. في ظلال القرآن Ou_oa10

سورة الفجر .. في ظلال القرآن Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة الفجر .. في ظلال القرآن   سورة الفجر .. في ظلال القرآن 71831510السبت 4 يونيو 2011 - 0:25

هذه الآلاء التي أفاضها الله على جنس الإنسان في خاصة نفسه ، وفي صميم تكوينه ، والتي من شأنها أن تعينه على الهدى : عيناه بما تريان في صفحات هذا الكون من دلائل القدرة وموحيات الإيمان ، وهي معروضة في صفحات الكون مبثوثة في حناياه . ولسانه وشفتاه وهما أداة البيان والتعبير ، وعنهما يملك الإنسان أن يفعل الشيء الكثير . والكلمة أحياناً تقوم مقام السيف والقذيفة وأكثر ، وأحياناً تهوي بصاحبها في النار كما ترفعه أوتخفضه في هذه النار .. عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال : كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فأصبحت يوماً قريباً منه ، ونحن نسير ، فقلت : يارسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة ، ويباعدني عن النار . قال : سألت عن عظيم وإنه ليسير على من يسره الله عليه : تعبد الله ولا تشرك به شيئاً ، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت . ثم قال : ألا أدلك على أبواب الخير ؟ قلت : بلى يارسول الله . قال : الصوم جنة ، والصدقة تطفيء الخطيئة كما يطفيء الماء النار ، وصلاة الرجل في جوف الليل شعار الصالحين ، ثم تلا قوله تعالى "تتجافى جنوبهم عن المضاجع .." ثم قال : ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟ قلت : بلى يارسول الله . قال : رأس الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد
ثم قال : ألا أخبرك بملاك ذلك كله ؟ قلت بلى يارسول الله . قال : كف عليك هذا ، وأشار إلى لسانه . قلت يا نبي الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به ؟ قال : ثكلتك أمك ! وهل يكب الناس في النار على وجوههم _أو قال :على مناخرهم_ إلا حصائد ألسنتهم ؟" رواه أحمد والترمذي وابن ماجه والنسائي .
وهدايته إلى إدراك الخير والشر ، ومعرفة الطريق إلى الجنة والطريق إلى النار ، وإعانته على الخير بهذه الهداية .. هذه الآلاء كلها لم تدفع هذا "الإنسان" إلى اقتحام العقبة التي تحول بينه وبين الجنة . هذه العقبة التي بينها الله له في هذه الآيات :
"فلا اقتحم العقبة .. وما أدراك ما العقبة ؟ فك رقبة . أو إطعام في يوم ذي مسغبة، يتيماً ذا مقربة أو مسكيناً ذا متربة . ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة . أولئك أصحاب الميمنة"
هذه هي العقبة التي يقتحمها الإنسان _إلا من استعان بالإيمان_ هذه هي العقبة التي تقف بينه وبين الجنة . لو تخطاها لوصل ! وتصويرها كذلك حافز قوي ، واستجاشة للقلب البشري ، وتحريك له ليقتحم العقبة وقد وضحت ووضح معها أنها الحائل بينه وبين هذا المكسب الضخم .. "فلا اقتحم العقبة ! فيه تحضيض ودفع وترغيب !
ثم تفخيم لهذا الشأن وتعظيم : "وما أدراك ما العقبة !" إنه ليس تضخيم العقبة ، ولكنه تعظيم شأنها عند الله ، ليحفز به الإنسان إلى اقتحامها وتخطيها ، مهما تطلب من جهد ومن كبد . فالكبد واقع واقع . وحين يبذل لاقتحام العقبة يؤتي ثمره ويعوض المقتحم عما يكابده ، ولا يذهب ضياعاً وهو واقع واقع على كل حال !
ويبدأ كشف العقبة وبيان طبيعتها بالأمر الذي كانت البيئة الخاصة التي تواجهها الدعوة في أمس الحاجة إليه : فك الرقاب العانية ، وإطعام الطعام والحاجة الماسة إليه للضعاف الذين تقسو عليهم البيئة الجاحدة المتكالبة ، وينتهي بالأمر الذي لا يتعلق ببيئة خاصة ولا بزمان خاص ، والذي تواجهه النفوس جميعاً ، وهي تتخطى العقبة إلى النجاة : "ثم كان من الذين آمنوا وتواصوابالصبر وتواصوا بالمرحمة" ..
وقد ورد أن فك الرقبة هو المشاركة في عتقها ، وأن العتق هو الاستقلال بهذا .. وأياً ما كان المقصود فالنتيجة الحاصلة واحدة .
وقد نزل هذا النص والإسلام محاصر في مكة ، وليست له دولة تقوم على شريعته . وكان الرق عاماً في الجزيرة العربية وفي العالم من حولها . وكان الرقيق يعاملون معاملة قاسية على الإطلاق . فلما أن أسلم بعضهم كعمار بن ياسر وأسرته ، وبلال بن رباح ، وصهيب .. وغيرهم _رضي الله عنهم جميعاً_ اشتد عليهم البلاء من سادتهم العتاة وأسلموهم إلى تعذيب لا يطاق . وبدا أن طريق الخلاص لهم هو تحريرهم بشرائهم من سادتهم القساة ، فكان أبو بكر _رضي الله عنه_ هو السابق كعادته دائماً إلى التلبية والاستجابة في ثبات وطمأنينة واستقامة..
قال ابن اسحاق : "وكان بلال مولى أبي بكر _رضي الله عنهما_ لبعض بني جمح مولدا من مولديهم وكان صادق الإسلام ، طاهر القلب ، وكان أمية بن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح يخرجه إذا حميت الظهيرة فيطرحه على ظهره في بطحاء مكة ، ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتوضع على صدره ، ثم يقول له لا تزال هكذا حتى تموت أو تكفر بمحمد وتعبد اللات والعزى . فيقول وهو في ذلك البلاء : أحد احد ..
"حتى مر به أبو بكر الصديق _رضي الله عنه_ يوماً وهم يصنعون ذلك به _وكانت دار أبو بكر في بني جمح . فقال لأمية بن خلف ، ألا تتقي الله في هذا المسكين ؟ حتى متى ؟ قال : أنت الذي أفسدته فأنقذه مما ترى . فقال أبو بكر : أفعل . عندي غلام أسود أجلد منه وأقوى ، على دينك أعطيكه به . قال : قد قبلت . قال : هو لك . فأعطاه أبو بكر الصديق _رضي الله عنه_ غلامه ذلك وأخذه واعتقه .
"ثم أعتق معه على الإسلام قبل أن يهاجر إلى المدينة ست رقاب . بلال سابعهم : عامر بن فهيرة (شهد بدراً وقتل يوم معونة شهيداً) وأم عبيس ، وزنيرة (وأصيب بصرها حين أعتقها ، فقالت قريش : ما أذهب بصرها إلا اللات والعزى ! فقالت : كذبوا وبيت الله ما تضر اللات والعزى وما تنفعان . فرد الله بصرها) وأعتق النهدية وابنتها ، وكانتا لامرأة من بني عبد الدار فمر بهما وقد بعثتهما سيدتهما بطحين لها وهي تقول : والله لا أعتقكما أبداً . فقال أبو بكر حلٌ يا أم فلان (أي تحللي من يمينك) فقالت : حل ! أنت أفسدتهما فأعتقهما . قال فبكم هما ؟ قالت بكذا وكذا . قال : قد اخذتهما وهما حرتان . أرجعا إليها طحينها . قالتا : أو نفرغ منه يا أبا بكر ثم نرده إليها ؟ قال : ذلك إن شئتما .
"ومر بجارية بني مؤمل _هي من بني عدي_ وكانت مسلمة ، وكان عمر بن الخطاب يعذبها لتترك الإسلام _وهو يومئذ مشرك_ وهو يضربها ، حتى إذا مل قال : إني أعتذر إليك ، إني لم أتركك إلا ملالة ! فتقول : كذلك فعل الله بك ! فابتاعها أبو بكر فأعتقها " .
قال ابن اسحاق : وحدثني محمد بن عبدالله بن أبي عتيق ، عن عامر بن عبدالله بن الزبير عن بعض أهله ، قال : قال أبو قحافة لأبي بكر : يا بني إني أراك تعتق رقاباً ضعافاً . فلو أنك إذا فعلت ما فعلت أعتقت رجالاً جلداً يمنعونك ويقومون دونك ! قال : فقال أبو بكر : يا أبت إنما أريد ما أريد لله .." .
لقد كان _رضي الله عنه_ يقتحم العقبة وهو يعتق هذه الرقاب العانية .. لله .. وكانت الملابسات الحاضرة في البيئة تجعل هذا العمل يذكر في مقدمة الخطوات والوثبات لاقتحام العقبة في سبيل الله .

"أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيماً ذا مقربة أو مسكيناً ذا متربة" ..
والمسغبة : المجاعة ، ويوم المجاعة الذي يعز فيه الطعام هو محك لحقيقة الإيمان . وقد كان اليتيم يجد في البيئة الجاهلية الجاحدة المتكالبة الخسف والغبن . ولو كان ذا قربى . وقد حفل القرآن بالوصية باليتيم . مما يدل على قسوة البيئة من حول اليتامى . وظلت هذه الوصايا تتوالى حتى في السور المدنية بمناسبة تشريعات الميراث والوصاية والزواج . وقد مر منها الكثير في سورة النساء خاصة .. وفي سورة البقرة وغيرهما . وكذلك إطعام المسكين ذي المتربة _أي اللاصق بالتراب من بؤسه وشدة حاله_ في يوم المسغبة يقدمه السياق القرآني خطوة في سبيل اقتحام العقبة ، لأنه محك للمشاعر الإيمانية من رحمة وعطف وتكافل وإيثار ، ومراقبة لله في عياله ، في يوم الشدة والمجاعة والحاجة . وهاتان الخطوتان : فك الرقاب وإطعام الطعام كانتا من إيحاء البيئة الملحة ، وإن كانت لهما صفة العموم ، ومن ثم قدمها في الذكر . ثم عقب بالوثبة الكبرى الشاملة :
"ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر ، وتواصوا بالمرحمة" ..
و "ثم" هنا ليست للتراخي الزمني ، إنما هي للتراخي المعنوي باعتبار هذه الخطوة هي الأشمل والأوسع نطاقاً والأعلى أفقاً . وإلا فما ينفع فك الرقاب ولا إطعام الطعام بلا إيمان. فالإيمان مفروض وقوعه قبل فك الرقاب وإطعام الطعام . وهو الذي يجعل للعمل الصالح وزناً في ميزان الله . لأنه يصله بمنهج ثابت مطرد . فلا يكون الخير فلتة عارضة ترضية لمزاج متقلب ، أو ابتغاء محمدة من البيئة أو مصلحة .
وكأنما قال : فك رقبة . أو إطعام في يوم ذي مسغبة ، يتيماً ذا مقربة ، أو مسكيناً ذا متربة.. وفوق ذلك كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة . فثم هنا لإفادة معنى الفضل والعلو .
والصبر هو العنصر الضروري للإيمان بصفة عامة ، ولاقتحام العقبة بصفة خاصة . والتواصي به يقرر درجة وراء درجة الصبر ذاته . درجة تماسك الجماعة المؤمنة ، وتواصيها على معنى الصبر ، وتعاونها على تكاليف الإيمان . فهي أعضاء متجاوبة الحس . تشعر جميعاً شعوراً واحداً بمشقة الجهاد لتحقيق الإيمان في الأرض وحمل تكاليفه ، فيوصي بعضها بعضاً بالصبر على العبء المشترك ، ويثبت بعضها بعضاً فلا تتخاذل ، ويقوي بعضها بعضاً فلا تنهزم . وهذا أمر غير الصبر الفردي . وإن يكن قائماً على الصبر الفردي . وهو إيحاء بواجب المؤمن في الجماعة المؤمنة . وهو ألا يكون عنصر تخذيل بل عنصر تثبيت ، ولا يكون داعية هزيمة بل داعية اقتحام ، ولا يكون مثار جزع بل مهبط طمأنينة .
كذلك التواصي بالمرحمة . فهو أمر زائد على المرحمة . إنه إشاعة الشعور بواجب التراحم في صفوف الجماعة عن طريق التواصي به ، والتحاض عليه ، واتخاذه واجباً جماعياً فردياً في الوفت ذاته ، يتعارف عليه الجميع ، ويتعاون عليه الجميع .
فمعنى الجماعة قائم في هذا التوجيه . وهو المعنى الذي يبرزه القرآن كما تبرزه أحاديث رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ لأهميته في تحقيق حقيقة هذا الدين . فهو دين جماعة ، ومنهج أمة ، مع وضوح التبعة الفردية والحساب الفردي فيه وضوحاً كاملاً ..
وأولئك الذين يقتحمون العقبة _كما وصفها القرآن وحددها_ "أولئك أصحاب الميمنة" .. وهم أصحاب اليمين كما جاء في مواضع أخرى . أو أنهم أصحاب اليمين والحظ والسعادة.. وكلا المعنيين متصل في المفهوم الإيماني .
الموضوع الأصلى : سورة الفجر .. في ظلال القرآن  المصدر : قيثارة الغناء العربى
توقيع العضو: نور الحياة شاكر
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
نور الحياة شاكر
المشرف العام
المشرف العام
نور الحياة شاكر

الدولة : سورة الفجر .. في ظلال القرآن Female73
انثى
عدد الرسائل : 51922
تاريخ التسجيل : 08/12/2007
المزاج : سورة الفجر .. في ظلال القرآن 710
بطاقة عضوية : سورة الفجر .. في ظلال القرآن Ou_oa10

سورة الفجر .. في ظلال القرآن Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة الفجر .. في ظلال القرآن   سورة الفجر .. في ظلال القرآن 71831510السبت 4 يونيو 2011 - 0:26

"والذين كفروا بآياتنا هم أصحاب المشأمة . عليهم نار مؤصدة" ..
ولم يحتج هنا إلى ذكر أوصاف أخرى لفريق المشأمة غير أن يقول : "والذين كفروا بآياتنا".. لأن صفة الكفر تنهي الموقف . فلا حسنة مع الكفر . ولا سيئة إلا والكفر يتضمنها أو يغطي عليها . فلا ضرورة للقول بأنهم الذين لا يفكون الرقاب ولا يطعمون الطعام ، ثم هم الذين كفروا بآياتنا .. فإذا كفروا فما هو بنافعهم شيء من ذلك حتى لو فعلوه !
وهم أصحاب المشأمة . أي أصحاب الشمال أو هم أصحاب الشؤم والنحس .. وكلاهما كذلك قريب في المفهوم الإيماني . وهؤلاء هم الذين بقوا وراء العقبة لم يقتحموها !
"عليهم نار مؤصدة" .. أي مغلقة .. إما على المعنى القريب . أي أبوابها مغلقة عليهم وهم في العذاب محبوسون . وإما على لازم هذا المعنى القريب ، وهو أنهم لا يخرجون منها . فبحكم إغلاقها عليهم لا يمكن أن يزايلوها .. وهذان المعنيان متلازمان ..
هذه هي الحقائق الأساسية في حياة الكائن الإنساني ، وفي التصور الإيماني . تعرض في هذا الحيز الصغير . بهذه القوة وبهذا الوضوح .. وهذه خاصية التعبير القرآني الفريد ..
الموضوع الأصلى : سورة الفجر .. في ظلال القرآن  المصدر : قيثارة الغناء العربى
توقيع العضو: نور الحياة شاكر
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
نور الحياة شاكر
المشرف العام
المشرف العام
نور الحياة شاكر

الدولة : سورة الفجر .. في ظلال القرآن Female73
انثى
عدد الرسائل : 51922
تاريخ التسجيل : 08/12/2007
المزاج : سورة الفجر .. في ظلال القرآن 710
بطاقة عضوية : سورة الفجر .. في ظلال القرآن Ou_oa10

سورة الفجر .. في ظلال القرآن Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة الفجر .. في ظلال القرآن   سورة الفجر .. في ظلال القرآن 71831510السبت 4 يونيو 2011 - 0:28

سورة الليل .. في ظلال القرآن

rendeer الرحمن الرحيم

وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى(1)وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى(2)وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنثَى(3)إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى(4)فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى(5)وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى(6)فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى(7)وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى(8)وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى(9)فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى(10)وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى(11)إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى(12)وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالأُولَى(13)فَأَنذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى(14)لا يَصْلاهَا إِلاَّ الأَشْقَى(15)الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى(16)وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى(17)الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى(18)وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى(19)إِلاَّ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى(20)وَلَسَوْفَ يَرْضَى(21)


في إطار من مشاهد الكون وطبيعة الإنسان تقرر السورة حقيقة العمل والجزاء . ولما كانت هذه الحقيقة منوعة المظاهر : "إن سعيكم لشتى . فأما من اعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى . وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى" .. وكانت العاقبة كذلك في الآخرة مختلفة وفق العمل والوجهة : "فأنذرتكم ناراً تلظى . لا يصلاها إلا الأشقى . الذي كذب وتولى . وسيجنبها الأتقى ، الذي يؤتي ماله يتزكى .." .
لما كانت مظاهر هذه الحقيقة ذات لونين ، وذات اتجاهين .. كذلك كان الإطار المختار لها في مطلع السورة ذا لونين في الكون وفي النفس سواء : "والليل إذا يغشى . والنهار إذا تجلى" .. "وما خلق الذكر والأنثى" .. وهذا من بدائع التناسق في التعبير القرآني .
"والليل إذا يغشى . والنهار إذا تجلى . وما خلق الذكر والأنثى" ..
يقسم الله سبحانه بهاتين الآيتين : الليل والنهار . مع صفة كل منهما الصفة المصورة للمشهد . "والليل إذا يغشى" .. "والنهار إذا تجلى" .. الليل حين يغشى البسيطة ويغمرها ويخفيها . والنهار حين يتجلى ويظهر ، فيظهر في تجليه كل شيء ويسفر . وهما آنان متقابلان في دورة الفلك ، ومتقابلان في الصورة ، ومتقابلان في الخصائص ، ومتقابلان في الآثار .. كذلك يقسم بخلقه الأنواع جنسين متقابلين : "وما خلق الذكر والأنثى".. تكملة لظواهر التقابل في جو السورة وحقائقها جميعاً .
والليل والنهار ظاهرتان شاملتان لهما دلالة توحيان بها إيحاء للقلب البشري ، ولهما دلالة كذلك أخرى عند التدبر والتفكر فيهما وفيما وراءهما . والنفس تتأثر تلقائياً بتقلب الليل والنهار . الليل إذا يغشى ويعم ، والنهار إذا تجلى وأسفر . ولهذا التقلب حديث وإيحاء . حديث عن هذا الكون المجهول الأسرار ، وعن هذه الظواهر التي لا يملك البشر من أمرها شيئاً . وإيحاء بما وراء هذا التقلب من قدرة تدير الآونة في الكون كما تدار العجلة اليسيرة ! وبما هنالك من تغير وتحول لا يثبت أبداً على حال .
ودلالتهما عند التدبر والتفكر قاطعة في أن هناك يداً أخرى تدير هذا الفلك ، وتبدل الليل والنهار . بهذا الانتظام وهذا الاطراد وهذه الدقة . وأن الذي يدير الفلك هكذا يدير حياة البشر أيضاً . ولا يتركهم سدى ، كما أنه لا يخلقهم عبثاً .
ومهما حاول المنكرون والمضلون أن يلغوا هذه الحقيقة ، وأن يحولوا الأنظار عنها ، فإن القلب البشري سيظل موصولاً بهذا الكون ، يتلقى إيقاعاته ، وينظر تقلباته ، ويدرك تلقائياً كما يدرك بعد التفكر والتدبر ، أن هناك مدبراً لا محيد من الشعور به ، والاعتراف بوجوده من وراء اللغو والهذر ، ومن وراء الجحود والنكران !
وكذلك خلقة الذكر والأنثى .. إنها في الإنسان والثدييات الحيوانية نطفة تستقر في رحم . وخلية تتحد ببويضة
ففيم هذا الاختلاف في نهاية المطاف ؟ ما الذي يقول لهذه : كوني ذكراً ، ويقول لهذه : كوني أنثى ؟..
إن كشف العوامل التي تجعل هذه النطفة تصبح ذكراً ، وهذه تصبح أنثى لا يغير من واقع الأمر شيئاً .. فإنه لماذا تتوفر هذه العوامل هنا وهذه العوامل هناك ؟ وكيف يتفق أن تكون صيرورة هذه ذكراً ، وصيرورة هذه أنثى هو الحدث الذي يتناسق مع خط سير الحياة كلها ، ويكفل امتدادها بالتناسل مرة أخرى ؟
مصادفة ؟! إن للمصادفة كذلك قانوناً يستحيل معه أن تتوافر هذه الموافقات كلها من قبيل المصادفة.. فلا يبقى إلا أن هنالك مدبراً يخلق الذكر والأنثى لحكمة مرسومة وغاية معلومة . فلا مجال للمصادفة ، ولا مكان للتلقائية في نظام هذا الوجود أصلاً .
والذكر والأنثى شاملان بعد ذلك للأنواع كلها غير الثدييات . فهي مطردة في سائر الأحياء ومنها النبات .. قاعدة واحدة في الخلق لا تختلف . لا يتفرد ولا يتوحد إلا الخالق سبحانه الذي ليس كمثله شيء ..
هذه بعض إيحاءات تلك المشاهد الكونية وهذه الحقيقة الإنسانية التي يقسم الله _سبحانه_ بها ، لعظيم دلالتها وعميق إيقاعها . والتي يجعلها السياق القرآني إطاراً لحقيقة العمل والجزاء في الحياة الدنيا وفي الحياة الأخرى ..
الموضوع الأصلى : سورة الفجر .. في ظلال القرآن  المصدر : قيثارة الغناء العربى
توقيع العضو: نور الحياة شاكر
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
نور الحياة شاكر
المشرف العام
المشرف العام
نور الحياة شاكر

الدولة : سورة الفجر .. في ظلال القرآن Female73
انثى
عدد الرسائل : 51922
تاريخ التسجيل : 08/12/2007
المزاج : سورة الفجر .. في ظلال القرآن 710
بطاقة عضوية : سورة الفجر .. في ظلال القرآن Ou_oa10

سورة الفجر .. في ظلال القرآن Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة الفجر .. في ظلال القرآن   سورة الفجر .. في ظلال القرآن 71831510السبت 4 يونيو 2011 - 0:30

يقسم الله بهذه الظواهر والحقائق المتقابلة في الكون وفي الناس ، على أن سعي الناس مختلف وطرقهم مختلفة ، ومن ثم فجزاؤهم مختلف كذلك ، فليس الخير كالشر ، وليس الهدى كالضلال ، وليس الصلاح كالفساد ، وليس من أعطى واتقى كمن بخل واستغنى ، وليس من صدق وآمن كمن كذب وتولى ، وأن لكل طريقاً ولكل مصيراً ، ولكل جزاء وفاقاً :
"إن سعيكم لشتى . فأما من أعطى واتقى ، وصدق بالحسنى ، فسنيسره لليسرى . وأما من بخل واستغنى ، وكذب بالحسنى ، فسنيسره للعسرى ، وما يغني عنه ماله إذا تردى" ..
إن سعيكم لشتى .. مختلف في حقيقته . مختلف في بواعثه . مختلف في اتجاهه . مختلف في نتائجه. والناس في هذه الأرض تختلف طبائعهم ، وتختلف مشاربهم ، وتختلف تصوراتهم ، وتختلف اهتماماتهم ، حتى لكأن كل واحد منهم عالم خاص يعيش في كوكب خاص .
هذه حقيقة . ولكن هناك حقيقة أخرى . حقيقة إجمالية تضم أشتات البشر جميعاً . وتضم هذه العوالم المتابينة كلها . تضمها في حزمتين اثنتين . وفي صفين متقابلين . تحت رايتين عامتين : "من أعطى واتقى وصدق بالحسنى" .. و "من بخل واستغنى وكذب بالحسنى" ..
من أعطى نفسه وماله . واتقى غضب الله وعذابه . وصدق بهذه العقيدة التي إذا قيل "الحسنى" كانت اسماً لها وعلماً عليها .
ومن بخل بنفسه وماله واستغنى عن الله وهداه . وكذب بهذه الحسنى ..
هذان هما الصفان اللذان يلتقي فيهما شتات النفوس ، وشتات السعي ، وشتات المناهج ، وشتات الغايات . ولكل منهما في هذه الحياة طريق .. ولكل منهما في طريقه توفيق !
"فأما من أعطى واتقى ، وصدق بالحسنى .. فسنيسره لليسرى" ..
والذي يعطي ويتقي ويصدق بالحسنى يكون قد بذل أقصى ما في وسعه ليزكي نفسه ويهديها . عندئذ يستحق عون الله وتوفيقه الذي أوجبه _سبحانه_ على نفسه بإرادته ومشيئته . والذي بدونه لا يكون شيء ، ولا يقدر الإنسان على شيء .
ومن يسره الله لليسرى فقد وصل .. وصل في رفق ويسر وهوادة .. وصل وهو بعد في هذه الأرض . وعاش في يسر . يفيض اليسر من نفسه على كل ما حوله وكل من حوله . اليسر في خطوه . واليسر في طريقه . واليسر في تناوله للأمور كلها . والتوفيق الهادئ المطمئن في كلياتها وجزئياتها . وهي درجة تتضمن كل شيء في طياتها . حيث تسلك صاحبها مع رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ في وعد ربه له : "ونيسرك لليسرى" ..
"وأما من بخل واستغنى . وكذب بالحسنى .. فسنيسره للعسرى . وما يغني عنه ماله إذا تردى" ..
والذي يبخل بنفسه وماله ، ويستغني عن ربه وهداه ، ويكذب بدعوته ودينه .. يبلغ أقصى ما يبلغه إنسان بنفسه من تعريضها للفساد. ويستحق أن يعسر الله عليه كل شيء ، فييسره للعسرى ! ويوفقه إلى كل وعورة ! ويحرمه كل تيسير ! ويجعل في كل خطوة من خطاه مشقة وحرجاً ، ينحرف به عن طريق الرشاد . ويصعد به في طريق الشقاوة . وإن حسب أنه سائر في طريق الفلاح . وإنما هو يعثر فيتقي العثار بعثرة أخرى تبعده عن طريق الله ، وتنأى به عن رضاه .. فإذا تردى وسقط في نهاية العثرات والانحرافات لم يغن عنه ماله الذي بخل به ، والذي استغنى به كذلك عن الله وهداه .. "وما يغني عنه ماله إذا تردى" .. والتيسير للشر والمعصية من التيسير للعسرى ، وإن أفلح صاحبها في هذه الأرض ونجا .. وهل أعسر من جهنم ؟ وإنها لهي العسرى ! .
هكذا ينتهي المقطع الأول في السورة . وقد تبين طريقان ونهجان للجموع البشرية في كل زمان ومكان . وقد تبين أنهما حزبان ورايتان مهما تنوعت وتعددت الأشكال والألوان . وأن كل إنسان يفعل بنفسه ما يختار لها ! فييسر الله له طريقه : إما إلى اليسرى وإما إلى العسرى .

فأما المقطع التالي فيتحدث عن مصير كل فريق . ويكشف عن نهاية المطاف لمن يسره لليسرى ، ومن يسره للعسرى . وقبل كل شيء يقرر أن ما يلاقيه كل فريق من عاقبة ومن جزاء هو عدل وحق ، كما أنه واقع وحتم . فقد بين الله للناس الهدى ، وأنذرهم ناراً تلظى :
"إن علينا للهدى وإن لنا للآخرة والأولى . فأنذرتكم ناراً تلظى ، لا يصلاها إلا الأشقى الذي كذب وتولى . وسيجنبها الأتقى ، الذي يؤتي ماله يتزكى ، وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ، ولسوف يرضى" .
لقد كتب الله على نفسه _فضلاً منه بعباده ورحمة_ أن يبين الهدى لفطرة الناس ووعيهم . وأن يبينه لهم كذلك بالرسل والرسالات والآيات ، فلا تكون هناك حجة لأحد ، ولا يكون هناك ظلم لأحد : "إن علينا للهدى" ..
واللمسة الثانية هي التقرير الجازم لحقيقة السيطرة التي تحيط بالناس ، فلا يجدون من دونها موئلاً : "وإن لنا للآخرة والأولى" .. فأين يذهب من يريد أن يذهب عن الله بعيداً ؟! .
وتفريعاً على أن الله كتب على نفسه بيان الهدى للعباد ، و أن له الآخرة والأولى داري الجزاء والعمل . تفريعاً على هذا يذكرهم أنه أنذرهم وحذرهم وبين لهم : "فأنذرتكم ناراً تلظى" .. وتتسعر .. هذه النار المتسعرة "لا يصلاها إلا الأشقى" .. أشقى العباد جميعاً . وهل بعد الصلي في النار شقوة ؟ ثم يبين من هو الأشقى . إنه "الذي كذب وتولى" .. كذب بالدعوة وتولى عنها . تولى عن الهدى وعن دعوة ربه له ليهديه كما وعد كل من يأتي إليه راغباً .
"وسيجنبها الأتقى" .. وهو الأسعد في مقابل الأشقى .. ثم يبين من هو الأتقى : "الذي يؤتي ماله يتزكى" الذي ينفق ماله ليتطهر بإنفاقه ، لا ليرائي به ويستعلي . ينفقه تطوعا لا رداً لجميل أحد ولا طلباً لشكران أحد ، وإنما ابتغاء وجه ربه خالصاً .. ربه الأعلى ..
"وما لأحد عنده من نعمة تجزى . إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى" .
ثم ماذا ؟ ماذا ينتظر هذا الأتقى ، الذي يؤتي ماله تطهراً وابتغاء وجه ربه الأعلى؟ إن الجزاء الذي يطالع القرآن به الأرواح المؤمنة هنا عجيب ومفاجيء وعلى غير المألوف .
"ولسوف يرضى" .
إنه الرضى ينسكب في قلب هذا الأتقى . إنه الرضى يغمر روحه . إنه الرضى يفيض على جوارحه . إن الرضى يشع في كيانه . إنه الرضى يندي حياته ..
ويا له من جزاء ! ويا لها من نعمة كبرى !
"ولسوف يرضى" .. يرضى بدينه . ويرضى بربه . ويرضى بقدره . ويرضى بنصيبه . ويرضى بما يجد من سراء وضراء . ومن غنى ومن فقر . ومن يسر وعسر . ومن رخاء وشدة . يرضى فلا يقلق ولا يضيق ولا يستعجل ولا يستثقل العبء ، ولا يستبعد الغاية .. إن الرضى جزاء _جزاء أكبر من كل جزاء_ جزاء يستحقه يبذل له نفسه وماله _ من يعطي ليتزكى . ومن يبذل ابتغاء وجه ربه الأعلى .
إنه جزاء لا يمنحه إلا الله . وهو يسكبه في القلوب التي تخلص له ، فلا ترى سواه أحداً .
"ولسوف يرضى" ..
يرضى وقد بذل الثمن . وقد أعطى ما أعطى ..
إنها مفاجأة في موضعها هذا ، ولكن المفاجأة المرتقبة لمن يبلغ ما بلغه الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى ، وما لأحد عنده من نعمة تجزى ، إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ..
"ولسوف يرضى" ..

الموضوع الأصلى : سورة الفجر .. في ظلال القرآن  المصدر : قيثارة الغناء العربى
توقيع العضو: نور الحياة شاكر
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
نور الحياة شاكر
المشرف العام
المشرف العام
نور الحياة شاكر

الدولة : سورة الفجر .. في ظلال القرآن Female73
انثى
عدد الرسائل : 51922
تاريخ التسجيل : 08/12/2007
المزاج : سورة الفجر .. في ظلال القرآن 710
بطاقة عضوية : سورة الفجر .. في ظلال القرآن Ou_oa10

سورة الفجر .. في ظلال القرآن Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة الفجر .. في ظلال القرآن   سورة الفجر .. في ظلال القرآن 71831510السبت 4 يونيو 2011 - 0:33

سورة الضحى .. في ظلال القرأن

بِسْمِ اللهِ آلْرَّحْمَنِ آلْرَّحِيْمِ }

وَالضُّحَى(1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (2) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (3) وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الْأُولَى(4) وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى (5) أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى (6) وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (7) وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى (8) فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ (9) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ (10) وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (11)

هذه السورة بموضوعها ، وتعبيرها ، ومشاهدها ، وظلالها وإيقاعها ، لمسة من حنان . ونسمة من رحمة . وطائف من ود . ويد حانية تمسح الآلام والمواجع ، وتنسم بالروح والرضى والأمل . وتسكب البرد والطمأنينة واليقين .
إنها كلها خالصة للنبي _صلى الله عليه وسلم_ كلها نجاء له من ربه ، وتسرية وتسلية وترويح وتطمين . كلها أنسام من الرحمة وأنداء من الود ، وألطاف من القربى وهدهدة للروح المتعب ، والخاطر المقلق ، والقلب الموجوع.
ورد في روايات كثيرة أن الوحي فتر عن رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ وأبطأ عليه جبريل _عليه السلام_ فقال المشركون : ودع محمداً ربه ! فأنزل الله تعالى هذه السورة ..
والوحي ولقاء جبريل والاتصال بالله ، كانت هي زاد الرسول _صلى الله عليه وسلم_ في مشقة الطريق وسقياه في هجير الجحود . وروحه في لأواء التكذيب . وكان _صلى الله عليه وسلم_ يحيا بها في هذه الهاجرة المحرقة التي يعانيها في النفوس النافرة الشاردة العصية العنيدة . ويعانيها في المكر والكيد والأذى المصبوب على الدعوة ، وعلى الإيمان ، وعلى الهدى من طغاة المشركين .
فلما فتر الوحي انقطع عنه الزاد ، وانحبس عنه الينبوع ، واستوحش قلبه من الحبيب . وبقي للهاجرة وحده بلا زاد. وبلا ري . وبغير ما اعتاد من رائحة الحبيب الودود . وهو أمر أشد من الاحتمال من جميع الوجوه .. عندئذ نزلت هذه السورة . نزل هذا الفيض من الود والحب والرحمة والإيناس والقربى والأمل والرضى والطمأنينة واليقين ..
"ما ودعك ربك وما قلى . وللآخرة خير لك من الأولى . ولسوف يعطيك ربك فترضى" ..
وما تركك ربك من قبل أبداً ، وما قلاك من قبل قط ، وما أخلاك من رحمته ورعايته وإيوائه ..
"ألم يجدك يتيماً فآوى ؟ ووجدك ضالاً فهدى ؟ ووجدك عائلاً فأغنى ؟" ..
ألا تجد مصداق هذا في حياتك ؟ ألا تحس مس هذا في قلبك ؟ ألا ترى أثر هذا في واقعك ؟
لا لا .. "ما ودعك ربك وما قلى" .. وما انقطع عنك بره وما ينقطع أبداً .. "وللآخرة خير لك من الأولى" .. وهناك ما هو أكثر وأوفى : "ولسوف يعطيك ربك فترضى" !
ومع هذه الأنسام اللطيفة من حقيقة الأمر وروحه .. الأنسام اللطيفة في العبارة والإيقاع .. وفي الإطار الكوني الذي وضعت فيه هذه الحقيقة :
"والضحى والليل إذا سجى" ..
"لقد أطلق التعبير جواً من الحنان اللطيف ، والرحمة الوديعة ، والرضى الشامل ، والشجى الشفيف :
"ما ودعك ربك وما قلى . وللآخرة خير لك من الأولى . ولسوف يعطيك ربك فترضى" .. "ألم يجدك يتيماً فآوى ؟ ووجدك ضالاً فهدى؟ ووجدك عائلاً فأغنى؟" .. ذلك الحنان وتلك الرحمة وذاك الرضى وهذا الشجى : تنسرب كلها من خلال النظم اللطيف العبارة ، الرقيق اللفظ ، ومن هذه الموسيقى السارية في التعبير . الموسيقى الرتيبة الحركات ، الوئيدة الخطوات ، الرقيقة الأصداء ، الشجية الإيقاع .. فلما أراد إطاراً لهذا الحنان اللطيف ، ولهذه الرحمة الوديعة ، ولهذا الرضى الشامل ولهذا الشجى الشفيف ، جعل الإطار من الضحى الرائق ، ومن الليل الساجي . أصفى آنين من آونة الليل والنهار . وأشف آنين تسري فيهما التأملات . وتتصل الروح بالوجود وخالق الوجود . وتحس بعبادة الكون كله لمبدعه ، وتوجهه لبارئه بالتسبيح والفرح والصفاء . وصورهما في اللفظ المناسب . فالليل هو "الليل إذا سجى" لا الليل على إطلاقه بوحشته وظلامه . الليل الساجي الذي يرق ويسكن ويصفو ، وتغشاه سحابة رقيقة من الشجى الشفيف ، والتأمل الوديع . كجو اليتم والعيلة . ثم ينكشف ويجلي مع الضحى الرائق الصافي فتلتئم ألوان الصورة مع ألوان الإطار . ويتم التناسق والاتساق"
إن هذا الإبداع في كمال الجمال ليدل على الصنعة . صنعة الله التي لا تماثلها صنعة ، ولا يتلبس بها تقليد !

الموضوع الأصلى : سورة الفجر .. في ظلال القرآن  المصدر : قيثارة الغناء العربى
توقيع العضو: نور الحياة شاكر
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
نور الحياة شاكر
المشرف العام
المشرف العام
نور الحياة شاكر

الدولة : سورة الفجر .. في ظلال القرآن Female73
انثى
عدد الرسائل : 51922
تاريخ التسجيل : 08/12/2007
المزاج : سورة الفجر .. في ظلال القرآن 710
بطاقة عضوية : سورة الفجر .. في ظلال القرآن Ou_oa10

سورة الفجر .. في ظلال القرآن Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة الفجر .. في ظلال القرآن   سورة الفجر .. في ظلال القرآن 71831510السبت 4 يونيو 2011 - 0:35

"والضحى . والليل إذا سجى . ما ودعك ربك . وما قلى . وللآخرة خير لك من الأولى ولسوف يعطيك ربك فترضى" ..
يقسم الله سبحانه بهذين الآنين الرائقين الموحيين . قيربط بين ظواهر الكون ومشاعر النفس . ويوحي إلى القلب البشري بالحياة الشاعرة المتجاوبة مع هذا الوجود الجميل الحي ، المتعاطف مع كل حي . فيعيش ذلك القلب في أنس من هذا الوجود ، غير موحش ولا غريب فيه فريد .. وفي هذه السورة بالذات يكون لهذا الأنس وقعه . فظل الأنس هو المراد مده . وكأنما يوحي الله لرسوله _صلى الله عليه وسلم_ منذ مطلع السورة ، أن ربه أفاض من حوله الأنس في هذا الوجود ، وأنه من ثم غير مجفو فيه ولا فريد !
وبعد هذا الإيحاء الكوني يجيء التوكيد المباشر : "ما ودعك ربك وما قلى" .. ما تركك ربك ولا جفاك _كما يزعم من يريدون إيذاء روحك وإيجاع قلبك وإقلاق خاطرك .. وهو "ربك" وأنت عبده المنسوب إليه ، المضاف إلى ربوبيته، وهو راعيك وكافلك ..
وما غاض معين فضله وفيض عطائه . فإن لك عنده في الآخرة من الحسنى خيراً مما يعطيك منها في الدنيا : "وللآخرة خير لك من الأولى" .. فهو الخير أولاً وأخيراً ..
وإنه ليدخر لك ما يرضيك من التوفيق في دعوتك ، وإزاحة العقبات من طريقك ، وغلبة منهجك ، وظهور حقك .. وهي الأمور التي كانت تشغل باله _صلى الله عليه وسلم_ وهو يواجه العناد والتكذيب والأذى والكيد .. والشماتة.. " ولسوف يعطيك ربك فترضى" ..
ويمضي سياق السورة يذكر الرسول _صلى الله عليه وسلم_ ما كان من شأن ربه معه منذ أول الطريق . ليستحضر في خاطره جميل صنع ربه به ، ومودته له ، وفيضه عليه ، ويستمتع باستعادة مواقع الرحمة والود والإيناس الإلهي . وهو متاع فائق تحييه الذكرى على هذا النحو البديع :
"ألم يجدك يتيماً فآوى ؟ ووجدك ضالاً فهدى ؟ ووجدك عائلاً فأغنى ؟" ..
انظر في واقع حالك ، وماضي حياتك .. هل ودعك ربك وهل قلاك _حتى قبل أن يعهد إليك بهذا الأمر؟_ ألم تحط يتمك رعايته ؟ ألم تدرك حيرتك هدايته ؟ ألم يغمر فقرك عطاؤه ؟
لقد ولدت يتيماً فآواك إليه ، وعطف عليك القلوب حتى قلب عمك أبي طالب وهو على غير دينك !
ولقد كنت فقيراً فأغنى الله نفسك بالقناعة ، كما أغناك بكسبك ومال أهل بيتك (خديجة رضي الله عنها) عن أن تحس الفقر ، أو تتطلع إلى ما حولك من ثراء !
ثم لقد نشأت في جاهلية مضطربة التصورات والعقائد ، منحرفة السلوك والأوضاع ، فلم تطمئن روحك إليها . ولكنك لم تجد لك طريقاً واضحاً مطمئناً . لا فيما عند الجاهلية ولا فيما عند أتباع موسى وعيسى الذين حرفوا وبدلوا وانحرفوا وتاهوا .. ثم هداك الله بالأمر الذي أوحى به إليك ، وبالمنهج الذي يصلك به .
والهداية من حيرة العقيدة وضلال الشعاب فيها هي المنة الكبرى ، التي لا تعدلها منة ، وهي الراحة والطمأنينة من القلق الذي لا يعدله قلق ، ومن التعب الذي لا يعدله تعب ، ولعلها كانت بسبب مما كان رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ يعانيه في هذه الفترة ، من انقطاع الوحي وشماتة المشركين ووحشة الحبيب من الحبيب . فجاءت هذه تذكره وتطمئنه على أن ربه لن يتركه بلا وحي في التيه وهو لم يتركه من قبل في الحيرة والتيه !
وبمناسبة ما ذكره ربه بإيوائه من اليتم وهدايته من الحيرة وإغنائه من العيلة .. يوجهه ويوجه المسلمين من ورائه إلى رعاية كل يتيم وإلى كفاية كل سائل ، وإلى التحدث بنعمة الله الكبرى عليه ، وفي أولها الهداية إلى هذا الدين :
"فأما اليتيم فلا تقهر . وأما السائل فلا تنهر . وأما بنعمة ربك فحدث" ..
وهذه التوجيهات إلى إكرام اليتيم والنهي عن قهره وكسر خاطره وإذلاله ، وإلى إغناء السائل مع الرفق به والكرامة ، كانت من أهم إيحاءات الواقع في البيئة الجاحدة المتكالبة ، التي لا ترعى حق ضعيف ، غير قادر على حماية حقه بسيفه ! حيث رفع الإسلام هذه البيئة بشرعة الله إلى الحق والعدل والتحرج والتقوى ، والوقوف عند حدود الله ، الذي يحرس حدوده ويغار عليها ويغضب للاعتداء على حقوق عباده الضعاف الذين لا يملكون قوة ولا سيفاً يذودون به عن هذه الحقوق.
وأما التحدث بنعمة الله _وبخاصة نعمة الهدى والإيمان_ فهو صورة من صور الشكر للمنعم . يكملها البر بعباده ، وهو المظهر العملي للشكر ، والحديث الصامت النافع الكريم .

الموضوع الأصلى : سورة الفجر .. في ظلال القرآن  المصدر : قيثارة الغناء العربى
توقيع العضو: نور الحياة شاكر
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
نور الحياة شاكر
المشرف العام
المشرف العام
نور الحياة شاكر

الدولة : سورة الفجر .. في ظلال القرآن Female73
انثى
عدد الرسائل : 51922
تاريخ التسجيل : 08/12/2007
المزاج : سورة الفجر .. في ظلال القرآن 710
بطاقة عضوية : سورة الفجر .. في ظلال القرآن Ou_oa10

سورة الفجر .. في ظلال القرآن Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة الفجر .. في ظلال القرآن   سورة الفجر .. في ظلال القرآن 71831510السبت 4 يونيو 2011 - 0:37

سورة الشرح .. في ظلال القرآن

rendeer الرحمن الرحيم
أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ (2)الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ (3)وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4) فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6) فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ (7) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ (8)

نزلت هذه السورة بعد سورة الضحى . وكأنها تكملة لها . فيها ظل العطف الندي . وفيها روح المناجاة الحبيب . وفيها استحضار مظاهر العناية . واستعراض مواقع الرعاية . وفيها البشرى باليسر والفرج . وفيها التوجيه إلى سر اليسر وحبل الاتصال الوثيق ..
"ألم نشرح لك صدرك ؟ ووضعنا عنك وزرك . الذي أنقض ظهرك ؟ ورفعنا لك ذكرك ؟"
وهي توحي بأن هناك ضائقة كانت في روح الرسول _صلى الله عليه وسلم_ لأمر من أمور هذه الدعوة التي كلفها ، ومن العقبات الوعرة في طريقها ، ومن الكيد والمكر المضروب حولها .. توحي بأن صدره _صلى الله عليه وسلم_ كان مثقلاً بهموم هذه الدعوة الثقيلة ، وأنه كان يحس العبء فادحاً على كاهله . وأنه كان في حاجة إلى عون ومدد وزاد ورصيد ..
ثم كانت هذه المناجاة الحلوة ، وهذا الحديث الودود !
"ألم نشرح لك صدرك؟" .. ألم نشرح صدرك لهذه الدعوة ؟ ونيسر لك أمرها ؟ ونجعلها حبيبة لقلبك . ونشرع لك طريقها ؟ وننر لك الطريق حتى ترى نهايته السعيدة !
فتش في صدرك _ألا تجد فيه الروح والانشراح والإشراق والنور ؟ واستعد في حسك مذاق هذا العطاء . وقل : ألا تجد معه المتاع مع كل مشقة والراحة مع كل تعب ، واليسر مع كل عسر ، والرضى مع كل حرمان ؟
"ووضعنا عنك وزرك الذي أنقض ظهرك" .. ووضعنا عنك عبئك الذي أثقل ظهرك حتى كاد يحطمه من ثقله .. ووضعناه عنك بشرح صدرك له فخف وهان . وبتوفيقك وتيسيرك للدعوة ومداخل القلوب . وبالوحي الذي يكشف لك عن الحقيقة ويعينك على التسلل بها إلى النفوس في يسر وهوادة ولين .
ألا تجد في ذلك العبء الذي أنقض ظهرك ؟ ألا تجد عبئك خفيفاً بعد أن شرحنا لك صدرك ؟
"ورفعنا لك ذكرك" .. رفعناه في الملأ الأعلى ، ورفعناه في الأرض ، ورفعناه في هذا الوجود جميعاً .. رفعناه فجعلنا اسمك مقروناً باسم الله كلما تحركت به الشفاه :
"لا إله إلا الله . محمد رسول الله" .. وليس بعد هذا رفع ، وليس وراء هذا منزلة . وهو المقام الذي تفرد به _صلى الله عليه وسلم_ دون سائر العالمين ..
ورفعنا لك ذكرك في اللوح المحفوظ ، حين قدر الله أن تمر القرون ، وتكر الأجيال ، وملايين الشفاه في كل مكان تهتف بهذا الاسم الكريم ، مع الصلاة والتسليم ، والحب العميق العظيم .
ورفعنا لك ذكرك . وقد ارتبط بهذا المنهج الإلهي الرفيع . وكان مجرد الاختيار لهذا الأمر رفعة ذكر لم ينلها أحد من قبل ولا من بعد في هذا الوجود ..
فأين تقع المشقة والتعب والضنى من هذا العطاء الذي يمسح على كل مشقة وعناء ؟

الموضوع الأصلى : سورة الفجر .. في ظلال القرآن  المصدر : قيثارة الغناء العربى
توقيع العضو: نور الحياة شاكر
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
نور الحياة شاكر
المشرف العام
المشرف العام
نور الحياة شاكر

الدولة : سورة الفجر .. في ظلال القرآن Female73
انثى
عدد الرسائل : 51922
تاريخ التسجيل : 08/12/2007
المزاج : سورة الفجر .. في ظلال القرآن 710
بطاقة عضوية : سورة الفجر .. في ظلال القرآن Ou_oa10

سورة الفجر .. في ظلال القرآن Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة الفجر .. في ظلال القرآن   سورة الفجر .. في ظلال القرآن 71831510السبت 4 يونيو 2011 - 0:38

ومع هذا فإن الله يتلطف مع حبيبه المختار ، ويسري عنه ، ويؤنسه ويطمئنه ويطلعه على اليسر الذي لا يفارقه :
"فإن مع العسر يسرا . إن مع العسر يسرا" ..
إن العسر لا يخلو من يسر يصاحبه ويلازمه . وقد لازمه معك فعلاً . فحينما ثقل العبء شرحنا لك صدرك ، فخف حملك ، الذي أنقض ظهرك . وكان اليسر مصاحباً للعسر ، يرفع إصره ، ويضع ثقله .
وإنه لأمر مؤكد يكرره بألفاظه : "فإن مع العسر يسراً . إن مع العسر يسراً" .. وهذا التكرار يشي بأن الرسول _صلى الله عليه وسلم_ كان في عسرة وضيق ومشقة ، اقتضت هذه الملاحظة ، وهذا التذكير ، وهذا الاستحضار لمظاهر العناية ، وهذا الاستعراض لمواقع الرعاية ، وهذا التوكيد بكل ضروب التوكيد .. والأمر الذي يثقل على محمد هكذا لا بد أنه كان أمراً عظيماً ..
ثم يجيء التوجيه الكريم لمواقع التيسير ، وأسباب الانشراح ، ومستودع الري والزاد في الطريق الشاق الطويل : "فإذا فرغت فانصب . وإلى ربك فارغب"..
إن مع العسر يسرا .. فخذ في أسباب اليسر والتيسير . فإذا فرغت من شغلك مع الناس ومع الأرض ، ومع شواغل الحياة .. إذا فرغت من هذا كله فتوجه بقلبك كله إذن إلى ما يستحق أن تنصب فيه وتكد وتجهد .. العبادة والتجرد والتطلع والتوجه .. "وإلى ربك فارغب" .. إلى ربك وحده خالياً من كل شيء حتى من أمر الناس الذين تشتغل بدعوتهم .. إنه لا بد من الزاد للطريق . وهنا الزاد . ولا بد من العدة للجهاد . وهنا العدة .. وهنا ستجد يسراً مع كل عسر ، وفرجاً مع كل ضيق .. هذا هو الطريق !
وتنتهي هذه السورة وقد تركت في النفس شعورين ممتزجين : الشعور بعظمة الود الحبيب الجليل الذي ينسم على روح الرسول _صلى الله عليه وسلم_ من ربه الودود الرحيم . والشعور بالعطف على شخصه _صلى الله عليه وسلم_ ونحن نكاد نلمس ما كان يساور قلبه الكريم في هذه الآونة التي اقتضت ذلك الود الجميل .
إنها الدعوة . هذه الأمانة الثقيلة وهذا العبء الذي ينقض الظهر . وهي مع هذا وهذا مشرق النور الإلهي ومهبطه ، ووصلة الفناء بالبقاء ، والعدم بالوجود !

الموضوع الأصلى : سورة الفجر .. في ظلال القرآن  المصدر : قيثارة الغناء العربى
توقيع العضو: نور الحياة شاكر
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
نور الحياة شاكر
المشرف العام
المشرف العام
نور الحياة شاكر

الدولة : سورة الفجر .. في ظلال القرآن Female73
انثى
عدد الرسائل : 51922
تاريخ التسجيل : 08/12/2007
المزاج : سورة الفجر .. في ظلال القرآن 710
بطاقة عضوية : سورة الفجر .. في ظلال القرآن Ou_oa10

سورة الفجر .. في ظلال القرآن Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة الفجر .. في ظلال القرآن   سورة الفجر .. في ظلال القرآن 71831510السبت 4 يونيو 2011 - 0:40

سورة التين .. في ظلال القرآن

rendeer الرحمن الرحيم
وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1)وَطُورِ سِينِينَ (2)وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ (3)لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4)ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (5)إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (6)فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ (7)أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ (8)


الحقيقة الرئيسية التي تعرضها هذه السورة هي حقيقة الفطرة القويمة الني فطر الله الإنسان عليها واستقامة طبيعتها مع طبيعة الإيمان ، والوصول بها معه إلى كمالها المقدور لها وهبوط الإنسان وسفوله حين ينحرف عن سواء الفطرة واستقامة الإيمان .
ويقسم الله _سبحانه_ على هذه الحقيقة بالتين والزيتون وطور سينين وهذا البلد الأمين ، وهذا القسم على ما عهدنا في كثير من السور في هذا الجزء هو الإطار الذي تعرض فيه تلك الحقيقة . وقد رأينا في السور المماثلة أن الإطار يتناسق مع الحقيقة التي تعرض فيه تناسقاً دقيقاً .
و طور سينين هو الطور الذي نودي موسى عليه السلام_ من جانبه . والبلد الأمين هو مكة بيت الله الحرام .. وعلاقتهما بأمر الدين والإيمان واضحة .. فأما التين والزيتون فلا يتضح فيهما هذا الظل فيما يبدو لنا .
وقد كثرت الأقوال المأثورة في التين والزيتون .. قيل : إن التين إشارة إلى طور تينا بجوار دمشق .
وقيل : هو إشارة إلى شجرة التين التي راح آدم وزوجه يخصفان من ورقها على سوآتهما في الجنة التي كانا فيها قبل هبوطهما إلى هذه الحياة الدنيا . وقيل : هو منبت التين في الجبل في الجبل الذي استوت عليه سفينة نوح _عليه السلام .
وقيل في الزيتون : إنه إشارة إلى طور زيتا في بيت المقدس . وقيل هو إشارة إلى بيت المقدس نفسه . وقيل هو إشارة إلى غصن الزيتون الذي عادت به الحمامة التي أطلقها نوح عليه السلام _ من السفينة_ لترتاد حالة الطوفان . فلما عادت ومعها هذا الغصن عرف أن الأرض انكشفت وأنبتت !
وقيل : بل التين والزيتون هما هذان الأكلان اللذان نعرفهما بحقيقتهما . وليس هناك رمز لشيء وراءهما ..
أو أنهما هما رمز لمنبتهما من الأرض ..
وشجرة الزيتون أشير إليها في القرآن في موضع آخر بجوار الطور فقال : "وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغ للآكلين" .. كما ورد الزيتون :"وزيتوناً ونخلاً" .. فأما التين فذكره يرد في هذا الموضع لأول مرة وللمرة الوحيدة في القرآن كله .
ومن ثم فإننا لا نملك أن نجزم بشيء في هذا الأمر . وكل ما نملك أن نقوله _اعتماداً على نظائر هذا الإطار في السور القرآنية_ : إن الأقرب أن يكون ذكر التين والزيتون إشارة إلى أماكن أو ذكريات ذات علاقة بالدين والإيمان أو ذات علاقة بنشأة الإنسان في أحسن تقويم (وربما كان ذلك في الجنة التي بدأ فيها حياته) .. كي تلتئم هذه الإشارة مع الحقيقة الرئيسية البارزة في السورة ، ويتناسق الإطار مع الحقيقة الموضوعة في داخله على طريقة القرآن ..
فأما الحقيقة الداخلية في السورة فهي هذه : "لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين . إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون" ..
ومنها تبدو عناية الله بخلق هذا الإنسان ابتداء في أحسن تقويم . والله _سبحانه_ أحسن كل شيء خلقه . فتخصيص الإنسان هنا وفي مواضع قرآنية أخرى بحسن التركيب ، وحسن التقويم وحسن التعديل .. فيه فضل عناية بهذا المخلوق .
وإن عناية الله بأمر هذا المخلوق _على ما به من ضعف وعلى ما يقع منه من انحراف عن الفطرة وفساد_ لتشير إلى أن له شأناً عند الله ، ووزناً في نظام هذا الوجود . وتتجلى هذه العناية في خلقه وتركيبه على هذا النحو الفائق ، سواء في تكوينه الجثماني البالغ الدقة والتعقيد ، أم في تكوينه العقلي الفريد ، أم في تكوينه الروحي العجيب.
والتركيز في هذا المقام على خصائصه الروحية . فهي التي تنتكس إلى أسفل سافلين حين ينحرف عن الفطرة ويحيد عن الإيمان المستقيم معها . إذ أنه من الواضح أن خلقته البدنية لا تنتكس إلى أسفل سافلين .
وفي هذه الخصائص الروحية يتجلى تفوق التكوين الإنساني . فهو مهيأ لأن يبلغ من الرفعة مدى يفوق مقام الملائكة المقربين . كما تشهد بذلك قصة المعراج .. حيث وقف جبريل عليه السلام عند مقام ، وارتفع محمد بن عبد الله _الإنسان_ إلى المقام الأسنى .
بينما هذا الإنسان مهيأ _حين ينتكس_ لأن يهوى إلى الدرك الذي لا يبلغ إليه مخلوق قط :"ثم رددناه أسفل سافلين" .. حيث تصبح البهائم أرفع منه وأقوم ، لاستقامتها على فطرتها وإلهامها تسببيح ربها ، وأداء وظيفتها في الأرض على هدى . بينما هو المخلوق في أحسن تقويم ، يجحد ربه ويرتكس مع هواه ، إلى درك لا تملك البهيمة أن ترتكس إليه .
"لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم" .. فطرة واستعداداً .. "ثم رددناه أسفل سافلين" .. حين ينحرف بهذه الفطرة عن الخط الذي هداه الله إليه ، وبينه له وتركه ليختار أحد النجدين .
"إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات" .. فهؤلاء هم الذين يبقون على سواء الفطرة ، ويكملونها بالإيمان والعمل الصالح ، ويرتقون بها إلى الكمال المقدر لها ، حتى ينتهوا بها إلى حياة الكمال في دار الكمال . "فلهم أجر غير ممنون" دائم غير مقطوع .
فأما الذين يرتكسون بفطرتهم إلى أسفل سافلين ، فيظلون ينحدرون بها في المنحدر ، حتى تستقر في الدرك الأسفل . هناك في جهنم ، حيث تهدر آدميتهم ويتمحضون للسفول !
فهذه وتلك نهايتان طبيعيتان لنقطة البدء .. إما استقامة على الفطرة القويمة ، وتكميل لها بالإيمان ، ورفع لها بالعمل الصالح .. فهي واصلة في النهاية إلى كمالها المقدر في حياة النعيم .. وإما انحراف عن الفطرة القويمة ، واندفاع مع النكسة ، وانقطاع عن النفخة الإلهية .. فهي واصلة في النهاية إلى دركها المقدر في حياة الجحيم .
ومن ثم تتجلى قيمة الإيمان في حياة الإنسان .. إنه المرتقى الذي تصل فيه الفطرة القويمة إلى غاية كمالها . إنه الحبل الممدود بين الفطرة وبارئها . إنه النور الذي يكشف لها مواقع خطاها في المرتقى الصاعد إلى حياة الخالدين المكرمين .
وحين ينقطع هذا الحبل ، وحين ينطفيء هذا النور ، فالنتيجة الحتمية هي الارتكاس في المنحدر الهابط إلى أسفل سافلين ، والانتهاء إلى إهدار الآدمية كلية ، حين يتمحض الطين في الكائن البشري ، فإذا هو وقود النار مع الحجارة سواء بسواء .
وفي ظل هذه الحقيقة ينادي "الإنسان" :
"فما يكذبك بعد بالدين ؟ أليس الله بأحكم الحاكمين ؟" ..
فما يكذبك بالدين بعد هذه الحقيقة ؟ وبعد إدراك قيمة الإيمان في حياة البشرية ؟ وبعد تبين مصير الذين لا يؤمنون ، ولا يهتدون بهذا النور ، ولا يمسكون بحبل الله المتين ؟
"أليس الله بأحكم الحاكمين ؟" أليس الله بأعدل العادلين حين يحكم في أمر الخلق على هذا النحو ؟ أو أليست حكمة الله بالغة في هذا الحكم على المؤمنين وغير المؤمنين ؟
والعدل واضح . والحكمة بارزة .. ومن ثم ورد في الحديث المرفوع عن أبي هريرة : "فإذا قرأ أحدكم "والتين والزيتون" فأتى آخرها :"أليس الله بأحكم الحاكمين؟" فليقل .. بلى وأنا على ذلك من الشاهدين ..
الموضوع الأصلى : سورة الفجر .. في ظلال القرآن  المصدر : قيثارة الغناء العربى
توقيع العضو: نور الحياة شاكر
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
نور الحياة شاكر
المشرف العام
المشرف العام
نور الحياة شاكر

الدولة : سورة الفجر .. في ظلال القرآن Female73
انثى
عدد الرسائل : 51922
تاريخ التسجيل : 08/12/2007
المزاج : سورة الفجر .. في ظلال القرآن 710
بطاقة عضوية : سورة الفجر .. في ظلال القرآن Ou_oa10

سورة الفجر .. في ظلال القرآن Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة الفجر .. في ظلال القرآن   سورة الفجر .. في ظلال القرآن 71831510السبت 4 يونيو 2011 - 0:43

سورة القدر .. في ظلال القرآن

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم
إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (١) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (٢) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (٣) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (٤) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (٥)


الحديث في هذه السورة عن تلك الليلة الموعودة المشهودة التي سجلها الوجود كله في فرح وغبطة وابتهال . ليلة الاتصال المطلق بين الأرض والملأ الأعلى . ليلة بدء نزول هذا القرآن على قلب محمد _صلى الله عليه وسلم_ ليلة ذلك الحدث العظيم الذي لم تشهد الأرض مثله في عظمته ، وفي دلالته ، وفي آثاره في حياة البشرية جميعاً . العظمة التي لا يحيط بها الإدراك البشري : "إنا أنزلناه في ليلة القدر. وما أدراك ما ليلة القدر؟" .. "ليلة القدر خير من ألف شهر" ..
والنصوص القرآنية التي تذكر هذا الحدث تكاد ترف وتنير . بل هي تفيض بالنور الهادئ الساري الرائق الودود . نور الله المشرق في قرآنه : إنا أنزلناه في ليلة القدر" ونور الملائكة والروح وهم في غدوهم ورواحهم طوال الليلة بين الأرض والملأ الأعلى :
"تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر" .. ونور الفجر الذي تعرضه النصوص متناسقاً مع نور الوحي ونور الملائكة ، وروح السلام المرفرف على الوجود وعلى الأرواح السارية في هذا الوجود : "سلام هي حتى مطلع الفجر" .
والليلة التي تتحدث عنها السورة هي الليلة التي جاء ذكرها في سورة الدخان : "إنا أنزلناه في ليلة مباركة ، إنا كنا منذرين ، فيها يفرق كل أمر حكيم . أمراً من عندنا إنا كنا مرسلين . رحمة من ربك إنه هو السميع العليم" .. والمعروف أنها ليلة من ليالي رمضان ، كما ورد في سورة البقرة : "شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن ، هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان" .. أي التي بدأ فيها نزول القرآن على قلب الرسول _صلى الله عليه وسلم_ ليبلغه إلى الناس . وفي رواية ابن اسحاق أن أول الوحي بمطلع سورة العلق كان في شهر رمضان ، ورسول الله _صلى الله عليه وسلم_ يتحنث في غار حراء .
وقد ورد في تعيين هذه الليلة آثار كثيرة . بعضها يعين الليلة السابعة والعشرين من رمضان . وبعضها يعين الليلة الواحدة والعشرين . وبعضها يعينها ليلة من الليالي العشر الأخيرة . وبعضها يطلقها في رمضان كله . فهي ليلة من ليالي رمضان على كل حال في أرجح الآثار .
واسمها : "ليلة القدر" .. قد يكون معناه التقدير والتدبير . وقد يكون معناه القيمة والمقام . وكلاهما يتفق مع ذلك الحدث الكوني العظيم . حدث القرآن والوحي والرسالة .. وليس أعظم منه ولا أقوم في أحداث هذا الوجود . وليس أدل منه كذلك على التقدير والتدبير في حياة العبيد . وهي خير من ألف شهر . والعدد لا يفيد التحديد . في مثل هذه المواضع من القرآن . إنما هو يفيد التكثير . والليلة خير من آلاف الشهور في حياة البشر . فكم من آلاف الشهور وآلاف السنين قد انقضت دون أن تترك في الحياة بعض ما تركته هذه الليلة المباركة السعيدة من آثار وتحولات .
والليلة من العظمة بحيث تفوق حقيقتها حدود الإدراك البشري : "وما أدراك ما ليلة القدر؟" وذلك بدون حاجة إلى التعلق بالأساطير التي شاعت حول هذه الليلة في أوهام العامة . فهي ليلة عظيمة باختيار الله لها لبدء تنزيل هذا القرآن . وإفاضةهذا النور على الوجود كله ، وإسباغ السلام الذي فاض من روح الله على الضمير البشري والحياة الإنسانية ، وبما تضمنه هذا القرآن من عقيدة وتصور وشريعة وآداب تشيع السلام في الأرض والضمير . وتنزيل الملائكة وجبريل _عليه السلام_ خاصة ، بإذن ربهم ، ومعهم هذا القرآن _باعتبار جنسه الذي نزل في هذه الليلة_ وانتشارهم فيما بين السماء والأرض في هذا المهرجان الكوني ، الذي تصوره كلمات السورة تصويراً عجيباً .
وحين ننظر اليوم من وراء الأجيال المتطاولة إلى تلك الليلة المجيدة السعيدة ، ونتصور ذلك المهرجان العجيب الذي شهدته الأرض في هذه الليلة ، ونتدبر حقيقة الأمر الذي تم فيها ، ونتملى آثاره المتطاولة في مراحل الزمان وفي واقع الأرض ، وفي تصورات القلوب والعقول .. فإننا نرى أمراً عظيماً حقاً . وندرك طرفاً من مغزى هذه الإشارة القرآنية إلى تلك الليلة : "وما أدراك ما ليلة القدر؟" ..
لقد فرق فيها من كل أمر حكيم . وقد وضعت فيها من قيم وأسس وموازين . وقد قررت فيها من أقدار أكبر من أقدار الأفراد . أقدار أمم ودول وشعوب . بل أكثر وأعظم .. أقدار حقائق وأوضاع وقلوب !
ولقد تغفل البشرية لجهالتها ونكد طالعها عن قدر ليلة القدر . وعن حقيقة ذلك الحدث ، وعظمة هذا الأمر . وهي منذ أن جهلت هذا وأغفلته فقدت أسعد وأجمل آلاء الله عليها ، وخسرت السعادة والسلام الحقيقي _سلام الضمير وسلام البيت وسلام المجتمع_ الذي وهبها إياه الإسلام . ولم يعوضها عما فقدت ما فتح عليها من أبواب كل شيء من المادة والحضارة والعمارة . فهي شقية ، شقية على الرغم من فيض الإنتاج وتوافر وسائل المعاش !
لقد انطفأ النور الجميل الذي أشرق في روحها مرة ، وانطمست الفرحة الوضيئة التي رفت بها وانطلقت إلى الملأ الأعلى . وغاب السلام الذي فاض على الأرواح والقلوب . فلم يعوضها شيء عن فرحة الروح ونور السماء زطلاقة الرفرفة إلى عليين ..
ونحن _المؤمنين_ مأمورون أن لا ننسى ولا نغفل هذه الذكرى ، وقد جعل لنا نبينا _صلى الله عليه وسلم_ سبيلاً هيناً ليناً لاستحياء هذه الذكرى في أرواحنا لتظل موصولة بها أبدا ، موصولة كذلك بالحدث الكوني الذي كان فيها . وذلك فيما حثنا عليه من قيام هذه الليلة من كل عام ، ومن تحريها والتطلع إليها في الليالي العشر الأخيرة من رمضان .. في الصحيحين :"تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان" .. وفي الصحيحين كذلك :"من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه" ..
والإسلام ليس شكليات ظاهرية . ومن ثم قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ في القيام في هذه الليلة أن يكون "إيماناً واحتساباً" .. وذلك ليكون هذا القيام استحياء للمعاني الكبيرة التي اشتملت عليها هذه الليلة "إيماناً" وليكون تجرداً لله وخلوصاَ "واحتساباً" .. ومن ثم تنبض في القلب حقيقة معينة بهذا القيام . ترتبط بذلك المعنى الذي نزل به القرآن .
والمنهج الإسلامي في التربية يربط بين العبادة وحقائق العقيدة في الضمير ، ويجعل العبادة وسيلة لاستحياء هذه الحقائق وإيضاحها وتثبيتها في صورة حية تتخلل المشاعر ولا تقف عند حدود التفكير .
وقد ثبت أن هذا المنهج وحده هو أصلح المناهج لإحياء هذه الحقائق ومنحها الحركة في عالم الضمير وعالم السلوك . وأن الإدراك النظري وحده لهذه الحقائق بدون مساندة العبادة ، وعن غير طريقها ، لا يقر هذه الحقائق ، ولا يحركها حركة دافعة في حياة الفرد ولا في حياة الجماعة ..
وهذا الربط بين ذكرى ليلة القدر وبين القيام فيها إيماناً واحتساباً ، هو طرف من هذا المنهج الإسلامي الناجح القويم .
الموضوع الأصلى : سورة الفجر .. في ظلال القرآن  المصدر : قيثارة الغناء العربى
توقيع العضو: نور الحياة شاكر
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
نور الحياة شاكر
المشرف العام
المشرف العام
نور الحياة شاكر

الدولة : سورة الفجر .. في ظلال القرآن Female73
انثى
عدد الرسائل : 51922
تاريخ التسجيل : 08/12/2007
المزاج : سورة الفجر .. في ظلال القرآن 710
بطاقة عضوية : سورة الفجر .. في ظلال القرآن Ou_oa10

سورة الفجر .. في ظلال القرآن Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة الفجر .. في ظلال القرآن   سورة الفجر .. في ظلال القرآن 71831510السبت 4 يونيو 2011 - 0:45

سورة العلق .. في ظلال القرآن

rendeer الرحمن الرحيم
اقرأ باسم ربك الذي خلق (1) خلق الإنسان من علق (2) اقرأ وربك الأكرم (3) الذي علم بالقلم (4) علم الإنسان ما لم يعلم (5) كلا إن الإنسان ليطغى (6) أن راءه استغنى (7) إن إلى ربك الرجعى (8) أرءيت الذي ينهى (9) عبداً إذا صلى (10) أرءيت إن كان على الهدى (11) أو أمر بالتقوى (12) أرءيت إن كذب وتولى (13) ألم يعلم بأن الله يرى (14) كلا لئن لم ينته لنسفعن بالناصية (15) ناصية كاذبة خاطئة (16) فليدع ناديه (17) سندع الزبانيه (18) كلا لا تطعه واسجد واقترب (19)


مطلع هذه السورة هو أول ما نزل من القرآن باتفاق . والروايات التي تذكر نزول غيرها ابتداء ليست وثيقة . قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا معمر بن الزهري ، عن عروة عن عائشة _رضي الله عنها_ قالت : "أول ما بدئ به رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم ، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح . ثم حبب إليه الخلاء . وكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه _وهو التعبد_ الليالي ذوات العدد ، قبل أن ينزع إلى أهله ، ويتزود إلى ذلك . ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها . حتى جاءه الحق وهو في غار حراء . فجاءه الملك ، فقال : اقرأ . قال : ما أنا بقارئ ، فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد . ثم أرسلني فقال : اقرأ . فقلت ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ، ثم أرسلني فقال : اقرأ . قلت : ما أنا بقارئ . فأخذني فغطني الثالثة ، ثم قال : "اقرأ باسم ربك الذي خلق . خلق الإنسان من علق . اقرأ وربك الأكرم . الذي علم بالقلم . علم الإنسان ما لم يعلم" .. فرجع بها رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ ترجف بوادره ، حتى دخل على خديجة ، فقال "زملوني زملوني" فزملوه حتى ذهب عنه الروع ، فقال : ياخديجة مالي ؟ واخبرها الخبر . وقال : "قد خشيت على نفسي" فقالت له : كلا أبشر فوالله لا يخزيك الله أبداً . إنك لتصل الرحم وتصدق الحديث ، وتحمل الكل وتقري الضيف ، وتعين على نوائب الحق . ثم انطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى بن قصي ، وهو ابن عم خديجة أخي أبيها وكان امرأ قد تنصر في الجاهلية . كان يكتب الكتاب العربي ، وكتب العبرانية من الإنجيل _ماشاء الله أن يكتب_ وكان شيخاً كبيراً قد عمي . فقالت خديجة : أي ابن عم ، اسمع من ابن أخيك ، فقال ورقة : ابن أخي ما ترى؟ فأخبره رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ بما رأى . فقال ورقة : هذا الناموس الذي أنزل على موسى . ليتني فيها جذع ، ليتني أكون حياً حين يخرجك قومك . فقال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ : "أو مخرجي هم؟" فقال ورقة : نعم . لم يأت رجل قط بما جئت إلا عودي ، وإن أدركني يومك أنصرك نصراً مؤزراً . ثم لم ينشب ورقة أن توفي .. الخ" . وهذا الحديث مخرج في الصحيحين من حديث الزهري .. وروى الطبري بإسناده _عن عبد الله بن الزبير قال :
"قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ : فجاءني وأنا نائم _بنمط من ديباج فيه كتاب فقال : اقرأ . فقلت : ما اقرأ . فغتني حتى ظننت أنه الموت . ثم أرسلني فقال : اقرأ . فقلت : ماذا اقرأ ؟ وما أقول ذلك إلا افتداء من أن يعود إليّ بمثل ما صنع بي . قال : "اقرأ باسم ربك الذي خلق .. إلى قوله :علم الإنسان ما لم يعلم" قال : فقرأته ثم انتهى ، ثم انصرف عني وهببت من نومي ، وكأنما كتب في قلبي كتاباً . قال : ولم يكن من خلق أبغض عليّ من شاعر أو مجنون . كنت لا أطيق أن أنظر إليهما ، قال : قلت : إن الأبعد _يعني نفسه_ لشاعر أو مجنون ! لا تتحدث بها عني قريش أبداً ! لأعمدن إلى حالق من الجبل فلأطرحن نفسي منها فلأقتلنها فلأستريحن ! قال : فخرجت أريد ذلك . حتى إذا كنت وسط الجبل سمعت صوتاً من السماء يقول : يا محمد أنت رسول الله وأنا جبريل . قال : فرفعت رأٍسي إلى السماء فإذا جبريل في صورة رجل صاف قدميه في أفق السماء يقول : يا محمد أنت رسول الله وأنا جبريل . قال فوقفت أنظر إليه وشغلني ذلك عما أردت فما أتقدم وما أتأخر ، وجعلت أصرف وجهي عنه في آفاق السماء ، فلا أنظر في ناحية منها إلا رأيته كذلك ، فما زلت واقفاً ما أتقدم أمامي ولا أرجع ورائي ، حتى بعثت خديجة رسلها في طلبي ، حتى بلغوا مكة ورجعوا إليها وأنا واقف في مكاني . ثم انصرف عني وانصرفت راجعاً إلى أهلي .." وقد رواه اسحاق مطولاً عن وهب بن كيسان عن عبيد أيضاً ..

الموضوع الأصلى : سورة الفجر .. في ظلال القرآن  المصدر : قيثارة الغناء العربى
توقيع العضو: نور الحياة شاكر
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
نور الحياة شاكر
المشرف العام
المشرف العام
نور الحياة شاكر

الدولة : سورة الفجر .. في ظلال القرآن Female73
انثى
عدد الرسائل : 51922
تاريخ التسجيل : 08/12/2007
المزاج : سورة الفجر .. في ظلال القرآن 710
بطاقة عضوية : سورة الفجر .. في ظلال القرآن Ou_oa10

سورة الفجر .. في ظلال القرآن Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة الفجر .. في ظلال القرآن   سورة الفجر .. في ظلال القرآن 71831510السبت 4 يونيو 2011 - 0:46

وقفت هنا أمام هذا الحادث الذي طالما قرأناه في كتب السيرة وفي كتب التفسير ، ثم مررنا به وتركناه ، أو تلبثنا عنده قليلاً ثم جاوزناه !
إنه حادث ضخم . ضخم جداً . ضخم إلى غير حد . ومهما حاولنا أن نحيط بضخامته فإن جوانب كثيرة منه ستظل خارج تصورنا !
إنه حادث ضخم بحقيقته . وضخم بدلالته . وضخم بآثاره في حياة البشرية جميعاً .. وهذه اللحظة التي تم فيها هذا الحادث تعد _بغير مبالغة_ هي أعظم لحظة مرت بهذه الأرض في تاريخها الطويل .
ما حقيقة هذا الحادث الذي تم في هذه اللحظة ؟
حقيقته أن الله جل جلاله ، العظيم الجبار القهار المتكبر ، مالك الملك كله ، قد تكرم _في عليائه_ فالتفت إلى هذه الخليقة المسماة بالإنسان ، القابعة في ركن من أركان الكون لا يكاد يرى اسمه الأرض. وكرم هذه الخليقة باختيار واحد منها ليكون ملتقى نوره الإلهي ومستودع حكمته ، ومهبط كلماته ، وممثل قدره الذي يريده سبحانه بهذه الخليقة .
وهذه حقيقة كبيرة . كبيرة إلى غير حد . تتكشف جوانب من عظمتها حين يتصور الإنسان _قدر طاقته_ حقيقة الألوهية المطلقة الأزلية الباقية . ويتصور في ظلها حقيقة العبودية المحدودة الحادثة الفانية . ثم يستشعر وقع هذه العناية الربانية بهذا المخلوق الإنساني ، ويتذوق حلاوة هذا الشعور ، ويتلقاه بالخشوع والشكر والفرح والابتهال .. وهو يتصور كلمات الله ، تتجاوب بها جنبات الوجود كله منزلة لهذا الإنسان في ذلك الركن المنزوي من أركان الوجود الضئيلة !
وما دلالة هذا الحادث ؟
دلالته _في جانب الله سبحانه_ أنه ذو الفضل الواسع والرحمة السابغة ، الكريم الودود المنان . يفيض من عطائه ورحمته بلا سبب ولا علة ، سوى أن الفيض والعطاء بعض صفاته الذاتية الكريمة .
ودلالته _في جانب الإنسان_ أن الله _سبحانه_ قد أكرمه كرامة لا يكاد يتصورها ، ولا يملك أن يشكرها وأن هذه وحدها لا ينهض لها شكره ولو قضى عمره راكعاً ساجداً .. هذه .. أن يذكره الله ، ويلفت إليه ويصله به ، ويختار من جنسه رسولاً يوحي إليه بكلماته . وأن تصبح الأرض مسكنه .. مهبطاً لهذه الكلمات التي تتجاوب بها جنبات الوجود في خشوع وابتهال.
فأما آثار هذا الحادث الهائل في حياة البشرية كلها فقد بدأت منذ اللحظة الأولى . بدأت في تحويل خط التاريخ ، منذ أن بدأت في تحويل خط الضمير الإنساني .. منذ أن تحددت الجهة التي يتطلع إليها الإنسان ويتلقى عنها تصوراته وقيمه وموازينه .. إنها ليست الأرض وليس الهوى .. إنما هي السماء والوحي الإلهي.
ومنذ هذه اللحظة عاش أهل الأرض الذين استقرت في أرواحهم هذه الحقيقة .. في كنف الله ورعايته المباشرة الظاهرة . عاشوا يتطلعون إلى الله مباشرة في كل أمرهم . كبيره وصغيره . يحسون ويتحركون تحت عين الله . ويتوقعون أن تمتد يده _سبحانه_ فتنقل خطاهم في الطريق خطوة خطوة . تردهم عن الخطأ وتقودهم إلى الصواب .. وفي كل ليلة كانوا يبيتون في ارتقاب أن يتنزل عليهم وحي من الله يحدثهم بما في نفوسهم ، ويفصل في مشكلاتهم ، ويقول لهم : خذوا هذا ودعوا ذاك !
ولقد كانت فترة عجيبة حقاً . فترة الثلاثة والعشرين عاماً التالية ، الني استمرت فيها هذا الصلة الظاهرة المباشرة بين البشر والملأ الأعلى . فترة لا يتصور حقيقتها إلا الذين عاشوها وأحسوها وشهدوا بدأها ونهايتها . وذاقوا حلاوة هذا الاتصال . وأحسوا يد الله تنقل خطاهم في الطريق . ورأوا من أين بدأوا وإلى أين انتهوا وهي مسافة هائلة لا تقاس بأي مقياس من مقاييس الأرض . مسافة في الضمير لا تعدلها مسافة في الكون الظاهر ، ولا يماثلها بعد بين الأجرام والعوالم ! المسافة بين التلقي من الأرض والتلقي من السماء . بين الاستمداد من الهوى والاستمداد من الوحي . بين الجاهلية والإسلام . بين البشرية والربانية أوهي أبعد مما بين الأرض والسماء في عالم الأجرام !
وكانوا يعرفون مذاقها ويدركون حلاوتها ويشعرون بقيمتها ، ويحسون وقع فقدانها حينما انتقل رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ إلى الرفيق الأعلى ، وانقطعت هذه الفترة العجيبة التي لا يكاد العقل يتصورها لولا أنها وقعت حقاً.
عن أنس _رضي الله عنه_ قال : قال أبو بكر لعمر _رضي الله عنهما_ بعد وفاة رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ انطلق بنا إلى أم أيمن _رضي الله عنها_ نزورها كما كان رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ يزورها . فلما أتيا إليها بكت . فقالا لها : ما
يبكيك؟ أما تعلمين أن ما عند الله خير لرسول الله _صلى الله عليه وسلم_ ؟ قالت : بلى إني لأعلم أن ما عند الله خير لرسول الله _صلى الله عليه وسلم- ولكن أبكي أن الوحي قد انقطع من السماء . فهيجتهما على البكاء ، فجعلا يبكيان معها ..(أخرجه مسلم) ..
ولقد ظلت آثار هذه الفترة تعمل في حياة البشر منذ تلك اللحظة إلى هذه اللحظة ، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها .
لقد ولد الإنسان من جديد باستمداد قيمه من السماء لا من الأرض ، واستمداد شريعته من الوحي لا من الهوى .
لقد تحول خط التاريخ كما لم يتحول من قبل قط ، وكما لم يتحول من بعد أيضاً . وكان هذا الحدث هو مفرق الطريق . وقامت المعالم في الأرض واضحة عالية لا يطمسها الزمان ، ولا تطمسها الأحداث . وقام في الضمير الإنساني تصور للوجود وللحياة وللقيم لم يسبق أن اتضح بمثل هذه الصورة ، ولم يجيء بعده تصور في قواعد هذا المنهج الإلهي في الأرض ! وتبينت خطوطه ومعالمه "ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حيّ عن بينة" .. لا غموض ولا إبهام . إنما هو الضلال عن علم ، والانحراف عن عمد ، والالتواء عن قصد !
إنه الحادث الفذ في تلك اللحظة الفريدة . الحادث الكوني الذي ابتدأ به عهد في هذه الأرض وانتهى عهد . والذي كان فرقاناً في تاريخ البشر لا في تاريخ امة ولا جيل . والذي سجلته جنبات الوجود كله وهي تتجاوب به ، وسجله الضمير الإنساني . وبقي أن بتلفت هذا الضمير اليوم على تلك الذكرى العظيمة ولا ينساها . وأن يذكر دائماً أنه ميلاد جديد للإنسانية لم يشهده إلا مرة واحدة في الزمان ..



الموضوع الأصلى : سورة الفجر .. في ظلال القرآن  المصدر : قيثارة الغناء العربى
توقيع العضو: نور الحياة شاكر
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
نور الحياة شاكر
المشرف العام
المشرف العام
نور الحياة شاكر

الدولة : سورة الفجر .. في ظلال القرآن Female73
انثى
عدد الرسائل : 51922
تاريخ التسجيل : 08/12/2007
المزاج : سورة الفجر .. في ظلال القرآن 710
بطاقة عضوية : سورة الفجر .. في ظلال القرآن Ou_oa10

سورة الفجر .. في ظلال القرآن Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة الفجر .. في ظلال القرآن   سورة الفجر .. في ظلال القرآن 71831510السبت 4 يونيو 2011 - 0:48

ذلك شأن المقطع الأول من السورة . فأما بقيتها فواضح أنها نزلت فيما بعد . فهي تشير إلى مواقف وأحداث في السيرة لم تجيء إلا متأخرة ، بعد تكليف الرسول _صلى الله عليه وسلم_ إبلا غ الدعوة والجهر بالعبادة ، وقيام المشركين بالمعارضة . وذلك ما يشير إليه قوله تعالى في السورة : "أرأيت الذي ينهى عبداً إذا صلى؟" .. الخ
ولكن هناك تناسقاً كاملاً بين أجزاء السورة ، وتسلسلاً في ترتيب الحقائق التي تضمنتها بعد هذا المطلع المتقدم . يجعل من السورة كلها وحدة منسقة متماسكة ..
"اقرأ باسم ربك الذي خلق.خلق الإنسان من علق. اقرأ وربك الأكرم . الذي علم بالقلم . علم الإنسان ما لم يعلم" ..
إنها السورة الأولى من هذا القرآن ، فهي تبدأ باسم الله وتوجه الرسول _صلى الله عليه وسلم_ أول ما توجه ، في أول لحظة من لحظات اتصاله بالملأ الأعلى ، وفي أول خطوة من خطواته في طريق الدعوة التي اختير لها .. توجهه إلى أن يقرأ باسم الله "اقرأ باسم ربك" ..
وتبدأ من صفات الرب بالصفة التي بها الخلق والبدء : "الذي خلق" .
ثم تخصص : خلق الإنسان ومبدأه : "خلق الإنسان من علق" .. من تلك النقطة الدموية الجامدة العالقة بالرحم . من ذلك المنشأ الصغير الساذج التكوين . فتدل على كرم الخالق فوق ما تدل على قدرته . فمن كرمه رفع هذا العلق إلى درجة الإنسان الذي يُعلم فيتعلم : "اقرأ وربك الأكرم ، الذي علم بالقلم ، علم الإنسان ما لم يعلم" ..
وإنها لنقلة بعيدة جداً بين المنشأ والمصير . ولكن الله قادر . ولكن الله كريم . ومن ثم كانت هذه النقلة التي تدير الرؤوس!
وإلى جانب هذه الحقيقة تبرز حقيقة التعليم .. تعليم الرب للإنسان "بالقلم" .. لأن القلم كان ولا يزال أوسع وأدق أدوات التعلم أثراً في حياة الإنسان .. ولم تكن هذه الحقيقة إذ ذاك بهذا الوضوح الذي نلمسه الآن ونعرفه في حياة البشرية . ولكن الله سبحانه كان يعلم قيمة القلم ، فيشير إليه هذه الإشارة في أول لحظة من لحظات الرسالة الأخيرة للبشرية . في أول سورة من سور القرآن الكريم .. هذا مع أن الرسول الذي جاء بها لم يكن كاتباً بالقلم ، وما كان ليبرز هذه الحقيقة من اللحظة الأولى لو كان هو الذي يقول هذا القرآن . لولا أنه الوحي ، ولولا أنها الرسالة !
ثم تبرز مصدر التعليم .. إن مصدره هو الله . منه يستمد الإنسان كل ما علم ، وكل ما يعلم . وكل ما يفتح له من أسرار هذا الوجود ومن أسرار هذه الحياة ، ومن أسرار نفسه . فهو من هناك . من ذلك المصدر الواحد الذي ليس هناك سواه.
وبهذا المقطع الواحد الذي نزل في اللحظة الأولى من اتصال الرسول _صلى الله عليه وسلم_ بالملأ الأعلى ، بهذا المقطع وضعت قاعدة التصور الإيماني العريضة ..
كل امر . كل حركة . كل خطوة . كل عمل . باسم الله . وعلى اسم الله . باسم الله تبدأ وباسم الله تسير . وإلى الله تتجه ، وإليه تصير .
والله هو الذي خلق . وهو الذي علم . فمنه البدء والنشأة ، ومنه التعليم والمعرفة .. والإنسان يتعلم ما يتعلم ، ويعلم ما يعلم .. فمصدر هذا كله هو الله الذي خلق والذي علم "علم الإنسان ما لم يعلم" ..
وهذه الحقيقة القرآنية الأولى التي تلقاها قلب الرسول _صلى الله عليه وسلم_ في اللحظة الأولى هي التي ظلت تصرف شعوره ، وتصرف لسانه ، وتصرف عمله واتجاهه ، بعد ذلك طوال حياته . بوصفها قاعدة الإيمان الأولى .
قال الإمام شمس الدين أبو محمد بن قيم الجوزيه في كتابه :"زاد المعاد في هدي خير العباد" يلخص هدي رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ في ذكر الله :
"كان النبي _صلى الله عليه وسلم_ أكمل الخلق ذكراً لله عز وجل. بل كان كلامه كله في ذكر الله وما والاه . وكان أمره ونهيه وتشريعه للأمة ذكراً منه له ، وثناؤه عليه بآلائه وتمجيده وتحميده وتسبيحه ذكراً منه له . وسؤاله ودعاؤه إياه ورغبته ورهبته ذكراً منه له ، وسكوته وصمته ذكراً منه له بقلبه . فكان ذاكراً لله في كل أحيانه وعلى جميع أحواله . وكان ذكره
لله يجري مع أنفاسه قائماً وقاعداً وعلى جنبه ، وفي مشيته وركوبه ، وسيره ونزوله ، وظعنه وإقامته .
كان إذا استيقظ قال : الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور . وقالت عائشة كان إذا هب من الليل كبر عشراً وهلل عشراً ثم قال : اللهم إني أعوذ بك من ضيق الدنيا وضيق يوم القيامة عشراً ،ثم يستفتح الصلاة . وقالت أيضاً : كان إذا استيقظ من الليل قال : لا إله إلا أنت سبحانك . اللهم استغفرك لذنبي واسألك رحمتك . اللهم زدني علماً ، ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني وهب لي من لدنك رحمة ، إنك أنت الوهاب "ذكرها أبو داود" . وأخبر أن من استيقظ من الليل فقال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، الحمد لله وسبحان الله ولا إله إلا الله والله وأكبر ولا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم ثم قال اللهم اغفر لي ، أو دعاء آخر استجيب له ، فإن توضأ وصلى قبلت صلاته "ذكره البخاري
وقال ابن عباس عنه _صلى الله عليه وسلم_ ليلة مبيته عنده : إنه لما استيقظ رفع رأسه للسماء ، وقال العشر الآيات الخواتيم من سورة آل عمران .. " إن في خلق السماوات والأرض ..الخ" ثم قال : "اللهم لك الحمد أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن . ولك الحمد أنت قيم السماوات والأرض ومن فيهن . ولك الحمد أنت الحق ووعدك الحق ، وقولك الحق ، ولقاؤك حق ، والجنة حق والنار حق ، والنبيون حق ، ومحمد حق ، والساعة حق . اللهم لك أسلمت وبك آمنت ، وعليك توكلت ، وإليك أنبت ، وبك خاصمت ، وإليك حاكمت ، فاغفر لي ما قدمت وما أخرت ، وما أسررت وما أعلنت . أنت إلهي لا إله إلا أنت ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
"وقد قالت عائشة _رضي الله عنها_ كان إذا قام من الليل قال : اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل ، فاطر السماوات والأرض ، عالم الغيب والشهادة ، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون ، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك ، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم" . وربما قالت : كان يفتتح صلاته بذلك.
"وكان إذا أوتر ختم وتره بعد فراغه بقوله : سبحان الله القدوس (ثلاثاً) ويمد بالثالثة صوته.
"وكان إذا خرج من بيته يقول : rendeer توكلت على الله ، اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو أُضل ، أو أزل أو أُزل ، أو أظلم أو أُظلم أو أجهل أو يُجهل عليّ (حديث صحيح) .
"وقال _صلى الله عليه وسلم_ من قال إذا خرج من بيته rendeer توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله يقال له : هديت وكفيت ووقيت وتنحى عنه الشيطان" (حديث حسن)
"وقال ابن عباس عنه _ليلة مبيته عنده_ : إنه خرج إلى صلاة الفجر وهو يقول : اللهم اجعل في قلبي نوراً ، واجعل في لساني نوراً ، واجعل في سمعي نوراً ، واجعل في بصري نوراً ، واجعل من خلفي نوراً ، ومن أمامي نوراً ، واجعل من فوقي نوراً واجعل من تحتي نوراً . اللهم أعظم لي نوراً"
"وقال فضل بن مرزوق عن عطية العوفي ، عن أبي سعيد الخدري : قال : قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ : "ما خرج رجل من بيته إلى الصلاة فقال : اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك ، وبحق ممشاي إليك ، فإني لم أخرج بطراً ولا أشراً ولا رياء ولا سمعة ، وإنما خرجت اتقاء سخطك ، وابتغاء مرضاتك ، أسألك أن تنقذني من النار وأن تغفر لي ذنوبي ، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت . إلا وكل الله به سبعين ألف ملك يستغفرون له ، وأقبل الله عليه بوجهه حتى يقضي صلاته"
وذكر أبو داود عنه _صلى الله عليه وسلم_ أنه كان إذا دخل المسجد قال : أعوذ بالله العظيم ، وبوجهه الكريم ، وسلطانه القديم ، من الشيطان الرجيم . فإذا قال ذلك قال الشيطان : حفظ مني سائر اليوم" .
وقال صلى الله عليه وسلم : "إذا دخل أحدكم المسجد فليصل وليسلم على النبي _صلى الله عليه وسلم_ وليقل : اللهم افتح لي أبواب رحمتك ، فإذا خرج فليقل : اللهم إني أسألك من فضلك"
وذكر عنه أنه كان إذا دخل المسجد صلى على محمد وآله وسلم ، ثم يقول : اللهم اغفر لي ذنوبي ، وافتح لي أبواب رحمتك. فإذا خرج صلى على محمد وآله وسلم ، ثم يقول : اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي باب فضلك"
"وكان إذا صلى الصبح جلس في مصلاه حتى تطلع الشمس يذكر الله عز وجل . وكان يقول إذا أصبح : اللهم بك أصبحنا وبك امسينا ، وبك نحيا وبك نموت وإليك النشور (حديث صحيح) وكان يقول : "أصبحنا وأصبح الملك لله والحمد لله ولا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير . رب أسألك خير ما في هذا اليوم وخير ما بعده ، وأعوذ بك من شر هذا اليوم وشر ما بعده ، رب أعوذ بك من الكسل وسوء الكبر ، رب أعوذ بك من عذاب في النار وعذاب في القبر . وإذا أمسى قال : أمسينا وأمسى الملك لله ..الخ (ذكره مسلم)
"وقال له أبو بكر الصديق _رضي الله عنه_ : مرني بكلمات أقولهن إذا أصبحت وإذا أمسيت : قال : قل اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة رب كل شيء ومليكه أشهد أن لا إله إلا أنت أعوذ بك من شر نفسي ومن شر الشيطان وشركه وأن أقترف على نفسي سوءاً أو أجره إلى مسلم . قال : قلها إ1ا أصبحت وإذا أمسيت وإذا أخذت مضجعك" (حديث صحيح)
" وكان صلى الله عليه وسلم إذا استجد ثوباً سماه باسمه عمامة أو قميصاً أو رداء ثم يقول : اللهم لك الحمد ، أنت كسوتنيه ، أسألك خيره وخير ما صنع له ، وأعوذ بك من شره وشرما صنع له (حديث صحيح) .
"ويذكر عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول إذا انقلب إلى بيته : الحمد لله الذي كفاني وآواني ، والحمد لله الذي أطعمني وسقاني ، والحمد لله الذي من عليّ أسألك أن تجيرني من النار"
"وثبت عنه في الصحيحين أنه كان يقول عند دخول الخلاء : اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث"
"وكان إذا خرج من الخلاء قال : غفرانك " ويذكر عنه أنه كان يقول الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني (ذكره ابن ماجه)
"وثبت عنه أنه وضع يده في الإناء الذي فيه الماء ثم قال للصحابة : توضأوا باسم الله .
"ويذكر عنه أنه كان يقول عند رؤية الهلال : اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان ، والسلامة والإسلام ربي وربك الله (قال الترمذي حديث حسن)
"وكان إذا وضع يده في الطعام قال : باسم الله ويأمر الآكل بالتسمية ويقول : إذا أكل أحدكم فليذكر اسم الله تعالى ، فإن نسي أن يذكر اسم الله في أوله فليقل : باسم الله في أوله وآخره " (حديث صحيح)
وهكذا كانت حياته كلها _صلى الله عليه وسلم_ بدقائقها متأثرة بهذا التوجيه الإلهي الذي تلقاه في اللحظة الأولى وقام به تصوره الإيماني على قاعدته الأصيلة العريقة ..
ولقد كا ن من مقتضيات تلك الحقيقة : حقيقة أن الله هو الذي خلق . وهو الذي علم . وهو الذي أكرم . أن يعرف الإنسان . ويشكر . ولكن الذي حدث كان غير هذا ، وهذا الانحراف هو الذي يتحدث عنه المقطع الثاني للسورة :
"كلا ! إن الإنسان ليطغى . أن رآه استغنى . إن إلى ربك الرجعى" ..
إن الذي أعطاه فأغناه هو الله . كما أنه هو الذي خلقه وأكرمه وعلمه . ولكن الإنسان في عمومه _لا يستثنى إلا من يعصمه إيمانه_ لا يشكر حين يُعطى فيستغني ، ولا يعرف مصدر النعمة التي أغنته ، وهو المصدر الذي أعطاه خلقه وأعطاه علمه .. ثم أعطاه رزقه .. ثم هو يطغى ويفجر ، ويبغي ويتكبر ، من حيث كان ينبغي أن يعرف ثم يشكر .
وحين تبرز صورة الإنسان الطاغي الذي نسي نشأته وأبطره الغنى ، يجيء التعقيب بالتهديد الملفوف : "إن إلى ربك الرجعى" فأين يذهب هذا الذي طغى واستغنى ؟
وفي الوقت ذاته تبرز قاعدة أخرى من قواعد التصور الإيماني . قاعدة الرجعة إلى الله . الرجعة إليه في كل شيء وفي كل أمر ، وفي كل نية ، وفي كل حركة ، فليس هناك مرجع سواه . إليه يرجع الصالح والطالح . والطائع والعاصي . والمحق والمبطل . والخيّر والشرير . والغني والفقير .. وإليه يرجع هذا الذي يطغى أن رآه استغنى . ألا إلى الله تصير الأمور .. ومنه النشأة وإليه المصير ..
وهكذا تجتمع في المقطعين أطراف التصور الإيماني .. الخلق والنشأة . والتكريم والتعليم .. ثم الرجعة والمآب لله وحده بلا شريك : "إن إلى ربك الرجعى"
الموضوع الأصلى : سورة الفجر .. في ظلال القرآن  المصدر : قيثارة الغناء العربى
توقيع العضو: نور الحياة شاكر
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
نور الحياة شاكر
المشرف العام
المشرف العام
نور الحياة شاكر

الدولة : سورة الفجر .. في ظلال القرآن Female73
انثى
عدد الرسائل : 51922
تاريخ التسجيل : 08/12/2007
المزاج : سورة الفجر .. في ظلال القرآن 710
بطاقة عضوية : سورة الفجر .. في ظلال القرآن Ou_oa10

سورة الفجر .. في ظلال القرآن Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة الفجر .. في ظلال القرآن   سورة الفجر .. في ظلال القرآن 71831510السبت 4 يونيو 2011 - 0:53

ثم يمضي المقطع الثالث في السورة القصيرة يعرض صورة من صور الطغيان : صورة مستنكرة يعجب منها ويفظع وقوعها في أسلوب قرآني فريد.
"أرأيت الذي ينهى عبداً إذا صلى ؟ أرأيت إن كان على الهدى أو أمر بالتقوى ؟ أرأيت إن كذب وتولى ؟ ألم يعلم بأن الله يرى ؟" .
والتشنيع والتعجيب واضح في طريقة التعبير ، التي تتعذر مجاراتها في لغة الكتابة . ولا تؤدى إلا في أسلوب الخطاب الحي . الذي يعبر باللمسات المتقطعة في خفة وسرعة !
"أرأيت؟" أرأيت هذا الأمر المستنكر ؟ أرأيته يقع ؟ "أرأيت الذي ينهى عبداً إذا صلى؟" .
أرأيت حين تضم شناعة إلى شناعة ؟ وتضاف بشاعة إلى بشاعة ؟ أرأيت إن كان هذا الذي يصلي ويتعرض له من ينهاه عن صلاته .. إن كان على الهدى أو أمر بالتقوى ؟ ثم ينهاه من ينهاه . مع أنه على الهدى ، آمر بالتقوى ؟
أرأيت إن أضاف إلى الفعلة المستنكرة فعلة أخرى أشد نكراً ؟ "أرأيت إن كذب وتولى ؟" .
هنا يجيء التهديد الملفوف كما جاء في نهاية المقطع الماضي :"ألم يعلم بأن الله يرى؟" يرى تكذيبه ويرى توليه ويرى نهيه للعبد المؤمن إذا صلى ، وهو على الهدى آمر بالتقوى . يرى وللرؤية ما بعدها ! "ألم يعلم بأن الله يرى!" .
وأمام مشهد الطغيان الذي يقف في وجه الدعوة وفي وجه الإيمان وفي وجه الطاعة ، يجيء التهديد الحاسم الرادع الاخير ، مكشوفاً في هذه المرة لا ملفوفاً : "كلا لئن لم ينته لنسفعن بالناصية . ناصية كاذبة خاطئة . فليدع ناديه . سندع الزبانية " .
إنه تهديد في إبانه . في اللفظ الشديد العنيف :"كلا لئن لم ينته لنسفعن بالناصية"
هكذا "لنسفعن" بهذا اللفظ الشديد المصور بجرسه لمعناه . والسفع : الأخذ بعنف . والناصية : الجبهة . أعلى مكان يرفعه الطاغية المتكبر . مقدم الرأس المتشامخ : إنها ناصية تستحق السفع والصرع :"ناصية كاذبة خاطئة" ! وإنها للحظة سفع وصرع . فقد يخطر له أن يدعو من يعتز بهم من اهله وصحبه : "فليدع ناديه" أما نحن فإننا "سندع الزبانية" الشداد الغلاظ .. والمعركة إذن معروفة المصير .
وفي ضوء هذا المصير المتخيل الرعيب .. تختم السورة بتوجيه المؤمن الطائع إلى الإصرار والثبات على إيمانه وطاعته ..
"كلا لا تطعه واسجد واقترب"
كلا ! لا تطع هذا الطاغي الذي ينهى عن الصلاة والدعوة واسجد لربك واقترب منه بالطاعة والعبادة . ودع هذا الطاغي الناهي . دعه للزبانية !
ولقد وردت بعض الروايات الصحيحة بأن السورة _عدا المقطع الأول منها_ قد نزلت في أبي جهل إذ مر برسول الله _صلى الله عليه وسلم_ وهو يصلي عند المقام . فقال : يامحمد ألم أنهك عن هذا ؟ وتوعده فأغلظ له رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ وانتهره .. ولعلها هي التي أخذ فيها رسول الله_صلى الله عليه وسلم_ بخناقه وقال له : "أولى لك ثم أولى" فقال : يا محمد بأي شيء تهددني ؟ أما والله إني لأكثر هذا الوادي نادياً ، فأنزل الله "فليدع ناديه .." وقال ابن عباس لو دعا ناديه لأخذته ملائكة العذاب من ساعته . ولكن دلالة السورة عامة في كل مؤمن طائع عابد داع إلى الله وكل طاغ باغ ينهى عن الصلاة ويتوعد على الطاعة ويختال بالقوة .. والتوجيه الرباني الأخير : "كلا ! لا تطعه واسجد واقترب"
وهكذا تتناسق مقاطع السورة كلها وتتكامل إيقاعاتها.
الموضوع الأصلى : سورة الفجر .. في ظلال القرآن  المصدر : قيثارة الغناء العربى
توقيع العضو: نور الحياة شاكر
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
نور الحياة شاكر
المشرف العام
المشرف العام
نور الحياة شاكر

الدولة : سورة الفجر .. في ظلال القرآن Female73
انثى
عدد الرسائل : 51922
تاريخ التسجيل : 08/12/2007
المزاج : سورة الفجر .. في ظلال القرآن 710
بطاقة عضوية : سورة الفجر .. في ظلال القرآن Ou_oa10

سورة الفجر .. في ظلال القرآن Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة الفجر .. في ظلال القرآن   سورة الفجر .. في ظلال القرآن 71831510السبت 4 يونيو 2011 - 0:55

سورة الزلزلة .. في ظلال القرآن


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (١) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا (٢) وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا (٣) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (٤) بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا (٥) يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ (٦) فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (٧) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (٨)


هذه السورة مدنية في ا لمصحف وفي بعض الروايات ، ومكية في بعض الروايات الأخرى ، ونحن نرجح الروايات التي تقول بأنها مكية . وأسلوبها التعبيري وموضوعها يؤيدان هذا .
إنها هزة عنيفة للقلوب الغافلة . هزة يشترك فيها الموضوع والمشهد والإيقاع اللفظي . وصيحة قوية مزلزلة للأرض ومن عليها ، فما يكادون يفيقون حتى يواجههم الحساب والوزن والجزاء في بضع فقرات قصار !
هذا هو طابع الجزء كله يتمثل في هذه السورة تمثلاً قوياً ..
"إذا زلزلت الأرض زلزالها ، وأخرجت الأرض أثقالها ، وقال الإنسان مالها ؟ يومئذ تحدث أخبارها بأن ربك أوحى لها" .
إنه يوم القيامة حيث ترتجف الأرض الثابتة ارتجافاً ، وتزلزل زلزالاً ، وتنفض مافي جوفها نفضاً ، وتخرج ما يثقلها من أجساد ومعادن وغيرها مما حملته طويلاً . وكأنها تتخفف من هذه الأثقال التي حملتها طويلاً !
وهو مشهد يهز تحت أقدام المستمعين لهذه السورة كل شيء ثابت ، ويخيل إليهم أنهم يترنحون ويتأرجحون والأرض من تحتهم تهتز وتمور ! مشهد يخلع القلوب من كل ما تتشبث به من هذه الأرض ، وتحسبه باقياً ثابتاً ، وهو الإيحاء الأول لمثل هذه المشاهد التي يصورها القرآن ، ويودع فيها حركة تكاد تنتقل إلى أعصاب السامع بمجرد سماع العبارة القرآنية الفريدة !
ويزيد هذا الأثر وضوحاً بتصوير الإنسان حيال المشهد المعروض ، ورسم انفعالاته وهو يشهده :وقال الإنسان : مالها؟"..
وهو سؤال المشدوه المبهوت المفجوء ، الذي يرى ما لم يعهد ، ويواجه ما لا يدرك، ويشهد ما لا يملك الصبر والسكوت أمامه . مالها؟ ما الذي يزلزلها هكذا ويرجها رجا ؟ مالها ؟ وكأنه يتمايل على ظهرها ويترنح معها ، ويحاول أن يمسك بأي شيء يسنده ويثبته ، وكل ما حوله يمور موراً شديداً !
"والإنسان" قد شهد الزلازل والبراكين من قبل . وكان يصاب بالهلع والذعر ، والهلاك والدمار ، لكنه حين يرى زلزال يوم القيامة لا يجد أن هناك شبهاً بينه وبين ما كان يقع من الزلازل والبراكين في الحياة الدنيا . فهذا أمر جديد لا عهد للإنسان به . أمر لا يعرف له سراً ، ولا يذكر له نظيراً . أمر هائل يقع للمرة الأولى !
"يومئذ" .. يوم يقع هذا الزلزال ، ويشده أمامه الإنسان "تحدث أخبارها بأن ربك أوحى لها" ..يومئذ تحدث هذه الأرض أخبارها ، وتصف حالها وما جرى لها .. لقد كان ما كان لها "بأن ربك أوحى لها" .. وأمرها بأن تمور موراً ، وأن تزلزل زلزالها ، وأن تخرج أثقالها ! فأطاعت أمر ربها "وأذنت لربها وحقت" تحدث أخبارها . فهذا الحال حديث واضح عما وراءه من أمر الله ووحيه إليها ..

الموضوع الأصلى : سورة الفجر .. في ظلال القرآن  المصدر : قيثارة الغناء العربى
توقيع العضو: نور الحياة شاكر
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
نور الحياة شاكر
المشرف العام
المشرف العام
نور الحياة شاكر

الدولة : سورة الفجر .. في ظلال القرآن Female73
انثى
عدد الرسائل : 51922
تاريخ التسجيل : 08/12/2007
المزاج : سورة الفجر .. في ظلال القرآن 710
بطاقة عضوية : سورة الفجر .. في ظلال القرآن Ou_oa10

سورة الفجر .. في ظلال القرآن Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة الفجر .. في ظلال القرآن   سورة الفجر .. في ظلال القرآن 71831510السبت 4 يونيو 2011 - 0:57

وهنا و "الإنسان" مشدوه مأخوذ ، والإيقاع يلهث فزعاً ورعباً ، ودهشة وعجباً ، واضطراباً وموراً .. هنا و "الإنسان" لا يكاد يلتقط أنفاسه وهو يتساءل : مالها مالها ؟ هنا يواجه بمشهد الحشر والحساب والوزن والجزاء :
"يومئذ يصدر الناس أشتاتاً ليروا أعمالهم . فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره . ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره".
وفي لمحة نرى مشهد القيام من القبور : "يومئذ يصدر الناس أشتاتاً" ترى مشهدهم شتيتاً منبعثاً من أرجاء الأرض "كأنهم جراد منتشر" .. وهو مشهد لا عهد للإنسان به كذلك من قبل . مشهد الخلائق في أجيالها جميعاً تنبعث من هنا ومن هناك : "يوم تشقق الأرض عنهم سراعاً" .. وحيثما امتد البصر رأى شبحاً ينبعث ثم ينطلق مسرعاً ! لا يلوي على شيء ، ولا ينظر وراءه ولا حواليه : "مهطعين إلى الداع" ممدة رقابهم ، شاخصة أبصارهم "لكل امريء منهم يومئذ شأن يغنيه" .
إنه مشهد لا تعبر عن صفته لغة البشر . هائل مروع . مفزع . مرعب . مذهل ..
كل أولئك وسائر ما في المعجم من أمثالها لا تبلغ من وصف هذا المشهد شيئاً مما يبلغه إرسال الخيال قليلاً يتملاه بقدر ما يملك وفي حدود ما يطيق !
"يومئذ يصدر الناس أشتاتاً" .. "ليروا أعمالهم" .. وهذه أشد وأدهى .. إنهم ذاهبون إلى حيث تعرض أعمالهم ، ليواجهوها ، ويواجهوا جزاءها . ومواجهة الإنسان لعمله قد تكون أحياناً أقسى من كل جزاء . وإن من عمله ما يهرب من مواجهته بينه وبين نفسه ، ويشيح بوجهه عنه لبشاعته حين يتمثل له في نوبة من نوبات الندم ولذع الضمير . فكيف به وهو يواجه بعمله على رؤوس الأشهاد ، في حضرة الجليل العظيم الجبار المتكبر ؟!
إنها عقوبة هائلة رهيبة .. مجرد أن يروا أعمالهم وأن بواجهوا بما كان منهم !
ووراء رؤيتها للحساب الدقيق الذي لا يدع ذرة من خير أو من شر لا يزنها ولا يجازي عليها
" فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره . ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره" ..
ذرة .. كان المفسرون القدامى يقولون : إنها البعوضة . وكانوا يقولون إنها الهباءة التي ترى في ضوء الشمس .. فقد كان ذلك أصغر ما يتصورونه من لفظ الذرة .. فنحن الآن نعلم أن الذرة شيء محدد يحمل هذا الاسم ، وأنه أصغر بكثير من تلك الهباءة التي ترى في ضوء الشمس ، فالهباءة ترى بالعين المجردة ، أم الذرة فلا ترى أبداً حتى بأعظم المجاهر في المعامل . إنما هي "رؤيا" في ضمير العلماء ! لم يسبق لواحد منهم أن رآها بعينه ولا بمجهره ، وكل ما رآه هو آثارها !
فهذه أو ما يشبهها من ثقل ، من خير أو شر ، تحضر ويراها صاحبها ويجد جزاءها ! ..
عندئذ لا يحقر "الإنسان" شيئاً من عمله . خيراً كان أو شراً . ولا يقول هذه صغيرة لا حساب لها ولا وزن . إنما يرتعش وجدانه أمام كل عمل من أعماله ارتعاشة ذلك الميزان الدقيق الذي ترجح به الذرة أو تشيل !
إن هذا الميزان لم يوجد له نظير أو شبيه بعد في الأرض .. إلا في القلب المؤمن ..
القلب الذي يرتعش لمثقال ذرة من خير أو شر .. وفي الأرض قلوب لا تتحرك للجبل من الذنوب والمعاصي والجرائر .. ولا تتأثر وهي تسحق رواسي من الخير دونها رواسي الجبال..
إنها قلوب عتلة في الأرض ، مسحوقة تحت أثقالها تلك في يوم الحساب !
!

منقوووووول
الموضوع الأصلى : سورة الفجر .. في ظلال القرآن  المصدر : قيثارة الغناء العربى
توقيع العضو: نور الحياة شاكر
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
sirine
عاشقة شادية
عاشقة شادية
sirine

الدولة : سورة الفجر .. في ظلال القرآن Male_l10
انثى
عدد الرسائل : 42620
تاريخ التسجيل : 01/12/2008
المزاج : سورة الفجر .. في ظلال القرآن Qatary21
احترام القوانين : سورة الفجر .. في ظلال القرآن 111010
بطاقة عضوية : سورة الفجر .. في ظلال القرآن Aao10

سورة الفجر .. في ظلال القرآن Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة الفجر .. في ظلال القرآن   سورة الفجر .. في ظلال القرآن 71831510السبت 4 يونيو 2011 - 1:20

تسلم ايدك يا غالية

الموضوع الأصلى : سورة الفجر .. في ظلال القرآن  المصدر : قيثارة الغناء العربى
توقيع العضو: sirine
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://www.shadialovely.com/
 

سورة الفجر .. في ظلال القرآن

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة 

 مواضيع مماثلة

+
صفحة 1 من اصل 2انتقل الى الصفحة : 1, 2  الصفحة التالية

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى شادية دلوعة الشاشة العربية :: المنتـــــ المتنوعة ـــــديات :: المنتديات المتنوعة :: المنتدى الإسلامى-
انتقل الى: